الإخوان والسعودية.. القصة الكاملة الحلقة الخامسة: نزعة العنف لدى «الإخوان» من «النظام الخاص» إلى تنظيم القاعدة
القرضاوي يمجد قاتل النقراشي باشا بقصيدة

حطام سيارة في موقع الانفجار قرب جامعة القاهرة

اسامة بن لادن و عبد الله عزام
عبد الله بن بجاد العتيبي
لن نستطيع تجاوز هذه المرحلة قبل التساؤل التالي: ما هي طبيعة العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة؟ ما تاريخها؟ وهل ثمة قطيعة بين الجماعتين؟ يعتبر التنظيم الخاص أو التنظيم السري الذي أنشأه البنا تنظيماٌ عسكريا هرميا سريا أنشأه حسن البنا كذراعٍ مسلحة يضرب بها خصومه، وقد كان البنا مؤيدا للعنف بكل أشكاله، فهو كان يرى من حيث المبدأ ضرورة ضرب التلاميذ بالعصا، ويستحسن ضرب الخارجين عن طاعته حتى من داخل الجماعة وإن تبرأ من ذلك (مذكرات الدعوة والداعية، ص129) وهو الأمر الذي انتهى به لإنشاء التنظيم الخاص، وهذا التنظيم قام بعددٍ من الاغتيالات والتفجيرات في مصر، فقتل كلا من: رئيس الوزراء أحمد ماهر ورئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي والقاضي أحمد الخازندار. وقتل القاضي محمود سعيد زينهم عضو النظام الخاص ومعه آخر، وقتل النقراشي الإخواني عبد المجيد حسن، كما قاموا بتصفية الإخواني سيد فايز صفّاه عبد الرحمن السندي قائد التنظيم الخاص الذي اختاره البنا بنفسه. هذا فضلا عن التفجيرات التي قتل فيها كثيرون قد لا تحفظ أسماؤهم ولكنهم كانوا أبرياء لا ذنب لهم سوى تعطش الجماعة للسلطة عبر إراقة الدماء وقد حرصت على ذكر المقتول والقاتل بالاسم.
كان هذا اولا, وقد حاول التنظيم ثانيا, اغتيال عبد الناصر في حادثة المنشية المشهورة. وعلى الرغم من الإنكار الطويل للجماعة لمسؤوليتها عن تلك الحادثة فقد اعترف بذلك أحد أعضاء التنظيم الخاص الذي شارك في العملية وهو محمود عبد اللطيف الذي عبر في اتصالٍ مع إحدى القنوات أنه في أواخر عمره، ويجب أن يترك الكذب ويعترف بذنبه.
ثالثا: وافق حسن الهضيبي على عمليات التنظيم الخاص وأراد له الاستمرار في منتصف الستينات وأعاد إحياءه في منتصف السبعينات.
رابعا: قدّم سيد قطب من التنظيرات الشمولية والعنيفة كل ما يعد مرجعا أساسيا لكل جماعات الإرهاب الحالية، وقام بمحاولة لإنشاء تنظيمٍ خاصٍ سري جديد وهي تجربة لم يتقنها كحسن البنّا وإن استفاد فيها من الإخواني يوسف هوّاش، وهو التنظيم الذي أدى اكتشافه للحكم عليه بالإعدام الذي نفّذ في 1969.
خامسا: تنظيمات العنف الديني في السبعينات، كتنظيم التكفير والهجرة وتنظيم الجهاد وتنظيم الفنية العسكرية كلها خرجت من عباءة حسن البنا وسيد قطب. وقد قام تلاميذ خطاب الجماعة باغتيال وقتل كلٍ من: الرئيس المصري أنور السادات والشيخ محمد الذهبي والمفكر فرج فودة وحاولوا اغتيال الأديب العالمي نجيب محفوظ والرئيس المصري حسني مبارك في إثيوبيا، وقاموا بقتل الكثير من الأقباط والسيّاح والمصريين الأبرياء في تفجيراتٍ متعددة.
يقول الكاتب المصري حلمي النمنم: «هذه الجماعات (جماعة المسلمين، الجماعة الإسلامية، جماعة الجهاد) خرجت بشكلٍ أو بآخر من معطف الإخوان. شكري مصطفى كان عضوا في الجماعة، وكان أحد الذين حوكموا ضمن تنظيم سيد قطب، أو تنظيم سنة 1965، وقد أثبت لنا الكاتب والباحث الإسلامي جمال البنا, (وهو شقيق حسن البنا) في أحد كتبه أن قائد تنظيم الفنية العسكرية صالح سرية كان بمعنى ما تلميذا لحسن البنّا نفسه، فقد وجد جمال البنا في أوراق شقيقه الأكبر رسالة إعجابٍ من صالح سرية الذي قاد محاولة للانقلاب سنة 1974 في القاهرة.. إعلان طلال الأنصاري أحد قادة عملية الفنية أنهم عرضوا العملية على الحاجة زينب الغزالي قبل القيام بها وأنها جاءتهم بموافقة المرشد الثاني المستشار حسن الهضيبي» كتابه (حسن البنا، الذي لا يعرفه أحد ص33). وقد تقدمت الإشارة لبعض هذه المعلومات.
سادسا: وفي بداية الثمانينات ومع موجة «الجهاد الأفغاني» فإن الأب الروحي للأفغان العرب هو الفلسطيني عبد الله عزّام وهو إخواني صرفٌ وكان مدرسا في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وكان أسامة بن لادن نفسه منتميا لتنظيم الإخوان المسلمين في الحجاز، وقد أخرج أيمن الظواهري قبل مدة مقطعا مصورا تحدّث فيه طويلا عن أسامة بن لادن وسيرته وتاريخه، وطار البعض بما ذكره من أنّ أسامة بن لادن كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين وطرد منها، وهي معلومة معروفة من قبل وهو طرد من تنظيم الإخوان المسلمين في السعودية بسبب عدم التزامه توجيهات التنظيم بعدم الدخول في أفغانستان والاكتفاء بإيصال المعونات التي يكلف بها لباكستان ما يؤكد وجود التنظيم الإخواني في السعودية وأنه يلزم أتباعه بالطاعة التامة، خلافا لادعاءات بعض المنتسبين للجماعة من السعوديين.
كما يذكر الظواهري ما هو أكثر إثارة وهي محاولة القيادي في جماعة الإخوان المسلمين حينذاك مصطفى مشهور الذي أصبح مرشدا عاما للجماعة لاحقا في الثمانينات عند اجتماعه مع أسامة بن لادن بعد توسّع تنظيم القاعدة وكثرة أتباعه أن يستميله مرة أخرى لجماعة الإخوان وفي هذا يقول الظواهري: «بعد معارك جاجي، وبعد أن ارتفع اسم أسامة، جاء مصطفى مشهور مرشد جماعة الإخوان المسلمين إلى بيشاور في زيارة وقابل أسامة بن لادن، وقال له: يا أسامة أنت تركت إخوانك وتعود إلى إخوانك وهم أولى بك، فأسامة اعتذر له بلطف» وفي هذا اعترافٌ صريحٌ بأن بن لادن كان إخوانيا.
وعلى العموم فإن منهج استغلال أحداث أفغانستان لغرض التدريب والعودة لمحاربة الدول العربية كان منهجا إخوانيا أصيلا وفي هذا ينقل أحد منظري السلفية الجهادية وتنظيم القاعدة أبو مصعب السوري أن عبد الله عزّام كان يقول: «أريد أن يأتي من كل بلد عربي ولو أربعين مجاهدا فيستشهد نصفهم ويعود نصفهم إلى بلاده ليحمل دعوة الجهاد»، من كتابه الطويل «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» المنشور على الإنترنت.
واستمرار الجماعة في تأييد الإرهاب والعنف على الرغم من ادعاء النأي عنه هو أمرٌ أكده مأمون الهضيبي عام 1992 في المناظرة الشهيرة بين فرج فودة ومحمد خلف الله من جهة والمأمون الهضيبي ومحمد الغزالي ومحمد عمارة من جهة أخرى وفيها قال الهضيبي: «نحن نتعبد الله بأعمال النظام الخاص للإخوان المسلمين قبل الثورة».
وقد قام فقهاء الإخوان الذين كان يُظنُ ببعضهم الاعتدال بتبرير القتل، ومن ذلك موقف محمد الغزالي المشين في الدفاع عن صفوت عبد الغني ورفاقه الذين اغتالوا فرج فودة بعد هذه المناظرة.
ومن قبل ومن بعد فقد كان واحدا من أهداف إنشاء النظام الخاص هو تنظيم الانقلابات العسكرية، يقول القرضاوي وهو يعدد أهداف النظام: «خامسها: السعي إلى تغيير الحكم العلماني الذي لا يحكم بما أنزل الله.. عن طريق انقلابٍ عسكري تكون طلائعه من أبناء النظام الخاص»، وهو ما طبّقته جماعة الإخوان المسلمين عمليا في السودان وفي غزة.
* السعودية وربيع الأصولية والفوضى. 2011 - 2014
* في نهاية 2010 وفي منتصفها بدأت أحداث تونس التي فتحت الباب مشرعا لما كان يسمى خطأً ب«الربيع العربي» وهو ما اكتشف الأكثرون أنه ليس ربيعا بأي حالٍ وبأي توصيفٍ، وقد انتقلت تلك الأحداث إلى مصر في يناير (كانون الثاني) 2011، وقد حدثت ثلاثة أمورٍ تسترعي الاستحضار في هذا السياق:
أولا: بعيدا عن المظاهرات في الشوارع التي قامت بها ما كانت تعرف ب«التيارات الشبابية» فقد دخلت جماعة الإخوان المسلمين في مفاوضاتٍ مباشرة مع رموز النظام الأسبق وعلى رأسهم عمر سليمان.
ثانيا: حسم الجيش الأمور فأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك تنحيه عن السلطة، فأعلنت الجماعة انحيازها الكامل للمظاهرات في الشوارع. وقامت الجماعة بعملياتٍ واسعة لاقتحام السجون وإخراج عناصرها وعناصر حزب الله اللبناني وعناصر حركة حماس، ومثلها لاقتحام مقرات الأمن والشرطة وإحراق كل وثائق تدينها وتدين تاريخها ورموزها.
ثالثا: أعلنت الجماعة أنها لا تريد أي سلطة ولن تشارك في أي انتخاباتٍ مقبلة ولن تنافس فيها لا على المستوى النيابي ولا على المستوى الرئاسي.
في الأمر الأول فإن جماعة الإخوان المسلمين لم تؤمن يوما بأهمية المظاهرات السلمية ولا بدورها وحين اختطف القرضاوي منصة ميدان التحرير في 21 فبراير (شباط) 2011 فإنه كان متسقا مع منهج جماعته الذي رواه بنفسه عن مؤسس الجماعة، وهو ينقل عن حسن البنا موقفه من «المظاهرات السلمية» وصولا ل«يوم الدمّ» فيقول: «إنّه (أي البنّا) يأسف، لأنّه كان يريدها مظاهرة سلمية، لا لأنّه يعتقد أنّ حقوق مصر تنال بالمظاهرات السلمية فقط، ولكن لأنّه يرى أنّ الوقت لبذل الدمّ لم يحن بعد، وأنّ كل القوّة وكل البأس يجب أن يدّخر ليوم الدمّ» ابن القرية والكتّاب 1/254.
وأمر القتل والدماء هينٌ لدى جماعة الإخوان المسلمين ولدى القرضاوي نفسه، فمع استمرار الاحتجاجات العربية بدا أنّ القرضاوي يرى أنّ «يوم الدمّ» قد حان فبدأ بإظهار كل القوة وكل البأس، فقام وفي ظلّ الظروف الصعبة التي مرّت بها ليبيا بإصدار فتوى بوجوب اغتيال القذّافي، وعلى الرغم من كل مساوئ القذّافي فإنّ هذه الفتوى خطيرة، وهي فتوى لم تأت بتأثير نشوة الربيع الإخواني فحسب بل هي منهجٌ قديمٌ لدى القرضاوي نفسه حيث يذكر عن نفسه وعن شباب الإخوان «ولقد قابلنا - نحن الشباب والطلاب - اغتيال النقراشي بارتياحٍ واستبشار، فقد شفى غليلنا ورد اعتبارنا» 1/337 بل ومدح عبد المجيد حسن قاتل النقراشي شعرا بقوله:
«عبد المجيد تحية وسلام أبشر، فإنك للشباب إمام سمّمت كلبا، جاء كلبٌ بعده ولكل كلبٍ عندنا سمّام».
وهي فتاوى لم تتوقف فأطلقها القرضاوي على آخرين لاحقا. وقد ذكر شكيب أرسلان أنه في «28 يناير/كانون الثاني 1948. قام أحد أعضاء جمعية (جماعة الإخوان المسلمين) عبد المجيد أحمد حسن، باغتيال رئيس مجلس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي» في كتابه «مدونة أحداث العالم العربي ووقائعه، 1800 - 1950» ص 419.
في الأمر الثاني، فإن الجيش كما حسم الأمر في 2011 فهو فعل الأمر عينه في يونيو (حزيران) 2013، والجماعة تحاكم اليوم على تلك الأفعال التي اقترفتها.
في الأمر الثالث، فقد تساءل كاتب هذه السطور في 31 يناير 2011 «حول إمكانية ركوب هذه المظاهرات الشبابية من قبل جماعات الإسلام السياسي أو الأحزاب العريقة الأخرى وتجيير تحرّكها لمطالب هذه الجماعات أو الأحزاب، خاصة أنها جماعات وأحزاب ذات تاريخ طويل وتنظيماتٍ محكمة»، وهو ما تكرر أكثر وضوحا بالقول في 21 فبراير (شباط) 2011: «فالإخوان حين يعلنون أنّهم كحملٍ وديعٍ لا يريدون سلطة ولا رئاسة ولا دولة، فإن هذا لا يعني إلا شيئا واحدا هو أنهم متفرّغون للعمل الجادّ والمنظّم على الأرض للسيطرة على المشهد برمّته».
ثمة أمورٌ ثلاثة بالغة الأهمية هنا: الأول أنّ محاولات تسويق الفصل الحاسم بين جماعات الإسلام المسلّح وجماعات الإسلام السياسي هي محاولاتٌ لا تحظى بالعلمية والموضوعية اللازمة بل هي في أكثرها محاولات تلميعٍ وخدمة وترويجٍ لا تهدف لقراءة وتحليل الأوضاع بقدر ما هي معنية بتبرئة ساحة الإسلام السياسي وتاريخ جماعاته وخطابها وآيديولوجيتها من كل علاقة بالعنف، وهذا أمرٌ دون إثباته خرط القتاد.
أما الأمر الثاني فهو أنّ حجم الحميمية بين هاتين الجماعتين أو التيارين قد اتضح في كل العمليات السياسية والأنشطة الاجتماعية التي حدثت بعد الربيع الأصولي، وما يجري بينهما من مناكفاتٍ إنما تندرج ضمن فكرة «الخطورة بالقرب» أي إنهما ينطلقان من ذات المنطلقات ونفس الخطاب ويتنازعان عين الشريحة الاجتماعية، فهو خلافٌ يدعو له التشابه لا التناقض.
ثالث هذه الأمور هو أنّ جماعات الإسلام السياسي بعد وصولها لسدة الحكم تستفيد كثيرا من وجود تيارات وجماعات العنف، فهي تستخدمها في الضغط على مؤسسات الدولة كالقضاء والمؤسسات العامة كالإعلام والفرقاء السياسيين كجبهة الإنقاذ وهي قادرة دائما على التبرؤ من أفعالها، كما أنها تستفيد منها فائدة أكبر في علاقاتها مع الدول الغربية حيث تقول لها إما نحن وإما هؤلاء، ونحن نمثل الإسلام المعتدل وهم يمثلون الإسلام المتطرف، أو بتعبيرنا الإسلام السياسي في مقابل الإسلام المسلح.
* هنا سنذكر ببعض الأحداث حسب التاريخ.
* عام 2011 7 مارس (آذار) 2011 وبعد نشوة الربيع، جرى إطلاق دعوة مشبوهة للتظاهر في السعودية عبر مواقع التواصل الاجتماعي شارك فيها بعض المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين وللإسلام السياسي بشكلٍ عامٍ وبعض الناشطين الجدد حينذاك وبعض الحقوقيين وغيرهم في السعودية ليصنعوا نموذجا مشابها لمصر ولم يستجب أحدٌ.
وقد جاء ذلك ضمن سياق حالة الانتشاء الثورية التي عبّرت عن نفسها بأكثر من طريقة في مصر وفي الخليج، أي دول الاحتجاجات ودول الاستقرار والتي ركبتها جماعة الإخوان وجيّرتها بكافة شعاراتها لخدمة أهدافها.