الموضوع
:
كل عام وأنتم بخير
عرض مشاركة واحدة
12-26-2010, 12:41 PM
#
2
علي الشريف احمد
المُشرف العام
رد: كل عام وأنتم بخير
ثم يأتي التأسيس المنهجي الصحيح لدوائر الانتماء فيما يتجاوز محيط الأسرة، وأول إطار خارج الأسرة هو قدسية العلاقات مع الأرحام، ثم تعديته إلي أهمية حق الجار، فيبدأ الفرد في تعلم كيفية معاملة الله تعالي في الرحم والجار، ثم تأتي دائرة أوسع من الرحم والجار وهي دائرة الأصحاب والأصدقاء وزملاء المهنة والصناعة، فتبدأ دوائر الاتصال الإنساني تتسع، لكن بتبصر وتدرج ووضع كل علاقة منها في موضعها الصحيح، بما يشكل في النهاية نوعاً راقياً ومميزاً من بناء الإنسان.
فمن ملامح العصر افتقاد الخصوصية المحلية وضعف الصلات الأقرب، وصار للإنسان علاقات مع أفراد يتجاوز بهم محيط العلاقات مع الناس الذي يحيا بينهم، وليس في ذلك غضاضة أن يتواصل الإنسان مع الآخرين في المجتمع الكوني، وأن يحقق دلالات التعارف الحضاري، لكني أتحدث عن أن الفرد قد يتواصل مع إنسان لا يعرفه علي بعد آلاف الأميال لساعات طويلة علي شبكة الإنترنت، وقد تمر عليه أعوام وهو لا يعرف من هو جاره الأدني الذي يسكن بجانبه، وقد تمر عليه الأيام والشهور دون أن يحادث عمه أو ابن عمه أو أخاه وأخته، ما نتحدث عنه ليس اتساع دوائر الاتصال، وإنما الحديث هنا عن قطع وعن تجاوز للعلاقات الطبيعية وعن الخلل في ترتيب الأولويات.
إن البناء الصحيح للإنسان يعني ضرورة النظر في ترتيب العلاقات في الدائرة الإنسانية الأقرب للأسرة، فهم لهم حقوق أوجبها الله تعالي وجعلها وشائج بين الأسرة وبين تلك الدوائر، فصلة الرحم باب من أبواب البر وقطع الرحم كبيرة من الكبائر، لها أثرها في الرزق والأثر، " فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ ينْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيصِلْ رَحِمَهُ» (صحيح البخاري)، يتجاوز فيها الإنسان دائرة الحقوق والتبادل إلي مرتبة العطاء والإحسان، «لَيسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» (صحيح البخاري).
وحق الجار والإحسان إليه علامة من علامات الإيمان، وهي تعبير عن عدم كمال الإيمان، «فعَنْ أَبِي شُرَيحٍ أَنَّ النَّبِي صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَاللَّهِ لَا يؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يؤْمِنُ. قِيلَ: وَمَنْ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:الَّذِي لَا يأْمَنُ جَارُهُ بَوَايقَهُ» (صحيح البخاري) الأمر الذي يجب أن ينبهنا إلي خطورة إهمال تلك الدوائر من التواصل الإنساني الطبيعي، فالصلة بالرحم والصلة بالجار مؤشرات كمال إيمان الفرد، وهي أمور لا تلغي ولا تختزل في ثورة الاتصالات الحديثة إلي مجرد رسالة قصيرة عبر الجوال.
ثم هناك دائرة أهل المهن والوظائف، والتي يجب أن تقوم علي معاني التعاون والتكامل والإيمان، فالصلة بيننا وبين من يحيط بنا ليست صلة مصلحة، وإنما صلة دين وإيمان، تقوم فيها علاقات التعاون علي نحو تكاملي وعلي أساس إيماني، فالأساس في صلتنا بمن حولنا أن الله قد أمرنا بذلك، وأن المسلم ليسأل عن صحبة ساعة، فما بالكم بمن يصاحبهم الناس ويلتقيهم في اليوم والليلة في العمل والمسجد والحي الذي يسكن فيه.
إن الحديث عن الترتيب الصحيح لتلك العلاقات له صلة وثيقة ومؤثرة في بناء الإنسان ورقيه ومعاملته مع الله تعالي من خلال وشائج الرحم والجوار والزمالة، فهي وشائج تمثل جزءاً من حياتك إذا رضيت أن تهملها أو تستغني عنها بسبب تجاوز الناس، هذه الصلات لما هو أبعد وأوسع معناه الخلل في التركيب النفسي والإيماني للإنسان، لقد أوجب الله صلة الأرحام والجوار والصحبة في معان راقية من التواصل والعطاء الإنساني، لا تقتصر علي مجرد كف الأذي، فالمسلم لا يعيش فقط ليكف عن الناس أذاه، وإنما المسلم صاحب عطاء وبذل وإحسان والمسألة أكبر وأعمق من مجرد القرابة أو التلاصق المكاني أو أداء الواجبات.
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم
بالتسجيل من هنا
علي الشريف احمد
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى علي الشريف احمد
زيارة موقع علي الشريف احمد المفضل
البحث عن كل مشاركات علي الشريف احمد