وَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
الشرح:
قوله: (باب فضل الحرم) أي المكي الذي سيأتي ذكر حدوده في " باب لا يعضد شجر الحرم".
قوله: (وقوله تعالى (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها) الآية) وجه تعلقها بالترجمة من جهة إضافة الربوبية إلى البلدة فإنه على سبيل التشريف لها، وهي أصل الحرم.
قوله: (أو لم نمكن لهم حرما آمنا الآية) روى النسائي في التفسير " أن الحارث بن مر بن نوفل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن نتبع الهدي معك نتخطف من أرضنا، فأنزل الله عز وجل ردا عليه (أو لم نمكن لهم حرما آمنا) الآية " أي إن الله جعلهم في بلد أمين وهم منه في أمان في حال كفرهم فكيف لا يكون أمنا لهم بعد أن أسلموا وتابعوا الحق.
وأورد المصنف في الباب حديث ابن عباس " أن هذا البلد حرمه الله " أخرجه مختصرا، وسيأتي بأتم من هذا السياق في " باب لا يحل القتال بمكة " ويأتي الكلام عليه مستوفى قريبا هناك إن شاء الله تعالى.
*3*
باب تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا
وَأَنَّ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ سَوَاءٌ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ الْبَادِي الطَّارِي مَعْكُوفًا مَحْبُوسًا
الشرح:
قوله: (باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها، وأن الناس في المسجد الحرام سواء خاصة، لقوله تعالى (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء) الآية) أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف حديث علقمة بن نضلة قال " توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، وما تدعى رباع مكة إلا السوائب، من احتاج سكن " أخرجه ابن ماجه وفي إسناده انقطاع وإرسال.
وقال بظاهره ابن عمر ومجاهد وعطاء، قال عبد الرزاق عن ابن جريج: كان عطاء ينهي عن الكراء في الحرم، فأخبرني أن عمر نهى أن تبوب دور مكة لأنها ينزل الحاج في عرصاتها، فكان أول من بوب داره سهيل بن عمرو واعتذر عن ذلك لعمر.
وروى الطحاوي من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد أنه قال: مكة مباح، لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها.
وروى عبد الرزاق من طريق إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر: لا يحل بيع بيوت مكة ولا إجارتها.
وبه قال الثوري وأبو حنيفة، وخالفه صاحبه أبو يوسف، واختلف عن محمد، وبالجواز قال الجمهور واختاره الطحاوي.
ويجاب عن حديث علقمة على تقدير صحته بحمله على ما سيجمع به ما اختلف عن عمر في ذلك.
واحتج الشافعي بحديث أسامة الذي أورده البخاري في هذا الباب، قال الشافعي: فأضاف الملك إليه وإلى من ابتاعها منه وبقوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " فأضاف الدار إليه.
واحتج ابن خزيمة بقوله تعالى (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم) فنسب الله الديار إليهم كما نسب الأموال إليهم، ولو كانت الديار ليست بملك لهم لما كانوا مظلومين في الإخراج من دور ليست بملك لهم، قال: ولو كانت الدور التي باعها عقيل لا تملك لكان جعفر وعلي أولى بها إذ كانا مسلمين دونه.
وسيأتي في البيوع أثر عمر أنه اشترى دارا للسجن بمكة.
ولا يعارض ما جاء عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه كان ينهي أن تغلق دور مكة في زمن الحاج أخرجه عبد بن حميد.
وقال عبد الرزاق عن معمر عن منصور عن مجاهد إن عمر قال: يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابا، لينزل البادي حيث شاء، وقد تقدم من وجه آخر عن عمر، فيجمع بينهما بكرامة الكراء رفقا بالوفود، ولا يلزم من ذلك منع البيع والشراء، وإلى هذا جنح الإمام أحمد وآخرون.
واختلف عن مالك في ذلك، قال القاضي إسماعيل: ظاهر القرآن يدل على أن المراد به المسجد الذي يكون فيه النسك والصلاة لا سائر دور مكة.
وقال الأبهري: لم يختلف قول مالك وأصحابه في أن مكة فتحت عنوة، واختلفوا هل من بها على أهلها لعظم حرمتها أو أقرت للمسلمين؟ ومن ثم جاء الاختلاف في بيع دورها والكراء، والراجح عند من قال إنها فتحت عنوة أن النبي صلى الله عليه وسلم من بها على أهلها فخالفت حكم غيرها من البلاد في ذلك ذكره السهيلي وغيره، وليس الاختلاف في ذلك ناشئا عن هذه المسألة فقد اختلف أهل التأويل في المراد بقوله هنا " المسجد الحرام " هل هو الحرم كله أو مكان الصلاة فقط، واختلفوا أيضا هل المراد بقوله " سواء " في إلا من والاحترام أو فيما هو أعم من ذلك وبواسطة ذلك نشأ الاختلاف المذكور أيضا، قال ابن خزيمة: لو كان المراد بقوله تعالى (سواء العاكف فيه والباد) جميع الحرم وأن اسم المسجد الحرام واقع على جميع الحرم لما جاز حفر بئر ولا قبر ولا التغوط ولا البول ولا إلقاء الجيف والنتن.
قال: ولا نعلم عالما منع من ذلك ولا كره لحائض ولا لجنب دخول الحرم ولا الجماع فيه، ولو كان كذلك لجاز الاعتكاف في دور مكة وحوانيتها ولا يقول بذلك أحد والله أعلم.
قلت: والقول بأن المراد بالمسجد الحرام الحرم كله ورد عن ابن عباس وعطاء ومجاهد، أخرجه ابن أبي حاتم وغيره عنهم، والأسانيد بذلك كلها إليهم ضعيفة، وسنذكر في " باب فتح مكة " من المغازي الراجح من الخلاف في فتحها صلحا أو عنوة إن شاء الله تعالى.
قوله: (البادي الطاري) هو تفسير منه بالمعني، وهو مقتضى ما جاء عن ابن عباس وغيره كما رواه عبد بن حميد وغيره.
وقال الإسماعيلي: البادي الذي يكون في البدو، وكذا من كان ظاهر البلد فهو باد، ومعنى الآية أن المقيم والطارئ سيان.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (سواء العاكف فيه والباد) قال: سواء فيه أهل مكة وغيرهم.
قوله: (معكوفا محبوسا) كذا وقع هنا، وليست هذه الكلمة في الآية المذكورة وإنما هي في آية الفتح، ولكن مناسبة ذكرها هنا قوله في هذه الآية (العاكف) والتفسير المذكور قاله أبو عبيدة في المجاز، والمراد بالعاكف المقيم.
وروى الطحاوي من طريق سفيان عن أبي حصين قال: أردت أن أعتكف وأنا بمكة، فسألت سعيد بن جبير فقال: أنت عاكف، ثم قرأ هذه الآية.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ فَقَالَ وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا شَيْئًا لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانُوا يَتَأَوَّلُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ الْآيَةَ
الشرح:
قوله: (عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان) في رواية مسلم عن حرملة وغيره عن ابن وهب " أن علي بن الحسين أخبره أن عمرو بن عثمان أخبره".
قوله: (أين تنزل، في دارك) حذف أداة الاستفهام من قوله " في دارك " بدليل رواية ابن خزيمة والطحاوي عن يونس عن عبد الأعلى عن ابن وهب بلفظ " أتنزل في دارك " وكذا أخرجه الجوزقي من وجه آخر عن أصبغ شيخ البخاري فيه، وللمصنف في المغازي من طريق محمد بن أبي حفصة عن الزهري " أين تنزل غدا " فكأنه استفهمه أولا عن مكان نزوله ثم ظن أنه ينزل في داره فاستفهمه عن ذلك، وظاهر هذه القصة أن ذلك كان حين أراد دخول مكة، ويزيده وضوحا رواية زمعة بن صالح عن الزهري بلفظ " لما كان يوم الفتح قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة قيل: أين تنزل أفي بيوتكم " الحديث، وروى علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن حسين قال " قيل للنبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة: أين تنزل؟ قال: وهل ترك لنا عقيل من طل " قال علي بن المديني: ما أشك أن محمد بن علي بن الحسين أخذ هذا الحديث عن أبيه، لكن في حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك حين أراد أن ينفر من منى، فيحمل على تعدد القصة.
قوله: (وهل ترك عقيل) في رواية مسلم وغيره " وهل ترك لنا".
قوله: (من رباع أو دور) الرباع جمع ربع بفتح الراء وسكون الموحدة وهو المنزل المشتمل على أبيات وقيل هو الدار فعلى هذا فقوله " أو دور " إما للتأكيد أو من شك الراوي.
وفي رواية محمد بن أبي حفصة " من منزل " وأخرج هذا الحديث الفاكهي من طريق محمد بن أبي حفصة وقال في آخره: ويقال إن الدار التي أشار إليها كانت دار هاشم بن عبد مناف، ثم صارت لعبد المطلب ابنه فقسمها بين ولده حين عمر، فمن ثم صار للنبي صلى الله عليه وسلم حق أبيه عبد الله وفيها ولد النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وكان عقيل إلخ) محصل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر استولى عقيل وطالب على الدار كلها باعتبار ما ورثاه من أبيهما لكونهما كانا لم يسلما، وباعتبار ترك النبي صلى الله عليه وسلم لحقه منها بالهجرة، وفقد طالب ببدر فباع عقيل الدار كلها.
وحكى الفاكهي أن الدار لم تزل بأولاد عقيل إلى أن باعوها لمحمد بن يوسف أحي الحجاج بمائة ألف دينار وزاد في روايته من طريق محمد بن أبي حفصة " فكان علي بن الحسين يقول من أجل ذلك: تركنا نصيبنا من الشعب " أي حصة جدهم علي من أبيه أبي طالب.
وقال الداودي وغيره: كان من هاجر من المؤمنين باع قريبه الكافر داره، وأمضى النبي صلى الله عليه وسلم تصرفات الجاهلية تأليفا لقلوب من أسلم منهم، وسيأتي في الجهاد مزيد بسط في هذه المسألة إن شاء الله تعالى.
وقال الخطابي: وعندي أن تلك الدار إن كانت قائمة على ملك عقيل فإنما لم ينزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها دور هجروها في الله تعالى فلم يرجعوا فيما تركوه.
وتعقب بأن سياق الحديث يقتضي أن عقيلا باعها، ومفهومه أنه لو تركها لنزلها.
قوله: (فكان عمر) في رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب عند الإسماعيلي " فمن أجل ذلك كان عمر يقول " وهذا القدر الموقوف على عمر قد ثبت مرفوعا بهذا الإسناد وهو عند المصنف في المغازي من طريق محمد بن أبي حفصة ومعمر عن الزهري وأخرجه مفردا في الفرائض من طريق ابن جريج عنه، وسيأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى.
ويختلج في خاطري أن القائل " وكان عمر إلخ " هو ابن شهاب فيكون منقطعا عن عمر.
قوله: (قال ابن شهاب وكانوا يتأولون إلخ) أي كانوا يفسرون قوله تعالى (بعضهم أولياء بعض) بولاية الميراث أي يتولى بعضهم بعضا في الميراث وغيره.
*3*
باب نُزُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ
الشرح:
قوله: (باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم مكة) أي موضع نزوله، ووقع هنا في نسخة الصغاني " قال أبو عبد الله: نسبت الدور إلى عقيل وتورث الدور وتباع وتشتري".
قلت: والمحل اللائق بهذه الزيادة الباب الذي قبله لما تقدم تقريره والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ
الشرح:
قوله: (حين أراد قدوم مكة) بين في الرواية التي بعدها أن ذلك كان حين رجوعه من منى.
قوله: (إن شاء الله تعالى) هو على سبيل التبرك والامتثال للآية.
الحديث:
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ بِمِنًى نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ يَعْنِي ذَلِكَ الْمُحَصَّبَ وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَكِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَوْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ سَلَامَةُ عَنْ عُقَيْلٍ وَيَحْيَى بْنُ الضَّحَّاكِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ وَقَالَا بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَشْبَهُ
الشرح:
قوله: (عن أبي سلمة) في رواية مسلم عن زهير بن حرب عن الوليد بن مسلم بسنده " حدثني أبو سلمة حدثنا أبو هريرة".
قوله: (يعني بذلك المحصب) في رواية المستملي " يعني ذلك " والأول أصح، ويختلج في خاطري أن جميع ما بعد قوله يعني المحصب إلى آخر الحديث من قول الزهري أدرج في الخبر، فقد رواه شعيب كما في هذا الباب وإبراهيم بن سعد كما سيأتي في السيرة ويونس كما سيأتي في التوحيد كلهم عن ابن شهاب مقتصرين على الموصول منه إلى قوله " على الكفر " ومن ثم لم يذكر مسلم في روايته شيئا من ذلك.
قوله: (وذلك أن قريشا وكنانة) فيه إشعار بأن في كنانة من ليس قرشيا إذ العطف يقتضي المغايرة فترجح القول بأن قريشا من ولد فهر بن مالك على القول بأنهم ولد كنانة.
نعم لم يعقب النضر غير مالك ولا مالك غير فهر فقريش ولد النضر بن كنانة وأما كنانة فأعقب من غير النضر فلهذا وقعت المغايرة.
قوله: (تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب أو بني المطلب) كذا وقع عنده بالشك، ووقع عند البيهقي من طريق أخرى عن الوليد " وبني المطلب " بغير شك فكأن الوهم منه فسيأتي على الصواب ويأتي شرحه في أواخر الباب.
قوله: (أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم) في رواية محمد بن مصعب عن الأوزاعي عند أحمد " أن لا يناكحوهم ولا يخالطوهم " وفي رواية داود بن رشيد عن الوليد عند الإسماعيلي " وأن لا يكون بينهم وبينهم شيء " وهي أعم، وهذا هو المراد بقوله في الحديث " على الكفر".
قوله: (حتى يسلموا) بضم أوله وإسكان المهملة وكسر اللام.
قوله: (وقال سلامة عن عقيل) وصله ابن خزيمة في صحيحه من طريقه.
قوله: (ويحيى بن الضحاك عن الأوزاعي) وقع في رواية أبي ذر وكريمة " ويحيى عن الضحاك " وهو وهم، وهو يحيى بن عبد الله بن الضحاك نسب لجده البابلتي بموحدتين وبعد اللام المضمومة مثناة مشددة نزيل حران وليس له في البخاري إلا هذا الموضع، ويقال إنه لم يسمع من الأوزاعي، ويقال إن الأوزاعي كان زوج أمه، وطريقه هذه وصلها أبو عوانة في صحيحه والخطيب في " المدرج " وقد تابعه على الجزم بقوله " بني هاشم وبني المطلب " محمد بن مصعب عن الأوزاعي أخرجه أحمد وأبو عوانة أيضا، وسيأتي شرح هذه القصة في السيرة النبوية إن شاء الله تعالى.
*3*
باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا
وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ الْآيَةَ
الشرح:
قوله: (باب قول الله عز وجل وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني - إلى قوله - لعلهم يشكرون) لم يذكر في هذه الترجمة حديثا، وكأنه أشار إلى حديث ابن عباس في قصة إسكان إبراهيم لهاجر وابنها في مكان مكة، وسيأتي مبسوطا في أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى.
ووقع في شرح ابن بطال ضم هذا الباب إلى الذي بعده فقال بعد قوله يشكرون " وقول الله جعل الله الكعبة البيت الحرام إلخ " ثم قال فيه أبو هريرة فذكر أحاديث الباب الثاني.
*3*
باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ
ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
الشرح:
قوله: (باب قول الله تعالى: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس - إلى قوله - عليم) كأنه يشير إلى أن المراد بقوله " قياما " أي قواما وأنها ما دامت موجودة فالدين قائم، ولهذه النكتة أورد في الباب قصة هدم الكعبة في آخر الزمان، وقد روى ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن الحسن البصري أنه تلا هذه الآية فقال: لا يزال الناس على دين ما حجوا البيت واستقبلوا القبلة.
وعن عطاء قال: قياما للناس لو تركوه عاما لم ينظروا أن يهلكوا.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ
الشرح:
حديث أبي هريرة " يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة " وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده.
الحديث:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ
الشرح:
حديث عائشة في صيام عاشوراء قبل نزول فرض رمضان، وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد في آخر كتاب الصيام، والمقصود منه هنا قوله في هذه الطريق " وكان يوما تستر فيه الكعبة " فإنه يفيد أن الجاهلية كانوا يعظمون الكعبة قديما بالستور ويقومون بها، وعرف بهذا جواب الإسماعيلي في قوله: ليس في الحديث مما ترجم به شيء سوى بيان اسم الكعبة المذكورة في الآية، ويستفاد من الحديث أيضا معرفة الوقت الذي كانت الكعبة تكسى فيه من كل سنة وهو يوم عاشوراء، وكذا ذكر الواقدي بإسناده عن أبي جعفر الباقر أن الأمر استمر على ذلك في زمانهم، وقد تغير ذلك بعد فصارت تكسى في يوم النحر، وصاروا يعمدون إليه في ذي القعدة فيعلقون كسوته إلى نحو نصفه، ثم صاروا يقطعونها فيصير البيت كهيئة المحرم، فإذا حل الناس يوم النحر كسوه الكسوة الجديدة.
(تنبيه) : قال الإسماعيلي جمع البخاري بين رواية عقيل وابن أبي حفصة في المتن، وليس في رواية عقيل ذكر الستر، ثم ساقه بدونه من طريق عقيل.
وهو كما قال، وعادة البخاري التجوز في مثل هذا.
وقد رواه الفاكهي من طريق ابن أبي حفصة فصرح بسماع الزهري له من عروة.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيُحَجَّنَّ الْبَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ تَابَعَهُ أَبَانُ وَعِمْرَانُ عَنْ قَتَادَةَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُحَجَّ الْبَيْتُ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ سَمِعَ قَتَادَةُ عَبْدَ اللَّهِ وَعَبْدُ اللَّهِ أَبَا سَعِيدٍ
الشرح:
حديث أبي سعيد الخدري في حج البيت بعد يأجوج ومأجوج، أورده موصولا من طريق إبراهيم - وهو ابن طهمان، عن الحجاج بن الحجاج وهو الباهلي البصري عن قتادة عن عبد الله بن أبي عتبة عنه وقال بعده: سمع قتادة عبد الله بن أبي عتبة وعبد الله سمع أبا سعيد الخدري، وغرضه بهذا أنه لم يقع فيه تدليس.
وهل أراد بهذا أن كلا منهما سمع هذا الحديث بخصوصه أو في الجملة؟ فيه احتمال.
وقد وجدته من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة مصرحا بسماع قتادة من عبد الله بن أبي عتبة في حديث " كان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها " وهو عند أحمد، وعند أبي عوانة في مستخرجه من وجه آخر.
قوله: (ليحجن) بضم أوله وفتح المهملة والجيم.
قوله: (تابعه أبان وعمران عن قتادة) أي على لفظ المتن، فأما متابعة أبان - وهو ابن يزيد العطار - فوصلها الإمام أحمد عن عفان وسويد بن عمرو الكلبي وعبد الصمد بن عبد الوارث ثلاثتهم عن أبان فذكر مثله، وأما متابعة عمران وهو القطان فوصلها أحمد أيضا عن سليمان بن داود وهو الطيالسي عنه، وكذا أخرجه ابن خزيمة وأبو يعلى من طريق الطيالسي، وقد تابع هؤلاء سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أخرجه عبد بن حميد عن روح بن عبادة عنه ولفظه " إن الناس ليحجون ويعتمرون ويغرسون النخل بعد خروج يأجوج ومأجوج".
قوله: (فقال عبد الرحمن) يعني ابن مهدي.
قوله: (عن شعبة) يعني عن قتادة بهذا السند.
قوله: (لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت) وصله الحاكم من طريق أحمد بن حنبل عنه قال البخاري: والأول أكثر، أي لاتفاق من تقدم ذكره على هذا اللفظ وانفراد شعبة بما يخالفهم، وإنما قال ذلك لأن ظاهرهما التعارض، لأن المفهوم من الأول أن البيت يحج بعد أشراط الساعة، ومن الثاني أنه لا يحج بعدها، ولكن يمكن الجمع بين الحديثين، فإنه لا يلزم من حج الناس بعد خروج يأجوج ومأجوج أن يمتنع الحج في وقت ما عند قرب ظهور الساعة، ويظهر والله أعلم أن المراد بقوله " ليحجن البيت " أي مكان البيت لما سيأتي بعد باب أن الحبشة إذا خربوه لم يعمر بعد ذلك.