حاوره ل(الخرطوم الجديدة): الطاهر حسن التوم
لو خرجت عن هذا الإرث فمن أكون حينها؟
أميل لرؤية الأمور من زاوية تنمية الموارد
كانت لدي تطلعات سابقة لأكون رجل أعمال
أنا مثل لاعب كرة القدم
*حَدِّثْنا عن الميلاد ومراحل الدراسة؟
كان ميلادي بشرق السودان بمدينة سنكات في الأول من يوليو العام 1973م، ولكننا كنا بصفة مستدامة مقيمين بالخرطوم، وكنا كأسرة حريصين على الوجود بسنكات بالذات في أوقات الصيف.
*وهل ابتدأت دراستك بسنكات أم أنها كلها كانت بالخرطوم؟
الدراسة بصورة رسمية كانت بالخرطوم، وكما ذكرت لك؛ كنا نقضي إجازات الصيف في سنكات، وفي نوع من الفضول كنا نذهب مع أبناء خالي سيد أحمد سر الختم إلى مدارسهم بسنكات، وهي كما تعلمون متواضعة، ولم نكن نعامَل بتمييز عن باقي الطلاب، وفي فسحة الفطور كانت توزع معلبات كالساردين، وكنا كغيرنا نقف ونأخذ حصتنا منها.
*والدراسة في الخرطوم؟
- درست في (الخرطوم بنمرة اتنين) بروضة أطفال اسمها (دار الحنان)، ثم انتقلت إلى (سان فرانسيس)، بعدها تحولت إلى التعليم بالمنهج المصري والتحقت بالمدرسة النموذجية المصرية، ثم المرحلة الثانوية، ودرست في مصر سنتين ثم تحولت إلى المنهج البريطاني.
*لماذا التعليم بالمنهج المصري، ألأنكم وجدتم هذا نمطاً متبعاً في الأسرة؟
- نعم، هذا صحيح، كما أننا لم نكن نقرر في شؤون الدراسة؛ فالوالد (محمد عثمان الميرغني) هو من يقوم بهذا، إضافة إلى أن ولي أمرنا في ذلك الوقت وهو محمد عثمان أحمد عبدالله، المتولي لشؤون دراستنا، كان مائلاً إلى أن نتعلم بالمنهج المصري، وبعد دراسة سنة واحدة بالكلية القبطية غادرت إلى مصر.
*ما هو المساق الدراسي الذي اخترته؟
- المساق الأدبي، فقد كنا ندرس علم الاجتماع والفلسفة والمنطق واللغة العربية وآدابها، وكنت أحب الشعر وتجذبني المعلقات والشعر الجاهلي عموماً، إضافة إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية.
*هل يرجع هذا للتأثر بمدائح وقصائد الطريقة الختمية التي كنت تسمعها صغيراً؟
نعم، ربما يعود جزء من تعلقي بالشعر إلى تأثير الطريقة الختمية والاهتمام بالشعر وما يعلِّمه من محبة للرسول الكريم وسيرته ومعرفة أهل البيت والصحابة الكرام.
*غادرتَ الخرطوم وأنت في المرحلة الثانوية ثم لم تعد إلا قبل مدة قصيرة، فكيف وجدتَها بعد هذا الغياب؟
- غادرت السودان في العام 1991م، في غيبة طالت أكثر من ( 18 ) سنة، وأول ما لحظته بعد عودتي أن هناك نقلة كبيرة. وقد حدثت مستجدات، لكن (الخرطوم اتنين)؛ حيث نشأت، لم تتغير، وكذلك سوقها، كما لم ألاحظ في الخرطوم بحري تغييرات تذكر، فشارع السيد علي كما هو، وكذلك الميرغنية، لكن الكباري التي أُنشئت وتلك التي قيد الإنشاء تعطي المُشاهد والزائر انطباعاً بأنها عاصمة راقية وآخذة في التطور.
*هل هناك أماكن بعينها ارتبطت بفترة دراستك بالخرطوم؟
كانت حديقة الحيوان قريبة من مدرسة الخرطوم النموذجية، وكنا نزورها كثيراً بعد الدوام وأحيانا نستغل فراغ الجدول الدراسي ونذهب إليها. ومع أن هناك تطورات كثيرة إلا أنني أحن إلى بعض المعالم القديمة التي زالت كحديقة الحيوان هذه.
*أنت من بيت وأسرة تجمع بين الدين والسياسة في الحياة، وأنت شاب ناشئ، ألم تكن تتعرض لتحذيرات كثيرة عن منع الاختلاط بينكم وبين الناس؟
بالعكس كنت أخالط الناس أكثر من المعتاد؛ فقيرهم وغنيهم ومن لهم مكانتهم الاجتماعية ومن كل الطبقات، وهذا تراث أسري فنحن نختلط بعدد كبير من الناس فوق المعدل العادي، نعم لا يخلو الأمر من عزلة لكن في المدرسة كنا نحتكّ بعدد كبير من الطلاب ونلتقي بهم، إضافة إلى أن أسرتنا لها عادات وتقاليد خاصة.
*أتتعلم هذا بطريقة مباشرة وتوجيه محدد يأتي بالتدريج؟ أم أنك تتشربها بطريقة غير مباشرة ولا شعورية؟
هي خليط من هذا وذاك، أحياناً نتلقَّى توجيهات مباشرة فيما يختص بتصرفات تفوق إدراكنا العمري، وأحياناً بلا توجيه بل بصورة تلقائية.
*لو لم يكن جعفر الصادق من هذا البيت وهذه الأسرة فمن كنت ستكون؟ وكيف تتوقع تصرفاتك؟
هذا سؤال صعب، لكن من ناحية دراسية وأكاديمية ربما لن يكون هناك فرق كبير، لكن الأسرة تعطينا شعوراً بانتماء أوسع؛ الطريقة الختمية وارتباطاتها والحزب الاتحادي، ويمكن القول إنها أعطتني هوية مختلفة، إذ لم تعد تقتصر اهتماماتي على نفسي فقط.
**أليست هناك مواهب وهوايات دفينة؟ ولو لم تكن في موقعك هذا لربما خرجتَ وبرزت بها؟
الهوايات التي كنت أمارسها هي الموسيقى والمطالعة والرسم، لكنها كأية هواية كانت تحتاج إلى مواظبة وممارسة، وحتى الكرة لعبتها في بيتنا بالخرطوم اتنين، لكن الوقت وبرنامج الأسرة وتوجيهات الوالد والوالدة كانت تجعل من ممارسة هذه الهوايات أمراً صعباً.
*متى بدأ اهتمامك بالعمل السياسي؟
اهتمامي بالسياسة جاء لسببين؛ أولهما اضطراريٌّ وهو نشوئي في أسرة سياسية، والثاني رغبتي؛ فبعد أن وصلت إلى مرحلة النضج تبين لي فيها حاجة الكيان إلي، فهل أستجيب أم أبتعد؟ وماذا يترتب على دخولي وابتعادي؟ وكذلك فإن الوالد له تأثيره الكبير.
*لكن، وأنت في الثامنة عشرة من عمرك، شهدتَ ما تعرض له والدك جراء نشاطه السياسي من مصادرة للأموال وسجن وتشرد وتغرب في البلدان، ألم يزهدك هذا في العمل السياسي وينفرك من ولوج هذا المجال بتكاليفه الكبيرة ومتاعبه؟
بعدما شاهدت ما حدث لوالدي كان يمكن لي البقاء في بريطانيا بعد أن قضيت فيها ( 14) عاماً وأنصرف عن العودة إلى البلاد وأمارس هناك ما أشاء من نشاط وعمل ولما فيها من حريات واستقرار، ولكن أرجع إلى القول إن نشأتي وتربيتي تختلف عن تربية الأوروبيين، فبالنسبة لي المعادلة غير سهلة، كما أنني أرى نشاط والدي ونضاله، وكذلك عمي السيد المرحوم أحمد الميرغني وما أسمعه عن مآثر جدي السيد علي الميرغني، فلو خرجت عن هذا الإرث فمن أكون حينها؟، كما أنني أصلاً لم أنقطع عن العمل السياسي، فقد كنت أثناء الدراسة في بريطانيا بمثابة مراقب ومستلهم للتجربة الحزبية الإنجليزية وكيف يمارسون العمل السياسي.