*3*
باب قَدْرُ كَمْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَنْ أَعْطَى شَاةً
الشرح:
قوله: (باب قدر كم يعطي من الزكاة والصدقة، ومن أعطى شاة) أورد فيه حديث أم عطية في إهدائها الشاة التي تصدق بها عليها.
قال الزين بن المنير: عطف الصدقة على الزكاة من عطف العام على الخاص، إذ لو اقتصر على الزكاة لأفهم أن غيرها بخلافها، وحذف مفعول يعطي اختصارا لكونهم ثمانية أصناف، وأشار بذلك إلى الرد على من كره أن يدفع إلى شخص واحد قدر النصاب، وهو محكي عن أبي حنيفة.
وقال محمد بن الحسن: لا بأس به انتهى.
وقال غيره: لفظ الصدقة يعم الفرض والنفل، والزكاة كذلك لكنها لا تطلق غالبا إلا على المفروض دون التطوع فهي أخص من الصدقة من هذا الوجه، ولفظ الصدقة من حيث الإطلاق على الفرض مرادف الزكاة لا من حيث الإطلاق على النفل، وقد تكرر في الأحاديث لفظ الصدقة على المفروضة ولكن الأغلب التفرقة.
والله أعلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ بُعِثَ إِلَى نُسَيْبَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ بِشَاةٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنْهَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْتُ لَا إِلَّا مَا أَرْسَلَتْ بِهِ نُسَيْبَةُ مِنْ تِلْكَ الشَّاةِ فَقَالَ هَاتِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا
الشرح:
قوله: (بعث إلى نسيبة الأنصارية) هي أم عطية كذا وقع في رواية ابن السكن عن الفربري عن البخاري في آخر هذا الحديث، وكان السياق يقتضي أن يقول " بعث إلي " بلفظ ضمير المتكلم المجرور كما وقع عند مسلم من طريق ابن علية عن خالد، لكنه في هذا السياق وضع الظاهر موضع المضمر إما تجريدا وإما التفاتا، وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في " باب إذا حولت الصدقة " في أواخر كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى.
*3*
باب زَكَاةِ الْوَرِقِ
الشرح:
قوله: (باب زكاة الورق) أي الفضة، يقال " ورق " بفتح الواو وبكسرها وبكسر الراء وسكونها، قال ابن المنير: لما كانت الفضة هي المال الذي يكثر دورانه في أيدي الناس ويروج بكل مكان كان أولى بأن يقدم على ذكر تفاصيل الأموال الزكوية.
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو سَمِعَ أَبَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا
الشرح:
قوله: (عن عمرو بن يحيى المازني) في موطأ ابن وهب " عن مالك أن عمرو بن يحيى حدثه".
قوله: (عن أبيه) في مسند الحميدي عن سفيان " سألت عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني فحدثني عن أبيه " وفي رواية يحيى بن سعيد وهو الأنصاري التي ذكرها المصنف عقب هذا الإسناد التصريح بسماع عمرو وهو ابن يحيى المذكور له من أبيه، وهذا هو السر في إيراده للإسناد خاصة، وقد حكى ابن عبد البر عن بعض أهل العلم أن حديث الباب لم يأت إلا من حديث أبي سعيد الخدري، قال: وهذا هو الأغلب، إلا أنني وجدته من رواية سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، ومن طريق محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن جابر انتهى.
ورواية سهيل في " الأموال لأبي عبيد " ورواية مسلم في " المستدرك " وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن جابر، وجاء أيضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة وأبي رافع ومحمد بن عبد الله بن جحش أخرج أحاديث الأربعة الدارقطني، ومن حديث ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة وأبو عبيد أيضا.
قوله: (خمس ذود) بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد.
قوله: (خمس أواق) زاد مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد " خمس أواق من الورق صدقة " وهو مطابق للفظ الترجمة، وكأن المصنف أراد أن يبين بالترجمة ما أبهم في لفظ الحديث اعتمادا على الطريق الأخرى.
و " أواق " بالتنوين وبإثبات التحتانية مشددا ومخففا جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد التحتانية، وحكى اللحياني " وقية " بحذف الألف وفتح الواو.
ومقدار الأوقية في هذا الحديث أربعون درهما بالاتفاق، والمراد بالدرهم الخالص من الفضة سواء كان مضروبا أو غير مضروب، قال عياض قال أبو عبيد: إن الدرهم لم يكن معلوم القدر حتى جاء عبد الملك بن مروان فجمع العلماء فجعلوا كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، قال: وهذا يلزم منه أن يكون صلى الله عليه وسلم أحال بنصاب الزكاة على أمر مجهول وهو مشكل، والصواب أن معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن شيء منها من ضرب الإسلام وكانت مختلفة في الوزن بالنسبة إلى العدد، فعشرة مثلا وزن عشرة وعشرة وزن ثمانية، فاتفق الرأي على أن تنقش بكتابة عربية ويصير وزنها وزنا واحدا.
وقال غيره: لم يتغير المثقال في جاهلية ولا إسلام، وأما الدرهم فأجمعوا على أن كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم، ولم يخالف في أن نصاب الزكاة مائتا درهم يبلغ مائة وأربعين مثقالا من الفضة الخالصة إلا ابن حبيب الأندلسي فإنه انفرد بقوله: إن كل أهل بلد يتعاملون بدراهمهم.
وذكر ابن عبد البر اختلافا في الوزن بالنسبة إلى دراهم الأندلس وغيرها من دراهم البلاد، وكذا خرق المريسي الإجماع فاعتبر النصاب بالعدد لا الوزن، وانفرد السرخسي من الشافعية بحكاية وجه في المذهب أن الدراهم المغشوشة إذا بلغت قدرا لو ضم إليه قيمة الغش من نحاس مثلا لبلغ نصابا فإن الزكاة تجب فيه كما نقل عن أبي حنيفة، واستدل بهذا الحديث على عدم الوجوب فيما إذا نقص من النصاب ولو حبة واحدة، خلافا لمن سامح بنقص يسير كما نقل عن بعض المالكية.
قوله: (أوسق) جمع وسق بفتح الواو ويجوز كسرها كما حكاه صاحب " المحكم " وجمعه حينئذ أوساق كحمل وأحمال، وقد وقع كذلك في رواية لمسلم، وهو ستون صاعا بالاتفاق، ووقع في رواية ابن ماجه من طريق أبي البختري عن أبي سعيد نحو هذا الحديث وفيه " والوسق ستون صاعا"، وأخرجها أبو داود أيضا لكن قال " ستون مختوما " والدارقطني من حديث عائشة أيضا والوسق ستون صاعا، ولم يقع في الحديث بيان المكيل بالأوسق لكن في رواية مسلم " ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب صدقة " وفي رواية له " ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق " ولفظ " دون " في المواضع الثلاثة بمعنى أقل لا أنه نفى عن غير الخمس الصدقة كما زعم بعض من لا يعتد بقوله.
واستدل بهذا الحديث على وجوب الزكاة في الأمور الثلاثة، واستدل به على أن الزروع لا زكاة فيها حتى تبلغ خمسة أوسق، وعن أبي حنيفة تجب في قليله وكثيره لقوله صلى الله عليه وسلم "فيما سقت السماء العشر " وسيأتي البحث في ذلك في باب مفرد إن شاء الله تعالى.
ولم يتعرض الحديث للقدر الزائد على المحدود، وقد أجمعوا في الأوساق على أنه لا وقص فيها، وأما الفضة فقال الجمهور هو كذلك، وعن أبي حنيفة لا شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى يبلغ النصاب وهو أربعون فجعل لها وقصا كالماشية، واحتج عليه الطبراني بالقياس على الثمار والحبوب، والجامع كون الذهب والفضة مستخرجين من الأرض بكلفة ومؤونة، وقد أجمعوا على ذلك في خمسة أوسق فما زاد.
(فائدة) : أجمع العلماء على اشتراط الحول في الماشية والنقد دون المعشرات.
والله أعلم.
*3*
باب الْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ
وَقَالَ طَاوُسٌ قَالَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَهْلِ الْيَمَنِ ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا وَلَمْ يَخُصَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْ الْعُرُوضِ
الشرح:
قوله: (باب العرض في الزكاة) أي جواز أخذ العرض، وهو بفتح المهملة وسكون الراء بعدها معجمة، والمراد به ما عدا النقدين.
قال ابن رشيد: وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم، لكن قاده إلى ذلك الدليل.
وقد أجاب الجمهور عن قصة معاذ وعن الأحاديث كما سيأتي عقب كل منها.
قوله: (وقال طاوس: قال معاذ لأهل اليمن) هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاوس، لكن طاوس لم يسمع من معاذ فهو منقطع، فلا يغتر بقول من قال ذكره البخاري بالتعليق الجازم فهو صحيح عنده لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه، وأما باقي الإسناد فلا، إلا أن إيراده له في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده، وكأنه عضده عنده الأحاديث التي ذكرها في الباب.
وقد روينا أثر طاوس المذكور في " كتاب الخراج ليحيى بن آدم " من رواية ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة وعمرو بن دينار فرقهما كلاهما عن طاوس.
وقوله "خميص " قال الداودي والجوهري وغيرهما: ثوب خميس بسين مهملة هو ثوب طوله خمسة أذرع، وقيل سمي بذلك لأن أول من عمله الخميس ملك من ملوك اليمن.
وقال عياض: ذكره البخاري بالصاد، وأما أبو عبيدة فذكره بالسين، قال أبو عبيدة: كأن معاذا عنى الصفيق من الثياب.
وقال عياض: قد يكون المراد ثوب خميص أي خميصة، لكن ذكره على إرادة الثوب.
وقوله "لبيس " أي ملبوس فعيل بمعنى مفعول.
وقوله "في الصدقة " يرد قول من قال إن ذلك كان في الخراج، وحكى البيهقي أن بعضهم قال فيه " من الجزية " بدل الصدقة، فإن ثبت ذلك سقط الاستدلال، لكن المشهور الأول، وقد رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس " أن معاذا كان يأخذ العروض في الصدقة " وأجاب الإسماعيلي باحتمال أن يكون المعنى ائتوني به آخذه منكم مكان الشعير والذرة الذي آخذه شراء بما آخذه فيكون بقبضه قد بلغ محله، ثم يأخذ مكانه ما يشتريه مما هو أوسع عندهم وأنفع للآخذ.
قال: ويؤيده أنها لو كانت من الزكاة لم تكن مردودة على الصحابة، وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الصدقة من أغنيائهم فيردها على فقرائهم.
وأجيب بأنه لا مانع من أنه كان يحمل الزكاة إلى الإمام ليتولى قسمتها.
وقد احتج به من يجيز نقل الزكاة من بلد إلى بلد، وهي مسألة خلافية أيضا.
وقيل في الجواب عن قصة معاذ إنها اجتهاد منه فلا حجة فيها، وفيه نظر لأنه كان أعلم الناس بالحلال والحرام، وقد بين له النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن ما يصنع.
وقيل كانت تلك واقعة حال لا دلالة فيها لاحتمال أن يكون علم بأهل المدينة حاجة لذلك وقد قام الدليل على خلاف عمله ذلك.
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي: كانوا يطلقون على الجزية اسم الصدقة فلعل هذا منها.
وتعقب بقوله " مكان الشعير والذرة " وما كانت الجزية حينئذ من أولئك من شعير ولا ذرة إلا من النقدين.
وقوله "أهون عليكم " أراد معنى تسلط السهولة عليهم فلم يقل أهون لكم.
وقوله "وخير لأصحاب محمد " أي أرفق بهم لأن مؤونة النقل ثقيلة فرأى الأخف في ذلك خيرا من الأثقل.
قوله: (وقاله النبي صلى الله عليه وسلم وأما خالد) هو طرف من حديث لأبي هريرة أوله " أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة، فقيل منع ابن جميل " الحديث وسيأتي موصولا في " باب قول الله وفي الرقاب " مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
قوله: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم تصدقن ولو من حليكن فلم يستثن صدقة الفرض من غيرها، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها، ولم يخص الذهب والفضة من العروض) أما الحديث فطرف من حديث لابن عباس أخرجه المصنف بمعناه وقد تقدم في العيدين، وهو عند مسلم بلفظه من طريق عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وأوله " خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى " الحديث وفيه " فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها " والخرص بضم المعجمة وسكون الراء بعدها مهملة الحلقة التي تجعل في الأذن، وقد ذكره المصنف موصولا في آخر الباب لكن لفظه " فجعلت المرأة تلقي، وأشار أيوب إلى أذنه وحلقه " وقد وقع تفسير ذلك بما ذكره في الترجمة من قوله " تلقي خرصها وسخابها " لأن الخرص من الأذن والسخاب من الحلق، والسخاب بكسر المهملة بعدها معجمة وآخره موحدة القلادة.
وقوله "فلم يستثن " وقوله " فلم يخص " كل من الكلامين للبخاري ذكرهما بيانا لكيفية الاستدلال على أداء العرض في الزكاة، وهو مصير منه إلى أن مصارف الصدقة الواجبة كمصارف صدقة التطوع بجامع ما فيهما من قصد القربة، والمصروف إليهم بجامع الفقر والاحتياج، إلا ما استثناه الدليل.
وأما من وجهه فقال: لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالصدقة في ذلك اليوم وأمره على الوجوب صارت صدقة واجبة، ففيه نظر لأنه لو كان للإيجاب هنا لكان مقدرا وكانت المجازفة فيه وقبول ما تيسر غير جائز.
ويمكن أن يكون تمسك بقوله " تصدقن " فإنه مطلق يصلح لجميع أنواع الصدقات واجبها ونفلها وجميع أنواع المتصدق به عينا وعرضا، ويكون قوله " ولو من حليكن " للمبالغة أي ولو لم تجدن إلا ذلك.
وموضع الاستدلال منه للعرض قوله " وسخابها " لأنه قلادة تتخذ من مسك وقرنفل ونحوهما تجعل في العنق، والبخاري فيما عرف بالاستقراء من طريقته يتمسك بالمطلقات تمسك غيره بالعمومات.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ
الشرح:
ح حديث أنس أن أبا بكر كتب له، وسيأتي معظمه في " باب زكاة الغنم " وموضع الدلالة منه قبول ما هو أنفس مما يجب على المتصدق وإعطاؤه التفاوت من جنس غير الجنس الواجب، وكذا العكس، لكن أجاب الجمهور عن ذلك بأنه لو كان كذلك لكان ينظر إلى ما بين الشيئين في القيمة، فكان العرض يزيد تارة وينقص أخرى لاختلاف ذلك في الأمكنة والأزمنة، فلما قدر الشارع التفاوت بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص كان ذلك هو الواجب في الأصل في مثل ذلك، ولولا تقدير الشارع بذلك لتعينت بنت المخاض مثلا ولم يجز أن تبدل بنت لبون مع التفاوت.
والله أعلم