![]() |
الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
يتميز القطاع الزراعي السوداني ، في ظل الظروف التاريخية التي تطورت فيها القضية الزراعية بالبلاد ، بعدد من الخصائص التي تعبر عن تداخل وتعايش مجموعة تناقضات ملازمة لأنماط الإنتاج ( الزراعي ) السائدة ، مع التناقضات الملازمة لاقتصاد بلد متُخلف نشأ في أحضان الاستعمار القديم ، وترعرع حتى كاد أن يبلغ سن الشيخوخة ، في ظل الاستسلام المساير لروح العولمة الجديدة.
أولى هذه الخصائص تتمثل في توجيه الجزء الغالب من الاستثمارات الزراعية إلى مناطق فئات اجتماعية بعينها ، مما فاقم من الاختلال الجغرافي للاستثمارات ، وساهم في تغذية التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية بين مختلف قطاعات وطوائف البلاد ، واجبر الفئات الاجتماعية المهمة في كافة إنحاء البلاد ، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا – علي حمل السلاح لرد المظالم. وهناك خصائص أخري مرتبطة بالتطور المشوه للإنتاج الزراعي . وتتجلي السمات الرئيسية المميزة لهذا التطور في الإنتاج الزراعي فيما يمكن إيجازه في انعدام التوازن بين وداخل كل في شقي الإنتاج والحيواني والنباتي( مع قلة العناية بالثروة الغابية كذلك ) والتوسع اللاعقلاني في الزراعة التجارية المصحوب بإقصاء ، بل بإبادة – تكاد تكون جماعية - للزراعة المعيشية ، وفي الترسيخ المستمر لسياسة التوسع الأفقي ، بدلا من الاهتمام الجدى بسياسة التوسع الرأسي. الوضع الزراعي العام يشير واقع القوى المنتجة في الزراعة السودانية إلى أن القطاع الزراعي اكثر قطاعات الاقتصاد الوطني ، فحصته من الدخل القومي تتدني باستمرار ، ومعدلات النمو فيه ادني من معدلات نمو القطاعات الأخرى ، ومستوى دخل العاملين فيه ادني من مستوى دخول العاملين في القطاعات الأخرى ، ولا تستثمر إمكانات السودان الزراعية إلا جزئيا ، سواء في مجال استثمار الأراضي الصالحة لزراعة المحاصيل أو المراعي الصالحة لتربية المواشي ، ام في ميدان استخدام المياه للري أو في مجال استخدام وسائل الإنتاج الحديثة. والنتيجة أن السودان لا يسد إلا جزءا من حاجاته للمواد الغذائية والمواد الأولية ويزيد ضعف القطاع الزراعي في تشويه بنية الاقتصاد السوداني وسنري فيما يلي من استعراض لهذه الأمور بشكل مفصل كيف أن علاقات الإنتاج السائدة والسياسات الاقتصادية الزراعية للحكومات المتعاقبة علي السودان منذ استقلاله في عام 1956هما السبب الأساسي في ذلك. وبالنظر إلى نمو توزيع إجمالي الناتج المحلي علي صعيد القطاعات الاقتصادية الرئيسية منذ الاستقلال وحتى نهاية القرن العشرين يبدو أن حصة القطاع الزراعي في إجمالي الناتج المحلي آخذة في التناقص، بينما كانت تلك الحصة 62% في عام 56، أصبحت في المتوسط حوالي 46% في عقدي الستينات والسبعينات ثم انخفضت إلى نحو 37% خلال فترة عقدي الثمانينات والتسعينات. وعموما يعني تدني نسبة الحصة الزراعية في الدخل الوطني من فترة لأخرى واتجاهها نحو الهبوط في البلدان المتقدمة تطورالزراعة واحتلال الصناعة للقسم الأكبرمن الإنتاج الوطني . ولكن في السودان الأمر يختلف . فالصناعة لم تساهم إلا بحوالي12%و 16% من إجمالي الناتج المحلي علي التوالي خلال فترتي الستينات والسبعينات ، والثمانينات والتسعينات , وهذا يعني أن الصناعة والزراعة معا لا تعطيان سوي 55% تقريبا من إجمالي الناتج المحلي , والباقي (45%) يأتي من قطاع الخدمات ، أي أن الاقتصاد السوداني اقتصاد مكشوف قائم علي أسس غير ثابتة، ومعرض للكوارث والنكبات خاصة في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة المتسمة بالتعقيد وعدم الاستقرار. كذلك يتطلب تطوير الزراعة وقطاع منتج، توظيفات استثمارية هائلة لإزالة التشوهات التي علقت به من جراء اتباع سياسات إنتاجية خاطئة بتركيزها علي القطاعين المروي والآلي المطري مع إهمالها للقطاع التقليدي. وبالتوسع في المحاصيل النقدية علي حساب المحاصيل الغذائية وبتجاهل الثروة الحيوانية والغابات.. الخ. وطالما أن الفائض الاقتصادي يوجد ويتراكم، وبوتيرة متزايدة، لدي قلة من المؤسسات الرأسمالية الخاصة التي تهتم بالمصلحة الخاصة وبزيادة معدل الأرباح علي نحو عاجل اكثر من اهتمامها بالمصلحة العامة وبزيادة الاستثمارات المنتجة، فان توظيف المدخرات النقدية والحقيقية المتراكمة علي قلتها وقد ارتبط بصورة متزايدة بالتوسع في نشاطات قطاع الخدمات ( البنوك، التشييد، التجارة.. الخ) علي حساب القطاعات المنتجة، والالتهام المتعاظم للأرباح بواسطة الشركات التجارية الكبيرة التي تسيطر علي العمل التجاري في مجال الخدمات الزراعية والمجالات الأخرى. ويؤثر في واقع الانتفاع بحقوق ملكية الأرض ( سواء أكانت عامة أو خاصة) في نفس الاتجاه ففقراء المزارعين وصغار المنتجين لا يمتلكون القدرة علي توظيف رساميل عالية ، وهم عاجزون عن استخدام وسائل إنتاج حديثة علي نطاق واسع بينما تقوم الدولة بنزع حقوق الانتفاع بمساحات شاسعة من الأراضي ذات الخصوبة المرتفعة من السكان الأصليين لصالح كبار المستثمرين في المناطق المروية والمطرية علي حد سواء نظير إيجار اسمي كما تشهد بذلك ملفات لجان تخصيص الأراضي الولائية المنتشرة في كل ولايات السودان بأركانه الأربعة، وملفات الإدارات المتخصصة في منح رخص الاستثمار الزراعي ( وهي متعددة ) علي مستوي الحكم الفيدرالي ويتلازم التصرف السخي للدولة في أراضى الميري بسخاء مماثل في منح الإعفاءات والامتيازات ومن خلال أقامة مناخ قانوني إداري وإجرائي لتشجيع الاستثمار الخاص والأجنبي، بما يمكنه من ممارسة نشاطات ذات صفة طفيلية تسمح بضخ المزيد من الفائض الاقتصادي وتبعثره مقابل استثمارات وهمية يطول أمد تفريخها. وقد ساهم توزيع استخدامات الأراضي علي مختلف فروع الزراعة (ثروة حيوانية زراعة نباتية ، مطرية ، ومروية ، غابات ) بتلك الصورة، خاصة في مناطق حزام السافنا بالأراضي الرملية والطينية علي حد سواء في حرمان أعداد غفيرة من منتجي القطاع التقليدي ( مزراعين ورعاة ) من ممارسة زراعية الاكتفاء الذاتي بسبب تعدي الزراعة التجارية علي زراعة الخيارات التقليدية. كما ترتبت علي ذلك انتهاكات صارخة للنظم البيئية تجلت في اتساع ظاهرتي الجفاف والتصحر والحدوث المتكرر للفجوات الغذائية. إضافة إلى ما تقدم، تراجعت الدولة، خاصة في العقدين الأخيرين عن القيام بدورها في العملية الزراعية في كافة مراحلها، خاصة في الزراعة المروية والزراعة المطرية الآلية ( مزارع الدولة سابقا )، مما أدى إلى تزايد مركزة الفائض الاقتصادي في أيدي النخب الطفيلية، وإلى أضعاف قدرة الدولة علي تجميع المدخرات المحلية وتوجيهها في استثمارات منتجة . ولن يكون التعرف علي الوضع الحالي للزراعة السودانية كاملا دون التعرض للأوضاع المعيشية للعاملين بالقطاع الزراعي ويعطي متوسط دخل الفرد في الزراعة مؤشرا يدل علي الحالة المعيشية للعائلة الزراعية التي تتحصل علي قوت يومها من الزراعة. ويقدر نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلى الزراعي في السودان في عام 2002م بنحو 330 ألف جنية سوداني ( حوالي 130 دولار أمريكي) وهذا يعني أن دخل العامل بالزراعة السودانية قد تردى بمقدار عما كان عليه في مطلع ما بعد الاستقلال ناهيك عن أن دخل كهذا لن يكون كافياً لسد الرمق. وبما أن هذا الدخل يعبر عن متوسط فهو يساوي بين دخل العامل الزراعي والمزارع الفقير مع دخل الرأسمالي صاحب المشروع الزراعي الكبير والواقع ان دخل العمال الزراعيين والمزارعين الفقراء وصغار المزارعين يقل عن ذلك بكثير وبافتراض أن متوسط أجرة العامل الزراعي 7000 جنية سوداني يومياً وأنه يعمل على مدار السنة 240يوم فيكون دخلة السنوي 1680000 (مليون وستمائة وثمانين الف) جنية سوداني ولقسمة هذا المبلغ على عدد أفراد عائلة العامل الزراعي التي قد تبلغ 6 أشخاص في المتوسط يكون دخل الفرد السنوي 280 ألف جنية سوداني لا اكثر ويصعب على هذه العائلة إدراك بدائل أخري تعينها على تكملة عجز دخلها عن الوفاء بحاجاتها الضرورية نظراً لحرمانها من الانتفاع بمزايا القوانين المُنظمة للعمل وللضمانات الصحية والاجتماعية. وبعد أن كانت البلاد في منتصف الخمسينات من القرن العشرين قادرة على تغطية احتياجاتها الغذائية من الإنتاج الزراعي المحلى نراها تشهد حالياً في العام الرابع من الألفية الثالثة اعتمادا متزايداً على استيراد القمح مصحوباً بالإغاثة لمواجهة جزءاً مقدراً من حاجة السكان للحبوب الغذائية . وهذا ما لا يستقيم في بلد واسع المساحة وغني بموارده كالسودان. وبالنظر إلى مدى ما يستثمر من رقعة زراعية في هذا البلد الشاسع المساحة ، يلاحظ أن المساحة التي تزرع في السودان تساوي 6% فقط من مجمل مساحة البلاد وخمس إجمالي الأرض الصالحة للزراعة ( 40 مليون فدان من 200 مليون فدان ). لكن معظم الحكومات المتعاقبة، وهي التي يعود لها حق التصرف في القسم الأعظم من أراضي البلاد، لم تهتم أبداً باستثمار هذه المساحات الشاسعة من الأراضي ، ولم تتخذ من السياسات أو التدابير ما يجعل من استثمار هذه الأراضي عملية مربحة حتى من وجهة نظر تشغيل رأس المال ناهيك من النظر للمسألة من وجهة نظر تقوية قطاع إنتاجي كقطاع الزراعة . والقضية كما نرى هي في علاقات الإنتاج والنظام القائم. ورغم الحديث المتكرر عن حظوة السودان بمكانة مرموقة في مجال الثروة الحيوانية فان الأراضي المعتبرة من المراعي الطبيعية (279 مليون فدان أي 46.5% من مجمل مساحة البلاد) لا تجد من يهتم بها فعلاً لا قولاً بل أنها تستثمر بأكثر الطرق بدائية في هذا الوقت الذي تعاني فيه الثروة الحيوانية بملاكها في المجتمع الرعوي السوداني من الحصار والبؤس، بينما تقوم القطاعات الاقتصادية الحديثة بصقل آلياتها التجارية والتمويلية لاقتحامه والحصول على فائضة الإنتاجي عن بعد، دون مواجهة مخاطر وأعباء التكلفة التي تتطلب تهيئة البنية التحتية وحماية القطيع القومي بالتركيز على صحة الحيوان والإنتاج الحيواني والدعم المؤسسي كما يقول بذلك وكيل وزارة الثروة الحيوانية ( الرأي العام ، العدد 2727، الجمعة 1 أبريل 2005م ص 9) . وهذا القول لا يمثل سوى شعارات زائفة ، إذ أن نفس الصحيفة تشير في ذات الصفحة إلى أمثلة لتوجه الاستثمارات في " مشاريع تحسين نسل الماعز وقطاع الدواجن وفي إنتاج العلف الطبيعي حلوب لشركة كنانة بمجمع الرضوان لتطوير الإنتاج الحيواني. وعند النظر إلى صادرات وواردات البلاد الزراعية في الفترة الممتدة من عام 1990حتى عام 2002م (أنظر الجدول 1) يلاحظ أن قيمة الواردات الزراعية شكلت 63.1% المتوسط من قيمة الصادرات الزراعية وحوالي 0.0% . من مجمل قيمة الإنتاج الزراعي للبلاد . وعلي مدى ثلاثة عشر عاما ( طوال الفترة المعروضة بالجدول) لم تزد الصادرات الزراعية سوى بنسبة 6.4% بينما تدنت النسبة المئوية للتصدير من 78.8% في عام 1990م إلى 17.9% فقط في عام 2002م . وهذا دليل واضح علي عمق الأزمة التي يعاني منها القطاع الزراعي فيما يتعلق بتصريف صادراته الزراعية الرئيسية من صمغ عربي ، وحبوب زيتية ، وقطن ، وثروة حيوانية . والتي تتجلي ليس فقط في التدهور الإنتاجي الذي أصاب القطاع الزراعي وانما أيضا في تخلف تركيبة صادرات البلاد من المواد الأولية ، وبدائية وسائل الإنتاج المستخدمة ، وتدني القدرة علي التكيف مع المتغيرات التي طرأت علي السوق العالمي للمواد الأولية |
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
ورغم أن الجدول يشير بوضوح إلى أن القطاع الزراعي لم يعد يمثل المصدر الأول والوحيد – كما كان سابقا – للحصول علي العملة الحرة ، وبالتالي إدراك كل احتياجات البلاد الخارجية – بعد اكتشاف إنتاج البترول وتصديره – إلا انه يجب إلا يغيب عن البال أن الإنتاج الزراعي ما زال يمثل الركيزة الأساسية للتنمية الاقتصادية في البلاد : فهو يشكل المصدر الأول الذي لا ينضب كالبترول – للفائض الاقتصادي ، وبالتالي فهو الدعامة الأساسية للاستثمارات العامة والخاصة ، كما وانه يوفر المواد الغذائية الضرورية لسد حاجة السكان ، ويمثل مستودع العمالة الزائدة عن حاجة الزراعة ، وهو في نهاية المطاف ، المقدمة الطبيعية لتحقيق التصنيع والتحديث والتنمية الاقتصادية الشاملة ، إذ يستحيل تصور إنجاز مهام التصنيع والتحديث للبلاد دون المرور عبر بوابة تغيير علاقات الإنتاج وتحديث القطاع الزراعي.
جدول رقم (1) الصادرات والواردات الزراعية في إجمالي قيمة صادرات وواردات السودان للفترة 1990 – 2002م ( مليون دولار) السنة وتغطي الغابات مساحة تقدر بحوالي 57.7 مليون فدان (9.6% من مجمل مساحة البلاد ، اقل من ثلثها فقط ( حوالي 18 مليون فدان ) تمثل غابات محجوزة 000 وتعاني الثروة الغابية ، مثلها مثل بقية الموارد الزراعية ، من غياب الاهتمام الجدى بتطويرها ، إذ يتم مثلا التبشير في الاستراتيجية القومية الشاملة بتمديد مساحة الغابات المحجوزة لنحو 25 مليون فدان مع مطلع القرن الجديد 000 وبتخصيص 10% من مساحة مناطق الزراعة الآلية و5% من مساحة المشاريع المروية للأحزمة الشجرية ، ثم يتم التصريح في ذات الوقت عن انحسار الغطاء الشجري عند مساحات واسعة.الصادرات الزراعية (1) الصادرات الحيوانية (2) المجموع (3) مجموع صادرات السودان (4) النسبة المئوية (5%) (5) والسياسات تعلن وكأنها تخص أجهزة سيادية لدول مختلفة ، يعمل كل جهاز فيها بمعزل عن الأخر ، مثال ذلك أن فاقد البيئة الناجم عن اكتشاف ، إنتاج ، وتصدير البترول يمكن أن يبزانتفاع البيئة منه ورغم ذلك لا تتخذ الاستراتيجية القومية الشاملة تدابير جدية لخلق تناسق في تطبيق السياسات المعلنة وفق علاقة تبادلية موجبة بين الموارد المتجددة ( الغابات ممثلة في الهيئة القومية للغابات ) والموارد الغير متجددة ( البترول ممثلا في وزارة الطاقة والتعدين ) وما زال السودان عاجزا عن مواجهة الطلب المحلي علي الخشب والمنتوجات الخشبية من الإنتاج المحلي بسبب اهماله التام لتطوير الصناعة الوطنية في مجال الغابات |
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
كذلك لا تستفيد الزراعة السودانية إلا جزئيا من الموارد المائية المتعددة المصادر في السودان رغم ما للرى من أهمية حاسمة في تطوير الإنتاج الزراعي . فالمساحة المروية في السودان هي في حدود 4 مليون فدان تقريبا ، أي حوالي 10% فقط من مجمل المساحة المزروعة (2% من اجمالي المساحة الصالحة للزراعة ) هذا يعني أن القسم الأكبر من الموارد المائية يذهب هدراً.
وتقدر مصلحة الأرصاد الجوى كمية الأمطار التي تهطل سنويا علي ارض السودان بحوالي ألف مليار متر مكعب ، بمعدل 400 ألف متر مكعب علي كل كيلو متر مربع . وباعتبار أن 3 ألف م3 تكون كافية لزراعة ونضح محصول مطري كالذرة مثلا بالزراعة المطرية ، فان ربع الكمية الهاطلة من الإطار في السودان قد تكفي لرى ما يزيد عن 80 مليون فدان . طبقا ليس هناك ضمان لتوزيع الأمطار الهاطلة علي كل المناطق المطرية أو الأراضي المطرية الزراعية بالتساوي ، ولكن يمكن بالتأكيد توسيع الرقعة المزروعة بنسبة مقدرة. أما بالنسبة لمشروعات الري بالمياه النيلية فان الأرقام الصادرة من وزارة الري والموارد المائية في عام 1999م تشير إلى وجود تقلص فعلي في استهلاك المياه المستخدمة للرى بلغت نسبة 16.7% من مجمل المياه النيلية المتاحة (13 مليار م3 من 15.6 مليار م3) بسبب تراكم الطمي في بحيرات الخزانات . كذلك تعطي أرقام وزارة الري ما يمكن أن يستدل منه بوضوح علي وجود فجوة بين ما تملكه البلاد من إمكانات لمضاعفة موارد المياه من خلال استغلال المصادر المتاحة وبينما تستهلكه من مياه في الوقت الحاضر ( حوالي 35 مليار م3 مقابل 16 مليار م3) ولا زالت الدولة تتعامل مع مواجهة هذه الفجوة باستخفاف ، إذ أنها تفضل توليد الطاقة الكهربائية كما تفعل الآن في مشروع خزان الحماداب (سد مروى) رغم أن قاعدة التفاضل في استخدام المياه تتمثل بمنح الأفضلية للشرب أولا ثم للرى ثانيا ثم لتوليد الطاقة الكهربائية ثالثا إضافة لذلك خاصة فان الاهتمام الجدى لتشييد البنية التحتية لمشروعات الري الكبرى يستلزم تدخل الدولة لتعبئة المدخرات النقدية والحقيقية الضرورية والتي لا يمكن تحقيق هذه المهمة بدونها00 والاستراتيجية لقومية الشاملة لنظام الحكم الحالي ( التي تطلق العنان لقوى السوق ) لا تعير هذه القضية أهمية تذكر . علاقات الإنتاج في الزراعة السودانية تمثل ملكية وسائل الإنتاج العامل الحاسم الذي يحدد علاقات الإنتاج في الزراعة ، وفي كل اقتصاد بوجه عام ، بمعني أنها توضح من يملك الأرض ووسائل الإنتاج الرئيسية ، والفئات الاجتماعية الموجودة في داخل المجتمع والعلاقات المتبادلة فيما بينها أثناء العملية الإنتاجية ، ودرجة توزيع عائدات الأرض وبأية نسب 000الخ. وهناك في السودان عدة أشكال لملكية الأرض والثروة الحيوانية : ملكية الدولة المستثمرة أما بطريقة مباشرة ( المشاريع الحكومية ) أو بشكل غير مباشر بالإيجار لأصحاب المشاريع ( الزراعة المطرية الآلية ) ملكيات كبار أصحاب المشاريع المروية المستثمرة علي أسس حديثة بشكل مباشر أو غير مباشر ، ملكيات المزارعين المتوسطة والصغيرة ، ملكيات الأوقاف ، الملكية المشاعيه ( في جنوب السودان بوجه خاص ) وملكية الثروة الحيوانية والكبيرة والمتوسطة والصغيرة). ويسود اعتقاد واسع الانتشار في السودان بأن قضية الأرض محلولة من واقع كونها وفيرة وخاضعة للملكية العامة ، ولكن الواقع يدحض هذا الاعتقاد ، حيث أن الأرقام التي تصدر ( أو تعلن ) للتدليل علي وجود فائض ( أو احتياطي ) ضخم في الأراضي غير المستثمرة والصالحة للزراعة بالسودان أصبحت غير ذات معني ، ليس فقط بسبب تعاظم الضغط السكاني والتدهور البيئي والحراك التنافسي بين الفروع الزراعية ( مطرية إلية ، مروية حديثة ، وتربية مواشي ) وانما بسبب توجه الحكومة المحموم لبيع " عقود الإيجار " للأراضي الزراعية بالجملة للشركات الاستثمارية الخاصة ( محلية ، أجنبية ، ومختلطة ) في مختلف بقاع السودان ، مما أدى لابتلاع حقوق الانتفاع بالأرض للملكيات الصغيرة المنتشرة بشكل واسع ، علي وجه الخصوص ، في مناطق القطاع التقليدي بواسطة ، الملكية الكبرى للأرض" الممهورة بختم تصديقات "حكومة الإنقاذ " السخية ولا بد لمثل هذا الوضع من أن يدفع بمسألة ملكية الأرض إلى رأس أولويات أي برنامج لاصلاح الوضع الزراعي بالسودان. واهم ما يميز علاقات الإنتاج في السودان هو تعددها ووقوفها جنبا إلى جنب داخل البنية الكلية للاقتصاد السوداني ، والتداخل والتأثير المتبادل فيما بينها . وقد توصلت دراسات سابقة عن واقع ملكية وسائل الإنتاج وبصفة خاصة الأرض ، ومنشآت وآلات وأدوات الإنتاج الزراعي، وتوزيع عائدات الإنتاج فيما بين مختلف الفئات الاجتماعية ، وموقف الفئات الاجتماعية المختلفة من الإنتاج وعلاقاتها المتبادلة أثناء العملية الإنتاجية إلى تواجد ثلاثة أشكال رئيسية لعلاقات الإنتاج في الزراعة السودانية تم تحديدها فيما يلي:- 1- علاقات إنتاج رأسمالية الدولة 2- الزراعة الرأسمالية الكبيرة 3- الإنتاج السلعي الصغير بشقيه المتخلف والحديث. زراعة رأسمالية الدولة:- يسود هذا النمط في الإنتاج في مشاريع الزراعة المروية الحكومية التي تضم مشروع الجزيرة ، حلفا الجديدة، الرهد ، السوكي ، مشاريع مؤسستي النيل الأبيض والنيل الأزرق ، دلتا طوكر والقاش ، مشاريع الإعاشة بالنيل الأبيض ( سابقا ) مشاريع مؤسسة الشمالية سابقا ( الآن نهر لنيل والشمالية ) وتساهم هذه المشاريع حاليا بحوالي 12.4% من إجمالي الناتج المحلي ( نحو 29% من الناتج الزراعي) و % من حجم صادرات البلاد الزراعية وحوالي % من استهلاك البلاد من السكر والقمح ، وما بين 0000% من استهلاك السكان من الذرة ، ومعظم استهلاك البلاد من البقوليات .وتستخدم اكثر من ربع القوى العاملة بالسودان ، بما في ذلك المزارعين والعمال الدائمين والموسميين ( 40% من إجمالي العمالة الموظفة في القطاع المروى). وقد تركزت الاستثمارات الزراعية في فترة ما قبل وبعد الاستقلال في المشاريع المروية ( في الري سابقا ) في مناطق بعينها ( تكرس تبعية الاقتصاد) وتم الاهتمام بتطوير الزراعة التصديرية ، وبصفة خاصة القطن علي حساب الفروع الأخرى للإنتاج الزراعي ( ربط الاقتصاد بالسوق الرأسمالي ) . وبعد أن اصبح محصول القطن المحرك الأول والأساسي للاستثمارات في الري ، انصب اهتمام الدولة من حيث الرقابة والإشراف عليه ، وتم توجيه استخدام وسائل الإنتاج الحديثة ( الأسمدة بجميع أنواعها واللجوء للرش بالمبيدات الحشرية واستخدام الآلات الزراعية الحديثة ) بصفة أساسية نحو القطن. وعموما اتخذ تطور الزراعة المروية في السودان طابعا أفقيا من خلال تكرار المشاريع المروية علي نمط مشروع الجزيرة رغم الحديث المتواصل عن تكثيف الزراعة 000 وظل ضعف الإنتاجية وتدهورها ، وسلبية العلاقة بينها وبين معدلات الاتفاق ( التنموي والجارى ) من الصفات الملازمة للمشروعات في القطاع المروى. |
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
وتتميز علاقات الإنتاج في المشروعات الحكومية للقطاع المروى بالسودان بعدة سمات نوجزها فيما يلي:-
أولا:- الدولة مالك أساسي لوسائل الإنتاج : كل وسائل الإنتاج المتحركة ( آليات – عربات ، وكراكات ) وكل قنوات الري ومصادر المياه والمحالج والسكك الحديدية والمباني ، وكذلك اغلب الأراضي ، وما يملكه بعض المزارعين ( من أراضى ) مستأجر بطريقة جعلته ملكا للدولة بالأمر الواقع 00 ثانيا ( الإنتاج يهدف البيع في الأسواق المحلية أو للتصدير للحصول علي الربح ؛ انخفض الثقل النسبي للقطاع المروى في إجمالي الناتج المحلي من حوالي الخمس في السبعينات إلى حوالي العشر في التسعينات. ثالثا:- العمل الأجير بلعب دوراً رئيسياً في الانتاج0000 |
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
ويتكون العاملون بالأجر من ثلاثة مجموعات : مجموعة عمال التجهيزات الزراعية ومنهم من يقوم بتحضير الأرض للزراعة ( عمال المحاريت ) وتطهير قنوات الري لتسهيل وصول مياه الري للحواشات ( عمال الري ) وعمال السكك الحديدية الذين يرحلون القطن من محطات تجمعيه في الغيط إلي المحالج ، وعمال المحالج الذين توظفهم الدولة لحلج القطن واعداده للبيع ، ومجموعة عمال العمليات الزراعية الأخرى الذين جرت العادة علي تسميتهم بالعمال الزراعيين وتشمل هذه المجموعة عمال اللقيط وعمال القلع والكنس والنظافة والعمال الزراعيين الذين يستأجرهم المزارعون للعمل في الحواشات ؛ وعمال الرش التابعين للقطاع الخاص والذين يقومون برش المحاصيل بالمبيدات الحشرية والمبيدات الأخرى ، ويمثل هؤلاء جميعا حوالي 80% من مجمل القوى العاملة لمشروع الجزيرة ويساهمون بما مقداره 75% من العملية الإنتاجية بينما لا يحصلون إلا علي ما يزيد الا "قليلا" عن عشر عائداتها.
أما المزارعون فانهم لا يساهمون إلا بقدر متواضع في العملية الإنتاجية وفقا لحجم الحيازة ، خاصة ما يستثمر منها لزراعة القطن بمشروع الجزيرة وهنالك علي سبيل المثال 00 ففقراء المزارعين ومتوسطهم يبذلون جهودا متفاوتة في العملية الإنتاجية ، رغم أنها اقل نسبيا مقارنا بجهد العمال الزراعيين ، ويحصلون علي حصة ادني نسبيا من صافي العائد مقارنة بما يحصل عليه أغنياء المزارعين ، رغم انهم لا يبذلون أي جهد في العملية الإنتاجية. ويمكن الاستنتاج مما تقدم بأنه لا وجود لعلاقة تصل يين توزيع عائد الإنتاج والجهد المبذول في العملية الإنتاجية . وقد ظلت الدولة منذ الخمسينات وحتى بداية الثمانينات حريصة علي القيام بدورها كشريك في رأس المال ، وفي تحمل المسؤولية في مباشرة الإنتاج والإشراف عليه في عدد من العمليات الزراعية كالرى مثلا ، وكذلك المشاركة في ملكية الجزء الغالب من وسائل الإنتاج الرئيسية بالإضافة للمشاركة في اقتسام عائد الإنتاج بنسب محددة في مشروع الجزيرة وبقية المشاريع المروية التي قامت علي هديه من بعده ( باستثناء مشروع الرهد الزراعي). شهد موسم 80/81 تنفيذ توصيات بعثة البنك الدولي لمشروع الجزيرة في النصف الأول من الستينات التي نادت بتطبيق الحساب الفردي وتأجير خدمات الأرض والرى ، ورهنت تنفيذ برنامج إعادة التعمير للمشروع بذلك التطبيق 0 وتبع تطبيق ذلك القرار وقف العمل بنظام الحساب المشترك الذي كان يعني المناصفة في تحمل أعباء تكاليف إنجاز العمليات الزراعية بين الحكومة والمزارعين ، وتحميل المزارعين كل التكاليف المتعلقة بإنجاز العمليات الزراعية من لحظة تحضير الأرض إلى لحظة تسليم القطن في المحطات ، وتخلي الحكومة والإدارة عن تحمل أي مسؤوليات مرتبطة بتكلفة إنجاز العمليات الزراعية المضمنة فيما سبق في بند الحساب المشترك ، استثناء العمليات الزراعية التي تنوب فيها الإدارة عن المزارع ؛ والاكتفاء بالتعامل مع المزارعين وفقا للحساب الفردي : فبعد أن ينتهي المزارع من تسليم القطن في المحطات ، حيث تتولى المؤسسة العامة لبيع القطن مسؤولية الشراء ، تقوم الدولة بخصم المنصرفات الفردية المتعلقة بالإنتاج التي تقوم بها الدولة نيابة عن المزارعين وكذلك السلفيات المقدمة لهم ؛ وما تبقي من جملة العائد يذهب للمزارعين. واصبح دخل الحكومة والإدارة لا يمت بصلة للإنتاج ، وانما هو ناتج من بيع مياه الري للمزارعين عن كل المحاصيل بينما كان الري في الماضي بدون مقابل ولكل المحاصيل : وظلت ملكية الحكومة لوسائل الإنتاج الأساسية بما في ذلك تحمل إدارة مشروع الجزيرة مسؤولية إدارة وتشغيل شبكة الري الصغرى والمحالج والسكك الحديدية .... الخ كما هي . وقد ساهم التقليل المتواصل من مسوؤلية الدولة في إدارة المشاريع المروية ومن خلال إلغاء الحساب المشترك وتخلى الدولة عن مسوؤلياتها المالية بعدم التزامها بمواجهة تكاليف مدخلات الإنتاج والمنصرفات عن العمليات الزراعية الأساسية وقلة المساهمة في أتناج محاصيل الدورة الزراعية الأخرى ( غير القطن) التابعة للمزارعيين وغياب الرقابة عليها في تعاظم دور القطاع الخاص في القيام بالعمليات الزراعية بالمشاريع المروية فبعد أن كانت مساهمة القطاع الخاص حتى نهاية عقد السبعينات لا تكاد تذكر ومحصورة فقط في تأجير العمال وقلة من اللواري التجارية لترحيل القطن وقلة من الجرارات للعمل في مجال الحرث الخفيف مع غياب كامل للحصادات وللرش بالطائرات بالمبيدات , كثر – بعد تطبيق نظام الحساب الفردي –عدد الجرارات التي تعمل تجاريا والتي يملكها أغنياء المزارعين وكبار التجار وكذلك ازداد حجم العربات التجارية التي تعمل في ترحيل القطن من الغيط إلى أماكن التجمع في المحطات 0 كذلك ظهرت الحاصدات الزراعية التي تحصد محصولي القمح والذرة. |
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
وهناك عوامل أخري كثيرة ساهمت في تهيئة المناخ لتوسيع نفوذ القطاع الخاص لتمكينه في النهاية من بسط سيطرته علي آليات التداول الزراعية في مرحلة ما قبل الإنتاج ، وفي مرحلة الإنتاج ، ثم مرحلة ما بعد الإنتاج.
من تلك العوامل مثلا لجوء أغنياء المزارعين لشراء حواشات فقراء المزارعين وتسجيلها بأسم الأبناء أو بعض الاقربين ( رغم أن قانون مشروع الجزيرة يحرم علي أي مزارع تجاوز 40 فدان كسقف اعلي للحواشة المزروعة بالقطن ) لزيادة الرقعة المزروعة ؛ ورأوا اللجوء إلى تأجير الحواشة بالمزارعة للنازحين أو المحليين من العمال الزراعيين مما يعني تقليص مساهمة المزارعين في العمليات الزراعية اليدوية وزيادة الاعتماد علي العمل الأجير وبالتالي استثمار العمل الفائض للعمال الزراعيين. عامل آخر ساهم في تمكين القطاع الخاص من حيث الأرباح في مجال القيام بالعمليات الزراعية الكبيرة في المشاريع المروية ( الحراثة ، التسريب ، الطرد الأخضر – الفتحية – تطهير القنوات ، رش المبيدات الحشرية والحشائشية وأحيانا رش السماد بالطائرات ، 00الخ) تمثلت في تسيير انسياب التسهيلات التمويلية من قروض برنامج إعادة تعمير المشاريع المروية وقروض المصارف ( البنك الزراعي ، بنك المزارع ، الخ) لتوفير الآليات والمعدات الزراعية (التركترات الحاصدات ... الخ) لصالح كبار التجار واغنياء المزارعين وبعض قيادات اتحاد المزارعين لمواجهة الطلب المتنامي علي استخدام الآلات الحديثة في عمليات الزراعة المروية . وبحلول حكومة الإنقاذ وجدت مؤسسات العولمة الجديدة الفرص سانحة للتعاون مع الرأسمالية المحلية التابعة للانقضاض علي ما تبقي من قلاع في مشاريع الزراعة المروية 0 وفي ظل انتهاج الدولة لسياسات التحرير الاقتصادي وتخليها عن تمويل العمليات الزراعية بالمشاريع المروية . سارعت حكومة الإنقاذ بإصدار قرارها رقم 115 بتاريخ 18 أكتوبر 1992 الداعي لخصخصة مشروع الجزيرة كبداية لخصخصة جميع مؤسسات الزراعة المروية بالسودان . وفي الأعوام 1996 و 1998م و 2000م عملت الدولة علي إعادة هيكلة مشروع الجزيرة ، فقامت بإلغاء آلاف الوظائف ، وتحويل الإدارات العاملة بالمشروع وبالدولة ( مؤسسة الحفريات ، إدارة الهندسة الزراعية وإكثار البذور ، السكة حديد ، المحالج ، المخازن ، الاتصالات ) إلى شركات بالتعامل التجاري ؛ وتبعت ذلك بفتح الباب أمام القطاع الخاص – شركات وأفراد وبنوك للمزيد من التوسع في مجال إمداد المشروع بالخدمات الزراعية فحلت دال وشركة التنمية الاسلامية محل ادارة الهندسة الزراعية ذات التجربة العريقة في عملية تجهيز الأرض للزراعة من حيث الأشراف وتجويد العمل ، وشركة روينا والتنمية الإسلامية محل مؤسسة الحفريات ، وشركة بايونير محل إدارة إكثار البذور ، ووكلاء الترحيل محل سكك حديد الجزيرة ؛ ومحفظة البنوك المكونة من بنوك تجارية مختارة محل بنك السودان ووزارة المالية والاقتصاد الوطني. ولم يتبق من كل وسائل الإنتاج المملوكة للدولة بمشروع الجزيرة غير وسائل الإنتاج الثابتة المتمثلة في بنية الري والأغلبية الكبرى من أراضى المشروع 000 ولهذا تشهد الساحة السياسية نشاطا محموما منذ بداية الألفية الثالثة لتطبيق السياسات التي ستقضي نهائيا علي " هيمنة القطاع العام " وتجعله ادة لخدمة الاستثمارات الخاصة ذات الطابع الخدمي – وبأسعار قد لا تكون مجزية بالنسبة للدولة – وتحول المشروع الي مزارع رأسمالية كبرى تابعة لامتصاص فائض السلع المنتجة بواسطة البلدان المتقدمة صناعيا00 والدليل علي ذلك اتفاق رؤى لجنة تاج السر مصطفي ( ) والفريق المشترك من الحكومة والبنك الدولي (2001م) واللجنة الوزارية للإصلاح المؤسسي ( بركات مشروع الجزيرة يوليو 2004م) في الدعوى لمراجعة أوضاع أراضى الجزيرة وذلك بإلغاء ملكية الحكومة للأراضي واحلال الملكية الخاصة مكانها خلال تمليك المزارعين الحاليين لحوا شاتهم ونزع الأراضي الملك الحر داخل المشروع وفقا لقانون نزع الملكية لسنة 1930 وتعويض الملاك الذين لديهم حواشات بتسجيل حواشاتهم الحالية ملك حر ، وتعويض الملاك الذين ليس لديهم حواشات تعويضا عينيا أو ماديا بواسطة الحكومة ؛ وتسجيل حيازات المزارعين الآخرين ملك حر ما أمكن ذلك أستثناء لاحكام القانون وتحديد الحد الأدنى للحيازة بواسطة مجلس الإدارة وربط التعديل لطابع الملكية بالمشروع بكل الآليات الضرورية التي تعين علي تغيير هوية المشروع والكامنة في تحرير التمويل كمبدأ أساسي 000 وتعديل قانون أراضى مشروع الجزيرة لتقنين بيع وشراء ورهن الحيازة ؛ والتوسع في التأمين الزراعي وصناديق درء مخاطر الزراعة إضافة إلى تيسير عمليات تحرير التسويق خاصة تحرير تسويق الأقطان ( التوصيات الختامية للفريق الاستشاري للإصلاح المؤسسي لمشروع الجزيرة ، ورشة عمل حول وضع الإصلاح المؤسسي بمشروع الجزيرة قاعة الشهداء ببركات 11- 12 يوليو 2004م) . |
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
كذلك نادي فريق الإصلاح المؤسسي لمشروع الجزيرة في مجال المياه بفصل الشبكة الكبرى للري عن الشبكة الصغرى , وتغيير أسم التفتيش بالمشروع إلى مجمع زراعي مواكبة للمتغيرات وتمكين المزارعين من المشاركة في إدارة عمليات الري من خلال تحويل مسؤولية الإشراف على صيانة وتشغيل شبكة الري الصغرى واسترداد تكلفة المياه لروابط مستخدمي المياه فضلاً عن توليها القيام بالعمليات الزراعية للإنتاج والتمويل والتسويق .
ووفقاً لما توفر لنا من معلومات فإن مشروع قانون مشروع الجزيرة الذي يهدف إلى تصفية وفكفكة المشروع إلى أجزاء في طريقه إلى الإصدار أو الإجازة بعد أن فرغت اللجنة التي كونها وزير الزراعة من إعداده في صورته النهائية وبعد أن شرعت الحكومة في تأسيس روابط مستخدمي المياه وذلك من خلال مباركتها لتجربة تفتيش عبد الحكم التي بدأت في موسم 2000/2001م بتشجيع من البنك الدولي ومنظمة الفاو وقد أمر وزير الزراعة في أكتوبر عام 2003م بتعميم التجربة في ثمانية عشر تفتيشاً واحد في كل قسم من أقسام المشروع وكذلك تعميم الصندوق الدائري لمقابلة احتياجات روابط مستخدمي المياه في تدريب المزارعين ... الخ وجاءت مساهمات الصندوق من البنك الدولي والفاو ووزارتي المالية والزراعة . وإدارة المشروع . واتحاد المزارعين ( إدارة المزارعين الذاتية بشبكة الري الصغرى لمشروع الجزيرة – تجربة تفتيش عبد الحكم – بركات – مشروع الجزيرة , ومقترح اتفاقية تصل صلاحيات إدارة الشبكة بتفتيش عبد الحكم من مشروع الجزيرة إلي لجنة الري بالتفتيش إعداد لجنة الري ، تقديم خوجلى محمد - مركز الشهيد الزبير الدولي للمؤتمرات 28/أكتوبر 2002م . إن الرؤية حول إمكانية الارتقاء بالإنتاج والإنتاجية في مؤسسات الزراعة المروية عبر آلية السوق ( تحرير سوق الأرض والتمويل .. الخ وإلغاء دور الدولة الاقتصادي والخصخصة ) لن تقضي إلا إلى بعثرة الموارد الاقتصادية والاجتماعية لمشروعات الري القومية الكبرى وزيادة إفقار الغالبية العظمى من العاملين بتلك المشاريع وهذا هو بالضبط ما ترتب على تطبيق السياسيات الزراعية بدولة السودان الحديث كما يتضح من الأضرار التي لحقت بالأوضاع الزراعية للمشاريع المروية من جراء ارتفاع التكلفة وتدني الإنتاج والإنتاجية مما أنعكس بالتالي على الحالة الاقتصادية والاجتماعية للعاملين بالقطاع المروي ( قلة العائد) . يلاحظ من الجدول رقم ( ) تدهور مساهمة المؤسسات الزراعية الحكومية المروية بما يشبة الانهيار في إنتاج محصول القطن رغم ازدهار السوق العالمية لتجارة القطن , بسبب تنامي وتواصل العوائق التي وضعت أمام المزارعين على كافة المحاور التمويلية والإنتاجية والتسويقية ، مما أدى إلى تقلص المساحة المزروعة بالقطن من نحو 875 ألف فدان في المتوسط على مدى عشرين عاماً لعقدي السبعينات والثمانينات ( الفترة الممتدة من 70/71 م وحتى 89/90م ) إلى حوالي 430الف فدان كمتوسط سنوي للمساحة في عقد التسعينات ( الفترة الممتدة من 90/91 م وحتى 99/2000م ). كما هبط إنتاجه الكلي من نحو 500 ألف طن كمتوسط للفترة الأولى إلى 218 ألف طن فقط كمتوسط للفترة الثانية كذلك يلاحظ من أرقام الجدول تناقص المساحة الكلية المزروعة بمحصول الفول السوداني وبقاء إنتاجه في المتوسط ساكنا تقريبا عند نفس المستوى الذي كان عليه قبل ثلاثة عقود من الزمن : مما يعني اتساع الفجوة بين العرض والطلب في مجال الحبوب الزيتية ، بافتراض أن الطلب المحلي علي الزيوت النباتية قد زاد بمعدلات تفوق طاقة البلاد الإنتاجية لمحصولات الحبوب الزيتية، خاصة وأن محصول الفول السوداني يعتبر أحد المحاصيل الأساسية المكملة لبذرة القطن في إنتاج وسد احتياجات البلاد الاستهلاكية الأساسية من الزيوت النباتية |
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
وتعاني كل مؤسسات القطاع المروى الزراعية من ظاهرة تصاعد تكاليف الإنتاج بصورة منفلتة بالنسبة لكل المحاصيل وفي كافة المشاريع والبيانات الواردة في الجدولين رقم ( ) و( ) تعطي مجموع تكلفة إنتاج الفدان من المحاصيل الرئيسية في مشاريع الجزيرة وحلفا الجديدة والرهد ويلاحظ من نظرة سريعة للأرقام الواردة في الجدولين مدى الانفلات المهول الذي حدث في معدل نمو تكلفة زراعة الفدان الواحد من مختلف المحاصيل في جميع المشاريع المروية خلال الفترة الممتدة من عام 90/91 وحتى موسم 2001/2002م ، أي منذ نفاذ سياسة التحرير ، وباعتبار أن متوسط إنتاجية الفدان الواحد من القطن بركات تساوى أربعة قناطير ونصف ( متوسط الإنتاجية لاثني عشر عاما للفترة الممتدة من موسم 90/91 حتى موسم (01/02) فان بيانات الجدول رقم (1 ) تبين أن متوسط تكلفة زراعة القنطار من القطن بركات في موسم 90/91 في مشروع الجزيرة كانت حوالي 750 جنيه سوداني ، ثم ارتفعت إلى حوالي 15 ألف جنيه سوداني في عام 94/95 ، لتصعد إلى نحو 113 ألف جنيه سوداني في موسم 2001/2002م . وقد بلغ متوسط معدل النمو السنوي للمجموع الكلي للتكاليف فدان القطن بركات بمشروع الجزيرة خلال الفترة 90/91 – 01/02 حوالي 69.5% كان أثقلها وطأة علي الزراعة المروية والمزارعين ما تجاوز المائة بالمائة بأكثر من نصفها في النصف الأول من تسعينات القرن الذي مضي.
وينطبق هذا المثال علي لوحة التكاليف الكلية وعناصرها ( عمليات تحضير الأرض – والعمليات الزراعية ، ومدخلات الإنتاج ، وعمليات الحصاد ورسوم الماء والإدارة والخدمات الأخرى ) لمحاصيل المشاريع المروية النقدية الموجهة للتصدير ( القطن بركات وأكالا والفول السوداني ) إضافة إلى المحاصيل الغذائية الموجهة لسد حاجة المزارع والمستهلك المحلي علي حد سواء من إنتاج تلك المشاريع ، مما يعني أن سياسة الدولة في مجال الزراعة المروية قد وجهت ، بالأساس لخدمة مصالح الفئات الاجتماعية التي تتحكم في تأمين مدخلات وخدمة الإنتاج الزراعي بالقطاع المروى ( اكثر من 50% من إجمالي التكلفة تمتصه الوكالات والشركات التجارية العاملة في بيع مستلزمات الإنتاج) فضلا عن سعي الدولة الدؤوب لتهيئة افضل الظروف لذات الفئات الاجتماعية التي تمثلها لمواصلة امتصاص فائض عمل الفئات المنتجة من خلال أحكام قبضتها علي كافة آليات التداول الزراعية. وفي الوقت الذي تقوم به الدول المتقدمة بالتخطيط.لأنتاجهاالزراعي، وفقا لمصالحها |
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
وتوجهاتها الاقتصادية ، بما في ذلك من دعم لمزارعيها وتحفيزهم للمزيد من الإنتاج ، فان الدولة السودانية ، علي النقيض من ذلك ، تتخلى بالكامل عن مزارعيها ، وترتضي تبني سياسة تحرير الأسعار ، فترفع الدعم عن جميع مدخلات الإنتاج الزراعي ، وتترك تحديد الأسعار لآليات السوق وتحكم كبار التجار وشركات القطاع الخاص ( محلية ، أجنبية أو مختلطة)
إضافة لما تقدم ، فان إلغاء دور إدارات الخدمات الزراعية بالمشاريع المروية ، واحتلال القطاع الخاص موقع الصدارة في تقديم الخدمات الزراعية عوضا عن تلك الإدارات ، قد ساهم في ارتفاع الخدمات الزراعية عوضا عن تلك الإدارات ، قد ساهم في ارتفاع عناصر التكلفة الخاصة بعمليات تجهيز الأرض للزراعة ، والعمليات الزراعية وعمليات الحصاد والتي تمثل في المتوسط حوالي 8.4% ، و12.7% و14.1% علي التوالي من مجمل التكلفة الكلية لزراعة فدان القطن الزهرة بركات بمشروع الجزيرة علي سبيل المثال. عامل ثالث ساهم في ارتفاع التكلفة كذلك ، تمثل في دخول محفظة للبنوك في مجال تمويل المؤسسات الزراعية بعد أن كانت تمول مباشرة عبر بنك السودان ، من خلال منح القروض للمؤسسات للمؤسسات وفقا لصيغة المرابحة وبيع السلم الإسلاميتين واللتان تجاوزت أرباح البنوك التجارية منهما حوالي 54% علما بان فوائد الشركة الزراعية في فترة الاستعمار لم تتعدى 6% ( ورشة الحصاحيصا مساهمة لاعادة تأهيل مشروع لجزيرة مارس 2003م) . أيضا هناك عامل رابع ساهم في ارتفاع تكلفة الإنتاج وهو خاص بتكلفة رسوم الماء والأرض والخدمات الإدارية الأخرى ( تمثل حوالي 14.4% في المتوسط في مجمل التكلفة الكلية لفدان القطن بمشروع الجزيرة مثلا ) 000 وهذه التكلفة يتم تقييمها دون وضع ضوابط تلائم طبيعة ونوع العنصر المستخدم في العملية الإنتاجية ( في هذه الحالة تحديد عدد الريات اللازمة لرى كل محصول ) . وقد أشارت بعض الدراسات التي تناولت عدم كفاءة وعدالة النظم المرتبطة باسترداد رسوم الماء في المشاريع المروية إلى قيام إدارات وزارة الري والمؤسسات الزراعية باستمرار بتجاوز ميزانياتها بأكثر من 30% مما يعني تحميل المزارعين المستخدمين لمياه الري تكاليف إضافية لا علاقة لها بموضوع الري غير منصفة. وفي ميدان التسويق يتضاءل باستمرار العائد الذى يحصل عليه مزارع الزراعة المروية في تصريف منتجاتهم الزراعية . وهناك نسبة متعاظمة من مزارعي الزراعة المروية ممن لا يحققوا عائدا من محصول القطن أما لعدم زراعته أو لعدم تحقيق إنتاجية تغطي التكلفة التي تصاعدت نتيجة لسياسة الدولة في الميدان الزراعي فضلا عن قلة إلمام المزارعين بتكلفة الإنتاج وسعر البيع ، حيث تقوم إدارات المؤسسات الزراعية بالنيابة عن المزارعين بالصرف علي المبيدات والتحضيرات مع تحميل المزارع لمخاطر العملية الزراعية م تدني الإنتاجية والأسعار إضافة إلى الضرائب المركزية للدولة وضرائب الإنتاج المفروضة من قبل الحكومات الولائية. |
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
الله يصلح الحال |
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
علاقات الانتاج الرأ سمالية او الزراعة الرأسمالية :
نشأت الزراعة الرأسمالية التي يتحكم فيها راس المال في البدايةفي المشاريع القطنية الخاصة على ضفاف النيلين الابيض والازرق بعد ان خصصت لها دولة الحكم الاستعماري كل ما يلزم من ارض ومياه وتمويل موسع في زراعة وانتاج القطن . وفي النصف الثاني من الستينات تفاقمت الصعوبات التي واجهت زراعة القطن في الطلمبات الخصوصية في مجالات التمويل والانتاج والتسويق ، وتدهور الوضع المعيشي للمزارعين بتلك المشاريع مما ادي الي تاميمها وتحويل امر ادارتها والاشراف عليها لمؤسسة الاصلاح الزراعي وقد اقتصر التأميم في ذلك الوقت علي المشروعات الكبيرة والمتوسطة الحجم ولم يشمل الطلمبات قليلة العدد وصغيرة الحجم . وانتشرت الزراعة الرأسمالية بعد ذلك لتشمل المزارع الحديثة في الاراضي النيلية الواقعة بالقرب من المدن الرئيسية خاصة العاصمة المثلثة المتخصصة في انتاج الالبان والخضر والفواكه وتربية الدواجن وتسمين وتربية المواشي بهدف سد احتياجات سكان المدن من تلك المواد الغذائية وللتصدير كذلك. كذلك تتجلي سيادة علاقات الانتاج الرأسمالي الخالص في مناطق الزراعة المطرية الالية التي يسرت فيها الدولة حيازة اراضيها في مساحات شاسعة لقلة من اصحاب المشاريع ممن لا يعملون بالزراعة في الحقيقة وأتاحت لهم التمويل للتزود بالالات والمعدات بهدف التخصص في زراعة الذرة والسمسم وعباد الشمس …………الخ. في الوقت الحالي توقفت الطلمبات الصغيرة عن زراعة القطن واقبلت علي زراعة الحبوب الغذائية ( قمح وذرة) والخضروات في مساحات ضئيلة الا انها ما زالت تعتمد في ممارسة العملية الانتاجية علي استخدام الالات الحديثة كالجرارات في بعض العمليات الزراعية (الحراثة ) وتشغيل العمالة اليدوية باجر في انجاز معظم العمليات الزراعية . وترتكز المزارع التجارية الحديثة علي الاراضي النيلية علي مساحات محدودة في الماضي الا ان سقفها الاعلي قفز الي ما يربو *** مخصصة لكل مشروع تتراوح ما بين 20 الي 200 فدان، وغالبا ما تكون حيازة الارض في مشروع ما خليطا من الملكية الخاصة والملكية الحكومية وتتفاوت نسبة نوعية الملكية حسب اقدمية الاستثمار حيث تكون الافضلية للملكية الخاصة في حالة المشاريع القديمة مقارنة في هذا النوع من المشروعات بالاستثمارات الجديدة وعادة ما يلجأ ملاك الزراعة الرأسمالية المروية في هذا النوع من المشروعات الي استخدام وسائل الانتاج الحديثة حسب قدرة صاحب المشروع علي استقطاب التمويل من البنوك لتأمين الطلمبات للري والتراكتورات للحرث والتسريب والمبيدات الحشرية والاسمدة بمختلف انواعها والالات والمعدات الحديثة لحليب الابقار او للتفريخ والاعلاف الصناعية لتربية وتسمين الماشية والبذور المحسنة لانتاج المحاصيل بانواعها المختلفة والخضروات والفواكه والبقوليات والاعلاف …الخ. وتفوق انتاجية هذا النوع عن فدان في التصديقات الحديثة لراس المال الخاص ( الاجنبي والمختلط ) من المشاريع انتاجية مشاريع الزراعة الالية والمطرية بسبب خصوبة التربة والاعتماد علي الري الصناعي والاستفادة من استخدام الاسمدة والمبيدات والبذور المحسنة والانتاجية الاعلي للعامل الزراعي خاصة وان كل العمليات الزراعية يقوم بها العمال الزراعيون مقابل اجور ضئيلة لا تفي بضروريات الحياة. اما الزراعة المطرية الالية فقد فاق ايقاع التوسع فيها علي مدي ما يقرب من الستين عاما ايقاع التمدد في مجالي المشاريع القطنية الخصوصية والمشروعات المروية حول المدن. وقد بلغ اجمالي المساحة المخصصة لهذا النوع من الاستثمار لموسم 2003/2004م وفقا للاحصائيات الرسمية لوزارة الاقتصاد الزراعي بوزارة الزراعة حوالي…**… مليون فدان تم التصرف فيها بواسطة الدولة لصالح فئة قليلة من المستثمرين بما في ذلك الافراد واصحاب الشركات الصغري والكبري أي ان حوالي …**%… من مجمل المساحة المخصصة لزراعة المحاصيل النباتية بالبلاد قد وضع تحت تصرف مجموعة محدودة للغاية من مجموع العاملين بزراعة البلاد . هذا ان جاز لنا معاملة مثل هؤلاء المستثمرين اسوة بمن يحق التعامل معهم كمنتجين فعليين اذ ان اوجه الشبه بين الفئتين تكاد تكون معدومة … اضافة لذلك يلاحظ ان هناك ( نخبة ) تكونت من باطن تلك المجموعة من المستثمرين ومن خارجهم وقد تميزت تلك النخبة وانفردت عن غيرها من اصحاب المشاريع بالتجميع الهائل للارض ( نسبة عالية من الاراضي المخصصة للافراد – الشركات – قطاع الزراعة المطرية الالية وبالتركيز المتنامي لوسائل الانتاج الاخري وبالسيطرة المتزايدة علي الاعمال التجارية وخدمات التسويق لمحاصيل الذرة والسمسم وعباد الشمس، ويمكن القول ان الجزء الاعظم من الدخول المتحققة من حوالي 40.4% من جملة انتاج الحبوب الغذائية (الذرة اساسا ) وحوالي 15.8%من اجمالي البلاد للحبوب الزيتية ( السمسم وعباد الشمس) للفترة 89/ 90- 2003/2004 ( والنسبتين تمثلان متوسط مساهمة القطاع المطري الالي من جملة انتاج القطاع الزراعي السوداني للفترة المذكورة لهاتين المجموعتين من المنتجات الزراعية المشار اليها ) يذهب لصالح عدد محدود من الشركات الخاصة علي حساب مئات الالاف من العمال الزراعيين الذين فرض عليهم العمل باجر في مجال الزراعة المطرية الالية بعد ان حرمهم ( نهب) الزراعة المطرية الالية من سبل كسب عيشهم في الزراعة التقليدية وكذلك من تبقي من صغار المنتجين الذين يتواصل افقارهم من خلال اخضاعهم لاساليب استغلالية متنوعة وفق شروط مجحفة عند التعامل مع شركات كبار اصحاب مشاريع الزراعة المطرية الالية في مجالات الخدمات الالية ( الحراثة والحصاد) والتمويلية والتسويقية . |
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
ويمكن النظر للتطور الذي طرأ علي تكوين الزراعة الآلية المطرية الرأسمالية في ثلاثة فترات رئيسية اعتمادا علي الشكل الذي اتخذه ذلك التطور ومعدل نموه، ونوع وأشكال الدعم الذي تلقته الفئات الاجتماعية المنتفعة من استثمار مشاريع الزراعة المطرية الآلية في الدولة ورأس المال الأجنبي.
تميزت الفترة الأولى والتي امتدت من عام 1942 وحتى عام 1961م بقيام الدولة بجلب المعدات الزراعية ، وبإجراء المسوح واستصلاح ونظافة الأراضي والتجارب الأولية، ووضع الإطار التشريعي الذي قضي بتكون لجان من مشائخ الإدارة الأهلية لتخصيص المشاريع ذات الألف فدان للأفراد بموجب عقد إيجار للأرض، مما أدى إلى نشوء فئة من بين تجار العيوش وزعماء العشائر، وحدث في الجمع بين النشاط التجاري وانتاج الذرة – الاستغلال الربوى علي وجه الخصوص – من خلال الحصول علي الامتيازات الجديدة ، فرصة سانحة لنمو الثروة وتجميعها. ولقد شهدت تلك الفترة ، خاصة ما بين أواسط الخمسينات وحتى نهايتها ، نموا متعاظما وقوة مالية متزايدة للمنتفعين بالمشاريع الزراعية المطرية الآلية من كبار التجار ورجالات الإدارة الأهلية وتمكن رأس المال التجاري من اختراق مجال إنتاج الذرة وفق أسس رأسمالية دون أن تواجهه صعوبات في شكل المكية الفردية للأرض تثقل كاهله بدفع ربح مطلق لها، نظير الحصول علي حق الانتفاع بها، وبفضل المساعدة الحزبية السافرة التي قدمتها له حكومات ما بعد الاستقلال ، والتسهيلات الائتمانية التي وفرتها له البنوك التجارية في شكل سلفيات التخزين ، والخدمات التي يسرتها له شركات الاستيراد الأجنبية في صورة معدات زراعية وفق شروط مجزية . ورغم أن قانون توزيع مشاريع الزراعة المطرية الآلية قد نص علي إلا يتعدى حق الانتفاع بالأرض للمستثمر المصدر اكثر من مشروع واحد كحد أقصى إلا أن الاتفاقية الزراعية لم تحول دون تصرف الحاصلين علي تصاد يق الاستثمار إذا ما رغبوا في نقل حق الانتفاع بالأرض لافرد آخرين من خلال التنازل أو التوكيل 000الخ ونتج عن ذلك تركز غالبية المشاريع في أيدي قلة من الأثرياء واصحاب القدرة المادية علي الاستثمار ، والمحتكرين لأساطيل من الجرارات والمعدات الزراعية الأخرى 0000 وكثرت مظاهر تحامل كبار المنتفعين بالأرض علي أحكام قانون الإيجار، فأباحوا لانفسهم حق تحويل الانتفاع بالمشاريع لمستثمرين أو لمنتفعين آخرين، باعتماد مختلف الأساليب اعتمادا علي نوعية كل من المنتفع بالتصديق، والمستثمر، والعلاقة فيما بينهما، وقدرة المنتفع علي المساهمة في تمويل المشروع 000الخ وتبعا لتلك العوامل، فقد يقوم المستثمر بدفع أجرة ثابتة لصاحب التصديق يحددها سوق الأرض، ويصبح بذلك المنتفع الحقيقي بالتصديق أو قد تأخذ العلاقة شكل الشراكة بين المستثمر والمنتفع أو تقديم بعض الخدمات الزراعية الآلية نظير اجر محدد، أو رشوة صاحب التصديق بتحويل فائض إنتاج المحصول لمنفعته لضمان ابتزازه والحصول منه علي الامتيازات التي يؤهله موقعه لتقديمها، رغم أن مثل هذه العلاقة الأخيرة لم يتم التعبير عنها بوضوح، ولم تتخذ شكلها المتكامل والمتسع إلا خلال المرحلة الحالية والأخيرة من تطور الزراعة المطرية الآلية . ولم تقف عملية الانتفاع بالأراضي المطرية في تلك الفترة عند حد الأراضي التي خطط فتحها وتعميرها، بل امتدت لتشمل الأراضي خارج التخطيط، والتي كان التصرف فيها خاضعا لسلطات المجالس الريفية، بل أن الإدارة الأهلية بما لها من سلطة ونفوذ علي أجهزة الحكم المحلي لم تكن لتتقييد بنصوص تشريعات تعني بالجوانب الفنية الخاصة بإعداد ومسح وتحديد الأرض وفقا لاسس زراعية سليمة تحد من رغبتها في تجميع الثروة، فأقدمت علي توزيع المشاريع علي الراغبين مستخدمة في ذلك شتي الأساليب دونما اعتبار لما قد ينجم عن ذلك من خلل في شقي الإنتاج النباتي والحيواني، وما يترتب عليه من تجاهل لحركة لقبائل الرعوية، ومن استغلال مخل لموارد البلاد الطبيعية. ونتج عن ذلك تزايد الأراضي المستثمرة خارج التخطيط بالمقارنة مع لمشاريع المصدقة داخل التخطيط، مما زاد من إمكانية الحصول علي ريع الأرض نيابة عن الدولة ومن دون علمها بطرق غير مشروعة وبالتالي تجميع الثروة لدى القلة المقتدرة من المنتفعين بالمشاريع . ويلاحظ أن المجموعات الاجتماعية لتي انتفعت اكثر من غيرها من استثمار الارض والعمل الأجير في مجال الزراعة المطرية الآلية في مرحلتها الأولى تشكلت في الأسس من كبار التجار المتحكمين بتجارة الحبوب الغذائية، والعديد من زعماء العشائر ورجالات الإدارة الاهلية وقلة من قيادات الأحزاب التقليدية، ولم يكن هناك وجود واضح للفئات الاجتماعية العاملة بجهاز الدولة البيروقراطي. |
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
وشهدت بداية الفترة الثانية (1961-1968-1971) مزيدا من الانتشار الأفقي للرأسمالية الزراعية السودانية في القطاع المطري الآلي، حيث اتسع المال ليشمل مشاريع جديدة في منطقة أقدى والقرابين، إضافة إلى مشاريع القضارف والدالي والمزموم، غير أن وتيرة نمو الرأسمالية الزراعية في ذلك الحين اتسمت بالركود السبي، ولم تكن مساوية لتلك التي تحققت في الفترة الأولى، بسبب عدة عوامل كان من أهمها معارضة الحركة الديمقراطية المتسعة والقوية للسياسات الزراعية لحكومات الأحزاب التقليدية تجاه ذلك القطاع، والتي كانت ترمي لتوسيع مجال ذلك الاستثمار بحسبانه مجالا سريع العائد، دونما اعتبار لما يترتب علي ذلك من إهدار لطاقات البلاد البشرية، وتبديد لمواردها الطبيعية ، وهبوط الطلب علي المعدات الزراعية المستوردة، ونقص الاسبيرات اللازمة لتشغيل الآليات والمعدات الزراعية المتوفرة وقتها، نتيجة الشح المتعاظم لموارد البلاد من النقد الأجنبي.
سمة أخري مميزة لتلك الفترة أيضا، خاصة في نهايتها، تمثلت في دخول رأس المال الأجنبي من خلال الدعوة التي وجهتها الدولة آنذاك للبنك الدولي للإنشاء والتعمير، الذي عمل علي تأسيس هيئة الزراعة الآلية في عام 168م، وقام برسم الخطوط العريضة للسياسة الزراعية للهيئة لتوفير الشروط الموضوعية التي تضع خدمات الجهات الحكومية ذات الصلة بقطاع الزراعة المطرية الآلية، وتوجيه القروض المقدمة في شكل الآلات زراعية ومعدات وسلفيات لنظافة الأشجار لخدمة الاستثمار الفردى، وساهم تطبيق تلك السياسة في إنعاش الرأسمالية الزراعية في مجال الزراعة المطرية الآلية في نهاية الفترة الثانية من تطورها، بعد أن خمدت جذوتها في بداية ذلك العقد، وترتب علي ذلك تثبيت وتقوية مواقع قدامي الرأسماليين في مناطق مثل أم صفورة، وأم بلبل وأم سينات بإقليم القضارف، وتحضير تجار جدد لدخول المجال بالمناطق الجديدة التي تمت تنميتها وتعميرها بذات الإقليم وإقدام تجار آخرين بصحبة أبناء الجيل الثاني من بيوتات الإدارة الأهلية لتوسيع الامتداد الأفقي للرأسمالية الزراعية في منطق جديدة مثل منطقة هبيلا بجنوب كردفان. إضافة إلى ضم بعض القدامى من أصحاب المشاريع الخصوصية للقطن وتمكينهم من تعويض ما فقدوا من مواقع في استثمار القطن استيعابهم في مجال إنتاج وتجارة الحبوب في مختلف أقاليم الزراعة المطرية الآلية. |
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
أما الفترة الثالثة والأخيرة فقد امتدت منذ بداية السبعينات وحتى الوقت الحالي وشهدت قفزات سريعة ومتواصلة في عملية التوسع الرأسمالي. ويمكن تقسيم هذه الفترة إلى مرحلتين، المرحلة الأولى بدأت بعد تعديل الخطة الخمسية في عهد مايو وبالتحديد بعد موسم 73/74 حيث قامت الدولة بتوجيه قروض البنك الدولي للإنشاء والتعمير وتسهيلات البنك الزراعي السوداني وخدمات مؤسسة الزراعة الآلية والمؤسسات الفرعية التابعة لها لتلبية احتياجات القطاع الخاص في مجال الزراعة المطرية الآلية ولارضاء تطلعات الفئات البيروقراطية للإثراء السريع ضمانا لولائها للنظام الحاكم، ولتسخير مؤهلاتها لدعم التوجه الرأسمالي وفق أسس حديثة. وتوضح كشوفات تخصيص مشاريع الزراعة المطرية الآلية في مختلف الأقاليم نمو مواقع ونفوذ الفئات البيروقراطية وتزايد انتفاعهم بالامتيازات الممنوحة من قبل الدولة وراس المال الأجنبي حيث بلغت نسبتهم في بعض المناطق اكثر من خُمس مجموع المنتفعين المكونين من كبار التجار وقدامي أصحاب رخص مشاريع القطن الخصوصية ورجالات الإدارة الأهلية، ومن بين هؤلاء كان يوجد من لا زال يحتفظ بموقعه داخل السلطة السياسية في ذلك الوقت، ومن دخل إليها وخرج منها ومن انتفع بصلات القربي والتودد بالسلطة، والعديد من رجالات الدين والطرق الصوفية.
أيضا قامت الدولة في تلك المرحلة من الفترة الثالثة بوضع قانون تشجيع الاستثمار الزراعي الذي جعل من قطاع الدولة مجالا يقدم المزيد من الامتيازات والإعفاءات لاثراء الفئات الرأسمالية مما أدى الي تزايد عملية استقطاب الثروة وبروز فئة من كبار الماليين الذين ازدادوا إثراء ونفوذا داخل وخارج مجموعة أصحاب المشاريع ذات الألف والألف وخمسمائة فدان وزاد من فرص تحالف بعض فئات الرأسمالية المحلية مع الشركات الأجنبية المتعددة الجنسيات لتعزيز مصالحهما المشتركة فرص نماء الزراعة المطرية الآلية وفق أسس رأسمالية . وتوضح المعلومات المتوفرة عن تخصيص الأراضي الزراعية لفرص الاستثمار الزراعي المطري الآلي أن الدولة في عهد مايو قد قامت بمنح حوالي عشرين شركة من كبريات الشركات الزراعية الخاصة وفي فترة أربعة سنوات فقط في ذلك الوقت حوالي 2 مليون فدان. وبلغت تلك المساحة في ذلك الوقت تقريبا كل ما تم تخصيصه لمشاريع الزراعة المطرية الآلية طوال الفترة الممتدة منذ عام 1956 وحتى عام 1969م أي بدءا بالاستقلال ومرورا بفترة الحكم العسكري الأول وفترة ثورة أكتوبر وما بعدها وحتى بداية حكم مايو في أواخر الستينات. فوق ذلك شكلت ثلث المساحة ما قل قليلا عن ثلث مجمل المساحات المزروعة بكافة أقاليم الزراعة المطرية الآلية للموسم 83/84م والتي شملت الأراضي داخل وخارج التخطيط وحوالي 12,5% من مجمل المساحة المزروعة بالمحاصيل النباتية علي نطاق القطر. وقد أعطى قانون تشجيع الاستثمار الزراعي لعام 1980م الحق لقلة من كبار الرأسماليين من بين ثلاثة آلاف مستثمر فردي بالتقريب في مجال الزراعة المطرية الآلية في ذلك الوقت (حوالي اثنين من مائة بالمائة من مجمل سكان السودان) للتحكم في تشغيل الآلات و المعدات الزراعية التابعة للقطاع المطري الآلي وفي استثمار اليد العاملة الأجيرة المستخدمة في ذات المجال وفي إنتاج وتسويق اكثر من عشر إنتاج البلاد من الذرة والحبوب الزيتية . |
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
ومن مفارقات قانون تشجيع الاستثمار الزراعي الخاص لسنة 1980 انه قد منح التصديق وما لحق به من امتيازات وإعفاءات لأغراض قد تكون غير منتجة رغم استهداف القانون بتشجيع الاستثمار وفق أسس رأسمالية، إذ أن معظم الذين حصلوا علي امتياز الشركات الزراعية الكبرى قاموا باستخدام الامتيازات والإعفاءات الممنوحة لهم كوسيلة للإثراء السريع بأشكال طفيلية متنوعة مثال ذلك :- استيراد السلع والبضائع وكأنها تمثل جزءا من مكونات الشركة الزراعية الكبرى، كما تم التصديق عليها و فق المواصفات التي تنطبق عليها شروط التصديق تم بيع تلك السلع والبضائع في السوق المحلي وجنى الأرباح الطائلة من وراء ذلك، أو استخدام الامتياز الممنوح للتعامل مع الشركات الأجنبية عن طريق الوكالة، أو إبرام عقود اتفاق مع الشركات الأجنبية بواسطة شركات استثمارية محلية تخصصت في القيام بدور السمسرة في تصديق البضائع الكاسدة لتلك الشركات في السوق المحلي، أيضا ثم اقتسام الأرباح بالطريقة التي يتم الاتفاق عليها أو بتنظيم صفقات تجارية بالمقايضة مع نفس الاحتكارات للقيام بتصدير منتجات من الحاصلات الزراعية للبلاد لتعامل وكأنما هي منتجات للمشروع الوهمي بينما هي في حقيقة الأمر سلعا تخص صغار المنتجين بالقطاع المعيشي يتم تجميعها منهم بأساليب استغلالية بشعة، ويستخدم عائد المقايضة بعد ذلك في جلب السلع البذخية أو الآليات والمعدات التي تدر العائد المجزي والسريع كالشاحنات التي تقوم بنقل مواد الإغاثة مثلا، هذا إذا لم يتم تهريب تلك الصادرات الي دول الجوار كما يتضح مثلا من النظر إلى إحصائيات صادرات السودان من المواشي للسعودية ، وواردات السعودية لنفس السلع في السودان000 وهكذا0000
ومما يؤكد ما ذهبنا إليه في الأمثلة الواردة أعلاه المفارقة الواضحة بين مكونات دراسات الجدوى للمشاريع المصدقة ومعدلات تنفيذ الاستثمارات بتلك المشروعات ، إذ ليس هناك ما يلزم أصحاب الشركات الكبرى بالتقييد بإنجاز تلك الاستثمارات في فترة زمنية محددة ، ووفق جدول زمني متفق عليه مسبقا مع الجهات المعنية ، بعد الحصول علي حق الانتفاع بالمشروع وما تبعه من مزايا ، خاصة وان قطاع الدولة حتى بشكله البيروقراطي قد اصبح مقعدا بعد أن تم تجريده من كل القدرات والإمكانيات التي تؤهله للقيام ولو بدور الرقابة الإدارية فقط ، ناهيك عن الاستقلالية في اتخاذ القرارات وفق مقتضيات الصالح العام. وفي المرحلة الثانية من الفترة الثالثة والأخيرة قامت حكومة الإنقاذ بتكرار ذات السياسات الزراعية التي أقعدت القطاع المطري الآلي عن القيام بدوره في تأمين الاحتياجات الغذائية الضرورية لسكان البلاد وصيانة الموارد الطبيعية ( الموارد المائية ، الثروة الحيوانية والمراعي ، الغابات ) من خلال الاستخدام المتوارث والمتكامل الإمكانات المتاحة 000 وواصلت حكومة الجبهة سياسة الاستيلاء علي الأرض التي تبنتها الحكومات السابقة مستعينة علي ذلك باتخاذ سلسلة من التدابير والتي شملت إصدار قانون تشجيع الاستثمار لسنة 1990م وتعديل قانون الأراضي غير المسجلة لعام 1970 بقانون المعاملات المدنية لعام 1990م ، مما لم يغير من طبيعة علاقات الدولة بملكية الأراضي بل زاد في امتيازات الدولة والأفراد المرتبطين بها علي حساب مواطني الأقاليم 0000 وقد ورد في دراسة قام بأعدادها جمال واخرون حول حقوق الأراضي والموارد الطبيعية واصلاح الأراضي .أن الهيئة العامة للاستثمار التي أنشئت بموجب قانون تشجيع الاستثمار لعام 1990 قد خصصت في إطار البرنامج الثلاثي للإنقاذ الاقتصادي (1990-1993م) " ملايين الافدنة الزراعية في مناطق كردفان وجبال النوبة والنيل الأزرق والنيل الأبيض واعالي النيل " علي شركات وأفراد وخليط من " أنصار الحكومة وكوادر الجبهة والإسلاميين العرب" مما مثل تجاوزا لكل الحقوق التاريخية للقبائل الزراعية والرعوية " التي كانت تستخدم تلك الأراضي لكسب قوتها . وبناء علي تعديلات قانون المعاملات المدنية حرم علي الجهاز القضائي النظر في الشكاوى المقدمة من قبل الأطراف المتضررة من تلك القبائل ، بينما تم تعزيز القدرات الاحتكارية للمستثمرين الجدد بإزالة كل العقبات الإدارية والقانونية والاقتصادية من طريقهم لتمكينهم من الانطلاق في نهب خيرات القطاع التقليدي من خلال الاتجار بمنتجاته ذات الميزة النسبية المرتفعة مقارنة ببقية الفروع الزراعية ( تجارة الفحم النباتي ، الثروة الحيوانية ، الصمغ العربي ، الحبوب الزيتية 000 الخ) |
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
ومع تزايد تمركز أراضى مشاريع الزراعة المطرية الآلية والآلات والمعدات الزراعية ووسائل النقل وتأجير اليد العاملة 000الخ في أيدي فئة قليلة العدد من كبار أصحاب المشاريع والشركات الرأسمالية الزراعية الكبيرة والصغيرة ، المتخصصة والمختلطة ، لم تعد الحيازة علي المشروع التي تتراوح مساحته ما بين 250 إلى 1500 فدان ، وحدها بكافية لاعطاء صفة الرأسمالية الزراعية لبعض من يحوز علي التصديق ، خاصة إذا عجز مثل ذلك الحائز عن تأمين الحد الأدنى من الآلات والمعدات الزراعية اللازمة لإنجاز عمليتي الزراعة والحصاد / بما يقوده إلى اللجوء لمحتكري الجرارات والحاصدات لتوفير خدمات الزراعة والحصاد ، ولكبار التجار ( أو البنوك التجارية ) كتأمين الاحتياجات العينية – ولربما النقدية – لليد العاملة الأجيرة المستثمرة في العمليات الزراعية الأخرى بشروط مجحفة ، ثم إلى ملاك الشاحنات وعربات النقل لترحيل ما قد يحصل عليه من إنتاج إلى مراكز التسويق أو مواقع سداد الديون المتعاقد عليها000 وترتب علي كل ذلك انتقال الجزء الغالب من الأشكال المتعددة لفائض القيمة المتحقق من العملية الاستثمارية من تلك الفئة من أصحاب المشاريع العاجزة عن استغلال الحيازة الممنوحة، إلى أيدي الفئات المسيطرة علي أساطيل الجرارات والمعدات التابعة لها والشاحنات ، والقادرة علي توفير التمويل اللازم لإجراء مختلف العمليات الزراعية ، مما زاد من تراكم المديونية علي الفئة الأولى للثانية في نفس الوقت الذي تجمعت فيه كل خيوط رأس المال التجاري والزراعة التجارية بمساعدة العمل الأجير لمصلحة الفئة الأخيرة والتي تمكنت من خلال تشابك مصالحها مع مصالح رأس المال الأجنبي وتحالفها الوثيق مع فئة البيروقراطية العسكرية والمدنية داخل وخارج السلطة من تأسيس الشركات الزراعية الرأسمالية الكبيرة لدمج الأعمال التجارية مع المشاريع الزراعية 0000 ولم تقف عملية استقطاب الثروة لدى كبار الرأسماليين عند حد التحكم في استخدام وتقديم خدمات الآليات الزراعية ، واستغلال العمال الزراعيين وعمال اليومية ومن ثم ابتلاع المشاريع التي يعجز أصحابها عن استثمارها ، وانما امتدت لتجعل من التجميع الهائل للأرض في ايديهامجالا خصبا للمضاربة بحق الانتفاع بها، فاقدمت علي بيع ذلك الحق او تاجير الارض في حيازات صغيرة احيانا لسنتين او لألكثر، للراغبين في الاستثمالر ثم في الحصول علي التصديق من لجان تخصيص الاراضي الولائية ، أو الذين لا تسمح لهم امكانياتهم المالية بمقابلة تكلفة الارض الجديدة، أوللبتجارة الفحم وحطب الحريق او للهاربين من عاملين علي التصديق من لجان تخصيص الأراضي الولائية ، أو للذين لا تسمح لهم إمكانياتهم المالية بمقابلة تكلفة تنمية الأرض الجديدة ، أو للعاملين بتجارة الفحم النباتي وحطب الحريق ، أو للهاربين من نير الاضطهاد السياسي من دول الجوار . من ناحية أخري ، لجأت ذات الفئة للاستيلاء علي مساحات علي مساحات إضافية واسعة من افضل الأراضي الزراعية خارج التخطيط من خلال التعامل مع شيوخ القرى أو بالاتفاق مع سلطات الحكم المحلي ، دون أن تقوم الأخيرة بتخطيط تلك الأراضي أو بوضع حد ادني من الضوابط يسهم ولو بقدر ضئيل في ترشيد ل استغلال ثروات البلاد الطبيعية كل ذلك بغرض خفض ايجار الارض الاسمي
|
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
وتعبر مواقع الشخصيات التي منحت امتياز تأسيس شركات زراعية كبرى ، ومصادر التمويل ، وتعيين المدراء لنفس الشركات بوضوح عن تشابك مصالح بيروقراطية الدولة مع مصالح الرأسمالية المحلية والأجنبية ، القديمة ( جزئيا ) والجديدة ( كليا ) بكافة أنواعها.
|
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
جوهر القضية الزراعية في السودان.
أن العمل الإضافي للمزارع المنتج والعامل الزراعي هو المصدر الوحيد لما يحصل عليه كبار أصحاب المشاريع والمستأجرون وكبار رجالات الأعمال من أصحاب البنوك وشركات الخدمات الزراعية ( الآلات الزراعية , البذور , الأسمدة والمبيدات , التخزين , التبريد , النقل التسويق .. الخ ). إنما يحصل علية هؤلاء جميعاً يساوي أكثر من نصف ما ينتجه القطاع الزراعي وهذا الفائض المتدفق خارج الزراعة هو ما يحرمها من التراكمات الضرورية لتطويرها وهو من جهة أخرى يخفض مستوى معيشة العاملين لها للحد الأدنى. وبالانتقال من العملية الإنتاجية إلى العملية الصناعية نجد أن الضرائب الزراعية ضريبة المياه والأرض بوجه خاص وما يتبعها من أرباح راس مالية وتكاثر الوسطاء والسماسرة في القنوات التسويقية تزيد من تكلفة الإنتاج بشكل مصطنع وتفرض نفسها على كل المستهلكين أن تعديل السياسة الضريبية بطريقة تتناقص عكسياً مع زيادة الإنتاج خاصة لعناصر تكلفة الإنتاج الراسية مثل ضريبة الأرض والمياه قد يعين على خفض تكلفة الإتناح وبالتالي أسعار المنتجات الزراعية حتى مع بقاء إنتاجية العمل الراهنة على حالها وهنا يكمن جوهر القضية الزراعية في السودان ويستحيل حل القضية الزراعية حلاً جذرياً دون تعديل ذلك النوع من علاقات الإنتاج أو الملكية التي تتيح لقلة من رجالات أجهزة الدولة (المنظمة لتخصيص التصرف بالأراضي الحكومية) وكبار أصحاب المشاريع الزراعية وفرض نظام ضريبي جائر على العاملين في القطاع الزراعي وعلى المجتمع كله دون القيام باتخاذ أي تدابير لتأمين استثمار الأرض ورعاية حقوق العاملين عليها وحمايتها من التدهور |
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
والسلام ختام
|
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
المصادرنقلاً عن موقع الميدان الالكتروني
|
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
مشكور الاخ تاج السر فوزي على المجهود
|
رد: الزراعة السودانية بين البقاء و الفناء
بارك الله فيك يا مولانا على المجهود الرائع
|
الساعة الآن 12:41 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
دعم وتطوير نواف كلك غلا