لا مقارنة بين حزب الوفد في مصر والإتحادي في السودان (2-2)
لن يحدث للحزب الإتحادي كما حدث لحزب الوفد المصري
فذاك كان حزب الباشوات وهذا هو حزب جميع أهل السودان
بقلم: صلاح الباشا
صلة لحديث الأمس نقول ، أن حزب الوفد في مصر وبعد غيابه أو تغييبه عن الساحة السياسية هناك بسبب حل حكومة الرئيس جمال عبدالناصر في العام 1952م لجميع الأحزاب ، حتي سمح لها الرئيس أنو رالسادات بعد سبعة عشر عاما أي في العام 1979م بعد توقيع إتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل ، عاد الوفد إلي الحياة السياسية وقد جاء كسيحا تماما بسبب إنتقال زعمائه الباشوات عن الدنيا ، وبسبب عدم صمود قياداته إبان سنوات المنع وغياب الحريات السياسية ، بخلاف حزب الأخوان المسلمين الذي ظل ينافح كل الأنظمة هناك ، وقد قدمت قياداته العديد من التضحيات ، حتي تم الإعتراف بهم كقوة سياسية تشمل طبقات مستنيرة وقوى شبابية وطلابية لها وزنها داخل الساحة السياسية والإجتماعية في مصر ، برغم أن القانون هناك لايسمح بقيام أحزاب دينية ، حتي لا تحدث إحتكاكات بين جميع الأديان والطوائف فيضطرب الأمن والسلام الإجتماعي ، ولكن برغم ذلك نجد أن للأخوان وجودهم البرلماني تحت مسمي المستقلين ، ووجودهم النقابي وسط نقابات المحامين والمهنيين وإتحادات الطلاب ، علما بأن السلطة في مصر تحمي مثل هذا الوجود ولا تمنع من قيامه طالما كان لا يتخذ من الدين مسميً . وهذا بلاشك إعتراف من حكومات مصر الراشدة حتي لا يتكون إحتقان يؤدي إلي اللجوء إلي العنف السياسي.
أما في السودان ، ففي كل مرة تغيب فيها حريات الأحزاب ، فإن الحزب الإتحادي لم يغب مطلقا عن المنافحة السياسية وإثبات الوجود ، ولنا أن نتذكر أن رئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي قدم روحه في أغسطس 1969م فداءا لوطنه وقد كان حبيس سجن كوبر منذ قيام إنقلاب 25 مايو 1969م ، وواصل رفيقه الشريف حسين الهندي المسيرة النضالية من خارج الوطن ، وقد قدم الإمام الهادي المهدي المثل الرائع والواضح في الشهادة من أجل حرية البلاد في مارس 1970م فمات شهيدا برصاصات الغدر في غابة الكرمك وهو في طريقه إلي أثيوبيا لقيادة النضال من هناك حين حوصر في الجزيرة أبا حصارا مات فيه العديد من الأنصار .
ولذلك حين عودة الديمقراطية في 6 أبريل 1985م بعد زوال حكم الرئيس الراحل جعفر نميري فإن الحزب الإتحادي قد عاد وهو أكثر قوة ليحقق مقعد رأس الدولة الراحل السيد أحمد الميرغني ومن داخل برلمان الشعب ، ولو لا تعدد المرشحين في معظم دوائر السودان لكان قد حكم البلاد لوحده مثلما حكمها لوحده في إنتخابات العام 1954م ، كما عاد الإتحاي أكثر قوة بعد زوال حكم الرئيس عبود العسكري في 21 أكتوبر 1964م حيث حقق المركز الأول في إنتخابات أبريل 1965م ليفوز بمقعد رأس الدولة الزعيم الأزهري بموافقة جميع النواب .
لكل ذلك نخلص لحقيقة بائنة وهي أن الحزب الإتحادي الديمقراطي لم ينكس راية النضال الوطني ، وقد رأينا ذلك يتمثل في قيادة رئيس الحزب الحالي مولانا السيد محمد عثمان الميرغني ولمدة عشرين عاما متصلة ، مدافعا عن حق أهل السودان في العيش بحرية ، وبعودة الحقوق ورد المظالم وجبر الضرر ، وبأهمية عودة كل المفصولين تعسفيا وسياسيا من كافة القوى السوانية ، نضالا تم تتويجه بإتفاقية القاهرة في يونيو 2005م ، وبالتالي لا يمكن مقارنة حزبا الوفد والأحرار في مصر بنضالات الحزب الإتحادي ورفيق دربه حزب الأمة القومي ، فأحزابنا والحمد لله لاتزال جذوة النضال تشتعل داخل أوساطها ، وإلا لما كان حزب المؤتمر الوطني يمني نفسه بأن يقبلوا محاصصتهم في السلطة القادمة ، وهو ما يثير التساؤل دوما : كيف لأحزاب لا تمتلك جماهير حسب نتائج الإنتخابات الأخيرة ، وتدعوها السلطة لقبول حكم قومي عريض .
ولكن وبحسابات الإنتخابات الحقيقية التي تقول بان عدد الذين يحق لهم التصويت هو 21 مليون مواطن ، نجد أن خمسة ملايين منهم عزفوا حتي عن التسجيل ، وهؤلاء بلاشك قوى راشدة ومتميزة ، وأن ستة ملاميين آخرين قاموا بالتسجيل وفق إرادتهم ، لكنهم عزفوا عن التصويت وهم راشدين أيضا وليسوا برجرجة ودهماء ، ليصبح إجمالي الممتنعين واليائسين من الإصلاح هو رقم 11 مليون مواطن ، فكم هو حظ الحزب الإتحادي من أولئك الممتنعين عن الخوض في العملية الإنتخابية وهم كلهم قوى حديثة راشدة .
وهنا نسأل ذات سؤال السيد الميرغني : أين ذهبت تلك الملايين التي إستقبلته في كسلا كمثال ، وقبلها عند عودته مرافقا لجثمان شقيقه السيد أحمد الميرغني حتي ضاقت بهم شوارع العاصمة بمارحبت ... هل أبتلعهم مقرن النيلين ، دعك عن القاش لوحده .
وهنا نؤكد .... بأن مصير الحزب الإتحادي لن يشابه مصير الوفد المصري مطلقا ، لا من حيث جذوة النضال المتقدة ولا من حيث حيوية الجماهير الممتدة في هذا الإرث لستين عاما خلت .... والمستقبل كما يتنبأ شيخ حسن للحزب الإتحادي الأصل ،،،،،،