الموضوع: قرأت لك
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2013, 11:00 AM   #89
العوضابي

الصورة الرمزية العوضابي



العوضابي is on a distinguished road

افتراضي Re:(62) قرأت لك


(62)
الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة
إن إقامة العدل وأداء الحقوق لأهلها من أسباب بقاء الدول وتفوقها وغلبتها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة (الحسبة): الجزاء في الدنيا متفق عليه عند أهل الأرض، فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: "الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة" اه.
ويروى أنه لما سمع عمرو بن العاص المستوردَ بن شدادَ يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " تقوم الساعة والروم أكثر الناس." قال له عمرو: " أبصر ما تقول؟ " فقال المستورد: " أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم." فقال عمرو: " لئن قلت ذلك؛ إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك. "
رواه مسلم.
فكأنَّ عمراً رضي الله عنه يحكم بأن هذه الخصال هي السبب في بقائهم وكثرتهم، وفي المقابل يكون الظلم وتضييع الأمانة وإهدار الحقوق هي معالم الخراب والهزيمة، وهذا أصل مقرر في علم الاجتماع، وقد عقد له ابن خلدون في مقدمته فصلا بعنوان:
(الظلم مؤذن بخراب العمران).
والمقصود أن الأمم الكافرة إن توفرت على معالم قيام الدول ونهضتها أقامها الله وجازاها بجنس عملها، ولا يظلم ربك أحدا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. "
(رواه مسلم. )
فالله تعالى يعطيهم في الدنيا ما يستحقونه باعتبار ما عندهم من خير وما يبذلونه من حق.
فهذا جانب، وهناك جانب آخر لا يصح إغفاله في هذه القضية، وهو أن الله تعالى قد ينصر أمة كافرة على أمة مسلمة ؛ عقوبة لها على معاصيها، وشاهد هذا ما حصل في غزوة أحد، كما قال تعالى: (( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ {آل عمران: 152}.
وقد ذكر ابن كثير في حوادث سنة خمس عشرة وستمائة أن المعظم أعاد ضمان القيان والخمور والمغنيات وغير ذلك من الفواحش والمنكرات التي كان أبوه قد أبطلها، بحيث إنه لم يكن أحد يتجاسر أن ينقل ملء كف خمر إلى دمشق إلا بالحيلة الخفية، فجزى الله العادل خيرا، ولا جزى المعظم خيرا على ما فعل، واعتذر المعظم في ذلك بأنه إنما صنع هذا المنكر لقلة الأموال على الجند واحتياجهم إلى النفقات في قتال الفرنج. ثم علق ابن كثير على ذلك فقال: " وهذا من جهله وقلة دينه وعدم معرفته بالأمور؛ فإن هذا الصنيع يديل عليهم الأعداء وينصرهم عليهم، ويتمكن منهم الداء ويثبط الجند عن القتال فيولون بسببه الأدبار، وهذا مما يدمر ويخرب الديار ويديل الدول"... كما في الأثر: " إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني. وهذا ظاهر لا يخفى على فطن " اه.
وقال الدكتور/ ربيع بن محمد بن علي في كتابه (الغارة على العالم الإسلامي): الأمة الواعية كذلك هي التي تدرك أنها بتجرئها على المعاصي وابتعادها عن منهج إسلامها وشريعة خالقها، تجلب عليها سخط الله الذي قد يتسبب في أن يبعث عليها من يسومها- بسبب معاصيها- سوء العذاب، وفي الأثر أن بعض أنبياء بني إسرائيل نظر إلى ما يصنع بهم بختنصر من إذلال وقهر وإبادة وقتل وتشريد فقال: (بما كسبَتْ أيدينا سلطتَ علينا من لا يعرفك ولا يرحمنا). وذكر ابن أبي الدنيا عن الفضيل بن عياض أنه قال: أوحى الله إلى بعض أنبيائه: (إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني) اه.
الصدوع بكلمة الحق واجب شرعى :
إن الأمة إذا لم تحاسب الحاكم إن أساء، ولم تأخذ على يديه إن ظلم، ولم تقف في وجه انحرافه وفساده، فإنّ ذلك سيجعله يتمادى في ظلمه وبغيه وطغيانه، ويمدّ في عمر نظامه الفاسد. وكلما صفقت الأمة للحاكم رغم ظلمه، أو هتفت باسمه رغم فساده، فإنه يزداد عنجهية ويتمادى في ظلمه وبغيه وعدوانه.
لذلك، فإن من علامات الحيوية في الأمة أن تحاسب الحاكم بقوة إذا أفسد أو ظلم، وأن تقف في وجهه إن طغى وبغى، فإن لم تفعل، فقد تودّع منها.
عن أبي بكر الصديق قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابه". وفي رواية قال: "إنّ النّاس إذا رَأَوُا الْمُنْكَرَ لاَ يُغَيِّرُونَهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بعقابه". وفي رواية أخرى: "إن أمّتي إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمهم الله منه بعقابه".
وعن عدي بن عميرة أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الخاصّة والعامّة". وفي رواية عن العرس بن عميرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى تعمل الخاصة بعمل تقدر العامة أن تغيره ولا تغيره فذاك حين يأذن الله في هلاك العامة والخاصة".
لقد ضرب الله سبحانه لنا مثلاً عن فرعون الذي كان طاغية عصره، فبغى وظلم، وادعى لنفسه الألوهية {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} (النازعات: 15 -24) وأعطى لنفسه سلطة التدخل في فكر الناس وعقولهم، وجعل نفسه مركز الكون، فلا فعل بدون إذنه، ولا قول بدون إذنه، بل ولا تفكير بدون إذنه؛ لذلك صاح قائلاً عندما آمن السحرة برب العالمين: { آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ }.
لقد طغى فرعون في الأرض وتجبّر، إلا أنّ قومه كانوا يصفقون له، رهبة ورغبة، فيوافقونه في أعماله، ويظهرون له الولاء، ويطيعونه رغم إفساده في الأرض؛ فكانت مظاهر الخنوع هذه مدعاة له لأن يستخف بهؤلاء القوم الذين أطاعوه في المنكر، فلا يقيم لهم وزناً، ولا يعبأ بوجودهم، فازداد طغياناً وتجبراً.
إن سكوت قوم فرعون عن ظلمه وطغيانه وكفره، جعلهم من الفاسقين؛ لأنهم أطاعوه في ظلم وكفر. {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ}.
ولم يقف الأمر عند حدّ تفسيقهم، بل عمّهم العقاب، فأغرقهم الله أجمعين: فرعون الطاغية، وزبانيته، وكذلك قومه الذين سكتوا عن طغيانه وكفره. {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ. فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ}.
إنّ ما حدث لفرعون وقومه عبرة لكل ظالم وطاغية في كل زمان ومكان، وهو أيضاً عبرة لكل شيطان أخرس، ولكل ساكت عن الظلم.
لذلك، فإن على الأمة أن تتحرك لقلع جذور الظلم والطغيان، ويحرم عليها السكوت عن الكفر البواح، لأنّ السكوت لا يغير من واقعها المرير، بل يزيد الظالم جرأة على دين الله وعلى طغيانه وبغيه.
إنّ الأمة الإسلامية أمة قوية بإيمانها، فإذا جمعت أمرها ووحدت كلمتها، قدرت على إحداث التغيير. عن عبيد الله بن جرير عن أبيه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعزّ وأكثر ممن يعمله لم يغيروه إلا عمهم الله بعقاب». وفي رواية: «ما من قوم يعمل بين أظهرهم بالمعاصي هم أعزّ منهم وأمنع لم يغيروا إلا أصابهم الله منه بعقاب». وورد في رواية بلفظ: « عن جرير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يغيروا عليه، فلا يغيروا، إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا».

............... ونواصل :

(63)

العوضابي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس