بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد : - الإسلام يحذر من الكذب بوجه عام , ويعده من خصال الكفر أو النفاق .. ففي القرآن نقرأ : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون } . - وفي السنة : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب , وإذا وعد أخلف , وإذا عاهد غدر ) . [ أخرجه الشيخان ] وفي روية لمسلم : ( وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم ) . - وفي حديث آخر للشيخين : ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً , ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا أؤتمن خان , وإذا حدث كذب , وإذا عاهد غدر , وإذا خاصم فجر ) . - وهذا كله يدلنا على مدى نفور الإسلام من الكذب , وتربية أبنائه على التطهر منه , سواء ظهر من ورائه ضرر مباشر أم لا … يكفي أنه كذب , وإخبار بغير الواقع , وتشبه بأهل النفاق . - وليس من اللازم ألا يلتزم الناس الصدق إلا إذا جر عليه منفعة , ولا يتجنبوا الكذب إلا إذا جلب عليهم مضرة , فالتمسك بالفضيلة واجب وإن كان وراءها بعض الضرر الفردي المباشر واتقاء الرذيلة واجب وإن درت بعض النفع الآني المحدود , وإن كان الإنسان يكره أن يكذب عليه غيره , ويخدعه باعتذارات زائفة وتعليلات باطلة , فواجبه أن يكره من نفسه الكذب على الآخرين , على قاعدة : " عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به " . - على أن من أكبر وجوه الضرر فيالكذب أن يعتاده اللسان , فلا يستطيع التحرر منه , وهذا هو المشاهد الملموس , الذي عبر عنه الشاعر قديماً فقال : عوِّد لسانك قول الصدق وارض به إن اللسان لما عوَّدت معتاد - ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحذرنا من ولوج هذا الباب الذي ينتهي بصاحبه بعد اعتياد دخوله إلى أن يكتب عند الله من الكذابين فيقول : ( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر , والبر يهدي إلى الجنة , وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً , وإياكم والكذب , فإن الكذب يهدي إلى الفجور , والفجور يهدي إلى النار , وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب , حتى يكتب عند الله كذاباً ) . [ متفق عليه ] . - ومع هذا فإن من خصائص الإسلام أنه دين يجمع بين المثالية والواقعية في توازن وتناسق , ولا يكتفي بالتحليق في أجواء المثاليات المجنحة , دون النزول إلى أرض الواقع الذي يعيشه الناس , كما فعل بعض فلاسفة الأخلاق المثاليين من أنصار مذهب الواجب لذاته , مثل الفيلسوف الألماني الكبير " كانت " الذي لم يرخص فيالكذب ونحوه في أي موضع , ولأي سبب ومهما تكن النتيجة . - أما الإسلام فهو منهج الله تعالى الذي يعلم من طبيعة الحياة , وضرورات الناس فيها , ما يجعله يرخص فيالكذبفي مواضع معينة , مراعاة لطبيعة البشر , وتقدير لما ينزل بهم من ضرورة قاهرة أو حاجة ملحة . و الذي يدل على الاستثناء ما روي عن أم كلثوم قالت : " ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث : الرجل يقول القول يريد به الإصلاح , والرجل يقول القول في الحرب , والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها " . [ أخرجه مسلم ] . - وقالت أيضاً : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وليس وليس بكذاب من أصلح بين اثنين فقال خيراً أو نمى خيراً ) . [ أخرجه الشيخان ] . - وقالت أسماء بنت يزيد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل الكذب يكتب على ابن آدم , إلا رجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما ) . [ أخرجه أحمد والترمذي ] .
التعديل الأخير تم بواسطة أمة الختم ; 04-24-2010 الساعة 03:05 AM.
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل
دخولك قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا