عرض مشاركة واحدة
قديم 08-21-2013, 03:56 PM   #514
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْإِحْصَارِ فِي الْحَجِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإحصار في الحج‏)‏ قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ أشار البخاري إلى أن الإحصار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقع في العمرة، فقاس العلماء الحج على ذلك، وهو من الإلحاق بنفي الفارق وهو من أقوى الأقيسة‏.‏
قلت‏:‏ وهذا ينبني على أن مراد ابن عمر بقوله ‏"‏ سنة نبيكم ‏"‏ قياس من يحصل له الإحصار وهو حاج على من يحصل له في الاعتمار، لأن الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم هو الإحصار عن العمرة، ويحتمل أن يكون ابن عمر أراد بقوله سنة نبيكم وبما بينه بعد ذلك شيئا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في حق من لم يحصل له ذلك وهو حاج، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنْ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا فَيُهْدِي أَوْ يَصُومُ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد وقد عقب المصنف هذا الحديث بأن قال ‏"‏ وعن عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري نحوه ‏"‏ وهو معطوف على الإسناد الأول، فكأن ابن المبارك كان يحدث به تارة عن يونس وتارة عن معمر، وليس هو بمعلق كما ادعاه بعضهم‏.‏
وقد أخرجه الترمذي عن أبي كريب عن ابن المبارك عن معمر ولفظه‏:‏ ‏"‏ أنه كان ينكر الاشتراط ويقول‏:‏ أليس حسبكم سنة نبيكم ‏"‏ وهكذا أخرجه الدار قطني من طريق الحسن بن عرفة والإسماعيلي من طريقه ومن طريق أحمد ابن منيع وغيره كلهم عن ابن المبارك، وكذا أخرجه عبد الرزاق وأحمد عنه عن معمر مقتصرا على هذا القدر، وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن عبد الرزاق بتمامه، وكذا أخرجه النسائي وأما إنكار ابن عمر الاشتراط فثابت في رواية يونس أيضا إلا أنه حذف في رواية البخاري هذه، فأخرجه البيهقي من طريق السراج عن أبي كريب عن ابن المبارك عن يونس، وأخرجه النسائي والإسماعيلي من طريق ابن وهب عن يونس، وأشار ابن عمر بإنكار الاشتراط إلى ما كان يفتي به ابن عباس‏.‏
قال البيهقي‏:‏ لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة في الاشتراط لقال به، وقد أخرجه الشافعي عن ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بضباعة بنت الزبير فقال‏:‏ أما تريدين الحج‏؟‏ فقالت‏:‏ إني شاكية‏.‏
فقال لها‏:‏ حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني ‏"‏ قال الشافعي‏:‏ لو ثبت حديث عروة لم أعده إلى غيره، لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
قال البيهقي‏:‏ قد ثبت هذا الحديث من أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ساقه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن ابن عيينة موصولا بذكر عائشة فيه وقال‏:‏ وقد وصله عبد الجبار وهو ثقة‏.‏
قال‏:‏ وقد وصله أبو أسامة ومعمر كلاهما عن هشام‏.‏
ثم ساقه من طريق أبي أسامة وقال‏:‏ أخرجه الشيخان من طريق أبي أسامة‏.‏
قلت‏:‏ وطريق أبي أسامة أخرجها البخاري في كتاب النكاح ولم يخرجها في الحج، بل حذف منه ذكر الاشتراط أصلا إثباتا كما في حديث عائشة ونفيا كما في حديث ابن عمر‏.‏
وأما رواية معمر التي أشار إليها البيهقي فأخرجها أحمد عن عبد الرزاق، ومسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن هشام والزهري فرقهما كلاهما عن عروة عن عائشة‏.‏
ولقصة ضباعة شواهد منها حديث ابن عباس ‏"‏ أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ إني امرأة ثقيلة - أي في الضعف - وإني أريد الحج، فما تأمرني‏؟‏ قال‏:‏ أهلي بالحج، واشترطي أن محلي حيث تحبسني‏.‏
قال فأدركت ‏"‏ أخرجه مسلم وأصحاب السنن والبيهقي من طرق عن ابن عباس‏.‏
قال الترمذي‏:‏ وفي الباب عن جابر وأسماء بنت أبي بكر‏.‏
قلت‏:‏ وعن ضباعة نفسها وعن سعدي بنت عوف وأسانيدها كلها قوية‏.‏
وصح القول بالاشتراط عن عمر وعثمان وعلي وعمار وابن مسعود وعائشة وأم سلمة وغيرهم من الصحابة، ولم يصح إنكاره عن أحد من الصحابة إلا عن ابن عمر، ووافقه جماعة من التابعين ومن بعدهم من الحنفية والمالكية، وحكى عياض عن الأصيلي قال‏:‏ لا يثبت في الاشتراط إسناد صحيح، قال عياض‏:‏ وقد قال النسائي لا أعلم أسنده عن الزهري غير معمر‏.‏
وتعقبه النووي بأن الذي قاله غلط فاحش، لأن الحديث مشهور صحيح من طرق متعددة، انتهى وقول النسائي لا يلزم منه تضعيف طريق الزهري التي تفرد بها معمر فضلا عن بقية الطرق لأن معمرا ثقة حافظ فلا يضره التفرد، كيف وقد وجد لما رواه شواهد كثيرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن حبس أحدكم عن الحج طاف‏)‏ قال عياض‏:‏ ضبطناه سنة بالنصب على الاختصاص أو على إضمار فعل، أي تمسكوا وشبهه‏.‏
وخبر حسبكم في قوله ‏"‏ طاف بالبيت ‏"‏ ويصح الرفع على أن سنة خبر حسبكم أو الفاعل بمعنى الفعل فيه ويكون ما بعدها تفسيرا للسنة‏.‏
وقال السهيلي‏:‏ من نصب سنة فإنه بإضمار الأمر كأنه قال‏:‏ الزموا سنة نبيكم، وقد قدمت البحث فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏طاف بالبيت‏)‏ أي إذا أمكنه ذلك‏.‏
وقد وقع في رواية عبد الرزاق ‏"‏ إن حبس أحدا منكم حابس عن البيت فإذا وصل إليه طاف به ‏"‏ الحديث‏.‏
والذي تحصل من الاشتراط في الحج والعمرة أقوال‏:‏ أحدها مشروعيته، ثم اختلف من قال به فقيل‏:‏ واجب لظاهر الأمر‏.‏
وهو قول الظاهرية‏.‏
وقيل مستحب وهو قول أحمد وغلط من حكى عنه إنكاره، وقيل جائز وهو المشهور عند الشافعية وقطع به الشيخ أبو حامد‏.‏
والحق أن الشافعي نص عليه في القديم وعلق القول بصحته في الجديد فصار الصحيح عنه القول به، وبذلك جزم الترمذي عنه، وهو أحد المواضع التي علق القول بها على صحة الحديث، وقد جمعتها في كتاب مفرد مع الكلام على تلك الأحاديث‏.‏
والذين أنكروا مشروعية الاشتراط أجابوا عن حديث ضباعة بأجوبة، منها‏:‏ أنه خاص بضباعة، حكاه الخطابي ثم الروياني من الشافعية‏.‏
قال النووي‏:‏ وهو تأويل باطل‏.‏
وقيل معناه محلي حيث حبسني الموت إذا أدركتني الوفاة انقطع إحرامي‏.‏
حكاه إمام الحرمين، وأنكره النووي‏.‏
وقال‏:‏ إنه ظاهر الفساد‏.‏
وقيل إن الشرط خاص بالتحلل من العمرة لا من الحج‏.‏
حكاه المحب الطبري‏.‏
وقصة ضباعة ترده كما تقدم من سياق مسلم‏.‏
وقد أطنب ابن حزم في التعقب على من أنكر الاشتراط بما لا مزيد عليه، وسيأتي الكلام على بقية حديث ضباعة في الاشتراط حيث ذكره المصنف في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب النَّحْرِ قَبْلَ الْحَلْقِ فِي الْحَصْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب النحر قبل الحلق في الحصر‏)‏ ذكر فيه حديث المسور ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك ‏"‏ وهذا طرف من الحديث الطويل الذي أخرجه المصنف في الشروط من الوجه المذكور هنا ولفظه في أواخر الحديث ‏"‏ فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا ‏"‏ فذكر بقية الحديث وفيه قول أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، فخرج فنحر بدنه ودعا حالقه فحلقه ‏"‏ وعرف بهذا أن المصنف أورد القدر المذكور هنا بالمعنى، وأشار بقوله في الترجمة ‏"‏ في الحصر ‏"‏ إلى أن هذا الترتيب يختص بحال من أحصر، وقد تقدم أنه لا يجب في حال الاختيار في ‏"‏ باب إذا رمى بعدما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ‏"‏ ولم يتعرض المصنف لما يجب على من حلق قبل أن ينحر، وقد روى ابن أبي شيبة من طريق الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال‏:‏ عليه دم‏.‏
قال إبراهيم‏.‏
وحدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيِّ قَالَ وَحَدَّثَ نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَسَالِمًا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمِرِينَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدْنَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ
الشرح‏:‏
أورد المصنف حديث ابن عمر الماضي قبل بباب مختصرا وفيه ‏"‏ فنحر بدنه وحلق رأسه‏"‏، وقد أورده البيهقي من طريق أبي بدر شجاع بن الوليد - وهو الذي أخرجه البخاري من طريقه بإسناده المذكور ولفظه ‏"‏ أن عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله كلما عبد الله بن عمر ليالي نزل الحجاج بابن الزبير وقالا‏:‏ لا يضرك أن لا تحج العام، إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت‏.‏
فقال‏:‏ خرجنا ‏"‏ فذكر مثل سياق البخاري وزاد في آخره ‏"‏ ثم رجع‏"‏، وكذا ساقه الإسماعيلي من طريق أبي بدر إلا أنه لم يذكر القصة التي في أوله، وساقه من طريق أخرى عن أبي بدر أيضا فقال فيها عن ابن عمر أنه قال ‏"‏ إن حيل بيني وبين البيت فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، فأهل بالعمرة ‏"‏ الحديث‏.‏
قال ابن التيمي‏:‏ ذهب مالك إلى أنه لا هدي على المحصر، والحجة عليه هذا الحديث لأنه نقل فيه حكم وسبب، فالسبب الحصر، والحكم النحر، فاقتضى الظاهر تعلق الحكم بذلك السبب، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُحْصَرِ بَدَلٌ
وَقَالَ رَوْحٌ عَنْ شِبْلٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّمَا الْبَدَلُ عَلَى مَنْ نَقَضَ حَجَّهُ بِالتَّلَذُّذِ فَأَمَّا مَنْ حَبَسَهُ عُذْرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَلَا يَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَهُوَ مُحْصَرٌ نَحَرَهُ إِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ وَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ يَنْحَرُ هَدْيَهُ وَيَحْلِقُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ نَحَرُوا وَحَلَقُوا وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْهَدْيُ إِلَى الْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلَا يَعُودُوا لَهُ وَالْحُدَيْبِيَةُ خَارِجٌ مِنْ الْحَرَمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قال ليس على المحصر بدل‏)‏ بفتح الموحدة والمهملة، أي قضاء لما أحصر فيه من حج أو عمرة، وهذا هو قول الجمهور كما تقدم قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال روح‏)‏ يعني ابن عبادة، وهذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه في تفسيره عن روح بهذا الإسناد وهو موقوف على ابن عباس، ومراده بالتلذذ وهو بمعجمتين الجماع‏.‏
وقوله ‏"‏حبسه عذر ‏"‏ كذا للأكثر بضم المهملة وسكون المعجمة بعدها راء، ولأبي ذر ‏"‏ حبسه عدو ‏"‏ بفتح أوله وفي آخره واو‏.‏
وقوله ‏"‏أو غير ذلك ‏"‏ أي من مرض أو نفاد نفقة‏.‏
وقد ورد عن ابن عباس نحو هذا بإسناد آخر‏.‏
أخرجه ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه وفيه ‏"‏ فإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها، وإن كانت غير الفريضة فلا قضاء عليه‏"‏‏.‏
وقوله ‏"‏وإن استطاع أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ الهدي محله ‏"‏ هذه مسألة اختلاف بين الصحابة ومن بعدهم، فقال الجمهور يذبح المحصر الهدي حيث يحل سواء كان في الحل أو في الحرم‏.‏
وقال أبو حنيفة لا يذبحه إلا في الحرم، وفصل آخرون كما قاله ابن عباس هنا وهو المعتمد‏.‏
وسبب اختلافهم في ذلك هل نحر النبي صلى الله عليه وسلم الهدي بالحديبية في الحل أو في الحرم، وكان عطاء يقول لم ينحر يوم الحديبية إلا في الحرم، ووافقه ابن إسحاق‏.‏
وقال غيره من أهل المغازي‏:‏ إنما نحر في الحل‏.‏
وروى يعقوب بن سفيان من طريق مجمع بن يعقوب عن أبيه قال ‏"‏ لما حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا بالحديبية وحلقوا، وبعث الله ريحا فحملت شعورهم فألقتها في الحرم ‏"‏ قال ابن عبد البر في ‏"‏ الاستذكار ‏"‏‏:‏ فهذا يدل على أنهم حلقوا في الحل‏.‏
قلت‏:‏ ولا يخفي ما فيه، فإنه لا يلزم من كونهم ما حلقوا في الحرم لمنعهم من دخوله أن لا يكونوا أرسلوا الهدي مع من نحره في الحرم، وقد ورد ذلك في حديث ناجية بن جندب الأسلمي ‏"‏ قلت يا رسول الله أبعث معي بالهدي حتى أنحره في الحرم، ففعل ‏"‏ أخرجه النسائي من طريق إسرائيل عن مجزأة بن زاهر عن ناجية، وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن إسرائيل لكن قال ‏"‏ عن ناجية عن أبيه ‏"‏ لكن لا يلزم من وقوع هذا وجوبه، بل ظاهر القصة أن أكثرهم نحر في مكانه وكانوا في الحل وذلك دال على الجواز، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال مالك وغيره‏)‏ هو مذكور في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ ولفظه أنه بلغه ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية فنحروا الهدي وحلقوا رءوسهم وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت وقبل أن يصل إليه الهدي ‏"‏ ثم لم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا ولا أن يعودوا لشيء‏.‏
وسئل مالك عمن أحصر بعدو فقال‏:‏ يحل من كل شيء وينحر هديه ويحلق رأسه حيث حبس وليس عليه قضاء‏.‏
وأما قول البخاري وغيره فالذي يظهر لي أنه عنى به الشافعي، لأن قوله في آخره ‏"‏ والحديبية خارج الحرم ‏"‏ هو من كلام الشافعي في ‏"‏ الأم‏"‏، وعنه أن بعضها في الحل وبعضها في الحرم، لكن إنما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحل استدلالا بقوله تعالى ‏(‏وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله‏)‏ قال‏:‏ ومحل الهدي عند أهل العلم الحرم، وقد أخبر الله تعالى أنهم صدوهم عن ذلك‏.‏
قال‏:‏ فحيث ما أحصر ذبح وحل، ولا قضاء عليه من قبل أن الله تعالى لم يذكر قضاء، والذي أعقله في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت لأنا علمنا من متواطئ أحاديثهم أنه كان معه عام الحديبية رجال معروفون، ثم اعتمر عمرة القضية فتخلف بعضهم بالمدينة من غير ضرورة في نفس ولا مال، ولو لزمهم القضاء لأمرهم بأن لا يتخلفوا عنه‏.‏
وقال في موضع آخر‏:‏ إنما سميت عمرة القضاء والقضية للمقاضاة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، لا على أنهم وجب عليهم قضاء تلك العمرة، انتهى‏.‏
وقد روى الواقدي في المغازي من طريق الزهري ومن طريق أبي معشر وغيرهما قالوا ‏"‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتمروا فلم يتخلف منهم إلا من قتل بخيبر أو مات، وخرج معه جماعة معتمرين ممن لم يشهد الحديبية وكانت عدتهم ألفين ‏"‏ ويمكن الجمع بين هذا إن صح وبين الذي قبله بأن الأمر كان على طريق الاستحباب، لأن الشافعي جازم بأن جماعة تخلفوا بغير عذر، وقد روى الواقدي أيضا من حديث ابن عمر قال ‏"‏ لم تكن هذه العمرة قضاء، ولكن كان شرطا على قريش أن يعتمر المسلمون من قابل في الشهر الذي صدهم المشركون فيه‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ طَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ وَأَهْدَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم طاف لهما‏)‏ أي للحج والعمرة، وهذا يخالف قول الكوفيين إنه يجب لهما طوافان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورأى أن ذلك مجزئ عنه‏)‏ كذا لأبي ذر وغيره‏.‏
بالرفع على أنه خبر أن، ووقع في رواية كريمة ‏"‏ مجزيا ‏"‏ فقيل هو على لغة من ينصب بأن المبتدأ والخبر، أو هي خبر كان المحذوفة‏.‏
والذي عندي أنه من خطأ الكاتب، فإن أصحاب الموطأ اتفقوا على روايته بالرفع على الصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس