وهنا فقد بدأت الجلسة الإفتتاحية الإجرائية في تمام الساعة السادسة مساء يوم 28 اغسطس في مكبني البرلمان القديم بالخرطوم بكلمة ترحيبية من رئيس مجلس السيادة السوداني إسماعيل الأزهري ( رأس الدولة ) ، ثم بدأت الجلسات طوال أيام 29 و30 و31 أغسطس ، حيث شرح عبدالناصر الموقف المصري بالضبط كما تحدث ايضا الملك حسين ، غير أن هناك جهودا خارج الكواليس كانت تتم بين المحجوب والملك فيصل من جانب ، ومع عبدالناصر من جانب آخر ، حيث كانت الخرطوم تتبني فكرة مقترح الكويت الذي طرحه وزير خارجيتها بمؤتمر بغداد والقاضي بتدبير دعم مالي فوري لمصر والأردن وسورية لبناء قدراتها العسكرية مرة أخري ، وقد تهيأ عبدالناصر للمقترح تماماً ، فقام المحجوب بجمعه مع الملك فيصل في داره بالخرطوم 2 لإنهاء الخلافات بينهما ونجح في ذلك تماما ، وإنتشر الخبر عبر وكالات الأنباء التي كانت مرابطة حتي المساء المتأخر بدار المحجوب ، وقد أزف الخبر للوكالات والصحف وزير الإعلام وقتها الأستاذ عبدالماجد أبو حسبو المحامي ، وبالتالي قد تم وضع حلول لمسالة سحب القوات المصرية من اليمن ، يتبناها المحجوب رئيس وزراء السودان شخصيا.
وهنا فقد كانت أكبر نتيجة إيجابية لمؤتمر الخرطوم هو أنهاء الخلاف التاريخي بين الدولتين الشقيقتين ( مصر والسعودية ) وقد إرتفع إسم الملك فيصل عر بيا وإسلاميا في تلك القمة .
وحسب حديث هيكل لقناة الجزيرة ذات مرة ، فإن المحجوب كان قد سأل الفيصل قبل بداية جلسة الدعم بمؤتمر الخرطوم عن مقدار الدعم المالي الذي سوف تقرره السعودية لمصر والأردن داخل الجلسة ، غير أن الفيصل ذكر له بأنه سوف يفصح عن الرقم من داخل جلسة المؤتمر ، وهنا وعند إنعقاد المؤتمر في جلسته الأخيرة ، وقد بدأت بريطانيا وقتذاك بإطلاق مبادرة بوساطة وزير خارجيتها اللورد كارادون بأن تنسحب إسرائيل إلي حدود ماقبل يونيو1967م مقابل إعتراف العرب بها والدخول في مباحثات معها تحت رعاية الأمم المتحدة وهو ماسمي بالقرار رقم 242 ، ما دعا المؤتمرين بالخرطوم بإطلاق اللاءات الثلاثة التي عرف بها المؤتمر حتي لا ينخدع العرب مرة أخري وهي(لا تفاوض ولا صلح ولا إعتراف بإسرائيل ) إلا بعد أن تنسحب من الأراضي التي إحتلتها في الخامس من حزيران/يونيو 1967م. فسمي مؤتمر الخرطوم عربيا وعالميا بمؤتمر اللاءات الثلاثة.
أما عن الدعم المالي لدول المواجهة ، فقد قررت السعودية دفع خمسين مليون جنيه إسترليني سنويا ، وتبعتها الكويت التي قررت ثلاثين مليوناً ، فالعراق أربعين مليوناً ، وتبقت الدولة النفطية الأخيرة وهي ( ليبيا) حيث إعتذر موفدها محمد بن إدريس السنوسي بسبب عدم مشورة والده الملك في الأمر ، وهنا فقد أخذه المحجوب للتو إلي مكتب رئيس الجمعية التأسيسية في مقر برلمان الخرطوم الحالي بشارع الجمهورية ، حيث كان مؤتمر القمة يعقد جلساته فيها وقد كانت تسمي بالجمعية التأسيسية ، قبل بناء مجلس قاعة الشب في زمان الرئيس جعفر نميري وهو ذات مبني المجلس الوطني حاليا في أم ردمان ، وقام المحجوب بالإتصال هاتفيا بمكتب الملك السنوسي في طرابلس ، حاثاً إبنه الأمير محمد بأخذ موافقة والده الملك إدريس السنوسي بمقررات القمة ، فحدثت إستجابة فورية من الملك السنوسي بدفع ثلاثين مليوناً إسترلينيا ، وبالتالي وصل مجموع الدعم العربي من الدول النفطية الأربعة إلي مائة وخمسين مليون جنيه إسترليني سنويا وهو مبلغ كبير بموازين وظروف إقتصاديات ذلك الزمان .
وهنا .. حسب ماذكر المحجوب في كتابه ( الديمقراطية في الميزان ) الصادر في بيروت باللغتين في العام 1973م إبان السنوات الأولي لحكم الرئيس نميري ، أن الملك فيصل قد أسر للمحجوب تقديرا لدور السودان في هذا المؤتمر الناجح ، بأنهم سوف يقررون دعما آخراً للسودان بسبب مصاعبه الإقتصادية ، والتي سوف تتعقد أكثر بسبب إغلاق مصر لقناة السويس للملاحة البحرية حيث تتجه السفن التجارية مرة أخري للإبحار عن طريق رأس الرجاء الصالح في الجنوب الأفريقي ( كيب تاون ) ، وما يترتب علي ذلك من إرتفاع في أجور شحن البضائع التجارية( النولون البحري ) .. ولكن هنا جاء رد محمد احمد محجوب قاطعا وبكل لطف حيث شكر الملك فيصل علي البادرة الطيبة في مساعدة السودان مادياً ، لكنه رفض أن يستلم السودان أي دعم مالي حتي لا يقال أن السودان يبيع مواقفه العربية بالجهد الذي بذله في هذا التضامن العربي الفريد في قمة الخرطوم بلاءاتها الثلاثة ، بعد أن راهن الغرب علي تشتت العرب بعد الهزيمة النكراء المباغتة في حزيران/يونية 1967م ، وهنا فقد أدمعت عينا الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز الذي قدر جداً عزة نفس أهل السودان وكبرياء قيادته الجميل في مثل هذه المواقف الحرجة .
وإنتهت تلك القمة التاريخية ، ودخلت مصر في إعادة بناء جيشها مرة أخري حيث تفرغ الرئيس عبدالناصر تماما لهذا البناء بعد ان أزاح كل القيادات السابقة من الحكم كالمشير عبدالحكيم عامر ، ووزير الحربية شمس بدران ومعظم قادة الجيش ، فضلا علي إعفاء مدير المخابرات الحديدي اللواء صلاح نصر ، بل وتقديمهم جميعا إلي محاكمات عسكرية بسبب التراخي في تلك الحرب ، غير أن المشير عبدالحكيم عامر كان قد سبق الأمر فقام بإلإنتحار بتناوله لحبوب ذات سموم عالية وهو في مقر إقامته الأجبارية بمنزله بالهرم .
ثم جاءات حرب الإستنزاف بواسطة القوات المسلحة المصرية التي ضربت أروع أمثلة الصمود لتقهر وتتعب العدو الإسرائيلي لمدة سبع سنوات متصلة حتي جاء النصر المبين في حرب العبور في 6 أكتوبر ، العاشر من رمضان بقيادة الرئيس الراحل محمد أنور السادات ، علما بأن الرئيس جمال عبدالناصر قد فارق الدنيا في 28 سبتمبر1970 بعد أن قام بتوديع أمير الكويت صباح السالم الصباح حيث كان ذلك في آخر يوم لجلسات مؤتمر القمة العربي الخاص بإحتواء الأزمة الأردنية الفلسطينية ، أو ما سميت بأيلول الأسود حين إندلعت إحتكاكات مسلحة بين الجيش الأردني وقوات منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت متواجدة بكاملها في الممللكة الأردنية . مسية 28 سبتمبرسsسبسب
ومن جانب آخر ، فقد كلفت الدول العربية في قمة الخرطوم علي إطلاقها السيد محمد أحمد محجوب رئيس وزراء السودان بالتحدث نيابة عن المجموعة العربية بجلسات الأمم المتحدة ومجلس الأمن حول المشكلة العربية الإسرائيلية ، وقد أجاد طرح القضية بلغته الإنجليزية الراقية
وختاما نقول ... رحم الله جميع القادة العرب الذين فارقوا الدنيا فيما بعد ، وبقي التضامن العربي صامدا حتي اللحظة برغم ما إعتراه من خدوش ومخاشنة إعلامية عنيفة ومقاطعة عربية لمصر بعد زيارة السادات للقدس في نوفمبر 1997م ، ثم توقيع السلام مع اسرائيل في منتجع كامب ديفيد الأمريكي والذي يطلق عليها الرئيس القذافي متهكماً إتفاقية ( إسطبل داؤود) تحت رعاية الرئيس الأسبق جيمي كارتر في العام 1978م . وبعد بعد كامب ديفيد بسنوات طويلة في حقبة التسعينيات من القرن الماضي تم توقيع إتفاقيات سلام عربية أخري مع إسرائيل مثل وادي عر بة مع الأردن ، وإتفاقية أوسلو في العاصمة النرويجية مع منظمة التحرير الفلسطينية في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بل كلنتون بين الراحلين ياسر عرفات وإسحق رابين ، ثم ساد التضامن العربي تارة أخري كما ظللنا نراه في زماننا الحالي برغم مايشوبه من حركة شد وجذب ، إلا أنه أصبح الأكثر قوة في تاريخ العرب الحديث مقارنة بما مضي ..
وإلي اللقاء ،،،،،،
_______________________
من جمال أبريدة تعظيم سلام أخي المرجع صلاح الباشا وجه مُشرق للختمية والإتحاديين...
صادق دعواتي لك ربنا يحفظك ويزيدك من فضلوا ياااااارب...