الشرح:
قوله: (باب الإدلاج من المحصب) وقع في رواية لأبي ذر الإدلاج بسكون الدال والصواب تشديدها فإنه بالسكون سير أول الليل وبالتشديد سير آخره وهو المراد هنا، والمقصود الرحيل من مكان المبيت بالمحصب سحرا وهو الواقع في قصة عائشة، ويحتمل أن تكون الترجمة لأجل رحيل عائشة مع أخيها للاعتمار فإنها رحلت معه من أول الليل فقصد المصنف التنبيه على أن المبيت ليس بلازم وأن السير من هناك من أول الليل جائز، وسيأتي الكلام على حديث عائشة قريبا في أبواب العمرة.
الحديث:
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ فَقَالَتْ مَا أُرَانِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْرَى حَلْقَى أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قِيلَ نَعَمْ قَالَ فَانْفِرِي قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّفْرِ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلْقَى عَقْرَى مَا أُرَاهَا إِلَّا حَابِسَتَكُمْ ثُمَّ قَالَ كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَانْفِرِي قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ أَكُنْ حَلَلْتُ قَالَ فَاعْتَمِرِي مِنْ التَّنْعِيمِ فَخَرَجَ مَعَهَا أَخُوهَا فَلَقِينَاهُ مُدَّلِجًا فَقَالَ مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا
الشرح:
قوله: (حدثنا أبي) هو حفص بن غياث والإسناد كله إلى عائشة كوفيون، وليس في المتن الذي ساقه من طريق حفص مقصود الترجمة، وإنما أشار إلى أن القصة التي في روايته وفي رواية محاضر واحدة.
وقد تقدم لكلام على قصة صفية قريبا.
قوله: (وزادني محمد) وقع في رواية أبي علي بن السكن " محمد بن سلام " ومحاضر بضم الميم وجاء مهملة خفيفة وبعد الألف ضاد معجمة لم يخرج عنه البخاري في كتابه إلا تعليقا، لكن هذا الموضع ظاهر الوصل، ويأتي الكلام على حديث عائشة مستوفي إن شاء الله تعالى.
وقوله فيه " فخرج معها أخوها " هو عبد الرحمن بن أبي بكر كما سيأتي، وقوله فيه " فلقيناه " أي إنهما لقيا النبي صلى الله عليه وسلم (مدلجا) هو بتشديد الدال أي سائرا من آخر الليل، فإنهما لما رجعا إلى المنزل بعد أن قضت عائشة العمرة صادفا النبي صلى الله عليه وسلم متوجها إلى طواف الوداع، وقوله "موعدك كذا وكذا " أي موضع المنزلة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
(خاتمة) اشتمل كتاب الحج من أوله إلى أبواب العمرة على ثلثمائة واثني عشر حديثا، المعلق منها سبعة وخمسون حديثا والبقية موصولة المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وأحد وتسعون حديثا والخالص منها مائة وأحد وعشرون حديثا، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث جابر في " الإهلال " " إذا استقلت الراحلة " وحديث أنس في " الحج على رحل رث " وحديث عائشة " لكن أفضل الجهاد حج مبرور " وحديث ابن عباس في نزول (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) ، وحديث عمر " حد لأهل نجد قرنا " وحديثه " وقل عمرة في حجة " وحديث ابن عباس " انطلق من المدينة بعدما ترجل وادهن " وحديثه أنه سئل عن متعة الحج، وحديث أبي سعيد " ليحجن البيت وليعتمرن بعد يأجوج ومأجوج " وحديث ابن عباس في هدم الكعبة على يد الأسود، وحديثه في ترك دخول الكعبة وفيها الأصنام، وحديث ابن عمر في استلام الحجر وتقبيله، وحديث عائشة في طوافها حجرة من الرجال، وحديث ابن عباس " مر برجل يطوف وقد خزم أنفه " وحديث الزهري المرسل " لم يطف إلا صلى ركعتين " وحديث ابن عباس " قدم فطاف وسعى " وحديث عائشة في كراهة الطواف بعد الصبح، وحديث ابن عباس في الشرب من سقاية العباس، وحديث ابن عمر في تعجيل الوقوف، وحديث ابن عباس " ليس البر بالإيضاع " وحديثه في تقديم الضعفة، وحديث عمر في إفاضة المشركين من مزدلفة، وحديث المسور ومروان في الهدي، وحديث ابن عمر في النحر في المنحر، وحديث جابر في السؤال عن الحلق قبل الذبح، وحديث ابن عمر " حلق في حجته " وحديث ابن عباس " أخر الزيارة إلى الليل " وحديث عائشة في ذلك، وحديث جابر في رمي جمرة العقبة ضحى وبعد ذلك بعد الزوال، وحديث ابن عمر في هذا المعنى، وحديثه " كان يرمي الجمرة الدنيا يسبع ويكبر مع كل حصاة " وحديثه في نزول المحصب، وحديث ابن عباس " كان ذو المجاز وعكاظ".
وفيه من الآثار الموقوفة عن الصحابة والتابعين ستون أثرا أكثرها معلق.
والله أعلم.
الحديث:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَبْوَابُ الْعُمْرَةِ
الشرح:
قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم - أبواب العمرة.
باب وجوب العمرة وفضلها) سقطت البسملة لأبي ذر، وثبتت الترجمة هكذا في روايته عن المستملي، وسقط عنده عن غيره " أبواب العمرة " وثبت لأبي نعيم في المستخرج " كتاب العمرة " وللأصيلي وكريمة " باب العمرة وفضلها " حسب.
والعمرة في اللغة الزيارة، وقيل إنها مشتقة من عمارة المسجد الحرام، وجزم المصنف بوجوب العمرة، وهو متابع في ذلك للمشهور عن الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل الأثر، والمشهور عن المالكية أن العمرة تطوع وهو قول الحنفية، واستدلوا بما رواه الحجاج بن أرطأة عن محمد بن المنكدر عن جابر " أتى أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني عن العمرة أواجبة هي؟ فقال: لا، وأن تعتمر خير لك " أخرجه الترمذي، والحجاج ضعيف.
وقد روى ابن لهيعة عن عطاء عن جابر مرفوعا " الحج والعمرة فريضتان " أخرجه ابن عدي، وابن لهيعة ضعيف ولا يثبت في هذا الباب عن جابر شيء، بل روى ابن الجهم المالكي بإسناد حسن عن جابر " ليس مسلم إلا عليه عمرة " موقوف على جابر، واستدل الأولون بما ذكر في هذا الباب وبقول صبي بن معبد لعمر " رأيت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما.
فقال له: هديت لسنة نبيك " أخرجه أبو داود.
وروى ابن خزيمة وغيره في حديث عمر سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام فوقع فيه " وإن تحج وتعتمر " وإسناده قد أخرجه مسلم لكن لم يسق لفظه، وبأحاديث أخر غير ما ذكر، وبقوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) أي أقيموهما.
وزعم الطحاوي أن معنى قول ابن عمر " العمرة واجبة " أي وجوب كفاية، ولا يخفى بعده مع اللفظ الوارد عن ابن عمر كما سنذكره، وذهب ابن عباس وعطاء وأحمد إلى أن العمرة لا تجب على أهل مكة وإن وجبت على غيرهم.
*3*
باب وُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَفَضْلِهَا
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ
الشرح:
قوله: (وقال ابن عمر) هذا التعليق وصله ابن خزيمة والدارقطني والحاكم من طريق ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر كان يقول " ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة وعمرة واجبتان من استطاع سبيلا، فمن زاد شيئا فهو خير وتطوع " وقال سعيد بن أبي عروبة في المناسك عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال " الحج والعمرة فريضتان".
قوله: (وقال ابن عباس) هذا التعليق وصله الشافعي وسعيد بن منصور كلاهما عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمعت طاوسا يقول سمعت ابن عباس يقول " والله إنها لقرينتها في كتاب الله: وأتموا الحج والعمرة لله " وللحاكم من طريق عطاء عن ابن عباس " الحج والعمرة فريضتان " وإسناده ضعيف، والضمير في قوله " لقرينتها " للفريضة وكان أصل الكلام أن يقول لقرينته لأن المراد الحج.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ
الشرح:
قوله: (عن سمي) قال ابن عبد البر: تفرد سمي بهذا الحديث واحتاج إليه الناس فيه فرواه عنه مالك والسفيانان وغيرهما حتى أن سهيل بن أبي صالح حدث به عن سمي عن أبي صالح فكأن سهيلا لم يسمعه من أبيه، وتحقق بذلك تفرد سمي به فهو من غرائب الصحيح.
قوله: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) أشار ابن عبد البر إلى أن المراد تكفير الصغائر دون الكبائر قال: وذهب بعض العلماء من عصرنا إلى تعميم ذلك، ثم بالغ في الإنكار عليه، وقد تقدم التنبيه على الصواب في ذلك أوائل مواقيت الصلاة.
واستشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر يكفر فماذا تكفر العمرة؟ والجواب أن تكفير العمرة مقيد بزمنها، وتكفير الاجتناب عام لجميع عمر العبد، فتغايرا من هذه الحيثية.
وأما مناسبة الحديث لأحد شقي الترجمة وهو وجوب العمرة فمشكل، بخلاف الشق الآخر وهو فضلها فإنه واضح، وكأن المصنف والله أعلم أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعا " تابعوا بين الحج والعمرة فإن متابع بينهما تنفي الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد.
وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة " فإن ظاهره التسوية بين أصل الحج والعمرة فيوافق قول ابن عباس " إنها لقرينتها في كتاب الله " وأما إذا اتصف الحج بكونه مبرورا فذلك قدر زائد، وقد تقدم الكلام على المراد به في أوائل الحج.
ووقع عند أحمد وغيره من حديث جابر مرفوعا " الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بر الحج؟ قال إطعام الطعام وإفشاء السلام " ففي هذا تفسير المراد بالبر في الحج، ويستفاد من حديث ابن مسعود المذكور المراد بالتكفير المبهم في حديث أبي هريرة، وفي حديث الباب دلالة على استحباب الاستكثار من الاعتمار خلافا لقول من قال يكره أن يعتمر في السنة أكثر من مرة كالمالكية ولمن قال مرة في الشهر من غيرهم واستدل لهم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا من سنة إلى سنة، وأفعاله على الوجوب أو الندب، وتعقب بأن المندوب لم ينحصر في أفعاله، فقد كان يترك الشيء وهو يستحب فعله لرفع المشقة عن أمته، وقد ندب إلى ذلك بلفظه فثبت الاستحباب من غير تقييد.
واتفقوا على جوازها في جميع الأيام لمن لم يكن متلبسا بأعمال الحج، إلا ما نقل عن الحنفية أنه يكره في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، ونقل الأثرم عن أحمد: إذا اعتمر فلا بد أن يحلق أو يقصر، فلا يعتمر بعد ذلك إلى عشرة أيام ليمكن حلق الرأس فيها، قال ابن قدامة: هذا يدل على كراهة الاعتمار عنده في دون عشرة أيام.
وقال ابن التين: قوله " العمرة إلى العمرة " يحتمل أن تكون إلى بمعنى مع فيكون التقدير العمرة مع العمرة مكفرة لما بينهما، وفي الحديث أيضا إشارة إلى جواز الاعتمار قبل الحج وهو من حديث ابن مسعود الذي أشرنا إليه عند الترمذي وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه.
*3*
باب مَنْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ
الشرح:
قوله: (باب من اعتمر قبل الحج) أي هل تجزئه العمرة أم لا؟
الحديث:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ فَقَالَ لَا بَأْسَ قَالَ عِكْرِمَةُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِثْلَهُ
الشرح:
قوله: (حدثنا أحمد بن محمد) هو المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك.
قوله: (أن عكرمة بن خالد) هو المخزومي.
قوله: (سأل) هذا السياق يقتضي أن هذا الإسناد مرسل لأن ابن جريج لم يدرك زمان سؤال عكرمة لابن عمر، ولهذا استظهر البخاري بالتعليق عن ابن إسحاق المصرح بالاتصال ثم بالإسناد الآخر عن ابن جريج، فهو يرفع هذا الإشكال المذكور حيث قال عن ابن جريج قال " قال عكرمة " فإن قيل إن ابن جريج ربما دلس فالجواب أن ابن خزيمة أخرجه من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج قال " قال عكرمة بن خالد " فذكره.
قوله: (لا بأس) زاد أحمد وابن خزيمة " فقال لا بأس على أحد أن يعتمر قبل أن يحج".
قوله: (قال عكرمة) هو ابن خالد بالإسناد المذكور.
قوله: (وقال إبراهيم بن سعد إلخ) وصله أحمد عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد بالإسناد المذكور ولفظه " حدثنا عكرمة بن خالد بن العاصي المخزومي قال: قدمت المدينة في نفر من أهل مكة فلقيت عبد الله بن عمر فقلت: إنا لم نحج قط، أفنعتمر من المدينة؟ قال: نعم، وما يمنعكم من ذلك؟ فقد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمره كلها قبل حجه.
قال فاعتمرنا " قال ابن بطال: هذا يدل على أن فرض الحج كان قد نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قبل اعتماره، ويتفرع عليه هل الحج على الفور أو التراخي، وهذا يدل على أنه على التراخي، قال: وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة دال على ذلك انتهى.
وقد نوزع في ذلك إذ لا يلزم من صحة تقديم أحد النسكين على الآخر نفي الفورية فيه.
وقد تقدم في أول الحج نقل الخلاف في ابتداء فرض الحج، وسيأتي الكلام على عدة عمر النبي صلى الله عليه وسلم في الباب الذي يليه، ومن الصريح في الترجمة الأثر المذكور في آخر الباب الذي يليه عن مسروق وعطاء ومجاهد قالوا " اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج " وحديث البراء في ذلك أيضا.
*3*
باب كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح:
قوله: (باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم) أورد فيه حديث عائشة وابن عمر في أنه اعتمر أربعا، وكذا حديث أنس، وختم بحديث البراء أنه اعتمر مرتين، والجمع بينه وبين أحاديثهم أنه لم يعد العمرة التي قرنها بحجته لأن حديثه مقيد بكون ذلك وقع في ذي القعدة والتي في حجته كانت في ذي الحجة، وكأنه لم يعد أيضا التي صد عنها وإن كانت وقعت في ذي القعدة أو عدها ولم يعد عمرة الجعرانة لخفائها عليه كما خفيت على غيره كما ذكر ذلك محرش الكعبي فيما أخرجه الترمذي، وروى يونس بن بكبر في " زيادات المغازي " وعبد الرزاق جميعا عن عمر بن ذر عن مجاهد عن أبي هريرة قال " اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر في ذي القعدة " وهو موافق لحديث عائشة وابن عمر وزاد عليه تعيين الشهر، لكن روى سعيد بن منصور عن الدراوردي عن هشام عن أبيه عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر: عمرتين في ذي القعدة وعمرة في شوال " إسناده قوي، وقد رواه ابن مالك عن هشام عن أبيه مرسلا.
لكن قولها " في شوال " مغاير لقول غيرها " في ذي القعدة " ويجمع بينهما بأن يكون ذلك وقع في آخر شوال وأول ذي القعدة، ويؤيده ما رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن مجاهد عن عائشة " لم يعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ذي القعدة".
الحديث:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ صَلَاةَ الضُّحَى قَالَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِمْ فَقَالَ بِدْعَةٌ ثُمَّ قَالَ لَهُ كَمْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعًا إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ قَالَ وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُجْرَةِ فَقَالَ عُرْوَةُ يَا أُمَّاهُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ مَا يَقُولُ قَالَ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ قَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلَّا وَهُوَ شَاهِدُهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ
الشرح:
قوله: (حدثنا جرير) هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر.
قوله: (المسجد) يعني مسجد المدينة النبوية.
قوله: (جالس إلى حجرة عائشة) في رواية مفضل عن منصور عند أحمد " فإذا ابن عمر مستند إلى حجرة عائشة".
قوله: (وإذا أناس) في رواية الكشميهني " فإذا ناس " بغير ألف.
قوله: (فقال بدعة) تقدم الكلام على ذلك والبحث فيه في أبواب التطوع.
قوله: (ثم قال له) يعني عروة، وصرح به مسلم في روايته عن إسحاق بن راهويه عن جرير.
قوله: (قال أربع) كذا للأكثر ولأبي ذر " قال أربعا " أي اعتمر أربعا.
قال ابن مالك: الأكثر في جواب الاستفهام مطابقة اللفظ والمعنى، وقد يكتفي بالمعنى، فمن الأول قوله تعالى (قال هي عصاي) في جواب (وما تلك بيمينك يا موسى) ومن الثاني قوله عليه الصلاة والسلام " أربعين " في جواب قولهم " كم يلبث " فأضمر يلبث ونصب به أربعين، ولو قصد تكميل المطابقة لقال أربعون، لأن الاسم المستفهم به في موضع الرفع، فظهر بهذا أن النصب والرفع جائزان في مثل قوله أربع، إلا أن النصب أقيس وأكثر نظائر.
قوله: (إحداهن في رجب) كذا وقع في رواية منصور عن مجاهد، وخالفه أبو إسحاق فرواه عن مجاهد عن ابن عمر، قال " اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، فبلغ ذلك عائشة فقالت: اعتمر أربع عمر " أخرجه أحمد وأبو داود فاختلفا، جعل منصور الاختلاف في شهر العمرة وأبو إسحاق الاختلاف في عدد الاعتمار، ويمكن تعدد السؤال بأن يكون ابن عمر سئل أولا عن العدد فأجاب فردت عليه عائشة فرجع إليها، فسأل مرة ثانية فأجاب بموافقتها.
ثم سئل عن الشهر فأجاب بما في ظنه.
وقد أخرج أحمد من طريق الأعمش عن مجاهد قال " سأل عروة بن الزبير ابن عمر في أي شهر اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: في رجب".
قوله: (فكرهنا أن نرد عليه) زاد إسحاق في روايته " ونكذبه".
قوله: (وسمعنا استنان عائشة) أي حس مرور السواك على أسنانها.
وفي رواية عطاء عن عروة عند مسلم " وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن".
قوله: (عمرات) يجوز في ميمها الحركات الثلاث.
قوله: (يا أماه) كذا للأكثر بسكون الهاء، ولأبي ذر " يا أمه " بسكون الهاء أيضا بغير ألف، وقول عروة لهذا بالمعنى الأخص لكونها خالته وبالمعنى الأعم لكونها أم المؤمنين.
قوله: (يرحم الله أبا عبد الرحمن) هو عبد الله بن عمر ذكرته بكنيته تعظيما له ودعت له إشارة إلى أنه نسي، و قوله: (وما اعتمر) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (عمرة إلا وهو) أي ابن عمر (شاهده) أي حاضر معه.
وقالت ذلك مبالغة في نسبته إلى النسيان، ولم تنكر عائشة على ابن عمر إلا قوله إحداهن في رجب.
قوله: (وما اعتمر في رجب قط) زاد عطاء عن عروة عند مسلم في آخره " قال وابن عمر يسمع، فما قال لا ولا نعم، سكت".
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجَبٍ
الشرح:
قوله: (عن عروة بن الزبير سألت عائشة) كذا أورده مختصرا، وأخرجه مسلم من هذا الوجه مطولا ذكر فيه قصة ابن عمر وسؤاله له نحو ما رواه مجاهد، إلا أنه لم يقل فيه " كم اعتمر " وقد أشرت إلى ما فيه من فائدة زائدة، وأغرب الإسماعيلي فقال: هذا الحديث لا يدخل في باب كم اعتمر وإنما يدخل في باب متى اعتمر ا ه، وجوابه أن غرض البخاري الطريق الأولى، وإنما أورد هذه لينبه على الخلاف في السياق.
الحديث:
حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ سَأَلْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعٌ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وَعُمْرَةٌ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ وَعُمْرَةُ الْجِعِرَّانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ أُرَاهُ حُنَيْنٍ قُلْتُ كَمْ حَجَّ قَالَ وَاحِدَةً
الشرح:
قوله: (وعمرة الجعرانة إذ قسم غنيمة أراه حنين) كذا وقع هنا بنصب غنيمة بغير تنوين، وكأن الراوي طرأ عليه شك فأدخل بين المضاف والمضاف إليه لفظ " أراه " وهو بضم الهمزة أي أظنه.
وقد رواه مسلم عن هدبة عن همام بغير شك فقال " حيث قسم غنائم حنين " وسقط من رواية حسان هذه العمرة الرابعة، ولهذا استظهر المصنف بطريق أبي الوليد التي ذكرها في آخر الحديث وهو قوله " وعمرة مع حجته " وكذا أخرجه مسلم من طريق عبد الصمد عن هشام، فتبين بهذا أن التقصير فيه من حسان شيخ البخاري.
وقال الكرماني: العمرة الرابعة في هذا الحديث داخلة في ضمن الحج لأنه صلى الله عليه وسلم إما أن يكون قارنا أو متمتعا فالعمرة حاصلة أو مفردا، لكن أفضل أنواع الإفراد لا بد فيه من العمرة في تلك السنة، ورسول الله لا يترك الأفضل انتهى.
وليس ما ادعى أنه الأفضل متفقا عليه بين العلماء، فكيف ينسب فعل ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحتج به إذا نسب لأحد فعله على ما يختار بعض المجتهدين رجحانه.
قوله في رواية أبي الوليد " اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث ردوه، ومن القابل عمرة الحديبية " قال ابن التين هذا أراه وهما لأن التي ردوه فيها هي عمرة الحديبية وأما التي من قابل فلم يردوه منها.
قلت: لا وهم في ذلك لأن كلا منهما كان من الحديبية، ويحتمل أن يكون قوله " عمرة الحديبية " يتعلق بقوله حيث ردوه.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ رَدُّوهُ وَمِنْ الْقَابِلِ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ حَدَّثَنَا هُدْبَةُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ وَقَالَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَتَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ وَمِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ
الشرح:
قوله: (حدثنا هدبة حدثنا همام و قال اعتمر) أي بالإسناد المذكور وهو " عن قتادة أن أنس بن مالك أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته " الحديث كذا ساقه مسلم عن هداب بن خالد وهو هدبة المذكور، وقوله "إلا التي مع حجته " استشكل ابن التين هذا الاستثناء فقال.
هو كلام زائد، والصواب أربع عمر: في ذي القعدة عمرة من الحديبية الحديث، قال.
وقد عد التي مع حجته في الحديث فكيف يستثنيها أولا؟ وأجاب عياض بأن الرواية صواب، وكأنه قال في ذي القعدة منها ثلاث والرابعة عمرته في حجته، أو المعنى كلها في ذي القعدة إلا التي اعتمر في حجته لأن التي في حجته كانت في ذي الحجة.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَأَلْتُ مَسْرُوقًا وَعَطَاءً وَمُجَاهِدًا فَقَالُوا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ وَقَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ
الشرح:
قوله: (شريح بن مسلمة) بمعجمة أوله ومهملة آخره، وإبراهيم بن يوسف أي ابن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي، ورجال هذا الحديث كلهم كوفيون إلا عطاء ومجاهدا، وقد سبق الكلام عليه وتقدم الكلام على الخلاف فيما كان صلى الله عليه وسلم به محرما في حجته والجمع بين ما اختلف فيه من ذلك فأغنى عن إعادته، والمشهور عن عائشة أنه كان مفردا وحديثه هذا يشعر بأنه كان قارنا، وكذا ابن عمر أنكر على أنس كونه كان قارنا مع أن حديثه هذا يدل على أنه كان قارنا لأنه لم ينقل أنه اعتمر بعد حجته فلم يبق إلا أنه اعتمر مع حجته، ولم يكن متمتعا لأنه اعتذر عن ذلك بكونه ساق الهدي، واحتاج ابن بطال إلى تأويل ما وقع عن عائشة وابن عمر هنا فقال: إنما تجوز نسبة العمرة الرابعة إليه باعتبار أنه أمر الناس بها وعملت بحضرته لا أنه صلى الله عليه وسلم اعتمرها بنفسه، ومن تأمل ما تقدم من الجمع استغنى عن هذا التأويل المتعسف.
وقال ابن التين: في عدهم عمرة الحديبية التي صد عنها ما يدل على أنها عمرة تامة، وفيه إشارة إلى صحة قول الجمهور إنه لا يجب القضاء على من صد عن البيت خلافا للحنفية، ولو كانت عمرة للقضية بدلا عن عمرة الحديبية لكانتا واحدة، وإنما سميت عمرة القضية والقضاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاضي قريشا فيها لا أنها وقعت قضاء عن العمرة التي صد عنها إذ لو كان كذلك لكانتا عمرة واحدة.
وفيه دلالة على جواز الاعتمار في أشهر الحج بخلاف ما كان عليه المشركون.
وفي هذا الحديث أن الصحابي الجليل المكثر الشديد الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم قد يخفى عليه بعض أحواله، وقد يدخله الوهم والنسيان لكونه غير معصوم.
وفيه رد بعض العلماء على بعض وحسن الأدب في الرد وحسن التلطف في استكشاف الصواب إذا ظن السامع خطأ المحدث.
وقال النووي: سكوت ابن عمر على إنكار عائشة يدل على أنه كان اشتبه عليه أو نسي أو شك.
وقال القرطبي: عدم إنكاره على عائشة يدل على أنه كان على وهم وأنه رجع لقولها، وقد تعسف من قال: إن ابن عمر أراد بقوله " اعتمر في رجب " عمرة قبل هجرته لأنه وإن كان محتملا لكن قول عائشة ما اعتمر في رجب يلزم منه عدم مطابقة ردها عليه لكلامه ولا سيما وقد بينت الأربع وإنها لو كانت قبل الهجرة فما الذي كان يمنعه أن يفصح بمراده فيرجع الإشكال؟ وأيضا فإن قول هذا القائل لأن قريشا كانوا يعتمرون في رجب يحتاج إلى نقل، وعلى تقديره فمن أين له أنه صلى الله عليه وسلم وافقهم؟ وهب أنه وافقهم فكيف اقتصر على مرة؟