الباب الثالث عشر
في صفة أهل الجنة وما اعد الله فيها لأهلها
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله مم خلق الله الخلق ؟ قال : من الماء ، قلت : أخبرني عن الجنة ، قال : بناؤها لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، وملاطها (أي طينها) المسك الأذفر ، وترابها الزعفران ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، من دخلها ينعم فلا يبتئس ويخلد فلا يموت ، ولا تبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لا ترد دعوتهم : إمام عادل والصائم حتى يفطر ودعوة المظلوم فإنها ترفع فوق القمام فينظر إليها الرب تبارك وتعالى فيقول : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين .
وعن بن عباس رضي الله عنهما قال : في الجنة حوراء يقال لها (اللعبة) خلقت من أربعة أشياء : من المسك والعنبر والزعفران والكافور وعجن طينها بماء الحيوان ، وجميع الحور عشاق لها ، ولو بزقت فى البحر لعذب ماء البحر قيل فيه شعراً :
لوبصقط في البحر والبحر مالح **** لأصبح ماء البحر من ريقها عذبا
ولو أنها للمشركين تعرضت **** إذ لتخذوها دون أصنامهم رباً
مكتوب على نحرها ((من أراد أن يكون له مثلي فليعمل بطاعة ربي)) وروي في بعض الأخبار أن الله تبارك وتعالى يقول : يا ملائكتي أطعموا أوليائي فيأتون بألوان الأطعمة فيجدون لكل لقمة لذة غير ما يجدون في الأخرى ، فإذا فرقوا من الطعام قال الله تعالى : أسقوا عبادي ، فيوتى بأشربة فيجدون لكل شربة ونفس لذة بخلاف الأخرى ، فإذا فرقوا يقول : أن ربكم صدقتكم وعدي ، فأسألوني أعطكم ، فيقولون : نسألك الرضوان مرتين أو ثلاثة ، فيقول : لقد رضيت عنكم ولدي المذيد ، اليوم أكرمكم بكرامة أعظم من ذلك كله ، فيكشف الحجب فينظرون إليه ، فيخرون له سجداً ، فيمكثون في السجود ما شاء الله ، ثم يقول لهم : أرفوا رؤوسكم ليس هذا يوم سجود ولا عبادة ، فيرفعون رؤوسهم وينظرون إليه فينسون كل نعمة كانوا فيها ، ويكون النظر أحب إليهم من جميع النعم ، ثم يرجعون فتهيج ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة على تل من مسك أبيض فينشر ذلك المسك على رؤوسهم ونواصي خيولهم ، فإذا رجعوا إلى أهليهم يرون أزواجهم من الحسن والبهاء أفضل مما تكرهون عليه ، وتقول أزواجهم أنكم رجعتم إلينا على أحسن مما كنتم ، ويرون الله عز وجل على الحقيقة من غير تشبيه ولا تكييف ولا تحديد ، كما يعرفونه في الدنيا بلا تشبيه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : والذي أنزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم إن أهل الجنة يزدادون حسناً وجمالاً كما يزدادون في الدنيا هرماً وضعفاً . وروي في بعض الأخبار أنه لو خرجت إمرة من أهل الجنة كفها لأضاء كفها مابين السماء والأرض .
قال ألأستاذ أبو الليث السمر قندي : من أراد ان ينال هذه الكرامات فليلزم خمسة أشياء : أولها أن يمتنع عن المعاصي لقوله تعالى : ((وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)) والثاني يرضى من الدنيا باليسير فقد في الخبر أن ثمن الجنة ترك الدنيا ، وأن يكون حريصاً على طاعة الله عزوجل لقوله عز وجل : ((تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)) ، والثالث يحب الصالحين وأهل الخير والعلماء فإنهم يشفعون في أصحابهم وإخوانهم ، والرابع بكثرة الدعاء والإستغفار ، والخامس بكثرة قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فنها كنز من كنوز الجنة ...