عرض مشاركة واحدة
قديم 08-21-2013, 04:01 PM   #8
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


باب إِذَا رَأَى الْمُحْرِمُونَ صَيْدًا فَضَحِكُوا فَفَطِنَ الْحَلَالُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا رأى المحرمون صيدا فضحكوا ففطن الحلال‏)‏ أي لا يكون ذلك منهم إشارة له إلى الصيد فيحل لهم أكل الصيد، ويجوز كسر الطاء من فطن وفتحها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ فَأُنْبِئْنَا بِعَدُوٍّ بِغَيْقَةَ فَتَوَجَّهْنَا نَحْوَهُمْ فَبَصُرَ أَصْحَابِي بِحِمَارِ وَحْشٍ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُهُ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ الْفَرَسَ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثُمَّ لَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ عَلَيْهِ شَأْوًا فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَقُلْتُ أَيْنَ تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تَرَكْتُهُ بِتَعْهَنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَصْحَابَكَ أَرْسَلُوا يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ وَبَرَكَاتِهِ وَإِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يَقْتَطِعَهُمْ الْعَدُوُّ دُونَكَ فَانْظُرْهُمْ فَفَعَلَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا اصَّدْنَا حِمَارَ وَحْشٍ وَإِنَّ عِنْدَنَا فَاضِلَةً
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى‏)‏ هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنبئنا‏)‏ بضم أوله أي أخبرنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبصر‏)‏ بفتح الموحدة وضم المهملة‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فنظر ‏"‏ بنون وظاء مشالة، وعلى هذا فدخول الباء في قوله ‏"‏ بحمار وحش ‏"‏ مشكل إلا أن يقال ضمن نظر معنى بصر، أو الباء بمعنى إلى على مذهب من يقول إنها تتناوب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنا اصدنا‏)‏ بتشديد المهملة والدال للأكثر بالإدغام وأصله اصطدنا فأبدلت الطاء مثناة ثم أدغمت، ولبعضهم بتخفيف الصاد وسكون الدال، أي أثرنا من الاصاد وهو الإثارة‏.‏
ولبعضهم ‏"‏ صدنا ‏"‏ بغير ألف‏.‏
وحدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا صالح بن كيسان عن أبي محمد عن أبي قتادة رضي الله عنه قال ‏"‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة، ومنا المحرم ومنا غير المحرم فرأيت أصحابي يتراءون شيئا، فنظرت فإذا حمار وحش - يعني وقع سوطه - فقالوا لا نعينك عليه بشيء، إنا محرمون، فتناولته فأخذته، ثم أتيت الحمار من وراء أكمة فعقرته، فأتيت به أصحابي، فقال بعضهم‏:‏ كلوا‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ لا تأكلوا‏.‏
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمامنا فسألته فقال‏:‏ كلوه حلال‏"‏‏.‏
قال لنا عمرو‏:‏ اذهبوا إلى صالح فسلوه عن هذا وغيره‏.‏
وقدم علينا ها هنا‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا يُعِينُ الْمُحْرِمُ الْحَلَالَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد‏)‏ أي بفعل ولا قول، قيل أراد بهذه الترجمة الرد على من فرق من أهل الرأي بين الإعانة التي لا يتم الصيد إلا بها فتحرم، وبين الإعانة التي يتم الصيد بدونها فلا تحرم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَاحَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثٍ ح و حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَاحَةِ وَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ فَرَأَيْتُ أَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ يَعْنِي وَقَعَ سَوْطُهُ فَقَالُوا لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إِنَّا مُحْرِمُونَ فَتَنَاوَلْتُهُ فَأَخَذْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ الْحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَعَقَرْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَأْكُلُوا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَمَامَنَا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ كُلُوهُ حَلَالٌ قَالَ لَنَا عَمْرٌو اذْهَبُوا إِلَى صَالِحٍ فَسَلُوهُ عَنْ هَذَا وَغَيْرِهِ وَقَدِمَ عَلَيْنَا هَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله‏)‏ هو ابن محمد الجعفي المسندي، وسفيان هو ابن عيينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن صالح‏)‏ في رواية كريمة وغيرها ‏"‏ حدثنا صالح‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالقاحة‏)‏ بالقاف والمهملة‏:‏ واد على نحو ميل من السقيا إلى جهة المدينة، ويقال لواديها وادي العباديد‏.‏
وقد بين المصنف في الطريق الأولى أنها من المدينة على ثلاث أي ثلاث مراحل، قال عياض‏:‏ رواه الناس بالقاف إلا القابسي فضبطوه عنه بالفاء، وهو تصحيف‏.‏
قلت‏:‏ ووقع عند الجوزقي من طريق عبد الرحمن بن بشر عن سفيان ‏"‏ بالصفاح ‏"‏ بدل القاحه، والصفاح بكسر المهملة بعدها فاء وآخره مهملة وهو تصحيف فإن الصفاح موضع بالروحاء، وبين الروحاء وبين السقيا مسافة طويلة، وقد تقدم أن الروحاء هو المكان الذي ذهب أبو قتادة وأصحابه منه إلى جهة البحر ثم التقوا بالقاحة وبها وقع له الصيد المذكور، وكأنه تأخر هو ورفقته للراحة أو غيرها وتقدمهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى السقيا حتى لحقوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحدثنا علي بن عبد الله‏)‏ هو ابن المديني، هكذا حول المصنف الإسناد إلى رواية علي للتصريح فيه عن سفيان بقوله ‏"‏ حدثنا صالح بن كيسان ‏"‏ وقد اعتبرته فوجدته ساق المتن على لفظ على خاصة، وهذه عاده المصنف غالبا إذا تحول إلى إسناد ساق المتن على لفظ الثاني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي محمد‏)‏ هو نافع مولى أبي قتادة الذي روى عنه أبو النضر، وسيأتي في كتاب الصيد من طريق مالك وغيره عنه، ووقع عند مسلم عن ابن عمر عن سفيان عن صالح ‏"‏ سمعت أبا محمد مولى أبي قتادة‏"‏، وكذا وقع هنا في رواية كريمة، ولأحمد من طريق سعد بن إبراهيم ‏"‏ سمعت رجلا كان يقال له مولى أبي قتادة ولم يكن مولى ‏"‏ أي لأبي قتادة‏.‏
وفي رواية ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي سلمة أن نافعا مولى بني غفار، فتحصل من ذلك أنه لم يكن مولى لأبي قتادة حقيقة، وقد صرح بذلك ابن حبان فقال‏:‏ هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية، وكان يقال له مولى أبي قتادة نسب إليه ولم يكن مولاه‏.‏
قلت‏:‏ فيحتمل أنه نسب إليه لكونه كان زوج مولاته، أو للزومه إياه أو نحو ذلك، كما وقع لمقسم مولى ابن عباس وغيره، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يتراءون‏)‏ يتفاعلون من الرؤية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا حمار وحش يعني وقع سوطه فقالوا لا نعينك‏)‏ كذا وقع هنا والشك فيه من البخاري، فقد رواه أبو عوانة عن أبي داود الحراني عن علي بن المديني بلفظ ‏"‏ فإذا حمار وحش، فركب فرسي وأخذت الرمح والسوط، فسقط مني السوط فقلت‏:‏ ناولوني، فقالوا‏:‏ ليس نعينك عليه بشيء، إنا محرمون ‏"‏ وفي قولهم إنا محرمون دلالة على أنهم كانوا قد علموا أنه يحرم على المحرم الإعانة على قتل الصيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتناولته‏)‏ زاد أبو عوانة ‏"‏ بشيء ‏"‏ وبهذا يندفع إشكال من قال ذكر التناول بعد الأخذ تكرار، أو معناه تكلفت الأخذ فأخذته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من وراء أكمة‏)‏ بفتحات هي التل من حجر واحد، وقد تقدم ذكرها في الاستسقاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال بعضهم كلوا‏)‏ قد تقدم من عدة أوجه أنهم أكلوا، والظاهر أنهم أكلوا أول ما أتاهم به، ثم طرأ عليهم الشك كما في لفظ عثمان بن موهب في الباب الذي يليه ‏"‏ فأكلنا من لحمها ثم قلنا‏:‏ أنأكل من لحم صيد ونحن محرمون ‏"‏ وأصرح من ذلك رواية أبي حازم في الهبة بلفظ ‏"‏ ثم جئت به فوقعوا فيه يأكلون، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد ‏"‏ فجعلوا يشوون منه ثم قالوا‏:‏ رسول الله بين أظهرنا، وكان تقدمهم فلحقوه فسألوه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو أمامنا‏)‏ بفتح أوله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال كلوه حلال‏)‏ كذا وقع بحذف المبتدأ، وبين ذلك أبو عوانة فقال ‏"‏ كلوه فهو حلال ‏"‏ وفي رواية مسلم فقال ‏"‏ هو حلال فكلوه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال لنا عمرو‏)‏ أي ابن دينار، وصرح به أبو عوانة في روايته، والقائل سفيان، والغرض بذلك تأكيد ضبطه له وسماعه له من صالح وهو ابن كيسان، وقوله ‏"‏هاهنا ‏"‏ يعني مكة‏.‏
والحاصل أن صالح ابن كيسان كان مدنيا فقدم مكة فدل عمرو بن دينار أصحابه عليه ليسمعوا منه‏.‏
وقرأت بخط بعض من تكلم على هذا الحديث ما نصه‏:‏ في قول سفيان ‏"‏ قال لنا عمرو الخ ‏"‏ إشكال، فإن سفيان روى ذلك عن صالح فكيف يقول له عمرو ولمن معه اذهبوا إلى صالح‏؟‏ فيحتمل أنه قال ذلك تأكيدا في تجديد سماع سفيان ذلك منه مرة بعد أخرى، ويؤخذ منه أن سفيان حدث بذلك عن صالح في حال حياته‏.‏
انتهى‏.‏
وهو احتمال بعيد جدا‏.‏
وزعم أن عمرو بن دينار قال لهم ذلك حين قدم عليهم الكوفة‏.‏
قال‏:‏ وكأنه سمع سفيان يحدث به عن صالح فصدقه وأكده بما قال‏.‏
وقوله اذهبوا إليه أي إلى صالح بالمدينة ا ه‏.‏
وهذا أبعد من الأول، وما سمعه سفيان من صالح إلا بمكة، ولم يقدم عمرو الكوفة وإنما قال ذلك لسفيان وهما بمكة، وما حدث به سفيان لعلي إلا بعد موت صالح وعمرو بمدة طويلة، وأراد بقوله قال لنا عمرو اذهبوا الخ كيفية تحمله له من صالح وأنه بدلالة عمرو، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا يُشِيرُ الْمُحْرِمُ إِلَى الصَّيْدِ لِكَيْ يَصْطَادَهُ الْحَلَالُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال‏)‏ أشار المصنف إلى تحريم ذلك، ولم يتعرض لوجوب الجزاء في ذلك، وهي مسألة خلاف‏:‏ فاتفقوا - كما تقدم - على تحريم الإشارة إلى الصيد ليصطاد، وعلى سائر وجوه الدلالات على المحرم، لكن قيده أبو حنيفة بما إذا لم يمكن الاصطياد بدونها، واختلفوا في وجوب الجزاء على المحرم إذا دل الحلال على الصيد بإشارة أو غيرها أو أعان عليه، فقال الكوفيون وأحمد وإسحاق‏:‏ يضمن المحرم ذلك‏.‏
وقال مالك والشافعي‏:‏ لا ضمان عليه كما لو دل الحلال حلالا على قتل صيد في الحرم‏.‏
قالوا‏:‏ ولا حجة في حديث الباب، لأن السؤال عن الإعانة والإشارة إنما وقع ليبين لهم هل يحل لهم أكله أو لا‏؟‏ ولم يتعرض لذكر الجزاء‏.‏
واحتج الموفق بأنه قول علي وابن عباس ولا نعلم لهما مخالفا من الصحابة‏.‏
وأجيب بأنه اختلف فيه علي ابن عباس، وفي ثبوته عن علي نظر، ولأن القاتل انفرد بقتله باختياره مع انفصال الدال عنه فصار كمن دل محرما أو صائما على امرأة فوطئها فإنه يأثم بالدلالة ولا يلزمه كفارة ولا يفطر بذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجُوا مَعَهُ فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ حَتَّى نَلْتَقِيَ فَأَخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ فَلَمَّا انْصَرَفُوا أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إِلَّا أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الْحُمُرِ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَنَزَلُوا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا وَقَالُوا أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ الْأَتَانِ فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَحْرَمْنَا وَقَدْ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَنَزَلْنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا ثُمَّ قُلْنَا أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا قَالَ أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عثمان هو ابن موهب‏)‏ بفتح الهاء وموهب جده، وهو عثمان بن عبد الله التيمي مدني تابعي ثقة، روى هنا عن تابعي أكبر منه قليلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرج حاجا‏)‏ قال الإسماعيلي‏:‏ هذا غلط، فإن القصة كانت في عمرة، وأما الخروج إلى الحج فكان في خلق كثير وكان كلهم على الجادة لا على ساحل البحر‏.‏
ولعل الراوي أراد خرج محرما فعبر عن الإحرام بالحج غلطا‏.‏
قلت‏:‏ لا غلط في ذلك، بل هو من المجاز السائغ‏.‏
وأيضا فالحج في الأصل قصد البيت فكأنه قال خرج قاصدا للبيت، ولهذا يقال للعمرة الحج الأصغر‏.‏
ثم وجدت الحديث من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن أبي عوانة بلفظ ‏"‏ خرج حاجا أو معتمرا ‏"‏ أخرجه البيهقي، فتبين أن الشك فيه من أبي عوانة، وقد جزم يحيى بن أبي كثير بأن ذلك كان في عمرة الحديبية وهذا هو المعتمد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا أبا قتادة‏)‏ كذا للكشميهني، ولغيره ‏"‏ إلا أبو قتادة ‏"‏ بالرفع، ووقع بالنصب عند مسلم وغيره من هذا الوجه، قال ابن مالك في ‏"‏ التوضيح ‏"‏‏:‏ حق المستثني بإلا من كلام تام موجب أن ينصب مفردا كان أو مكملا معناه بما بعده، فالمفرد نحو قوله تعالى ‏(‏الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين‏)‏ والمكمل نحو ‏(‏إنا لمنجوهم أجمعين، إلا امرأته قدرنا أنها لمن الغابرين‏)‏ ولا يعرف أكثر المتأخرين من البصريين في هذا النوع إلا النصب، وقد أغفلوا وروده مرفوعا بالابتداء مع ثبوت الخبر ومع حذفه، فمن أمثلة الثابت الخبر قول أبي قتادة ‏"‏ أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم ‏"‏ فإلا بمعنى لكن، وأبو قتادة مبتدأ ولم يحرم خبره، ونظيره من كتاب الله تعالى ‏(‏ولا يلتفت منكم أحد، إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم‏)‏ فإنه لا يصح أن يجعل امرأتك بدلا من أحد لأنها لم تسر معهم فيتضمنها ضمير المخاطبين‏.‏
وتكلف بعضهم بأنه وإن لم يسر بها لكنها شعرت بالعذاب فتبعتهم ثم التفتت فهلكت‏.‏
قال‏:‏ وهذا على تقدير صحته لا يوجب دخولها في المخاطبين، ومن أمثلة المحذوف الخبر قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏كل أمتي معافى إلا المجاهرون ‏"‏ أي لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون، ومنه من كتاب الله تعالى قوله تعالى ‏(‏فشربوا منه إلا قليل منهم‏)‏ أي لكن قليل منهم لم يشربوا‏.‏
قال‏:‏ وللكوفيين في هذا الثاني مذهب آخر وهو أن يجعلوا ‏"‏ إلا ‏"‏ حرف عطف وما بعدها معطوف على ما قبلها ا ه‏.‏
وفي نسبة الكلام المذكور لابن أبي قتادة دون أبي قتادة نظر، فإن سياق الحديث ظاهر في أن قوله قول أبي قتادة حيث قال ‏"‏ إن أباه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجا فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة - إلى أن قال - أحرموا كلهم إلا أبو قتادة‏"‏‏.‏
وقول أبي قتادة ‏"‏ فيهم أبو قتادة ‏"‏ من باب التجريد، وكذا قوله ‏"‏ إلا أبو قتادة ‏"‏ ولا حاجة إلى جعله من قول ابنه لأنه يستلزم أن يكون الحديث مرسلا‏.‏
ومن توجيه الرواية المذكورة وهي قوله إلا أبو قتادة أن يكون على مذهب من يقول‏:‏ علي بن أبو طالب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا‏)‏ في هذا السياق زيادة على جميع الروايات لأنها متفقة على إفراد الحمار بالرؤية، وأفادت هذه الرواية أنه من جملة الحمر وأن المقتول كان أتانا أي أنثى، فعلى هذا في إطلاق الحمار عليها تجوز‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحملنا ما بقي من لحم الأتان‏)‏ وفي رواية أبي حازم الآتية للمصنف في الهبة ‏"‏ فرحنا وخبأت العضد معي ‏"‏ وفيه ‏"‏ معكم منه بشيء‏؟‏ فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها ‏"‏ وله في الجهاد قال ‏"‏ معنا رجله، فأخذها فأكلها ‏"‏ وفي رواية المطلب ‏"‏ قد رفعنا لك الذراع، فأكل منها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها‏؟‏ قالوا لا‏)‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء ‏"‏ وله من طريق شعبة عن عثمان ‏"‏ هل أشرتم أو أعنتم أو اصطدتم ‏"‏ ولأبي عوانة من هذا الوجه ‏"‏ أشرتم أو اصطدتم أو قتلتم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال فكلوا ما بقي من لحمها‏)‏ صيغة الأمر هنا للإباحة لا للوجوب، لأنها وقعت جوابا عن سؤالهم عن الجواز لا عن الوجوب، فوقعت الصيغة على مقتضى السؤال، ولم يذكر في هذه الرواية أنه صلى الله عليه وسلم أكل من لحمها، وذكره في روايتي أبي حازم عن عبد الله بن أبي قتادة كما تراه ولم يذكر ذلك أحد من الرواة عن عبد الله بن أبي قتادة غيره، ووافقه صالح بن حسان عند أحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة ولفظه ‏"‏ فقال كلوا وأطعموني ‏"‏ وكذا لم يذكرها أحد من الرواة عن أبي قتادة نفسه إلا المطلب عن سعيد بن منصور، ووقع لنا من رواية أبي محمد وعطاء بن يسار وأبي صالح كما سيأتي في الصيد، ومن رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عند إسحاق، ومن رواية عبادة بن تميم وسعد بن إبراهيم عند أحمد، وتفرد معمر عن يحيى بن أبي كثير بزيادة مضادة لروايتي أبي حازم كما أخرجه إسحاق وابن خزيمة والدار قطني من طريقه وقال في آخره ‏"‏ فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت‏:‏ إنما اصطدته لك ‏"‏ فأمر أصحابه فأكلوه، ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له‏.‏
قال ابن خزيمة وأبو بكر النيسابوري والدار قطني والجوزقي‏:‏ تفرد بهذه الزيادة معمر‏.‏
قال ابن خزيمة‏:‏ إن كانت هذه الزيادة محفوظة احتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أكل من لحم ذلك الحمار قبل أن يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله، فلما أعلمه امتنع ا ه‏.‏
وفيه نطر لأنه لو كان حراما ما أقر النبي صلى الله عليه وسلم على الأكل منه إلى أن أعلمه أبو قتادة بأنه صاده لأجله، ويحتمل أن يكون ذلك لبيان الجواز، فإن الذي يحرم على المحرم إنما هو الذي يعلم أنه صيد من أجله، وأما إذا أتى بلحم لا يدري ألحم صيدا أو لا فحمله على أصل الإباحة فأكل منه لم يكن ذلك حراما على الآكل‏.‏
وعندي بعد ذلك فيه وقفة، فإن الروايات المتقدمة ظاهرة في أن الذي تأخر هو العضد، وأنه صلى الله عليه وسلم أكلها حتى تعرقها أي لم يبق منها إلا العظم، ووقع عند البخاري في الهبة ‏"‏ حتى نفدها ‏"‏ أي فرغها، فأي شيء يبقى منها حينئذ حتى يأمر أصحابه بأكله‏.‏
لكن رواية أبي محمد الآتية في الصيد ‏"‏ أبقى معكم شيء منه‏؟‏ قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ كلوا، فهو طعمة أطعمكموها الله ‏"‏ فأشعر بأنه بقي منها غير العضد، والله أعلم‏.‏
وسيأتي البحث في حكم ما يصيده الحلال بالنسبة إلى المحرم في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى‏.‏
وفي حديث أبي قتادة من الفوائد أن تمنى المحرم أن يقع من الحلال الصيد ليأكل المحرم منه لا يقدح في إحرامه، وأن الحلال إذا صاد لنفسه جاز للمحرم الأكل من صيده، وهذا يقوي من حمل الصيد في قوله تعالى ‏(‏وحرم عليكم صيد البر‏)‏ على الاصطياد، وفيه الاستيهاب من الأصدقاء وقبول الهدية من الصديق‏.‏
وقال عياض‏:‏ عندي أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من أبي قتادة ذلك تطييبا لقلب من أكل منه بيانا للجواز بالقول والفعل لإزالة الشبهة التي حصلت لهم، وفيه تسمية الفرس، وألحق المصنف به الحمار فترجم له في الجهاد‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ قالوا تجوز التسمية لما لا يعقل، وإن كان لا يتفطن له ولا يجيب إذا نودي، مع أن بعض الحيوانات ربما أدمن على ذلك بحيث يصير يميز اسمه إذا دعي به‏.‏
وفيه إمساك نصيب الرفيق الغائب ممن يتعين احترامه أو ترجى بركته أو يتوقع منه ظهور حكم تلك المسألة بخصوصها‏.‏
وفيه تفريق الإمام أصحابه للمصلحة، واستعمال الطليعة في الغزو، وتبليغ السلام عن قرب وعن بعد، وليس فيه دلالة على جواز ترك رد السلام ممن بلغه لأنه يحتمل أن يكون وقع وليس في الخبر ما ينفيه‏.‏
وفيه أن عقر الصيد ذكاته، وجواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قال ابن العربي‏:‏ هو اجتهاد بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم لا في حضرته‏.‏
وفيه العمل بما أدى إليه الاجتهاد ولو تضاد المجتهدان ولا يعاب واحد منهما على ذلك لقوله ‏"‏ فلم يعب ذلك علينا ‏"‏ وكأن الآكل تمسك بأصل الإباحة، والممتنع نظر إلى الأمر الطارئ‏.‏
وفيه الرجوع إلى النص عند تعارض الأدلة، وركض الفرس في الاصطياد، والتصيد في الأماكن الوعرة، والاستعانة بالفارس، وحمل الزاد في السفر، والرفق بالأصحاب والرفقاء في السير، واستعمال الكناية في الفعل كما تستعمل في القول لأنهم استعملوا الضحك في موضع الإشارة لما اعتقدوه من أن الإشارة لا تحل‏.‏
وفيه جواز سوق الفرس للحاجة والرفق به مع ذلك لقوله ‏"‏ وأسير شأوا ‏"‏ ونزول المسافر وقت القائلة، وفيه ذكر الحكم مع الحكمة في قوله ‏"‏ إنما هي طعمة أطعمكموها الله‏"‏‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ لا يجوز للمحرم قتل الصيد إلا إن صال عليه فقتله دفعا فيجوز، ولا ضمان عليه‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا أَهْدَى لِلْمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيًّا حَيًّا لَمْ يَقْبَلْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أهدى‏)‏ أي الحلال ‏(‏للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل‏)‏ كذا قيده في الترجمة بكونه حيا، وفيه إشارة إلى أن الرواية التي تدل علي أنه كان مذبوحا موهمة، وسأبين ما في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن شهاب الخ‏)‏ لم يختلف على مالك في سياقه معنعنا وأنه من مسند الصعب إلا ما وقع في ‏"‏ موطأ ابن وهب ‏"‏ فإنه قال في روايته عن ابن عباس ‏"‏ أن الصعب بن جثامة أهدى ‏"‏ فجعله من مسند ابن عباس، نبه على ذلك الدار قطني في ‏"‏ الموطآت ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال ‏"‏ أهدى الصعب ‏"‏ والمحفوظ في حديث مالك الأول، وسيأتي للمصنف في الهبة من طريق شعيب عن الزهري قال ‏"‏ أخبرني عبيد الله أن ابن عباس أخبره أنه سمع الصعب - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - يخبر أنه أهدى ‏"‏ والصعب بفتح الصاد وسكون العين المهملتين بعدها موحدة، وأبوه جثامة بفتح الجيم وتثقيل المثلثة وهو من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وكان ابن أخت أبي سفيان بن حرب، أمه زينب بنت حرب بن أمية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخي بينه وبين عوف بن مالك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حمارا وحشيا‏)‏ لم تختلف الرواة عن مالك في ذلك، وتابعه عامة الرواة عن الزهري، وخالفهم ابن عيينة عن الزهري فقال ‏"‏ لحم حمار وحش ‏"‏ أخرجه مسلم، لكن بين الحميدي صاحب سفيان أنه كان يقول في هذا الحديث ‏"‏ حمار وحش ‏"‏ ثم صار يقول ‏"‏ لحم حمار وحش ‏"‏ فدل على اضطرابه فيه، وقد توبع على قوله ‏"‏ لحم حمار وحش ‏"‏ من أوجه فيها مقال، منها ما أخرجه الطبراني من طريق عمرو بن دينار عن الزهري لكن إسناده ضعيف‏.‏
وقال إسحاق في مسنده‏.‏
‏:‏ أخبرنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو بن علقمة عن الزهري فقال ‏"‏ لحم حمار ‏"‏ وقد خالفه خالد الواسطي عن محمد بن عمرو فقال ‏"‏ حمار وحش ‏"‏ كالأكثر، وأخرجه الطبراني من طريق ابن إسحاق عن الزهري فقال ‏"‏ رجل حمار وحش ‏"‏ وابن إسحاق حسن الحديث إلا أنه لا يحتج به إذا خولف، ويدل على وهم من قال فيه عن الزهري ذلك ابن جريج قال ‏"‏ قلت للزهري الحمار عقير‏؟‏ قال لا أدري ‏"‏ أخرجه ابن حزيمة وابن عوانة في صحيحيهما، وقد جاء عن ابن عباس من وجه آخر أن الذي أهداه الصعب لحم حمار فأخرجه مسلم من طريق الحاكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ‏"‏ أهدى الصعب إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل حمار ‏"‏ وفي رواية عنده ‏"‏ عجز حمار وحش يقطر دما ‏"‏ وأخرجه أيضا من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد قال تارة ‏"‏ حمار وحش ‏"‏ وتارة ‏"‏ شق حمار ‏"‏ ويقوى ذلك ما أخرجه مسلم أيضا من طريق طاوس عن ابن عباس قال ‏"‏ قدم زيد بن أرقم، فقال له عبد الله بن عباس يستذكره‏:‏ كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام‏؟‏ قال‏:‏ أهدى له عضو من لحم صيد فرده وقال‏:‏ إنا لا نأكله، إنا حرم‏"‏‏.‏
وأخرجه أبو داود وابن حبان من طريق عطاء عن ابن عباس أنه قال ‏"‏ يا زيد بن أرقم، هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكره‏.‏
واتفقت الروايات كلها على أنه رده عليه، إلا ما رواه ابن وهب والبيهقي من طريقه بإسناد حسن من طريق عمرو بن أمية ‏"‏ أن الصعب أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم ‏"‏ قال البيهقي‏:‏ إن كان هذا محفوظا فلعله رد الحي وقبل اللحم، قلت وفي هذا الجمع نظر لما بينته، فإن كانت الطرق كلها محفوظة فلعله رده حيا لكونه صيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك وقبله تارة أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله، وقد قال الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ إن كان الصعب أهدى له حمارا حيا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حي وإن كان أهدى له لحما فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له‏.‏
ونقل الترمذي عن الشافعي أنه رده لظنه أنه صيد من أجله فتركه على وجه التنزه‏.‏
ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على وقت آخر وهو حال رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة، ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك بالجحفة وفي غيرها من الروايات بالأبواء أو بودان‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ يحتمل أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحا ثم قطع منه عضوا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقدمه له، فمن قال أهدى حمارا أراد بتمامه مذبوحا حيا، ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون من قال حمارا أطلق وأراد بعضه مجازا‏.‏
قال ويحتمل أنه أهداه له حيا فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظانا أنه إنما رده عليه لمعنى يختص بجملته، فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل، قال‏:‏ والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات‏.‏
وقال النووي‏:‏ ترجم البخاري بكون الحمار حيا، وليس في سياق الحديث تصريح بذلك، وكذا نقلوا هذا التأويل عن مالك، وهو باطل لأن الروايات التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح‏.‏
انتهى‏.‏
وإذا تأملت ما تقدم لم يحسن إطلاقه بطلان التأويل المذكور ولا سيما في رواية الزهري التي هي عمدة هذا الباب، وقد قال الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ حديث مالك أن الصعب أهدى حمارا أثبت من حديث من روى أنه أهدى لحم حمار‏.‏
وقال الترمذي‏:‏ روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب ‏"‏ لحم حمار وحش ‏"‏ وهو غير محفوظ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالأبواء‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد‏:‏ جبل من عمل الفرع بضم الفاء والراء بعدها مهملة، قيل سمى الأبواء لوبائه على القلب، وقيل لأن السيول تتبوؤه أي تحمله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو بودان‏)‏ شك من الراوي، وهو بفتح الواو وتشديد الدال وآخرها نون موضع بقرب الجحفة، وقد سبق في حديث عمرو بن أمية أنه كان بالجحفة، وودان أقرب إلى الجحفة من الأبواء فإن من الأبواء إلى الجحفة للآتي من المدينة ثلاثة وعشرين ميلا، ومن ودان إلى الجحفة ثمانية أميال، وبالشك جزم أكثر الرواة، وجزم ابن إسحاق وصالح بن كيسان عن الزهري بودان، وجزم معمر وعبد الرحمن ابن إسحاق ومحمد بن عمرو بالأبواء، والذي يظهر لي أن الشك فيه من ابن عباس لأن الطبراني أخرج الحديث من طريق عطاء عنه على الشك أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما رأى ما في وجهه‏)‏ في رواية شعيب ‏"‏ فلما عرف في وجهي رده هديتي‏"‏‏.‏
وفي رواية الليث عن الزهري عند الترمذي ‏"‏ فلما رأى ما في وجهه من الكراهية ‏"‏ وكذا لابن خزيمة من طريق ابن جريج المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنا لم نرده عليك‏)‏ في رواية شعيب وابن جريج ‏"‏ ليس بنا رد عليك ‏"‏ وفي رواية عبد الرحمن ابن إسحاق عن الزهري عند الطبراني ‏"‏ إنا لم نرده عليك كراهية له ولكنا حرم ‏"‏ قال عياض‏:‏ ضبطناه في الروايات ‏"‏ لم نرده ‏"‏ بفتح الدال، وأبى ذلك المحققون من أهل العربية وقالوا‏:‏ الصواب أنه بضم الدال لأن المضاعف من المجزوم يراعى فيه الواو التي توجبها له ضمة الهاء بعدها‏.‏
قال‏:‏ وليس الفتح بغلط بل ذكره ثعلب في الفصيح‏.‏
نعم تعقبوه عليه بأنه ضعيف، وأوهم صنيعه أنه فصيح، وأجازوا أيضا الكسر وهو أضعف الأوجه‏.‏
قلت‏:‏ ووقع في رواية الكشميهني بفك الإدغام ‏"‏ لم نردده ‏"‏ بضم الأولى وسكون الثانية ولا إشكال فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا أنا حرم‏)‏ زاد صالح بن كيسان عند النسائي ‏"‏ لا نأكل الصيد‏"‏‏.‏
وفي رواية سعيد عن ابن عباس ‏"‏ لولا أنا محرمون لقبلناه منك‏"‏‏.‏
واستدل بهذا الحديث على تحريم الأكل من لحم الصيد على المحرم مطلقا لأنه اقتصر في التعليل على كونه محرما فدل على أنه سبب الامتناع خاصة، وهو قول علي وابن عباس وابن عمر والليث والثوري وإسحاق لحديث الصعب هذا، ولما أخرجه أبو داود وغيره من حديث علي ‏"‏ أنه قال لناس من أشجع‏:‏ أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم ‏"‏ لكن يعارض هذا الظاهر ما أخرجه مسلم أيضا من حديث طلحة أنه ‏"‏ أهدى له لحم طير وهو محرم، فوقف من أكله وقال‏:‏ أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
وحديث أبي قتادة المذكور في الباب قبله وحديث عمير بن سلمة ‏"‏ أن البهزي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم ظبيا وهو محرم، فأمر أبا بكر أن يقسمه بين الرفاق‏"‏؛ أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وغيره، وبالجواز مطلقا قال الكوفيون وطائفة من السلف، وجمع الجمهور بين ما اختلف من ذلك بأن أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم يهدي منه للمحرم، وأحاديث الرد محمولة على ما صاده الحلال لأجل المحرم‏.‏
قالوا والسبب في الاقتصار على الإحرام عند الاعتذار للصعب أن الصيد لا يحرم على المرء إذا صيد له إلا إذا كان محرما، فبين الشرط الأصلي وسكت عما عداه فلم يدل على نفيه، وقد بينه في الأحاديث الأخر‏.‏
ويؤيد هذا الجمع حديث جابر مرفوعا ‏"‏ صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم ‏"‏ أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة‏.‏
قلت‏:‏ وقد تقدم أن عند النسائي من رواية صالح ابن كيسان ‏"‏ إنا حرم لا نأكل الصيد ‏"‏ فبين العلتين جميعا، وجاء عن مالك تفصيل آخر بين ما صيد للمحرم قبل إحرامه يجوز له الأكل منه أو بعد إحرامه فلا، وعن عثمان التفصيل بين ما يصاد لأجله من المحرمين فيمتنع عليه ولا يمتنع على محرم آخر‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ حديث الصعب يشكل على مالك لأنه يقول‏:‏ ما صيد من أجل المحرم يحرم على المحرم وعلى غير المحرم، فيمكن أن يقال قوله ‏"‏ فرده عليه ‏"‏ لا يستلزم أنه أباح له أكله، بل يجوز أن يكون أمره بإرساله إن كان حيا وطرحه إن كان مذبوحا فإن السكوت عن الحكم لا يدل على الحكم بضده، وتعقب بأنه وقت البيان فلو لم يجز له الانتفاع به لم يرده عليه أصلا إذ لا اختصاص له به‏.‏
وفي حديث الصعب الحكم بالعلامة لقوله ‏"‏ فلما رأى ما في وجهي‏"‏‏.‏
وفيه جواز رد الهدية لعلة، وترجم له المصنف ‏"‏ من رد الهدية لعلة ‏"‏ وفيه الاعتذار عن رد الهدية تطييبا لقلب المهدي، وأن الهبة لا تدخل في الملك إلا بالقبول، وأن قدرته على تملكها لا تصيره مالكا لها، وأن على المحرم أن يرسل ما في يده من الصيد الممتنع عليه اصطياده‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس