الباب الرابع والعشرون
فى التفكر
عن عطاء بن ابى رباح قال : دخلت مع عبدالله بن عمر وعبيد بن عمير
على عائشة رضى الله عنها فسلمنا عليها ، فقالت: من هؤلاء؟ فقلنا:
عبدالله بن عمر وعبيد بن عمير قالت : مرحباً بك ياعبيد بن عمير
مالك لاتزرونا؟ فقال عبيد: زر غباً تزدد حباً فقال ابن عمر : حدثينا
بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كل
أمره عجيب ، أتانى فى ليلتى فدخل فراشى حتى مس جلده جلدى
فقال : ياعائشة أتأذنين لى ان اتعبد لربى ؟ فقلت له : والله لاحب
قربك ، واحب ماتحب ، فقام الى قربة وتوضأ منها ثم قام وهويبكى
حتى بلت الدموع حجره ، ثم أتكأ على شقه الايمن ووضع يده اليمنى
تحت خده الايمن وبكى حتى رأيت الدموع بلغت الارض ، فلما أذن
بلال الفجر أتاه وهويبكى ، فقال : مايبكيك يارسول الله وقد غفر الله
لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال يابلال أفلا أكون عبداً شكوراً
فمالى لاأبكى وقد أنزل الله الليلة : ( إن فى خلق السموات والأرض
وإختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب الذين يذكرون الله قياماً
وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات والارض ربنا
ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار)
ثم قال : ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها.
وقال عامر بن قيس : أكثر الناس فرحاً فى الآخرة أطولهم حزناً
فى الدنيا ، وأكثرهم ضحكاً فى الآخرة أكثرهم بكاءاً فى الدنيا
وأخلصهم إيماناً يوم القيامة أكثرهم تفكراً فى مخلوقات الله عز وجل.
وقال مكحول الشامى : ينبغى لمن آوى فراشه ان يتفكر فيما
صنع فى يومه ذلك فان عمل خيراً حمد الله تعالى ، وان عمل ذنباً
استغفر الله تعالى ورجع من قريب، فإن لم يفعل ذلك كان مثل التاجر
الذى لاينفق ولايحسب حتى يفلس ولايشعر .