الفصل الثاني : في ذكره مولده المنيف
ولد نفعنا الله به أرض الطائف في قرية السلامة ، الغنية باسمها عن التعريف والعلامة ، فأبرز من أطباق العناية يتلألأ نورا يوم الأربعاء في شهر ربيع الخيرات ، بعد الألف والمائتين وثمانية من هجرة سيد السادات ، ماتت أمه في سابع ولادته أو ما قرب من ذلك ، ليصير في قدم الإرث النبوي من حينئذ فيحوز ما هنالك ، ربى في حجر العز والسعادة والرعاية ، ونشأ في كفالة الخير والصلاح وتوالى العناية ، ووقع في رضاعه من الكرامات ما يومئ أنه سيكون من أهل كمال الخلافة عن الصادق المأمون ، وهو ما أخبر به من يوثق به من أهل مكة ، من أهل الصلاح والبركة ، أن أمه في الرضاع أخبرت أنها كانت أرضعته مع ابن لها، فإذا أعطته ثدي صاحبه أباه وتركه ، شب شباب السعد والسعادة والصلاح ، واختطفته من صغره عقبان الهدى والنجاح ، حفظ القرآن قبل المراهقة قبيل البلوغ ، وحضر في العلوم الظاهرة على أكابرة تجاه البيت العتيق حتى أتاه البلوغ ، وبعد ذلك هبت عليه أرياح الخصوصية ، وانتشقت مشامه من نسمات المواهب الرحمانية ، فتعلقت همته بالتنسك وأنواع العبادات ، فتشاهد المبصر اعتزاله وانفراده ، ولم يزل يتمسك بالطرائق واحدة بعد واحدة ، حتى أراد الله له إنجاز مقدوره وموعوده ، نفث في روعه وكيل إلهام الهداية ، لصحبة الإمام الجليل سيد أهل الولاية ، قطب دائرة العناية النفيس ، أبي محمد مولانا السيد أحمد بن أدريس ،فرضى به مريدا وابنا بارا ، وشهد له بالصدق والإخلاص مرارا ، فتوجه كل منهما لصاحبه بما عليه لإنالة غاية المراد ، وكلاهما فيما طلب منه أحسن إحسانا وأجاد ، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم شيخه المذكور آنفا بإرشاده ، وهو يقول : صغير ، فالعناية توجهت به من مولاه لإسعاده ، فكان أمره صلى الله عليه وسلم لشيخه بإمداده ثلاث مرات ، فعند الثالثة قال لشيخه مده فيدى ويدك في إنائه لا تخشى عليه المفسدات فانهلت ديم الإمدادات والسواطع ، وتوالت بروق الكمال واللوام.وسمعته رضي الله تعالى عنه يقول شاكرا : الذي حصل لي في ثاني يوم الفتح من السر باهرا لم ينله غيري إلا بعد مضى الأعوام والدهور ، وكابدة الساعات في العشايا والبكور ، فلو قلنا ما أناله الله من منح أعطاه ، لخفنا افتتانا من غيرنا وغلطا ، فالكريم فعال لما يريد ، ويختص برحمته من يشاء من العبيد.
(أنزل الله على ضريحه سحائب الرحمة والرضوانوأمدنا بمدده في كل وقت وأوان)