الخاتمة أصدر العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في 3 فبراير (شباط) 2014 أمرا ملكيا جاء فيه أنه «انطلاقا من مقاصد الشريعة.. وتأسيسا على قواعد الشرع بوضع الضمانات اللازمة لحفظ كيان الدولة من كل متجاوزٍ للمنهج الدستوري المستقر عليه في المملكة العربية السعودية بما يمثل نظامها العام.. وانطلاقا من واجبنا نحو سد الذرائع المفضية لاستهداف منهجنا الشرعي وتآلف القلوب عليه من قبل المناهج الوافدة، التي تتخطى التبني المجرد للأفكار والاجتهادات إلى ممارساتٍ عمليةٍ تخلّ بالنظام، وتستهدف الأمن والاستقرار.. وتلحق الضرر بمكانة المملكة عربيا وإسلاميا ودوليا... وعملا بقواعد المصالح المرسلة في فقهنا الشرعي»، ثمّ سرد الأمر الملكي مجموعة من العقوبات تتراوح بين الثلاث سنوات إلى الثلاثين عاما على بعض الأفعال والتصرفات ك«المشاركة في أعمالٍ قتاليةٍ خارج المملكة.. أو الانتماء للتيارات أو الجماعات الدينية أو الفكرية المتطرفة أو المصنفة كمنظماتٍ إرهابية داخليا أو إقليميا أو دوليا».
ويشمل الأمر الملكي «التأييد» أو «التبني للفكر والمنهج» أو «الإفصاح عن التعاطف» أو «تقديم الدعم المادي والمعنوي» أو «التحريض» أو «التشجيع» أو «الترويج» بأي شكلٍ وأي وسيلة، ثم الأمر بتشكيل لجنةٍ تنفيذيةٍ وآلية للمتابعة مرتبطةٍ بالملك، ومنح مهلةً تمتد لثلاثين يوما من تاريخ نشر الأمر الملكي.
كان الأمر الملكي صانعا لتاريخٍ جديدٍ في المملكة العربية السعودية وفي العالم العربي والعالم أجمع، وقد جاء البيان الذي أصدرته اللجنة التنفيذية التي تمثلها وزارة الداخلية السعودية في 7 مارس (آذار) 2014 لينهي الجدل ومحاولات التشويش التي اتبعها إخوان السعودية ومن في حكمهم ويضع النقاط على الحروف.
سمّى البيان عددا من الحركات والتنظيمات وشمل حركات الإسلام السياسي وحركات العنف الديني بشقيها السنّي والشيعي، ومن أهمّ ما جاء في البيان تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعةٍ إرهابيةٍ، وهو تصنيفٌ مستحقٌ فهذه الجماعة هي الأب الشرعي لكل جماعات الإسلام السياسي المعادية لأوطانها ولجماعات العنف الديني، وتاريخها مع السعودية المعروض أعلاه كافٍ في تبيان طبيعتها وطبيعة علاقتها بالسعودية.
أخيرا، فإنه ما من شكٍ في أن المهمة السعودية الجديدة جليلةٌ وليست سهلةً بحالٍ في مواجهة جماعاتٍ وتياراتٍ ورموزٍ بهذا التاريخ وهذا الحجم، لكن الكبار مهمتهم مواجهة الكبير من التحديات، وهو أمرٌ يتطلب استراتيجيةً كاملةً وطويلة الأمد تشارك فيها كل مؤسسات الدولة المعنية باستقرار البلاد.
* الدين والسياسة بين السعودية والإخوان
* منذ قيام الدولة السعودية الثالثة على يد الإمام الراحل عبد العزيز آل سعود، وثمة ارتباطٌ معلنٌ بين الديني والسياسي في البلاد، وذلك يأتي امتدادا للدولتين السعوديتين الأولى (1744 - 1818) والثانية (1824 - 1891). كان هذا الارتباط نابعا من قناعة الملك عبد العزيز بأهمية العامل الديني في تحريك شعوب الجزيرة، وعلى وجه الخصوص في نجد، لأنه العامل السياسي المهم في توحيد كلمة علماء الدين، وتوحيد القبائل البدوية المختلفة وإخضاعها لسلطة الدولة، بل وتوظيفها كجيش قوي مهيبٍ يوطّد الأمن داخل الدولة، ويرهب الأعداء الخارجيين، وذلك في ما عرف ب«حركة الإخوان».
كان الملك عبد العزيز قائدًا سياسيًا فذًّا، وكان وعيه السياسي متقدما على مجتمعه وعلى الأحداث التي تدور فيه وحوله، ومن الطبيعي أن تكون هناك صداماتٌ بينه وبين بعض علماء الدين حول بعض المسائل التي يتشددون فيها على الرغم من عظيم حاجة الدولة لها. أخذت هذه الصدامات شكلا تصاعديا مع اتساع الدولة، وضمّها للحجاز والجنوب والشمال. ونذكر على سبيل المثال: المنتجات الحديثة كالبرقية، واللاسلكي، والتليفون، ونحوها، وتحريم تعليم الأولاد، والموقف من الشيعة، والموقف من علماء الحجاز الصوفية، والموقف من التعامل مع بريطانيا، ورفض استخراج ماء زمزم بالآلات الحديثة، وغيرها من المسائل التي ربما نظر إليها البعض اليوم على أنها مسائل تافهةٌ، لكنها حينذاك كانت تتطلب الكثير من الحكمة المقرونة بالحزم في التعامل معها.
وعلى الرغم من قوة العلاقة بين الديني والسياسي في الدولة السعودية بأطوارها الثلاثة فإن ثمة وعيا سياسيا لدى القائد السياسي يختلف تماما عن العالم الديني، وبخاصةٍ في الدولتين السعوديتين الثانية والثالثة.
وتذكر مي الخليفة، كشاهدٍ على الوعي السياسي بطبيعة العلاقة بين الديني والسياسي لدى القائد السياسي، عن الإمام فيصل بن تركي أنه قال مخاطبا «بيلي» الإنجليزي الأول، الذي دخل عاصمة الدولة في نجد: «إننا لا نخلط بين الدين والسياسة» (سبزآباد ورجال الدولة البهية: قصة السيطرة البريطانية على الخليج، الطبعة الأولى 1998 المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص 132).
وينقل أمين الريحاني حوارا مع الملك عبد العزيز جاء فيه: «سؤالي الأوّل: هل ترون من الواجب الديني، وهل ترون من الواجب السياسي، أن تحاربوا المشركين حتى يديّنوا؟ فأجابني قائلا: السياسة غير الدين» (ملوك العرب، الطبعة الثامنة بلا تاريخ نشر، بيروت، دار الجيل، ص 584).
ويقول في الكتاب نفسه عن الملك عبد العزيز: «ولا يبالي إذا كان المشايخ والعلماء لا يرضون دائما عن هذه الخطة العمرانية، إذ ليس لهم أن يعترضوه بشيء في سياسته الداخلية والخارجية».
لقد فهم العلماء هذا الموقف من الملك عبد العزيز فهما واضحا، ينقله الملك عبد العزيز بنفسه، فمن كلمة له مع لجنة التحقيق الأميركية البريطانية في 9 مارس 1946 بالرياض علّق على كلمته التي ألقاها في مكة، ودعا فيها للوقوف مع بريطانيا قائلا: «وعلى أثر ذلك تلقّى علماؤنا كتبا من العلماء في بلاد المسلمين، تنتقد موقفي. ففاتحوني بما جاءهم، وأبدوا لي أنهم لا يتعرّضون للمسائل السياسية» (الزركلي).
ولمّا جاءه مرةً بعض المشايخ برسالة في الردّ على الشيعة يريدون السماح بنشرها، أخذها منهم، ثمّ في اليوم الآخر «سلّمهم الرسالة، مليئةً بالحذف والإثبات، بخطه وقلمه، وقال لهم: إنّكم أصحاب دينٍ ولستم أصحاب سياسةٍ». والملك عبد العزيز قال للريحاني: «هذا الحسا، عندنا هناك أكثر من ثلاثين ألفا من أهل الشيعة وهم يعيشون آمنين لا يتعرض لهم أحد. إلا أنا نسألهم ألا يكثروا من المظاهرات في احتفالاتهم».
ويقول الملك عبد العزيز لحافظ وهبة إنه التقى بعض كبار رجال الدين في عام 1931 لمّا علموا بعزمه على إنشاء محطات لاسلكي في الرياض، وبعض المدن الكبيرة من نجد.. «فقالوا له: يا طويل العمر، لقد غشّك من أشار عليك باستعمال التلغراف وإدخاله في بلادنا، وإن فيليبي سيجرّ علينا المصائب، ونخشى أن يسلّم بلادنا للإنجليز، فقال لهم الملك: لقد أخطأتم فلم يغشنا أحد، ولست - ولله الحمد - بضعيف العقل، أو قصير النظر، لأخدع بخداع المخادعين، وما فيليبي إلا تاجرٌ. وكان وسيطا في هذه الصفقة، وإن بلادنا عزيزةٌ علينا لا نسلمها لأحدٍ إلا بالثمن الذي استلمناها به. إخواني المشايخ، أنتم الآن فوق رأسي. تماسكوا بعضكم ببعضٍ لا تدعوني أهزّ رأسي فيقع بعضكم أو أكثركم، وأنتم تعلمون أن من وقع على الأرض لا يمكن أن يوضع فوق رأسي ثانيةً». (حافظ وهبة، جزيرة العرب في القرن العشرين، القاهرة، دار الآفاق العربية، الطبعة الأولى 2000 ص 283).
اعتاد علماء الدين على مخالفة الملك عبد العزيز لهم في جملة من القضايا. يدل على هذا ما قالوه لحافظ وهبة، عندما ناقشهم في اعتراضهم على تعليم الأولاد بسبب: الرسم واللغة الأجنبية والجغرافيا، عن الملك عبد العزيز: «وإن خالفنا فليست هذه أوّل مرةٍ يخالفنا فيها».
ويذكر آرمسترونغ المعنى نفسه عن الملك عبد العزيز قائلا: «إن ابن سعود إنما خضع لإرادة العلماء في أمور الدين. لكنهم عندما قدّموا له النصح في أمورٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ لا يرى رأيهم فيها، أمرهم بالرجوع إلى كتبهم».
ولإيضاح اختلاف التصوّر حول هذه المسألة بين السعودية والإخوان، وثبات الموقف السعودي وتقلبات الموقف الإخواني، قارن كمثالٍ فحسب بقول حسن البنا في كتابه «مذكرات الدعوة والداعية» ص 137 «ولا ذنب لنا أن تكون السياسة جزءا من الدين». وقارن كذلك بقول يوسف القرضاوي في كتابه «فتاوى معاصرة»، المنصورة، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة 1994 الجزء الثاني ص 624: «الإسلام لا يكون إلا سياسيا»، مع ملاحظة أن حسن البنّا سبق أن قال في حوارٍ معه: «ما لنا بالسياسة علاقة» (محمد التابعي، مجلة «آخر ساعة»، العدد الصادر بتاريخ 5 مارس 1946. بواسطة: يوسف القرضاوي، ابن القرية والكتّاب، القاهرة، دار الشروق، الطبعة الأولى 2002 ج1 ص 255).
http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=767897&issueno=12917 #.U0Y3kaLANIw