ربما لن يمر وقت طويل قبل أن تكتشف المؤسسة العسكرية في مصر أنها مطالبة بأن تخوض حربا ضد التطرف الديني في مصر ربما تكون أكثر ضراوة من تلك التي خاضتها أجهزة الأمن المصرية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. وهذا هو بالضبط ما يجب أن نتفاداه، فليس في صالح المجتمعات العصرية أن يختلط فيها ما هو أمني بما هو عسكري، وهو ما يحتم علينا ليس إعادة المؤسسة الأمنية إلى ما كانت عليه، بل إلى ما يجب أن تكون عليه من قدرة ويقظة وثقافة عالية واحترام لحقوق الإنسان. نحن في حاجة إلى مؤسسة أمنية بعدد أقل كثيرا من البشر، وعتاد أكثر من التكنولوجيا وأدوات العصر. إذ إن إيقاعات الخطر في مصر أسرع بكثير من حركة مواجهته. لقد تمكن جيل الشبان في مصر من التخلص من رئيس دولة هي الأقدم والأكثر رسوخا على الأرض، بالضبط كما تخلص التاريخ من الديناصور بسبب بطئه وعجزه عن الحركة، وربما عن الفهم أيضا. غير أنني أعتقد أن التحدي الحقيقي الذي يواجه المصريين الآن وغدا، هو حرصهم على إعطاء أولوية المرور لسيارات الشرطة والإسعاف والمطافئ. أنا أعتقد أن المصريين الذين وقفوا طوابير طويلة لأول مرة في حياتهم أمام لجان الاقتراع في الاستفتاء الأخير ليمارسوا حريتهم الانتخابية، قادرون على الالتزام بذلك عندما تطلبه منهم حكومتهم المنتخبة الجديدة بإصرار وصدق.
لست أريد للمؤسسة الأمنية أن تستعيد عافيتها فقط، أو أن تستعيد برنامجها القديم في العمل، لأنه من المستحيل إصلاح الأمور بنفس الوسائل التي أفسدناها بها من قبل. على هذه المؤسسة أن تتبنى أحدث طرق العمل الأمني وأن تستعين بخبراء من دول العالم كله بغير عقد أو محاذير صنعتها ثقافة خائبة ما زالت سائدة لسوء الحظ. نحن دولة بحر أبيض، بل إن البحر الأبيض نفسه لم يكن أكثر من بحيرة تنقل البضائع والأفكار بيننا وبين الإغريق منذ أكثر من ألفي عام، نحن الفناء الخلفي لأوروبا، وعلينا أن نستورد من الغرب ليس سلعه الاستهلاكية فقط، وسياراته من أحدث موديل، بل قيمه وأساليبه في العمل وفضائله الإنسانية أيضا. الانتقال جوا يوفر كثيرا من الجهد والمال، وبذلك تكون المؤسسة الأمنية في حاجة إلى نظام اتصالات كفء ومحكم، وأسطول من طائرات الهليكوبتر موزع على كل محافظات مصر، أسطول نستعين فيه برديف القوات المسلحة من طيارين ومختصين في الصيانة. وعند الحديث عن الميزانية فإنني أذكر أن دول الغرب كلها على استعداد لمساعدة المصريين في كل الميادين التي تؤدي إلى استقرارهم الذي هو جزء لا يتجزأ من استقرار المنطقة.