التحية وتعظيم سلام لك أخي الشقيق صلاح الباشا...
مقال يستحق القراء والمتابعة...
..........................................
لا مقارنة بين حزب الوفد في مصر والإتحادي في السودان (1-2)
لن يحدث للحزب الإتحادي كما حدث لحزب الوفد المصري
فذاك كان حزب الباشوات وهذا هو حزب جميع أهل السودان
بقلم: صلاح الباشا
بعد غياب طويل عن الإسهام في التحليلات السياسية بالصحيفة الشاملة ( الخرطوم) وهي بيتنا الأول والأساس منذ زمان إغترابنا الطويل خارج الوطن ، نعود اليوم في هذه الحلقات لنلقي بعض الأضواء حول مصير الحزب الإتحادي الديمقراطي إستجابة لطلب العديد من الأشقاء داخل الوطن وخارجه ، وأؤكد علي مفردة ( خارج الوطن هذه ) لأن هناك العديد منهم قد تابعوا ما ظلت تكتبه الصحف ومن ضمنها كتاب الرأي بصحيفة الخرطوم ، قدحا في الحزب بسبب المآلات التي حدثت مؤخرا جراء الإنتخابات العامة التي جرت في أبريل 2010م الماضي ، بل وقد تنبَّأ بعضهم بزوال هذا الحزب رويداً رويداً، مثل ما كتبه الشقيق الإتحادي الأصيل البروف محمد زين العابدين مؤكدا أن مصير الحزب الإتحادي ومعه حزب الأمة القومي سيصبح مثل مصير الوفد والأحرار في مصر الشقيقة ، وهذا الرأي من حقه أن يكتبه، ولاغبار في التحليل الخاص لأي إنسان له القدرة علي التعبير، ولكن يصبح في نهاية الأمر هو رأي يجري الحوار والمحاورة حوله، لأن في ذلك عدة فوائد تصب في مصلحة القاريء أولا، ولصاحب الإنتماء الإتحادي ثانياً، ولصحيفة الخرطوم نفسها التي تفتح براحات صفحاتها منذ عدة سنوات لتلاقح الآراء ليطلع عليها قارؤها المداوم في شتي بقاع الدنيا ، طالما ظلت الخرطوم تحمل لواء التنوير بين جناحيها.
وهنا نقول بدءاً ، أن ظروف تكوين حزب الوفد وخلفياتها ومكوناته لا تشبه أبدا الحزب الإتحادي في السودان، ذلك أن تكوين الوفد كان تعبيرا عن أشواق طبقات الباشوات في مصر الخديوية، فلم نري الوفد طوال تاريخه السياسي يتبني قضايا الجماهير الكادحة في مصر في ثلاثينات وأربعينيات وحتي قيام ثورة 23 يوليو 1952م التي أنهت عهد فاروق المرتبط إرتباطا وثيقا بالإنجليز في مصر، يوجهون بوصلته في كل مرة حتي لا تتضرر مصلحتهم في حكم مصر التي كانت بمثابة قلب العروبة النابض في كل شيء ، بدءاً من الثقافة التحررية وحتي دنيا الفن والرياضة والأدب وعلوم الإسلام في عاصمة الألف مأزنة ونظرا للدور الريادي للأزهر الشريف الذي مافتيء يخرج من جوفه الطاهر علماء الفقه وقراء القرآن منذ عهد الدولة الفاطمية .
وفي المقابل ، فإن الحزب الإتحادي ظل في الجانب الآخر بجنوب الوادي ينافح ويكافح في سبيل خروج المستعمر من كل وادي النيل ، ومن السودان علي وجه الخصوص ، ممنيا نفسه بإتحاد مع مصر لصنع مستقبل أفضل لوحدة دولة وادي انيل ، غير أن تقاطعات السياسية ودهاء المستعمر حال دون ذلك .
كما أن البنية التحتية للحزب الإتحادي في السودان تختلف عن نظيرتها في مصر ، ذلك أن الإتحادي يعتمد في عضويته الناشطة كلها علي عنصر المتعلمين والزراع والعمال والتجار الوطنيين الذين لم يسببوا أي أذىً ذات يوم لبلادنا ولشعبنا علي إمتداد تاريخه السياسي والإجتماعي. وحتي القوات المسلحة كان جلها من أبناء الإتحاديين المستنيرين، وبرغم ذلك لم يشجعهم الحزب للإنقضاض علي السلطة بالقوة لأن في ذلك تلطيخ لإرث الحزب الذي يتخذ من توسيع مظلة الديمقراطية منهاجاً للحكم حتي ترسخ أكثر في وجدان الناس، ولتحافظ علي سمعة أهل السودان الشرفاء وتبعد عن طريقهم وعن مخيلتهم خطورة العبث واللعب بالنار لأنها تحرق الجميع وتقتل الجميع كما رأينا ذلك لاحقاً.
كما أن حزب الوفد طوال تاريخه السياسي كان ينظر لأهل السودان بدونية لا تخطئها العين منذ عهد مصطفي النحاس باشا الذي خلف سعد زغلول باشا في رئاسة حزب الوفد المصري، وقد كان فؤاد سراج الدين باشا سكرتيرا عاما للحزب في ذلك الزمان ووزيراً للداخلية في عهد حكومة النحاس قبل الثورة المصرية، ولذلك ليس بغريب حين سمح الرئيس الراحل أنور السادات بعودة الأحزاب بعيد إتفاقية السلام ( كامب ديفيد ) في العام 1979م وتكون حزب الفود تارة أخري وكان فؤاد سراج الدين باشا علي قيد الحياة وترأس حزب الوفد من جديد بعد عودته ، أن صرح الباشا منتقدا ثورة 23 يوليو بأنها إرتكبت أكبر أخطائها حين سمحت بإستقلال السودان في يناير 1956م ... فتأمل !!!!
إذن ... نجد هنا أن الحزب الإتحادي الذي صنع مع الآخرين إستقلال السودان وبرعاية أبو الوطنية السيد علي الميرغني ، وبزعامة الشهيد الخالد الرئيس الجليل إسماعيل الأزهري ، تختلف ظروف مكوناته وخطه الأيديولوجي عن خط حزب الوفد الصمري . كما أن الزعيم الأزهري قد أطلق حينذاك قولته المشهورة في إحتفال البلاد في يناير 1956م (بأنه لولا الأسد الرابض في حلة خوجلي لمانالت البلاد إستقلالها). وهذا الفهم لوحده كفيل بألا يجعل مصير الحزب الإتحادي هو مصير حزب الوفد والاحرار اللذان ذابا مع ذوبان العديد من الأحزاب المصرية التي كانت فاعلة في عهد فاروق ومن قبله عهد والده فؤاد الأول.
وربما كان رأي الكاتب الموقر بروف محمد زين العابدين ينطلق من تداعيات نتائج الإنتخابات التي قامت مؤخرا في السودان، غير أن ما شاب تلك الإنتخابات التي لاتزال الأحزاب السودانية تتحدث عنها، ولازالت الصحف السودانية الشريفة تقوم بنشر التعليق المختلف والمتباين حولها، بل ولازالت الميديا العالمية تتناولها بالنقد والتحليل، وصاحب هذا القلم قد حاورته أكثر من فضائية وإذاعات عديدة وصحف عربية وغربية بُعيد إنتهاء معركة الإنتخابات التي أتت وبكل المقاييس فطيرة جدا ، للدرجة التي جعلت من الفائزين يشعرون بالكسوف ويبتعدون عن إقامة الإحتفاليات بنتائجها بعد أن كانت كل الحسابات تشير إلي معركة حامية الوطيس تعطي كل ذي حقٍ حقه في الكسب الإنتخابي وفقا للأشواق الشعبية التي تتعلق بأحزابها التاريخية بالرغم من الفوارق الضخمة في الإستعداد اللوجستي والمادي بين حزب السلطة وأحزاب التاريخ المجيد ... ولذلك فإن مقارنة حال الحزب الإتحادي بمصير الوفد في مصر لا يستقيم هنا مطلقا....
نواصل،،،،،