عرض مشاركة واحدة
قديم 09-10-2011, 03:41 PM   #2
علي الشريف احمد
المُشرف العام
الصورة الرمزية علي الشريف احمد



علي الشريف احمد is on a distinguished road

B18 رد: مشكلات الشباب -



الازدواج والتناقض2
وهكذا يشقى شباب الأمة الإسلامية بمزق الحضارة المختلطة حتى تذهب هذا الداء في أكثر الأحيان بسعادة الأسرة ووحدتها: الأخوة في البيت مختلفون متدابرون في المنهج والرأي، وأبوهم يسلك من دونهم جمعياً في سبل أخرى من سبل الحياة، والأم تظل تقنع بناتها بمعايير سلوكية غير التي تمّ تلقيها من إحدى نوافذ هذا المجتمع الكثيرة المتضاربة، ونظم الدولة وقوانينها الشكلية تنزع بهم إلى قيود وأخلاقية غير التي يقتضيها التحلل الاجتماعي القائم..
ومن هنا ينعكس الخلاف الفكري في المجتمع الواحد، ويظل أفراده وشبابه متشاكسين يسلكون طرائق قدراً في الرأي والمنهج والعقيدة؛ وحتى عندما ينتشر بينهم شعور ديني عام، يمكن أن يعدّ قاسماً مشتركاً يجمع شتات أفكارهم..؛ فإنهم لا يتلقون السلوك الفطري الإسلامي السليم إلا على أنه (تقاليد) وعادات قديمة خلفها الآباء والأجداد، وشتان بين أن يختار الإنسان سلوكاً معيناً على أنه مبدأ ونظام يكمن فيه سعادته وبين أن يُلزم به إلزاماً ويجبر به على أنه تقاليد؛ وحينما يغدو الإسلام مجرد تقاليد، فإنه حينئذ لا يخيف أحداً من المستعمر به ولا المبشرين حيث يفقد قيمته كقوة مسيطرة على الحياة الاجتماعية ويصبح شكلاً وصيغة لا غير.. ويصبح الشاب حقلاً لتجارب المجتمع الذي تتصارع فيه المذاهب...
والنتيجة: هي أن تنمو بين جوانح هذا الشاب نفس متمردة على كل شيء: لا تدين بولاء، ولا تنقاد لحب، ولا ترتدع بخشية؛ نفس مضطربة لا تؤمن إلا بذاتها، ولا تغذي سوى أنانيتها، لأنها لم تجد من سلطان العقل ما يفرض عليها أي سلوك آخر، ولم تجد من عطاء المجتمع ما يربطها بأيِّ تعلق أفضل..
- وليس أمام الشاب في هذه الحال إلى أن يلتجئ إلى أحد قوارب النجاة التي من شأنها أن تعصمه إلى حدٍّ ما..
وأهم هذه القوارب وأقدرها على الوقاية والحفظ هو البيت؛ وذلك في حال أن الأبوين قد تلاقيا في ظلٍّ من الخلق والدين والوعي الثقافي السليم، فتتهيأ لهما من ذلك خلية ذا تأثير سحري على الشاب في توجيهه وضبط سلوكه ونوازعه، مما يجعل الشاب غير آبه بالمجتمع الخارجي فضلاً عن أن يتأثر به؛ لأنه يجد في البيت غذاء عقله وروحه ووجدانه وطمأنينة نفسه، فهو يثق بالبيت ووحيه ثقة كاملة تفرض عليه انقياداً سعيداً له وتأسياً فطرياً به..
إذ عندما يبلغ الطفل مرحلة الشباب والنضوج الفكري تكبر معه الأسس والقيم التربوية التي يتلقاها في طفولته.. إلا أنه عندما يدرج من عشه الصغير ذاك ليصارع رياح المجتمع العاتية يصبح بحاجة إلى مجتمعات صغيرة من نوع آخر يلوذ بها عند الشدائد..
وهذا القسم من المجتمعات الصغيرة يتمثل في صور مختلفة كثيرة، فربما تمثَّلَ في جماعة أو نخبة من الأصدقاء لهم من الأخلاق الفاضلة والسلوك المستقيم ما يسدون به سائر حاجات هذا الشاب ومختلف تطلعاته النفسية والاجتماعية..
وربما تمثَّل في مرشدٍ ناصح يحف به إخوان أو تلامذة صادقون، فهو يعيش من دنياه الواسعة كلها بين أكفاف شيخه والأنس بإخوانه وزملائه..؛ فإن تحقق للشاب مثل هذه المجتمعات الصغيرة بدلاً أن يقع فريسة للقيم المتناقضة التي يحتضنها المجتمع الكبير من حوله، ويغدو سلبياً معقداً قد كفر بكل شيء؛ تحملُهُ بيئته الصغيرة التي يتفيأ ظلالها على أن يكون إيجابياً يكفر بالكذب والنفاق ليؤمن في مقابل ذلك بالاستقامة والصدق.. مما يبث في نفسه روح الأنس ويحول دون شعوره بجفاء العزلة المفروضة عليه.. ويبعده عن عواصفه واضطراباته إن شاء الله...

علي الشريف احمد غير متواجد حالياً  

التعديل الأخير تم بواسطة علي الشريف احمد ; 09-10-2011 الساعة 03:51 PM.
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس