ومن مفارقات قانون تشجيع الاستثمار الزراعي الخاص لسنة 1980 انه قد منح التصديق وما لحق به من امتيازات وإعفاءات لأغراض قد تكون غير منتجة رغم استهداف القانون بتشجيع الاستثمار وفق أسس رأسمالية، إذ أن معظم الذين حصلوا علي امتياز الشركات الزراعية الكبرى قاموا باستخدام الامتيازات والإعفاءات الممنوحة لهم كوسيلة للإثراء السريع بأشكال طفيلية متنوعة مثال ذلك :- استيراد السلع والبضائع وكأنها تمثل جزءا من مكونات الشركة الزراعية الكبرى، كما تم التصديق عليها و فق المواصفات التي تنطبق عليها شروط التصديق تم بيع تلك السلع والبضائع في السوق المحلي وجنى الأرباح الطائلة من وراء ذلك، أو استخدام الامتياز الممنوح للتعامل مع الشركات الأجنبية عن طريق الوكالة، أو إبرام عقود اتفاق مع الشركات الأجنبية بواسطة شركات استثمارية محلية تخصصت في القيام بدور السمسرة في تصديق البضائع الكاسدة لتلك الشركات في السوق المحلي، أيضا ثم اقتسام الأرباح بالطريقة التي يتم الاتفاق عليها أو بتنظيم صفقات تجارية بالمقايضة مع نفس الاحتكارات للقيام بتصدير منتجات من الحاصلات الزراعية للبلاد لتعامل وكأنما هي منتجات للمشروع الوهمي بينما هي في حقيقة الأمر سلعا تخص صغار المنتجين بالقطاع المعيشي يتم تجميعها منهم بأساليب استغلالية بشعة، ويستخدم عائد المقايضة بعد ذلك في جلب السلع البذخية أو الآليات والمعدات التي تدر العائد المجزي والسريع كالشاحنات التي تقوم بنقل مواد الإغاثة مثلا، هذا إذا لم يتم تهريب تلك الصادرات الي دول الجوار كما يتضح مثلا من النظر إلى إحصائيات صادرات السودان من المواشي للسعودية ، وواردات السعودية لنفس السلع في السودان000 وهكذا0000
ومما يؤكد ما ذهبنا إليه في الأمثلة الواردة أعلاه المفارقة الواضحة بين مكونات دراسات الجدوى للمشاريع المصدقة ومعدلات تنفيذ الاستثمارات بتلك المشروعات ، إذ ليس هناك ما يلزم أصحاب الشركات الكبرى بالتقييد بإنجاز تلك الاستثمارات في فترة زمنية محددة ، ووفق جدول زمني متفق عليه مسبقا مع الجهات المعنية ، بعد الحصول علي حق الانتفاع بالمشروع وما تبعه من مزايا ، خاصة وان قطاع الدولة حتى بشكله البيروقراطي قد اصبح مقعدا بعد أن تم تجريده من كل القدرات والإمكانيات التي تؤهله للقيام ولو بدور الرقابة الإدارية فقط ، ناهيك عن الاستقلالية في اتخاذ القرارات وفق مقتضيات الصالح العام.
وفي المرحلة الثانية من الفترة الثالثة والأخيرة قامت حكومة الإنقاذ بتكرار ذات السياسات الزراعية التي أقعدت القطاع المطري الآلي عن القيام بدوره في تأمين الاحتياجات الغذائية الضرورية لسكان البلاد وصيانة الموارد الطبيعية ( الموارد المائية ، الثروة الحيوانية والمراعي ، الغابات ) من خلال الاستخدام المتوارث والمتكامل الإمكانات المتاحة 000 وواصلت حكومة الجبهة سياسة الاستيلاء علي الأرض التي تبنتها الحكومات السابقة مستعينة علي ذلك باتخاذ سلسلة من التدابير والتي شملت إصدار قانون تشجيع الاستثمار لسنة 1990م وتعديل قانون الأراضي غير المسجلة لعام 1970 بقانون المعاملات المدنية لعام 1990م ، مما لم يغير من طبيعة علاقات الدولة بملكية الأراضي بل زاد في امتيازات الدولة والأفراد المرتبطين بها علي حساب مواطني الأقاليم 0000 وقد ورد في دراسة قام بأعدادها جمال واخرون حول حقوق الأراضي والموارد الطبيعية واصلاح الأراضي .أن الهيئة العامة للاستثمار التي أنشئت بموجب قانون تشجيع الاستثمار لعام 1990 قد خصصت في إطار البرنامج الثلاثي للإنقاذ الاقتصادي (1990-1993م) " ملايين الافدنة الزراعية في مناطق كردفان وجبال النوبة والنيل الأزرق والنيل الأبيض واعالي النيل " علي شركات وأفراد وخليط من " أنصار الحكومة وكوادر الجبهة والإسلاميين العرب" مما مثل تجاوزا لكل الحقوق التاريخية للقبائل الزراعية والرعوية " التي كانت تستخدم تلك الأراضي لكسب قوتها . وبناء علي تعديلات قانون المعاملات المدنية حرم علي الجهاز القضائي النظر في الشكاوى المقدمة من قبل الأطراف المتضررة من تلك القبائل ، بينما تم تعزيز القدرات الاحتكارية للمستثمرين الجدد بإزالة كل العقبات الإدارية والقانونية والاقتصادية من طريقهم لتمكينهم من الانطلاق في نهب خيرات القطاع التقليدي من خلال الاتجار بمنتجاته ذات الميزة النسبية المرتفعة مقارنة ببقية الفروع الزراعية ( تجارة الفحم النباتي ، الثروة الحيوانية ، الصمغ العربي ، الحبوب الزيتية 000 الخ)