عرض مشاركة واحدة
قديم 08-21-2013, 03:57 PM   #515
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ
فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فَأَمَّا الصَّوْمُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى ‏(‏فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ وهو مخير، فأما الصوم فثلاثة أيام‏)‏ أي باب تفسير قوله تعالى كذا، وقوله ‏"‏مخير ‏"‏ من كلام المصنف استفاده من ‏"‏ أو ‏"‏ المكررة‏.‏
وقد أشار إلى ذلك في أول ‏"‏ باب كفارات الأيمان ‏"‏ فقال‏:‏ وقد خير النبي صلى الله عليه وسلم كعبا في الفدية، ويذكر عن ابن عباس وعطاء وعكرمة‏:‏ ما كان في القرآن ‏"‏ أو ‏"‏ فصاحبه بالخيار‏.‏
وسيأتي ذكر من وصل هذه الآثار هناك، وأقرب ما وقفت عليه من طرق حديث الباب إلى التصريح ما أخرجه أبو داود من طريق الشعبي عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ‏"‏ إن شئت فانسك نسيكة، وإن شئت فصم ثلاثة أيام، وإن شئت فأطعم ‏"‏ الحديث‏.‏
وفي رواية مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن عبد الكريم بإسناده في آخر الحديث ‏"‏ أي ذلك فعلت أجزأ ‏"‏ وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
وقوله ‏"‏فأما الصوم ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ الصيام‏"‏، والصيام المطلق في الآية مقيد بما ثبت في الحديث بالثلاث‏.‏
قال ابن التين وغيره‏:‏ جعل الشارع هنا صوم يوم معادلا بصاع، وفي الفطر من رمضان عدل مد، وكذا في الظهار والجماع في رمضان، وفي كفارة اليمين بثلاثة أمداد وثلث، وفي ذلك أقوى دليل على أن القياس لا يدخل في الحدود والتقديرات‏.‏
وقسيم قوله ‏"‏ فأما الصوم ‏"‏ محذوف تقديره‏.‏
وأما الصدقة فهي إطعام ستة مساكين، وقد أفرد ذلك بترجمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْلِقْ رَأْسَكَ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ انْسُكْ بِشَاةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن حميد بن قيس‏)‏ في رواية أشهب عن مالك ‏"‏ أن حميد بن قيس حدثه‏"‏، أخرجها الدار قطني في ‏"‏ الموطآت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مجاهد عن عبد الرحمن‏)‏ صرح سيف عن مجاهد بسماعه من عبد الرحمن وبأن كعبا حدث عبد الرحمن كما في الباب الذي يليه‏.‏
قال ابن عبد البر في رواية حميد بن قيس هذه‏:‏ كذا رواه الأكثر عن مالك، ورواه ابن وهب وابن القاسم وابن عفير عن مالك بإسقاط عيد الرحمن بين مجاهد وكعب ابن عجرة‏.‏
قلت‏:‏ ولمالك فيه إسنادان آخران في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ أحدهما عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد وفي سياقه ما ليس في سياق حميد بن قيس، وقد اختلف فيه على مالك أيضا على العكس مما اختلف فيه على طريق حميد بن قيس، قال الدار قطني‏:‏ رواه أصحاب ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن مالك عن عبد الكريم عن عبد الرحمن لم يذكروا مجاهدا، حنى قال الشافعي‏:‏ إن مالكا وهم فيه، وأجاب ابن عبد البر بأن ابن القاسم وابن وهب في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ وتابعهما جماعة عن مالك خارج الموطأ منهم بشر بن عمر الزهراني وعبد الرحمن بن مهدي وإبراهيم بن طهمان والوليد بن مسلم أثبتوا مجاهدا بينهما، وهذا الجواب لا يرد على الشافعي‏.‏
وطريق ابن القاسم المشار إليها عند النسائي وطريق ابن وهب عند الطبري وطريق عبد الرحمن بن مهدي عند أحمد وسائرها عند الدار قطني في ‏"‏ الغرائب‏"‏‏.‏
والإسناد الثالث لمالك فيه عن عطاء الخراساني عن رجل من أهل الكوفة عن كعب بن عجرة، قال ابن عبد البر‏:‏ يحتمل أن يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى أو عبد الله بن معقل، ونقل ابن عبد البر عن أحمد بن صالح المصري قال‏:‏ حديث كعب بن عجرة في الفدية سنة معمول بها لم يروها من الصحابة غيره، ولا رواها عنه إلا ابن أبي ليلى وابن معقل‏.‏
قال‏:‏ وهي سنة أخذها أهل المدينة عن أهل الكوفة‏.‏
قال الزهري‏:‏ سألت عنها علماءنا كلهم حتى سعيد بن المسيب فلم يبينوا كم عدد المساكين‏.‏
قلت‏:‏ فيما أطلقه ابن صالح نظر، فقد جاءت هذه السنة من رواية جماعة من الصحابة غير كعب، منهم عبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبري والطبراني، وأبو هريرة عند سعيد بن منصور، وابن عمر عند الطبري، وفضالة الأنصاري عمن لا يتهم من قومه عند الطبري أيضا‏.‏
ورواه عن كعب ابن عجرة غير المذكورين أبو وائل عن النسائي، ومحمد بن كعب القرظي عند ابن ماجة، ويحيى بن جعدة عند أحمد، وعطاء عند الطبري‏.‏
وجاء عن أبي قلابة والشعبي أيضا عن كعب وروايتهما عند أحمد، لكن الصواب أن بينهما واسطة وهو ابن أبي ليلى على الصحيح‏.‏
وقد أورد البخاري حديث كعب هذا في أربعة أبواب متوالية، وأورده أيضا في المغازي والطب وكفارات‏.‏
الأيمان من طرق أخرى مدار الجميع على ابن أبي ليلى وابن معقل، فيقيد إطلاق أحمد بن صالح بالصحة فإن بقية الطرق التي ذكرتها لا تخلو عن مقال إلا طريق أبي وائل، وسأذكر ما في هذه الطرق من فائدة زائدة إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ لعلك‏)‏ في رواية أشهب المقدم ذكرها ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ‏"‏ وفي رواية عبد الكريم ‏"‏ أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم فآذاه القمل ‏"‏ وفي رواية سيف في الباب الذي يليه ‏"‏ وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ورأسي يتهافت قملا فقال‏:‏ أيؤذيك هوامك‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فاحلق رأسك - الحديث وفيه - قال في بزلت هذه الآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه‏)‏ زاد في رواية أبي الزبير عن مجاهد عند الطبراني أنه أهل في ذي القعدة‏.‏
وفي رواية مغيرة عن مجاهد عند الطبري أنه لقيه وهو عند الشجرة وهو محرم‏.‏
وفي رواية أيوب عن مجاهد في المغازي ‏"‏ أتى على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أوقد تحت برمة والقمل يتناثر على رأسي ‏"‏ زاد في رواية ابن عون عن مجاهد في الكفارات ‏"‏ فقال ادن، فدنوت‏.‏
فقال‏:‏ أيؤذيك‏"‏‏.‏
وفي رواية ابن بشر عن مجاهد فيه قال ‏"‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون وقد حصرنا المشركون، وكانت لي وفرة فجعلت الهوام تتساقط على وجهي، فقال‏:‏ أيؤذيك هوام رأسك‏؟‏ قلت‏.‏
نعم‏.‏
فأنزلت هذه الآية‏"‏‏.‏
وفي رواية أبي وائل عن كعب ‏"‏ أحرمت فكثر قمل رأسي فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاني وأنا أطبخ قدرا لأصحابي‏"‏‏.‏
وفي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد بعد بابين ‏"‏ رآه وأنه ليسقط القمل على وجهه، فقال‏:‏ أيؤذيك هوامك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فأمره أن يحلق ‏"‏ وهم بالحديبية ولم يبين لهم أنهم يحلون، وهم على طمع أن يدخلوا مكة، فأنزل الله الفدية‏.‏
وأخرجه الطبراني من طريق عبد الله بن كثير عن مجاهد بهذه الزيادة، ولأحمد وسعيد بن منصور في رواية أبي قلابة‏:‏ ‏"‏ قملت حتى ظننت أن كل شعرة في رأسي فيها القمل من أصلها إلى فرعها ‏"‏ زاد سعيد ‏"‏ وكنت حسن الشعر‏"‏، وأول رواية عبد الله بن معقل بعد باب ‏"‏ جلست إلى كعب بن عجرة فسألته عن الفدية فقال‏:‏ نزلت في خاصة وهي لكن عامة، حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال‏:‏ ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى‏"‏، زاد مسلم من هذا الوجه ‏"‏ فسألته عن هذه الآية ‏(‏ففدية من صيام‏)‏ الآية‏"‏‏.‏
ولأحمد من وجه آخر في هذه الطريق ‏"‏ وقع القمل في رأسي ولحيتي حتى حاجبي وشاربي، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلي فدعاني، فلما رآني قال‏:‏ لقد أصابك بلاء ونحن لا نشعر، ادع إلي الحجام، فحلقني ‏"‏ ولأبي داود من طريق الحكم بن عتيبة عن ابن أبي ليلى عن كعب ‏"‏ أصابتني هوام حتى تخوفت على بصري‏"‏‏.‏
وفي رواية أبي وائل عن كعب عند الطبري ‏"‏ فحك رأسي بأصبعه فانتثر منه القمل ‏"‏ زاد الطبري من طريق الحكم ‏"‏ إن هذا لأذى، قلت شديد يا رسول الله ‏"‏ والجمع بين هذا الاختلاف في قول ابن أبي ليلى عن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به فرآه، وفي قول عبد الله بن معقل ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليه فرآه ‏"‏ أن يقال‏:‏ مر به أو لا فرآه على تلك الصورة فاستدعى به إليه فخاطبه وحلق رأسه بحضرته، فنقل كل واحد منهما ما لم ينقله الآخر، ويوضحه قوله في رواية ابن عون السابقة حيث قال فيها ‏"‏ فقال ادن فدنوت ‏"‏ فالظاهر أن هذا الاستدناء كان عقب رؤيته إياه إذ مر به وهو يوقد تحت القدر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لعلك آذاك هوامك‏)‏ قال القرطبي هذا سؤال عن تحقيق العلة التي يترتب عليها الحكم، فلما أخبره بالمشقة التي نالته خفف عنه‏.‏
و ‏"‏ الهوام ‏"‏ بتشديد الميم جمع هامة وهي ما يدب من الأخشاش، والمراد بها ما يلازم جسد الإنسان غالبا إذا طال عهده بالتنظيف، وقد عين في كثير من الروايات أنها القمل، واستدل به على أن الفدية مرتبة على قتل القمل، وتعقب بذكر الحلق، فالظاهر أن الفدية مرتبة عليه، وهما وجهان عند الشافعية، يظهر أثر الخلاف فيما لو حلق ولم يقتل قملا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏احلق رأسا وصم‏)‏ قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم خلافا في إلحاق الإزالة بالحلق سواء كان بموسى أو مقص أو نورة أو غير ذلك، وأغرب ابن حزم فأخرج النتف عن ذلك فقال‏:‏ يلحق جميع الإزالات بالحلق إلا النتف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو أطعم‏)‏ ليس في هذه الرواية بيان قدر الإطعام، وسيأتي البحث فيه بعد باب، وهو طاهر في التخيير بين الصوم والإطعام‏.‏
وكذا قوله ‏"‏ أو انسك بشاة ‏"‏ ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ شاة ‏"‏ بغير موحدة، والأول تقديره تقرب بشاة ولذلك عداه بالباء، والثاني تقديره اذبح شاة‏.‏
والنسك يطلق على العبادة وعلى الذبح المخصوص، وسياق رواية الباب موافق للآية، وقد تقدم أن كعبا قال إنها نزلت بهذا السبب، وقد قدمت في أول الباب أن رواية عبد الكريم صريحة في التخيير حيث قال ‏"‏ أي ذلك فعلت أجزأ‏"‏‏.‏
وكذا رواية أبي داود التي فيها ‏"‏ إن شئت وإن شئت ‏"‏ ووافقتها رواية عبد الوارث عن ابن أبي نجيح أخرجها مسدد في مسنده ومن طريقه الطبراني، لكن رواية عبد الله بن معقل - الآتية بعد باب - تقتضي أن التخيير إنما هو بين الإطعام والصيام لمن لم يجد النسك ولفظه ‏"‏ قال أتجد شاة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ فصم أو أطعم ‏"‏ ولأبي داود في رواية أخرى ‏"‏ أمعك دم‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ فإن شئت فصم ‏"‏ ونحوه للطبراني من طريق عطاء عن كعب، ووافقهم أبو الزبير عن مجاهد عند الطبراني وزاد بعد قوله ما أجد هديا ‏"‏ قال‏:‏ فأطعم‏.‏
قال‏:‏ ما أجد‏.‏
قال‏:‏ صم ‏"‏ ولهذا قال أبو عوانة في صحيحه‏:‏ فيه دليل على أن من وجد نسكا لا يصوم، يعني ولا يطعم، لكن لا أعرف من قال بذلك من العلماء إلا ما رواه الطبري وغيره عن سعيد ابن جبير قال‏:‏ النسك شاة، فإن لم يجد قومت الشاة دراهم والدراهم طعاما فتصدق به أو صام لكل نصف صاع يوما، أخرجه من طريق الأعمش عنه قال‏:‏ فذكرته لإبراهيم فقال‏:‏ سمعت علقمة مثله‏.‏
فحينئذ يحتاج إلى الجمع بين الروايتين، وقد جمع بينهما بأوجه‏.‏
منها‏:‏ ما قال ابن عبد البر إن فيه الإشارة إلى ترجيح الترتيب لا لإيجابه‏.‏
ومنها‏:‏ ما قال النووي‏:‏ ليس المراد أن الصيام أو الإطعام لا يجزئ إلا لفاقد الهدي، بل المراد أنه استخبره‏:‏ هل معه هدي أو لا‏؟‏ فإن كان واجده أعلمه أنه مخير بينه وبين الصيام والإطعام، وإن لم يجده أعلمه أنه مخير بينهما‏.‏
ومحصله أنه لا يلزم من سؤاله عن وجدان الذبح تعيينه لاحتمال أنه لو أعلمه أنه يجده لأخبره بالتخيير بينه وبين الإطعام والصوم‏.‏
ومنها ما قال غيرهما‏:‏ يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن له في حلق رأسه بسبب الأذى أفتاه بأن يكفر بالذبح على سبيل الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم أو بوحي غير متلو، فلما أعلمه أنه لا يجد نزلت الآية بالتخيير بين الذبح والإطعام والصيام فخيره حينئذ بين الصيام والإطعام لعلمه بأنه لا ذبح معه، فصام لكونه لم يكن معه ما يطعمه‏.‏
ويوضح ذلك رواية مسلم في حديث عبد الله بن معقل المذكور حيث قال ‏"‏ أتجد شاة‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏
فنزلت هذه الآية ‏(‏ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ فقال‏:‏ صم ثلاثة أيام أو أطعم‏"‏‏.‏
وفي رواية عطاء الخراساني قال ‏"‏ صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين ‏"‏ قال ‏"‏ وكان قد علم أنه ليس عندي ما أنسك به‏"‏‏.‏
ونحوه في رواية محمد بن كعب القرظي عن كعب، وسياق الآية يشعر بتقديم الصيام على غيره، وليس ذلك لكونه أفضل في هذا المقام من غيره، بل السر فيه أن الصحابة الذين خوطبوا شفاها بذلك كان أكثرهم يقدر على الصيام أكثر مما يقدر على الذبح والإطعام‏.‏
وعرف من رواية أبي الزبير أن كعبا افتدى بالصيام‏.‏
ووقع في رواية ابن إسحاق ما يشعر بأنه افتدى بالذبح لأن لفظه ‏"‏ صم أو أطعم أو انسك شاة‏.‏
قال‏:‏ فحلقت رأسي ونسكت‏"‏‏.‏
وروى الطبراني من طريق ضعيفة عن عطاء بن كعب في آخر هذا الحديث ‏"‏ فقلت يا رسول الله خر لي، قال‏:‏ أطعم ستة مساكين ‏"‏ وسيأتي البحث فيه في الباب الأخير وفيه بقية مباحث هذا الحديث إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صَدَقَةٍ وَهِيَ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب قول الله عز وجل أو صدقة وهي إطعام ستة مساكين‏)‏ يشير بهذا إلى أن الصدقة في الآية مبهمة فسرتها السنة، وبهذا قال جمهور العلماء‏.‏
وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن الحسن قال‏.‏
الصوم عشرة أيام، والصدقة على عشرة مساكين‏.‏
وروى الطبري عن عكرمة ونافع نحوه‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ لم يقل بذلك أحد من فقهاء الأمصار‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ وَقَفَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلًا فَقَالَ يُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاحْلِقْ رَأْسَكَ أَوْ قَالَ احْلِقْ قَالَ فِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ إِلَى آخِرِهَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ أَوْ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سيف‏)‏ هو ابن سليمان أو ابن أبي سليمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يتهافت‏)‏ بالفاء، أي يتساقط شيئا فشيئا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاحلق رأسك أو احلق‏)‏ بحذف المفعول، وهو شك من الراوي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بفرق‏)‏ بفتح الفاء والراء وقد تسكن، قاله ابن فارس‏.‏
وقال الأزهري‏:‏ كلام العرب بالفتح، والمحدثون قد يسكنونه، وآخره قاف‏:‏ مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلا‏.‏
ووقع في رواية ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عند أحمد وغيره ‏"‏ الفرق ثلاثة آصع‏"‏، ولمسلم من طريق أبي قلابة عن ابن أبي ليلى ‏"‏ أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين ‏"‏ وإذا ثبت أن الفرق ثلاثة آصع اقتضى أن الصاع خمسة أرطال وثلث خلافا لمن قال إن الصاع ثمانية أرطال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو نسك مما تيسر‏)‏ كذا لأبي ذر والأكثر‏.‏
وفي رواية كريمة ‏"‏ أو أنسك بما تيسر ‏"‏ بصيغة الأمر وبالموحدة وهي المناسبة لما قبلها، وتقدير الأول أو أنسك بنسك، والمراد به الذبح‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْإِطْعَامُ فِي الْفِدْيَةِ نِصْفُ صَاعٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإطعام في الفدية نصف صاع‏)‏ أي لكل مسكين من كل شيء، يشير بذلك إلى الرد على من فرق في ذلك بين القمح وغيره‏.‏
قال ابن عبد البر قال أبو حنيفة والكوفيون‏:‏ نصف صاع من قمح وصاع من تمر وغيره‏.‏
وعن أحمد رواية تضاهي قولهم‏.‏
قال عياض‏:‏ وهذا الحديث يرد عليهم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْفِدْيَةِ فَقَالَ نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ مَا كُنْتُ أُرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى أَوْ مَا كُنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى تَجِدُ شَاةً فَقُلْتُ لَا فَقَالَ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن الأصبهاني‏)‏ هو ابن عبد الله، مر في الجنائز وأنه كوفي ثقة‏.‏
ولشعبة في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه الطبراني من طريق حفص بن عمر عنه عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن كعب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن معقل‏)‏ في رواية أحمد ‏"‏ سمعت عبد الله بن معقل ‏"‏ أخرجه عن عفان‏.‏
وعن بهز فرقهما عن شعبة حدثنا عبد الرحمن، وهو بفتح الميم وسكون المهملة وكسر القاف هو ابن مقرن بالقاف وزن محمد لكن بكسر الراء، لأبيه صحبة وهو من ثقات التابعين بالكوفة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر عن عدي بن حاتم، مات سنة ثمان وثمانين من الهجرة، يلتبس بعبد الله بن مغفل بالغين المعجمة وزن محمد ويجتمعان في أن كلا منهما مزني، لكن يفترقان بأن الراوي عن كعب تابعي والآخر صحابي، وفي التابعين من اتفق مع الراوي عن كعب في اسمه واسم أبيه ثلاثة‏:‏ أحدهم يروي عن عائشة وهو محاربي، والآخر يروي عن أنس في المسح على العمامة وحديثه عند أبي داود، والثالث أصغر منهما أخرج له ابن ماجة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جلست إلى كعب بن عجرة‏)‏ زاد مسلم في روايته من طريق غندر عن شعبة وهو في المسجد، ولأحمد عن بهز ‏"‏ قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد ‏"‏ وزاد في رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني ‏"‏ يعني مسجد الكوفة‏"‏‏.‏
وفيه الجلوس في المسجد ومذاكرة العلم والاعتناء بسبب النزول لما يترتب عليه من معرفة الحكم وتفسير القرآن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى‏)‏ في رواية المستملي والحموي ‏"‏ يبلغ بك ‏"‏ وأرى الأولى بضم الهمزة أي أظن، وأرى الثانية بفتح الهمزة من الرؤية، وكذا في قوله ‏"‏ أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ‏"‏ وهو شك من الراوي هل قال الوجع أو الجهد، والجهد‏:‏ بالفتح المشقة، قال النووي والضم لغة في المشقة أيضا، وكذا حكاه عياض عن ابن دريد‏.‏
وقال صاحب العين‏:‏ بالضم الطاقة وبالفتح المشقة، قيتعين الفتح هنا بخلاف لفظ الجهد الماضي في حديث بدء الوحي حيث قال ‏"‏ حتى بلغ مني الجهد ‏"‏ فإنه محتمل للمعنيين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت لا‏)‏ زاد مسلم وأحمد ‏"‏ فنزلت هذه الآية ‏(‏ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ قال‏:‏ صوم ثلاث أيام ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لكل مسكين نصف صاع‏)‏ كررها مرتين وللطبراني عن أحمد بن محمد الخزاعي عن أبي الوليد شيخ البخاري فيه ‏"‏ لكل مسكين نصف صاع تمر ‏"‏ ولأحمد عن بهز عن شعبة ‏"‏ نصف صاع طعام ‏"‏ ولبشر بن عمر عن شعبة ‏"‏ نصف صاع حنطة ‏"‏ ورواية الحكم عن ابن أبي ليلى تقتضي أنه نصف صاع من زبيب فإنه قال ‏"‏ يطعم فرقا من زبيب بين ستة مساكين‏"‏‏.‏
قال ابن حزم‏:‏ لا بد من ترجيح إحدى هذه الروايات لأنها قصة واحدة في مقام واحد في حق رجل واحد‏.‏
قلت‏:‏ المحفوظ عن شعبة أنه قال في الحديث ‏"‏ نصف صاع من طعام ‏"‏ والاختلاف عليه في كونه تمرا أو حنطة لعله من تصرف الرواة، وأما الزبيب فلم أره إلا في رواية الحكم، وقد أخرجها أبو داود وفي إسنادها ابن إسحاق، وهو حجة في المغازي لا في الأحكام إذا خالف، والمحفوظ رواية التمر فقد وقع الجزم بها عند مسلم من طريق أبي قلابة كما تقدم ولم يختلف فيه على أبي قلابة‏.‏
وكذا أخرجه الطبري من طريق الشعبي عن كعب، وأحمد من طريق سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني، ومن طريق أشعث وداود الشعبي عن كعب، وكذا في حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني، وعرف بذلك قوة قول من قال لا فرق في ذلك بين التمر والحنطة وأن الواجب ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع، ولمسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح وغيره عن مجاهد في هذا الحديث ‏"‏ وأطعم فرقا بين ستة مساكين ‏"‏ والفرق ثلاثة آصع‏.‏
وأخرجه الطبري من طريق يحيى بن آدم عن ابن عيينة فقال فيه ‏"‏ قال سفيان‏:‏ والفرق ثلاثة آصع ‏"‏ فأشعر بأن تفسير الفرق مدرج، لكنه مقتضى الروايات الأخر، ففي رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني عند أحمد ‏"‏ لكل مسكين نصف صاع‏"‏‏.‏
وفي رواية يحيى بن جعدة عند أحمد أيضا ‏"‏ أو أطعم ستة مساكين مدين مدين‏"‏‏.‏
وأما ما وقع في بعض النسخ عند مسلم من رواية زكريا عن ابن الأصبهاني ‏"‏ أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين صاع ‏"‏ فهو تحريف ممن دون مسلم، والصواب ما في النسخ الصحيحة ‏"‏ لكل مسكينين ‏"‏ بالتثنية، وكذا أخرجه مسدد في مسنده عن أبي عوانة عن ابن الأصبهاني على الصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس