الفصل الثاني : في ذكر أخلاقه رضي الله عنه
هو رضي الله عنه قد تخلق بالأخلاق المحمدية ، واشتمل على النوع الأعظم من الصفات الأحمدية ، وسع جميع الواردين عليه بحسن الخلق ، ويعامل كل أحد بما يناسبه من فعل ونطق ، كثير المزح مع أتباعه والمحبين ، لكنه اشتمل فيه على الحق وتربية المريدين ، ما رأيت عظيما مثله في التواضع والانبساط ، حسن العشرة تجده على عزيز أوصافها قد احتاط ، يبتسم لكل من واجهه بلطف ولين ، ويماشي سائر الخلق على ممشاهم وراثة لجده الأمين ، فبذلك اختلس رديء طباعهم وأعاضهم من طبعه الحسن المبين ، يأتيه المريد حين سماعه به خائفا مهيبا ، ففي ثلاثة أيام يحلف أن ليس عنده مثلى حبيبا ، جمالي الحال عليه أنوار الجمال دائما مشرقة ، تعرفه بذلك إذا وجدته بين جماعة ورفقة ، يتألف المساكين والضعفاء ، ويلين لهم جانبه الكريم ، ويرحم الأرامل ويتحمل الإساءة ، ويكرم أهل الفضل بطبع سليم ، وهو فتى شجاع لا تصده مصادة الكماة ، ولا تحركه عواصف ريح مطارحة الطغاة ، سمحا إذا افترت زهور أنديته خجلت لها دموع الغمام ، طلقا إذا تبسم يزري بعروس الحسن عند ذلك الابتسام ، قد انحلت براحة إعطائه متقنات الشدائد بأيدي الفقر ، يبرأ بمرهم إغاثته مجروح الأفئدة إذا ارتشفت بنصول الدهر ، ما رأت عيناي والله أشد منه لله خوفا ، ولا أحدا مثله على قدم الاتباع له عكوفا ، إذا أخذ في الوعظ انتفخت أوداجه وصوته علا ، وتغير لونه واحمرت بواطن عيونه الكحلا ، طالما رأيته آخذا بلحيته يصوت تصويت الفاقدات الثكلى ، لزيم التحنث تحنى مواضع سجوده راكعة لله ، مؤدية حق الشكر عليها إذا قام بها هذا المحبوب الأواه ، لا يغفل عند غيبوبة المشاهدة ، وأني له ذلك وقد أسرعت به أعين العناية لتمكن مما هنالك ؟ ليس له هم سوى تلاوة القرآن ، يأمر دائما بها ويخطب لأجله الإخوان ، يشفق لهذه الأمة شفقة الآباء والأمهات ، أبدا تراه مع الأتباع ليس له في غيرهم شيء من الالتفات ، فالعذر مني عن الإحاطة بذلك ظاهر ، والعجز مع الاعتراف واجب على ، فسبحان من منحه المفاخر.
(أنزل الله على ضريحه سحائب الرحمة والرضوانوأمدنا بمدده في كل وقت وأوان)