*2*كتاب الحج
*3*
باب وُجُوبِ الْحَجِّ وَفَضْلِهِ
وَقَوْلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ
الشرح:
قوله: (باب وجوب الحج وفضله، وقول الله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) كذا لأبي ذر، وسقط لغيره البسملة وباب، ولبعضهم قوله " وقول الله".
وفي رواية الأصيلي " كتاب المناسك".
وقدم المصنف الحج على الصيام لمناسبة لطيفة تقدم ذكرها في المقدمة.
ورتبه على مقاصد متناسبة: فبدأ بما يتعلق بالمواقيت، ثم بدخول مكة وما معها ثم بصفة الحج، ثم بأحكام العمرة، ثم بمحرمات الإحرام، ثم بفضل المدينة.
ومناسبة هذا الترتيب غير خفية على الفطن.
وأصل الحج في اللغة القصد.
وقال الخليل: كثرة القصد إلى معظم.
وفي الشرع القصد إلى البيت الحرام بأعمال مخصوصة.
وهو بفتح المهملة وبكسرها لغتان، نقل الطبري أن الكسر لغة أهل نجد والفتح لغيرهم، ونقل عن حسين الجعفي أن الفتح الاسم والكسر المصدر، وعن غيره عكسه.
ووجوب الحج معلوم من الدين بالضرورة.
وأجمعوا على أنه لا يتكرر إلا لعارض كالنذر.
واختلف هل هو على الفور أو التراخي؟ وهو مشهور.
وفي وقت ابتداء فرضه فقيل: قبل الهجرة وهو شاذ، وقيل بعدها.
ثم اختلف في سنته فالجمهور على أنها سنة ست لأنها نزل فيها قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) وهذا ينبني على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض، ويؤيده قراءة علقمة ومسروق وإبراهيم النخعي بلفظ " وأقيموا " أخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عنهم، وقيل المراد بالإتمام الإكمال بعد الشروع، وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك.
وقد وقع في قصة ضمام ذكر الأمر بالحج، وكان قدومه على ما ذكر الواقدي سنة خمس، وهذا يدل - إن ثبت - على تقدمه على سنة خمس أو وقوعه فيها، وسيأتي مزيد بسط في الكلام على هذه المسألة في أول الكلام على العمرة.
وأما فضله فمشهور ولا سيما في الوعيد على تركه في الآية، وسيأتي في باب مفرد.
ولكن لم يورد المصنف في الباب غير حديث الخثعمية، وشاهد الترجمة منه خفي، وكأنه أراد إثبات فضله من جهة تأكيد الأمر به بحيث أن العاجز عن الحركة إليه يلزمه أن يستنيب غيره ولا يعذر بترك ذلك، وسيأتي الكلام على حديث الخثعمية والاختلاف في إسناده على الزهري في أواخر محرمات الإحرام.
والمراد منه هنا تفسير الاستطاعة المذكورة في الآية، وأنها لا تختص بالزاد والراحلة يل تتعلق بالمال والبدن، لأنها لو اختصت للزم المعضوب أن يشد على الراحلة ولو شق عليه، قال ابن المنذر: لا يثبت الحديث الذي فيه ذكر الزاد والراحلة، والآية الكريمة عامة ليست مجملة فلا تفتقر إلى بيان، وكأنه كلف كل مستطيع قدر بمال أو ببدن، وسيأتي بيان الاختلاف في ذلك في الكلام على الحديث المذكور إن شاء الله تعالى.
(تقسيم) : الناس قسمان، من يجب عليه الحج ومن لا يجب، الثاني العبد وغير المكلف وغير المستطيع.
ومن لا يجب عليه إما أن يجزئه المأتي به أو لا، الثاني العبد وغير المكلف.
والمستطيع إما أن تصح مباشرته منه أو لا، الثاني غير المميز.
ومن لا تصح مباشرته إما أن يباشر عنه غيره أو لا، الثاني الكافر.
فتبين أنه لا يشترط لصحة الحج إلا الإسلام.
*3*
باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ فِجَاجًا الطُّرُقُ الْوَاسِعَةُ
الشرح:
قوله: (باب قول الله تعالى يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) قيل إن المصنف أراد أن الراحلة ليست شرطا للوجوب.
وقال ابن القصار: في الآية دليل قاطع لمالك أن الراحلة ليست من شرط السبيل، فإن المخالف يزعم أن الحج لا يجب على الراجل وهو خلاف الآية انتهى وفيه نظر، وقد روى الطبري من طريق عمر بن ذر قال: قال مجاهد كانوا لا يركبون فأنزل الله (يأتوك رجالا وعلى كل ضامر) فأمرهم بالزاد ورخص لهم في الركوب والمتجر.
وروى ابن أبي حاتم من طريق محمد بن كعب عن ابن عباس " ما فاتني شيء أشد علي أن لا أكون حججت ماشيا لأن الله يقول (يأتوك رجالا وعلى كل ضامر) فبدأ بالرجال قبل الركبان.
قوله: (فجاجا الطرق الواسعة) قال يحيى الفراء في " المعاني " في سورة نوح: قوله فجاجا واحدها فج وهي الطرق الواسعة.
واعترضه الإسماعيلي فقال: يقال الفج الطريق بين الجبلين، فإذا لم يكن كذلك لم يسم الطريق فحا، كذا قال وهو قول بعض أهل اللغة، وجزم أبو عبيد ثم الأزهري بأن الفج الطريق الواسع، وقد نقل صاحب " المحكم " أن الفج الطريق الواسع في جبل أو في قبل جبل، وهو أوسع من الشعب، وروى ابن أبي حاتم والطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (فجاجا) يقول طرقا مختلفة.
ومن طريق شعبة عن قتادة قال: طرقا وأعلاما.
وقال أبو عبيدة في " المجاز " فج عميق أي بعيد القعر، وهذا تفسير العميق يقال بئر عميقة القعر أي بعيدة القعر.
ثم ذكر المصنف حديث ابن عمر في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته، وحديث جابر نحوه، وسيأتي الكلام عليه بعد أبواب، وغرضه منه الرد على من زعم أن الحج ماشيا أفضل لتقديمه في الذكر على الراكب فبين أنه لو كان أفضل لفعله النبي صلى الله عليه وسلم بدليل أنه لم يحرم حتى استوت به راحلته، ذكر ذلك ابن المنير في الحاشية.
وقال غيره: مناسبة الحديث للآية أن ذا الحليفة فج عميق والركوب مناسب لقوله وعلى كل ضامر.
وقال الإسماعيلي: ليس في الحديثين شيء مما ترجم الباب به، ورد بأن فيهما الإشارة إلى أن الركوب أفضل فيؤخذ منه جواز المشي.
الحديث:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ سَمِعَ عَطَاءً يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ إِهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
الشرح:
قوله: (رواه أنس وابن عباس) أي إهلاله بعدما استوت به راحلته، وسيأتي حديث أنس موصولا في " باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح " وحديث ابن عباس قبله في " باب ما يلبس المحرم من الثياب " في أثناء حديث.
قال ابن المنذر: اختلف في الركوب والمشي للحجاج أيهما أفضل؟ فقال الجمهور: الركوب أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولكونه أعون على الدعاء والابتهال ولما فيه من المنفعة.
وقال إسحاق بن راهويه: المشي أفضل لما فيه من التعب.
ويحتمل أن يقال: يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص فالله أعلم.
(تنبيه) : أحمد بن عيسى شيخ المصنف في حديث ابن عمر وقع هكذا في رواية أبي ذر ووافقه أبو علي الشبوي وأهمله الباقون، وإبراهيم شيخه في حديث جابر وقع مهملا للأكثر وفي رواية أبي ذر حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي وهو الحافظ المعروف بالفراء الصغير.