الوطن فوق الجميع .. كيف نحتفل بعيد السودان الوطني 1/1/2012م؟
محمد سعيد محمد الحسن
في الطائرة، كنت اطالع الكتاب الجديد »الانتخابات العامة في السودان »1953- 2010« أي من أول انتخابات عامة تمت باشراف دولي وبرئاسة القاضي الهندي سوكومارسن في نوفمبر 1953م وذلك بموجب اتفاقية الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان والتي وقعت في فبراير 1953م بالقاهرة، إلى آخر انتخابات عامة اجريت في ابريل 2010م بإشراف القانوني المحترم ابيل ألير ونائبه الاكاديمي البروفيسور عبد الله أحمد عبد الله تطبيقاً لاتفاقية السلام الشامل التي ابرمت في 9 يناير 2005م، بنيروبي، وبعد اكمال مراجعته أستاذننى جاري الشاب في مقعد الطائرة لتصفح الكتاب، ولاحظت أنه ظل مشدوداً للقطات وصور لعملية أول انتخابات عامة في نوفمبر 1953م في السودان، وركز بصره صوب صورة لشيخ يضع بطاقته في صندوق الاقتراع، ثم صفوف الناخبين يقفون في صفوف في قرى نائية للإدلاء بأصواتهم لمرشحيهم ثم اخذ يمعن النظر في رموز المرشحين للانتخابات العامة آنذاك أي في نوفمبر 1953 (مصباح) (شجرة)(قطية)»حربة« »فانوس« وتساءل في دهشة حقيقية، معقول انتخابات عامة في السودان العام 1953م أي قبل اكثر من خمسين سنة؟ وسألته بدوري عن عمله فعرفت أنه اكاديمي ومتخصص في الكمبيوتر ومشرف فني في مرفق اقتصادي ثم سألته ألم تدرس أو تطالع في الكتب أو تسمع حتى من الكبار من اهلك عن أول انتخابات عامة في السودان، و لا عن أول حكومة وطنية ، و لا عن جلاء الاستعمار ولا.. ولا..، ورد أنه ظل مشغولاً في دراساته وتخصصه، وكتمت الحزن والغضب معاً في صدري، ولكن نموذجه وتأهيله وعمره يعني ان غالبية من هم في الجامعات والمعاهد والمدارس العليا، وبالضرورة مدارس الثانوي العا م و الاساس تغيب عنهم المعلومات والحقائق التاريخية الاساسية والحيوية الخاصة بوطنهم، ليس قبل مائة ولا ألف سنة وانما قبل »50« سنة حيث يفترض وجود أب أو جد عاصر احداث وتحولات وتعبيرات قابلة للنقل والتزويد بها كضرورة ومعرفة للصغار.
ماذا يمكن ان يقال في حال متعلم وأكاديمي ومتخصص تغيب عنه معلومة أساسية عن وطنه وأول انتخابات عامة، وأول حكومة وطنية، وقبلها حكم الادارة البريطانية للسودان من عام 1889م إلى 1955م ، وبالتالي يجهل تماماً اجواء ديسمبر 1955م، في أول برلمان وطني منتخب »1954م-1956م«، حيث اقترح رئيس الوزراء ووزير الداخلية الزعيم اسماعيل الازهري في يوم الخميس 15 ديسمبر 1955م على البرلمان تحديد يوم الاثنين 19/12/1955م لاعلان الاستقلال من داخل البرلمان واختيار مجلس قومي »مجلس السيادة« كرأس للدولة السودانية وبذلك ينتهي الحكم الثنائي »البريطاني المصري« ويصبح السودان دولة ذات سيادة تامة تتخذ قراراتها وفقاً لمصالحها وسيادتها بما فيها السماح أو عدم السماح للطائرات الحربية ان تحلق فوق اجواء السودان، لانه حتى ذلك اليوم أي الخميس 15 ديسمبر 1955م فقد كان الحاكم العام البريطاني سيسر روبرت هاو في »السرايا« هو وحده الذي يقرر في امور السيادة الخاصة بالسودان«.
وفي تلك الاجواء ديسمبر 1955م كانت الجماهير السودانية المعبأة بالمشاعر الوطنية في العاصمة وجميع مدن السودان تتابع كل تطور ساعة بساعة خاصة لدى انعقاد البرلمان في 19 ديسمبر 1955م، ولقد كانت بحق جلسة تاريخية، وطبقاً للاتفاق الذي تم بين الاحزاب السياسية آنذاك »الوطني الإتحادي، و حزب الأمة، و الجمهوري الاشتراكي »حزب النظار والعمد« و الجبهة المعادية للاستعمار »الحزب الشيوعي« وحزب الاحرار الجنوبي الذين اتفقوا تماماً على الترتيبات التي تجعل الاقتراحات تأتي من نواب الصف الثاني في الحكومة والمعارضة وكأنما ارادوا بذلك سحب المبادرة تماماً من رئيس أول حكومة وطنية ورئيس الحزب الوطني الإتحادي صاحب الاغلبية البرلمانية اسماعيل الازهري أي أنه صاحب وصانع قرار اعلان الاستقلال من د اخل البرلمان ومع ذلك فإن الزعيم اسماعيل الازهري والحزب الاتحادي وافقوا دون تردد على الاجماع الوطني لأنه حسبما قال زعيم الاغلبية البرلمانيةم مبارك زروق »وانم المهم بالنسبة لنا تحقيق الاجماع الوطني حول اعلان الاستقلال والسيادة التامة للسودان من داخل البرلمان«، وفي هذه الجلسة التاريخية الاثنين 19 ديسمبر 1955م سجلت مضابط البرلمان قراءة النائب عبد الرحمن دبكة نص القرار »نحن اعضاء مجلس ال نواب مجتمعاً نعلن باسم شعب السودان، ان السودان قد اصبح دولة مستقلة كاملة السيادة ونرجو من الحاكم العام ان يطلب من دولتي الحكم الثنائي الاعتراف بهذا الاعلان فوراً« وقال زعيم الأغلبية البرلمانية »ان السودان قد عزم عزماً أكيداً على نيل حريته واستقلاله ولن تثنيه قوة عن ذلك« وبعدها رفع القرار لدولتي الحكم الثنائي »بريطانيا ومصر« وخلال اسبوع واحد تم اعداد الدستور المؤقت، وكون مجلس السيادة »رأس الدولة« وتم انزال علمي الحكم الثنائي ورفع علم السودان ذو الثلاثة ألوان في أول يناير 1956م واصبح الاستقلال حقيقة ماثلة« وفي مطلع 1/1/2012م أى بعد خمس وخمسين سنة نحتاج إلى »هزة هائلة« لاستيعاب وقائع الاستقلال والسيادة الوطنية، ونقل هذه الملامح التي تشكل ملحمة وطنية لتأخذ طريقها إلى عقول الاطفال في الأساس والابتدائي وللتلاميذ في الثانوي العام والعالي وللطلاب في المعاهد والجامعات وفي مرافق الخدمة العامة وكافة المراكز والمؤسسات وإلى كل بيت وأسرة لتعزيز الارتباط والانتماء للوطن، لا نريد خطباً ولا ندوات ولا محاضرات وانما مشاركة واسعة في كل موقع وفي كل بيت بان العيد الوطني له مغزى ومضمون في العقل والوجدان، وان نجعل اطفالنا وتلاميذنا وطلابنا في كافة المستويات يحملون بين ايديهم »علم السودان« وان يرفع العلم فوق كافة المرافق الخاصة والعامة وآلاف الاعلام في الميادين والحدائق والجسور وفي واجهات الجامعات والمعاهد والمدارس وفي المواصلات العامة وفي السيارات العامة والخاصة وفوق الاشجار، لقد شهدت احتفالات العيد الوطني لدولة الامارات العربية المتحدة في نوفمبر 2011م كانت البهجة عارمة بالمناسبة الوطنية، والعلم الاماراتي في الايدي وفي المحلات التجارية وفي الشوارع وفي الميادين وفي واجهات الابراج وفوقها وعلى طول الطرق، ما من موقع ومكان إلا ورفرف فيه »العلم«، وكتب عليه »نحبك يا وطني« »نفديك يا وطنى«، وان تذاع الاناشيد الوطنية الخالدة التي تلهب الوجدان وتثير الحماس »وطن الجدود« »أنا سوداني أنا« »أنا امدرمان« »وطني السودان« وان يبث التلفزيون والفضائيات وقائع الجلسة التاريخية في البرلمان 19 ديسمبر 1955م، و انزال علمي الحكم الثنائي ورفع علم السودان في أول يناير 1956م وان تعد الحدائق والميادين لاستقبال الاسر والاطفال وكافة ابناء الشعب وان تعيش كافة المدن وبوجه خاص العاصمة في اضواء و موسيقى دعونا هذه المرة نشارك جميعاً بالاحتفاء بالعيد الوطني وبفهم ويحب واحترام وانتماء حقيقي.
http://www.rayaam.info/Raay_view.aspx?pid=1187&id=97976