عرض مشاركة واحدة
قديم 12-31-2010, 09:14 PM   #2
علي الشريف احمد
المُشرف العام
الصورة الرمزية علي الشريف احمد



علي الشريف احمد is on a distinguished road

B18 رد: أسئلة في الإرادة والسلوك والمعرفة


عندما سؤالي جاء رد كالاتي :


اعلم أرشدك الله إلى كنز المعرفة به أنّ أعظم نيّة وأقربها في الطريق إلى الله سبحانه هي أن تكون في معيّتة وأن يكون راضياً عنك، فإنك إن جعلت رضاءه أمامك سهلت عليك أمورك وصلحت لك شؤونك، وذلك أنك إذا فعلت الفعل إرضاءً له فلن تفعل إلاّ الخير وسيرضى هو عنك، ومن رضي عنه قرّبه وأدناه.. وإنك إن جعلت معيّته هدفك فإنك ستحظى بالقوة والولاية والنصرة والتوفيق وغيرها من الأمور التي تثمرها معيّة الحق سبحانه..

والنيّة هي أصل العمل فإن صلحت النية قصر الطريق، وصدّقني يا أخي الكريم أنّ المريد الصادق تأتيه الفتن من كلّ جانب ابتلاءً فلا تحيده عن الله طرفة عين، وتأتيه الأحوال المسكرة فلا تنسيه لذة البقاء مع الله، وتأتيه الكرامات المُعجزة فلا تثنيه عن عبوديته أمام جلال الله، فذلك المريد فما بالك بمن عرفه؟!!

فاجعله مقصدك دائماً، ولا تخطئ ذلك، واعلم أنّ الشيخ هو مرشد مربي، فلا تجعله غاية فتردى، ويجب أن يكون فيه الحكمة التي يرشدك بها (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) فإن لم تنفعك حكمته ولم يسلك بك سبيل التزكية ولم تشرق عليك أنوار التحلية فلا تعلّق نفسك به، ولا يعني ذلك انتقاصاً له، فهذا ولايته لنفسه وليست لغيره، وكثير من الأولياء من يكونون على قدر عظيم في الولاية ولكن لا يصلحون للتربية بل للبركة فقط..

ولا تصحب من الأخوان إلاّ المستقيم الصالح، أمّا أهل اللهو واللعب والغفلة والبعد عن الله فلا تصحبهم إلاّ على قدر حاجتك منهم، وأن تقول لهم حُسنا، ولا تأخذ عنهم علما، وليكن جلوسك معهم نصحاً، فهم يزيّنون لك الدنيا والشهوات، ويملؤونك من ظلمتها، فالبعد عنهم أولى (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)..

أمّا الأقوياء الأشداء في الله الذين هم من أهل الحكمة والبصيرة، فلا بأس لهم من صحبة أهل الدنيا، فإن حديثهم معهم يحييهم بعد موت، وإرشادهم لهم يوقظهم بعد سُبات، فهؤلاء أهل الغفلة إن تركهم الصالحون فمن يكون لهم مُرشداً، وإن لم يروا أنوار المتقين ويشعروا بها فكيف يعرفون زينة التقوى، جعلنا الله وإياكم من الذين اختصهم الله فكانوا رحمة للعالمين، ومن الذين حظوا ببركات دلالات الهدى كما قال عليه الصلاة والسلام: (لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) أو كما قال عليه الصلاة والسلام..


واعلم رحمك الله واختصك في نعيم قربه أنّ الأصل في العبادة الحضور، فإن غاب الحضور فلا فائدة للسالك يجنيها إلاّ الأجور، فكيف يكون مريداً لله وهو يعبده بالغفلة؟! فهذا لا يصحّ خاصة عند الصادقين في إرادتهم، لأنّ الصادق في إرادته كما أسلفنا سابقاً لا يتستعذب إلاّ الجلوس بين يدي مولاه، ولا يستطعم إلاّ اسم مولاه، ولا تحلو له سيرة إلاّ سيرة مولاه، فعجباً كيف يعبد الله وهو عنه لاه؟!! فليصحّح نيّته وليصحّح إرادته.. ولا يعني ذلك أن الإنسان معصوم من القبض والملل وغيرها من صفات البشرية، فعليه إذا لم يحضر في عبادة فليتحوّل إلى أمر آخر يشعر فيه بالحضور، فإن كان يحضر في الذكر فليذكر، وإن كان يحضر في الصلاة فليصلي، وإن كان يحضر بتلاوة كلام الله فليتلو، وإن كان يحضر في الجلوس مع الصالحين فليجلس، وإن كان يحضر بغير ذلك فليفعل، فالأصل هو أن تكون مع الله..

وأريد أن أوصي أخواني أن لا يعتقدوا أن فلاح المرء هو أن يجعل وقته كله ذاكراً عابداً لله، فتراه يجتهد لهذا كثيراً، فلا تكون النتيجة إلاّ الكسل والملل والضجر والغفلة وغيرها من الأمور ف (إنّ الله لا يملّ حتى تملّوا)، فالقليل القليل الدائم في العبادة خير من الكثير الذي لا يدوم، وهذا الكلام هو حقيقة لا شك فيها.. فمن رحمة الحق بنا أن جعلنا نغفل للقيام بأمورنا الدنيوية وأعمالنا اليومية ومصالح الخلق فلا يعارض هذا الذكر، فإنّ حبّ الله مستقر في القلب، والإخلاص له موجود في المعتقد، فليس الذكر فقط هو ذكر اللسان ولكنه الحضور بالصحبة معه، فإن عملت عملاً فاجعله أول الناظرين، وإن فعلت الفعل فاقصد وجهه سبحانه، وإن واجهك أمر فاستعن به، وإن همّك همّ فالجأ إليه، وإن ألمّت بك مصيبة فاحتسب عنده، وإن أقبلت عليك النعمة فأقبل عليه بالشكر وهكذا..


واعلم وفقك الله أنّ كثرة الطعام مضرّة، ف (ما ملأ ابن آدم وعاءً شرّاً من بطنه) والمعدة بيت الداء، والزيادة في الشبع منبت الآفات، فوجبة واحدة في اليوم تقيت، ووجبتين في اليوم إسراف، واحرص أن يكون طعامك فيه جميع احتياجات الجسم من كربوهيدرات وبروتينات ودهون وفيتامينات وأملاح، ونوّع في الطعام حتى لا تمرض، واحرص كذلك أن لا تنم بعد الأكل مباشرة إلاّ لو كان نوماً خفيفاً كنوم القيلولة، وأن لا تزيد قيلولتك عن ساعة إلى ساعة ونصف على الأكثر، وأن لا تنم متواصلاً في ليل أكثر من ست ساعات إلى سبع، والنوم المفيد قبل نصف الليل، فبعد ذلك تكون فائدته قليلة، وإياك ثمّ إياك من النوم في الفترة من بعد العصر إلى المغرب فإنها فترة لا يُحمد النوم فيها، ويمكن أن يصاب الإنسان بالخبل أو الجنون أو الحمق..

والطعام والنوم يا أخي هما من حاجات الإنسان الضرورية والتي تهدف إلى إعطاء الجسم حقه للقيام بالعمليات الحيوية المتفرّقة، فلجسدك عليك حقاً، ولعينك عليك حقاً، ولمفاصلك عليك حقا، ولأعضائك عليك حقاً.. وتحرّك بعد الطعام، فإنّ الحركة بعد الطعام تريح المعدة، واعلم أنّ أجود الحركة المشي، وأطيب الطعام ما حمدت الله عليه، وأطيب النوم ما تذكّرت عنده الموت، وأطيب الذكر ما كنت فيه مع الله..


واعلم أنّ المعرفة لا علاقة لها بالمجاهدات الجسدية، وذلك أنّ المعرفة قلبية، فإن جاهدتَ فجاهد قلبك ولا تجاهد بدنك، وأجبر قلبك على حبّ الله، وأجبر نفسك على أن لا تعمل العمل إلاّ لوجه الله، وأن تنصر الله على الشيطان وعلى كلّ ما سواه، وهذا هو الأصل في المجاهدة فعندها يكون جهاداً في الله (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)..

وإياك من تغييب العقل، فمن غيّب عقله ضاعت آدميته، فالسلوك بلا عقل لا يأتي بأدنى خير، وإياك من أن تكون كالميت يحرّكه الآخرون كيفما شاؤوا، بل عليك بإعمال الفكر ووزن الأمور والتحقق والتبصّر والتمعّن والتذكّر فكلّما تعمّقت في فكرك وسبرت أعماق الأمور زادت حكمتك ووصلت إلى لبّ الحقيقة..

أمّا الخلوة فما رأيت أفضل من خلوة الليل، فهي خلوة المحبّين، فقف بين يديه ولو بركعتين، وناجيه مناجاة القريب، وتذلّل إليه مذلّة العبد الأواب المنيب، وأجمل من ذلك أن تكون في كلّّ صلواتك بين يديه في خلوة، فتقف وكأنك وهو فقط، أمّّا الخلوات الطويلة فلا أنصح بها وخاصة في هذا الزمان، لأنّ النفوس ضعفت وما عادت تحتمل.. ولكن من أراد خلوة الذكر فلينوِها ساعة مثلاً أو ساعتين ويجلس مستقبلاً القبلة على طهارة كاملة، وليأخذ الاسم المفرد ويذكر به باللسان والقلب، بالخشوع والحضور والهيبة، فإنّ ذلك بإذن الله ينفعه ولا يضرّه..

أمّا كيف يعامل الإنسان ربّه في حياته وفي خلال يومه، فإنّ عليه أن يعامله بالإخلاص والصحبة، فيقدّمه على كلّ شيء، وأن يحرص على رضاه، وأن يُحسن إلى خلقه، وأن يقف بين يديه في الصلاة بكمال الخشوع والأدب، وعليه أن يرجع إليه بالدعاء والتضرّع في سائر أموره، وأن يذكره في سائر أحواله، وحسبه أن يقول: (ياسم الله) عند كلّ فعل؛ عند أكله وشربه ولبسه وخروجه ودخوله وركوبه وغير ذلك.. كما عليه أن لا يجعل بينه وبين الله أحداً، وأن يحرص على الكمال في تصرفاته، فإن كان كذلك، فهو نجم في سماء العبودية بإذن الله..


أسأل الله لي ولكم الخير والهداية، وأن نعرفه حق معرفته، وأن نصحبه بما يرضيه، والله وليّ المتقين، والحمد لله رب العالمين..

علي الشريف احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس