الشرح:
قوله: (باب رفع الإمام يده في الاستسقاء) ثبتت هذه الترجمة في رواية الحموي والمستملي، قال ابن رشيد: مقصوده بتكرير رفع الإمام يده - وإن كانت الترجمة التي قبلها تضمنته - لتفيد فائدة زائدة وهي أنه لم يكن يفعل ذلك إلا في الاستسقاء، قال: ويحتمل أن يكون قصد التنصيص بالقصد الأول على رفع الإمام يده كما قصد التنصيص في الترجمة الأولى بالقصد الأول على رفع الناس، وإن اندرج معه رفع الإمام.
قال: ويجوز أن يكون قصد بهذه كيفية رفع الإمام يده لقوله " حتى يرى بياض إبطيه " انتهى.
وقال الزين بن المنير ما محصله: لا تكرار في هاتين الترجمتين، لأن الأولى لبيان اتباع المأمومين الإمام في رفع اليدين، والثانية لإثبات رفع اليدين للإمام في الاستسقاء.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ
الشرح:
قوله: (عن سعيد) هو ابن أبي عروبة.
قوله: (عن قتادة عن أنس) في رواية يزيد بن زريع عن سعيد " عن قتادة أن أنسا حدثهم " كما سيأتي في صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (إلا في الاستسقاء) ظاهره نفي الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء، وهو معارض بالأحاديث الثابتة بالرفع في غير الاستسقاء وقد تقدم أنها كثيرة، وقد أفردها المصنف بترجمة في كتاب الدعوات وساق فيها عدة أحاديث، فذهب بعضهم إلى أن العمل بها أولى، وحمل حديث أنس على نفي رؤيته، وذلك لا يستلزم نفي روية غيره.
وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس المذكور لأجل الجمع بأن يحمل النفي على صفة مخصوصة إما الرفع البليغ فيدل عليه قوله " حتى يرى بياض إبطيه " ويؤيده أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد به مد اليدين وبسطهما عند الدعاء، وكأنه عند الاستسقاء مع ذلك زاد فرفعهما إلى جهة وجهة حتى حادتاه وبه حينئذ يرى بياض إبطيه، وأما صفة اليدين في ذلك فلما رواه مسلم من رواية ثابت عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء " ولأبي داود من حديث أنس أيضا " كان يستسقى هكذا ومد يديه - وجعل بطونهما مما يلي الأرض - حتى رأيت بياض إبطيه " قال النووي: قال العلماء: السنة في كل دعاء لرفع البلاء أن يرفع يديه جاعلا ظهور كفيه إلى السماء، وإذا دعا بسؤال شيء وتحصيله أن يجعل كفيه إلى السماء.
انتهى.
وقال غيره: الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء دون غيره للتفاؤل بتقلب الحال ظهرا لبطن كما قيل في تحويل الرداء، أو هو إشارة إلى صفة المسئول وهو نزول السحاب إلى الأرض.
*3*
باب مَا يُقَالُ إِذَا مَطَرَتْ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَصَيِّبٍ الْمَطَرُ وَقَالَ غَيْرُهُ صَابَ وَأَصَابَ يَصُوبُ
الشرح:
قوله: (باب ما يقال) يحتمل أن تكون " ما " موصولة أو موصوفة أو استفهامية.
قوله: (إذا مطرت) كذا لأبي ذر من الثلاثي وللباقين " أمطرت " من رباعي وهما بمعنى عند الجمهور، وقيل: يقال مطر في الخير وأمطر في الشر.
قوله: (وقال ابن عباس: كصيب المطر) وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه بذلك وهو قول الجمهور.
وقال بعضهم: الصيب السحاب، ولعله أطلق ذلك مجازا.
قال ابن المنير: مناسبة أثر ابن عباس لحديث عائشة لما وقع في حديث الباب المرفوع قوله " صيبا " قدم المصنف تفسيره في الترجمة، وهذا يقع له كثيرا.
وقال أخوه الزين: وجه المناسبة أن الصيب لما جرى ذكره في القرآن قرن بأحوال مكروهة، ولما ذكر في الحديث وصف بالنفع فأراد أن يبين بقول ابن عباس أنه المطر وأنه ينقسم إلى نافع وضار.
قوله: (وقال غيره: صاب وأصاب يصوب) كذا وقع في جميع الروايات، وقد استشكل من حيث أن يصوب مضارع صاب، وأما أصاب فمضارعه يصيب، قال أبو عبيدة الصيب تقديره من الفعل سيد وهو من صاب يصوب فلعله كان في الأصل وانصاب كما حكاه صاحب المحكم فسقطت النون كما سقطت ينصاب بعد يصوب، أو المراد ما حكاه صاحب الأفعال صاب المطر يصوب إذا نزل فأصاب الأرض فوقع فيه تقديم وتأخير.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا تَابَعَهُ الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَعُقَيْلٌ عَنْ نَافِعٍ
الشرح:
قوله: (حدثنا محمد) هو ابن مقاتل، وعبد الله هو ابن المبارك، وعبيد الله هو ابن عمر العمري، ونافع مولى ابن عمر، والقاسم بن محمد، أي ابن أبي بكر الصديق، وقد سمع نافع من عائشة ونزل في هذه الرواية عنها، وكذا سمع عبيد الله من القاسم ونزل في هذه الرواية عنه، مع أن معمرا قد رواه عن عبيد الله بن عمر عن القاسم نفسه بإسقاط نافع من السند أخرجه عبد الرزاق عنه.
قوله: (اللهم صيبا نافعا) كذا في رواية المستملي وسقط اللهم لغيرهما.
وصيبا منصوب بفعل مقدر أي اجعله، ونافعا صفة للصيب وكأنه احترز بها عن الصيب الضار.
وهذا الحديث من هذا الوجه مختصر، وقد أخرجه مسلم من رواية عطاء عن عائشة تاما ولفظه " كان إذا كان يوم ريح عرف ذلك في وجهه ويقول إذا رأى المطر رحمة " وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق شريح بن هانئ عن عائشة أوضح منه ولفظه " كان إذا رأى ناشئا في أفق السماء ترك العمل، فإن كشف حمد الله فإن أمطرت قال: اللهم صيبا نافعا " وسيأتي للمصنف في أوائل بدء الخلق من رواية عطاء أيضا عن عائشة مقتصرا على معنى الشق الأول وفيه " أقبل وأدبر وتغير وجهه " وفيه " وما أدري لعله كما قال قوم عاد (هذا عارض) الآية " وعرف برواية شريح أن الدعاء المذكور يستحب بعد نزول المطر للازدياد من الخير والبركة مقيدا بدفع ما يحذر من ضرر.
قوله: (تابعه القاسم بن يحيى) أي ابن عطاء بن مقدم المقدمي عن عبيد الله بن عمر المذكور بإسناده ولم أقف على هذه الرواية موصولة.
وقد أخرج البخاري في التوحيد عن مقدم بن محمد عن عمه القاسم ابن يحيى بهذا الإسناد حديثا غير هذا، وزعم مغلطاي أن الدار قطني وصل هذه المتابعة في غرائب الأفراد من رواية يحيى عن عبيد الله.
قلت: ليس ذلك مطابقا إلا إن كان نسخته سقط منها من متن البخاري لفظ القاسم بن يحيى.
قوله: (ورواه الأوزاعي وعقيل عن نافع) يعني كذلك، فأما رواية الأوزاعي فأخرجها النسائي في " عمل يوم وليلة " عن محمود بن خالد عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي بهذا ولفظه " هنيئا " بدل نافعا، ورويناها في " الغيلانيات " من طريق دحيم عن الوليد وشعيب هو ابن إسحاق قالا حدثنا الأوزاعي حدثني نافع فذكره، وكذلك وقع في رواية ابن أبي العشرين عن الأوزاعي حدثني نافع أخرجه ابن ماجة، وزال بهذا ما كان يخشى من تدليس الوليد وتسويته، وقد اختلف فيه على الأوزاعي اختلافا كثيرا ذكره الدار قطني في العلل وأرجحها هذه الرواية، ويستفاد من رواية دحيم صحة سماع الأوزاعي عن نافع، خلافا لمن نفاه.
وأما رواية عقيل فذكرها الدار قطني أيضا.
قال الكرماني: قال أولا تابعه القاسم ثم قال ورواه الأوزاعي، فكان تغير الأسلوب لإفادة العموم في الثاني، لأن الرواية أعم من أن تكون على سبيل المتابعة أم لا، فيحتمل أن يكونا روياه عن نافع كما رواه عبيد الله، ويحتمل أن يكونا روياه على صفة أخرى، انتهى.
وما أدري لم ترك احتمال أنه صنع ذلك للتفنن في العبارة مع أنه الواقع في نفس الأمر لما بينا من أن رواية الجميع متفقة لأن الخلاف الذي ذكره الدار قطني إنما يرجع إلى إدخال واسطة بين الأوزاعي ونافع أو لا، والبخاري قد قيد رواية الأوزاعي بكونها عن نافع، والرواة لم يختلفوا في أن نافعا رواه عن القاسم عن عائشة، فظهر بهذا كونها متابعة لا مخالفة، وكذلك رواية عقيل، لكن لما كانت متابعة القاسم أقرب من متابعتهما لأنه تابع في عبيد الله وهما تابعا في شيخه حسن أن يفردها منهما ولما أفردها تفنن في العبارة.
*3*
باب مَنْ تَمَطَّرَ فِي الْمَطَرِ حَتَّى يَتَحَادَرَ عَلَى لِحْيَتِهِ
الشرح:
قوله: (باب من تمطر) بتشديد الطاء أي تعرض لوقوع المطر، وتفعل يأتي لمعان أليقها هنا أنه بمعنى مواصلة العمل في مهلة نحو تفكر، ولعله أشار إلى ما أخرجه مسلم من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال " حسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه المطر وقال لأنه حديث عهد بربه " قال العلماء: معناه قريب العهد بتكوين ربه، وكأن المصنف أراد أن يبين أن تحادر المطر على، لحيته صلى الله عليه وسلم لم يكن اتفاقا وإنما كان قصدا فلذلك ترجم بقوله من تمطر " أي قصد نزول المطر عليه، لأنه لو لم يكن باختياره لنزل عن المنبر أول ما وكف السقف، لكنه تمادى في خطبته حتى كثر نزوله بحيث تحادر على لحيته صلى الله عليه وسلم.
الحديث:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ قَالَ فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالُ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ قَالَ فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَفِي الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا قَالَ فَمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ السَّمَاءِ إِلَّا تَفَرَّجَتْ حَتَّى صَارَتْ الْمَدِينَةُ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ حَتَّى سَالَ الْوَادِي وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا قَالَ فَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ
الشرح:
قد مضى الكلام على حديث أنس مستوفى في " باب تحويل الرداء".
*3*
باب إِذَا هَبَّتْ الرِّيحُ
الشرح:
قوله: (باب إذا هبت الريح) أي ما يصنع من قول أو فعل.
قيل وجه دخول هذه الترجمة في أبواب الاستسقاء أن المطلوب بالاستسقاء نزول المطر، والريح في الغالب تعقبه، وقد سبق قريبا التنبيه على إيضاح ما يصنع عند هبوبها.
ووقع في حديث عائشة الآتي في بدء الخلق ووقع عند أبي يعلى بإسناد صحيح عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا هاجت ريح شديدة قال: " اللهم إني أسألك من خير ما أمرت به، وأعوذ بك من شر ما أمرت به " وهذه زيادة على رواية حميد يجب قبولها لثقة رواتها وفي الباب عن عائشة عند الترمذي، وعن أبي هريرة عند أبي داود والنسائي، وعن ابن عباس عند الطبراني وعن غيرهم.
والتعبير في هذه الرواية في وصف الريح بالشديدة يخرج الريح الخفيفة والله أعلم.
وفيه الاستعداد بالمراقبة لله، والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه.
*3*
باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُصِرْتُ بِالصَّبَا
الشرح:
قوله: (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبا) قال الزين بن المنير: في هذه الترجمة إشارة إلى تخصيص حديث أنس الذي قبله بما سوى الصبا من جميع أنواع الريح لأن قضية نصرها له أن يكون مما يسر بها دون غيرها، ويحتمل أن يكون حديث أنس على عمومه إما بأن يكون نصرها له متأخرا عن ذلك لأن ذلك وقع في غزوة الأحزاب وهو المراد بقوله تعالى (فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها) كما جزم به مجاهد وغيره وإما بأن يكون نصرها له بسبب إهلاك أعدائه فيخشى من هبوبها أن تهلك أحدا من عصاة أمته وهو كان بهم رءوفا رحيما صلى الله عليه وسلم.
وأيضا فالصبا تؤلف السحاب وتجمعه، فالمطر في الغالب يقع حينئذ، وقد وقع في الخبر الماضي أنه كان إذا أمطرت سرى عنه، وذلك يقتضي أن تكون الصبا أيضا مما يقع التخوف عند هبوبها فيعكر ذلك على التخصيص المذكور، والله أعلم.
^الحديث:
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ
الشرح:
قوله: (حدثنا مسلم) هو ابن إبراهيم.
قوله: (بالصبا) بفتح المهملة بعدها موحدة مقصورة يقال لها القبول بفتح القاف لأنها تقابل باب الكعبة إذ مهبها من مشرق الشمس، وضدها الدبور وهي التي أهلكت بها قوم عاد، ومن لطيف المناسبة كون القبول نصرت أهل القبول وكون الدبور أهلكت أهل الإدبار، وأن الدبور أشد من الصبا لما سنذكره في قصة عاد أنها لم يخرج منها إلا قدر يسير ومع ذلك استأصلتهم، قال الله تعالى (فهل ترى لهم من باقية) .
ولما علم الله رأفة نبيه صلى الله عليه وسلم بقومه رجاء أن يسلموا سلط عليهم الصبا فكانت سبب رحيلهم عن المسلمين لما أصابهم بسببها من الشدة، ومع ذلك فلم تهلك منهم أحدا ولم تستأصلهم.
ومن الرياح أيضا الجنوب والشمال، فهذه الأربع تهب من الجهات الأربع، وأي ريح هبت من بين جهتين منها يقال لها النكباء بفتح النون وسكون الكاف بعدها موحدة ومد، وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في بدء الخلق إن شاء الله تعالى.
*3*
باب مَا قِيلَ فِي الزَّلَازِلِ وَالْآيَاتِ
الشرح:
قوله: (باب ما قيل في الزلازل والآيات) قيل لما كان هبوب الريح الشديدة يوجب التخوف المفضي إلى الخشوع والإنابة كانت الزلزلة ونحوها من الآيات أولى بذلك، لا سيما وقد نص في الخبر على أن أكثر الزلازل من أشراط الساعة.
وقال الزين بن المنبر: وجه إدخال هذه الترجمة في أبواب الاستسقاء أن وجود الزلزلة ونحوها يقع غالبا مع نزول المطر، وقد تقدم لنزول المطر دعاء يخصه فأراد المصنف أن يبين أنه لم يثبت على شرطه في القول عند الزلازل ونحوها شيء، وهل يصلي عند وجودها؟ حكى ابن المنذر فيه الاختلاف، وبه قال أحمد وإسحاق وجماعة، وعلق الشافعي القول به على صحة الحديث عن علي، وصح ذلك عن ابن عباس أخرجه عبد الرزاق وغيره.
وروى ابن حبان في صحيحه من طريق عبيد بن عمير عن عائشة مرفوعا " صلاة الآيات ست ركعات وأربع سجدات " ثم أورد المصنف في هذا الباب حديثين: أحدهما حديث أبي هريرة من طريق أبي الزناد عن عبد الرحمن وهو ابن هرمز الأعرج عنه مرفوعا: " لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل " الحديث، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الفتن فإنه أخرج هذا الحديث هناك مطولا، وذكر منه قطعا هنا وفي الزكاة وفي الرقاق.
واختلف في قوله " يتقارب الزمان " فقيل على ظاهره فلا يظهر التفاوت في الليل والنهار بالقصر والطول، وقيل المراد قرب يوم القيامة.
، وقيل تذهب البركة فيذهب اليوم والليلة بسرعة، وقيل المراد يتقارب أهل ذلك الزمان في الشر وعدم الخير وقيل تتقارب صدور الدول وتطول صلى الله عليه وسلم مدة أحد لكثرة الفتن.
وقال النووي في شرح قوله " حتى يقترب الزمان " معناه حتى تقرب القيامة، ووهاه الكرماني وقال هو من تحصيل الحاصل، وليس كما قال بل معناه قرب الزمان العام من الزمان الخاص وهو يوم القيامة، وعند قربه يقع ما ذكر من الأمور المنكرة صلى الله عليه وسلم.
الحديث الثاني حديث ابن عمر " اللهم بارك لنا في شامنا " الحديث وفيه " قالوا وفي نجدنا.
قال: هناك الزلازل والفتن " هكذا وقع في هذه الروايات التي اتصلت لنا بصورة الموقوف عن ابن عمر قال " اللهم بارك " لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال القابسي: سقط ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من النسخة، ولا بد منه لأن مثله لا يقال بالرأي، انتهى.
وهو من رواية الحسين بن الحسن البصري من آل مالك بن يسار عن عبد الله بن عون عن نافع، ورواه أزهر السمان عن ابن عون مصرحا فيه بذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في كتاب الفتن، ويأتي الكلام عليه أيضا هناك، ونذكر فيه من وافق أزهر على التصريح برفعه إن شاء الله تعالى وقوله فيه " قالوا وفي نجدنا " قائل ذلك بعض من حضر من الصحابة كما في الحديث الآخر عند الدعاء للمحلقين " قالوا والمقصرين".