06-12-2010, 10:43 PM
|
#2
|
المُشرف العام
|
رد: من لطائف و طرائف أهل التصوف و أهل الفن في السودان
و يتناسق هذا المشهد المهيب للشيخ دفع الله عند سماعه لأغنية إبراهيم الكاشف مع مشهد آخر يرسمه الأستاذ حسن نجيلة بقلمه الرشيق الأنيق عن لقاء الشيخ قريب الله سليل الدوحة الطيبية مع الفنان عبد الكريم كرومة. و تقول لوحة الأستاذ نجيلة: كان الفنان كرومة يتوسط حفل عرس في حي ود نوباوى.. و دار العرس ليست بعيدة عن دار الشيخ قريب الله, و قد جلس الشيخ التقى الورع على سجادة الصلاة و حوله بعض مريديه و تلامذته جلوسا على البروش يستمعون إلى إرشاداته و أحاديثه الموجهة للخير كعادته معهم.. و يحمل النسيم إلى الشيخ و من معه صوت كرومة الرائع يغنى:
يا ليل أبقالي شاهد
على نار شوقي و جنوني
يا ليل......
و ينصت الشيخ للمناجاة العذبة لليل...الليل الذي يقيمه تعبدا و تهجدا و تلاوة للقرآن..
و يلتفت الشيخ إلى تلاميذه سائلا.. من هذا الذي يغنى لليل؟
و يقولون إنه مطرب اسمه كرومة, و يصمت الشيخ قليلا ثم يتجه إليهم قائلا...اذهبوا إليه و اطلبوا منه أن يأتيني مشكورا..و يخف بعض تلامذته إلى حيث يغنى كرومة في بيت العرس القريب...كرومة و قد فرغ من أداء الأغنية, وصل رسل الشيخ و همسوا في أذنه... الشيخ قريب الله يريدك أن تحضر الآن..و يفزع كرومة و يضطرب, و يحتار.. ماذا يريد منه الشيخ؟ كان بجانبه صديقه الشاعر عمر البنا يستمع للحديث, فيقول له مشجعا: سأذهب معك, و نهضا.. و التلاميذ أمامهما.. كرومة ينتابه قلق شديد, و قد قر في نفسه أن الشيخ لا بد قد سمعه يغنى, و أنه سيؤنبه على مسلكه و يزجره.. ويقول هذا لصاحبه الذي لم يكن بأقل منه قلقا و حيرة.. و يبلغان الحجرة التي فيها الشيخ و بعض مريديه, و ينحني كرومة مسلما و مقبلا يد الشيخ في بشاشة و لطف, و تهدأ نفسه بعض الشئ, و يشير إليهما الشيخ أن يجلسا, و يجلسان على البرش, و يؤتى لهما بشراب من العسل الممزوج بالماء.. و يرشفانه ببطء و يزداد اطمئنان كرومة.. و ينظر الشيخ إلى كرومة و يقول له: لقد سمعتك الآن تنشد كلمات طيبة عن ((الليل)).. فهل أسمعتني إياها؟
كان هذا آخر ما فكر فيه كرومة, و لكنه نهض منتشيا بهذا الطلب, و نهض معه عمر البنا ليقوم له بمهمة(الشيال) أو (الكورس).. و بدأ كرومة يغنى مقطع القصيدة في شئ من الاضطراب:
يا ليل أبقالي شاهد
على نار شوقي و جنوني
الشيخ ينظر بعيدا ساهما. الليل.. كم له فيه من تسبيح و تهليل, و كم شهد له بما يلقى من تعلق و شوق للذات الإلهية, ألم يقل في إحدى قصائده عن هذا الليل:
يمر بها في آخر الليل شادن
من الملأ الأعلى يفوح له عطر
على صاحب التهليل عند نزول من
تعالى مكانا لا يحيط به فكر
هنيئا له بالله طابت حياته
لياليه عز ثم أيامه زهر
هنيئا له قد فاز فوزا مؤبدا
و في ملكوت الله كان له ذكر
تلاشى لديه الهم و الغم و العنا
و حان لديه القصد و انجبر الكسر
و يردد كرومة المقطع الأول, و قد طابت نفسه فما أحلى و أعذب أن يغنى للشيخ قريب الله.. و يرتفع صوت كرومة بكل ما يحمل من نبرات ساحرة, و بحة آسرة:
يا ليل.. صار ليك معاهد
طرفي اللي منامو زاهد
ياليل..
دنا لي سهرك.. و أشاهد
فوق لي نجمك ظنوني..
يا ليل..
|
|
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل
دخولك قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا |
|