قَبْلَ الْإِهْلَالِ عِنْدَ الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ
الشرح:
قوله: (باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال) سقط من رواية المستملي لفظ التحميد، والمراد بالإهلال هنا التلبية، وقوله "عند الركوب " أي بعد الاستواء على الدابة لا حال وضع الرجل مثلا في الركاب، وهذا الحكم - وهو استحباب التسبيح وما ذكر معه قبل الإهلال - قل من تعرض لذكره مع ثبوته، وقيل أراد المصنف الرد على من زعم أنه يكتفي بالتسبيح وغيره عن التلبية، ووجه ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أتى بالتسبيح وغيره ثم لم يكتف به حتى لبى.
ثم أورد المصنف حديث أنس وهو مشتمل على أحكام، فتقدم منها ما يتعلق بقصر الصلاة وبالإحرام وسيأتي ما يتعلق بالقران قريبا.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ حَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ قَالَ وَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا وَذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَنَسٍ
الشرح:
قوله: (ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب) ظاهره أن إهلاله كان بعد صلاة الصبح، لكن عند مسلم من طريق أبي حسان عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج " وللنسائي من طريق الحسن عن أنس " أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالبيداء ثم ركب " ويجمع بينهما بأنه صلاها آخر ذي الحليفة وأول البيداء والله أعلم.
قوله: (ثم أهل بحج وعمرة) يأتي الكلام عليه في " باب التمتع والقران " قريبا إن شاء الله تعالى.
قوله: (حتى كان يوم التروية) بضم يوم لأن كان تامة.
قوله: (ونحر النبي صلى الله عليه وسلم بدنات بيده قياما، وذبح بالمدينة كبشين أملحين.
قال أبو عبد الله) و المصنف (قال بعضهم: هذا عن أيوب عن رجل عن أنس) هكذا وقع عند الكشميهني، والبعض المبهم هنا ليس هو إسماعيل بن علية كما زعم بعضهم فقد أخرجه المصنف عن مسدد عنه في " باب نحر البدن قائمة " بدون هذه الزيادة، ويحتمل أن يكون حماد بن سلمة، فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أيوب لكن صرح بذكر أبي قلابة، ووهيب أيضا ثقة حجة فقد جعله من رواية أيوب عن أبي قلابة عن أنس فعرف أنه المبهم، وقد تابعه عبد الوهاب الثقفي على حديث ذبح الكبشين الأملحين عن أيوب عن أبي قلابة كما سيأتي في الأضاحي إن شاء الله تعالى.
*3*
بَاب مَنْ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ
الحديث:
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَهَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً
الشرح:
قوله: (باب من أهل حين استوت به راحلته قائمة) أورد فيه حديث ابن عمر مختصرا وقد تقدم الكلام عليه قريبا، ورواية صالح بن كيسان عن نافع من الأقران، وقد سمع ابن جريج من نافع كثيرا وروى هذا عنه بواسطة، وهو دال على قلة تدليسه والله أعلم.
*3*
باب الْإِهْلَالِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ
وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا صَلَّى بِالْغَدَاةِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَرُحِلَتْ ثُمَّ رَكِبَ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِمًا ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَبْلُغَ الْحَرَمَ ثُمَّ يُمْسِكُ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذَا طُوًى بَاتَ بِهِ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ اغْتَسَلَ وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ فِي الْغَسْلِ
الشرح:
قوله: (باب الإهلال مستقبل القبلة) زاد المستملي " الغداة بذي الحليفة " وسيأتي شرحه.
قوله: (وقال أبو معمر) هو عبد الله بن عمرو لا إسماعيل القطيعي.
وقد وصله أبو نعيم في " المستخرج " من طريق عباس الدوري عن أبي معمر وقال: ذكره البخاري بلا رواية.
قوله: (إذا صلى بالغداة) أي صلى الصبح بوقت الغداة، وللكشميهني " إذا صلى الغداة " أي الصبح.
قوله: (فرحلت) بتخفيف الحاء.
قوله: (استقبل القبلة قائما) أي مستويا على ناقته، أو وصفه بالقيام لقيام ناقته، وقد وقع في الرواية الثانية بلفظ " فإذا استوت به راحلته قائمة " وفهم الداودي من قوله " استقبل القبلة قائما " أي في الصلاة فقال: في السياق تقديم وتأخير، فكأنه قال: أمر براحلته فرحلت ثم استقبل القبلة قائما، أي فصلى صلاة الإحرام ثم ركب حكاه ابن التين قال: وإن كان ما في الأصل محفوظا فلعله لقرب إهلاله من الصلاة انتهى.
ولا حاجة إلى دعوى التقديم والتأخير بل صلاة الإحرام لم تذكر هنا والاستقبال إنما وقع بعد الركوب، وقد رواه ابن ماجه وأبو عوانة في صحيحه من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ " كان إذا أدخل رجله في الغرز واستوت به ناقته قائما أهل".
قوله: (ثم يمسك) الظاهر أنه أراد يمسك عن التلبية، وكأنه أراد بالحرم المسجد، والمراد بالإمساك عن التلبية التشاغل بغيرها من الطواف وغيره لا تركها أصلا، وسيأتي نقل الخلاف في ذلك وأن ابن عمر كان لا يلبي في طوافه كما رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عطاء قال " كان ابن عمر يدع التلبية إذا دخل الحرم، ويراجعها بعدما يقضي طوافه بين الصفا والمروة".
وأخرج نحوه من طريق القاسم بن محمد عن ابن عمر.
قال الكرماني: ويحتمل أن يكون مراده بالحرم منى يعني فيوافق الجمهور في استمرار التلبية حتى يرمي جمرة العقبة، لكن يشكل عليه قوله في رواية إسماعيل بن علية " إذا دخل أدنى الحرم " والأولى أن المراد بالحرم ظاهره لقوله بعد ذلك " حتى إذا جاء ذا طوى " فجعل غاية الإمساك الوصول إلى ذي طوى، والظاهر أيضا أن المراد بالإمساك ترك تكرار التلبية ومواظبتها ورفع الصوت بها الذي يفعل في أول الإحرام لا ترك التلبية رأسا والله أعلم.
قوله: (ذا طوى) بضم الطاء وبفتحها وقيدها الأصيلي بكسرها: واد معروف بقرب مكة ويعرف اليوم ببئر الزاهر، وهو مقصور منون وقد لا ينون، ونقل الكرماني أن في بعض الروايات " حتى إذا حاذى طوى " بحاء مهملة بغير همز وفتح الذال قال: والأول هو الصحيح لأن اسم الموضع ذو طوى لا طوى فقط.
قوله: (وزعم) هو من إطلاق الزعم على القول الصحيح، وسيأتي من رواية ابن علية عن أيوب بلفظ " ويحدث".
قوله: (تابعه إسماعيل) هو ابن علية.
قوله: (عن أيوب في الغسل) أي وغيره لكن من غير مقصود الترجمة لأن هذه المتابعة وصلها المصنف كما سيأتي بعد أبواب " عن يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية به " ولم يقتصر فيه على الغسل بل ذكره كله إلا القصة الأولى وأوله " كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية " والباقي مثله، ولهذه النكتة أورد المصنف طريق فليح عن نافع المقتصرة على القصة الأولى بزيادة ذكر الدهن الذي ليست له رائحة طيبة، ولم يقع في رواية فليح التصريح باستقبال القبلة لكنه من لازم الموجه إلى مكة في ذلك الموضع أن يستقبل القبلة، وقد صرح بالاستقبال في الرواية الأولى وهما حديث واحد، إنما احتاج إلى رواية فليح للنكتة التي بينتها والله أعلم.
وبهذا التقرير يندفع اعتراض الإسماعيلي عليه في إيراده حديث فليح وأنه ليس فيه للاستقبال ذكر، قال المهلب: استقبال القبلة بالتلبية هو المناسب، لأنها إجابة لدعوة إبراهيم، ولأن المجيب لا يصلح له أن يولي المجاب ظهره بل يستقبله، قال: وإنما كان ابن عمر يدهن ليمنع بذلك القمل عن شعره، ويجتنب ما له رائحة طيبة صيانة للإحرام.
*3*
باب التَّلْبِيَةِ إِذَا انْحَدَرَ فِي الْوَادِي
الشرح:
قوله: (باب التلبية إذا انحدر في الوادي) أورد فيه حديث ابن عباس " أما موسى كأني أنظر إليه إذا انحدر إلى الوادي يلبي " وفيه قصة وسيأتي بها الإسناد بأتم من هذا السياق في كتاب اللباس.
وقوله "أما موسى كأني أنظر إليه " قال المهلب: هذا وهم من بعض رواته لأنه لم يأت أثر ولا خبر أن موسى حي وأنه سيحج، إنما أتى ذلك عن عيسى فاشتبه على الراوي، ويدل عليه قوله في الحديث الآخر " ليهلن ابن مريم بفج الروحاء " انتهى، وهو تغليط للثقات بمجرد التوهم، فسيأتي في اللباس بالإسناد المذكور بزيادة ذكر إبراهيم فيه أفيقال إن الراوي غلط فزاده؟ وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي العالية عن ابن عباس بلفظ " كأني أنظر إلى موسى هابطا من الثنية واضعا إصبعيه في أذنيه مارا بهذا الوادي وله جؤار إلى الله بالتلبية، قاله لما مر بوادي الأزرق " واستفيد منه تسمية الوادي، وهو خلف أمج بينه وبين مكة ميل واحد، وأمج بفتح الهمزة والميم وبالجيم قرية ذات مزارع هناك، وفي هذا الحديث أيضا ذكر يونس، أفيقال إن الراوي الآخر غلط فزاد يونس؟ وقد اختلف أهل التحقيق في معني قوله " كأني أنظر " على أوجه: الأول هو على الحقيقة والأنبياء أحياء عند ربهم يرزقون فلا مانع أن يحجوا في هذا الحال كما ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى قائما في قبره يصلي، قال القرطبي: حببت إليهم العبادة فهم يتعبدون بما يجدونه من دواعي أنفسهم لا بما يلزمون به، كما يلهم أهل الجنة الذكر.
ويؤيده أن عمل الآخرة ذكر ودعاء لقوله تعالى: (دعواهم فيها سبحانك اللهم) الآية، لكن تمام هذا التوجيه أن يقال إن المنظور إليه هي أرواحهم، فلعلها مثلت له صلى الله عليه وسلم في الدنيا كما مثلت له ليلة الإسراء، وأما أجسادهم فهي في القبور، قال ابن المنير وغيره: يجعل الله لروحه مثالا فيرى في اليقظة كما يرى في النوم.
ثانيها كأنه مثلت له أحوالهم التي كانت في الحياة الدنيا كيف تعبدوا وكيف حجوا وكيف لبوا، ولهذا قال: " كأني".
ثالثها كأنه أخبر بالوحي عن ذلك فلشدة قطعه به قال: " كأني أنظر إليه".
رابعها كأنها رؤية منام تقدمت له فأخبر عنها لما حج عندما تذكر ذلك، ورؤيا الأنبياء وحي، وهذا هو المعتمد عندي لما سيأتي في أحاديث الأنبياء من التصريح بنحو ذلك في أحاديث أخر، وكون ذلك كان في المنام والذي قبله أيضا ليس ببعيد والله أعلم.
قال ابن المنير في الحاشية: توهيم المهلب للراوي وهم منه، وإلا فأي فرق بين موسى وعيسى لأنه لم يثبت أن عيسى منذ رفع نزل إلى الأرض إنما ثبت أنه سينزل.
قلت أراد المهلب بأن عيسى لما ثبت أنه سينزل كان كالمحقق فقال " كأني أنظر إليه " ولهذا استدل المهلب بحديث أبي هريرة الذي فيه " ليهلن ابن مريم بالحج " والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَذَكَرُوا الدَّجَّالَ أَنَّهُ قَالَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ أَسْمَعْهُ وَلَكِنَّهُ قَالَ أَمَّا مُوسَى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذْ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي يُلَبِّي
الشرح:
قوله: (إذ انحدر) كذا في الأصول وحكى عياض أن بعض العلماء أنكر إثبات الألف وغلط رواته قال: وهو غلط منه إذ لا فرق بين إذا وإذ هنا لأنه وصفه حالة انحداره فيما مضى.
وفي الحديث أن التلبية في بطون الأودية من سنن المرسلين، وأنها تتأكد عند الهبوط كما تتأكد عند الصعود.
(تنبيه) لم يصرح أحد ممن روي هذا الحديث عن ابن عون بذكر النبي صلى الله عليه وسلم قاله الإسماعيلي، ولا شك أنه مراد لأن ذلك لا يقوله ابن عباس من قبل نفسه ولا عن غير النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
*3*
باب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ
أَهَلَّ تَكَلَّمَ بِهِ وَاسْتَهْلَلْنَا وَأَهْلَلْنَا الْهِلَالَ كُلُّهُ مِنْ الظُّهُورِ وَاسْتَهَلَّ الْمَطَرُ خَرَجَ مِنْ السَّحَابِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَهُوَ مِنْ اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ
الشرح:
قوله: (باب كيف تهل الحائض والنفساء) أي كيف تحرم.
قوله: (أهل تكلم به إلخ) هكذا في رواية المستملي والكشميهني.
وليس هذا مخالفا لما قدمناه من أن أصل الإهلال رفع الصوت لأن رفع الصوت يقع بذكر الشيء عند ظهوره.
قوله: (وما أهل لغير الله به وهو من استهلال الصبي) أي أنه من رفع الصوت بذلك فاستهل الصبي أي رفع صوته بالصياح إذا خرج من بطن أمه، وأهل به لغير الله أي رفع الصوت به عند الذبح للأصنام، ومنه استهلال المطر والدمع وهو صوت وقعه بالأرض ومن لازم ذلك الظهور غالبا.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ قَالَتْ فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا
الشرح:
قوله: (فأهللنا بعمرة) قال عياض: اختلفت الروايات في إحرام عائشة اختلافا كثيرا.
قلت: وسيأتي بسط القول فيه بعد بابين في " باب التمتع والقران".
قوله: (فقال انقضي رأسك) هو بالقاف وبالمعجمة.
قوله: (وامتشطي وأهلي بالحج) وهو شاهد الترجمة.
وقد سبق في كتاب الحيض بلفظ " وافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " وسيأتي بقية الكلام عليه بعد هذا.
قوله: (ثم طافوا طوافا آخر) كذا للكشميهني والجرجاني، ولغيرهما " طوافا واحدا " والأول هو الصواب قاله عياض، قال الخطابي: استشكل بعض أهل العلم أمره لها بنقض رأسها ثم بالامتشاط، وكان الشافعي يتأوله على أنه أمرها أن تدع العمرة وتدخل عليها الحج فتصير قارنة، قال: وهذا لا يشاكل القصة.
وقيل إن مذهبها أن المعتمر إذا دخل مكة استباح ما يستبيحه الحاج إذا رمى الجمرة، قال: وهذا لا يعلم وجهه.
وقيل كانت مضطرة إلى ذلك.
قال: ويحتمل أن يكون نقض رأسها كان لأجل الغسل لتهل بالحج لا سيما إن كانت ملبدة فتحتاج إلى نقض الضفر، وأما الامتشاط فلعل المراد به تسريحها شعرها بأصابعها برفق حتى لا يسقط منه شيء ثم تضفره كما كان.