موضوع الدراسة نفسه كما قلنا هو الأخطر والأخطأ فى تاريخ الجماعة، فهو يدور حول «النسخة الإسلامية الميكيافيلية من الغاية تبرر الوسيلة» وذلك باستخدام أدوات الفقه فى غير موضعها، ومن خلال الضرورات تبيح المحظورات، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كان التبرير الجاهز لكل خطايا وأخطاء الجماعة، وكان منهج الدراسة يستند إلى «تكثير المصالح ودرء المفاسد»، ثم الحديث عن وجوبية التنظيم، لأنه هو الذى سيقيم الخلافة دون غيره، ثم يشرح البر فى دراسته أنه (ولأن هناك من يقف ضد هذه الفريضة، فريضة الخلافة، لذلك يجب علينا أن نسعى لها بكل الوسائل حتى ولو كانت هذه الوسائل فى ظاهرها مفسدة، فالضرورات تبيح المحظورات، وهذه القاعدة هى إحدى القواعد الكلية الفرعية، فقد أدرجها بعض العلماء تحت قاعدة «الضرر يزال»، وبعضهم تحت قاعدة «المشقة تجلب التيسير»، أو تحت قاعدة «إذا ضاق الأمر اتسع»… وبمعناها قول ابن القيم وابن سعدى: «لا واجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة». ثم يعيد البر فى دراسته ضبط المصطلحات السياسية، ويضع ملامح القاعدة الشرعية التى تحكم الجماعة بأنها:
(السياسة الشرعية لها أحكامها، ومن أحكامها تغليب الأوجب على الواجب والأصوب على الصائب، وإذا كان من الواجب فى الانتخابات أن يكون أفراد قائمة الإخوان من أصحاب الكفاءات الشرعية والسياسية، ممن يشتركون معنا فى الغايات، ولا يحاربون إقامة دولة الإسلام من الوسائل أن نتترس فى قوائمنا الانتخابية، فإن الأوجب أن نتترس فى قوائمنا «بالجاهليين من الناصريين والنصارى والليبراليين من أجل صد هجمات التيار الجاهلى فى المجتمع»، من أجل هذا أيضا كان دخول نصرانى فى قوائمنا، كل هذا نعتبره وفقا لمعيار المصالح والمفاسد من الضرورات التى تبيح المحظورات). هذه هى نظرة الإخوان إلى المختلفين معهم سياسيا، هم من الجاهليين. الناصريون والليبراليون والنصارى جاهليون!! نفس المفاهيم التى أوردها سيد قطب فى كتابه «معالم فى الطريق»، والاتفاق معهم يكون من أجل صد هجمات التيار الجاهلى فى المجتمع، فالجماعة تتفق لتتقى، وإذا كان هذا الاتفاق عندهم من المحظورات لأن هؤلاء كفار، فإن هذا الاتفاق من الضرورات، والضرورات تبيح المحظورات، ولا حرام فى ضرورة.
ثم يدخل عبد الرحمن البر إلى الأخطر، وهو الأمر الذى ظهر من ممارسات الإخوان فى البرلمان وأولوياتهم، فيقول فى دراسته السرية: (الانتخابات والبرلمان والنقابات والتحالفات هى من السياسات الجزئية فى السياسة الشرعية، ونحن نسعى للوصول إلى البرلمان، ليس من أجل التشريع ولكن من أجل الشريعة، وليس من أجل إقامة حكم ديمقراطى، ولكن من أجل إقامة حكم إسلامى) هذا هو غرض الجماعة من البرلمان، وهذا هو موقفهم من الديمقراطية، حتى إنه يقول: (ليست الديمقراطية وما يتعلق بها من تداول للسلطة، هى كحلف الفضول الذى قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: لقد شهدت فى دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به فى الإسلام لأجبت، ولكن الديمقراطية من الوسائل السلمية التى من خلالها سيتم التمكين لدين الله وإقامة دولة الإسلام، فهى مجرد وسيلة مثلها كصلح الحديبية، وكان هذا الصلح فتحا عظيما، ونصرا مبينا للمسلمين، حيث تم بعده التمكين لدين الله فى الجزيرة العربية، فلا عجب إذن أن يسمّيه الله تعالى فتحا مبينا)، والغريب أن نفس هذه الألفاظ بعينها استخدمها عبد الرحمن البر فى دراسة أخرى كتبها بعد ذلك ونشرها فى موقع «إخوان أون لاين».
ويلخص عبد الرحمن البر موقف الجماعة السياسى من الناحية الفقهية فيقول: (وإذا كنا قد جاهدنا فى العقود الماضية ضد التزوير وتزييف إرادة الشعب المسلم ودخلنا السجون والمعتقلات وصودرت أموالنا واستشهد من استشهد من إخواننا، فإن ثورة يناير وأحداثها ونتائجها كانت بلا شك تتويجا لجهادنا، لذلك كان للإسلام أن يجنى ثمار هذا الجهاد، وطريقة جنى الثمار هى الأدق والأخطر فى طريق التمكين لدولة الإسلام، لذلك كان لها فقهها، فالاصطدام بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى أى مرحلة بعد الثورة كان من شأنه أن يعيدنا إلى الوراء سنوات، لذلك كان لنا أن نضبط التعامل مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم الفعلى للبلاد، وفقا لمعيار المصالح والمفاسد، وكذلك الأمر مع الانتخابات التى صممت الفرق المناوئة للإسلام على تعطيلها، خوفا من إقامة دولة الإسلام، وإذا كانت المظاهرات المليونية أو ما اصطلحوا على تسميتها بذلك قد خرجت فى معظمها من أجل الاصطدام مع المجلس العسكرى ووأد الانتخابات القادمة، فإن فقه المرحلة لدينا قام على اعتبار الانتخابات والديمقراطية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة والمظاهرات والأحزاب وحزب الحرية والعدالة والتحالفات، ومن قبلها التعديلات الدستورية، كل هؤلاء وسائل فى طريق التمكين لدولة الإسلام، والتى منها ستكون دولة الخلافة والتى منها سيكون التمكين لدين الله فى الأرض، وقد أجاز الفقهاء أن نترخص فى الوسائل من أجل تحقيق مقاصد الإسلام).
هذا الفقه الباطنى هو فى الحقيقة أخطر ما أخرجته الجماعة عبر عقودها، وقد قام بعض الإخوان بنشر هذه الدراسة بكاملها منسوبة إلى صاحبها فى مواقع إخوانية عديدة، واقتطع بعض أعضاء من الجماعة أجزاء منها ونشروها فى مواقع إخوانية أخرى، إلا أن أحدا لم ينتبه إليها، ونحن ننشرها بكاملها لتكون صرخة تحذير فى العقل الجمعى للأمة.