عرض مشاركة واحدة
قديم 11-26-2010, 12:29 AM   #4
محمد عبده
مُراسل منتديات الختمية
الصورة الرمزية محمد عبده



محمد عبده is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى محمد عبده
افتراضي رد: سلسة مقالات الشقيق دكتور بابكر فيصل ....


الأستفتاء والمفاهيم الدينية المغلوطة
بابكر فيصل بابكر
boulkea@yahoo.com

وقعت على مكتوب صغير الحجم, عظيم الخطر, صادرعن جماعة الأخوان المسلمين – الأصلاح بعنوان " رؤية حول أستفتاء تقرير مصير الجنوب السوداني", وبعد أن فرغت من قراءته ترّسخت لدىّ القناعة بأنّ السودان المغلوب على أمره موعود بفتنة لا تبقي ولا تذر, وأنّه يسير بخطى متسارعة صوب مشهد العنف والفوضى والدمار الذي نراه يوميا في العراق والصومال وأفغانستان. وليس هذا الحديث ضربا من التهويل والمبالغة ولكنه قراءة موضوعية لأفكار تنتشر كالنار في الهشيم وتتكاثرأعداد معتنقيها يوما بعد يوم في ظل التحولات السياسية والأقتصادية والأجتماعية العميقة التي يشهدها السودان.

تبدي جماعة الأخوان المسلمين – الأصلاح موقفا رافضا للأستفتاء من حيث المبدأ وهذا أمر مشروع لكل صاحب رؤية "سياسية", ولكن الخطورة تكمن في أنهّم يرفضون الأستفتاء شكلا وموضوعا بالأستناد الى فكرة دينية في غاية الخطورة, وهى فكرة " أرض الأسلام" المرتبطة بمفهوم تاريخي ديني هو " الخلافة", ويقولون في هذا الخصوص :
( في البدء لا بّد لنا أن نقرّر أنّ جنوب السودان هو أرض أسلامية, فتحها المسلمون واتبعوها لحكمهم, وكونت مع غيرها من أجزاء السودان المختلفة, هذا القطر الأسلامي, بحدوده الجغرافية المعروفة." ويخلصون من ذلك الى أنّ "الجنوب جزء لا يتجزأ من العالم الأسلامي, وهو أرض أسلامية وقفية, ولا يملك أحد شرعا حق التنازل عن أرض أسلامية وقفية).

وتحيل فكرة أرض الأسلام أو "دار الأسلام" مباشرة الى رديفها وهو "دار الكفر" وكلاهما مرتبط بأطار"الخلافة الأسلامية" الذي ينظر للعالم من خلال هذه الثنائية ( دار الكفر / دار الأسلام ), فمفهوم الدار أوالأرض هذا ليس مفهوما جغرافيا ذو حدود مرسومة , أذ أنّ حدوده متحرّكة بتحرّك "الأمة" ومتمددة مع تمدّد المسلمين, وهو يعارض مفهوم الدولة الحديثة التي تعني الكيان السياسي الجغرافي المحدود الذي يشمل ثلاثة عناصر هى الأرض والشعب والسيادة.

ومن هنا يصبح الأستناد الى هذه الفكرة أمرا في غاية الخطورة لأنّ أنفصال أرض الجنوب لا ينظر اليه في الأطار السياسي للدولة الحديثة التي يتساكن في حدودها الناس ويرتبطون بعقد قابل للتغيير, وفي هذا السياق يصبح مبدأ تقرير المصير حقا مشروعا تعترف به الدول, بل أنّ دولة مثل أثيوبيا ضّمنته دستورها, ولكن ينظر الى هذا الحق كأعلان للحرب على الأسلام والمسلمين جميعا بأعتبارهم أصحاب الأرض التي ضمّت الى "دار الأسلام" في زمن سابق وهو الأمر الذي تؤكده رؤية الأخوان المسلمين – الأصلاح حين تقول :
( خلاصة القول أنّ الجنوب قد تم أخضاعه لحكم المسلمين خلال العهود المختلفة التي تعاقبت على السودان, منذ الأتراك, وحتى الدولة المهدية, وسقط ضمن السودان في يد المحتل الأنجليزي, ثم تم تحريره مع بقية أجزاء الوطن, عشيّة الأستقلال. وهذا فتح صحيح, يصبح به المصر مصرا أسلاميا, فهو ملك المسلمين, ولا يجوز لأحد التفريط فيه, أو التنازل عنه, بأستفتاء أو غيره لأنّ في ذلك خيانة للّه ورسوله, وللمؤمنين ).

أنّ المفاهيم والمصطلحات التي يستخدمها الأخوان المسلمون – الأصلاح مثل أرض الأسلام والتي تنفي مفهوم المواطنة الحديثة وتعتبره مخالفا للشريعة الأسلامية , تعتبر مكونا رئيسا من مكونات المنظومة الفكرية المفخخة التي يتبناها ما بات يعرف بالتيّار السلفي الجهادي, وفي هذا الأطار نستطيع أن نفهم كيف أعتمد تنظيم القاعدة في خطابه المسّوغ لهجوم الحادي عشر من سبتمبر على مفهومي "دار الأسلام" و "دار الكفر".

ولا يكتفي الأخوان المسلمون – الأصلاح برفض الأنفصال بوصفه تفريطا في أرض الأسلام, بل هم كذلك يرفضون الوحدة في ظل أتفاق نيفاشا وذلك للعديد من الأسباب التي من ضمنها أنّ طرفا الأتفاق قد :
( يندفعان الى نموذج الدولة الكونفدرالية, بوصفها أطارا للوحدة, وذلك سيكون أمرا خطيرا لأنّه يمّكن النصارى من حكم المسلمين في السودان ).

وهذه الفكرة أيضا تنطلق من ذات الأطار السابق وهوالخلافة الأسلامية الذي يناقض أساس الدولة الحديثة القائم على مفهوم "المواطنة" والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين, فالعلاقة في ظل نظام الخلافة تقوم على أساس الفرزالديني بين المسلمين وغير المسلمين, حيث يكون غير المسلمين في وضع سياسي وأجتماعي أدنى من المسلمين, أذ لا تحق لهم الولاية الكبرى لأنهّا ستكون ولاية مليّة للكافر على المسلم, وكذلك لا تكون لهم ولاية على القضاء أو التشريع, أي أنهّم يصبحون مواطنين من " الدرجة الثانية" بحسب التعبير الشائع.

قد تجاوزت الأنسانية من خلال الدولة الحديثة فكرة الدولة الدينية التي لا تساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتميّز بينهم بسبب الأنتماء الديني, وما الرفض القوي الذي تواجه به الدول الأسلامية والعربية الكيان الصهيوني الذي يطرح فكرة يهودية الدولة الأسرائيلية الا شاهدا على ذلك. الدولة الدينية تستبطن نوعا من العنصرية لكونها تستند على فكرة مفادها أنّ أصحاب ديانة معينة يفضلون بقية السكان داخل حدود الدولة بسبب أنتماءهم الديني. وهذه الدائرة الجهنمية من علو أو دونية المواطنين في الغالب لا تقف عند حد الأنتماء للديانة الواحدة بل تنداح الى المذاهب والفرق داخل نفس الديانة, فالدولة الدينية التي تستند الى المذهب "السّني" الأسلامي ستمّيز ضد الفرق والمذاهب الأسلامية الأخرى مثل "الشيعة" والعكس بالعكس.

ويقول الأخوان المسلمون – الأصلاح أنّهم يرفضون الأستفتاء من حيث الشكل لأنّ :
( الأصل في الأسلام أنّه لا يعرف أستفتاء العامة, الا أستئناسا, بعد أخذ رأي أهل الحل والعقد, من أهل العلم والشورى والرأي, يقلبّون الأمر على وجوه المصالح والمفاسد, ثم يفتون فيه بما يجلب للأمة أعظم المصالح, ويدرأ عنها أسوأ المفاسد, ولا مانع بعد ذلك من الأستئناس باراء الأمة لترجيح أحد أوجه الرأي ).

وهذا القول مرتبط كذلك بالفقه المتوّلد في ظل دولة الخلافة, والذي يناقض جوهريا الفكر السياسي المعاصر, أذ لا تعرف النظم السياسية الحديثة مصطلح "أهل الحل والعقد" رغما عن بعض الأجتهادات التلفيقية التي تحاول أن تطابقه بالمجالس النيابية في النظام الديموقراطي. وبينما يمثل "اهل الحل والعقد" محاولة لسلب "الرعيّة" حقوقها الأصيلة في التعبير عن مصالحها, فأنّ الأستفتاء يجسّد عملية مشاركة الشعب في ممارسة السلطة في موضوعات مهمّة لا يصلح أن يقرر فيها بواسطة الهيئة النيابية فحسب, والأصل فيه أنّ نتيجته ملزمة لا أن يتم "الأستئناس" بها لأنهّا تمثل أرادة الشعب, بعكس "أهل الحل والعقد" الذين لا يملكون أن يخالف رأيهم أرادة الخليفة أو الحاكم أو الأمير, وهو الأمر الذي يشهد به تاريخ دولة الخلافة الأسلامية الذي كان في معظمه ملكا أستبداديا عضودا.

أنّ أقحام الدين في موضوع الأستفتاء بهذه الطريقة يشكّل خطرا عظيما ليس من ناحية الأثر الذي سيترتب عليه من تعبئة نفسية ومعنوية لقطاعات واسعة من الشعب تحركها العاطفة الدينية وتدفعها للعنف و "أعلان الجهاد ضد الكفار" المغتصبين فحسب ولكن لأنّ هناك أطرافا أخرى تدعو لفصل الجنوب بحجة دينية هى الحفاظ على الأسلام والشريعة , مما يعني أنّ تبني كلا الموقفين يشكل أثما دينيا بشكل من الأشكال, فالأخوان المسلمون – الأصلاح يقولون أنّ في الأستفتاء " خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين", وصاحب "الأنتباهة" وجماعته في " منبر السلام العادل" يقولون أنّ دعوتهم للأنفصال دافعها حماية مصلحة الأسلام والمسلمين من مؤامرات الصهاينة والصليبيين الذين جعلوا من جنوب السودان مدخلا للحرب على المد العربي الأسلامي.

ليس هذا فحسب بل أنّ حكومة الأنقاذ التي وقعّت أتفاق السلام الذي تضمّن منح الجنوب حق تقرير المصير تقول أنها تنطلق من منصّة الأسلام, بل أنهّا حاربت الجنوبيين تحت رايات الجهاد, وقد شاركت في السلطة (الحكومة) التي أنبثقت عن اتفاق السلام والدستور الذي يقر مبدأ "المواطنة" أحزابا وتنظيمات أسلامية مثل تنظيم " الأخوان المسلمون" و جماعة "أنصار السنة المحّمدية", فمن هو اذا صاحب الحق في أن يقول القول الفصل بأسم الأسلام في هذه القضية ؟

الأصلح لبلادنا أن يتم تناول قضية تقرير المصير كقضية سياسية يتفق حولها الناس ويختلفون دون المساس بعقائدهم الدينية, لأنّ الأختلاف حول هذه القضية على الأرضية الدينية ستكون عاقبته حكم طرف على الطرف الاخر بمخالفة الأسلام وبالتالي الأنزلاق الى دوامة التكفير المتبادل, وفي ظل أجواء الأستقطاب الحاد التي تشهدها الساحة السودانية وتتأثر بالأحداث التي تدور في المنطقة والعالم فأنّ المحصلة النهائية ستكون دائرة شريرة من العنف والقتل والدمار على غرار ما يدور في باكستان والصومال وأفغانستان وغيرها.






محمد عبده غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس