الموضوع
:
أسئلة في الإرادة والسلوك والمعرفة
عرض مشاركة واحدة
12-31-2010, 09:22 PM
#
5
علي الشريف احمد
المُشرف العام
رد: أسئلة في الإرادة والسلوك والمعرفة
فأجاب رضي الله عنه ب:
أمّا الإخلاص في لغة الخصوصية فهو غضّ طرف القلب عن كلّ ما سوى الربّ،
ويُعدّ مقاماً خاصاً في التوحيد لأهل الولاية. وفيه لا يتطلّع الوليّ لأحدٍ سوى سيّده، ولا يبتغي بعبوديته أحداً سوى مولاه.. وعند الفقير تُعتبر جميع مقامات الخصوص لأهل السلوك مكتسبة إذا ما أحسنوا الإرادة وصدقوا في التوجّه. فإنّ السالك إلى الحقّ إذا لبس ثياب العبودية وحنى رأسه لعظمة مولاه وأفرغ قلبه لسيّده ومصطفاه، وزهد في متع الحياة وشهوات الإرادة، ورفع جميع الحجب بينه وبين ملك الملك والملكوت، رسخ الإخلاص في قلبه، فلم يرضَ بغير سيّده وخالقه معبوداً، وعمل العمل لا يعمله إلاّ لله ولمرضاة الله سبحانه..
وحالك مع الله هو مرآة مقامك عنده
(هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)
فتعظيمك للحق هو صورة قدرك عنده، وحبك له هو صورة حبه لك، وذكرك له هو صورة ذكره لك
(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)
.. فإن أقبلتَ أنتَ على المرآة وجدته أمامك، وإن أقبل هو عليك وجدتَ نفسك أمامه وفي ذلك يقول سبحانه
(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)
ويقول كذلك:
(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)
.. واعلم أنه ما دُمتَ أنت معه راغباً فيه مُحبّاً له سالكاً إليه زاهداً فيمن سواه، فإنك بذلك تكون من الذين هداهم الله وأكرمهم بكرامته فاحمده سبحانه على ما هداكَ إليه وقل:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)
.. فلولاه ما اهتديت، ويكفيكَ كرامة أن قد خلقك إنساناً وجعلك سوياً وزيّنك بالعقل، وجعلك مسلماً ولم يجعلك مجوسياً أو زنديقاً أو مشركاً، وأكرمك بأن جعلك من أمّة خير الرسل سيدنا محمد
، وجعلك من المهتدين ولم يجعلك من الضّالّين، فاحمده سبحانه فلو لم يُردك لما وفقك لتقف أمامه كلّ يوم في صلاتك عدّة مرّات في اليوم، فهذا دلالة على إرادته سبحانه وتقريبه وإدنائه لك، فانظر لنفسك بعدها هل حجبتَ نفسك عنه أم كنتَ من المقبلين عليه؟!
واعلم يرحمك الله أنكَ تستطيع دحض جميع الشرور والأعداء بتوجّهك الحقيقي إلى الله سبحانه،
فنوره قوّة، فهو القائل جلّ في علاه:
(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ)
، فمن اعتصم به نجا، ومن توكّل عليه اهتدى.
أمّا طريقة التعامل مع ما ذكرتَ فأوّل ذلك العلم بها، فمن عرف عدوّه اتقاه، وبعد ذلك عليك أن تستعدّ لوارداتك وتفهمها وعلم مصدرها..
فأمّا النفس
فعاشرها بالمعروف فإن جمحت فأدبّها دون ظلم؛ لأنها الأقرب لك، وليس من الأدب أن نعاقب بلا سبب، فإن كانت مطيعةً لله مطمئنة معه راضيةً به فأكرمها، وإن كانت غير ذلك فأدّبها بطاعة الحق إلى أن تستقرّ له، وتأديبها واجب عليك لأنّ فيه فلاحك أو ضياعك
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (.) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)
..
أمّا الشيطان
فكيده ضعيف، فاستعذ بالله منه، وأكثر من التزوّد من التقوى يضعف، وعليك بالسجود فإنّ السجود قد قصم أكبرهم فهو القاصم كذلك لهم. وطول السجود عذاب لهم فبقدر سجودك يحترقون بنور عزة الحق الذي ملأ قلبك من عظيم أسرار القرب
(إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)
.. فالتقوى تُضعفه والسجود يقصمه والذكر يخنسه والاستغفار يذيبه والمناجاة تحرقه ومحبّة الحق تصعقه..
والهوى
ما وافق الحق فأكرم به وإن خالفه فتعساً له، يقول رسول الله
:
(لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)
، أمّا من كان الهوى قائداً له يأمره بالشر ويعظم لديه الغفلة فتعساً له من قائد وتعساً لتابعه من تابع، يقول تعالى:
(وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)
..
أمّا الخَلْق،
فأسأس العلاقات معهم هي الحسنى واللين والمداراة، وعليك بالرفق وإياك والعنف فهو لا يأتِ بخير ولا يزيد الأمور إلاّ سوءاً.. والكلمة الطيبة صدقة، والكلمة الخبيثة تهوي بصاحبها يقول تعالى:
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (.) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (.) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (.) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)
..
أمّا الأمور والأفعال التي ترجع المريد إلى الوراء فهي عديدة
ولكنها تختلف في حدّتها ودرجتها، فمنها ما يقصمه قصماً، ومنها ما يورثه القبض والحزن، ومنها ما يحجبه ومنها ما دون ذلك، وتنحصر جميعاً في الذنوب.. وأكثر ما وجدته قد تفشّى في القلوب هو الكِبر والعُجب، فترى الكثيرين يرون أنفسهم أنهم الأفضل والأكبر والأعلم وهذا لعمري داء عضال يقصم الظهور، يقول ربّ العزة جلّ وعلا في الحديث القدسي:
(الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني أحدهما قصمته)
. ومنها الحسد الذي يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، فترى البعض منهم يحسد الغير لمجرّد أن أنعم الله عليهم نعمة من عنده. ومنها الشهوات، يقول تعالى:
(وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)
، والأجدر بالمرء أن يستغفر الله دوماً فإنّ الاستغفار والتوبة يرفعان قدر المرء عند الله، ويعليان ذكره، وانظر في ذلك إلى قوله تعالى:
(وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (.) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (.) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)
فانظر رحمك الله كيف جعل الله تعالى الرفعة بعد وضع الأوزار وخفّة الظهور من الأحمال!
واعلم هداك الله إلى ساحات أنسه أنّ المؤمن لا حرمان له،
فالحب يزيد في قلب المؤمن ولا ينقص، والأحوال رزق قلبيّ علينا أن نحمد الله عليه إن بسطه وأن نحمده كذلك إن قبضه، وحرمان قيام الليل ليس حرماناً من الله سبحانه، فكم من حكاية عن أكثر من واحد من الصالحين لم يكن لهم نصيب من قيام الليل، ومن رحمة الله بعباده أن جعل صلاة العشاء في جماعة تعدل قيام نصف الليل، الفجر في جماعة تعدل قيام الليل كله، وبعض الناس لديهم ظروف تحكمهم كالعمل المبكّر وغير ذلك، يقول تعالى:
(عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ)
.. فلا حرمان في نقصان فضائل، وإنما الحرمان في وحشة الظلمة وبُعد المعاصي..
سراج الدين احمد الحاج
معجب بهذا
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم
بالتسجيل من هنا
علي الشريف احمد
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى علي الشريف احمد
زيارة موقع علي الشريف احمد المفضل
البحث عن كل مشاركات علي الشريف احمد