باب مَنْ جَلَسَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ الشرح:
قوله: (باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن) يعرف مبني للمجهول و " من " موصولة والضمير لها، ويحتمل أن يكون لمصدر جلس أي جلوسا يعرف، ولم يفصح المصنف بحكم هذه المسألة ولا التي بعدها حيث ترجم " من لم يظهر حزنه عند المصيبة " لأن كلا منهما قابل للترجيح، أما الأول فلكونه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والثاني من تقريره، وما يباشره بالفعل أرجح غالبا.
وأما الثاني فلأنه فعل أبلغ في الصبر وأزجر للنفس فيرجح، ويحمل فعله صلى الله عليه وسلم المذكور على بيان الجواز ويكون فعله في حقه قي تلك الحالة أولى.
وقال الزين بن المنير ما ملخصه: موقع هذه الترجمة من الفقه أن الاعتدال في الأحوال هو المسلك الأقوم فمن أصيب بمصيبة عظيمة لا يفرط في الحزن حتى يقع في المحذور من اللطم والشق والنوح وغيرها، ولا يفرط في التجلد حتى يفضي إلى القسوة والاستخفاف بقدر المصاب، فيقتدي به صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة بأن يجلس المصاب جلسة خفيفة بوقار وسكينة تظهر عليه مخايل الحزن ويؤذن بأن المصيبة عظيمة.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ شَقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ لَمْ يُطِعْنَهُ فَقَالَ انْهَهُنَّ فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ قَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَالَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ فَقُلْتُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَتْرُكْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَنَاءِ
الشرح:
قوله: (حدثنا عبد الوهاب) هو ابن عبد المجيد الثقفي ويحيي هو ابن سعيد الأنصاري.
قوله: (لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم) هو بالنصب على المفعولية والفاعل قوله: (قتل ابن حارثة) ، وهو زيد، وأبوه بالمهملة والمثلثة، وجعفر هو ابن أبي طالب، وابن رواحة هو عبد الله، وكان قتلهم في غزوة مؤتة كما تقدم ذكره في رابع باب من كتاب الجنائز، ووقع تسمية الثلاثة في رواية النسائي من طريق معاوية بن صالح عن يحيي بن سعد، وساق مسلم إسناده دون المتن.
قوله: (جلس) زاد أبو داود من طريق سليمان بن كثير عن يحيي " في المسجد".
قوله: (يعرف فيه الحزن) قال الطيبي: كأنه كظم الحزن كظما فظهر منه ما لا بد للجبلة البشرية منه.
قوله: (صائر الباب) بالمهملة والتحتانية وقع تفسيره في نفس الحديث شق الباب وهو بفتح الشين المعجمة أي الموضع الذي ينظر منه، ولم يرد بكسر المعجمة أي الناحية إذ ليست مرادة هنا قاله ابن التين.