الموضوع
:
أسئلة في الإرادة والسلوك والمعرفة
عرض مشاركة واحدة
12-31-2010, 10:02 PM
#
9
علي الشريف احمد
المُشرف العام
رد: أسئلة في الإرادة والسلوك والمعرفة
أمّا المعرفة بالله تعالى فهي باختصار شديد:
القرب من الله مع الإجلال والتوقير له سبحانه
، والعارفون بالله هم المقرّبون، وكلّ ما ذكرته أخي الكريم هو نتاج ذلك القرب.
والقرب من الله سبحانه والترقّي في القرب منه مستمرّ لا ينتهي، وفي ذلك يقول الحقّ سبحانه في الحديث القدسيّ:
(ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ)
دلالة الاستمرارية، وهو قربٌ معنويّ قلبيّ روحانيّ، وله ثمرات وله إشراقات تشرق على العبد.
فالقرب من الله عزّ وجلّ يثمر التعظيم لجنابه؛ فالعارفون به سبحانه هم المعظّمون لجنابه. والقرب من الله عزّ وجلّ يثمر الخشية له سبحانه؛ فالعارفون به هم الذين يخشونه ويخافونه. والقرب من الله عزّ وجلّ يثمر محبته والشوق إليه؛ فالعارفون به هم المحبّون له سبحانه المشتاقون إلى لقائه. والقرب من الله عزّ وجلّ يثمر الأدب الجمّ؛ فالعارفون به سبحانه هم أهل الأدب مع الكلّ وهم الحلماء الحنفاء الكاظمون الغيظ العافون عن الناس المحسنون للجميع. والقرب من الله عزّ وجلّ يثمر صفات الكمال والنزاهة والسمو؛ فالعارفون بالله سبحانه هم أهل الكمال والفضائل والقيم والمعاني الراقية. وفي ذلك اختلفت معرفة عارف عن عارف لاختلاف قربه من المولى جلّ وعلا، فمن كان أكثرهم خشية وأكثرهم حباً وأكثرهم أدباً وأكثرهم رحمة فهو أكثرهم معرفةً وقرباً.. وهناك الأكابر من العارفين وهم الصدّيقون أهل العلم به سبحانه المتفانون في الكمالات القدسانيّة والتنزيهات السبحانية، أقدامهم نبوية، وإلهاماتهم رساليّة، وقلوبهم عرشيّة، وأرواحهم لا تسكن إلاّ عنده سبحانه، هم عنده كبعض ملائكته..
ونتاج المعرفة أمورٌ كثيرة، فمنهم من تنتج معرفته الأحوال العالية، ومنهم من تنتج معرفته الأسرار الزكيّة، ومنهم من تنتج معرفته الحكمة الكاملة، ومنهم من تنتج معرفته العلوم اللدنية، ومنهم الكشوفات ومنهم ما دون ذلك ومنهم ما هو أكثر، كما يمكن أن ينتج لدى بعض العارفين أكثر من أمر في آنٍ واحد، والعارفون يستقبلون كلّ ذلك دون أن يحجبهم أيّ شيء عنه سبحانه فليس بعارف من جعل بينه وبين الله حجاباً
(مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (.) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)
، وهم
يجتمعون كما أسلفنا سابقاً في القرب من الله سبحانه والولاء له وإن اختلفت أحوالهم ومشاربهم..
وليس كلّ عارف بالله يصلح للمشيخة لأنها تربية والتربية
علم
ٌ بالشرائع والظواهر والبواطن والمصالح، و
قيادة
، و
حكمة بالغة
. فمن فقد أحد الأركان الثلاثة في التربية فضرره أكبر من نفعه، ويمكن أن يكون المريد عارفاً بالله تعالى ومن كبار العارفين ولكنه لا يصلح لتربيّة غيره في الطريق، وأقلّ المعرفة عند الفقير هي أن يكون القلب متعلّقاً بالله سبحانه مع التعظيم له والرضا به وعنه. وأعلاها عندنا أن يكون العارف بالله قرآناً يمشي على الأرض، والمقصود به كما أخبرت أمّنا عائشة رضي الله عنها عن سيّد العارفين وإمامهم عليه الصلاة والسلام:
(كان خلقه القرآن)
..
وبهذا جاء رسولنا المصطفى
، فقد قال المولى سبحانه وتعالى:
(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)
، فقد أتى عليه الصلاة والسلام معلّماً وموجّهاً ومرشداً بإذن الله بشيراً ونذيراً، فوضع المنهج المتكامل للمعرفة من حيث فهم كلام الله سبحانه والتزكية الفردية والمجتمعية من خلال الآداب والأخلاق والمعاملات وغيرها، فكان إصلاحاً للفرد وللجماعات وللمجتمعات وللأمم بأسرها، وهذه هي وظيفة المشايخ التي عليهم أن يقوموا بها ويتعاونوا عليها ويكون ذلك هدفاً واحداً لهم فيكون الإصلاح شأنهم فإصلاح الدين وإصلاح الدنيا وإصلاح الآخرة وإصلاح النفس وإصلاح المجتمع وهذه هي رسالة الرسل في أممهم
(إِنْ أُرِيدُ إِلاّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)
، وقد كان من دعائه
:
(اللهمّ أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي)
..
لذا فسيدنا محمد
هو الباب الأوحد لله ربّ العالمين؛
وذلك من حيث أنه الجامع لجميع الكمالات، ودينه الجامع لجميع محاسن الأديان، فلا يوجد باب يدخل منه العبيد إلى مولاهم إلاّ وقد دلّهم عليه رسول الله، ومن خالف منهجه وهديه وسنته فليس منه
(من رغب عن سنتي
-أي منهجي-
فليس مني)
، ومن عمل عملاً ليس عليه أمره ونهجه وهديه عليه الصلاة والسلام فهو عليه مردود
(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ)
؛ فهو عليه الصلاة والسلام بابٌ إلى الله من حيث السلوك المحمّدي الصافي والهديّ النبويّ الزاكي، وهذا المسلك يجب أن يكون عليه كلّ من تبعه في الدعوة إلى الله عزّ وجلّ من المشايخ والعارفين بالله سبحانه
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
، ولهذا كانت جميع الطرق أصل مادّتها ومرجعيتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك يقول الناظم:
وكلّهم من رسول الله ملتمسٌ... غرفاً من البحر أو رشفاً من الدّيمِ
.
فمن اتخذ أسوة له غير رسول الله
فيُخاف عليه الضلال، وخلفاء رسول الله
هم أهل الدلالة على الله بهدي رسول الله وعلى نهج رسول الله
(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)
، فمن وافق رسول الله
فقد نجا وأنجا الله من معه، ومن خالف رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فقد زاغ عن الصراط وزاغ كلّ من معه إلاّ من رحم ربي، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم.. لهذا فقد كان عليه الصلاة والسلام هو القدوة الحقيقية، يقول تعالى:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)
ومتبعيه هم ظلاله الذين استضاءت قلوبهم بنور الله وامتلأت بذكره سبحانه وأشرقت عليهم أنوار سبوحيته..
أمّا تجليات الحقّ سبحانه فأنواع مختلفة،
فمنها ما هو ملازم لأحداث معينة كالإشراق والغروب ونزول المطر وحدوث البلاء وغيرها، ومنها ما هو ملازم لأفعال ربانية معينة كالرزق والرفع والخفض والرحمة وغيرها وهناك التجليات المتنوّعة المختلفة التي تتجلّى بها الحضرة.. ولا يوجد تجلّي إلاّ ويصاحبه الخشوع له، يقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم
:
(إذا تجلّى الله لشيء خشع له)
.. وكلّ تجلّي له حضرة اسميّة تنتجه، فنزول الرزق يصاحبه تجلّي الاسم
(الرزاق)
والاسم
(الباسط)
والاسم
(القوي)
والاسم
(المتين)
والاسم
(الربّ)
والاسم
(الكريم)
والاسم
(الفتاح)
والاسم
(العليم)
والاسم
(المعطي)
وهكذا.. وطلوع الصبح يصاحبه عدّة أسماء كذلك؛ فالاسم
(الحيّ)
والاسم
(المحيي)
والاسم
(المقدّر)
والاسم
(النور)
والاسم
(الرزاق)
والاسم
(فالق الإصباح)
والاسم
(المعطي)
وغيرها.. فالتجليات المرتبطة بأحداث هي تجليات ثابتة ولكنها تختلف في المقدار، يقول تعالى:
(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)
ويقول تعالى:
(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)
ويقول تعالى:
(وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ)
.. أمّا التجليات التي ترد على قلب الإنسان فتختلف باختلاف الأوقات والساعات والأحيان والمواقف والمشاهد، والتجلّي بكلّ أنواعه لا يتكرر أبداً إلى أبد الأبد، ولا يتشابه تجليان أبداً، وتعالى الله سبحانه عن التكرار.
أمّا الصدق الكامل مع الله سبحانه،
فهو الصدق مع الكلّ، صدقٌ في الأقوال والأفعال والحركات والمعاملات والاعتقادات والتعبيرات وغيرها فيجتمع ذلك في النفس وتعتاده حتى ترتقي للصدق مع الله سبحانه في الأحوال والمقامات والتجليات والمشاهدات وغيرها.. فإنّ رسول الله
يقول:
(ولا يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يُكتب عند الله صدّيقاً)
.. ولا يبلغ الرجل أول درجات الصادقين حتى تستوي سريرته وعلانيته فلا تكذب أحدهما على الأخرى، فعندها يصبح صادقاً حتى مع نفسه وصادقاً مع من حوله وصادقاً في فعله ومعتقده وفكره ودعواه وبذلك يعتاد الصدق حتى يكون صادقاً مع الله سبحانه. والمؤمن لا يكذب، فإنّ الكذب ضعف في الشخصية وجُبنٌ وعدم نزاهة، ومن طاوعته نفسه على الكذب فقد هانت عليه الملائكة الحفظة والربّ المطّلع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وقد خان من أمامه لأنه غشّه في سرد الحقائق والوقائع، ومن غشّ فليس منا، فالصادق مع الخلق يرقى لكي يكون صادقاً من خالق الخلق، فلا يقف أمام ربّه وهو يقول:
(الله أكبر)
وتراه غافلاً سارحاً عنه فضلاً أنك لو نظرتَ في قلبه لوجدت الله سبحانه من أصغر وأقلّ أولوياته -نعوذ بالله من ذلك- فعلى المرء أن يحرص على نفسه من أن تدّعي ما ليس فيها أو أن تتكلّم بما لم تتذوّقه أو أن تقف أمام الله سبحانه وهي في غفلة عنه، فمن كان فيه ذلك الشيء فليستغفر بعد كلّ صلاة من الغفلة وليسأل الله أن يرزقه الحضور والخشوع والإنابة وأن يرزقه الصدق في كلّ شيء فبذلك يكون من الذين يتحرّون الصدق ويبحثون عنه..
أمّا السنّة فهي هدي رسول الله وطريقته ومنهجه،
وتؤخذ من أقواله وأفعاله وتقريراته لأصحابه، وليست العبادات التي كان
يقوم بها إلاّ جزء من سنّتة، وأخلاقه عليه الصلاة والسلام وطريقته في التنظيم والتخطيط والتربية والمعاملة كلّها من السنة، فالسنة هي المنهج العام الذي علّمه لنا
والذي يتعيّن علينا فهمه والعمل به، وبكلمة بسيطة نستطيع أن نقول أنّ السنة هي الطريق إلى الله تعالى، والطريقة هي سنّته عليه الصلاة والسلام..
سراج الدين احمد الحاج
معجب بهذا
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم
بالتسجيل من هنا
علي الشريف احمد
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى علي الشريف احمد
زيارة موقع علي الشريف احمد المفضل
البحث عن كل مشاركات علي الشريف احمد