* هل كان معك طلبة سودانيون بالكلية؟
- كان معي طالب سوداني وحيد بالكلية وهو صديق شخصي لي حتى اليوم واسمه محمد الحسن وهو الآن في حكومة دبي، وكنا في ندواتنا بالكلية نأتي بطلبة سودانيين من كليات أخرى، وكنت أصر أن يكون هناك سودانيون، وخلقنا مجتمعا استمر لسنوات طويلة، ومازلنا متواصلين معه حتى اليوم، ولم ينقطع.
* من الأستاذ الذي وقفت عنده في الاقتصاد والعلوم السياسية؟
- هناك مجموعة كبيرة أعتز بأنهم درسوني، ومنهم د. حسن نافعة، ود. محمد يوسف، ود. هدى عبد الناصر، فهي أسماء لها قيمة، وكان هناك أيضا د. علي الدين هلال، وعميد الكلية وقتها كان المرحوم كمال المنوفي، والكلية كانت علاقتها قوية جدا بجامعة الدول العربية، وقد التقينا عمرو موسى وفطاحلة الدبلوماسية المصرية، وتواصلي مستمر مع كل من عرفتهم في فترة مصر، فالمعرفة بين الناس هي الكنز الاستراتيجي لأي إنسان، وأن تفقد أي شيء آخر من مال أو غيره أيسر من أن تفقد علاقاتك مع الآخرين.
* لمن قرأت وتشكل وعيك الثقافي في فترة الجامعة؟
- هذا موضوع طويل ويحتاج إلى حوار طويل.. بداية دخلت مصر وأولى قراءاتي كانت لجمال حمدان، بدأت من عبقرية المكان، والتقيت د. عبد الوهاب المسيري في صالونه، ذكرت هذين الاسمين وبعدها تخيلي كيف قرأت مصر، وهم مفكرون عظام كانوا السبب في أن أهتم بكل ما يحدث في الدنيا، فالعالم أصبح مترابطا، والاهتمام بالعلاقات الدولية بدأ من هنا، أيضا الاهتمام بالأديان المقارنة بدأ من عبد الوهاب المسيري، والاهتمام بتأثير الجغرافيا على الإنسان من جمال حمدان، وكنت أقرأ للكتاب السودانيين، وانتهيت من كل أعمال الطيب صالح، وقرأت كتبا مهمة في تاريخ السودان، وأعدت قراءة تاريخ السودان مرة أخرى، كما أن هناك كتبا بدأت تظهر في فترة المعارضة، مثل ساعة الصفر وسنوات مايو، وكان لدينا مجموعة مصرية سودانية كل واحد فيها يقرأ كتابا نجتمع في مقهى اسمه (ساعة لقلبك) في منطقة المهندسين وكان مكان الحنين إلى الآن، عندما أذهب إلى مصر وأذهب إلى هذا المكان ألتقي أصدقائي به حتى بدون ميعاد، إضافة إلى مقاهي الحسين والسيدة زينب وهذه لها طابع آخر، مصر عندنا لها مكانة خاصة، واللوم في حب مصر هو شكر كما قال الإمام الشافعي.
* ولكن هناك من يأخذ انطباعا سيئا عن المصريين؟
- صحيح.. ولكن هؤلاء تعاملوا بصورة سطحية مع مصر، وأيضا الإعلام المصري عنده دور سالب جدا في ذلك، فقد قدم السودانيين بطريقة غير لائقة، وأيضا المفروض علينا أن نعرف بأنفسنا، ليس ذلك مهمة الآخر، نحن كسودانيين علاقتنا بالعالم كله حتى الآن ليس فيها التعريف الكافي بالشخصية السودانية للعالم الخارجي.
* أنت إبراهيم الميرغني الذي درس في مصر والذي ينتمي لأسرة ارتبطت تاريخيا بمصر ماذا فعلت لإزالة سوء الفهم بين المصريين والسودانيين؟
- لابد أن ينجز كل إنسان في ما يتعلق بمجاله، وأنا كما ذكرت لك عملت كثيرا من المؤتمرات والندوات وعقدت لقاءات عميقة جدا، فأنا حريص على شكل العلاقة، وأتحدث فيه بحرية كبيرة حتى مع المصريين بالتركيز على النقاط السلبية للإعلام المصري والنظرة السطحية للشخصية السودانية، لحد اليوم للأسف الإعلام المصري لم يستطع الخروج من النظرة القديمة، وهذا خلق نوبة كبيرة من السخط، وأيضا استغل سياسيا لمعاداة مصر.. علاقة السودان ومصر حيوية واستراتيجية واقتصادية، والبعد العاطفي بالنسبة لها غير كاف، وكذلك التكامل الفوقي، وحدث من قبل وهذا غير كاف، الهروب من المشكلة خطأ، ونحن كأسرة هوجمنا بسبب علاقتنا مع مصر، رغم أن علاقتنا بمصر شيء لا يمكن التخلي عنه، وهو استراتيجي لمصلحة السودان بالدرجة الأولى والأخيرة، وكذلك مصر، والهجوم يقوم على حيثيات تاريخية ليست سليمة، وأنا مستعد أن أتجادل تاريخيا مع أي من كان سودانيا أو مصريا أو حتى إيطاليا في هذا الأمر.
* وحلايب؟
- حلايب قضية سياسية بين البلدين منذ قبل الاستقلال، ودائما تظهر على السطح عندما تتوتر العلاقة، لكن عندما تكون العلاقة طيبة بين الحكام لا نسمع سيرتها، فنحن مع أن يكون هناك اتفاق لتوتر العلاقات وتصالحها، واذا كنا نتحدث عبر منهج تاريخي أو سياسي، حلايب يجب حلها أولا بطريقة مبدئية مباشرة بين الدولتين، وإذا لم تحل يتم اللجوء إلى التحكيم الدولي، أما أن تظل مسألة حلايب معلقة بهذه الطريقة، وكل مرة العلاقات تسوء ترفع حلايب، فهذا تلاعب، إذا كانت الحكومة المصرية تتعامل مع حلايب وكذلك الإعلام المصري بهذه الطريقة فهذا يستفز السودانيين، واذا كان هذا هو التعاطي الإعلامي مع حلايب فهذه كارثة كبيرة جدا، وبالمقابل ستجدين أن الجانب السوداني يتعامل مع الأمر بمزايدة كبيرة أيضا، وقبل ذلك حدث توتر كبير كان سيقود إلى حرب بين مصر والسودان في أيام حكومة عبد الله خليل، والجيش المصري تحرك، وكذلك الجيش السوداني، وتدخل السيد علي الميرغني بخطاب لعبد الناصر، هذه حادثة تاريخية ولابد أن يدركها الناس، فترك الأمر لإعلاميين هنا وهناك وسياسيين لديهم مصالح هنا وهناك، سيقود في النهاية إلى قطيعة كاملة بين مصر والسودان، وأنا أحذر من ذلك بسبب حلايب، لابد من التعامل مع هذا الملف بحكمة وموضوعية بعيدا عن المهاترات الإعلامية والدوائر السياسية.
* أنت كباحث وبالتأكيد اطّلعت على الوثائق التي تؤكد أحقية كل طرف دعني أسألك حلايب سودانية أم مصرية؟
- انا كسياسي أقول إن حلايب سودانية، بالحيثيات التاريخية والمرافعات القانونية والوثائق، عندما استعادت مصر طابا كان جزء من الوثائق موجودا في السودان، فهل 22 هو الخط الحدودي الفاصل بين السودان الشمالية أم الحدود الإدارية؟، هناك خلافات، وكل طرف عنده مايثبت أحقيته فيها، أنا إبراهيم المواطن السوداني أقول إن حلايب سودانية، وأنت صباح كمواطنه مصرية تقولين إن حلايب مصرية، وبالنسبة لي حلايب سودانية حتى يثبت العكس ولا يجوز التفريط فيها، ولولا ما حدث عام 95 في محاولة اغتيال مبارك لما ظهرت حلايب على السطح كمنطقة نزاع بين الطرفين، ولكن التصعيد من طرف أدى إلى تصعيد من طرف آخر، والآن هي تقوم على سياسة الأمر الواقع وسوف تقود إلى نتيجة سيئة، فأنا أقول إن حلايب سودانية وقلت ذلك في كل مشاركاتي بمصر.