لك الشكر أستاذ محمد عبده
كتابات الأستاذ بابكر جديرة بالاهتمام والمتابعة والتدقيق
فهو من جيل الكتاب الشباب القلة الذين يبرعون في إيصال أفكارهم
وهو بحق يبذل الكثير من الجهد في كل كتاباته التي تأتي غنية بالطروحات المستندة على مفاهيم مستقاة من مشارب بينها مفاوز شاسعة!! فهو واسع الاطلاع على تاريخ العالمين الغربي والشرقي والتيارات الفكرية التي تتجاذب الحياة مما يجعله قادرا على الحديث عن الأفراد الذين يصنعون الاحداث ويؤثرون فيها حديث الواثق العارف.
وهو عموما واتساقا مع اتحاديته يتبنى اتجاها ليبراليا يريد له أن يكون متحررا من كل قيد!!
ولكن اعتقد أن النموذج الذي يرجوه فيه بعض التحامل, وذلك أنه عند الحديث عن الليبرالية وإشكالاتها في الغرب يجنح إلى التفصيل ووضع الأمور في نصابها بلا تعميم. ولكن عندما يتحدث عن الشرق فإنه تبنى هجوما شديدا على الجماعات الإسلامية مستغلا الشنائع التي تعتقدها وتطبقها ويجنح إلى تعميم مخل جدا فيوسع دائرة هجومه لتشمل كل من يتبنى افكارا تستند إلى الإسلام !!
ومن عجب أنه في بعض المقالات بتبنى افكارا اعتزالية يعلي فيها من شأن هؤلاء المنقرضة ومهاجما فيها أفذاذا من علماء أهل السنة كالإمام الغزالي رحمه الله واضعا إياه في نفس خانة هؤلاء الظاهريون الذين كرس حياته لفضح أباطيلهم.
اقتباس :
كان شتراوس من أكثر الفلاسفة نفورا من الليبرالية , وكان يري أنّ كل المشاكل التي يعاني منها المجتمع الأميركي ترجع بالدرجة الأولي الي المذهب الفردي individualism وهو المذهب المسئول عن التفكك والتفسخ الذي يصيب المجتمع وبالتالي فأن الليبرالية لا تمتلك حلولا لمشاكل المجتمع الأميركي( وكانت أميركا تعاني من أنشطارات عديدة بين مختلف الطبقات خصوصا بين السود والبيض) وأعتبر شتراوس أنّ الليبرالية تحمل بذور فنائها في جوفها.
للخروج من هذا المأزق وأعادة التماسك coherence للمجتمع قال شتراوس بضرورة وجود مثال أعلي وهدف بعيد ينبع من القيم والأخلاق ليوحّد كل الأميركان , واذا لم يوجد هذا المثال أو الأسطورة myth فأنه يجب صنعه وأنّ الأمةnation أو الدين religionهما المجالان الأنسب لخلق تلك الأسطورة. وشرع المحافظون الجدد في خلق أسطورة الأمة الأميركية قائدة الأنسانية وحاملة لواء الديمقراطية والمجسدة للخير good , وهو الأمر الذي يتطلب بالضرورة خلق عدو ما ليكون مجسدا للشرevil , ووجد المحافظون الجدد ضالتهم في الأتحاد السوفيتي بوصفه قائدا لمعسكر الأشرار. ومن هنا بدأوا معركتهم الكونية من خلال أدارة الرئيس الأسبق رونالد ريغان وأخذوا في التطبيق الفعلي لأفكارهم بجعل العالم مسرحا للقتال بين قوي الخير وقوي الشر( في هذا الأطار جاء دعمهم للمجاهدين الأفغان وفيه أيضا أشعلوا الحروب المدمّرة في أميركا اللاتينية واسيا وأفريقيا).
أعتقد أن شتراوس مصيب فيما توصل إليه, فلابد من قيمة في الحياة تكون هدفا نبيلا تسعى الأمة لتحقيقه وهو المثال أو الاسطورة
وأعتقد ايضا أن شتراوس لم يستبدل الليبرالية بغيرها بل قيدها بهذا المثال أو الأسطورة الذي يعمد القوم لاختلاقه اختلاقا!! وعلى هذا يكون مجتهدا في معالجة مثالب اليبرالية حريصا عليها.
كنت أتمنى أن يحدثنا الكاتب هنا هل كان يعتقد ليبراليو الغرب أن الافغان كانوا من معسكر الخير حقا عندما حظوا بالدعم أن إنهم كانوا صنائع لضرب السوفيت فحسب؟؟
أم إنهم مخلب قط حقيقي في خاصرة الإسلام ولابد من تزويدهم ببعض التأريخ البطولي حتى تصبح الدعوة قابلة للتوسع بكسب المزيد من المؤيدين من المسلمين؟؟
اقتباس :
هل الأسلام هو المستهدف ؟
شاعت في أدبيات علم السياسة والعلاقات الدولية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي نظرية المفكر الأميركي صمويل هنتنغتون عن صراع الحضارات, وحديثه عن أنّ الأسلام هو العدو القادم للغرب وأنّ الصدام بينهما قادم لا محالة . وقد عزز هذا الأتجاه في التفكير ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر وما أعقبه من تدخل اميركي في العراق وافغانستان بالأضافة لما هو قائم أصلا في فلسطين.
في ظني أنّ صراع الحضارات خدعة كبري أراد لها أصحابها أن تملأ فراغ القوي في الساحة الدولية عقب أنهيار الأتحاد السوفيتي. ومثلما تلاعب المحافظون الجدد بسياسة أميركا الخارجية في سبيل تطبيق أفكارهم ونظرياتهم السياسية, فأنّ الأسلام الجهادي أو السياسي أو سمّه ما شئت يحاول أن يصّور صراعه مع أميركا بأنه حرب بين الحق والباطل أو بين قوي الخير والشر . هما ( الأسلام الجهادي والمحافظون الجدد) في واقع الأمر وجهان لعملة واحدة . بالأمس تحالفوا ضد الأتحاد السوفيتي واليوم عندما تضاربت مصالحهم صاروا يتقاتلون ويحشدون الصفوف في صراع أسموه كذبا صراع الحضارات. أنه صراع المصالح في السياسة الدولية وهو صراع سياسي يستخدم فيه الدين كأداة للتعبئة والأستقطاب من قبل الأطراف المتصارعة. ليس من مصلحة البشرية جمعاء أن يقوم صراع بين الأسلام والغرب . والغرب ليس كتلة صمّاء, وليست أمريكا هى المحافظون الجدد الذين بدأ نجمهم في الأفول بعد الحرب العراقية وليس أدل علي ذلك من الكتاب الذي أصدره أحد غلاتهم مؤخرا وهو فرانسيس فوكوياما بعنوان أميركا في مفترق الطرق america at crossroads حيث أعلن صراحة فشل مشروع المحافظين الجدد في توجيه أميركا لقيادة العالم.
صراع الحضارات ليس خدعة
هو حقيقة لا يمكن إنكارها ولكن . . .
ليس الصراع بين الجماعات الإسلامية التي تريد احتكار تمثيل المسلمين من جهة والغرب الليبرالي من جهة أخرى
بل الصراع بين الإسلام الحق الذي يتماشى مع الفطرة البشرية السوية والعالم الغربي متدينا وغير متدين ولكنه متفق في العداوة بدرجة ما والتي تتمظهر بالكيد مرة بإختلاق وبدعم نماذج مشوهة للإسلام فيما تنطوي عليه القلوب من العقائد وما يظهر من الممارسات الحياتية البشعة بما فيها السياسية, وبالحرب مرة أخرى بذرائع شتى ولا مانع حتى إذا تعارضت هذه الذرائع!!
إذا الصراع حقيقة والإسلام هو المستهدف فعلا وما نخالف الكاتب فيه أن الإسلام ليس هؤلاء, هذه دعواهم وأنت توافقنا بأننا لا نسلم لهم دعواهم.
اقتباس :
تخريمة
جاءني بريدك وأنا منغمس في مقارنة كواكب البوصيري الدرية في مدح سيّد البرية بنهج بردة أمير الشعراء . وتجدني منحازا لشوقي فقصيدته أرقّ لغة وأبعد أثرا من قصيدة البوصيري . شاعرية شوقي متدفقة و أحساسها عال , بينما يجتهد البوصيري في صناعة أبياته. لا يترك شوقي للقارىء مجالا للتساؤل , بينما يعوز البوصيري الأقناع . تأمل بيت صاحب الكواكب وهو يستدعي الرمز للتعبير عن حب المصطفى (ص) :
يا لائمي في الهوى العذري معذرة مني إليك ولو أنصفت لم تلم
ثم أنظر لقول شوقي في النهج :
يا لائمي في هواه، والهوى قدر لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلم
الا ترى أنّ البوصيرى اعتذر عن هواه دون توضيح لسبب الاعتذار , بينما أوضح أمير الشعراء أنّ مدعاة اعتذاره هو القدر ( وهل هناك أقوى من القدر سببا للاعتذار ؟ ).
هذه خاطرة عجلى عسى أن نفصّل فيها في بريد قادم اذا مدّ الله في الاجال.
عجبت لمنطق الدكتور بابكر في هذه المقارنة وتقريره عنها!!
ومصدر العجب ليس مدحه لقصيدة أمير الشعراء رحمه الله تعالى فهي تستحق كل ثناء يقال فيها وإنما نقده لقصيدة للبوصيري رحمه الله تعالى!! وأول ما بدا به هو صناعة الأبيات!! ولا أدري أيهما أحرى بالصناعة ؟؟ الأولى قامت على غير مثال سابق والثانية على سبيل التقليد والمجاراة
سأعود بحول الله