ومنها : أنه لما دخل براري تلك البلاد ، وتعلق به من أهلها ما لايحصره التعداد ، وانتشرت بركته فيهم ، وعمت بجميع أركانهم ونواحيهم ، جاء إليه رجل من أبناء الأولياء الكاملين ، يطلب السلوك ومعه من الناس ما ينوف عن المائتين ، فأناخ ببابه رواحله والركاب ، وحل مئزره وانخضع لذلك الجناب ، أدركته في الحين وقائع الأحوال ، وعد في أيام قليلة من خواص الرجال ، فلما أذن له في السفر والرجوع معه الإذن والخلافة ، وعزم على ذلك وجمع أشتاته وأطرافه ، والحال أن هذا الرجل كالملك عند قبائله ، ضاعت عليه في الليلة التي عزم في بكرتها السفر جميع ركائبه ، وهذا الموضع فيه من اللصوص والقطاع ، ما تخشاه الأبطال ويخافه الصنديد الشجاع ، فجاءت الدعاة له بذلك مخبرين ، فأعلمه المخبر بهذه الحكاية لأنه كان معه من المتحابين. قال : فخرج علينا الشيخ رضي الله عنه لصلاة العشاء فأخبرته بذلك ، فأومأ بيده إلي جهة الضياع وقال هنالك ، والحال أن الناس قد أيقنوا من حصولها ، هو عندهم مجرب إذا ضاعت لهم أشياء هناك أيقنوا من وصولها فما أخذت المضاجع ولا تفرقنا من المجالس ، إلا وأناس يقولون : وجدت الجمال بغير حاجز وحابس ، فعلمنا أنها بالإشارة المتقدمة حفظت ، ولداعي الله ووليه وابن رسوله لبت.ومنها : أنه كان في سفر ومعه قافلة عظيمة للتجارة وخلق كثيرون ، يبلغون ثلثمائة أو يزيدون ، بعضهم من أرض مصر ومن غيرها بلدة كبيرة من أرض السودان يقصدونها بالتجارات من سائر الأقاليم والبلدان ، وفي ذلك الطريق مفازات ينقطع فيها الماء ، فاتفق أن حملوا معهم ماء ففرغ في تلك الأرجاء ، فصار لهم ظمأ عظيم وخطب جسيم ، وذهلوا لما أصابهم واشتد بهم الكرب لما نابهم ،فجاء كل من في القافلة إلي هذا الحبر الهمام ، يستغيثون به إلي الله فيما حل بهم من الضرر و الآلام ، فأمرهم بأن يرفعوا أمتعتهم من طريق السيل والأمطار ، ورفع طرفه إلي السماءمتضرعا إلي الله تعالى في تفريج الكرب عن الأنام ،فوالله ما استتم الدعاء إلا وجاءت السماء بالغمام ، وروي من ذلك الغيث الخاص والعام . فجل من منح أولياءه وخصهم بإجابة الدعاء ومحو الشقاء ومزيد التكريم ، فقال تعالى في محكم الذكر الحكيم – ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون ، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم -.
ومنها : ما حكاه بعض المحبين أنه قال : لما توجهنا مع الأستاذ قاصدين الحجاز مررنا بأرض أهلها كلهم كافرون ، والناس على مجرد المرور بهم علينا خائفون ، ولكن بفضل الله أسلم على يده ألف وخمسمائة وهؤلاء المعدودون فصارت تلك البلاد في الصباح على الصلاة والدين ، بعد إمسائهم في الكفر والمدة كلها نحو العشرين.ومنها : لما قدم زائرا المدينة عام تسع وثلاثين بعد مضي الألف والمائتين ، جاء أتباعه يقولون : عزمنا أن نسافر ، فقال لهم : قال لي جدي : لا بد لكم عندنا من إيداع ثلاث مقابر ، فما مضى شهر إلا وقد فرط له ثلاثة أولاد ، فمنهم في البيقع شرقي قبة سيدي إبراهيم ابن الرسول سيد الأنداد ،هذا وما اجتمع عليه مريد صادق في الطلب والإرادة ، إلا وقيل مضي ثلاثة أيام أشرقت عليه علامات السعادة ، وما مر علي بلد إلا وأهله اعتصموا بحبل الله جميعا ، وحازوا بإمداداته مقاما رفيعا ، فقد خلف بحول الله ما ينوف عن الألف خليفة ،كلهم صاروا من أهل المشاهدة للذات المحمدية اللطيفة. أما غير المفتوح عليهم من الخلفاء ، فحصرهم لا يرومه ذو وفاء ، فلا تعجب من هذا بل إني سمعته يقول غير ما مر :قال لي الرسول : من صحبك ثلاثة أيام لايموت إلا وليا ، فهنيئا لنا بحصول هذه المسرة.
(أنزل الله على ضريحه سحائب الرحمة والرضوانوأمدنا بمدده في كل وقت وأوان)