ثالثاً: الأحداث من 25 يناير حتى 29 يناير 2011:
كانت معلومات جهاز مباحث أمن الدولة وجهاز المخابرات العامة قد توصلت إلى أن هناك مظاهرات ستخرج يوم 25 يناير 2011، وكذا الدعوة إلى مظاهرات أخرى يوم 28 يناير 2011، ما سُمى بجمعة الغضب إلى آخر ما هو لدى حضراتكم مرفق بأوراق الدعوى فى مذكرة اللواء/ حسن عبد الرحمن، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق، وكان من المعلوم أن هذه المظاهرات ستكون سلمية فماذا تم؟
أولاً: أخطرت رئاسة الجمهورية.. ومجلس الوزراء بالمعلومات عن هذه المظاهرات ودوافع الخروج بها، ومطالب المتظاهرين، والتى كان قد تم العرض بها قبل الأحداث.
ثانياً: فى اجتماع عُقد برئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء بناء على تكليف من السيد/ الرئيس وبحضور مجموعة وزارية مختصة تم دراسة المعلومات عن هذه المظاهرات، واتُفق على قطع الاتصالات التليفونية بهدف تقليل عدد المتظاهرين الوافدين من المحافظات المختلفة.. وعدم التكتل فى أماكن لا تستوعب الحشد الكبير.. وحتى يتم تأمين المتظاهرين بالشكل المطلوب الآمن، وذلك يوم 25 يناير وحتى انتهاء المظاهرات، ويوم الجمعة 28 يناير، فى بعض المواقع وتوقيتات تفرضها الموقف ولدواع أمنية.. وتشكيل غرفة عمليات بمقر وزارة الاتصالات شارك فيها ممثلو الوزارات المعنية للمتابعة.
ولذا لا صحة للاتهام الذى وجه لى بان قطع اتصالات الهواتف المحمولة ساهم فى انقطاع الاتصال بين القوات وقادتها الميدانين وأدى إلى إنهاك القوات وهبوط الروح المعنوية.. لأن هذا القرار لم يكن قرارا فرديا بل قرار لجنة ولدواع أمنية.. كما أن الاتصالات التليفونية فى جهاز الشرطة تتم عبر شبكة لاسلكية مؤمنة تسمى بالتترا، وهذا جهاز له خاصية الاستخدام المتعدد بدوائر اتصال بين كل جهاز وعناصره من خلال دائرة لاسلكية دون أن يكون لأى جهة أن تتداخل مع جهة أخرى فى الوزارة، وهو جهاز مؤمن.. وأنه فى حالة قطع الاتصال بين القوات يكون لانتهاء فترة شحن بطاريات هذه الأجهزة التى تشحن يوميًا.
أما الاتصال بالهواتف المحمولة فهو ليس الوسيلة الآمنة أو المسموح بها رسمياً فى الاتصال ونقل التوجيهات أو التكليفات، وبالتالى لا نعتمد عليه فى إدارة الأعمال.
ثالثاً: الدعوة لاجتماعين الأول يوم 24 يناير، والثانى يوم 27 يناير 2011، حضره مساعدو الوزير المختصون والمعنيون بمتابعة تنفيذ التوجيهات مع المسئولين التنفيذيين بالمواقع المختلفة، حيث تم استعراض المعلومات المتوافرة.. والإمكانيات والقدرات الشرطية اللازمة لعمليات التأمين على مستوى المحافظات لمواجهة الموقف، وتم التوجيه بالآتى:
1- غير مسموح بحمل القوات المعنية بتأمين المتظاهرين أى أسلحة نارية سواء الآلية أو طبنجات.. أو الخرطوش، ويقتصر التعامل إذا حدث أى تجاوز من المتظاهرين يُمثل تهديدًا لأمن الأفراد والمنشآت بالتنبيه بالانصراف ثم استخدام العصى.. وإطلاق محدثات الصوت والمياه وقنابل الغازات المسيلة للدموع.. فقط.. والتأكيد على ذلك.. مع التدرج فى الاستخدام وإعطاء فرصة للانصراف الآمن.
2- توعية القوات بضبط النفس.. وعدم الاستجابة لأى استفزازات من جانب المتظاهرين.
3- قيام جهاز مباحث أمن الدولة بالتنسيق مع قيادات القوى السياسية المشاركة فى هذه المظاهرات للعمل على المحافظة على سلامة هذه المظاهرات وبعيداً عن العنف والاستفزاز.. وكان هذا التنسيق كثيرًا ما يحقق نتائج إيجابية.. لأنه كان يجمعنا مع هذه القوى عنصر مشترك، وهو لا حَجْر على حرية التعبير السلمى للرأى غير المُصاحِب للعنف.. حتى لا يترتب على ذلك مخالفة القانون والإضرار بالسلم الاجتماعى.. وتعطيل مصالح الجماهير.. بل كان هذا التنسيق يمتد أيضاً إلى قضايا ومواقف كثيرة داعمة لهذه القوى لحركتها السياسية.
4- العمل على الحد من الحشد لميدان التحرير للحفاظ على أرواح المتظاهرين والمواقع الحيوية المطلة على الميدان وفى حدود إطار التوجيه العام بأسلوب التعامل مع المتظاهرين السابق التنويه إليه.. لماذا هذا القرار سيادة الرئيس، وحضرات المستشارين الأفاضل؟
هل كما ذكره أحد السادة محامى الحق المدنى أمام حضراتكم بأنه بهدف لحصر المتظاهرين.. والعمل على تصفيتهم ورميهم بالرصاص والخرطوش!! طبعاً لا.. يستحيل هذا ولا يتصوره عقل ولا يقبله شرع.. بل كان لاعتبار أمنى فى غاية الأهمية حيث إن ميدان التحرير من أخطر الميادين بالجمهورية للاعتبارات التالية:
- شريان حيوى يربط بين عدة محافظات القاهرة – حلوان – الجيزة – القليوبية وغيرها، يصب فيه ويخرج منه ملايين من البشر فى حركة لمدة 24 ساعة.
- يتركز حوله سفارات دول كبرى.. السفارة الأمريكية والبريطانية والإيطالية وغيرها، وهى مستهدفة من جانب الإرهاب، ولذا لها خطة أمنية خاصة.
- يقع فى نطاقه عدة فنادق كبرى ممتلئة بالسياح الأجانب ومبنى الإذاعة والتليفزيون بماسبيرو، وغيرها من مواقع أخرى هامة كمجلسى الشعب والشورى.
- مركز علاجى للمواطنين حيث عيادات العديد من الأطباء ومراكز البحوث الطبية..
- يقع به أكبر محطة مترو أنفاق لنقل المواطنين/ العمال/ الطلاب من وإلى أطراف القاهرة الكبرى وأحيائها وميادينها لقضاء مصالحهم اليومية.
- طريق إلى نهاية طرفية لمراكز انتقال المواطنين والأجانب من القاهرة إلى خارجها، وكذا خارج البلاد (محطة السكك الحديدية برمسيس ومطار القاهرة الدولى).
- يقع به مجمع التحرير بما يضم من عدد كبير من أجهزة الدولة المختلفة التى تقدم خدمات للمواطنين.
- يقع فى نطاقه أيضاً المتحف المصرى، أحد المواقع الأثرية التى تُخلد الحضارة المصرية وعظمتها وفيه من القطع الأثرية مالا يمكن تقدير قيمتها بثمن.
وأحب أن أشير إلى أنه كانت هناك محاولة لسرقة هذا المتحف أثناء هذه المظاهرات.. وأُجهضت بالتنسيق بين رجال شرطة السياحة والآثار.. ورجال القوات المسلحة، التى تولت عملية التأمين بعد صدور قرار السيد رئيس الجمهورية.
- هل الوزارة وهى تضع خطتها لتأمين مظاهرات سلمية تم الحشد لها وتوجيه المتظاهرين من كافة المحافظات بالتوجه إلى ميدان التحرير - ولا سبيل إلى منع هذا التدفق - هل الوزارة تتغافل عن المحاذير الأمنية والمخاطر التى يتعرض لها المتظاهرون أنفسهم من التزاحم فى مكان لا يسع سوى أعداد لاتزيد عن ثلاثمائة ألف فرد.. ودون أن تُتخذ من الإجراءات مايلزم لتأمين المتظاهرين.. ومنع وقوع أى جرائم.
- وهل أيضاً إذا كانت هناك مظاهرات بأعداد كبيرة تُترك المنشآت السابق الإشارة إليها فى منطقة ميدان التحرير (السفارات – الفنادق – مجلس الشعب والشورى – المتحف المصرى – الإذاعة والتليفزيون – المجمع العلمى وغيره..) بدون حراسات، الأمر الذى يؤدى إلى حدوث مالايحمد عقباه.
- ولعل ما ذكره السادة المحامون عندما استعرضت اللائحة التنفيذية لقانون الطرق والميادين العامة الصادرة عن وزير الداخلية الأسبق السيد/ زكريا محيى الدين، بشأن إجراءات المحافظة على سلامة الطرق والميادين ما يؤكد لماذا كنا حريصين كل الحرص على الحد من الحشد بالميادين وبصفة خاصة ميدان التحرير، وكان همنا الشاغل المحافظة على أرواح المتظاهرين.
- كم من مظاهرة أخذت شكل تجمع احتجاجى أو اعتصام فى مواقع حيوية واستمرت لأشهر طويلة لمطالب جماهيرية أو فئوية حول مجلس الوزراء أو وزارة الصحة ومجلسى الشعب والشورى ووزارة العدل ولم تتدخل الشرطة لفضها لكونها لم تخرج عن الإطار المخالف للقانون، بل كانت تقوم بدورها التأمينى الإنسانى، ولم تستخدم الشرطة أى أسلحة ولم يحدث أى خسائر بشرية.. بل كان بعض المسئولين والإعلام فى بعض الصحف يوجهون اللوم للوزارة على عدم فض هذه الاعتصامات لحسن سير العمل بالجهات المشار إليها.
- كنا نعلم أن هناك مظاهرات ستخرج سواء يوم 25 يناير أو يوم الجمعة 28 يناير 2011.. لاننكر وكنا أيضا نعلم أنها مظاهرات سلمية لاننكر بل نؤكد على ذلك، وأنها ستكون كسابقتها لسنوات طوال.. مع اختلاف أعداد المشاركين فيها..
لكن لم نكن نعلم أن هناك تجهيزًا لاستثمار هذه المظاهرات لأهداف تخرجها عن سلميتها.
لم نكن نعلم أنه سيشارك بها عناصر أجنبية.
لم نكن نعلم أنه سيشارك بها عناصر إجرامية.
لم نكن نعلم أنه ستستخدم أسلحة نارية وزجاجات المولوتوف الحارقة.
لم نكن نعلم أنه سيتم حرق سيارات ومدرعات الشرطة والجنود بداخلها.
لم نكن نعلم أنه سيتم حرق المؤسسات الشرطية بالمحافظات المختلفة مايقرب من 160 موقعا شرطيًا.
لم نكن نعلم أنه سيتم اقتحام السجون فى المحافظات المختلفة وإخراج المسجونين وتهريب عناصر منهم خارج البلاد.
- لم يكن عدم العلم هذا مقصورا على أجهزة المعلومات بالوزارة فقط بل أيضاً على باقى أجهزة الأمن المختلفة بالدولة، بل كان له وقع المفاجأة.. وأقول المفاجأة لكافة الأجهزة الأمنية المختلفة، ولقد عبر عن ذلك صراحة فى كلمة حق السيد/ عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية السابق، ورئيس جهاز المخابرات العامة، أمام حضراتكم، إن المعلومات بأن المتظاهرين سيكون عددهم فى حدود ما يقرب من ثلاثين ألف أو أربعين ألف على مستوى كل المحافظات.. ولقد فوجئنا بما حدث.