القبول يا رب - شباب الطريقة الختمية بدائرة ود ابراهيم بأم بدة

مجموعة مدائح ختمية.. شباب الطريقة الختمية بمسجد السيد علي الميرغني ببحري


غير مسجل أهلاً ومرحباً بكم

العودة   منتديات الختمية > الأقسام العامة > مكتبة الميرغني الإليكترونية
التسجيل التعليمات المجموعات التقويم مشاركات اليوم البحث

مكتبة الميرغني الإليكترونية خاصة بجميع مؤلفات السادة المراغنة

فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه

مكتبة الميرغني الإليكترونية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-31-2013, 10:17 PM   #1
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب فَضْلِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا صَلَّيْتَ فَقَدْ قَضَيْتَ الَّذِي عَلَيْكَ وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ مَا عَلِمْنَا عَلَى الْجَنَازَةِ إِذْنًا وَلَكِنْ مَنْ صَلَّى ثُمَّ رَجَعَ فَلَهُ قِيرَاطٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل اتباع الجنائز‏)‏ قال ابن رشيد ما محصله مقصود الباب بيان القدر الذي يحصل به مسمى الاتباع الذي يجوز به القيراط، إذ في الحديث الذي أورده إجمال، ولذلك صدره بقول زيد بن ثابت، وآثر الحديث المذكور على الذي بعده وإن كان أوضح منه في مقصوده كعادته المألوفة في الترجمة على اللفظ المشكل ليبين مجمله، وقد تقدم طرف من بيان ما يحصل به مسمى الاتباع في ‏"‏ باب السرعة بالجنازة‏"‏، وله تعلق بهذا الباب، وكأنه قصد هناك كيفية المشي وأمكنته، وقصد هنا ما الذي يحصل به الاتباع وهو أعم من ذلك، قال‏:‏ ويمكن أن يكون قصد هنا ما الذي يحصل به المقصد إذ الاتباع إنما هو وسيلة إلى تحصيل الصلاة منفردة أو الدفن منفردا أو المجموع‏.‏
قال‏:‏ وهذا كله يدل على براعة المصنف ودقة فهمه وسعة علمه‏.‏
وقال الزين بن المنير ما محصله‏:‏ مراد الترجمة إثبات الأجر والترغيب فيه لا تعيين الحكم، لأن الاتباع من الواجبات على الكفاية، فالمراد بالفضل ما ذكرناه لا قسيم الواجب، وأجمل لفظ الاتباع تبعا للفظ الحديث الذي أورده لأن القيراط لا يحصل إلا لمن اتبع وصلى أو اتبع وشيع وحضر الدفن لا لمن اتبع مثلا وشيع ثم انصرف بغير صلاة كما سيأتي بيان الحجة لذلك في الباب الذي يليه، وذلك لأن الاتباع إنما هو وسيلة لأحد مقصودين‏:‏ إما الصلاة وإما الدفن، فإذا تجردت الوسيلة عن المقصد لم يحصل المرتب على المفصود، وإن كان يرجى أن يحصل لفاعل ذلك فضل ما بحسب نيته‏.‏
وروى سعيد بن منصور من طريق مجاهد قال ‏"‏ اتباع الجنازة أفضل النوافل ‏"‏ وفي رواية عبد الرزاق عنه ‏"‏ اتباع الجنازة أفضل من صلاة التطوع‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال زيد بن ثابت‏:‏ إذا صليت فقد قضيت الذي عليك‏)‏ وصله سعيد بن منصور من طريق عروة عنه بلفظ ‏"‏ إذا صليتم على الجنازة فقد قضيتم ما عليكم فخلوا بينها وبين أهلها ‏"‏ وكذا أخرجه عبد الرزاق، لكن بلفظ ‏"‏ إذا صليت على جنازة فقد قضيت ما عليك ‏"‏ ووصله ابن أبي شيبة من هذا الوجه بلفظ الأفراد ومعناه فقد قضيت حق الميت، فإن أردت الاتباع فلك زيادة أجر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال حميد بن هلال‏:‏ ما علمنا على الجنازة إذنا ولكن من صلى ثم رجع فله قيراط‏)‏ لم أره موصولا عنه، قال الزين بن المنير‏:‏ مناسبته للترجمة استعارة بأن الاتباع إنما هو لمحض ابتغاء الفضل، وأنه لا يجري مجرى قضاء حق أولياء الميت فلا يكون لهم فيه حق ليتوقف الانصراف قبله على الإذن منهم‏.‏
قلت‏:‏ وكأن البخاري أراد الرد على ما أخرجه عبد الرزاق من طريق عمرو بن شعيب عن أبي هريره قال ‏"‏ أميران وليسا بأميرين‏:‏ الرجل يكون مع الجنازة يصلي عليها فليس له أن يرجع حتى يستأذن وليها ‏"‏ الحديث، وهذا منقطع موقوف، وروى عبد الرزاق مثله من قول إبراهيم، وأخرجه ابن أبي شيبة عن المسور من فعله أيضا، وقد ورد مثله مرفوعا من حديث جابر أخرجه البزار بإسناد فيه مقال، وأخرجه العقيلي في الضعفاء من حديث أبي هريرة مرفوعا بإسناد ضعيف، وروى أحمد من طريق عبد الله بن هرمز عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ من تبع جنازة فحمل من علوها وحثا في قبرها وقعد حتى يؤذن له رجع بقيراطين ‏"‏ وإسناده ضعيف‏.‏
والذي عليه معظم أئمة الفتوى قول حميد بن هلال، وحكي عن مالك أنه لا ينصرف حتى يستأذن‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ نَافِعًا يَقُولُ حُدِّثَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَقُولُ مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ فَقَالَ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَيْنَا فَصَدَّقَتْ يَعْنِي عَائِشَةَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ فَرَّطْتُ ضَيَّعْتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدث ابن عمر‏)‏ كذا في جميع الطرق ‏"‏ حدث ‏"‏ بضم المهملة على البناء للمجهول، ولم أقف في شيء من الطرق عن نافع على تسمية من حدث ابن عمر عن أبي هريرة بذلك، وقد أورده أصحاب الأطراف والحميدي في جمعه في ترجمة نافع عن أبي هريرة، وليس في شيء من طرقه ما يدل على أنه سمع منه وإن كان ذلك محتملا، ووقفت على تسمية من حدث ابن عمر بذلك صريحا في موضعين‏:‏ أحدهما في صحيح مسلم وهو خباب بمعجمة وموحدتين الأولى مشددة وهو أبو السائب المدني صاحب المقصورة قيل إن له صحبة، ولفظه من طريق داود بن عامر بن سعد عن أبيه ‏"‏ أنه كان قاعدا عند عبد الله بن عمر إذ طلع خباب صاحب المقصورة فقال‏:‏ يا عبد الله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة ‏"‏‏؟‏ فذكر الحديث‏.‏
والثاني في جامع الترمذي من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكر الحديث، قال أبو سلمة فذكرت ذلك لابن عمر فأرسل إلى عائشة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أبا هريرة يقول من تبع‏)‏ كذا في جميع‏:‏ الطرق لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن راشد عن أبي النعمان شيخ البخاري فيه، لكن أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن مهدي بن الحارث عن موسى بن إسماعيل، عن أبي أمية عن أبي النعمان، وعن التستري عن شيبان ثلاثتهم عن جرير بن حازم عن نافع قال ‏"‏ قيل لابن عمر إن أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ من تبع جنازة فله قيراط من الأجر ‏"‏ فذكره ولم يبين لمن السياق، وقد أخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ كذلك، فالظاهر أن السياق له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من تبع جنازة فله قيراط‏)‏ زاد مسلم في روايته ‏"‏ من الأجر‏"‏‏.‏
والقيراط بكسر القاف‏.‏
قال الجوهري‏:‏ أصله قراط بالتشديد لأن جمعه قراريط فأبدل من أحد حرفي تضعيفه ياء قال‏:‏ والقيراط نصف دانق‏.‏
وقال قبل ذلك‏:‏ الدانق سدس الدرهم‏.‏
فعلى هذا يكون القيراط جزءا من اثني عشر جزءا من الدرهم‏.‏
وأما صاحب النهاية فقال‏:‏ القيراط جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وفي الشام جزء من أربعة وعشرين جزءا، ونقل ابن الجوزي عن ابن عقيل أنه كان يقول‏:‏ القيراط نصف سدس درهم أو نصف عشر دينار‏.‏
والإشارة بهذا المقدار إلى الأجر المتعلق بالميت في تجهيزه وغسله وجميع ما يتعلق به، فللمصلي عليه قيراط من ذلك، ولمن شهد الدفن قيراط‏.‏
وذكر القيراط تقريبا للفهم لما كان الإنسان يعرف القيراط ويعمل العمل في مقابلته، وعد من جنس ما يعرف وضرب له المثل يما يعلم انتهى‏.‏
وليس الذي قال ببعيد، وقد روى بزار من طريق عجلان عن أبي هريره مرفوعا ‏"‏ من أتى جنازة في أهلها فله قيراط، فإن تبعها فله قيراط، فإن صلى عليها فله قيراط، فإن انتظرها حتى تدفن فله قيراط ‏"‏ فهذا يدل على أن لكل عمل من أعمال الجنازة قيراطا وأن اختلفت مقادير القراريط ولا سيما بالنسبة إلى مشقة ذلك العمل وسهولته، وعلى هذا فيقال‏:‏ إنما خص قيراطي الصلاة والدفن بالذكر لكونهما المقصودين، بخلاف باقي أحوال الميت فإنها وسائل، ولكن هذا يخالف ظاهر سياق الحديث الذي في الصحيح المتقدم في كتاب الإيمان فإن فيه ‏"‏ إن لمن تبعها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها قيراطين ‏"‏ فقط، ويجاب عن هذا بأن القيراطين المذكورين لمن شهد، والذي ذكره ابن عقيل لمن باشر الأعمال التي يحتاج إليها الميت فافترقا، وقد ورد لفظ القيراط في عدة أحاديث‏:‏ فمنها ما يحمل على القيراط المتعارف ومنها ما يحمل على الجزء في الجملة وإن لم تعرف النسبة‏.‏
فمن الأول حديث كعب بن مالك مرفوعا ‏"‏ إنكم ستفتحون بلدا يذكر فيها القيراط ‏"‏ وحديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ كنت أرعى غنما لأهل مكة بالقراريط ‏"‏ قال ابن ماجه عن بعض شيوخه‏:‏ يعني كل شاة بقيراط‏.‏
وقال غيره‏:‏ قراريط جبل بمكة‏.‏
ومن المحتمل حديث ابن عمر في الذين أوتوا التوراة ‏"‏ أعطوا قيراطا قيراطا ‏"‏ وحديث الباب، وحديث أبي هريرة ‏"‏ من اقتنى كلبا نقص من عمله كل يوم قيراط ‏"‏ وقد جاء تعيين مقدار القيراط في حديث الباب بأنه مثل أحد كما سيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه‏.‏
وفي رواية عند أحمد والطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر ‏"‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله مثل قراريطنا هذه‏؟‏ قال‏:‏ لا بل مثل أحد ‏"‏ قال النووي وغيره‏:‏ لا يلزم من ذكر القيراط في الحديثين تساويهما لأن عادة الشارع تعظيم الحسنات وتخفيف مقابلها والله أعلم‏.‏
وقال ابن العربي القاضي‏:‏ الذرة جزء من ألف وأربعة وعشرين جزءا من حبة والحبة ثلث القيراط، فإذا كانت الذرة تخرج من النار فكيف بالقيراط‏؟‏ قال وهذا قدر قيراط الحسنات، فأما قيراط السيئات فلا‏.‏
وقال غيره‏:‏ القيراط في اقتناء الكلب جزء من أجزاء عمل المقتنى له في ذلك اليوم، وذهب الأكثر إلى أن المراد بالقيراط في حديث الباب جزء من أجزاء معلومة عند الله؛ وقد قربها النبي صلى الله عليه وسلم للفهم بتمثيله القيراط بأحد، قال الطيبي‏:‏ قوله ‏"‏ مثل أحد ‏"‏ تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ القيراط، والمراد منه أنه يرجع بنصيب كبير من الأجر، وذلك لأن لفظ القيراط مبهم من وجهين، فبين الموزون بقوله ‏"‏ من الأجر ‏"‏ وبين المقدار المراد منه بقوله ‏"‏ مثل أحد‏"‏‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ أراد تعظيم الثواب فمثله للعيان بأعظم الجبال خلقا وأكثرها إلى النفوس المؤمنة حبا، لأنه الذي قال في حقه ‏"‏ إنه حبل يحبنا ونحبه ‏"‏ انتهى‏.‏
ولأنه أيضا قريب من المخاطبين يشترك أكثرهم في معرفته، وخص القيراط بالذكر لأنه كان أقل ما تقع به الإجارة في ذلك الوقت، أو جرى ذلك مجرى العادة من تقليل الأجر بتقليل العمل‏.‏
واستدل بقوله ‏"‏ من تبع ‏"‏ على أن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي أمامها، لأن ذلك هو حقيقة الاتباع حسا‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ الذين رجحوا المشي أمامها حملوا الاتباع هنا على الاتباع المعنوي أي المصاحبة، وهو أعم من أن يكون أمامها أو خلفها أو غير ذلك، وهذا مجاز يحتاج إلى أن يكون الدليل الدال على استحباب التقدم راجحا انتهى‏.‏
وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في ‏"‏ باب السرعة بالجنازة ‏"‏ وذكرنا اختلاف العلماء في ذلك بما يغني عن إعادته قوله‏:‏ ‏(‏أكثر علينا أبو هريرة‏)‏ قال ابن التين‏:‏ لم يتهمه ابن عمر، بل خشي عليه السهو، أو قال ذلك لكونه لم ينقل له عن أبي هريرة أنه رفعه، فظن أنه قال برأيه فاستنكره انتهى‏.‏
والثاني جمود على سياق رواية البخاري، وقد بينا أن في رواية مسلم أن رفعه، وكذا في رواية خباب عن أبي هريرة عند مسلم أيضا‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ قوله ‏"‏ أكثر علينا ‏"‏ أي في ذكر الأجر أو في كثرة الحديث، كأنه خشي لكثرة رواياته أن يشتبه عليه بعض الأمر انتهى‏.‏
ووقع في رواية أبي سلمة عند سعيد بن منصور ‏"‏ فبلغ ذلك ابن عمر فتعاظمه ‏"‏ وفي رواية الوليد بن عبد الرحمن عند سعيد أيضا ومسدد وأحمد بإسناد صحيح ‏"‏ فقال ابن عمر‏:‏ يا أبا هريرة انظر ما تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصدقت يعني عائشة أبا هريرة‏)‏ لفظ ‏"‏ يعني ‏"‏ للبخاري، كأنه شك فاستعملها‏.‏
وقد رواه الإسماعيلي من طريق أبي النعمان شيخه فلم يقلها‏.‏
وفي رواية مسلم ‏"‏ فبعث ابن عمر إلى عائشة يسألها فصدقت أبا هريرة ‏"‏ وفي رواية أبي سلمة عند الترمذي ‏"‏ فذكر ذلك لابن عمر، فأرسل إلى عائشة فسألها عن ذلك فقالت‏:‏ صدق ‏"‏ وفي رواية خباب صاحب المقصورة عند مسلم ‏"‏ فأرسل ابن عمر خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت، حتى رجع إليه الرسول فقال‏:‏ قالت عائشة صدق أبو هريرة ‏"‏ ووقع في رواية الوليد بن عبد الرحمن عند سعيد بن منصور ‏"‏ فقام أبو هريرة فأخذ بيده فانطلقا حتى أتيا عائشة فقال لها‏:‏ يا أم المؤمنين، أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ فذكره فقالت ‏"‏ اللهم نعم‏"‏‏.‏
ويجمع بينهما بأن الرسول لما رجع إلى ابن عمر بخبر عائشة بلغ ذلك أبا هريرة فمشى إلى ابن عمر فاسمعه ذلك من عائشة مشافهة، وزاد في رواية الوليد ‏"‏ فقال أبو هريرة‏:‏ لم يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الودي ولا صفق بالأسواق، وإنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلة يطعمنيها أو كلمة يعلمنيها ‏"‏ قال له ابن عمر ‏"‏ كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقد فرطنا في قراريط كثيرة‏)‏ أي من عدم المواظبة على حضور الدفن، بين ذلك مسلم في روايته من طريق ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر قال ‏"‏ كان ابن عمر يصلي على الجنازة ثم ينصرف، فلما بلغه حديث أبي هريرة ‏"‏ قال فذكره‏.‏
وفي هذه القصة دلالة على تميز أبي هريرة في الحفظ، وأن إنكار العلماء بعضهم على بعض قديم، وفيه استغراب العالم ما لم يصل إلى علمه وعدم مبالاة الحافظ بإنكار من لم يحفظ، وفيه ما كان الصحابة عليه من التثبت في الحديث النبوي والتحرز فيه والتنقيب عليه، وفيه دلالة على فضيلة ابن عمر من حرصه على العلم وتأسفه على ما فاته من العمل الصالح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرطت‏:‏ ضيعت من أمر الله‏)‏ كذا في جميع الطرق، وفي بعض النسخ ‏"‏ فرطت من أمر الله أي ضيعت ‏"‏ وهو أشبه‏.‏
وهذه عادة المصنف إذا أراد تفسير كلمة غريبة من الحديث ووافقت كلمة من القرآن فسر الكلمة التي من القرآن، وقد ورد في رواية سالم المذكورة بلفظ ‏"‏ لقد ضيعنا قراريط كثيرة‏"‏‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ وقع لي حديث الباب من رواية عشرة من الصحابة غير أبي هريرة وعائشة‏:‏ من حديث ثوبان عند مسلم، والبراء، وعبد الله بن مغفل عند النسائي، وأبي سعيد عند أحمد، وابن مسعود عند أبي عوانة وأسانيد هؤلاء الخمسة صحاح‏.‏
ومن حديث أبي بن كعب عند ابن ماجه، وابن عباس عند البيهقي في الشعب، وأنس عند الطبراني في الأوسط، وواثلة بن الأسقع عند ابن عدي، وحفصة عند حميد بن زنجويه في فضائل الأعمال وفي كل من أسانيد هؤلاء الخمسة ضعف‏.‏
وسأشير إلى ما فيها من فائدة زائدة في الكلام على الحديث في الباب الذي يلي هذا‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس
قديم 08-05-2013, 12:02 AM   #2
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*2*كتاب الزكاة
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب وُجُوبِ الزَّكَاةِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الزكاة‏)‏ البسملة ثابتة في الأصل ولأكثر الرواة ‏"‏ باب ‏"‏ بدل كتاب، وسقط ذلك لأبي ذر فلم يقل باب ولا كتاب، وفي بعض النسخ ‏"‏ كتاب الزكاة - باب وجوب الزكاة‏"‏‏.‏
والزكاة في اللغة النماء، يقال زكا الزرع إذا نما، وترد أيضا في المال، وترد أيضا بمعنى التطهير‏.‏
وشرعا بالاعتبارين معا‏:‏ أما بالأول فلأن إخراجها سبب للنماء في المال، أو بمعنى أن الأجر بسببها يكثر، أو بمعنى أن متعلقها الأموال ذات النماء كالتجارة والزراعة‏.‏
ودليل الأول ‏"‏ ما نقص مال من صدقة ‏"‏ ولأنها يضاعف ثوابها كما جاء ‏"‏ أن الله يربي الصدقة‏"‏‏.‏
وأما بالثاني فلأنها طهرة للنفس من رذيلة البخل، وتطهير من الذنوب‏.‏
وهي الركن الثالث من الأركان التي بني الإسلام عليها كما تقدم في كتاب الإيمان‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ تطلق الزكاة على الصدقة الواجبة والمندوبة والنفقة والحق والعفو‏.‏
وتعريفها في الشرع‏.‏
إعطاء جزء من النصاب الحولي إلى فقير ونحوه غير هاشمي ولا مطلبي‏.‏
ثم لها ركن وهو الإخلاص، وشرط هو السبب وهو ملك النصاب الحولي، وشرط من تجب عليه وهو العقل والبلوغ والحرية‏.‏
ولها حكم وهو سقوط الواجب في الدنيا وحصول الثواب في الأخرى‏.‏
وحكمة وهي التطهير من الأدناس ورفع الدرجة واسترقاق الأحرار انتهى‏.‏
وهو جيد لكن في شرط من تجب عليه اختلاف‏.‏
والزكاة أمر مقطوع به في الشرع يستغني عن تكلف الاحتجاج له، وإنما وقع الاختلاف في فروعه، وأما أصل فرضية الزكاة فمن جحدها كفر‏.‏
وإنما ترجم المصنف بذلك على عادته في إيراد الأدلة الشرعية المتفق عليها والمختلف فيها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله‏)‏ هو بالرفع‏.‏
قال الزين بن المنير‏.‏
مبتدأ وخبره محذوف أي هو دليل على ما قلناه من الوجوب‏.‏
ثم أورد المصنف في الباب ستة أحاديث‏:‏ أولها حديث أبي سفيان هو ابن حرب، الطويل في قصة هرقل، أورده هنا معلقا واقتصر منه على قوله ‏"‏ يأمر بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف‏"‏، ودلالته على الوجوب ظاهرة‏.‏
وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في بدء الوحي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ
الشرح‏:‏
حديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن، ودلالته على وجوب الزكاة أوضح من الذي قبله‏.‏
وسيأتي الكلام عليه في أواخر كتاب الزكاة قبل أبواب صدقة الفطر بستة أبواب، وقوله في أوله ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال ادعهم ‏"‏ هكذا أورده في التوحيد مختصرا في أوله واختصر أيضا من آخره، وأورده في التوحيد عن أبي عاصم مثله لكنه قرنه برواية غيره، وقد أخرجه الدارمي في مسنده عن أبي عاصم ولفظه في أوله ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال‏:‏ إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فادعهم ‏"‏ وفي آخره بعد قوله فقرائهم ‏"‏ فإن هم أطاعوا لك في ذلك فإياك وكرائم أموالهم، وإياك ودعوة المظلوم فإنها ليس لها من دون الله حجاب ‏"‏ وكذا قال في المواضع كلها ‏"‏ فإن أطاعوا لك في ذلك ‏"‏ والذي عند البخاري هنا ‏"‏ فإن هم أطاعوا لذلك ‏"‏ وستأتي هذه الزيادة من وجه آخر مع شرحها إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ مَا لَهُ مَا لَهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَبٌ مَا لَهُ تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَقَالَ بَهْزٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَبُوهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ غَيْرَ مَحْفُوظٍ إِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو
الشرح‏:‏
حديث أبي أيوب في سؤال الرجل عن العمل الذي يدخل به الجنة، وأجيب عنه بأن ‏"‏ تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم‏"‏، وفي دلالته على الوجوب غموض‏.‏
وقد أجيب عنه بأجوبة‏:‏ أحدها أن سؤاله عن العمل الذي يدخل الجنة يقتضي أن لا يجاب بالنوافل قبل الفرائض فتحمل على الزكاة الواجبة‏.‏
ثاني الأجوبة أن الزكاة قرينة الصلاة كما سيأتي في الباب من قول أبي بكر الصديق، وقد قرن بينهما في الذكر هنا‏.‏
ثالثها أنه وقف دخول الجنة على أعمال من جملتها أداء الزكاة، فيلزم أن من لم يعملها لم يدخل، ومن لم يدخل الجنة دخل النار، وذلك يقتضي الوجوب‏.‏
رابعها أنه أشار إلى أن القصة التي في حديث أبي أيوب والقصة التي في حديث أبي هريرة الذي يعقبه واحدة، فأراد أن يفسر الأول بالثاني لقوله فيه ‏"‏ وتؤدي الزكاة المفروضة ‏"‏ وهذا أحسن الأجوبة‏.‏
وقد أكثر المصنف من استعمال هذه الطريقة‏.‏
وأما حديث أبي أيوب فقوله فيه ‏"‏ عن ابن عثمان ‏"‏ الإبهام فيه من الراوي عن شعبة، وذلك أن اسم هذا الرجل عمرو، وكان شعبة يسميه محمدا، وكان الحذاق من أصحابه يهمونه كما وقع في رواية حفص بن عمرو كما سيأتي في الأدب عن أبي الوليد عن شعبة، وكان بعضهم يقول محمد كما قال شعبة، وبيان ذلك في طريق بهز التي علقها المصنف هنا ووصله في كتاب الأدب الآتي عن عبد الرحمن بن بشير عن بهز بن أسد، وكذا أخرجه مسلم والنسائي من طريق بهز‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن موسى بن طلحة عن أبي أيوب‏)‏ هو الأنصاري‏.‏
ووقع في رواية مسلم الآتي ذكرها ‏"‏ حدثنا موسى بن طلحة حدثني أبو أيوب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا‏)‏ هذا الرجل حكى ابن قتيبة في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ له أنه أبو أيوب الراوي، وغلطه بعضهم في ذلك فقال‏.‏
إنما هو راوي الحديث‏.‏
وفي التغليط نظر، إذ لا مانع أن يبهم الراوي نفسه لغرض له، ولا يقال يبعد، لوصفه في رواية أبي هريرة التي بعد هذه بكونه أعرابيا، لأنا نقول‏:‏ لا مانع من تعدد القصة فيكون السائل في حديث أبي أيوب هو نفسه لقوله إن رجلا، والسائل في حديث أبي هريرة أعرابي آخر قد سمي فيما رواه البغوي وابن السكن والطبراني في الكبير أبو مسلم الكجي في السنن من طريق محمد بن جحادة وغيره عن المغيرة بن عبد الله اليشكري أن أباه حدثه قال ‏"‏ انطلقت إلى الكوفة فدخلت المسجد، فإذا رجل من قيس يقال له ابن المنتفق وهو يقول‏:‏ وصف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبته فلقيته بعرفات، فزاحمت عليه، فقيل لي إليك عنه، فقال‏.‏
دعوا الرجل، أرب ما له‏.‏
قال فزاحمت عليه حتى خلصت إليه فأخذت بخطام راحلته فما غير علي، قال شيئين أسألك عنهما‏:‏ ما ينجيني من النار، وما يدخلني الجنة‏؟‏ قال فنظر إلى السماء ثم أقبل علي بوجهه الكريم فقال‏:‏ لئن كنت أوجزت المسألة لقد أعظمت وطولت فاعقل علي، اعبد الله لا تشرك به شيئا، وأقم الصلاة المكتوبة، وأد الزكاة المفروضة، وصم رمضان‏"‏‏.‏
وأخرجه البخاري في ‏"‏ التاريخ ‏"‏ من طريق يونس بن أبي إسحاق عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن أبيه قال ‏"‏ غدوت فإذا رجل يحدثهم‏"‏‏.‏
قال وقال جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن المغيرة بن عبد الله قال ‏"‏ سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ثم ذكر الاختلاف فيه عن الأعمش وأن بعضهم قال فيه عن المغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه والصواب المغيرة بن عبد الله اليشكري‏.‏
وزعم الصيرفي أن اسم ابن المنتفق هذا لقيط بن صبرة وافد بني المنتفق، فالله أعلم‏.‏
وقد يؤخذ من هذه الرواية أن السائل في حديث أبي هريرة هو السائل في حديث أبي أيوب لأن سياقه شبيه بالقصة التي ذكرها أبو هريرة لكن قوله في هذه الرواية ‏"‏ أرب ما له ‏"‏ في رواية أبي أيوب دون أبي هريرة، وكذا حديث أبي أيوب وقع عند مسلم من رواية عبد الله بن نمير عن عمرو بن عثمان بلفظ ‏"‏ أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر، فأخذ بخطام ناقته ثم قال‏:‏ يا رسول الله، أخبرني ‏"‏ فذكره‏.‏
وهذا شبيه بقصة سؤال ابن المنتفق‏.‏
وأيضا فأبو أيوب لا يقول عن نفسه ‏"‏ أن أعرابيا ‏"‏ والله أعلم‏.‏
وقد وقع نحو هذا السؤال لصخر بن القعقاع الباهلي، ففي حديث الطبراني أيضا من طريق قزعة بن سويد الباهلي ‏"‏ حدثني أبي حدثني خالي واسمه صخر بن القعقاع قال‏:‏ لقيت النبي صلى الله عليه وسلم بين عرفة ومزدلفة، فأخذت بخطام ناقته فقلت‏:‏ يا رسول الله ما يقربني من الجنة ويباعدني من النار ‏"‏ فذكر الحديث وإسناده حصن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ما له ما له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أرب ما له‏)‏ كذا في هذه الرواية لم يذكر فاعل قال ما له ما له‏.‏
وفي رواية بهز المعلقة هنا الموصولة في كتاب الأدب ‏"‏ قال القوم ما له ما له ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ هو استفهام والتكرار للتأكيد‏.‏
وقوله ‏"‏أرب ‏"‏ بفتح الهمزة والراء منونا أي حاجة، وهو مبتدأ وخبره محذوف، استفهم أولا ثم رجع إلى نفسه فقال ‏"‏ له أرب ‏"‏ انتهى، وهذا بناء على أن فاعل قال النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك لما بيناه، بل المستفهم الصحابة والمجيب النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وما زائدة كأنه قال‏:‏ له حاجة ما‏.‏
وقال ابن الجوزي‏:‏ المعنى له حاجة مهمة مفيدة جاءت به لأنه قد علم بالسؤال أن له حاجة‏.‏
وروي بكسر الراء وفتح الموحدة بلفظ الفعل الماضي، وظاهره الدعاء والمعنى التعجب من السائل‏.‏
وقال النضر بن شميل‏:‏ يقال أرب الرجل في الأمر إذا بلغ فيه جهده‏.‏
وقال الأصمعي‏:‏ أرب في الشيء صار ماهرا فيه فهو أريب، وكأنه تعجب من حسن فطنته والتهدي إلى موضع حاجته‏.‏
ويؤيده قوله في رواية مسلم المشار إليها ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لقد وفق، ولقد هدي ‏"‏ وقال ابن قتيبة‏:‏ قوله ‏"‏ أرب ‏"‏ من الآراب وهي الأعضاء، أي سقطت أعضاؤه وأصيب بها كما يقال تربت يمينك وهو مما جاء بصيغة الدعاء ولا يراد حقيقته‏.‏
وقيل‏:‏ لما رأى الرجل يزاحمه دعا عليه، لكن دعاءه على المؤمن طهر له كما ثبت في الصحيح‏.‏
وروى بفتح أوله وكسر الراء والتنوين أي هو أرب أي حاذق فطن‏.‏
ولم أقف على صحة هذه الرواية‏.‏
وجزم الكرماني بأنها ليست محفوظة‏.‏
وحكى القاضي عن رواية لأبي ذر أرب بفتح الجميع وقال‏:‏ لا وجه له، قلت‏:‏ وقعت في الأدب من طريق الكشميهني وحده‏.‏
وقوله ‏"‏يدخلني الجنة ‏"‏ بضم اللام والجملة في موضع جر صفة لقوله ‏"‏ بعمل ‏"‏ ويجوز الجزم جوابا للأمر‏.‏
ورده بعض شراح ‏"‏ المصابيح ‏"‏ لأن قوله بعمل يصير غير موصوف مع أنه نكرة فلا يفيد‏.‏
وأجيب بأنه موصوف تقديرا لأن التنكير للتعظيم فأفاد ولأن جزاء الشرط محذوف والتقدير إن عملته يدخلني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتصل الرحم‏)‏ أي تواسي ذوي القرابة في الخيرات‏.‏
وقال النووي‏:‏ معناه أن تحسن إلى أقاربك ذوي رحمك بما تيسر على حسب حالك وحالهم من إنفاق أو سلام أو زيارة أو طاعة أو غير ذلك‏.‏
وخص هذه الخصلة من بين خلاله الخير نظرا إلى حال السائل، كأنه كان لا يصل رحمه فأمره به لأنه المهم بالنسبة إليه‏.‏
ويؤخذ منه تخصيص بعض الأعمال بالحض عليها بحسب حال المخاطب وافتقاره للتنبيه عليها أكثر مما سواها إما لمشقتها عليه وإما لتسهيله في أمرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخشى أن يكون محمد غير محفوظ، إنما هو عمرو‏)‏ وجزم في ‏"‏ التاريخ ‏"‏ بذلك، وكذا قال مسلم في شيوخ شعبة، والدارقطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ وآخرون‏:‏ المحفوظ عمرو بن عثمان‏.‏
وقال النووي‏:‏ اتفقوا على أنه وهم من شعبة، وأن الصواب عمرو والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ قَالَ تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي حَيَّانَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو زُرْعَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة قد تقدم الكلام عليه في كون الأعرابي السائل فيه هل هو السائل في حديث أبي أيوب أو لا، والأعرابي بفتح الهمزة من سكن البادية كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى بن سعيد بن حيان عن أبي زرعة‏)‏ قال أبو علي‏:‏ وقع عند الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني هنا عن يحيى بن سعيد بن أبي حيان أو عن يحيى بن سعيد عن أبي حيان، وهو خطأ إنما هو يحيى بن سعيد بن حيان كما لغيره من الرواة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتقيم الصلاة المكتوية وتؤدي الزكاة المفروضة‏)‏ قيل‏.‏
فرق بين القيدين كراهية لتكرير اللفظ الواحد، وقيل‏:‏ عبر في الزكاة بالمفروضة للاحتراز عن صدقة التطوع فإنها زكاة لغوية، وقيل‏:‏ احترز من الزكاة المعجلة قبل الحول فإنها زكاة وليست مفروضة‏.‏
قوله فيه ‏(‏وتصوم رمضان‏)‏ لم يذكر الحج لأنه كان حينئذ حاجا ولعله ذكره له فاختصره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا‏)‏ زاد مسلم عن أبي بكر بن إسحاق عن عفان بهذا السند ‏"‏ شيئا أبدا، ولا أنقض منه ‏"‏ وباقي الحديث مثله‏.‏
وظاهر قوله‏:‏ ‏(‏من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا‏)‏ إما أن يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك فأخبر به، أو في الكلام حذف تقديره إن دام على فعل ذلك الذي أمر به‏.‏
ويؤيده قوله في حديث أبي أيوب عند مسلم أيضا ‏"‏ إن تمسك بما أمر به دخل الجنة ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ في هذا الحديث - وكذا حديث طلحة في قصة الأعرابي وغيرهما - دلالة على جواز ترك التطوعات، لكن من داوم على ترك السنن كان نقصا في دينه، فإن كان تركها تهاونا بها ورغبة عنها كان ذلك فسقا، يعني لورود الوعيد عليه حيث قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من رغب عن سنتي فليس مني ‏"‏ وقد كان صدر الصحابة ومن تبعهم يواظبون على السنن مواظبتهم على الفرائض، ولا يفرقون بينهما في اغتنام ثوابهما‏.‏
وإنما احتاج الفقهاء إلى التفرقة لما يترتب عليه من وجوب الإعادة وتركها ووجوب العقاب على الترك ونفيه، ولعل أصحاب هذه القصص كانوا حديثي عهد بالإسلام فاكتفى منهم بفعل ما وجب عليهم في تلك الحال لئلا يثقل ذلك عليهم فيملوا، حتى إذا انشرحت صدورهم للفهم عنه والحرص على تحصيل ثواب المندوبات سهلت عليهم انتهى‏.‏
وقد تقدم الكلام على شيء من هذا في شرح حديث طلحة في كتاب الإيمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسدد عن يحيى‏)‏ هو القطان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي حيان‏)‏ هو يحيى بن سعيد بن حيان المذكور في الإسناد الذي قبله‏.‏
وأفادت هذه الرواية تصريح أبي حيان بسماعه له من أبي زرعة، وبطل التردد وقع عند الجرجاني، لكن لم يذكر يحيى القطان في هذا الإسناد أبا هريرة كما هو في رواية أبي ذر وغيرها من الروايات المعتمدة، وثبت ذكره في بعض الروايات، وهو خطأ فقد ذكر الدارقطني في ‏"‏ التتبع ‏"‏ أن رواية القطان مرسلة كما تقدم ذلك في المقدمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ قَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ وَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَمُرْنَا بِشَيْءٍ نَأْخُذُهُ عَنْكَ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا قَالَ آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَقَدَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ وَقَالَ سُلَيْمَانُ وَأَبُو النُّعْمَانِ عَنْ حَمَّادٍ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
الشرح‏:‏
حديث ابن عباس في قصة وفد عبد القيس فقد تقدم الكلام عليه مستوفى في أواخر كتاب الإيمان‏.‏
وحجاج شيخ البخاري هنا هو ابن منهال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال سليمان وأبو النعمان عن حماد‏)‏ يعني ابن زيد بالإسناد المذكور في طريق حجاج ‏(‏الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله‏)‏ أي وافقا حجاجا على سياقه إلا في إثبات الواو في قوله ‏"‏ وشهادة أن لا إله إلا الله ‏"‏ فحذفاها وهو أصوب، فأما سليمان فهو ابن حرب، وقد وصل المصنف حديثه هذا عنه في المغازي‏.‏
وأما أبو النعمان فهو محمد بن الفضل‏.‏
وقد وصل المصنف حديثه هذا عنه في الخمس‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة في قصة أبي بكر في قتال مانعي الزكاة، واحتجاجه في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن عصمة النفس والمال تتوقف على أداء الحق، وحق المال الزكاة‏"‏‏.‏
حديث أبي هريرة في قصة أبي بكر في قتال مانعي الزكاة فقد تقدم الكلام عليه في شرح حديث ابن عمر في باب قوله‏:‏ ‏(‏فإن تابوا وأقاموا الصلاة‏)‏ ويأتي الكلام على بقية ما يختص به في كتاب أحكام المرتدين إن شاء الله‏.‏
قوله في هذه الرواية‏:‏ ‏(‏لما توفي رسوله الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر‏)‏ ‏"‏ كان ‏"‏ تامة بمعنى حصل والمراد به قام مقامه‏.‏
‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ اختلف في أول وقت فرض الزكاة، فذهب الأكثر إلى أنه وقع بعد الهجرة، فقيل كان في السنة الثانية قبل فرض رمضان أشار إليه النووي في باب السير من الروضة، وجزم ابن الأثير في التاريخ بأن ذلك كان في التاسعة، وفيه نظر فقد تقدم في حديث ضمام بن ثعلبة وفي حديث وفد عبد القيس وفي عدة أحاديث ذكر الزكاة، وكذا مخاطبة أبي سفيان مع هرقل وكانت في أول السابعة وقال فيهما ‏"‏ يأمرنا بالزكاة ‏"‏ لكن يمكن تأويل كل ذلك كما سيأتي في آخر الكلام‏.‏
وقوى بعضهم ما ذهب إليه ابن الأثير بما وقع في قصة ثعلبة بن حاطب المطولة ففيها ‏"‏ لا أنزلت آية الصدقة بعث النبي صلى الله عليه وسلم عاملا فقال ما هذه إلا جزية أو أخت الجزية‏"‏‏.‏
والجزية إنما وجبت في التاسعة فتكون الزكاة في التاسعة، لكنه حديث ضعيف لا يحتج به‏.‏
وادعى ابن خزيمة في صحيحه أن فرضها كان قبل الهجرة، واحتج بما أخرجه من حديث أم سلمة في قصة هجرتهم إلى الحبشة وفيها أن جعفر بن أبي طالب قال للنجاشي في جملة ما أخبره به عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ‏"‏ انتهى، وفي استدلاله بذلك نظر، لأن الصلوات الخمس لم تكن فرضت بعد، ولا صيام رمضان، فيحتمل أن تكون مراجعة جعفر لم تكن في أول ما قدم على النجاشي، وإنما أخبره بذلك بعد مدة قد وقع فيها ما ذكر من قصة الصلاة والصيام، وبلغ ذلك جعفرا فقال ‏"‏ يأمرنا ‏"‏ بمعنى يأمر به أمته، وهو بعيد جدا، وأولى ما حمل عليه حديث أم سلمة هذا - إن سلم من قدح في إسناده - أن المراد بقوله ‏"‏ يأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ‏"‏ أي في الجملة، ولا يلزم من ذلك أن يكون المراد بالصلاة الصلوات الخمس ولا بالصيام صيام رمضان ولا بالزكاة هذه الزكاة المخصوصة ذات النصاب والحول والله أعلم‏.‏
ومما يدل على أن فرض الزكاة كان قبل التاسعة حديث أنس المتقدم في العلم في قصة ضمام بن ثعلبة وقوله ‏"‏ أنشدك الله‏.‏
الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا ‏"‏ وكان قدوم ضمام سنة خمس كما تقدم‏.‏
وإنما الذي وقع في التاسعة بعث العمال لأخذ الصدقات، وذلك يستدعي تقدم فريضة الزكاة قبل ذلك‏.‏
ومما يدل على أن فرض الزكاة وقع بعد الهجرة اتفاقهم على أن صيام رمضان إنما فرض بعد الهجرة، لأن الآية الدالة على فرضيته مدنية بلا خلاف، وثبت عند أحمد وابن خزيمة أيضا والنسائي وابن ماجه والحاكم من حديث قيس بن سعد بن عبادة قال ‏"‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، ثم نزلت فريضة الزكاة فلم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله ‏"‏ إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح إلا أبا عمار الراوي له عن قيس بن سعد وهو كوفي اسمه عريب بالمهملة المفتوحة ابن حميد وقد وثقه أحمد وابن معين، وهو دال على أن فرض صدقة الفطر كان قبل فرض الزكاة فيقتضي وقوعها بعد فرض رمضان وذلك بعد الهجرة وهو المطلوب‏.‏
ووقع في ‏"‏ تاريخ الإسلام ‏"‏‏:‏ في السنة الأولى فرضت الزكاة، وقد أخرج البيهقي في الدلائل حديث أم سلمة المذكور من طريق ‏"‏ المغازي لابن إسحاق ‏"‏ من رواية يونس بن بكير عنه وليس فيه ذكر الزكاة، وابن خزيمة أخرجه من حديث ابن إسحاق لكن من طريق سلمة بن الفضل عنه، وفي سلمة مقال‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-05-2013, 12:05 AM   #3
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما أدي زكاته فليس بكنز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواق صدقة‏)‏ قال ابن بطال وغيره‏:‏ وجه استدلال البخاري بهذا الحديث للترجمة أن الكنز المنفي هو المتوعد عليه الموجب لصاحبه النار لا مطلق الكنز الذي هو أعم من ذلك، وإذا تقرر ذلك فحديث ‏"‏ لا صدقة فيما دون خمس أواق ‏"‏ مفهومه أن ما زاد على الخمس ففيه الصدقة، ومقتضاه أن كل مال أخرجت منه الصدقة فلا وعيد على صاحبه فلا يسمى ما يفضل بعد إخراجه الصدقة كنزا‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ وجه التمسك به أن ما دون الخمس وهو الذي لا تجب فيه الزكاة قد عفي عن الحق فيه فليس بكنز قطعا، والله قد أثنى على فاعل الزكاة، ومن أثني عليه في واجب حق المال لم يلحقه ذم من جهة ما أثني عليه فيه وهو المال‏.‏
انتهى‏.‏
ويتلخص أن يقال‏:‏ ما لم تجب فيه الصدقة لا يسمى كنزا لأنه معفو عنه، فليكن ما أخرجت منه الزكاة كذلك لأنه عفي عنه بإخراج ما وجب عنه فلا يسمى كنزا‏.‏
ثم إن لفظ الترجمة لفظ حديث روي مرفوعا وموقوفا عن ابن عمر أخرجه مالك عن عبد الله بن دينار عنه موقوفا، وكذا أخرجه الشافعي عنه، ووصله البيهقي والطبراني من طريق الثوري عن عبد الله بن دينار وقال‏:‏ إنه ليس بمحفوظ‏.‏
وأخرجه البيهقي أيضا من رواية عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ كل ما أديت زكاته وإن كان تحت سبع أرضين فليس بكنز، وكل ما لا تؤدى زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا على وجه الأرض ‏"‏ أورده مرفوعا ثم قال‏:‏ ليس بمحفوظ، والمشهور وقفه‏.‏
وهذا يؤيد ما تقدم من أن المراد بالكنز معناه الشرعي‏.‏
وفي الباب عن جابر أخرجه الحاكم بلفظ ‏"‏ إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره ‏"‏ ورجح أبو زرعة والبيهقي وغيرهما وقفه كما عند البزار‏.‏
وعن أبي هريرة أخرجه الترمذي بلفظ ‏"‏ إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك ‏"‏ وقال‏:‏ حسن غريب، وصححه الحاكم، وهو على شرط ابن حبان‏.‏
وعن أم سلمة عند الحاكم وصححه ابن القطان أيضا وأخرجه أبو داود‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ في سنده مقال‏.‏
وذكر شيخنا في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏ أن سنده جيد‏.‏
وعن ابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا بلفظ الترجمة، وأخرجه أبو داود مرفوعا بلفظ ‏"‏ أن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم ‏"‏ وفيه قصة‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ والجمهور على أن الكنز المذموم ما لم تؤد زكاته‏.‏
ويشهد له حديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك ‏"‏ فذكر بعض ما تقدم من الطرق ثم قال‏:‏ ولم يخالف في ذلك إلا طائفة من أهل الزهد كأبي ذر، وسيأتي شرح ما ذهب إليه من ذلك في هذا الباب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَنْ كَنَزَهَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا فَوَيْلٌ لَهُ إِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ طُهْرًا لِلْأَمْوَالِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أحمد بن شبيب‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية أبي ذر ‏"‏ حدثنا أحمد ‏"‏ وقد وصله أبو داود في ‏"‏ كتاب الناسخ والمنسوخ ‏"‏ عن محمد بن يحيى وهو الذهلي، عن أحمد بن شبيب بإسناده‏.‏
ووقع لنا بعلو في جزء الذهلي وسياقه أتم مما في البخاري وزاد فيه سؤال الأعرابي ‏"‏ أترث العمة‏؟‏ قال ابن عمر‏:‏ لا أدري‏.‏
فلما أدبر قبل ابن عمر يديه ثم قال‏:‏ نعم ما قال أبو عبد الرحمن - يعني نفسه - سئل عما لا يدري فقال‏:‏ لا أدري‏.‏
وزاد في آخره - بعد قوله‏:‏ طهرة للأموال - ثم التفت إلي فقال‏:‏ ما أبالي لو كان لي مثل أحد ذهبا أعلم عدده أزكيه وأعمل فيه بطاعة الله تعالى ‏"‏ وهو عند ابن ماجه من طريق عقيل عن الزهري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من كنزها فلم يؤد زكاتها‏)‏ أفرد الضمير إما على سبيل تأويل الأموال، أو عودا إلى الفضة لأن الانتفاع بها أكثر أو كان وجودها في زمنهم أكثر من الذهب، أو على الاكتفاء ببيان حالها عن بيان حال الذهب، والحامل على ذلك رعاية لفظ القرآن حيث قال ‏(‏ينفقونها‏)‏ قال صاحب الكشاف‏:‏ أفرد ذهابا إلى المعنى دون اللفظ، لأن كل واحد منهما جملة وافية‏.‏
وقيل‏:‏ المعنى ولا ينفقونها، والذهب كذلك، وهو كقول الشاعر وإني وقيار بها لغريب أي وقيار كذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏"‏ إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة‏)‏ هذا مشعر بأن الوعيد على الاكتناز - وهو حبس ما فضل عن الحاجة عن المواساة به - كان في أول الإسلام، ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة لما فتح الله الفتوح وقدرت نصب الزكاة، فعلى هذا المراد بنزول الزكاة بيان نصبها ومقاديرها لا إنزال أصلها‏.‏
والله أعلم‏.‏
وقال ابن عمر ‏"‏ لا أبالي لو كان لي مثل أحد ذهبا ‏"‏ كأنه يشير إلى قول أبي ذر الآتي آخر الباب‏.‏
والجمع بين كلام ابن عمر وحديث أبي ذر أن يحمل حديث أبي ذر على مال تحت يد الشخص لغيره فلا يجب أن يحبسه عنه، أو يكون له لكنه ممن يرجى فضله وتطلب عائدته كالإمام الأعظم فلا يجب أن يدخر عن المحتاجين من رعيته شيئا، ويحمل حديث ابن عمر على مال يملكه قد أدى زكاته فهو يحب أن يكون عنده ليصل به قرابته ويستغني به عن مسألة الناس، وكان أبو ذر يحمل الحديث على إطلاقه فلا يرى بادخار شيء أصلا‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ وردت عن أبي ذر آثار كثيرة تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز يذم فاعله، وأن آية الوعيد نزلت في ذلك، وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم وحملوا الوعيد على مانعي الزكاة، وأصح ما تمسكوا به حديث طلحة وغيره في قصة الأعرابي حيث قال ‏"‏ هل علي غيرها‏؟‏ قال‏:‏ لا إلا أن تطوع ‏"‏ انتهى‏.‏
والظاهر أن ذلك كان في أول الأمر كما تقدم عن ابن عمر، وقد استدل له ابن بطال بقوله تعالى ‏(‏ويسألونك ماذا ينفقون‏؟‏ قل العفو‏)‏ أي ما فضل عن الكفاية، فكان ذلك واجبا في أول الأمر ثم نسخ‏.‏
والله أعلم‏.‏
وفي المسند من طريق يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه قال ‏"‏ كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الشدة ثم يخرج إلى قومه، ثم يرخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسمع الرخصة ويتعلق بالأمر الأول ‏"‏ ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث‏:‏ أحدها حديث أبي سعيد في تقدير نصب زكاة الورق وغيره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني يحيى بن أبي كثير‏)‏ تعقبه الدارقطني وأبو مسعود بأن عبد الوهاب بن نجدة خالف إسحاق بن يزيد شيخ البخاري فيه فقال ‏"‏ عن شعيب عن الأوزاعي حدثني يحيى بن سعيد وحماد ‏"‏ ورواه داود بن رشيد وهشام بن خالد جميعا عن شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن يحيى غير منسوب وقال‏:‏ ‏"‏ الوليد بن مسلم رواه عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن اليمان عن يحيى بن سعيد‏.‏
وقال الإسماعيلي‏:‏ هذا الحديث مشهور عن يحيى بن سعيد رواه عنه الخلق، وقد رواه داود بن رشيد عن شعيب فقال ‏"‏ عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد ‏"‏ انتهى‏.‏
وقد تابع إسحاق بن يزيد سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي عن شعيب بن إسحاق أخرجه أبو عوانة والإسماعيلي من طريقه، وذلك دال على أنه عند شعيب عن الأوزاعي على الوجهين، لكن دلت رواية الوليد بن مسلم على أن رواية الأوزاعي عن يحيى بن سعيد بغير واسطة موهومة أو مدلسة، ولذلك عدل عنها البخاري واقتصر على طريق يحيى بن أبي كثير‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه يحيى بن عمارة‏)‏ في رواية يحيى بن سعيد عن عمرو أنه سمع أباه، وسيأتي الكلام عليه مستوفى بعد بضعة وعشرين بابا‏.‏
ثانيها حديث أبي ذر مع معاوية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ سَمِعَ هُشَيْمًا أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ لَهُ مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلكَ هَذَا قَالَ كُنْتُ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ مُعَاوِيَةُ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُلْتُ نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي ذَاكَ وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَشْكُونِي فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ أَنْ اقْدَمْ الْمَدِينَةَ فَقَدِمْتُهَا فَكَثُرَ عَلَيَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ فَذَكَرْتُ ذَاكَ لِعُثْمَانَ فَقَالَ لِي إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا فَذَاكَ الَّذِي أَنْزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَيَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي سمع هشيما‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية أبي ذر عن مشايخه ‏"‏ حدثنا علي بن أبي هاشم ‏"‏ وهو المعروف بابن طبراخ بكسر المهملة وسكون الموحدة وآخره معجمة، ووقع في ‏"‏ أطراف المزي ‏"‏ عن علي بن عبد الله المديني وهو خطأ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن زيد بن وهب‏)‏ هو التابعي الكبير الكوفي أحد المخضرمين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالربذة‏)‏ بفتح الراء والموحدة والمعجمة مكان معروف بين مكة والمدينة، نزل به أبو ذر في عهد عثمان ومات به، وقد ذكر في هذا الحديث سبب نزوله، وإنما سأله زيد بن وهب عن ذلك لأن مبغضي عثمان كانوا يشنعون عليه أنه نفى أبا ذر، وقد بين أبو ذر أن نزوله في ذلك المكان كان باختياره‏.‏
نعم أمره عثمان بالتنحي عن المدينة لدفع المفسدة التي خافها على غيره من مذهبه المذكور فاحتار الربذة، وقد كان يغدو إليها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أصحاب السنن من وجه آخر عنه، وفيه قصة له في التيمم‏.‏
وروينا في فوائد أبي الحسن بن جذلم بإسناده إلى عبد الله بن الصامت قال ‏"‏ دخلت مع أبي ذر على عثمان، فحسر عن رأسه فقال‏:‏ والله ما أنا منهم يعني الخوارج‏.‏
فقال‏.‏
إنما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة‏.‏
فقال‏:‏ لا حاجة لي في ذلك، ائذن لي بالربذة‏.‏
قال‏:‏ نعم‏"‏‏.‏
ورواه أبو داود الطيالسي من هذا الوجه دون آخره وقال بعد قوله ما أنا منهم ‏"‏ ولا أدركهم، سيماهم التحليق، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، والله لو أمرتني أن أقوم ما قعدت ‏"‏ وفي ‏"‏ طبقات ابن سعد ‏"‏ من وجه آخر ‏"‏ أن ناسا من أهل الكوفة قالوا لأبي ذر وهو بالربذة‏:‏ إن هذا الرجل فعل بك وفعل، هل أنت ناصب لنا راية - يعني فنقاتله - فقال‏:‏ لا، لو أن عثمان سيرني من المشرق إلى المغرب لسمعت وأطعت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنت بالشام‏)‏ يعني بدمشق، ومعاوية إذ ذاك عامل عثمان عليها‏.‏
وقد بين السبب في سكناه الشام ما أخرجه أبو يعلى من طريق أخرى عن زيد بن وهب ‏"‏ حدثني أبو ذر قال‏:‏ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا بلغ البناء - أي بالمدينة سلعا ترتحل إلى الشام‏.‏
فلما بلغ البناء سلعا قدمت الشام فسكنت بها ‏"‏ فذكر الحديث نحوه‏.‏
وعنده أيضا بإسناد فيه ضعف عن ابن عباس قال ‏"‏ استأذن أبو ذر على عثمان فقال‏.‏
إنه يؤذينا، فلما دخل قال له عثمان‏:‏ أنت الذي تزعم أنك خير من أبي بكر وعمر‏؟‏ قال‏.‏
لا، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إن أحبكم إلي وأقربكم مني من بقي على العهد الذي عاهدته عليه، وأنا باق على عهده‏"‏‏.‏
قال فأمر أن يلحق بالشام‏.‏
وكان يحدثهم ويقول‏:‏ لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم إلا ما ينفقه في سبيل الله أو يعده لغريم، فكتب معاوية إلى عثمان‏:‏ إن كان لك بالشام حاجة فابعث إلى أبي ذر‏.‏
فكتب إليه عثمان أن اقدم علي، فقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في والذين يكنزون الذهب والفضة‏)‏ سيأتي في تفسير براءة من طريق جرير عن حصين بلفظ ‏"‏ فقرأت والذين يكنزون الذهب والفضة ‏"‏ إلى آخر الآية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نزلت في أهل الكتاب‏)‏ في رواية جرير ‏"‏ ما هذه فينا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني‏)‏ في رواية الطبري‏.‏
أنهم كثروا عليه يسألونه عن سبب خروجه من الشام، قال فخشي عثمان على أهل المدينة ما خشيه معاوية على أهل الشام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن شئت تنحيت‏)‏ في رواية الطبري ‏"‏ فقال له تنح قربيا‏.‏
وقال‏:‏ والله لن أدع ما كنت أقوله ‏"‏ وكذا لابن مردويه من طريق ورقاء عن حصين بلفظ ‏"‏ والله لا أدع ما قلت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حبشيا‏)‏ في رواية ورقاء ‏"‏ عبدا حبشيا ‏"‏ ولأحمد وأبي يعلى من طريق أبي حرب بن أبي الأسود عن عمه عن أبي ذر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ كيف تصنع إذا أخرجت منه‏؟‏ أي المسجد النبوي، قال‏:‏ آتي الشام‏.‏
قال‏:‏ كيف تصنع إذا أخرجت منها‏؟‏ قال‏.‏
أعود إليه‏.‏
أي المسجد‏.‏
قال‏:‏ كيف تصنع إذا أخرجت منه‏؟‏ قال‏:‏ أضرب بسيفي‏.‏
قال‏:‏ أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشدا، قال‏:‏ تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك‏"‏‏.‏
وعند أحمد أيضا من طريق شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد عن أبي ذر نحوه، والصحيح أن إنكار أبي ذر كان على السلاطين الذين يأخذون المال لأنفسهم ولا ينفقونه في وجهه‏.‏
وتعقبه النووي بالإبطال‏.‏
لأن السلاطين حينئذ كانوا مثل أبي بكر وعمر وعثمان، وهؤلاء لم يخونوا‏.‏
قلت‏.‏
لقوله محمل‏.‏
وهو أنه أراد من يفعل ذلك وإن لم يوجد حينئذ من يفعله‏.‏
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لاتفاق أبي ذر ومعاوية على أن الآية نزلت في أهل الكتاب‏.‏
وفيه ملاطفة الأئمة للعلماء، فإن معاوية لم يجسر على الإنكار عليه حتى كاتب من هو أعلى منه في أمره، وعثمان لم يحنق على أبي ذر مع كونه كان مخالفا له في تأويله‏.‏
وفيه التحذير من الشقاق والخروج على الأئمة، والترغيب في الطاعة لأولي الأمر وأمر الأفضل بطاعة المفضول خشية المفسدة، وجواز الاختلاف في الاجتهاد، والأخذ بالشدة في الأمر بالمعروف وإن أدى ذلك إلى فراق الوطن، وتقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة لأن في بقاء أبي ذر بالمدينة مصلحة كبيرة من بث علمه في طالب العلم، ومع ذلك فرجح عند عثمان دفع ما يتوقع من المفسدة من الأخذ بمذهبه الشديد في هذه المسألة، ولم يأمره بعد ذلك بالرجوع عنه لأن كلا منهما كان مجتهدا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ جَلَسْتُ ح و حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلَاءِ بْنُ الشِّخِّيرِ أَنَّ الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى مَلَإٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَجَاءَ رَجُلٌ خَشِنُ الشَّعَرِ وَالثِّيَابِ وَالْهَيْئَةِ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِمْ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ بَشِّرْ الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ثُمَّ يُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَزَلْزَلُ ثُمَّ وَلَّى فَجَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ وَتَبِعْتُهُ وَجَلَسْتُ إِلَيْهِ وَأَنَا لَا أَدْرِي مَنْ هُوَ فَقُلْتُ لَهُ لَا أُرَى الْقَوْمَ إِلَّا قَدْ كَرِهُوا الَّذِي قُلْتَ قَالَ إِنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا قَالَ لِي خَلِيلِي قَالَ قُلْتُ مَنْ خَلِيلُكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرٍّ أَتُبْصِرُ أُحُدًا قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَى الشَّمْسِ مَا بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ وَأَنَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْسِلُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إِلَّا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ وَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْقِلُونَ إِنَّمَا يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا لَا وَاللَّهِ لَا أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا وَلَا أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عياش‏)‏ هو ابن الوليد الرقام، وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى، والجريري بضم الجيم هو سعيد، وأبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير‏.‏
وأردف المصنف هذا الإسناد بالإسناد الذي بعده وإن كان أنزل منه لتصريح عبد الصمد وهو ابن عبد الوارث فيه بتحديث أبي العلاء للجريري، والأحنف لأبي العلاء‏.‏
وقد روى الأسود بن شيبان عن أبي العلاء يزيد المذكور عن أخيه مطرف عن أبي ذر طرفا من آخر هذا الحديث أيضا، وأخرجه أحمد، وليس ذلك بعلة لحديث الأحنف لأن حديث الأحنف أتم سياقا وأكثر فوائد، ولا مانع أن يكون ليزيد فيه شيخان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جلست إلى ملأ‏)‏ في رواية مسلم والإسماعيلي من طريق إسماعيل بن علية عن الجريري ‏"‏ قدمت المدينة، فبينما أنا في حلقة من قريش‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خشن الشعر إلخ‏)‏ كذا للأكثر بمعجمتين من الخشونة، وللقابسي بمهملتين من الحسن، والأول أصح‏.‏
ووقع في رواية مسلم ‏"‏ أخشن الثياب أخشن الجسد أخشن الوجه فقام عليهم ‏"‏ وليعقوب بن سفيان من طريق حميد بن هلال عن الأحنف ‏"‏ قدمت المدينة فدخلت مسجدها إذ دخل رجل آدم طوال أبيض الرأس واللحية يشبه بعضه بعضا فقالوا‏.‏
هذا أبو ذر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بشر الكانزين‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ بشر الكنازين‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏برضف‏)‏ بفتح الراء وسكون المعجمة بعدها فاء هي الحجارة المحماة واحدها رضفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نغض‏)‏ بضم النون وسكون المعجمة بعدها ضاد معجمة‏:‏ العظم الدقيق الذي على طرف الكتف أو على أعلى الكتف، قال الخطابي‏:‏ هو الشاخص منه، وأصل النغض الحركة فسمي ذلك الموضع نغضا لأنه يتحرك بحركة الإنسان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يتزلزل‏)‏ أي يضطرب ويتحرك، في رواية الإسماعيلي ‏"‏ فيتجلجل ‏"‏ بجيمين، وزاد إسماعيل في هذه الرواية ‏"‏ فوضع القوم رءوسهم، فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا‏.‏
قال‏:‏ فأدبر، فاتبعته حتى جلس إلى سارية‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنا لا أدري من هو‏)‏ زاد مسلم من طريق خليد العصري عن الأحنف ‏"‏ فقلت‏:‏ من هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ هذا أبو ذر، فقمت إليه فقلت‏:‏ ما شيء سمعتك تقوله‏؟‏ قال‏:‏ ما قلت إلا شيئا سمعته من نبيهم صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
وفي هذه الزيادة رد لقول من قال إنه موقوف على أبي ذر فلا يكون حجة على غيره‏.‏
ولأحمد من طريق يزيد الباهلي عن الأحنف ‏"‏ كنت بالمدينة، فإذا أنا برجل يفر منه الناس حين يرونه، قلت‏:‏ من أنت‏؟‏ قال‏:‏ أبو ذر‏.‏
قلت‏:‏ ما نفر الناس عنك‏؟‏ قال‏:‏ إني أنهاهم عن الكنوز التي كان ينهاهم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنهم لا يعقلون شيئا‏)‏ بين وجه ذلك في آخر الحديث حيث قال ‏"‏ إنما يجمعون الدنيا‏"‏‏.‏
وقوله ‏"‏لا أسألهم دنيا ‏"‏ في رواية إسماعيل المذكورة ‏"‏ فقلت‏:‏ ما لك ولإخوانك من قريش، لا تعتريهم ولا تصيب منهم‏؟‏ قال‏:‏ وربك لا أسألهم دنيا إلخ‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت‏:‏ ومن خليلك‏؟‏ قال‏:‏ النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ فاعل قال هو أبو ذر والنبي صلى الله عليه وسلم خبر المبتدأ كأنه قال‏:‏ خليلي النبي صلى الله عليه وسلم وسقط بعد ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال فقط، وكأن بعض الرواة ظنها مكررة فحذفها ولا بد من إثباتها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يا أبا ذر أتبصر أحدا‏)‏ وهو حديث مستقل سيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الرقاق‏.‏
وعلى ما وقع في هذه الرواية من قوله ‏"‏ إلا ثلاثة دنانير ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏
وإنما أورده أبو ذر للأحنف لتقوية ما ذهب إليه من ذم اكتناز المال، وهو ظاهر في ذلك إلا أنه ليس على الوجوب، ومن ثم عقبه المصنف بالترجمة التي تليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن هؤلاء لا يعقلون‏)‏ هو من كلام أبي ذر كرره تأكيدا لكلامه ولربط ما بعده عليه‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-12-2013, 07:22 PM   #4
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ

وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من أعطاه الله شيئا من غير مسألة ولا إشراف نفس‏.‏

وفي أموالهم حق للسائل والمحروم‏)‏ في رواية المستملي تقديم الآية، وسقطت للأكثر، ومطابقتها لحديث الباب من جهة دلالتها على مدح من يعطي السائل وغير السائل، وإذا كان المعطي ممدوحا فعطيته مقبولة وآخذها غير ملوم‏.‏

وقد اختلف أهل العلم بالتفسير في المراد بالمحروم‏:‏ فروى الطبري من طريق ابن شهاب أنه المتعفف الذي لا يسأل‏.‏

وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن شهاب أنه بلغه، فذكر مثله، وأخرجه الطبري عن قتادة مثله‏.‏

وأخرج فيه أقوالا أخر، وعلى التفسير المذكور تنطبق الترجمة‏.‏

والأشراف بالمعجمة التعرض للشيء والحرص عليه، من قولهم أشرف على كذا إذا تطاول له، وقيل للمكان المرتفع شرف لذلك‏.‏

وتقدير جواب الشرط فليقبل، أي من أعطاه الله مع انتفاء القيدين المذكورين فليقبل‏.‏

وإنما حذفه للعلم به‏.‏

وأوردها بلفظ العموم وإن كان الخبر ورد في الإعطاء من بيت المال لأن الصدقة للفقير في معنى العطاء للغني إذا انتفى الشرطان‏.‏

قال أبو داود سألت أحمد عن إشراف النفس فقال‏:‏ بالقلب‏.‏

وقال يعقوب بن محمد سألت أحمد عنه فقال‏:‏ هو أن يقول مع نفسه يبعث إلي فلان بكذا‏.‏

وقال الأثرم يضيق عليه أن يرده إذا كان كذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي فَقَالَ خُذْهُ إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأقول أعطه من هو أفقر إليه مني‏)‏ زاد في رواية شعيب عن الزهري الآتية في الأحكام ‏"‏ حتى أعطاني مرة مالا فقلت‏:‏ أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال‏:‏ خذه فتموله وتصدق به ‏"‏ وذكر شعيب فيه عن الزهري إسنادا آخر قال‏:‏ أخبرني السائب بن يزيد أن حويطب بن عبد العزى أخبره أن عبد الله بن السعدي أخبره أنه قدم على عمر في خلافته فذكر قصة فيها هذا الحديث‏.‏

والسائب فمن فوقه صحابة؛ ففيه أربعة من الصحابة في نسق‏.‏

وقد أخرجه مسلم من رواية عمرو بن الحارث عن الزهري بالإسنادين، لكن قال فيه ‏"‏ عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر ‏"‏ فذكره، جعله من مسند ابن عمر‏.‏

وأخرجه مسلم أيضا من وجه آخر عن ابن السعدي عن عمر، لكن قال فيه ابن الساعدي وزاد فيه ‏"‏ أن عطية النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بسبب العمالة ‏"‏ ولهذا قال الطحاوي‏:‏ ليس معنى هذا الحديث في الصدقات، وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام، وليست هي من جهة الفقر ولكن من الحقوق، فلما قال عمر أعطه من هو أفقر إليه مني لم يرض بذلك لأنه إنما أعطاه لمعنى غير الفقر قال‏:‏ ويؤيده قوله في رواية شعيب ‏"‏ خذه فتموله ‏"‏ فدل ذلك على أنه ليس من الصدقات‏.‏

وقال الطبري‏:‏ اختلفوا في قوله فخذه بعد إجماعهم على أنه أمر ندب، فقيل هو ندب لكل من أعطي عطية أبى قبولها كائنا من كان، وهذا هو الراجح يعني بالشرطين المتقدمين‏.‏

وقيل هو مخصوص بالسلطان، ويؤيده حديث سمرة في السنن ‏"‏ إلا أن يسأل ذا سلطان ‏"‏ وكان بعضهم يقول‏:‏ يحرم قبول العطية من السلطان، وبعضهم يقول يكره، وهو محمول على ما إذا كانت العطية من السلطان الجائر، والكراهة محمولة على الورع وهو المشهور من تصرف السلف والله أعلم‏.‏

والتحقيق في المسألة أن من علم كون ماله حلالا فلا ترد عطيته، ومن علم كون ماله حراما فتحرم عطيته، ومن شك فيه فالاحتياط رده وهو الورع، ومن أباحه أخذ بالأصل‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ واحتج من رخص فيه بأن الله تعالى قال في اليهود ‏(‏سماعون للكذب أكالون للسحت‏)‏ وقد رهن الشارع درعه عند يهودي مع علمه بذلك، وكذلك أخذ الجزية منهم مع العلم بأن أكثر أموالهم من ثمن الخمر والخنزير والمعاملات الفاسدة‏.‏

وفي حديث الباب أن للإمام أن يعطي بعض رعيته إذا رأى لذلك وجها وإن كان غيره أحوج إليه منه، وأن رد عطية الإمام ليس من الأدب ولا سيما من الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى ‏(‏وما آتاكم الرسول فخذوه‏)‏ الآية‏.‏

*3*باب مَنْ سَأَلَ النَّاسَ تَكَثُّرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من سأل الناس تكثرا‏)‏ أي فهو مذموم، قال ابن رشيد‏:‏ حديث المغيرة في النهي عن كثرة السؤال الذي أورده في الباب الذي يليه أصرح في مقصود الترجمة من حديث الباب، وإنما آثره عليه لأن من عادته أن يترجم بالأخفى، أو لاحتمال أن يكون المراد بالسؤال في حديث المغيرة النهي عن المسائل المشكلة كالأغلوطات، أو السؤال عما لا يغني، أو عما لم يقع مما يكره وقوعه، قال‏:‏ وأشار مع ذلك إلى حديث ليس على شرطه، وهو ما أخرجه الترمذي من طريق حبشي ابن جنادة في أثناء حديث مرفوع وفيه ‏"‏ ومن سأل الناس ليثري ماله كان خموشا في وجهه يوم القيامة، فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر ‏"‏ انتهى‏.‏

وفي صحيح مسلم من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة ما هو مطابق للفظ الترجمة، فاحتمال كونه أشار إليه أولى ولفظه ‏"‏ من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا ‏"‏ الحديث، والمعنى أنه يسأل ليجمع الكثير من غير احتياج إليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ وَقَالَ إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الْأُذُنِ فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ ثُمَّ بِمُوسَى ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدُهُ أَهْلُ الْجَمْعِ كُلُّهُمْ وَقَالَ مُعَلًّى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله بن أبي جعفر‏)‏ في رواية أبي صالح الآتية ‏"‏ حدثنا عبيد الله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مزعة لحم‏)‏ مزعة بضم الميم وحكي كسرها وسكون الزاي بعدها مهملة أي قطعة‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ ضبطه بعضهم بفتح الميم والزاي، والذي أحفظه عن المحدثين الضم، قال الخطابي‏:‏ يحتمل أن يكون المراد أنه يأتي ساقطا لا قدر له ولا جاه، أو يعذب في وجهه حتى يسقط لحمه لمشاكلة العقوبة في مواضع الجناية من الأعضاء لكونه أذل وجهه بالسؤال، أو أنه يبعث ووجهه عظم كله فيكون ذلك شعاره الذي يعرف به انتهى‏.‏

والأول صرف للحديث عن ظاهره، وقد يؤيده ما أخرجه الطبراني والبزار من حديث مسعود بن عمرو مرفوعا ‏"‏ لا يزال العبد يسأل وهو غني حتى يخلق وجهه فلا يكون له عند الله وجه ‏"‏ وقال ابن أبي جمرة‏:‏ معناه أنه ليس في وجهه من الحسن شيء، لأن حسن الوجه هو بما فيه من اللحم‏.‏

ومال المهلب إلى حمله على ظاهره، وإلى أن السر فيه أن الشمس تدنو يوم القيامة، فإذا جاء لا لحم بوجهه كانت أذية الشمس له أكثر من غيره، قال‏:‏ والمراد به من سأل تكثرا وهو غني لا تحل له الصدقة، وأما من سأل وهو مضطر فذلك مباح له فلا يعاقب عليه انتهى‏.‏

وبهذا تظهر مناسبة إيراد هذا الطرف من حديث الشفاعة عقب هذا الحديث، قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ لفظ الحديث دال على ذم تكثير السؤال، والترجمة لمن سأل تكثرا، والفرق بينهما ظاهر، لكن لما كان المتوعد عليه على ما تشهد به القواعد هو السائل عن غني وأن سؤال ذي الحاجة مباح نزل البخاري الحديث على من يسأل ليكثر ماله‏.‏

‏(‏بآدم ثم بموسى‏)‏ هذا فيه اختصار، وسيأتي في الرقاق في حديث الشفاعة الطويل ذكر من يقصدونه بين آدم وموسى وبين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وكذا الكلام على بقية ما في حديث الشفاعة مما يحتاج إلى الشرح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وزاد عبد الله بن صالح‏)‏ كذا عند أبي ذر، وسقط قوله ‏"‏ ابن صالح ‏"‏ من رواية الأكثر، ولهذا جزم خلف وأبو نعيم بأنه ابن صالح، وقد رويناه في ‏"‏ الإيمان ‏"‏ لابن منده من طريق أبي زرعة الرازي عن يحيى بن بكير وعبد الله بن صالح جميعا عن الليث، وساقه بلفظ ‏"‏ عبد الله بن صالح ‏"‏ وقد رواه موصولا من طريق عبد الله بن صالح وحده البزار عن محمد بن إسحاق الصغاني والطبراني في الأوسط عن مطلب بن شعيب وابن منده في ‏"‏ كتاب الإيمان ‏"‏ من طريق يحيى بن عثمان ثلاثتهم عن عبد الله بن صالح فذكره وزاد بعد قوله ‏"‏ استغاثوا بآدم‏:‏ فيقول لست بصاحب ذلك ‏"‏ وتابع عبد الله بن صالح على هذه الزيادة عبد الله بن عبد الحكم عن الليث أخرجه ابن منده أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بحلقة الباب‏)‏ أي باب الجنة، أو هو مجاز عن القرب إلى الله تعالى، والمقام المحمود هو الشفاعة العظمى التي اختص بها وهي إراحة أهل الموقف من أهوال القضاء بينهم والفراغ من حسابهم، والمراد بأهل الجمع أهل الحشر لأنه يوم يجمع فيه الناس كلهم‏.‏

وسيأتي بقية الكلام على المقام المحمود في تفسير سورة سبحان إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال معلى‏)‏ بضم الميم وفتح المهملة وتشديد اللام المفتوحة، وهو ابن أسد، وقد وصله يعقوب بن سفيان في تاريخه عنه، ومن طريق البيهقي، وآخر حديثه ‏"‏ مزعة لحم ‏"‏ وفيه قصة لحمزة بن عبد الله بن عمر مع أبيه في ذلك، ولهذا قيده المصنف بقوله ‏"‏ في المسألة ‏"‏ أي في الشق الأول من الحديث دون الزيادة، ورويناه أيضا في ‏"‏ معجم أبي سعيد بن الأعرابي ‏"‏ قال حدثنا حمدان بن علي عن معلى بن أسد به، وفي هذا الحديث أن هذا الوعيد يختص بمن أكثر السؤال لا من ندر ذلك منه، ويؤخذ منه جواز سؤال غير المسلم لأن لفظ ‏"‏ الناس ‏"‏ يعم قاله ابن أبي جمرة، وحكي عن بعض الصالحين أنه كان إذا احتاج سأل ذميا لئلا يعاقب المسلم بسببه لو رده‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا

وَكَمْ الْغِنَى وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله عز وجل ‏(‏لا يسألون الناس إلحافا‏)‏ وكم الغني‏؟‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا يجد غني يغنيه ‏"‏ لقول الله عز وجل ‏(‏للفقراء الذين أحصروا‏)‏ الآية‏)‏ هذه اللام التي في قوله ‏"‏ لقول الله ‏"‏ لام التعليل لأنه أورد الآية تفسيرا لقوله في الترجمة ‏"‏ وكم الغني ‏"‏ وكأنه يقول‏:‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولا يجد غني يغنيه ‏"‏ مبين لقدر الغني لأن الله تعالى جعل الصدقة للفقراء الموصوفين بهذه الصفة، أي من كان كذلك فليس بغني ومن كان بخلافها فهو غني، فحاصله أن شرط السؤال عدم وجدان الغني لوصف الله الفقراء بقوله‏:‏ ‏(‏لا يستطيعون ضربا في الأرض‏)‏ إذ من استطاع ضربا فيها فهو واجد لنوع من الغنى، والمراد بالذين أحصروا الذين حصرهم الجهاد أي منعهم الاشتغال به من الضرب في الأرض - أي التجارة - لاشتغالهم به عن التكسب، قال ابن علية‏:‏ كل محيط يحصر بفتح أوله وضم الصاد، والأعذار المانعة تحصر بضم المثناة وكثر الصاد أي تجعل المرء كالمحاط به، وللفقراء يتعلق بمحذوف تقديره الإنفاق المقدم ذكره لهؤلاء انتهى‏.‏

وأما قول المصنف في الترجمة ‏"‏ وكم الغني ‏"‏ فلم يذكر فيه حديثا صريحا فيحتمل أنه أشار إلى أنه لم يرد فيه شيء على شرطه، ويحتمل أن يستفاد المراد من قوله في حديث أبي هريرة ‏"‏ الذي لا يجد غني يغنيه ‏"‏ فإن معناه لا يجد شيئا يقع موقعا من حاجته، فمن وجد ذلك كان غنيا‏.‏

وقد ورد فيه ما أخرجه الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود مرفوعا ‏"‏ من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش‏.‏

قيل يا رسول الله وما يغنيه‏؟‏ قال‏:‏ خمسون درهما أوقيمتها من الذهب ‏"‏ وفي إسناده حكيم بن جبير وهو ضعيف وقد تكلم فيه شعبة من أحل هذا الحديث، وحدث به سفيان الثوري عن حكيم فقيل له‏:‏ إن شعبة لا يحدث عنه، قال‏:‏ لقد حدثني به زبيد أبو عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد يعني شيخ حكيم أخرجه الترمذي أيضا، ونص أحمد في ‏"‏ علل الخلال ‏"‏ وغيرها على أن رواية زبيد موقوفة، وقد تقدم حديث أبي سعيد قريبا من عند النسائي في ‏"‏ باب الاستعفاف ‏"‏ وفيه ‏"‏ من سأل وله أوقية فقد ألحف ‏"‏ وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه بلفظ ‏"‏ فهو ملحف ‏"‏ وفي الباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند النسائي بلفظ ‏"‏ فهو الملحف ‏"‏ وعن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد له صحبة في أثناء حديث مرفوع قال فيه ‏"‏ من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا ‏"‏ أخرجه أبو داود، وعن سهل ابن الحنظلية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار‏.‏

فقالوا‏:‏ يا رسول الله وما يغنيه‏؟‏ قال قدر ما يغديه ويعشيه ‏"‏ أخرجه أبو داود أيضا وصححه ابن حبان، قال الترمذي في حديث ابن مسعود‏:‏ والعمل على هذا عند بعض أصحابنا كالثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق‏.‏

قال‏:‏ ووسع قوم في ذلك فقالوا‏:‏ إذا كان عنده خمسون درهما أو أكثر وهو محتاج فله أن يأخذ من الزكاة، وهو قول الشافعي وغيره من أهل العلم انتهى وقال الشافعي‏:‏ قد يكون الرجل غنيا بالدرهم مع الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله‏.‏

وفي المسألة مذاهب أخرى‏:‏ أحدها قول أبي حنيفة‏:‏ إن الغني من ملك نصابا فيحرم عليه أخذ الزكاة، واحتج بحديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن وقول النبي صلى الله عليه وسلم له ‏"‏ تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ‏"‏ فوصف من تؤخذ الزكاة منه بالغنى وقد قال‏:‏ ‏"‏ لا تحل الصدقة لغني‏"‏‏.‏

ثانيها أن حده ‏"‏ من وجد ما يغديه ويعشيه ‏"‏ على ظاهر حديث سهل ابن الحنظلية حكاه الخطابي عن بعضهم، ومنهم من قال‏:‏ وجهه من لا يجد غداء ولا عشاء على دائم الأوقات‏.‏

ثالثها أن حده أربعون درهما، وهو قول أبي عبيد بن سلام على ظاهر حديث أبي سعيد، وهو الظاهر من تصرف البخاري لأنه أتبع ذلك قوله‏:‏ ‏(‏لا يسألون الناس إلحافا‏)‏ وقد تضمن الحديث المذكور أن من سأل وعنده هذا القدر فقد سأل إلحافا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الْأُكْلَةَ وَالْأُكْلَتَانِ وَلَكِنْ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى وَيَسْتَحْيِي أَوْ لَا يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في ذكر المسكين أورده من طريقين، والمسكين مفعيل من السكون قاله القرطبي قال فكأنه من قلة المال سكنت حركاته ولذا قال تعالى ‏(‏أو مسكينا ذا متربة‏)‏ أي لاصق بالتراب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الأكلة والأكلتان‏)‏ بالضم فيهما، ويؤيده ما في رواية الأعرج الآتية آخر الباب ‏"‏ اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ الذي يطوف على الناس ‏"‏ قال أهل اللغة الأكلة بالضم اللقمة وبالفتح المرة من الغداء والعشاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس له غنى‏)‏ زاد في رواية الأعرج غنى يغنيه، وهذه صفة زائدة على اليسار المنفي، إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يغني به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر، وكأن المعنى نفي اليسار المفيد بأنه يغنيه مع وجود أصل اليسار، وهذا كقوله تعالى ‏(‏لا يسألون الناس إلحافا‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويستحيي‏)‏ زاد في رواية الأعرج ‏"‏ ولا يفطن به ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس ‏"‏ وهو بنصب يتصدق ويسأل، وموضع الترجمة منه قوله ‏"‏ ليس له غنى ‏"‏ وقد أورده المصنف في التفسير من طريق أخرى عن أبي هريرة يظهر تعلقها بهذه الترجمة أكثر من هذه الطريق، ولفظه هناك ‏"‏ إنما المسكين الذي يتعفف، اقرؤوا إن شئتم يعني قوله‏:‏ لا يسألون الناس إلحافا ‏"‏ كذا وقع فيه بزيادة يعني، وقد أخرجه مسلم وأحمد من هذا الوجه بدونها، وكذلك وقع فيه بزيادة ابن أبي حاتم في تفسيره‏.‏

وفي الحديث أن المسكنة إنما تحمد مع العفة عن السؤال والصبر على الحاجة، وفيه استحباب الحياء في كل الأحوال، وحسن الإرشاد لوضع الصدقة، وأن يتحرى وضعها فيمن صفته التعفف دون الإلحاح، وفيه دلالة لمن يقول‏:‏ إن الفقير أسوأ حالا من المسكين، وأن المسكين الذي له شيء لكنه لا يكفيه، والفقير الذي لا شيء له كما تقدم توجيهه، ويؤيده قوله تعالى ‏(‏أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر‏)‏ فسماهم مساكين مع أن لهم سفينة يعملون فيها، وهذا قول الشافعي وجمهور أهل الحديث والفقه، وعكس آخرون فقالوا‏:‏ المسكين أسوأ حالا من الفقير‏.‏

وقال آخرون‏:‏ هما سواء، وهذا قول ابن القاسم وأصحاب مالك، وقيل الفقير الذي يسأل والمسكين الذي لا يسأل حكاه ابن بطال، وظاهره أيضا أن المسكين من اتصف بالتعفف وعدم الإلحاف في السؤال، ولكن قال ابن بطال‏:‏ معناه المسكين الكامل وليس المراد نفي أصل المسكنة عن الطواف، بل هي كقوله ‏"‏ أتدرون من المفلس ‏"‏ الحديث، وقوله تعالى ‏(‏ليس البر‏)‏ الآية، وكذا قرره القرطبي وغير واحد‏.‏

والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ ابْنِ أَشْوَعَ عَنْ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي كَاتِبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنْ اكْتُبْ إِلَيَّ بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ

الشرح‏:‏

حديث المغيرة وابن أشوع بالشين المعجمة وزاد أحمد في رواية الكشميهني ابن الأشوع، وهو سعيد بن عمرو بن الأشوع نسب لجده وكاتب المغيرة هو وراد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإضاعة الأموال‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ المال ‏"‏ وموضع الترجمة منه قوله ‏"‏ وكثرة السؤال ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ فهم منه البخاري سؤال الناس، ويحتمل أن يكون المراد السؤال عن المشكلات، أو عما لا حاجة للسائل به، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ذروني ما تركتكم ‏"‏ قلت‏:‏ وحمله على المعنى الأعم أولى ويستقيم مراد البخاري مع ذلك‏.‏

وقد مضى بعض شرحه في كتاب الصلاة، ويأتي في كتاب الأدب وفي الرقاق مستوفي إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ قَالَ فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ رَجُلًا لَمْ يُعْطِهِ وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا قَالَ أَوْ مُسْلِمًا قَالَ فَسَكَتُّ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا قَالَ أَوْ مُسْلِمًا قَالَ فَسَكَتُّ قَلِيلًا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا قَالَ أَوْ مُسْلِمًا يَعْنِي فَقَالَ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ وَعَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ بِهَذَا فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَجَمَعَ بَيْنَ عُنُقِي وَكَتِفِي ثُمَّ قَالَ أَقْبِلْ أَيْ سَعْدُ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ فَكُبْكِبُوا قُلِبُوا فَكُبُّوا مُكِبًّا أَكَبَّ الرَّجُلُ إِذَا كَانَ فِعْلُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ عَلَى أَحَدٍ فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ قُلْتَ كَبَّهُ اللَّهُ لِوَجْهِهِ وَكَبَبْتُهُ أَنَا

الشرح‏:‏

حديث سعد بن أبي وقاص أورده بإسنادين، وموضع الترجمة منه قوله في الرواية الثانية ‏"‏ فجمع بين عنقي وكتفي ثم قال‏:‏ أقبل أي سعد ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه مستوفي في كتاب الإيمان، وأنه أمر بالإقبال أو بالقبول، ووقع عند مسلم ‏"‏ إقبالا أي سعد ‏"‏ على أنه مصدر أي أتقابلني قبالا بهذه المعارضة‏؟‏ وسياقه يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كره منه إلحاحه عليه في المسألة، ويحتمل أن يكون من جهة أن المشفوع له ترك السؤال فمدح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن أبيه عن صالح‏)‏ هو معطوف على الإسناد الأول، وكذا أخرجه مسلم عن الحسن الحلواني عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكبكبوا إلخ‏)‏ تقدمت الإشارة إليه في الإيمان، وجرى المصنف على عادته في إيراد تفسر اللفظة الغريبة إذا وافق ما في الحديث ما في القرآن‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏غير واقع‏)‏ أي لازما و ‏(‏إذا وقع‏)‏ أي إذا كان متعديا، والغرض أن هذه الكلمة من النوادر حيث كان الثلاثي متعديا والمزيد فيه لازما عكس القاعدة التصريفية، قيل ويجوز أن يكون ألف أكب للصيرورة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَكِنْ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة الدال على ذم السؤال ومدح الاكتساب، وقد تقدم الكلام عليه مستوفي في ‏"‏ باب الاستعفاف عن المسألة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَغْدُوَ أَحْسِبُهُ قَالَ إِلَى الْجَبَلِ فَيَحْتَطِبَ فَيَبِيعَ فَيَأْكُلَ وَيَتَصَدَّقَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَكْبَرُ مِنْ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ قَدْ أَدْرَكَ ابْنَ عُمَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏صالح بن كيسان‏)‏ يعني المذكور في الإسنادين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أكبر من الزهري‏)‏ يعني في السن، ومثل هذا جاء عن أحمد وابن معين‏.‏

وقال علي بن المديني‏:‏ كان أسن من الزهري، فإن مولده سنة خمسين وقيل بعدها ومات سنة ثلاث وعشرين ومائة وقيل سنه أربع، وأما صالح بن كيسان فمات سنة أربعين ومائة وقيل قبلها‏.‏

وذكر الحاكم في مقدار عمره سنا تعقبوه عليه‏.‏

وقوله ‏"‏أدرك ابن عمر ‏"‏ يعني أدرك السماع منه، وأما الزهري فمختلف في لقيه له والصحيح أنه لم يلقه وإنما يروي عن ابنه سالم عنه، والحديثان اللذان وقع في رواية معمر عنه أنه سمعهما عن ابن عمر ثبت ذكر سالم بينهما في رواية غيره والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-14-2013, 11:27 AM   #5
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*2*كتاب الحج
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب وُجُوبِ الْحَجِّ وَفَضْلِهِ
وَقَوْلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب وجوب الحج وفضله، وقول الله تعالى‏:‏ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين‏)‏ كذا لأبي ذر، وسقط لغيره البسملة وباب، ولبعضهم قوله ‏"‏ وقول الله‏"‏‏.‏
وفي رواية الأصيلي ‏"‏ كتاب المناسك‏"‏‏.‏
وقدم المصنف الحج على الصيام لمناسبة لطيفة تقدم ذكرها في المقدمة‏.‏
ورتبه على مقاصد متناسبة‏:‏ فبدأ بما يتعلق بالمواقيت، ثم بدخول مكة وما معها ثم بصفة الحج، ثم بأحكام العمرة، ثم بمحرمات الإحرام، ثم بفضل المدينة‏.‏
ومناسبة هذا الترتيب غير خفية على الفطن‏.‏
وأصل الحج في اللغة القصد‏.‏
وقال الخليل‏:‏ كثرة القصد إلى معظم‏.‏
وفي الشرع القصد إلى البيت الحرام بأعمال مخصوصة‏.‏
وهو بفتح المهملة وبكسرها لغتان، نقل الطبري أن الكسر لغة أهل نجد والفتح لغيرهم، ونقل عن حسين الجعفي أن الفتح الاسم والكسر المصدر، وعن غيره عكسه‏.‏
ووجوب الحج معلوم من الدين بالضرورة‏.‏
وأجمعوا على أنه لا يتكرر إلا لعارض كالنذر‏.‏
واختلف هل هو على الفور أو التراخي‏؟‏ وهو مشهور‏.‏
وفي وقت ابتداء فرضه فقيل‏:‏ قبل الهجرة وهو شاذ، وقيل بعدها‏.‏
ثم اختلف في سنته فالجمهور على أنها سنة ست لأنها نزل فيها قوله تعالى ‏(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ وهذا ينبني على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض، ويؤيده قراءة علقمة ومسروق وإبراهيم النخعي بلفظ ‏"‏ وأقيموا ‏"‏ أخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عنهم، وقيل المراد بالإتمام الإكمال بعد الشروع، وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك‏.‏
وقد وقع في قصة ضمام ذكر الأمر بالحج، وكان قدومه على ما ذكر الواقدي سنة خمس، وهذا يدل - إن ثبت - على تقدمه على سنة خمس أو وقوعه فيها، وسيأتي مزيد بسط في الكلام على هذه المسألة في أول الكلام على العمرة‏.‏
وأما فضله فمشهور ولا سيما في الوعيد على تركه في الآية، وسيأتي في باب مفرد‏.‏
ولكن لم يورد المصنف في الباب غير حديث الخثعمية، وشاهد الترجمة منه خفي، وكأنه أراد إثبات فضله من جهة تأكيد الأمر به بحيث أن العاجز عن الحركة إليه يلزمه أن يستنيب غيره ولا يعذر بترك ذلك، وسيأتي الكلام على حديث الخثعمية والاختلاف في إسناده على الزهري في أواخر محرمات الإحرام‏.‏
والمراد منه هنا تفسير الاستطاعة المذكورة في الآية، وأنها لا تختص بالزاد والراحلة يل تتعلق بالمال والبدن، لأنها لو اختصت للزم المعضوب أن يشد على الراحلة ولو شق عليه، قال ابن المنذر‏:‏ لا يثبت الحديث الذي فيه ذكر الزاد والراحلة، والآية الكريمة عامة ليست مجملة فلا تفتقر إلى بيان، وكأنه كلف كل مستطيع قدر بمال أو ببدن، وسيأتي بيان الاختلاف في ذلك في الكلام على الحديث المذكور إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏تقسيم‏)‏ ‏:‏ الناس قسمان، من يجب عليه الحج ومن لا يجب، الثاني العبد وغير المكلف وغير المستطيع‏.‏
ومن لا يجب عليه إما أن يجزئه المأتي به أو لا، الثاني العبد وغير المكلف‏.‏
والمستطيع إما أن تصح مباشرته منه أو لا، الثاني غير المميز‏.‏
ومن لا تصح مباشرته إما أن يباشر عنه غيره أو لا، الثاني الكافر‏.‏
فتبين أنه لا يشترط لصحة الحج إلا الإسلام‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ فِجَاجًا الطُّرُقُ الْوَاسِعَةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق‏)‏ قيل إن المصنف أراد أن الراحلة ليست شرطا للوجوب‏.‏
وقال ابن القصار‏:‏ في الآية دليل قاطع لمالك أن الراحلة ليست من شرط السبيل، فإن المخالف يزعم أن الحج لا يجب على الراجل وهو خلاف الآية انتهى وفيه نظر، وقد روى الطبري من طريق عمر بن ذر قال‏:‏ قال مجاهد كانوا لا يركبون فأنزل الله ‏(‏يأتوك رجالا وعلى كل ضامر‏)‏ فأمرهم بالزاد ورخص لهم في الركوب والمتجر‏.‏
وروى ابن أبي حاتم من طريق محمد بن كعب عن ابن عباس ‏"‏ ما فاتني شيء أشد علي أن لا أكون حججت ماشيا لأن الله يقول ‏(‏يأتوك رجالا وعلى كل ضامر‏)‏ فبدأ بالرجال قبل الركبان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجاجا الطرق الواسعة‏)‏ قال يحيى الفراء في ‏"‏ المعاني ‏"‏ في سورة نوح‏:‏ قوله فجاجا واحدها فج وهي الطرق الواسعة‏.‏
واعترضه الإسماعيلي فقال‏:‏ يقال الفج الطريق بين الجبلين، فإذا لم يكن كذلك لم يسم الطريق فحا، كذا قال وهو قول بعض أهل اللغة، وجزم أبو عبيد ثم الأزهري بأن الفج الطريق الواسع، وقد نقل صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏ أن الفج الطريق الواسع في جبل أو في قبل جبل، وهو أوسع من الشعب، وروى ابن أبي حاتم والطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏فجاجا‏)‏ يقول طرقا مختلفة‏.‏
ومن طريق شعبة عن قتادة قال‏:‏ طرقا وأعلاما‏.‏
وقال أبو عبيدة في ‏"‏ المجاز ‏"‏ فج عميق أي بعيد القعر، وهذا تفسير العميق يقال بئر عميقة القعر أي بعيدة القعر‏.‏
ثم ذكر المصنف حديث ابن عمر في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته، وحديث جابر نحوه، وسيأتي الكلام عليه بعد أبواب، وغرضه منه الرد على من زعم أن الحج ماشيا أفضل لتقديمه في الذكر على الراكب فبين أنه لو كان أفضل لفعله النبي صلى الله عليه وسلم بدليل أنه لم يحرم حتى استوت به راحلته، ذكر ذلك ابن المنير في الحاشية‏.‏
وقال غيره‏:‏ مناسبة الحديث للآية أن ذا الحليفة فج عميق والركوب مناسب لقوله وعلى كل ضامر‏.‏
وقال الإسماعيلي‏:‏ ليس في الحديثين شيء مما ترجم الباب به، ورد بأن فيهما الإشارة إلى أن الركوب أفضل فيؤخذ منه جواز المشي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ سَمِعَ عَطَاءً يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ إِهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه أنس وابن عباس‏)‏ أي إهلاله بعدما استوت به راحلته، وسيأتي حديث أنس موصولا في ‏"‏ باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح ‏"‏ وحديث ابن عباس قبله في ‏"‏ باب ما يلبس المحرم من الثياب ‏"‏ في أثناء حديث‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ اختلف في الركوب والمشي للحجاج أيهما أفضل‏؟‏ فقال الجمهور‏:‏ الركوب أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولكونه أعون على الدعاء والابتهال ولما فيه من المنفعة‏.‏
وقال إسحاق بن راهويه‏:‏ المشي أفضل لما فيه من التعب‏.‏
ويحتمل أن يقال‏:‏ يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص فالله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أحمد بن عيسى شيخ المصنف في حديث ابن عمر وقع هكذا في رواية أبي ذر ووافقه أبو علي الشبوي وأهمله الباقون، وإبراهيم شيخه في حديث جابر وقع مهملا للأكثر وفي رواية أبي ذر حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي وهو الحافظ المعروف بالفراء الصغير‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-14-2013, 11:27 AM   #6
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْحَجِّ عَلَى الرَّحْلِ
وَقَالَ أَبَانُ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مَعَهَا أَخَاهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمَرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ وَحَمَلَهَا عَلَى قَتَبٍ وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شُدُّوا الرِّحَالَ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ أَحَدُ الْجِهَادَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الحج على الرحل‏)‏ بفتح الراء وسكون المهملة وهو للبعير كالسرج للفرس أشار بهذا إلى أن التقشف أفضل من الترفه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبان‏)‏ هو ابن يزيد العطار والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق‏.‏
وهذه الطريق وصلها أبو نعيم في المستخرج من طريق حرمي بن حفص عن أبان بن يزيد العطار به، وسمعناه بعلو في ‏"‏ فوائد أبي العباس بن نجيح ‏"‏ ولم يخرج البخاري لمالك بن دينار وهو الزاهد المشهور البصري غير هذا الحديث الواحد المعلق والغرض منه قوله فيه ‏"‏ وحملها على قتب ‏"‏ وهو بفتح القاف والمثناة بعدها موحدة رحل صغير على قدر السنام وقد ذكره في آخر الباب موصولا بلفظ ‏"‏ فأحقبها ‏"‏ أي أردفها على الحقيبة وهي الزنار الذي يجعل في مؤخر القتب، فقوله في رواية أبان ‏"‏ على قتب ‏"‏ أي حملها على مؤخر قتب، والحاصل أنه أردفها وكان هو على قتب فإن القصة واحدة‏.‏
وسيأتي بسط القول في اعتمار عائشة من التنعيم في أبواب العمرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر شدوا الرحال في الحج فإنه أحد الجهادين‏)‏ وصله عبد الرزاق وسعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي عن عابس بن ربيعة وهو بموحدة ومهملة أنه سمع عمر يقول وهو يخطب ‏"‏ إذا وضعتم السروج فشدوا الرحال إلى الحج والعمرة فإنه أحد الجهادين ‏"‏ ومعناه إذا فرغتم من الغزو فحجوا واعتمروا، وتسمية الحج جهادا إما من باب التغليب أو على الحقيقة، والمراد جهاد النفس لما فيه من إدخال المشقة على البدن والمال، وسيأتي في ثاني أحاديث الباب الذي بعده ما يؤيده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ حَجَّ أَنَسٌ عَلَى رَحْلٍ وَلَمْ يَكُنْ شَحِيحًا وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ عَلَى رَحْلٍ وَكَانَتْ زَامِلَتَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن أبي بكر‏)‏ هو المقدمي كذا وقع في رواية أبي ذر، ولغيره ‏"‏ وقال محمد بن أبي بكر ‏"‏ وقد وصله الإسماعيلي قال ‏"‏ حدثنا أبو يعلى والحسن بن سفيان وغيرهما قالوا‏:‏ حدثنا محمد بن أبي بكر به‏"‏‏.‏
وعزرة بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها راء تأنيث عزر وهو المنع ومنه قوله تعالى ‏(‏ويعزروه‏)‏ ، ورجال هذا الإسناد كلهم بصريون‏.‏
وقد أنكره علي بن المديني لما سئل عنه فقال‏:‏ ليس هذا من حديث يزيد بن زريع والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكانت زاملته‏)‏ أي الراحلة التي ركبها، وهي وإن لم يجر لها ذكر لكن دل عليها ذكر الرحل، والزاملة البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع، من الزمل وهو الحمل، والمراد أنه لم تكن معه زاملة تحمل طعامه ومتاعه بل كان ذلك محمولا معه على راحلته وكانت هي الراحلة والزاملة‏.‏
وروى سعيد بن منصور من طريق هشام بن عروة قال ‏"‏ كان الناس يحجون وتحتهم أزودتهم، وكان أول من حج على رحل وليس تحته شيء عثمان بن عفان ‏"‏ وقوله فيه ‏"‏ ولم يكن شحيحا ‏"‏ إشارة إلى أنه فعل ذلك تواضعا واتباعا لا عن قلة وبخل‏.‏
وقد روى ابن ماجه هذا الحديث بلفظ آخر لكن إسناده ضعيف فذكر بعد قوله ‏"‏ على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم - ثم قال‏:‏ اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ فَقَالَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ اذْهَبْ بِأُخْتِكَ فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ فَأَحْقَبَهَا عَلَى نَاقَةٍ فَاعْتَمَرَتْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمرو‏)‏ هو ابن علي الفلاس‏.‏
وأبو عاصم هو النبيل شيخ البخاري، وروى عنه هنا بواسطة، ونابل والد أيمن بنون وموحدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأحقبها على ناقة‏)‏ في رواية الكشميهني ناقته، وسيأتي الكلام عليه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب فَضْلِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل الحج المبرور‏)‏ قال ابن خالويه‏:‏ المبرور المقبول‏.‏
وقال غيره‏:‏ الذي لا يخالطه شيء من الإثم، ورجحه النووي‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى، وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه ووقع موقعا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل والله أعلم‏.‏
وقد تقدم في ذلك أقوال أخر مع مباحث الحديث الأول في ‏"‏ باب من قال إن الإيمان هو العمل ‏"‏ من كتاب الإيمان، منها أنه يظهر بآخره فإن رجع خيرا مما كان عرف أنه مبرور‏.‏
ولأحمد والحاكم من حديث جابر ‏"‏ قالوا يا رسول الله ما بر الحج‏؟‏ قال إطعام الطعام وإفشاء السلام ‏"‏ وفي إسناده ضعف، فلو ثبت لكان هو المتعين دون غيره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ قَالَ لَا لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الرحمن بن المبارك‏)‏ هو العيشي بالتحتانية والشين المعجمة بصري وليس أخا لعبد الله بن المبارك المروزي الفقيه المشهور، وشيخه خالد هو ابن عبد الله الواسطي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نرى الجهاد أفضل العمل‏)‏ وهو بفتح النون أي نعتقد ونعلم، وذلك لكثرة ما يسمع من فضائله في الكتاب والسنة‏.‏
وقد رواه جرير عن صهيب عند النسائي بلفظ ‏"‏ فإني لا أرى عملا في القرآن أفضل من الجهاد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لكن أفضل الجهاد‏)‏ اختلف في ضبط ‏"‏ لكن ‏"‏ فالأكثر بضم الكاف خطاب للنسوة، قال القابسي‏:‏ وهو الذي تميل إليه نفسي‏.‏
وفي رواية الحموي لكن بكسر الكاف وزيادة ألف قبلها بلفظ الاستدراك، والأول أكثر فائدة لأنه يشتمل على إثبات فضل الحج وعلى جواب سؤالها عن الجهاد، وسماه جهادا لما فيه من مجاهدة النفس، وسيأتي بقية الكلام في أواخر كتاب الحج في ‏"‏ باب حج النساء ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

والمحتاج إليه هنا كونه جعل الحج أفضل الجهاد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت أبا حازم‏)‏ هو سلمان، وأما أبو حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد فلم يسمع من أبي هريرة، وسيار أبو الحكم الراوي عنه بتقديم المهملة وتشديد التحتانية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من حج لله‏)‏ في رواية منصور عن أبي حازم الآتية قبيل جزاء الصيد ‏"‏ من حج هذا البيت ‏"‏ ولمسلم من طريق جريح عن منصور ‏"‏ من أتى هذا البيت ‏"‏ وهو يشمل الحج والعمرة‏.‏
وقد أخرجه الدارقطني من طريق الأعمش عن أبي حازم بلفظ ‏"‏ من حج أو اعتمر ‏"‏ لكن في الإسناد إلى الأعمش ضعف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلم يرفث‏)‏ الرفث الجماع، ويطلق على التعريض به وعلى الفحش في القول‏.‏
وقال الأزهري‏:‏ الرفث اسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة، وكان ابن عمر يخصه بما خوطب به النساء‏.‏
وقال عياض‏:‏ هذا من قول الله تعالى ‏(‏فلا رفث ولا فسوق‏)‏ والجمهور على أن المراد به في الآية الجماع انتهى‏.‏
والذي يظهر أن المراد به في الحديث ما هو أعم من ذلك، وإليه نحا القرطبي، وهو المراد بقوله في الصيام ‏"‏ فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث‏"‏‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ فاء الرفث مثلثة في الماضي والمضارع والأفصح الفتح في الماضي والضم في المستقبل والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم يفسق‏)‏ أي لم يأت بسيئة ولا معصية، وأغرب ابن الأعرابي فقال‏:‏ إن لفظ الفسق لم يسمع في الجاهلية ولا في أشعارهم وإنما هو إسلامي، وتعقب بأنه كثر استعماله في القرآن وحكايته عمن قبل الإسلام‏.‏
وقال غيره‏:‏ أصله انفسقت الرطبة إذا خرجت فسمي الخارج عن الطاعة فاسقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رجع كيوم ولدته أمه‏)‏ أي بغير ذنب، وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات، وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرداس المصرح بذلك، وله شاهد من حديث ابن عمر في تفسير الطبري، قال الطيبي‏:‏ الفاء في قوله ‏"‏ فلم يرفث ‏"‏ معطوف على الشرط، وجوابه رجع أي صار، والجار والمجرور خبر له، ويجوز أن يكون حالا أي صار مشابها لنفسه في البراءة عن الذنوب في يوم ولدته أمه ا ه‏.‏
وقد وقع في رواية الدارقطني المذكورة ‏"‏ رجع كهيئته يوم ولدته أمه‏"‏‏.‏
وذكر لنا بعض الناس أن الطيبي أفاد أن الحديث إنما لم يذكر فيه الجدال كما ذكر في الآية على طريق الاكتفاء بذكر البعض وترك ما دل عليه ما ذكر، ويحتمل أن يقال إن ذلك يختلف بالقصد لأن وجوده لا يؤثر في ترك مغفرة ذنوب الحاج إذا كان المراد به المجادلة في أحكام الحج فيما يظهر من الأدلة، أو المجادلة بطريق التعميم فلا يؤثر أيضا فإن الفاحش منها داخل في عموم الرفث والحسن منها ظاهر في عدم التأثير، والمستوي الطرفين لا يؤثر أيضا‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب فَرْضِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فرض مواقيت الحج والعمرة‏)‏ المواقيت جمع ميقات كمواعيد وميعاد، ومعنى ‏"‏ فرض ‏"‏ قدر أو أوجب، وهو ظاهر نص المصنف وأنه لا يجيز الإحرام بالحج والعمرة من قبل الميقات، ويزيد ذلك وضوحا ما سيأتي بعد قليل حيث قال ‏"‏ ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة ‏"‏ وقد نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على الجواز، وفيه نظر فقد نقل عن إسحاق وداود وغيرهما عدم الجواز وهو ظاهر جواب ابن عمر، ويؤيده القياس على الميقات الزماني فقد أجمعوا على أنه لا يجوز التقدم عليه، وفرق الجمهور بين الزماني والمكاني فلم يجيزوا التقدم على الزماني وأجازوا في المكاني، وذهب طائفة كالحنفية وبعض الشافعية إلى ترجيح التقدم‏.‏
وقال مالك يكره، وسيأتي شيء من ذلك في ترجمة ‏"‏ الحج أشهر معلومات ‏"‏ في قوله ‏"‏ وكره عثمان أن يحرم من خراسان‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي مَنْزِلِهِ وَلَهُ فُسْطَاطٌ وَسُرَادِقٌ فَسَأَلْتُهُ مِنْ أَيْنَ يَجُوزُ أَنْ أَعْتَمِرَ قَالَ فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا زهير‏)‏ هو ابن معاوية الجعفي، ورجال هذا الإسناد سوى ابن عمر كوفيون، وجبير والد زيد بالجيم والموحدة مصغر ليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وفي الرواة زيد بن جبيرة بفتح الجيم وزيادة هاء في آخره لم يخرج له البخاري شيئا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وله فسطاط وسرادق‏)‏ الفسطاط معروف وهي الخيمة، وأصله عمود الخباء الذي يقوم عليه، وقيل لا يقال لها ذلك إلا إذا كانت من قطن، وهو أيضا مما يغطى به صحن الدار من الشمس وغيرها، وكل ما أحاط بشيء فهو سرادق ومنه ‏(‏أحاط بهم سرادقها‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فسألته‏)‏ فيه التفات لأنه قال أولا إنه أتى ابن عمر فكان السياق يقتضي أن يقول فسأله، لكن وقع عند الإسماعيلي ‏"‏ قال فدخلت عليه فسألته‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرضها‏)‏ أي قدرها وعينها، ويحتمل أن يكون المراد أوجبها وبه يتم مراد المصنف، ويؤيده قرينة قول السائل ‏"‏ من أين يجوز لي ‏"‏ وسيأتي الكلام على الحديث بعد باب‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-14-2013, 11:28 AM   #7
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى‏:‏ وتزودوا فإن خير الزاد التقوى‏)‏ قال مقاتل بن حيان ‏"‏ لما نزلت قام رجل فقال‏:‏ يا رسول الله ما نجد زادا، فقال‏:‏ تزود ما تكف به وجهك عن الناس، وخير ما تزودتم التقوى ‏"‏ أخرجه ابن أبي حاتم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ وَيَقُولُونَ نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى بن بشر‏)‏ بكسر الموحدة وبالمعجمة وهو البلخي، ولم يخرج للجريري الذي أخرج له مسلم وهو من طبقته، وجعلهما ابن طاهر وأبو علي الجياني رجلا واحدا والصواب التفرقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون‏)‏ زاد ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس ‏"‏ يقولون نحج بيت الله أفلا يطعمنا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا قدموا المدينة‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ مكة ‏"‏ وهو أصوب، وكذا أخرجه أبو نعيم من طريق محمد بن عبد الله المخرمي عن شبابة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه ابن عيينة عن عمرو‏)‏ يعني ابن دينار ‏(‏عن عكرمة مرسلا‏)‏ يعني لم يذكر فيه ابن عباس، وهكذا أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة، وكذا أخرجه الطبري عن عمرو بن علي وابن أبي حاتم عن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري كلاهما عن ابن عيينة مرسلا، قال ابن أبي حاتم‏:‏ وهو أصح من رواية ورقاء‏.‏
قلت‏:‏ وقد اختلف فيه على ابن عيينة فأخرجه النسائي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه موصولا بذكر ابن عباس فيه، لكن حكى الإسماعيلي عن ابن صاعد أن سعيدا حدثهم به في كتاب المناسك موصولا، قال وحدثنا به في حديث عمرو بن دينار فلم يجاوز به عكرمة انتهى‏.‏
والمحفوظ عن ابن عيينة ليس فيه ابن عباس، لكن لم ينفرد شبابة بوصله، فقد أخرجه الحاكم في تاريخه من طريق الفرات بن خالد عن سفيان الثوري عن ورقاء موصولا، وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس كما سبق، قال المهلب‏:‏ في هذا الحديث من الفقه أن ترك السؤال من التقوى، ويؤيده أن الله مدح من لم يسأل الناس إلحافا فإن قوله‏:‏ ‏(‏فإن خير الزاد التقوى‏)‏ أي تزودوا واتقوا أذى الناس بسؤالكم إياهم والإثم في ذلك، قال‏:‏ وفيه أن التوكل لا يكون مع السؤال وإنما التوكل المحمود أن لا يستعين بأحد في شيء، وقيل هو قطع النظر عن الأسباب بعد تهيئة الأسباب، كما قال عليه السلام ‏"‏ اعقلها وتوكل‏"‏‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مُهَلِّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب مهل أهل مكة للحج والعمرة‏)‏ المهل بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام موضع الإهلال، وأصله رفع الصوت لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام، ثم أطلق على نفس الإحرام اتساعا، قال ابن الجوزي‏:‏ وإنما يقول بفتح الميم من لا يعرف‏.‏
وقال أبو البقاء العكبري‏:‏ هو مصدر بمعنى الإهلال كالمدخل والمخرج بمعنى الإدخال والإخراج، وأشار المصنف بالترجمة إلى حديث ابن عمر فإنه سيأتي بلفظ ‏"‏ مهل‏"‏، وأما حديث الباب فذكره بلفظ ‏"‏ وقت ‏"‏ أي حدد، وأصل التوقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به ثم اتسع فيه فأطلق على المكان أيضا، قال ابن الأثير‏:‏ التوقيت والتأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة يقال‏:‏ وقت الشيء بالتشديد يوقته ووقت بالتخفيف يوقته إذا بين مدته، ثم اتسع فيه فقيل للموضع ميقات‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ قيل إن التوقيت في اللغة التحديد والتعيين، فعلى هذا فالتحديد من لوازم الوقت، وقوله هنا ‏"‏ وقت ‏"‏ يحتمل أن يريد به التحديد أي حد هذه المواضع للإحرام، ويحتمل أن يريد به تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط المعتبر‏.‏
وقال عياض‏:‏ وقت أي حدد، وقد يكون بمعنى أوجب‏.‏
ومنه قوله تعالى ‏(‏إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا‏)‏ انتهى‏.‏
ويؤيده الرواية الماضية بلفظ ‏"‏ فرض‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة‏)‏ أي مدينته عليه الصلاة والسلام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذا الحليفة‏)‏ بالمهملة والفاء مصغرا مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين قاله ابن حزم‏.‏
وقال غيره‏:‏ بينهما عشر مراحل‏.‏
وقال النووي‏:‏ بينها وبين المدينة ستة أميال، ووهم من قال بينهما ميل واحد وهو ابن الصباغ‏.‏
وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب، وبها بئر يقال لها بئر علي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الجحفة‏)‏ بضم الجيم وسكون المهملة، وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ستة، وفي قول النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ ثلاث مراحل نظر، وسيأتي في حديث ابن عمر أنها مهيعة بوزن علقمة وقيل بوزن لطيفة، وسميت الجحفة لأن السيل أجحف بها، قال ابن الكلبي‏:‏ كان العماليق يسكنون يثرب، فوقع بينهم وبين بني عبيل - بفتح المهملة وكسر الموحدة وهم إخوة عاد - حرب فأخرجوهم من يثرب فنزلوا مهيعة فجاء سبل فاجتحفهم أي استأصلهم فسميت الجحفة‏.‏
ووقع في حديث عائشة عند النسائي ‏"‏ ولأهل الشام ومصر الجحفة ‏"‏ والمكان الذي يحرم منه المصريون الآن رابغ بوزن فاعل براء وموحدة وغين معجمة قريب من الجحفة، واختصت الجحفة بالحمى فلا ينزلها أحد إلا حم كما سيأتي في فضائل المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولأهل نجد قرن المنازل‏)‏ أما نجد فهو كل مكان مرتفع وهو اسم لعشرة مواضع، والمراد منها هنا التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها الشام والعراق‏.‏
والمنازل بلفظ جمع المنزل، والمركب الإضافي هو اسم المكان، ويقال له قرن أيضا بلا إضافة، وهو بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون، وضبطه صاحب ‏"‏ الصحاح ‏"‏ بفتح الراء وغلطوه، وبالغ النووي فحكى الاتفاق على تخطئته في ذلك، لكن حكى عياض تعليق القابسي أن من قاله بالإسكان أراد الجبل ومن قاله بالفتح أراد الطريق، والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان‏.‏
وحكى الروياني عن بعض قدماء الشافعية أن المكان الذي يقال له قرن موضعان‏:‏ أحدهما في هبوط وهو الذي يقال له قرن المنازل، والآخر في صعود وهو الذي يقال له قرن الثعالب والمعروف الأول‏.‏
وفي ‏"‏ أخبار مكة ‏"‏ للفاكهي أن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة ذراع، وقيل له قرن الثعالب لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب، فظهر أن قرن الثعالب ليس من المواقيت، وقد وقع ذكره في حديث عائشة في إتيان النبي صلى الله عليه وسلم الطائف يدعوهم إلى الإسلام وردهم عليه قال ‏"‏ فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ‏"‏ الحديث ذكره ابن إسحاق في السيرة النبوية، ووقع في مرسل عطاء عند الشافعي ‏"‏ ولأهل نجد قرن، ولمن سلك نجدا من أهل اليمن وغيرهم قرن المنازل‏"‏‏.‏
ووقع في عبارة القاضي حسين في سياقه لحديث ابن عباس هذا ‏"‏ ولأهل نجد اليمن ونجد الحجاز قرن ‏"‏ وهذا لا يوجد في شيء من طرق حديث ابن عباس، وإنما يوجد ذلك من مرسل عطاء، وهو المعتمد فإن لأهل اليمن إذا قصدوا مكة طريقين‏:‏ إحداهما طريق أهل الجبال وهم يصلون إلى قرن أو يحاذونه فهو ميقاتهم كما هو ميقات أهل المشرق، والأخرى طريق أهل تهامة فيمرون بيلملم أو يحاذونه وهو ميقاتهم لا يشاركهم فيه إلا من أتى عليه من غيرهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولأهل اليمن يلملم‏)‏ بفتح التحتانية واللام وسكون الميم وبعدها لام مفتوحة ثم ميم مكان على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلا ويقال لها ألملم بالهمزة وهو الأصل والياء تسهيل لها، وحكى ابن السيد فيه يرمرم براءين بدل اللامين‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ أبعد المواقيت من مكة ذو الحليفة ميقات أهل المدينة، فقيل الحكمة في ذلك أن تعظم أجور أهل المدينة، وقيل رفقا بأهل الآفاق لأن أهل المدينة أقرب الآفاق إلى مكة أي ممن له ميقات معين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من لهم‏)‏ أي المواقيت المذكورة لأهل البلاد المذكورة‏.‏
ووقع في رواية أخرى كما يأتي في ‏"‏ باب دخول مكة بغير إحرام ‏"‏ بلفظ ‏"‏ هن لهن ‏"‏ أي المواقيت للجماعات المذكورة أو لأهلهن على حذف المضاف والأول هو الأصل، ووقع في ‏"‏ باب مهل أهل اليمن ‏"‏ بلفظ ‏"‏ هن لأهلهن ‏"‏ كما شرحته‏.‏
وقوله هن ضمير جماعة المؤنث وأصله لمن يعقل، وقد استعمل فيما لا يعقل لكن فيما دون العشرة، وقوله ‏"‏ولمن أتى عليهن ‏"‏ أي على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة، ويدخل في ذلك من دخل بلدا ذات ميقات ومن لم يدخل، فالذي لا يدخل لا إشكال فيه إذا لم يكن له ميقات معين، والذي يدخل فيه خلاف كالشامي إذا أراد الحج فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي، فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور، وأطلق النووي الاتفاق ونفي الخلاف في شرحيه لمسلم والمهذب في هذه المسألة فلعله أراد في مذهب الشافعي وإلا فالمعروف عند المالكية أن للشامي مثلا إذا جاوز ذا الحليفة بغير إحرام إلى ميقاته الأصلي وهو الجحفة جاز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه وبه قال الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية، قال ابن دقيق العيد‏:‏ قوله ‏"‏ ولأهل الشام الجحفة ‏"‏ يشمل من مر من أهل الشام بذي الحليفة ومن لم يمر، وقوله ‏"‏ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ‏"‏ يشمل الشامي إذا مر بذي الحليفة وغيره، فهنا عمومان قد تعارضا انتهى ملخصا‏.‏
ويحصل الانفكاك عنه بأن قوله ‏"‏ هن لهن ‏"‏ مفسر لقوله مثلا وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، وأن المراد بأهل المدينة ساكنوها ومن سلك طريق سفرهم فمر على ميقاتهم، ويؤيده عراقي خرج من المدينة فليس له مجاوزة ميقات المدينة غير محرم، ويترجح بهذا قول الجمهور وينتفي التعارض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ممن أراد الحج والعمرة‏)‏ فيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام، وسيأتي في ترجمة مفردة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن كان دون ذلك‏)‏ أي بين الميقات ومكة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فمن حيث أنشأ‏)‏ أي فميقاته من حيث أنشأ الإحرام إذ السفر من مكانه إلى مكة وهذا متفق عليه إلا ما روي عن مجاهد أنه قال‏:‏ ميقات هؤلاء نفس مكة، واستدل به ابن حزم على أن من ليس له ميقات فميقاته من حيث شاء ولا دلالة فيه لأنه يختص بمن كان دون الميقات أي إلى جهة مكة كما تقدم، ويؤخذ منه أن من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بدا له بعد ذلك النسك أنه محرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات لقوله ‏"‏ فمن حيث أنشأ‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى أهل مكة‏)‏ يجوز فيه الرفع والكسر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من مكة‏)‏ أي لا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للإحرام منه بل يحرمون من مكة كالآفاقي الذي بين الميقات ومكة فإنه يحرم من مكانه ولا يحتاج إلى الرجوع إلى الميقات ليحرم منه، وهذا خاص بالحاج، واختلف في أفضل الأماكن التي يحرم منها كما سيأتي في ترجمة مفردة‏.‏

وأما المعتمر فيجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل كما سيأتي بيانه في أبواب العمرة‏.‏
قال المحب الطبري‏:‏ لا أعلم أحدا جعل مكة ميقاتا للعمرة، فتعين حمله على القارن، واختلف في القارن فذهب الجمهور إلى أن حكمه حكم الحاج في الإهلال من مكة‏.‏
وقال ابن الماجشون‏:‏ يجب عليه الخروج إلى أدنى الحل، ووجهه أن العمرة إنما تندرج في الحج فيما محله واحد كالطواف والسعي عند من يقول بذلك، وأما الإحرام فمحله فيهما مختلف، وجواب هذا الإشكال أن المقصود من الخروج إلى الحل في حق المعتمر أن يرد على البيت الحرام من الحل فيصح كونه وافدا عليه، وهذا يحصل للقارن لخروجه إلى عرفة وهي من الحل ورجوعه إلى البيت لطواف الإفاضة فحصل المقصود بذلك أيضا‏.‏
واختلف فيمن جاوز الميقات مريدا للنسك فلم يحرم، فقال الجمهور‏:‏ يأثم ويلزمه دم، فأما لزوم الدم فبدليل غير هذا، وأما الإثم فلترك الواجب‏.‏
وقد تقدم الحديث من طريق ابن عمر بلفظ ‏"‏ فرضها ‏"‏ وسيأتي بلفظ ‏"‏ يهل ‏"‏ وهو خبر بمعنى الأمر والأمر لا يرد بلفظ الخبر إلا إذا أريد تأكيده، وتأكيد الأمر للوجوب، وسبق في العلم بلفظ ‏"‏ من أين تأمرنا أن نهل ‏"‏ ولمسلم من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر ‏"‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة‏"‏‏.‏
وذهب عطاء والنخعي إلى عدم الوجوب، ومقابله قول سعيد بن جبير لا يصح حجه وبه قال ابن حزم‏.‏
وقال الجمهور‏:‏ لو رجع إلى الميقات قبل التلبس بالنسك سقط عنه الدم، قال أبو حنيفة بشرط أن يعود ملبيا، ومالك بشرط أن لا يبعد، وأحمد لا يسقط بشيء‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الأفضل في كل ميقات أن يحرم من طرفه الأبعد من مكة، فلو أحرم من طرفه الأقرب جاز‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا يُهِلُّوا قَبْلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ميقات أهل المدينة، ولا يهلون قبل ذي الحليفة‏)‏ قد تقدمت الإشارة إلى هذا في ‏"‏ باب فرض المواقيت ‏"‏ واستنبط المصنف من إيراد الخبر بصيغة الخبر مع إرادة الأمر تعين ذلك، وأيضا فلم ينقل عن أحد ممن حج مع النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحرم قبل ذي الحليفة، ولولا تعين الميقات لبادروا إليه لأنه يكون أشق فيكون أكثر أجرا، وقد تقدم شرح المتن في الذي قبله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّأْمِ مِنْ الْجُحْفَةِ وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله‏)‏ هو ابن عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وبلغني إلخ‏)‏ سيأتي من رواية ابنه سالم عنه بعد باب بلفظ ‏"‏ زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولم أسمعه ‏"‏ وتقدم في العلم من وجه آخر بلفظ ‏"‏ لم أفقه هذه من النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وهو يشعر بأن الذي بلغ ابن عمر ذلك جماعة، وقد ثبت ذلك من حديث ابن عباس كما في الباب قبله، ومن حديث جابر عند مسلم، ومن حديث عائشة عند النسائي، ومن حديث الحارث بن عمرو السهمي عند أحمد وأبي داود والنسائي‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-14-2013, 11:30 AM   #8
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مُهَلِّ أَهْلِ الشَّأْمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب مهل أهل الشام‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس وقد تقدم قبل باب، وحماد المذكور في الإسناد هو ابن زيد‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مُهَلِّ أَهْلِ نَجْدٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب مهل أهل نجد‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر من طريقين إلى الزهري، فعلي شيخه في الإسناد الأول هو ابن المديني، وأحمد في الثاني هو ابن عيسى كما ثبت في رواية أبي ذر، وقد تقدم الكلام عليه قريبا‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مُهَلِّ مَنْ كَانَ دُونَ الْمَوَاقِيتِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب مهل من كان دون المواقيت‏)‏ أي دونها إلى مكة أورد فيه حديث ابن عباس من وجه آخر، وحماد هو ابن زيد، وعمرو هو ابن دينار‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مُهَلِّ أَهْلِ الْيَمَنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب مهل أهل اليمن‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس وقد سبق ما فيه‏.‏
‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ حكى الأثرم عن أحمد أنه سئل في أي سنة وقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت‏؟‏ فقال‏:‏ عام حج انتهى‏.‏
وقد سبق حديث ابن عمر في العلم بلفظ ‏"‏ أن رجلا قام في المسجد فقال‏:‏ يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل ‏"‏‏؟‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب ذَاتُ عِرْقٍ لِأهْلِ الْعِرَاقِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ذات عرق لأهل العراق‏)‏ هي بكسر العين وسكون الراء بعدها قاف، سمي بذلك لأن فيه عرقا وهو الجبل الصغير، وهي أرض سبخة تنبت الطرفاء، بينها وبين مكة مرحلتان، والمسافة اثنان وأربعون ميلا وهو الحد الفاصل بين نجد وتهامة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا قَالَ فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما فتح هذان المصران‏)‏ كذا للأكثر بضم ‏"‏ فتح ‏"‏ على البناء لما لم يسم فاعله‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ لما فتح هذين المصرين ‏"‏ بفتح الفاء والتاء على حذف الفاعل والتقدير لما فتح الله، وكذا ثبت في رواية أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ وبه جزم عياض، وأما ابن مالك فقال‏:‏ تنازع ‏"‏ فتح ‏"‏ و ‏"‏ أتوا ‏"‏ وهو على إعمال الثاني وإسناد الأول إلى ضمير عمر، ووقع عند الإسماعيلي من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله مختصرا، وزاد في الإسناد عن عمر أنه حد لأهل العراق ذات عرق، والمصران تثنية مصر والمراد بهما الكوفة والبصرة وهما سرتا العراق، والمراد بفتحهما غلبة المسلمين على مكان أرضهما، وإلا فهما من تمصير المسلمين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو جور‏)‏ بفتح الجيم وسكون الواو بعدها راء أي ميل، والجور الميل عن القصد ومنه قوله تعالى ومنها جائر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فانظروا حذوها‏)‏ أي اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوه ميقاتا، وظاهره أن عمر حد لهم ذات عرق باجتهاد منه، وقد روى الشافعي من طريق أبي الشعثاء قال ‏"‏ لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق شيئا فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق ‏"‏ وروى أحمد عن هشيم عن يحيى بن سعيد وغيره عن نافع عن ابن عمر فذكر حديث المواقيت وزاد فيه ‏"‏ قال ابن عمر فآثر الناس ذات عرق على قرن ‏"‏ وله عن سفيان عن صدقة عن ابن عمر فذكر حديث المواقيت ‏"‏ قال فقال له قائل‏:‏ فأين العراق‏؟‏ فقال ابن عمر‏:‏ لم يكن يومئذ عراق ‏"‏ وسيأتي في الاعتصام من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال ‏"‏ لم يكن عراق يومئذ ‏"‏ ووقع في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ للدارقطني من طريق عبد الرزاق عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق قرنا ‏"‏ قال عبد الرزاق قال لي بعضهم إن مالكا محاه من كتابه‏.‏
قال الدارقطني‏:‏ تفرد به عبد الرزاق‏.‏
قلت‏:‏ والإسناد إليه ثقات أثبات، وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عنه وهو غريب جدا، وحديث الباب يرده‏.‏
وروى الشافعي من طريق طاوس قال ‏"‏ لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق، ولم يكن حينئذ أهل المشرق ‏"‏ وقال في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حد ذات عرق، وإنما أجمع عليه الناس‏.‏
وهذا كله يدل على أن ميقات ذات عرق ليس منصوصا، وبه قطع الغزالي والرافعي في ‏"‏ شرح المسند ‏"‏ والنووي في ‏"‏ شرح مسلم ‏"‏ وكذا وقع في ‏"‏ المدونة ‏"‏ لمالك، وصحح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في ‏"‏ الشرح الصغير ‏"‏ والنووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ أنه منصوص، وقد وقع ذلك في حديث جابر عند مسلم إلا أنه مشكوك في رفعه أخرجه من طريق ابن جريج ‏"‏ أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يسأل عن المهل فقال‏:‏ سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكره، وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه بلفظ ‏"‏ فقال سمعت أحسبه يريد النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وقد أخرجه أحمد من رواية ابن لهيعة وابن ماجه من رواية إبراهيم بن يزيد كلاهما عن أبي الزبير فلم يشكا في رفعه‏.‏
ووقع في حديث عائشة وفي حديث الحارث بن عمرو السهمي كلاهما عند أحمد وأبي داود والنسائي، وهذا يدل على أن للحديث أصلا، فلعل من قال إنه غير منصوص لم يبلغه أو رأى ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق لا يخلو عن مقال، ولهذا قال ابن خزيمة‏:‏ رويت في ذات عرق أخبار لا يثبت شيء منها عند أهل الحديث‏.‏
وقال ابن المنذر‏:‏ لم نجد في ذات عرق حديثا ثابتا انتهى‏.‏
لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى كما ذكرنا‏.‏
وأما إعلال من أعله بأن العراق لم تكن فتحت يومئذ فقال ابن عبد البر‏:‏ هي غفلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح، لكنه علم أنها ستفتح، فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق انتهى‏.‏
وبهذا أجاب الماوردي وآخرون، لكن يظهر لي أن مراد من قال لم يكن العراق يومئذ أي لم يكن في تلك الجهة ناس مسلمون، والسبب في قول ابن عمر ذلك أنه روى الحديث بلفظ ‏"‏ أن رجلا قال‏:‏ يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل ‏"‏‏؟‏ فأجابه‏.‏
وكل جهة عينها في حديث ابن عمر كان من قبلها ناس مسلمون بخلاف المشرق والله أعلم‏.‏
وأما ما أخرجه أبو داود والترمذي من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق فقد تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، وإن كان حفظه فقد جمع بينه وبين حديث جابر وغيره بأجوبة منها أن ذات عرق ميقات الوجوب، والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق‏.‏
ومنها أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن، والآخر ميقات لأهل البصرة، وقع ذلك في حديث لأنس عند الطبراني وإسناده ضعيف‏.‏
ومنها أن ذات عرق كانت أولا في موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد، ويتعين الإحرام من العقيق ولم يقل به أحد، وإنما قالوا يستحب احتياطا، وحكى ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه كان يحرم من الربذة وهو قول القاسم بن عبد الرحمن وخصيف الجزري، قال ابن المنذر‏:‏ وهو أشبه في النظر إن كانت ذات عرق غير منصوصة، وذلك أنها تحاذي ذا الحليفة، وذات عرق بعدها، والحكم فيمن ليس له ميقات أن يحرم من أول ميقات يحاذيه، لكن لما سن عمر ذات عرق وتبعه عليه الصحابة واستمر عليه العمل كان أولى بالاتباع‏.‏
واستدل به على أن من ليس له ميقات أن عليه أن يحرم إذا حاذى ميقاتا من هذه المواقيت الخمسة، ولا شك أنها محيطة بالحرم، فذو الحليفة شامية ويلملم يمانية فهي مقابلها وإن كانت إحداهما أقرب إلى مكة من الأخرى، وقرن شرقية والجحفة غربية فهي مقابلها وإن كانت إحداهما كذلك، وذات عرق تحاذي قرنا، فعلى هذا فلا تخلو بقعة من بقاع الأرض من أن تحاذي ميقاتا من هذه المواقيت، فبطل قول من قال من ليس له ميقات ولا يحاذي ميقاتا هل يحرم من مقدار أبعد من المواقيت أو أقربها‏؟‏ ثم حكى فيه خلافا، والفرض أن هذه الصورة لا تتحقق لما قلته إلا أن يكون قائله فرضه فيمن لم يطلع على المحاذاة كمن يجهلها، وقد نقل النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ أنه يلزمه أن يحرم على مرحلتين اعتبارا بقول عمر هذا في توقيته ذات عرق، وتعقب بأن عمر إنما حدها لأنها تحاذي قرنا، وهذه الصورة إنما هي حيث يجهل المحاذاة، فلعل القائل بالمرحلتين أخذ بالأقل لأن ما زاد عليه مشكوك فيه، لكن مقتضى الأخذ بالاحتياط أن يعتبر الأكثر الأبعد، ويحتمل أن يفرق بين من عن يمين الكعبة وبين من عن شمالها لأن المواقيت التي عن يمينها أقرب من التي عن شمالها فيقدر لليمين الأقرب وللشمال الأبعد والله أعلم‏.‏
ثم إن مشروعية المحاذاة مختصة بمن ليس له أمامه ميقات معين، فأما من له ميقات معين كالمصري مثلا يمر ببدر وهي تحاذي ذا الحليفة فليس عليه أن يحرم منها بل له التأخير حتى يأتي الجحفة والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ العقيق المذكور هنا واد يتدفق ماؤه في غوري تهامة، وهو غير العقيق المذكور بعد بابين كما سيأتي بيانه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَصَلَّى بِهَا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا في الأصول بغير ترجمة، وهو بمنزلة الفصل من الأبواب التي قبله، ومناسبته لها من جهة دلالة حديثه على استحباب صلاة ركعتين عند إرادة الإحرام من الميقات، وقد ترجم عليه بعض الشارحين ‏"‏ نزول البطحاء والصلاة بذي الحليفة ‏"‏ وحكى القطب أنه في بعض النسخ قال‏:‏ وسقط في نسخة سماعنا لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ وفي شرح ابن بطال ‏"‏ الصلاة بذي الحليفة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أناخ‏)‏ بالنون والخاء المعجمة أي أبرك بعيره، والمراد أنه نزل بها‏.‏
والبطحاء قد بين أنها التي بذي الحليفة‏.‏
وقوله ‏"‏فصلى بها ‏"‏ يحتمل أن يكون للإحرام ويحتمل أن يكون للفريضة، وسيأتي من حديث أنس ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم صلى العصر بذي الحليفة ركعتين ‏"‏ ثم أن هذا النزول يحتمل أن يكون في الذهاب وهو الظاهر من تصرف المصنف، ويحتمل أن يكون في الرجوع ويؤيده حديث ابن عمر الذي بعده بلفظ ‏"‏ وإذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي وبات حتى أصبح ‏"‏ ويمكن الجمع بأنه كان يفعل الأمرين ذهابا وإيابا والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَرِيقِ الشَّجَرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب خروج النبي صلى الله عليه وسلم على طريق الشجرة‏)‏ قال عياض‏:‏ هو موضع معروف على طريق من أراد الذهاب إلى مكة من المدينة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى ذي الحليفة فيبيت بها، وإذا رجع بات بها أيضا ودخل على طريق المعرس بفتح الراء المثقلة وبالمهملتين وهو مكان معروف أيضا، وكل من الشجرة والمعرس على ستة أميال من المدينة لكن المعرس أقرب، وسيأتي في الباب الذي بعده مزيد بيان في ذلك‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك كما يفعل في العيد يذهب من طريق ويرجع من أخرى، وقد تقدم القول في حكمة ذلك مبسوطا، وقد قال بعضهم‏:‏ أن نزوله هناك لم يكن قصدا وإنما كان اتفاقا حكاه إسماعيل القاضي في أحكامه عن محمد بن الحسن وتعقبه، والصحيح أنه كان قصدا لئلا يدخل المدينة ليلا، ويدل عليه قوله ‏"‏ وبات حتى يصبح ‏"‏ ولمعنى فيه وهو التبرك به كما سيأتي في الباب الذي بعده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ وَيَدْخُلُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَرَّسِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ يُصَلِّي فِي مسْجِدِ الشَّجَرَةِ وَإِذَا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي وَبَاتَ حَتَّى يُصْبِحَ
الشرح‏:‏
تقدمت الإشارة إلى شيء من الحديث في أواخر أبواب المساجد، وسياقه هناك أبسط من هذا‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-14-2013, 11:32 AM   #9
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَقِيقُ وَادٍ مُبَارَكٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم العقيق واد مبارك‏)‏ أورد فيه حديث عمر في ذلك، وليس هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما حكاه عن الآتي الذي أتاه‏.‏
لكن روى أبو أحمد بن عدي من طريق يعقوب بن إبراهيم الزهري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا ‏"‏ تخيموا بالعقيق فإنه مبارك ‏"‏ فكأنه أشار إلى هذا‏.‏
وقوله ‏"‏تخيموا بالخاء المعجمة والتحتانية أمر بالتخيم والمراد به النزول هناك‏.‏
وذكر ابن الجوزي في ‏"‏ الموضوعات ‏"‏ عن حمزة الأصبهاني أنه ذكر في ‏"‏ كتاب التصحيف ‏"‏ أن الرواية بالتحتانية تصحيف وأن الصواب بالمثناة الفوقانية، ولما قاله اتجاه لأنه وقع في معظم الطرق ما يدل على أنه من الخاتم، وهو من طريق يعقوب بن الوليد عن هشام بلفظه، ووقع في حديث عمر تختموا بالعقيق فإن جبريل أتاني به من الجنة الحديث وأسانيده ضعيفة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ وَبِشْرُ بْنُ بَكْرٍ التِّنِّيسِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ إِنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏آت من ربي‏)‏ هو جبريل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال صل في هذا الوادي المبارك‏)‏ يعني وادي العقيق، وهو بقرب البقيع بينه وبين المدينة أربعة أميال‏.‏
روى الزبير بن بكار في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ أن تبعا لما رجع من المدينة انحدر في مكان فقال‏:‏ هذا عقيق الأرض، فسمي العقيق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقل عمرة في حجة‏)‏ برفع عمرة للأكثر وبنصبها لأبي ذر على حكاية اللفظ أي قل جعلتها عمرة، وهذا دال على أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا، وسيأتي بيان ذلك بعد أبواب‏.‏
وأبعد من قال معناه عمرة مدرجة في حجة أي أن عمل العمرة يدخل في عمل الحج فيجزي لها طواف واحد‏.‏
وقال من معناه أنه يعتمر في تلك السنة بعد فراغ حجه‏.‏
وهذا أبعد من الذي قبله، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك‏.‏
نعم يحتمل أن يكون أمر أن يقول ذلك لأصحابه ليعلمهم مشروعية القران، وهو كقوله ‏"‏ دخلت العمرة في الحج ‏"‏ قاله الطبري‏.‏
واعترضه ابن المنير في الحاشية فقال‏:‏ ليس نظيره، لأن قوله ‏"‏ دخلت إلخ ‏"‏ تأسيس قاعدة، وقوله ‏"‏عمرة في حجة ‏"‏ بالتنكير يستدعي الوحدة وهو إشارة إلى الفعل الواقع من القران إذ ذاك‏.‏
قلت‏:‏ ويؤيده ما يأتي في كتاب الاعتصام بلفظ ‏"‏ عمرة وحجة ‏"‏ بواو العطف وسيأتي بيان ذلك بعد أبواب‏.‏
وفي الحديث فضل العقيق كفضل المدينة وفضل الصلاة فيه، وفيه استحباب نزول الحاج في منزلة قريبة من البلد ومبيتهم بها ليجتمع إليهم من تأخر عنهم ممن أراد مرافقتهم، وليستدرك حاجته من نسيها مثلا فيرجع إليها من قريب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رُئِيَ وَهُوَ فِي مُعَرَّسٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي قِيلَ لَهُ إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالِمٌ يَتَوَخَّى بِالْمُنَاخِ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُنِيخُ يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَسْفَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ
الشرح‏:‏
قوله في حديث ابن عمر ‏(‏أنه أري‏)‏ بضم الهمزة أي في المنام‏.‏
وفي رواية كريمة ‏"‏ رئي ‏"‏ بتقديم الراء أي رآه غيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو معرس‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ في معرس ‏"‏ بالتنوين، وقوله ‏"‏ببطن الوادي ‏"‏ تبين من حديث ابن عمر الذي قبله أنه وادي العقيق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقد أناخ بنا سالم‏)‏ هو مقول موسى بن عقبة الراوي عنه، وقوله ‏"‏يتوخى ‏"‏ بالخاء المعجمة أي يقصد، و ‏"‏ المناخ ‏"‏ بضم الميم المبرك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو أسفل‏)‏ بالنصب ويجوز الرفع، والمراد بالمسجد الذي كان هنا في ذلك الزمان‏.‏
وقوله ‏"‏بينه ‏"‏ أي بين المعرس‏.‏
وفي رواية الحموي ‏"‏ بينهم ‏"‏ أي بين النازلين وبين الطريق، وقوله ‏"‏وسط من ذلك ‏"‏ بفتح المهملة أي متوسط بين بطن الوادي وبين الطريق، وعند أبي ذر ‏"‏ وسطا من ذلك ‏"‏ بالنصب‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب غَسْلِ الْخَلُوقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الثِّيَابِ
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّ يَعْلَى قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرِنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يُوحَى إِلَيْهِ قَالَ فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً فَجَاءَهُ الْوَحْيُ فَأَشَارَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى يَعْلَى فَجَاءَ يَعْلَى وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ وَهُوَ يَغِطُّ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ أَيْنَ الَّذِي سَأَلَ عَنْ الْعُمْرَةِ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ فَقَالَ اغْسِلْ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَانْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَرَادَ الْإِنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ نَعَمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب‏)‏ الخلوق بفتح الخاء المعجمة نوع من الطيب مركب فيه زعفران‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عاصم‏)‏ هو من شيوخ البخاري ولم أره عنه إلا بصيغة التعليق، وبذلك جزم الإسماعيلي فقال‏:‏ ذكره عن أبي عاصم بلا خبر، وأبو نعيم فقال‏:‏ ذكر بلا رواية، وحكى الكرماني أنه وقع في بعض النسخ ‏"‏ حدثنا محمد حدثنا أبو عاصم ‏"‏ ومحمد هو ابن معمر أو ابن بشار ويحتمل أن يكون البخاري، ولم يقع في المتن ذكر الخلوق وإنما أشار به إلى ما ورد في بعض طرقه وهو في أبواب العمرة بلفظ ‏"‏ وعليه أثر الخلوق‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن يعلى‏)‏ هو ابن أمية التميمي وهو المعروف بابن منية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتانية وهي أمه وقيل جدته، وهو والد صفوان الذي روى عنه، وليست رواية صفوان عنه لهذا الحديث بواضحة لأنه قال فيها ‏"‏ إن يعلى قال لعمر ‏"‏ ولم يقل أن يعلى أخبره أنه قال لعمر، فإن يكن صفوان حضر مراجعتهما وإلا فهو منقطع، لكن سيأتي في أبواب العمرة من وجه آخر ‏"‏ عن صفوان بن يعلى عن أبيه ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جاء رجل‏)‏ سيأتي بعد أبواب بلفظ ‏"‏ جاء أعرابي ‏"‏ ولم أقف على اسمه لكن ذكر ابن فتحون في ‏"‏ الذيل ‏"‏ عن ‏"‏ تفسير الطرطوشي ‏"‏ أن اسمه عطاء ابن منية، قال ابن فتحون‏:‏ إن ثبت ذلك فهو أخو يعلى ابن منية راوي الخبر، ويجوز أن يكون خطأ اسم الراوي فإنه من رواية عطاء عن صفوان بن يعلى ابن منية عن أبيه، ومنهم من لم يذكر بين عطاء ويعلى أحدا، ووقع في شرح شيخنا سراج الدين بن الملقن ما نصه‏:‏ هذا الرجل يجوز أن يكون عمرو بن سواد إذ في كتاب ‏"‏ الشفاء ‏"‏ للقاضي عياض عنه قال ‏"‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق فقال ورس ورس حط حط وغشيني بقضيب بيده في بطني فأوجعني ‏"‏ الحديث، فقال شيخنا‏:‏ لكن عمرو هذا لا يدرك ذا فإنه صاحب ابن وهب انتهى كلامه‏.‏
وهو معترض من وجهين‏:‏ أما أولا فليست هذه القصة شبيهة بهذه القصة حتى يفسر صاحبها بها، وأما ثانيا ففي الاستدراك غفلة عظيمة لأن من يقول ‏"‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا يتخيل فيه أنه صاحب ابن وهب صاحب مالك، بل إن ثبت فهو آخر وافق اسمه اسمه واسم أبيه اسم أبيه، والفرض أنه لم يثبت لأنه انقلب على شيخنا إنما الذي في ‏"‏ الشفاء ‏"‏ سواد بن عمرو وقيل سوادة بن عمرو، أخرج حديثه المذكور عبد الرزاق في مصنفه والبغوي في ‏"‏ معجم الصحابة‏"‏، وروى الطحاوي من طريق أبي حفص بن عمرو عن يعلى أنه مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو متخلق فقال ألك امرأة‏؟‏ قال لا، قال اذهب فاغسله‏.‏
فقد يتوهم من لا خبرة له أن يعلى بن أمية هو صاحب القصة، وليس كذلك فإن راوي هذا الحديث يعلى بن مرة الثقفي، وهي قصة أخرى غير قصة صاحب الإحرام‏.‏
نعم روى الطحاوي في موضع آخر أن يعلى بن أمية صاحب القصة قال ‏"‏ حدثنا سليمان بن شعيب حدثنا عبد الرحمن هو ابن زياد الوضاحي حدثنا شعبة عن قتادة عن عطاء بن أبي رباح أن رجلا يقال له يعلى بن أمية أحرم وعليه جبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزعها ‏"‏ قال قتادة قلت لعطاء إنما كنا نرى أن نشقها، فقال عطاء‏:‏ إن الله لا يحب الفساد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قد أظل به‏)‏ بضم أوله وكسر الظاء المعجمة أي جعل عليه كالظلة‏.‏
ووقع عند الطبراني في الأوسط وابن أبي حاتم أن الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ ويستفاد منه أن المأمور به وهو الإتمام يستدعي وجوب اجتناب ما يقع في العمرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يغط‏)‏ بفتح أوله وكسر المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي ينفخ، والغطيط صوت النفس المتردد من النائم أو المغمى، وسبب ذلك شدة ثقل الوحي، وكان سبب إدخال يعلى رأسه عليه في تلك الحال أنه كان يحب لو رآه في حالة نزول الوحي كما سيأتي في أبواب العمرة من وجه آخر عنه، وكان يقول ذلك لعمر فقال له عمر حينئذ‏:‏ تعال فانظر، وكأنه علم أن ذلك لا يشق على النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سري‏)‏ بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة أي كشف عنه شيئا بعد شيء قوله‏:‏ ‏(‏اغسل الطيب الذي بك‏)‏ هو أعم من أن يكون بثوبه أو ببدنه، وسيأتي البحث فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏واصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ كما تصنع ‏"‏ وسيأتي في أبواب العمرة بلفظ ‏"‏ كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي ‏"‏ ولمسلم من طريق قيس بن سعد عن عطاء ‏"‏ وما كنت صانعا في حجك فاصنع في عمرتك ‏"‏ وهو دال على أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك، قال ابن العربي‏:‏ كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا، وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية قوله ‏"‏ اصنع ‏"‏ معناه اترك لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم، فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل‏.‏
قال وأما قول ابن بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة ففيه نظر لأن التروك مشتركة بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائلة على العمرة كالوقوف وما بعده‏.‏
وقال النووي كما قال ابن بطال وزاد‏:‏ ويستثنى من الأعمال ما يختص به الحج‏.‏
وقال الباجي‏:‏ المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق، لأنه صرح له بهما فلم يبق إلا الفدية‏.‏
كذا قال ولا وجه لهذا الحصر، بل الذي تبين من طريق أخرى أن المأمور به الغسل والنزع، وذلك أن عند مسلم والنسائي من طريق سفيان عن عمرو بن دينار وعن عطاء في هذا الحديث فقال ‏"‏ ما كنت صانعا في حجك‏؟‏ قال أنزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذا الخلوق‏.‏
فقال ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت لعطاء‏)‏ القائل هو ابن جريج، وهو دال على أنه فهم من السياق أن قوله ‏"‏ ثلاث مرات ‏"‏ من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، لكن يحتمل أن يكون من كلام الصحابي وأنه صلى الله عليه وسلم أعاد لفظة ‏"‏ اغسله ‏"‏ مرة ثم مرة على عادته أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثة لتفهم عنه نبه عليه عياض، قال الإسماعيلي‏:‏ ليس في حديث الباب أن الخلوق كان على الثوب كما في الترجمة، وإنما فيه أن الرجل كان متضمخا‏.‏
وقوله له ‏"‏ اغسل الطيب الذي بك ‏"‏ يوضح أن الطيب لم يكن في ثوبه وإنما كان على بدنه ولو كان على الجبة لكان في نزعها كفاية من جهة الإحرام ا ه‏.‏
والجواب أن البخاري على عادته يشير إلى ما وقع في بعض طرق الحديث الذي يورده، وسيأتي في حرمات الإحرام من وجه آخر بلفظ ‏"‏ عليه قميص فيه أثر صفرة ‏"‏ والخلوق في العادة إنما يكون في الثوب‏.‏
ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن قتادة عن عطاء بلفظ ‏"‏ رأى رجلا عليه حبة عليها أثر خلوق ‏"‏ ولمسلم من طريق رباح بن أبي معروف عن عطاء مثله‏.‏
وقال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا هشيم أخبرنا عبد الملك ومنصور وغيرهما عن عطاء عن يعلى بن أمية، أن رجلا قال‏:‏ يا رسول الله إني أحرمت وعلي جبتي هذه وعلى جبته ردغ من خلوق ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فقال اخلع هذه الجبة واغسل هذا الزعفران ‏"‏ واستدل بحديث يعلى على منع استدامة الطيب بعد الإحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن، وهو قول مالك ومحمد بن الحسن‏.‏
وأجاب الجمهور بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة كما ثبت في هذا الحديث، وهي في سنة ثمان بلا خلاف‏.‏
وقد ثبت عن عائشة أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديها عند إحرامها كما سيأتي في الذي بعده وكان ذلك في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر، وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب، فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران‏.‏
وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقا محرما وغير محرم، وفي حديث ابن عمر الآتي قريبا ‏"‏ ولا يلبس - أي المحرم - من الثياب شيئا مسه زعفران ‏"‏ وفي حديث ابن عباس الآتي أيضا ‏"‏ ولم ينه إلا عن الثياب المزعفرة ‏"‏ وسيأتي مزيد في ذلك الباب الذي بعده، واستدل به على أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيا أو جاهلا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه‏.‏
وقال مالك إن طال ذلك عليه لزمه، وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية ‏"‏ يجب مطلقا ‏"‏ وعلى أن المحرم إذا صار عليه المخيط نزعه ولا يلزمه تمزيقه ولا شقه خلافا للنخعي والشعبي حيث قالا‏:‏ لا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيا لرأسه أخرجه ابن أبي شيبة عنهما، وعن علي نحوه، وكذا عن الحسن وأبي قلابة، وقد وقع عند أبي داود بلفظ ‏"‏ اخلع عنك الجبة فخلعها من قبل رأسه ‏"‏ وعلى أن المفتي والحاكم إذا لم يعرف الحكم يمسك حتى يتبين له، وعلى أن بعض الأحكام ثبت بالوحي وإن لم يكن مما يتلى، لكن وقع عند الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ أن الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى ‏(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم بالاجتهاد إلا إذا لم يحضره الوحي‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-14-2013, 11:33 AM   #10
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَمَا يَلْبَسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ وَيَتَرَجَّلَ وَيَدَّهِنَ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَشَمُّ الْمُحْرِمُ الرَّيْحَانَ وَيَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ وَيَتَدَاوَى بِمَا يَأْكُلُ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَقَالَ عَطَاءٌ يَتَخَتَّمُ وَيَلْبَسُ الْهِمْيَانَ وَطَافَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ حَزَمَ عَلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِالتُّبَّانِ بَأْسًا لِلَّذِينَ يَرْحَلُونَ هَوْدَجَهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن‏)‏ أراد بهذه الترجمة أن يبين أن الأمر بغسل الخلوق الذي في الحديث قبله إنما هو بالنسبة إلى الثياب، لأن المحرم لا يلبس شيئا مسه الزعفران كما سيأتي في الباب الذي بعده، وأما الطيب فلا يمنع استدامته على البدن، وأضاف إلى التطيب المقتصر عليه في حديث الباب الرجل والأدهان لجامع ما بينهما من الترفه فكأنه يقول يلحق بالتطيب سائر الترفهات فلا يحرم على المحرم، كذا قال ابن المنير، والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما سيأتي بعد أربعة أبواب من طريق كريب عن ابن عباس قال ‏"‏ انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل وادهن ‏"‏ الحديث، وقوله ‏"‏ترجل ‏"‏ أي سرح شعره، وكأنه يؤخذ من قوله في حديث عائشة ‏"‏ طيبته في مفرقه ‏"‏ لأن فيه نوع ترجيل، وسيأتي من وجه آخر بزيادة ‏"‏ وفي أصول شعره‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس إلخ‏)‏ أما شم الريحان فقال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا ابن عيينة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا للمحرم بشم الريحان ‏"‏ وروينا في ‏"‏ المعجم الأوسط ‏"‏ مثله عن عثمان‏.‏
وأخرج ابن أبي شيبة عن جابر خلافه، واختلف في الريحان فقال إسحاق‏:‏ يباح، وتوقف أحمد‏.‏
وقال الشافعي يحرم، وكرهه مالك والحنفية‏.‏
ومنشأ الخلاف أن كل ما يتخذ منه الطيب يحرم بلا خلاف، وأما غيره فلا‏.‏
وأما النظر في المرآة فقال الثوري في جامعه رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه ‏"‏ عن هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ لا بأس أن ينظر في المرآة وهو محرم ‏"‏ وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن إدريس عن هشام به، ونقل كراهته عن القاسم بن محمد‏.‏
وأما التداوي فقال أبو بكر بن أبي شيبة ‏"‏ حدثنا أبو خالد الأحمر وعباد بن العوام عن أشعث عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقول‏:‏ يتداوى المحرم بما يأكل ‏"‏ وقال أيضا ‏"‏ حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الضحاك عن ابن عباس إذا شققت يد المحرم أو رجلاه فليدهنهما بالزيت أو بالسمن ‏"‏ ووقع في الأصل ‏"‏ يتداوى بما يأكل الزيت والسمن ‏"‏ وهما بالجر في روايتنا وصحح عليه ابن مالك عطفا على ما الموصولة فإنها مجرورة بالباء ووقع في غيرها بالنصب، وليس المعنى عليه لأن الذي يأكل هو الآكل لا المأكول، لكن يجوز على الاتساع‏.‏
وفي هذا الأثر رد على مجاهد في قوله إن تداوى بالسمن أو الزيت فعليه دم أخرجه ابن أبي شيبة‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ قوله ‏"‏ يشم ‏"‏ بفتح الشين المعجمة على الأشهر وحكي ضمها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء يتختم ويلبس الهميان‏)‏ هو بكسر الهاء معرب، يشبه تكة السراويل يجعل فيها النفقة ويشد في الوسط‏.‏
وقد روى الدارقطني من طريق الثوري عن ابن إسحاق عن عطاء قال‏:‏ لا بأس بالخاتم للمحرم‏.‏
وأخرج أيضا من طريق شريك عن أبي إسحاق عن عطاء - وربما ذكره عن سعيد بن جبير - عن ابن عباس قال‏:‏ لا بأس بالهميان والخاتم للمحرم والأول أصح‏.‏
وأخرجه الطبراني وابن عدي في الكامل من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا وإسناده ضعيف‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ أجاز ذلك فقهاء الأمصار، وأجازوا عقده إذا لم يمكن إدخال بعضه في بعض، ولم ينقل عن أحد كراهته إلا عن ابن عمر، وعنه جوازه‏.‏
ومنع إسحاق عقده وقيل إنه تفرد بذلك، وليس كذلك فقد أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ لا بأس بالهميان للمحرم، ولكن لا يعقد عليه السير ولكن يلفه لفا‏.‏
قال ابن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين عن إسماعيل بن عبد الملك قال رأيت على سعيد بن جبير خاتما وهو محرم وعلى عطاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وطاف ابن عمر وهو محرم وقد حزم على بطنه بثوب‏)‏ وصله الشافعي من طريق طاوس قال‏.‏
رأيت ابن عمر يسعى وقد حزم على بطنه بثوب‏.‏
وروي من وجه آخر عن نافع أن ابن عمر لم يكن عقد الثوب عليه وإنما غرز طرفه على إزاره‏.‏
وروى ابن أبي شيبة من طريق مسلم بن جندب سمعت ابن عمر يقول لا تعقد علي شيئا وأنت محرم‏.‏
قال ابن التين‏:‏ هو محمول على أنه شده على بطنه فيكون كالهميان ولم يشده فوق المئزر وإلا فمالك يرى على من فعل ذلك الفدية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم تر عائشة بالتبان بأسا للذين يرحلون هودجها‏)‏ وقع في نسخة الصغاني بعد قوله بأسا‏:‏ قال أبو عبد الله يعني الذين إلخ‏.‏
التبان بضم المثناة وتشديد الموحدة سراويل قصير بغير أكمام، والهودج بفتح الهاء وبالجيم معروف، ويرحلون بفتح أوله وسكون الراء وفتح الحاء المهملة قال الجوهري‏:‏ رحلت البعير أرحله بفتح أوله رحلا إذا شددت على ظهره الرحل، قال الأعشى‏:‏ ‏"‏ رحلت أميمة غدوة أجمالها‏"‏، وسيأتي في التفسير استشهاد البخاري بقول الشاعر‏:‏ ‏"‏ إذا ما قمت أرحلها بليل‏"‏، وعلى هذا فوهم من ضبطه هنا بتشديد الحاء المهملة وكسرها‏.‏
وقد وصل أثر عائشة سعيد بن منصور من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها حجت ومعها غلمان لها وكانوا إذا شدوا رحلها يبدو منهم الشيء فأمرتهم أن يتخذوا التبابين فيلبسونها وهم محرمون‏.‏
وأخرجه من وجه آخر مختصرا بلفظ ‏"‏ يشدون هودجها ‏"‏ وفي هذا رد على ابن التين في قوله‏:‏ أرادت النساء لأنهن يلبسن المخيط بخلاف الرجال، وكأن هذا رأي رأته عائشة وإلا فالأكثر على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَدَّهِنُ بِالزَّيْتِ فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ قَالَ مَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنِي الْأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سفيان‏)‏ هو الثوري ومنصور هو ابن المعتمر، والإسناد إلى ابن عمر كوفيون وكذا إلى عائشة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يدهن بالزيت‏)‏ أي عند الإحرام بشرط أن لا يكون مطيبا، كمأ أخرجه الترمذي من وجه آخر عنه مرفوعا، والموقوف عنه أخرجه ابن أبي شيبة وهو أصح، ويؤيده ما تقدم في كتاب الغسل من طريق محمد بن المنتشر أن ابن عمر قال ‏"‏ لأن أطلي بقطران أحب إلي من أن أتطيب ثم أصبح محرما ‏"‏ وفيه إنكار عائشة عليه، وكان ابن عمر يتبع في ذلك أباه فإنه كان يكره استدامة الطيب بعد الإحرام كما سيأتي، وكانت عائشة تنكر عليه ذلك‏.‏
وقد روى سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن عبد الله بن عمر أن عائشة كانت تقول ‏"‏ لا بأس بأن يمس الطيب عند الإحرام ‏"‏ قال فدعوت رجلا وأنا جالس بجنب ابن عمر فأرسلته إليها وقد علمت قولها ولكن أحببت أن يسمعه أبي، فجاءني رسولي فقال إن عائشة تقول لا بأس بالطيب عند الإحرام فأصب ما بدا لك‏.‏
قال فسكت ابن عمر‏.‏
وكذا كان سالم بن عبد الله بن عمر يخالف أباه وجده في ذلك لحديث عائشة، قال ابن عيينة ‏"‏ أخبرنا عمرو بن دينار عن سالم أنه ذكر قول عمر في الطيب ثم قال‏:‏ قالت عائشة ‏"‏ فذكر الحديث، قال سالم‏:‏ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فذكرته لإبراهيم‏)‏ هو مقول منصور، وإبراهيم هو النخعي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال ما تصنع بقوله‏)‏ يشير إلى ما بينته وإن كان لم يتقدم إلا ذكر الفعل، ويؤخذ منه أن المفزع في النوازل إلى السنن وأنه مستغنى بها عن آراء الرجال وفيها المقنع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كأني أنظر‏)‏ أرادت بذلك قوة تحققها لذلك بحيث أنها لشدة استحضارها له كأنها ناظرة إليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وبيص‏)‏ بالموحدة المكسورة وآخره صاد مهملة هو البريق، وقد تقدم في الغسل قول الإسماعيلي‏:‏ إن الوبيص زيادة على البريق، وأن المراد به التلألؤ، وأنه يدل على وجود عين قائمة لا الريح فقط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في مفارق‏)‏ جمع مفرق وهو المكان الذي يفترق فيه الشعر في وسط الرأس، قيل ذكرته بصيغة الجمع تعميما لجوانب الرأس التي يفرق فيها الشعر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لإحرامه‏)‏ أي لأجل إحرامه، وللنسائي ‏"‏ حين أراد أن يحرم ‏"‏ ولمسلم نحوه كما سيأتي قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولحله‏)‏ أي بعد أن يرمي ويحلق‏.‏
واستدل بقولها ‏"‏ كنت أطيب ‏"‏ على أن كان لا تقتضي التكرار لأنها لم يقع منها ذلك إلا مرة واحدة، وقد صرحت في رواية عروة عنها بأن ذلك كان في حجة الوداع كما سيأتي في كتاب اللباس، كذا استدل به النووي في ‏"‏ شرح مسلم ‏"‏ وتعقب بأن المدعي تكراره إنما هو التطيب لا الإحرام، ولا مانع من أن يتكرر التطيب لأجل الإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة ولا يخفى ما فيه‏.‏
وقال النووي في موضع آخر‏:‏ المختار أنها لا تقتضي تكرارا ولا استمرارا، وكذا قال الفخر في ‏"‏ المحصول‏"‏، وجزم ابن الحاجب بأنها تقتضيه قال ولهذا استفدنا من قولهم ‏"‏ كان حاتم يقري الضيف ‏"‏ أن ذلك كان يتكرر منه‏.‏
وقال جماعة من المحققين إنها تقتضي التكرار ظهورا، وقد تقع قرينة تدل على عدمه، لكن يستفاد من سياقه لذلك المبالغة في إثبات ذلك، والمعني أنها كانت تكرر فعل التطيب لو تكرر منه فعل الإحرام لما اطلعت عليه من استحبابه لذلك، على أن هذه اللفظة لم تتفق الرواة عنها عليها، فسيأتي للبخاري من طريق سفيان ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم شيخ مالك فيه هنا بلفظ ‏"‏ طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وسائر الطرق ليس فيها صيغة ‏"‏ كان ‏"‏ والله أعلم‏.‏
واستدل به على استحباب التطيب عند إرادة الإحرام، وجواز استدامته بعد الإحرام، وأنه لا يضر بقاء لونه ورائحته، وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام وهو قول الجمهور، وعن مالك يحرم ولكن لا فدية‏.‏
وفي رواية عنه تجب‏.‏
وقال محمد بن الحسن‏:‏ يكره أن يتطيب قبل الإحرام بما يبقى عينه بعده‏.‏
وتجب المالكية بأمور‏:‏ منها أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل بعد أن تطيب لقوله في رواية ابن المنتشر المتقدمة في الغسل ‏"‏ ثم طاف بنسائه ثم أصبح محرما ‏"‏ فإن المراد بالطواف الجماع، وكان من عادته أن يغتسل عند كل واحدة، ومن ضرورة ذلك أن لا يبقى للطيب أثر، ويرده قوله في الرواية الماضية أيضا ‏"‏ ثم أصبح محرما ينضح طيبا ‏"‏ فهو ظاهر في أن نضح الطيب - وهو ظهور رائحته - كان في حال إحرامه، ودعوى بعضهم أن فيه تقديما وتأخيرا والتقدير طاف على نسائه ينضح طيبا ثم أصبح محرما خلاف الظاهر، ويرده قوله في رواية الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عند مسلم ‏"‏ كان إذا أراد أن يحرم يتطيب بأطيب ما يجد، ثم أراه في رأسه ولحيته بعد ذلك ‏"‏ وللنسائي وابن حبان ‏"‏ رأيت الطيب في مفرقه بعد ثلاث وهو محرم ‏"‏ وقال بعضهم‏:‏ إن الوبيص كان بقايا الدهن المطيب الذي تطيب به فزال وبقي أثره من غير رائحة، ويرده قول عائشة ينضح طيبا‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ بقي أثره لا عينه، قال ابن العربي ليس في شيء من طرق حديث عائشة أن عينه بقيت انتهى‏.‏
وقد روى أبو داود وابن أبي شيبة من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت ‏"‏ كنا نضمخ وجوهنا بالمسك المطيب قبل أن نحرم ثم نحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا‏"‏‏.‏
فهذا صريح في بقاء عين الطيب، ولا يقال إن ذلك خاص بالنساء لأنهم أجمعوا على أن الرجال والنساء سواء في تحريم استعمال الطيب إذا كانوا محرمين‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ كان ذلك طيبا لا رائحة له تمسكا برواية الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة ‏"‏ بطيب لا يشبه طيبكم ‏"‏ قال بعض رواته‏:‏ يعني لا بقاء له أخرجه النسائي‏.‏
ويرد هذا التأويل ما في الذي قبله‏.‏
ولمسلم من رواية منصور بن زاذان عن عبد الرحمن بن القاسم ‏"‏ بطيب فيه مسك ‏"‏ وله من طريق الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم ‏"‏ كأني أنظر إلى وبيص المسك ‏"‏ وللشيخين من طريق عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه ‏"‏ بأطيب ما أجد‏"‏‏.‏
وللطحاوي والدارقطني من طريق نافع عن ابن عمر عن عائشة ‏"‏ بالغالية الجيدة ‏"‏ هذا يدل على أن قولها بطيب لا يشبه طيبكم أي أطيب منه، لا كما فهمه القائل يعني ليس له بقاء‏.‏
وادعى بعضهم أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم قال المهلب وأبو الحسن القصار وأبو الفرج من المالكية، قال بعضهم‏:‏ لأن الطيب من دواعي النكاح فنهى الناس عنه وكان هو أملك الناس لإربه ففعله، ورجحه ابن العربي بكثرة ما ثبت له من الخصائص في النكاح، وقد ثبت عنه أنه قال ‏"‏ حبب إلي النساء والطيب ‏"‏ أخرجه النسائي من حديث أنس، وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالقياس‏.‏
وقال المهلب‏:‏ إنما خص بذلك لمباشرته الملائكة لأجل الوحي، وتعقب بأنه فرع ثبوت الخصوصية وكيف بها، ويردها حديث عائشة بنت طلحة المتقدم‏.‏
وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن عائشة قالت ‏"‏ طيبت أبي بالمسك لإحرامه حين أحرم ‏"‏ وبقولها ‏"‏ طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين ‏"‏ أخرجه الشيخان من طريق عمر بن عبد الله بن عروة عن جده عنها، وسيأتي من طريق سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ ‏"‏ وأشارت بيديها ‏"‏ واعتذر بعض المالكية بأن عمل أهل المدينة على خلافه، وتعقب بما رواه النسائي من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن سليمان بن عبد الملك لما حج جمع ناسا من أهل العلم - منهم القاسم بن محمد وخارجة بن زيد وسالم وعبد الله ابنا عبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث - فسألهم عن التطيب قبل الإفاضة، فكلهم أمر به‏.‏
فهؤلاء فقهاء أهل المدينة من التابعين قد اتفقوا على ذلك، فكيف يدعى مع ذلك العمل على خلافه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولحله قبل أن يطوف بالبيت‏)‏ أي لأجل إحلاله من إحرامه قبل أن يطوف طواف الإفاضة، وسيأتي في اللباس من طريق يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ ‏"‏ قبل أن يفيض ‏"‏ وللنسائي من هذا الوجه ‏"‏ وحين يريد أن يزور البيت ‏"‏ ولمسلم نحوه من طريق عمرة عن عائشة، وللنسائي من طريق ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة ‏"‏ ولحله بعدما يرمي جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت ‏"‏ واستدل به على حل الطيب وغيره من محرمات الإحرام بعد رمي جمرة العقبة، ويستمر امتناع الجماع ومتعلقاته على الطواف بالبيت، وهو دال على أن للحج تحللين فمن قال أن الحلق نسك كما هو قول الجمهور وهو الصحيح عند الشافعية يوقف استعمال الطيب وغيره من المحرمات المذكورة عليه، ويؤخذ ذلك من كونه صلى الله عليه وسلم في حجته رمى ثم حلق ثم طاف، فلولا أن الطيب بعد الرمي والحلق لما اقتصرت على الطواف في قولها ‏"‏ قبل أن يطوف بالبيت ‏"‏ قال النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ ظاهر كلام ابن المنذر وغيره أنه لم يقل بأن الحلق ليس بنسك إلا الشافعي، وهو في رواية عن أحمد، وحكي عن أبي يوسف، واستدل به على جواز استدامة الطيب بعد الإحرام، وخالف الحنفية فأوجبوا فيه الفدية قياسا على اللبس، وتعقب بأن استدامة اللبس لبس واستدامة الطيب ليس بطيب، ويظهر ذلك بما لو حلف‏.‏
وقد تقدم التعقب على من زعم أن المراد بريق الدهن أو أثر الطيب الذي لا رائحة له بما فيه كفاية‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-14-2013, 12:21 PM   #11
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب طَوَافِ الْوَدَاعِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب طواف الوداع‏)‏ قال النووي‏:‏ طواف الوداع واجب يلزم بتركه دم على الصحيح عندنا وهو قول أكثر العلماء‏.‏
وقال مالك وداود وابن المنذر‏:‏ هو سنة لا شيء في تركه انتهى والذي رأيته في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ لابن المنذر أنه واجب للأمر به إلا أنه لا يجب بتركه شيء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أمر الناس‏)‏ كذا في رواية عبد الله بن طاوس عن أبيه على البناء لما لم يسم فاعله والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا قوله ‏"‏ خفف ‏"‏ وقد رواه سفيان أيضا عن سليمان الأحول عن طاوس فصرح فيه بالرفع ولفظه عن ابن عباس قال ‏"‏ كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ‏"‏ أخرجه مسلم هو والذي قبله عن سعيد بن منصور عن سفيان بالإسنادين فرقهما، فكأن طاوسا حدث به على الوجهين، ولهذا وقع في رواية كل من الراويين عنه ما لم يقع في رواية الآخر، وفيه دليل على وجوب طواف الوداع للأمر المؤكد به وللتعبير في حق الحائض بالتخفيف كما تقدم، والتخفيف لا يكون إلا من أمر مؤكد، واستدل به على أن الطهارة شرط لصحة الطواف، وسيأتي البحث فيه في الباب الذي بعده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ تَابَعَهُ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي خَالِدٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن قتادة‏)‏ سيأتي بعد باب من وجه آخر عن ابن وهب التصريح بتحديث قتادة، ويأتي الكلام هناك، والمقصود منه هنا قوله في آخره ‏"‏ ثم ركب إلى البيت فطاف به‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه الليث‏)‏ أي تابع عمرو بن الحارث في روايته لهذا الحديث عن قتادة بطريق أخرى إلى قتادة، وقد وصله البزار والطبراني من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث، وخالد شيخ الليث هو ابن يزيد، وذكر البزار والطبراني أنه تفرد بهذا الحديث عن سعيد وأن الليث تفرد به عن خالد وأن سعيد بن أبي هلال لم يرو عن قتادة عن أنس غير هذا الحديث‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت‏)‏ أي هل يجب عليها طواف الوداع أو يسقط، وإذا وجب هل يجبر بدم أم لا‏؟‏ وقد تقدم معنى هذه الترجمة في كتاب الحيض بلفظ ‏"‏ باب المرأة تحيض بعد الإفاضة ‏"‏ قال ابن المنذر‏:‏ قال عامة الفقهاء بالأمصار‏:‏ ليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع‏.‏
وروينا عن عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضا لطواف الوداع، وكأنهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها‏.‏
ثم أسند عن عمر بإسناد صحيح إلى نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ طافت امرأة بالبيت يوم النحر ثم حاضت، فأمر عمر بحبسها بمكة بعد أن ينفر الناس حتى تطهر وتطوف بالبيت ‏"‏ قال‏:‏ وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك، وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة‏.‏
يشير بذلك إلى ما تضمنته أحاديث هذا الباب‏.‏
وقد روى ابن أبي شيبة من طريق القاسم بن محمد ‏"‏ كان الصحابة يقولون‏.‏
إذا أفاضت المرأة قبل أن تحيض فقد فرغت، إلا عمر فإنه كان يقول‏:‏ يكون آخر عهدها بالبيت ‏"‏ وقد وافق عمر على رواية ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره، فروى أحمد وأبو داود والنسائي والطحاوي - واللفظ لأبي داود - من طريق الوليد بن عبد الرحمن عن الحارث بن عبد الله بن أوس الثقفي قال‏:‏ ‏"‏ أتيت عمر فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض، قال‏:‏ ليكن آخر عهدها بالبيت‏.‏
فقال الحارث كذلك أفتاني - وفي رواية أبي داود هكذا حدثني - رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ واستدل الطحاوي بحديث عائشة وبحديث أم سليم على نسخ حديث الحارث في حق الحائض‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاضَتْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ قَالُوا إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ قَالَ فَلَا إِذًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حاضت‏)‏ أي بعد أن أفاضت يوم النحر كما تقدم في ‏"‏ باب الزيارة يوم النحر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فذكر‏)‏ كذا في هذه الرواية بضم الذال على البناء للمجهول، وقد تقدم في الباب المذكور من وجه آخر أن عائشة هي التي ذكرت له ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أحابستنا‏)‏ أي مانعتنا من التوجه من مكة في الوقت الذي أردنا التوجه فيه، ظنا منه صلى الله عليه وسلم أنها ما طافت طواف إفاضة، وإنما قال ذلك لأنه كان لا يتركها ويتوجه، ولا يأمرها بالتوجه معه وهي باقية على إحرامها، فيحتاج إلى أن يقيم حتى تطهر وتطوف وتحل الحل الثاني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالوا‏)‏ سيأتي في الطريق التي في آخر الباب أن صفية هي قالت ‏"‏ بلى ‏"‏ وفي رواية الأعرج عن أبي سلمة عن عائشة التي مضت في باب الزيارة يوم النحر ‏"‏ حججنا فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفية، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله فقلت‏:‏ يا رسول الله إنها حائض ‏"‏ الحديث، وهذا مشكل لأنه صلى الله عليه وسلم إن كان علم أنها طافت طواف الإفاضة فكيف يقول أحابستنا هي‏؟‏ وإن كان ما علم فكيف يريد وقاعها قبل التحلل الثاني‏؟‏ ويجاب عنه بأنه صلى الله عليه وسلم ما أراد ذلك منها إلا بعد أن استأذنه نساؤه في طواف الإفاضة فأذن لهن فكان بانيا على أنها قد حلت، فلما قيل له إنها حائض جوز أن يكون وقع لها قبل ذلك حتى منعها من طواف الإفاضة فاستفهم عن ذلك فأعلمته عائشة أنها طافت معهن فزال عنه ما خشيه من ذلك والله أعلم‏.‏
وقد سبق في كتاب الحيض من طريق عمرة عن عائشة أنه قال لهم ‏"‏ لعلها تحبسنا، ألم تكن طافت معكن‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى ‏"‏ وسأذكر بقية اختلاف ألفاظ هذه القصة في آخر الباب إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا إذا‏)‏ أي فلا حبس علينا حينئذ، أي إذا أفاضت فلا مانع لنا من التوجه لأن الذي يجب عليها قد فعلته‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ امْرَأَةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ قَالَ لَهُمْ تَنْفِرُ قَالُوا لَا نَأْخُذُ بِقَوْلِكَ وَنَدَعُ قَوْلَ زَيْدٍ قَالَ إِذَا قَدِمْتُمْ الْمَدِينَةَ فَسَلُوا فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَسَأَلُوا فَكَانَ فِيمَنْ سَأَلُوا أُمُّ سُلَيْمٍ فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيَّةَ رَوَاهُ خَالِدٌ وَقَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حماد‏)‏ هو ابن زيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أهل المدينة‏)‏ أي بعض أهلها وقد رواه الإسماعيلي من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب بلفظ ‏"‏ أن ناسا من أهل المدينة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال لهم تنفر‏)‏ زاد الثقفي ‏"‏ فقالوا‏:‏ لا نبالي أفتيتنا أو لم تفتنا، زيد بن ثابت يقول لا تنفر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكان فيمن سألوا أم سليم‏)‏ في رواية الثقفي ‏"‏ فسألوا أم سليم وغيرها فذكرت صفية ‏"‏ كذا ذكره مختصرا، وساقه الثقفي بتمامه قال ‏"‏ فأخبرتهم أن عائشة قالت لصفية‏.‏
أفي الخيبة أنت‏؟‏ إنك لحابستنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما ذاك‏؟‏ قالت عائشة‏:‏ صفية حاضت، قيل إنها قد أفاضت، قال‏:‏ فلا إذا‏.‏
فرجعوا إلى ابن عباس فقالوا وجدنا الحديث كما حدثتناه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه خالد‏)‏ يعني الحذاء ‏(‏وقتادة عن عكرمة‏)‏ أما رواية خالد فوصلها البيهقي من طريق معلى بن منصور عن هشيم عنه عن عكرمة عن ابن عباس قال ‏"‏ إذا طافت يوم النحر ثم حاضت فلتنفر ‏"‏ وقال زيد بن ثابت ‏"‏ لا تنفر حتى تطهر وتطوف بالبيت‏.‏
ثم أرسل زيد بعد ذلك إلى ابن عباس‏:‏ إني وجدت الذي قلت كما قلت ‏"‏ وأما رواية قتادة فوصلها أبو داود الطيالسي في مسنده قال‏:‏ حدثنا هشام هو الدستوائي عن قتادة عن عكرمة قال ‏"‏ اختلف ابن عباس وزيد بن ثابت في المرأة إذا حاضت وقد طافت بالبيت يوم النحر، فقال زيد‏:‏ يكون آخر عهدها بالبيت‏.‏
وقال ابن عباس‏:‏ تنفر إن شاءت، فقالت الأنصار‏:‏ لا نتابعك يا ابن عباس وأنت تخالف زيدا، فقال‏:‏ سلوا صاحبتكم أم سليم - يعني فسألوها - فقالت‏:‏ حضت بعدما طفت بالبيت فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنفر، وحاضت صفية فقالت لها عائشة حبستنا فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنفر ‏"‏ ورواه سعيد بن أبي عروبة في كتاب المناسك الذي رويناه من طريق محمد بن يحيى القطعي عن عبد الأعلى عنه قال‏:‏ عن قتادة عن عكرمة نحوه‏.‏
وقال فيه ‏"‏ لا نتابعك إذا خالفت زيد بن ثابت ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ وأنبئت أن صفية بنت حيي حاضت بعدما طافت بالبيت يوم النحر فقالت لها عائشة‏:‏ الخيبة لك حبستنا، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تنفر ‏"‏ وهكذا أخرجه إسحاق في مسنده عن عبدة عن سعيد وفي آخره ‏"‏ وكان ذلك من شأن أم سليم أيضا‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ طريق قتادة هذه هي المحفوظة، وقد شذ عباد بن العوام فرواه عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مختصرا في قصة أم سليم أخرجه الطحاوي من طريقه انتهى‏.‏
ولقد اختصر البخاري حديث عكرمة جدا، ولولا تخريج هذه الطرق لما ظهر المراد منه، فلله الحمد على ما أنعم به وتفضل‏.‏
وقد روى هذه القصة طاوس عن ابن عباس متابعا لعكرمة، أخرجه مسلم والنسائي والإسماعيلي من طريق الحسن بن مسلم عن طاوس ‏"‏ كنت مع ابن عباس إذ قال له زيد بن ثابت‏:‏ تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت‏؟‏ فقال ابن عباس‏:‏ أما لا فسل فلانة الأنصارية هل أمرها النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال فرجع إليه فقال‏:‏ ما أراك إلا قد صدقت ‏"‏ لفظ مسلم، وللنسائي ‏"‏ كنت عند ابن عباس فقال له زيد بن ثابت أنت الذي تفتي ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ فسألها، ثم رجع وهو يضحك فقال‏:‏ الحديث كما حدثتني ‏"‏ وللإسماعيلي بعد قوله أنت الذي إلخ ‏"‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فلا تفت بذلك‏.‏
قال‏:‏ فسل فلانة ‏"‏ والباقي نحو سياق مسلم، وزاد في إسناده عن ابن جريج قال‏:‏ وقال عكرمة بن خالد عن زيد وابن عباس نحوه وزاد فيه ‏"‏ فقال ابن عباس سل أم سليم وصواحبها هل أمرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك‏؟‏ فسألهن، فقلن‏:‏ قد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ‏"‏ وقد عرف برواية عكرمة الماضية أن الأنصارية هي أم سليم، وأما صواحبها فلم أقف على تسميتهن‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا أَفَاضَتْ قَالَ وَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّهَا لَا تَنْفِرُ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لَهُنَّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسلم‏)‏ هو ابن إبراهيم، ووهيب هو ابن خالد وابن طاوس هو عبد الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رخص‏)‏ بضم الراء على البناء لما لم يسم فاعله، ووقع في رواية يحيى بن حسان عن وهيب عند النسائي ‏"‏ رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال وسمعت ابن عمر‏)‏ القائل ذلك هو طاوس بالإسناد المذكور، بينه النسائي في روايته المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم سمعته يقول بعد‏)‏ سيأتي أن ذلك كان قبل موت ابن عمر بعام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهن‏)‏ هذا من مراسيل الصحابة، وكذا ما أخرجه النسائي والترمذي وصححه والحاكم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال من حج فليكن آخر عهده بالبيت، إلا الحيض رخص لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فإن ابن عمر لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وسنوضح ذلك، فعند النسائي من طريق إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عمر أنه كان يقول قريبا من سنتين عن الحائض لا تنفر حتى يكون آخر عهدها بالبيت‏.‏
ثم قال بعد‏:‏ أنه رخص للنساء‏.‏
وله وللطحاوي من طريق عقيل عن الزهري عن طاوس أنه سمع ابن عمر يسأل عن النساء إذا حضن قبل النفر وقد أفضن يوم النحر فقال‏:‏ إن عائشة كانت تذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصة لهن وذلك قبل موته بعام‏.‏
وفي رواية الطحاوي قبل موت ابن عمر بعام‏.‏
وروى ابن أبي شيبة أن ابن عمر كان يقيم على الحائض سبعة أيام حتى تطوف طواف الوداع، قال الشافعي‏:‏ كأن ابن عمر سمع الأمر بالوداع ولم يسمع الرخصة أولا ثم بلغته الرخصة فعمل بها، وقد تقدم شيء من الكلام على هذا الحديث في أواخر الحيض‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ فَقَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَمْ يَحِلَّ وَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَطَافَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَحَلَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ فَحَاضَتْ هِيَ فَنَسَكْنَا مَنَاسِكَنَا مِنْ حَجِّنَا فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ لَيْلَةُ النَّفْرِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ أَصْحَابِكَ يَرْجِعُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ غَيْرِي قَالَ مَا كُنْتِ تَطُوفِينَ بِالْبَيْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا قُلْتُ لَا قَالَ فَاخْرُجِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ وَمَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَخَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ وَحَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْرَى حَلْقَى إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا أَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ بَلَى قَالَ فَلَا بَأْسَ انْفِرِي فَلَقِيتُهُ مُصْعِدًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ وَقَالَ مُسَدَّدٌ قُلْتُ لَا تَابَعَهُ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ فِي قَوْلِهِ لَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور‏)‏ هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو النخعي والأسود هو خاله وهو نخعي أيضا، وقد سبق الكلام على حديث عائشة فيما يتعلق بطواف الحائض في ‏"‏ باب تقضي الحائض المناسك إلا الطواف ‏"‏ ويأتي الكلام على حديث عمرتهما في أبواب العمرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليلة الحصبة‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ ليلة الحصباء ‏"‏ وقوله بعده ‏"‏ ليلة النفر ‏"‏ عطف بيان لليلة الحصباء، والمراد بتلك الليلة التي يتقدم النفر من منى قبلها فهي شبيهة بليلة عرفة، وفيه تعقب على من قال كل ليلة تسبق يومها إلا ليلة عرفة فإن يومها يسبقها، فقد شاركتها ليلة النفر في ذلك‏.‏
قوله فيه ‏(‏ما كنت تطوفين بالبيت ليالي قدمنا مكة‏؟‏ قلت لا‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية أبي ذر عن المستملي ‏"‏ قلت بلى ‏"‏ وهي محمولة على أن المراد ما كنت أطوف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحاضت صفية‏)‏ أي في أيام منى، سيأتي في أبواب الإدلاج من المحصب أن حيضها كان ليلة النفر، زاد الحاكم عن إبراهيم عند مسلم ‏"‏ لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر إذا صفية على باب خبائها كئيبة حزينة، فقال عقرى ‏"‏ الحديث، وهذا يشعر بأن الوقت الذي أراد منها ما يريد الرجل من أهله كان بالقرب من وقت النفر من منى، واستشكله بعضهم بناء على ما فهمه أن ذلك كان وقت الرحيل، وليس ذلك بلازم لاحتمال أن يكون الوقت الذي أراد منها ما أراد سابقا على الوقت الذي رآها فيه على باب خبائها الذي هو وقت الرحيل، بل ولو اتحد الوقت لم يكن ذلك مانعا من الإرادة المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عقرى حلقى‏)‏ بالفتح فيهما ثم السكون وبالقصر بغير تنوين في الرواية، ويجوز في اللغة التنوين وصوبه أبو عبيد، لأن معناه الدعاء بالعقر والحلق، كما يقال سقيا ورعيا ونحو ذلك من المصادر التي يدعى بها، وعلى الأول هو نعت لا دعاء، ثم معنى عقري عقرها الله أي جرحها وقيل جعلها عاقرا لا تلد، وقيل عقر قومها‏.‏
ومعنى حلقي حلق شعرها وهو زينة المرأة، أو أصابها وجع في حلقها، أو حلق قومها بشؤمها أي أهلكهم‏.‏
وحكى القرطبي أنها كلمة تقولها اليهود للحائض، فهذا أصل هاتين الكلمتين، ثم اتسع العربي في قولهما بغير إرادة حقيقتهما كما قالوا قاتله الله وتربت يداه ونحو ذلك، قال القرطبي وغيره‏:‏ شتان بين قوله صلى الله عليه وسلم هذا لصفية وبين قوله لعائشة لما حاضت منه في الحج ‏"‏ هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ‏"‏ لما يشعر به من الميل لها والحنو عليها بخلاف صفية‏.‏
قلت‏:‏ وليس فيه دليل على اتضاع قدر صفية عنده، لكن اختلف الكلام باختلاف المقام، فعائشة دخل عليها وهي تبكي أسفا على ما فاتها من النسك فسلاها بذلك، وصفية أراد منها ما يريد الرجل من أهله فأبدت المانع فناسب كلا منهما ما خاطبها به في تلك الحالة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا بأس انفري‏)‏ هو بيان لقوله في الرواية الماضية أول الباب ‏"‏ فلا إذا ‏"‏ وفي رواية أبي سلمة ‏"‏ قال اخرجوا ‏"‏ وفي رواية عمرة ‏"‏ قال اخرجي ‏"‏ وفي رواية الزهري عن عروة عن عائشة في المغازي ‏"‏ فلتنفر ‏"‏ ومعانيها متقاربة، والمراد بها كلها الرحيل من منى إلى جهة المدينة‏.‏
وفي أحاديث الباب أن طواف الإفاضة ركن، وأن الطهارة شرط لصحة الطواف، وأن طواف الوداع واجب وقد تقدم ذلك، واستدل به على أن أمير الحاج يلزمه أن يؤخر الرحيل لأجل من تحيض ممن لم تطف للإفاضة، وتعقب باحتمال أن تكون إرادته صلى الله عليه وسلم تأخير الرحيل إكراما لصفية كما احتبس بالناس على عقد عائشة‏.‏
وأما الحديث الذي أخرجه البزار من حديث جابر وأخرجه البيهقي في فوائده من طريق أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ أميران وليسا بأميرين‏:‏ من تبع جنازة فليس له أن ينصرف حتى تدفن أو يأذن أهلها، والمرأة تحج أو تعتمر مع قوم فتحيض قبل طواف الركن فليس لهم أن ينصرفوا حتى تطهر أو تأذن لهم ‏"‏ فلا دلالة فيه على الوجوب إن كان صحيحا، فإن في إسناد كل منهما ضعفا شديدا‏.‏
وقد ذكر مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ أنه يلزم الجمال أن يحبس لها إلى انقضاء أكثر مدة الحيض، وكذا على النفساء‏.‏
واستشكله ابن المواز بأن فيها تعريضا للفساد كقطع الطريق، وأجاب عياض بأن محل ذلك مع أمن الطريق كما أن محله أن كون مع المرأة محرم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال مسدد‏:‏ قلت لا‏.‏
وتابعه جرير عن منصور في قوله لا‏)‏ هذا التعليق لم يقع في رواية أبي ذر وثبت لغيره، فأما رواية مسدد فرويناها كذلك في مسنده رواية أبي خليفة عنه قال ‏"‏ حدثنا أبو عوانة ‏"‏ فذكر الحديث بسنده ومتنه وقال فيه ‏"‏ ما كنت طفت ليالي قدمنا‏؟‏ قلت‏:‏ لا ‏"‏ وأما رواية جرير فوصلها المصنف في ‏"‏ باب التمتع والقران ‏"‏ عن عثمان بن أبي شيبة عنه وقال فيه ‏"‏ ما كنت طفت ليالي قدمنا مكة‏؟‏ قلت‏:‏ لا ‏"‏ وهذا يؤيد صحة ما وقع في رواية المستملي حيث وقع عنده بلى موضع لا كما تقدم، وتقدم توجيهه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالْأَبْطَحِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح‏)‏ أي البطحاء التي بين مكة ومنى، وهي ما انبطح من الوادي واتسع‏.‏
وهي التي يقال لها المحصب والمعرس، وحدها ما بين الجبلين إلى المقبرة‏.‏
وقد تقدم الكلام على حديث أنس الأول في ‏"‏ باب أين يصلي الظهر يوم التروية ‏"‏ وهو مطابق لما ترجم به هنا‏.‏
وفي سياق حديث أنس الثاني ما يشعر بأنه صلى بالأبطح وهو المحصب مع ذلك المغرب والعشاء ورقد، ثم ركب إلى البيت فطاف به أي طواف الوداع، وأما قوله فيه ‏"‏ أنه صلى الظهر ‏"‏ فلا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال لأنه رمى فنفر فنزل المحصب فصلى الظهر به‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْمُحَصَّبِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المحصب‏)‏ بمهملتين ثم موحدة بوزن ‏"‏ محمد ‏"‏ أي ما حكم النزول به‏؟‏ وقد نقل ابن المنذر الاختلاف في استحبابه مع الاتفاق على أنه ليس من المناسك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ يَعْنِي بِالْأَبْطَحِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام‏)‏ هو ابن عروة‏.‏
وفي رواية الإسماعيلي من طريق يزيد بن هارون عن سفيان حدثنا هشام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنما كان منزلا‏)‏ في رواية مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام ‏"‏ نزول الأبطح ليس بسنه إنما نزله ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أسمح‏)‏ أي أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوي في ذلك البطيء والمعتدل، ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تعني بالأبطح‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ تعني الأبطح ‏"‏ بحذف الموحدة‏.‏
وفي رواية مسلم المذكورة ‏"‏ كان أسمح لخروجه إذا خرج‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو ابن عيينة ‏(‏قال عمرو‏)‏ هو ابن دينار، وعطاء هو ابن أبي رباح، قال الدارقطني هذا الحديث سمعه سفيان من الحسن بن صالح عن عمرو بن دينار، يعني أنه دلسه هنا عن عمرو، وتعقب بأن الحميدي أخرجه في مسنده عن سفيان قال ‏"‏ حدثنا عمرو ‏"‏ وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي خيثمة عن سفيان فانتفت تهمة تدليسه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليس التحصيب بشيء‏)‏ أي من أمر المناسك الذي يلزم فعله قاله ابن المنذر، وقد روى أحمد من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة قالت ‏"‏ ثم ارتحل حتى نزل الحصبة قالت والله ما نزلها إلا من أجلي ‏"‏ وروى مسلم وأبو داود وغيرهما من طريق سليمان بن يسار عن أبي رافع قال ‏"‏ لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ولكن جئت فضربت قبته فجاء فنزل ‏"‏ ا ه، لكن لما نزله النبي صلى الله عليه وسلم كان النزول به مستحبا اتباعا له لتقريره على ذلك‏.‏
وقد فعله الخلفاء بعده كما رواه مسلم من طريق عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ينزلون الأبطح ‏"‏ وسيأتي للمصنف في الباب الذي يليه، لكن ليس فيه ذكر أبي بكر، ومن طريق أخرى عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرى التحصيب سنة، قال نافع ‏"‏ وقد حصب رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده ‏"‏ فالحاصل أن من نفي أنه سنة كعائشة وابن عباس أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه شيء، ومن أثبته كابن عمر أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم لا الإلزام بذلك، ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به بعض الليل كما دل عليه حديث أنس، ويأتي نحوه من حديث ابن عمر في الباب الذي يليه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب النُّزُولِ بِذِي طُوًى قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ وَالنُّزُولِ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة، والنزول بالبطحاء التي بذي الحليفة‏)‏ أي قبل أن يدخل المدينة، والمقصود بهذه الترجمة الإشارة إلى أن اتباعه صلى الله عليه وسلم في النزول بمنازله لا يختص بالمحصب، وقد تقدم الكلام على مكان الدخول إلى مكة في أوائل الحج، والنزول ببطحاء ذي الحليفة صريح في حديث الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بذي الطوى‏)‏ كذا للمستملي والسرخسي بإثبات الألف واللام ولغيرهما بحذفهما‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَبِيتُ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ ثُمَّ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا لَمْ يُنِخْ نَاقَتَهُ إِلَّا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَأْتِي الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ فَيَبْدَأُ بِهِ ثُمَّ يَطُوفُ سَبْعًا ثَلَاثًا سَعْيًا وَأَرْبَعًا مَشْيًا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَنْطَلِقُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكَانَ إِذَا صَدَرَ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنِيخُ بِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين الثنيتين‏)‏ أي التي بين الثنيتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لم ينخ ناقته إلا عند باب المسجد‏)‏ أي إذا بات بذي طوى ثم أصبح ركب ناقته فلم ينخها إلا بباب المسجد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيصلي سجدتين‏)‏ وفي رواية الكشميهني ركعتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان إذا صدر‏)‏ أي رجع متوجها نحو المدينة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ سُئِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ الْمُحَصَّبِ فَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يُصَلِّي بِهَا يَعْنِي الْمُحَصَّبَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ أَحْسِبُهُ قَالَ وَالْمَغْرِبَ قَالَ خَالِدٌ لَا أَشُكُّ فِي الْعِشَاءِ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سئل عبيد الله‏)‏ يعني ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو وابن عمر‏)‏ هو عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل وعن عمر منقطع وعن ابن عمر موصول، ويحتمل أن يكون نافع سمع ذلك من ابن عمر فيكون الجميع موصولا ويدل عليه رواية عبد الرزاق التي قدمتها في الباب الذي قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن نافع‏)‏ هو معطوف على الإسناد الذي قبله وليس بمعلق، وقد رواه البيهقي من طريق حميد بن مسعدة عن خالد بن الحارث مثله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصلي بها يعني المحصب‏)‏ قيل فسر الضمير المؤنث بلفظ مذكر وأراد البقعة، ولأن من أسمائها البطحاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال خالد‏)‏ هو ابن الحارث راوي أصل الإسناد وهو مؤيد للعطف الذي قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا أشك في العشاء‏)‏ يريد أنه شك في ذكر المغرب، وقد رواه سفيان بن عيينة بغير شك في المغرب ولا غيرها عن أيوب، وعن عبيد الله بن عمر جميعا عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان يصلي بالأبطح الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم يهجع هجعة ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي، وهو عند أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني وعن أيوب عن نافع كلاهما عن ابن عمر‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ نَزَلَ بِذِي طُوًى إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَقْبَلَ بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ دَخَلَ وَإِذَا نَفَرَ مَرَّ بِذِي طُوًى وَبَاتَ بِهَا حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من نزل بذي طوى إذا رجع من مكة‏)‏ تقدم الكلام على النزول بذي طوى والمبيت بها إلى الصبح لمن أراد أن يدخل مكة في أوائل الحج، والمقصود بهذه الترجمة مشروعية المبيت بها أيضا للراجع من مكة، وغفل الداودي فظن أن هذا المبيت متحد بالمبيت بالمحصب فجعل ذا طوى هو المحصب، وهو غلط منه، وإنما يقع المبيت بالمحصب في الليلة التي تلي يوم النفر من منى فيصبح سائرا إلى أن يصل إلى ذي طوى فينزل بها ويبيت، فهذا الذي يدل عليه سياق حديث الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال محمد بن عيسى‏)‏ هو ابن الطباع أخو إسحاق البصري‏.‏
حدثنا ‏(‏حماد‏)‏ اختلف في حماد هذا فجزم الإسماعيلي بأنه ابن سلمة، وجزم المزي بأنه ابن زيد فلم يذكر حماد بن سلمة في شيوخ محمد بن عيسى وذكر حماد بن زيد، ولم تقع في رواية محمد بن عيسى موصولة‏.‏
وقد أخرج الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق حماد بن زيد عن أيوب طرفا من الحديث وليس فيه مقصود الترجمة، وهذا الطرف تقدم في ‏"‏ باب الاغتسال لدخول مكة ‏"‏ من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب، وأخرجه الإسماعيلي هنا عن الحسن بن سفيان عن محمد بن أبان عن حماد بن سلمة عن أيوب، ولم يذكر مقصود الترجمة، فلم يتضح لي صحة ما قال أن حمادا في التعليق عن محمد بن عيسى هذا هو ابن سلمة، بل الظاهر أنه ابن زيد والله أعلم‏.‏
وليس لمحمد بن عيسى هذا في البخاري سوى هذا الموضع وآخر في كتاب الأدب سيأتي بسط القول فيه إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا نفر مر بذي طوى‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وإذا نفر مر من ذي طوى إلخ ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ وليس هذا أيضا من مناسك الحج‏.‏
قلت وإنما يؤخذ منه أماكن نزوله صلى الله عليه وسلم ليتأسى به فيها، إذ لا يخلو شيء من أفعاله عن حكمة‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب التِّجَارَةِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ وَالْبَيْعِ فِي أَسْوَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية‏)‏ أي جواز ذلك، والموسم بفتح الميم وسكون الواو وكسر المهملة قال الأزهري سمي بذلك لأنه معلم يجتمع إليه الناس مشتق من السمة وهي العلامة، وذكر في حديث الباب من أسواق الجاهلية اثنين وترك اثنين سنذكرهما إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ ذُو الْمَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عمرو بن دينار‏)‏ في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن عيسى بن يونس عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ هذا هو المحفوظ، ووقع عند الإسماعيلي عن المنيعي عن عثمان بن أبي شيبة عن يحيي بن أبي زائدة عن ابن جريج عن عمرو عن ابن الزبير، قال الإسماعيلي‏:‏ كذا في كتابي وعليه صح‏.‏
قلت‏:‏ وهو وهم من بعض رواته كأنه دخل عليه حديث في حديث، فإن حديث ابن الزبير عند ابن عيينة وابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد عنه وهو أخصر من سياق ابن عباس، وقد رواه ابن عيينة عن عمرو عن ابن عباس ثم لم يختلف عليه في ذلك، كذلك رواه الإسماعيلي من وجه آخر عن ابن أبي زائدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان ذو المجاز‏)‏ بفتح الميم وتخفيف الجيم وفي آخره زاي وهو بلفظ ضد الحقيقة، وعكاظ بضم المهملة وتخفيف الكاف وفي آخره ظاء مشالة، زاد ابن عيينة عن عمر وكما سيأتي في أوائل البيوع وفي تفسير البقرة ‏"‏ ومجنة ‏"‏ وهي بفتح الميم وكسر الجيم وتشديد النون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏متجر الناس في الجاهلية‏)‏ أي مكان تجارتهم وفي رواية ابن عيينة ‏"‏ أسواقا في الجاهلية ‏"‏ فأما ذو المجاز فذكر الفاكهي من طريق ابن إسحاق أنها كانت بناحية عرفة إلى جانبها، وعند الأزرقي من طريق هشام بن الكلبي أنه كان لهذيل على فرسخ من عرفة، ووقع في شرح الكرماني أنه كان بمنى وليس بشيء، لما رواه الطبري عن مجاهد أنهم كانوا لا يبيعون ولا يبتاعون في الجاهلية بعرفة ولا منى، لكن سيأتي عن تخريج الحاكم خلاف ذلك‏.‏
وأما عكاظ فعن ابن إسحاق أنها فيما بين نخلة والطائف إلى بلد يقال له الفتق بضم الفاء والمثناة بعدها قاف، وعن ابن الكلبي أنها كانت وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء، وكانت لقيس وثقيف‏.‏
وأما مجنة فعن ابن إسحاق أنها كانت بمر الظهران إلى جبل يقال له الأصغر، وعن ابن الكلبي كانت بأسفل مكة على بريد منها غربي البيضاء وكانت لكنانة، وذكر من أسواق العرب في الجاهلية أيضا حباشة بضم المهملة وتخفيف الموحدة وبعد الألف معجمة، وكانت في ديار بارق نحو قنوني بفتح القاف وبضم النون الخفيفة وبعد الواو نون مقصورة من مكة إلى جهة اليمن على ست مراحل، قال وإنما لم يذكر هذه السوق في الحديث لأنها لم تكن من مواسم الحج، وإنما كانت تقام في شهر رجب، قال الفاكهي‏.‏
ولم تزل هذه الأسواق قائمة في الإسلام إلى أن كان أول ما ترك منها سوق عكاظ في زمن الخوارج سنة تسع وعشرين ومائة وآخر ما ترك منها سوق حباشة في زمن داود بن عيسى بن موسى العباسي في سنة سبع وتسعين ومائة‏.‏
ثم أسند عن ابن الكلبي أن كل شريف كان إنما يحضر سوق بلده إلا سوق عكاظ فإنهم كانوا يتوافون بها من كل جهة، فكانت أعظم تلك الأسواق‏.‏
وقد وقع ذكرها في أحاديث أخرى منها حديث ابن عباس ‏"‏ أنطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ‏"‏ الحديث في قصه الجن، وقد مضى في الصلاة ويأتي في التفسير‏.‏
وروى الزبير بن بكار في ‏"‏ كتاب النسب ‏"‏ من طريق حكيم بن حزام أنها كانت تقام صبح هلال ذي القعدة إلى أن يمضي عشرون يوما، قال‏:‏ ثم يقام سوق مجنة عشرة أيام إلى هلال ذي الحجة، ثم يقوم سوق ذي المجاز ثمانية أيام، ثم يتوجهون إلى منى للحج‏.‏
وفي حديث أبي الزبير عن جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في الموسم بمجنة وعكاظ يبلغ رسالات ربه ‏"‏ الحديث أخرجه أحمد وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كأنهم‏)‏ أي المسلمين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كرهوا ذلك‏)‏ في رواية ابن عيينة ‏"‏ فكأنهم تأثموا ‏"‏ أي خشوا من الوقوع في الإثم للاشتغال في إياها النسك بغير العبادة‏.‏
وأخرج الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ من طريق عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس ‏"‏ إن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق المجاز ومواسم الحج، فخافوا البيع وهم حرم، فأنزل الله تعالى ‏(‏لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلا من ربكم‏)‏ في مواسم الحج ‏"‏ قال فحدثني عبيد بن عمير أنه كان يقرأها في المصحف، ولأبي داود وإسحاق بن راهويه من طريق مجاهد عن ابن عباس ‏"‏ كانوا لا يتجرون بمنى، فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات ‏"‏ وقرأ هذه الآية، وأخرجه إسحاق في مسنده من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ كانوا يمنعون البيع والتجارة في أيام الموسم يقولون‏:‏ إنها أيام ذكر، فنزلت ‏"‏ وله من وجه آخر عن مجاهد عن ابن عباس ‏"‏ كانوا يكرهون أن يدخلوا في حجهم التجارة حتى نزلت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى نزلت إلخ‏)‏ سيأتي في تفسير البقرة عن ابن عمر قول آخر في سبب نزولها‏.‏
قولها ‏(‏في مواسم إلخ‏)‏ قال الكرماني‏:‏ هو كلام الراوي ذكره تفسيرا انتهى‏.‏
وفاته ما زاده المصنف في آخر حديث ابن عيينة في البيوع ‏"‏ قرأها ابن عباس ‏"‏ ورواه ابن عمر في مسنده عن ابن عيينة وقال في آخره ‏"‏ وكذلك كان ابن عباس يقرأها ‏"‏ وروى الطبري بإسناد صحيح عن أيوب عن كرمة أنه كان يقرأها كذلك، فهي على هذا من القراءة الشاذة وحكمها عند الأئمة حكم التفسير، واستدل بهذا الحديث على جواز البيع والشراء للمعتكف قياسا على الحج، والجامع بينهما العبادة، وهو قول الجمهور‏.‏
وعن مالك كراهة ما زاد على الحاجة كالخبز إذا لم يجد من يكفيه، وكذا كرهه عطاء ومجاهد والزهري، ولا ريب أنه خلاف الأولى، والآية إنما نفت الجناح ولا يلزم من نفيه نفي أولوية مقابله‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2013, 03:51 PM   #12
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




المجلد الرابع
*2*أَبْوَابُ الْمُحْصَرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المحصر وجزاء الصيد‏)‏ ثبتت البسملة للجميع، وذكر أبو ذر ‏"‏ أبواب ‏"‏ بلفظ الجمع، وللباقين ‏"‏ باب ‏"‏ بالإفراد‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوَقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ
وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وَقَالَ عَطَاءٌ الْإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَحْبِسُهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ حَصُورًا لَا يَأْتِي النِّسَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله تعالى‏:‏ فإن أحصرتم‏)‏ أي وتفسير المراد من قوله‏:‏ ‏(‏فإن أحصرتم‏)‏ وأما قوله ‏(‏ولا تحلقوا رءوسكم‏)‏ فسيأتي في الباب الذي يليه‏.‏
وفي اقتصاره على تفسير عطاء إشارة إلى أنه اختار القول بتعميم الإحصار، وهي مسألة اختلاف بين الصحابة وغيرهم، فقال كثير منهم‏:‏ الإحصار من كل حابس حبس الحاج من عدو ومرض وغير ذلك، حتى أفتى ابن مسعود رجلا لدغ بأنه محصر، أخرجه ابن جرير بإسناد صحيح عنه‏.‏
وقال النخعي والكوفيون‏:‏ الحصر الكسر والمرض والخوف، واحتجوا بحديث حجاج بن عمرو الذي سنذكره في آخر الباب‏.‏
وأثر عطاء المشار إليه وصله عبد بن حميد عن أبي نعيم عن الثوري عن ابن جريج عنه قال في قوله تعالى ‏(‏فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى‏)‏ قال‏:‏ الإحصار من كل شيء يحبسه‏.‏
وكذا رويناه في تفسير الثوري رواية أبي حذيفة عنه‏.‏
وروى ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نحوه، ولفظه ‏"‏ فإن أحصرتم، قال‏:‏ من أحرم بحج أو عمرة ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عدو يحبسه فعليه ذبح ما استيسر من الهدى، فإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها، وإن كانت حجة بعد الفريضة فلا قضاء عليه ‏"‏ وقال آخرون‏:‏ لا حصر إلا بالعدو، وصح ذلك عن ابن عباس، أخرجه عبد الرزاق عن معمر، وأخرجه الشافعي عن ابن عيينة كلاهما عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال ‏"‏ لا حصر إلا من حبسه عدو فيحل بعمرة، وليس عليه حج ولا عمرة‏"‏، وروى مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ والشافعي عنه عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال ‏"‏ من حبس دون البيت بالمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت ‏"‏ وروى مالك عن أيوب عن رجل من أهل البصرة قال ‏"‏ خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي، فأرسلت إلى مكة - وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس - فلم يرخص لي أحد في أن أحل، فأقمت على ذلك الماء تسعة أشهر ثم حللت بعمرة‏"‏، وأخرجه ابن جرير من طرق وسمى الرجل يزيد بن عبد الله بن الشخير، وبه قال مالك والشافعي وأحمد‏.‏
قال الشافعي‏:‏ جعل الله على الناس إتمام الحج والعمرة، وجعل التحلل للمحصر رخصة، وكانت الآية في شأن منع العدو فلم نعد بالرخصة موضعها‏.‏
وفي المسألة قول ثالث حكاه ابن جرير وغيره، وهو أنه لا حصر بعد النبي، وروى مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه ‏"‏ المحرم لا يحل حتى يطوف‏"‏‏.‏
أخرجه في ‏"‏ باب ما يفعل من أحصر بغير عدو‏"‏‏.‏
وأخرج ابن جرير عن عائشة بإسناد صحيح قالت ‏"‏ لا اعلم المحرم يحل بشيء دون البيت ‏"‏ وعن ابن عباس بإسناد ضعيف قال ‏"‏ لا إحصار اليوم ‏"‏ وروى ذلك عن عبد الله بن الزبير، والسبب في اختلافهم في ذلك اختلافهم في تفسير الإحصار، فالمشهور عن أكثر أهل اللغة - منهم الأخفش والكسائي والفراء وأبو عبيدة وأبو عبيد وابن السكيت وثعلب وابن قتيبة وغيرهم - أن الإحصار إنما يكون بالمرض، وأما بالعدو فهو الحصر وبهذا قطع النحاس، وأثبت بعضهم أن أحصر وحصر بمعنى واحد، يقال في جميع ما يمنع الإنسان من التصرف قال تعالى ‏(‏للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض‏)‏ وإنما كانوا لا يستطيعون من منع العدو إياهم، وأما الشافعي ومن تابعه فحجتهم في أن لا إحصار إلا بالعدو اتفاق أهل النقل على أن الآيات نزلت في قصة الحديبية حين صد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت، فسمى الله صد العدو إحصارا، وحجة الآخرين التمسك بعموم قوله تعالى ‏(‏فإن أحصرتم‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏:‏ حصورا لا يأتي النساء‏)‏ هكذا ثبت هذا التفسير هنا في رواية المستملي خاصة، ونقله الطبري عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد، وقد حكاه أبو عبيدة في ‏"‏ المجاز ‏"‏ وقال‏:‏ إن له معاني أخرى فذكرها، وهو بمعنى محصور لأنه منع مما يكون من الرجال، وقد ورد فعول بمعنى مفعول كثيرا‏.‏
وكأن البخاري أراد بذكر هذه الآية الإشارة إلى أن المادة واحدة، والجامع بين معانيها المنع، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا أُحْصِرَ الْمُعْتَمِرُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أحصر المعتمر‏)‏ قيل غرض المصنف بهذه الترجمة الرد على من قال التحلل بالإحصار خاص بالحاج بخلاف المعتمر فلا يتحلل بذلك بل يستمر على إحرامه حتى يطوف بالبيت، لأن السنة كلها وقت للعمرة فلا يخشى فواتها بخلاف الحج، وهو محكي عن مالك، واحتج له إسماعيل القاضي بما أخرجه بإسناد صحيح عن أبي قلابة قال‏:‏ خرجت معتمرا، فوقعت عن راحلتي فانكسرت، فأرسلت إلى ابن عباس وابن عمر فقالا‏:‏ ليس لها وقت كالحج يكون على إحرامه حتى يصل إلى البيت‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ قَالَ إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن عبد الله بن عمر حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة‏)‏ هذا السياق يشعر بأنه عن نافع عن ابن عمر بغير واسطة، لكن رواية جويرية التي بعده تقتضي أن نافعا حمل ذلك عن سالم وعبيد الله ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما حيث قال فيها‏:‏ عن جويرية عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر، فذكر القصة والحديث، هكذا قال البخاري عن عبد الله بن محمد ابن أسماء، ووافقه الحسن بن سفيان وأبو يعلى كلاهما عن عبد الله، أخرجه الإسماعيلي عنهما، وتابعهم معاذ بن المثني عن عبد الله بن محمد بن أسماء، أخرجه البيهقي‏.‏
لكن في رواية موسى بن إسماعيل عن جويرية عن نافع أن بعض بني عبد الله بن عمر قال له، فذكر الحديث‏.‏
وظاهره أنه لنافع عن ابن عمر بغير واسطة، وقد عقب البخاري رواية عبد الله برواية موسى لينبه على الاختلاف في ذلك، واقتصر في رواية موسى هنا على الإسناد، وساقه في المغازي بتمامه‏.‏
وقد رواه يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع كذلك ولفظه ‏"‏ أن عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله كلما عبد الله، فذكر الحديث ‏"‏ أخرجه مسلم، وقد أخرجه البخاري في المغازي عن مسدد عن يحيى مختصرا قال فيه عن نافع عن ابن عمر أنه أهل فذكر بعض الحديث‏.‏
وفي قوله عن نافع عن ابن عمر دلالة على أنه لا واسطة بين نافع وابن عمر فيه كما هو ظاهر سياق مسلم، وأخرجه البخاري كما سيأتي بعد باب من طريق عمر بن محمد عن نافع مثل سياق يحيى عن عبيد الله سواء، وأخرجه في المغازي من طريق فليح وفيما مضى من الحج من طريق أيوب والليث كلهم عن نافع، وأعرض مسلم عن تخريج طريق جويرية ووافق على طريق تخريج الليث وأيوب عن عبيد الله ابن عمر، وكذا أخرجه النسائي من طريق أيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية كلهم عن نافع عن ابن عمر بغير واسطة‏.‏
والذي يترجح في نقدي أن ابني عبد الله أخبرا نافعا بما كلما به أباهما وأشارا عليه به من التأخير ذلك العام، وأما بقية القصة فشاهدها نافع وسمعها من ابن عمر لملازمته إياه، فالمقصود من الحديث موصول، وعلى تقدير أن يكون نافع لم يسمع شيئا من ذلك من ابن عمر فقد عرف الواسطة بينهما وهي ولدا عبد الله ابن عمر سالم وعبد الله وهما ثقتان لا مطعن فيهما، ولم أر من نبه على ذلك من شراح البخاري‏.‏
ووقع في رواية جويرية المذكورة عبيد الله بن عبد الله بالتصغير‏.‏
وفي رواية يحيى القطان المذكورة عبد الله بالتكبير، وكذا في رواية عمر بن محمد عن نافع، قال البيهقي‏:‏ عبد الله - يعني مكبرا - أصح‏.‏
قلت‏:‏ وليس بمستبعد أن يكون كل منهما كلم أباه في ذلك، ولعل نافعا حضر كلام عبد الله المكبر مع أخيه سالم ولم يحضر كلام عبيد الله المصغر مع أخيه سالم أيضا بل أخبراه بذلك فقص عن كل ما انتهى إليه علمه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏معتمرا‏)‏ في الموطأ من هذا الوجه ‏"‏ خرج إلى مكة يريد الحج‏.‏
فقال‏:‏ إن صددت ‏"‏ فذكره، ولا اختلاف، فإنه خرج أولا يريد الحج فلما ذكروا له أمر الفتنة أحرم بالعمرة ثم قال‏:‏ ما شأنهما إلا واحدا فأضاف إليها الحج فصار قارنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في الفتنة‏)‏ بينه في رواية جويرية فقال ‏"‏ ليالي نزل الجيش بابن الزبير ‏"‏ وقد مضى في ‏"‏ باب طواف القارن ‏"‏ من طريق الليث عن نافع بلفظ ‏"‏ حين نزل الحجاج بابن الزبير ‏"‏ ولمسلم رواية في يحيى القطان المذكورة ‏"‏ حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير ‏"‏ وقد تقدم في ‏"‏ باب من اشترى هديه من الطريق ‏"‏ من رواية موسى بن عقبة عن نافع ‏"‏ أراد ابن عمر الحج عام حج الحرورية‏"‏‏.‏
وتقدم طريق الجمع بينه وبين رواية الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن صددت عن البيت‏)‏ هذا الكلام قاله جوابا لقول من قال له‏.‏
إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت، كما أوضحته الرواية التي بعد هذه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية موسى بن عقبة ‏"‏ فقال‏:‏ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، إذن اصنع كما صنع ‏"‏ زاد في رواية الليث عن نافع في ‏"‏ باب طواف القارن ‏"‏ ‏"‏ كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ونحوه في رواية أيوب عن نافع في ‏"‏ باب طواف القارن‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأهل‏)‏ يعني ابن عمر، والمراد أنه رفع صوته بالإهلال والتلبية، زاد في رواية جويرية التي بعد هذه ‏"‏ فقال‏:‏ خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فحال كفار قريش دون البيت، فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه وحلق رأسه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية‏)‏ ‏.‏
قال النووي‏:‏ معناه أنه أراد إن صددت عن البيت وأحصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبي صلى الله عليه وسلم من العمرة‏.‏
وقال عياض‏:‏ يحتمل أن المراد أهل بعمرة كما أهل النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة، ويحتمل أنه أراد الأمرين أي من الإهلال والإحلال وهو الأظهر‏.‏
وتعقبه النووي، وليس هو بمردود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعمرة‏)‏ زاد في رواية جويرية ‏"‏ من ذي الحليفة ‏"‏ وفي رواية أيوب الماضية ‏"‏ فأهل بالعمرة من الدار ‏"‏ والمراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة، ويحتمل أن يحمل على الدار التي بالمدينة ويجمع بأنه أهل بالعمرة من داخل بيته، ثم أعلن بها وأظهرها بعد أن استقر بذي الحليفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عام الحديبية‏)‏ سيأتي بيان ذلك وشرحه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى، وأورده المصنف بعد بابين عن إسماعيل - وهو ابن أبي أويس - عن مالك فزاد فيه ‏"‏ ثم إن عبد الله بن عمر نظر في أمره فقال‏:‏ ما أمرهما إلا واحد ‏"‏ أي الحج والعمرة فيما يتعلق بالإحصار والإحلال، فالتفت إلى أصحابه فذكر القصة‏.‏
وبين في رواية جويرية أن ذلك وقع بعد أن سار ساعة، وهو يؤيد الاحتمال الأول الماضي في أن المراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة‏.‏
ووقع في رواية الليث ‏"‏ أشهدكم أني قد أوجبت عمرة‏.‏
ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال‏:‏ ما شأن الحج والعمرة إلا واحد‏"‏‏.‏
ولو كان إيجابه العمرة من داره التي بالمدينة لكان ما بينها وبين ظاهر البيداء أكثر من ساعة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَيَالِيَ نَزَلَ الْجَيْشُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْعُمْرَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْطَلِقُ فَإِنْ خُلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ طُفْتُ وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا شَأْنُهُمَا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي فَلَمْ يَحِلَّ مِنْهُمَا حَتَّى حَلَّ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَهْدَى وَكَانَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافًا وَاحِدًا يَوْمَ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ لَوْ أَقَمْتَ بِهَذَا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏فلم يحل منهما حتى حل يوم النحر‏)‏ زاد في رواية الليث ‏"‏ فنحر وحلق ‏"‏ ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول‏.‏
وهذا ظاهره أنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإفاضة، وهو مشكل‏.‏
ووقع في رواية إسماعيل المذكورة ‏"‏ ثم طاف لهما طوافا واحدا ورأى أن ذلك مجزئ عنه ‏"‏ وقد تقدم البحث في ذلك في آخر ‏"‏ باب طواف القارن‏"‏‏.‏
قوله في رواية جويرية ‏(‏أشهدكم أني قد أوجبت‏)‏ أي ألزمت نفسي ذلك، وكأنه أراد تعليم من يريد الاقتداء به، وإلا فالتلفظ ليس بشرط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن حيل بيني وبينه‏)‏ أي البيت - أي منعت من الوصول إليه لأطوف - تحللت بعمل العمرة، وهذا يبين أن المراد بقوله ‏"‏ ما أمرهما إلا واحد ‏"‏ يعني الحج والعمرة في جواز التحلل منهما بالإحصار أو في إمكان الإحصار عن كل منهما، ويؤيد الثاني قوله في رواية يحيى القطان المذكورة بعد قوله ما أمرهما إلا واحد ‏"‏ إن حيل بيني وبين العمرة حيل بيني وبين الحج ‏"‏ فكأنه رأى أولا أن الإحصار عن الحج أشد من الإحصار عن العمرة لطول زمن الحج وكثرة أعماله فاختار الإهلال بالعمرة، ثم رأى أن الإحصار بالحج يفيد التحلل عنه بعمل العمرة فقال ‏"‏ ما أمرهما إلا واحد‏"‏‏.‏
وفيه أن الصحابة كانوا يستعملون القياس ويحتجون به‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد أن من أحصر بالعدو بأن منعه عن المضي في نسكه حجا كان أو عمرة جاز له التحلل بأن ينوي ذلك وينحر هديه ويحلق رأسه أو يقصر منه‏.‏
وفيه جواز إدخال الحج على العمرة وهو قول الجمهور، لكن شرطه عند الأكثر أن يكون قبل الشروع في طواف العمرة، وقيل إن كان قبل مضي أربعة أشواط صح، وهو قول الحنفية، وقيل بعد تمام الطواف وهو قول المالكية، ونقل عبد البر أن أبا ثور شذ فمنع إدخال الحج على العمرة قياسا على منع إدخال العمرة على الحج‏.‏
وفيه أن القارن يقتصر على طواف واحد، وقد تقدم البحث فيه في بابه‏.‏
وفيه أن القارن يهدي، وشذ ابن حزم فقالا‏:‏ لا هدي على القارن‏.‏
وفيه جواز الخروج إلى النسك في الطريق المظنون خوفه إذا رجى السلامة، قاله ابن عبد البر‏.‏
قوله في رواية موسى بن إسماعيل ‏(‏أن بعض بني عبد الله‏)‏ قد تقدم اسمه في الرواية التي قبلها وأنه سالم بن عبد الله أو أخوه عبيد الله أو عبد الله، ولم يظهر لي من الذي تولى مخاطبته منهم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ وقع في رواية القعنبي عن مالك في أول أحاديث الباب في آخر قصة ابن عمر زيادة وهي ‏"‏ وأهدى شاة ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ هي زيادة غير محفوظة، لأن ابن عمر كان يفسر ما استيسر من الهدي بأنه بدنة دون بدنة أو بقرة دون بقرة فكيف يهدي شاة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ وَجَامَعَ نِسَاءَهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ كذا في جميع الروايات غير منسوب، فجزم الحاكم بأنه محمد بن يحيى الذهلي، وأبو مسعود بأنه محمد بن مسلم بن وارة، وذكر الكلاباذي عن ابن أبي سعيد أنه أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، وذكر أنه رآه في أصل عتيق، ويؤيده أن الحديث وجد من حديثه عن يحيى بن صالح المذكور، كذلك أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق أبي حاتم، ورواية البخاري عنه في باب الذبح فإنه روى عنه البخاري‏.‏
قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون هو محمد بن إسحاق الصغاني فقد وجدت الحديث من روايته عن يحيى بن صالح كما سأذكره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عكرمة قال فقال ابن عباس‏)‏ هكذا رأيته في جميع النسخ وهو يقتضي سبق كلام يعقبه قوله ‏"‏ فقال ابن عباس ‏"‏ ولم ينبه عليه أحد من شراح هذا الكتاب ولا بينه الإسماعيلي ولا أبو نعيم لأنهما اقتصرا من الحديث على ما أخرجه البخاري، وقد بحثت عنه إلى أن يسر الله بالوقوف عليه، فقرأت في ‏"‏ كتاب الصحابة ‏"‏ لابن السكن قال ‏"‏ حدثني هارون بن عيسى حدثنا الصغاني هو محمد بن إسحاق أحد شيوخ مسلم حدثنا يحيى بن صالح حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير قال‏:‏ سألت عكرمة فقال‏:‏ قال عبد الله بن رافع مولي أم سلمة إنها سألت الحجاج بن عمرو الأنصاري عمن حبس وهو محرم قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من عرج أو كسر أو حبس فليجزئ مثلها وهو في حل ‏"‏ قال فحدثت به أبا هريرة فقال‏:‏ صدق، وحدثته ابن عباس فقال‏:‏ قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق ونحر هديه وجامع نساءه حتى اعتمر عاما قابلا‏"‏، فعرف بهذا السياق القدر الذي حذفه البخاري من هذا الحديث، والسبب في حذفه أن الزائد ليس على شرطه لأنه قد اختلف في حديث الحجاج بن عمرو على يحيى بن أبي كثير عن عكرمة مع كون عبد الله بن رافع ليس من شرط البخاري فأخرجه أصحاب السنن وابن خزيمة والدار قطني والحاكم من طرق عن الحجاج الصواف عن يحيى عن عكرمة عن الحجاج به‏.‏
وقال في آخر ‏"‏ قال عكرمة فسألت أبا هريرة وابن عباس فقالا صدق‏"‏‏.‏
ووقع في رواية يحيى القطان وغيره في سياقه ‏"‏ سمعت الحجاج ‏"‏ وأخرجه أبو داود والترمذي من طريق معمر عن يحيى عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجاج قال الترمذي‏:‏ وتابع معمرا على زيادة عبد الله بن رافع معاوية بن سلام، وسمعت محمدا يعني البخاري يقول‏:‏ رواية معمر ومعاوية أصح، انتهى‏.‏
فاقتصر البخاري على ما هو من شرط كتابه، مع أن الذي حذفه ليس بعيدا من الصحة، فإنه إن كان عكرمة سمعه من الحجاج بن عمرو فذاك، وإلا فالواسطة بينهما - وهو عبد الله بن رافع - ثقة وإن كان البخاري لم يخرج له‏.‏
وبهذا الحديث احتج من قال‏:‏ لا فرق بين الإحصار بالعدو وبغيره كما تقدمت الإشارة إليه، واستدل به على أن من تحلل بالإحصار وجب عليه قضاء ما تحلل منه وهو ظاهر الحديث‏.‏
وقال الجمهور‏:‏ لا يجب، وبه قال الحنفية‏.‏
وعن أحمد روايتان‏.‏
وسيأتي البحث فيه بعد بابين إن شاء الله تعالى‏؟‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2013, 03:56 PM   #13
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْإِحْصَارِ فِي الْحَجِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإحصار في الحج‏)‏ قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ أشار البخاري إلى أن الإحصار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقع في العمرة، فقاس العلماء الحج على ذلك، وهو من الإلحاق بنفي الفارق وهو من أقوى الأقيسة‏.‏
قلت‏:‏ وهذا ينبني على أن مراد ابن عمر بقوله ‏"‏ سنة نبيكم ‏"‏ قياس من يحصل له الإحصار وهو حاج على من يحصل له في الاعتمار، لأن الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم هو الإحصار عن العمرة، ويحتمل أن يكون ابن عمر أراد بقوله سنة نبيكم وبما بينه بعد ذلك شيئا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في حق من لم يحصل له ذلك وهو حاج، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنْ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلًا فَيُهْدِي أَوْ يَصُومُ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد وقد عقب المصنف هذا الحديث بأن قال ‏"‏ وعن عبد الله أخبرنا معمر عن الزهري نحوه ‏"‏ وهو معطوف على الإسناد الأول، فكأن ابن المبارك كان يحدث به تارة عن يونس وتارة عن معمر، وليس هو بمعلق كما ادعاه بعضهم‏.‏
وقد أخرجه الترمذي عن أبي كريب عن ابن المبارك عن معمر ولفظه‏:‏ ‏"‏ أنه كان ينكر الاشتراط ويقول‏:‏ أليس حسبكم سنة نبيكم ‏"‏ وهكذا أخرجه الدار قطني من طريق الحسن بن عرفة والإسماعيلي من طريقه ومن طريق أحمد ابن منيع وغيره كلهم عن ابن المبارك، وكذا أخرجه عبد الرزاق وأحمد عنه عن معمر مقتصرا على هذا القدر، وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن عبد الرزاق بتمامه، وكذا أخرجه النسائي وأما إنكار ابن عمر الاشتراط فثابت في رواية يونس أيضا إلا أنه حذف في رواية البخاري هذه، فأخرجه البيهقي من طريق السراج عن أبي كريب عن ابن المبارك عن يونس، وأخرجه النسائي والإسماعيلي من طريق ابن وهب عن يونس، وأشار ابن عمر بإنكار الاشتراط إلى ما كان يفتي به ابن عباس‏.‏
قال البيهقي‏:‏ لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة في الاشتراط لقال به، وقد أخرجه الشافعي عن ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بضباعة بنت الزبير فقال‏:‏ أما تريدين الحج‏؟‏ فقالت‏:‏ إني شاكية‏.‏
فقال لها‏:‏ حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني ‏"‏ قال الشافعي‏:‏ لو ثبت حديث عروة لم أعده إلى غيره، لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
قال البيهقي‏:‏ قد ثبت هذا الحديث من أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ساقه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن ابن عيينة موصولا بذكر عائشة فيه وقال‏:‏ وقد وصله عبد الجبار وهو ثقة‏.‏
قال‏:‏ وقد وصله أبو أسامة ومعمر كلاهما عن هشام‏.‏
ثم ساقه من طريق أبي أسامة وقال‏:‏ أخرجه الشيخان من طريق أبي أسامة‏.‏
قلت‏:‏ وطريق أبي أسامة أخرجها البخاري في كتاب النكاح ولم يخرجها في الحج، بل حذف منه ذكر الاشتراط أصلا إثباتا كما في حديث عائشة ونفيا كما في حديث ابن عمر‏.‏
وأما رواية معمر التي أشار إليها البيهقي فأخرجها أحمد عن عبد الرزاق، ومسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن هشام والزهري فرقهما كلاهما عن عروة عن عائشة‏.‏
ولقصة ضباعة شواهد منها حديث ابن عباس ‏"‏ أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ إني امرأة ثقيلة - أي في الضعف - وإني أريد الحج، فما تأمرني‏؟‏ قال‏:‏ أهلي بالحج، واشترطي أن محلي حيث تحبسني‏.‏
قال فأدركت ‏"‏ أخرجه مسلم وأصحاب السنن والبيهقي من طرق عن ابن عباس‏.‏
قال الترمذي‏:‏ وفي الباب عن جابر وأسماء بنت أبي بكر‏.‏
قلت‏:‏ وعن ضباعة نفسها وعن سعدي بنت عوف وأسانيدها كلها قوية‏.‏
وصح القول بالاشتراط عن عمر وعثمان وعلي وعمار وابن مسعود وعائشة وأم سلمة وغيرهم من الصحابة، ولم يصح إنكاره عن أحد من الصحابة إلا عن ابن عمر، ووافقه جماعة من التابعين ومن بعدهم من الحنفية والمالكية، وحكى عياض عن الأصيلي قال‏:‏ لا يثبت في الاشتراط إسناد صحيح، قال عياض‏:‏ وقد قال النسائي لا أعلم أسنده عن الزهري غير معمر‏.‏
وتعقبه النووي بأن الذي قاله غلط فاحش، لأن الحديث مشهور صحيح من طرق متعددة، انتهى وقول النسائي لا يلزم منه تضعيف طريق الزهري التي تفرد بها معمر فضلا عن بقية الطرق لأن معمرا ثقة حافظ فلا يضره التفرد، كيف وقد وجد لما رواه شواهد كثيرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن حبس أحدكم عن الحج طاف‏)‏ قال عياض‏:‏ ضبطناه سنة بالنصب على الاختصاص أو على إضمار فعل، أي تمسكوا وشبهه‏.‏
وخبر حسبكم في قوله ‏"‏ طاف بالبيت ‏"‏ ويصح الرفع على أن سنة خبر حسبكم أو الفاعل بمعنى الفعل فيه ويكون ما بعدها تفسيرا للسنة‏.‏
وقال السهيلي‏:‏ من نصب سنة فإنه بإضمار الأمر كأنه قال‏:‏ الزموا سنة نبيكم، وقد قدمت البحث فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏طاف بالبيت‏)‏ أي إذا أمكنه ذلك‏.‏
وقد وقع في رواية عبد الرزاق ‏"‏ إن حبس أحدا منكم حابس عن البيت فإذا وصل إليه طاف به ‏"‏ الحديث‏.‏
والذي تحصل من الاشتراط في الحج والعمرة أقوال‏:‏ أحدها مشروعيته، ثم اختلف من قال به فقيل‏:‏ واجب لظاهر الأمر‏.‏
وهو قول الظاهرية‏.‏
وقيل مستحب وهو قول أحمد وغلط من حكى عنه إنكاره، وقيل جائز وهو المشهور عند الشافعية وقطع به الشيخ أبو حامد‏.‏
والحق أن الشافعي نص عليه في القديم وعلق القول بصحته في الجديد فصار الصحيح عنه القول به، وبذلك جزم الترمذي عنه، وهو أحد المواضع التي علق القول بها على صحة الحديث، وقد جمعتها في كتاب مفرد مع الكلام على تلك الأحاديث‏.‏
والذين أنكروا مشروعية الاشتراط أجابوا عن حديث ضباعة بأجوبة، منها‏:‏ أنه خاص بضباعة، حكاه الخطابي ثم الروياني من الشافعية‏.‏
قال النووي‏:‏ وهو تأويل باطل‏.‏
وقيل معناه محلي حيث حبسني الموت إذا أدركتني الوفاة انقطع إحرامي‏.‏
حكاه إمام الحرمين، وأنكره النووي‏.‏
وقال‏:‏ إنه ظاهر الفساد‏.‏
وقيل إن الشرط خاص بالتحلل من العمرة لا من الحج‏.‏
حكاه المحب الطبري‏.‏
وقصة ضباعة ترده كما تقدم من سياق مسلم‏.‏
وقد أطنب ابن حزم في التعقب على من أنكر الاشتراط بما لا مزيد عليه، وسيأتي الكلام على بقية حديث ضباعة في الاشتراط حيث ذكره المصنف في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب النَّحْرِ قَبْلَ الْحَلْقِ فِي الْحَصْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب النحر قبل الحلق في الحصر‏)‏ ذكر فيه حديث المسور ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك ‏"‏ وهذا طرف من الحديث الطويل الذي أخرجه المصنف في الشروط من الوجه المذكور هنا ولفظه في أواخر الحديث ‏"‏ فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا ‏"‏ فذكر بقية الحديث وفيه قول أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، فخرج فنحر بدنه ودعا حالقه فحلقه ‏"‏ وعرف بهذا أن المصنف أورد القدر المذكور هنا بالمعنى، وأشار بقوله في الترجمة ‏"‏ في الحصر ‏"‏ إلى أن هذا الترتيب يختص بحال من أحصر، وقد تقدم أنه لا يجب في حال الاختيار في ‏"‏ باب إذا رمى بعدما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ‏"‏ ولم يتعرض المصنف لما يجب على من حلق قبل أن ينحر، وقد روى ابن أبي شيبة من طريق الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال‏:‏ عليه دم‏.‏
قال إبراهيم‏.‏
وحدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيِّ قَالَ وَحَدَّثَ نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَسَالِمًا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمِرِينَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدْنَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ
الشرح‏:‏
أورد المصنف حديث ابن عمر الماضي قبل بباب مختصرا وفيه ‏"‏ فنحر بدنه وحلق رأسه‏"‏، وقد أورده البيهقي من طريق أبي بدر شجاع بن الوليد - وهو الذي أخرجه البخاري من طريقه بإسناده المذكور ولفظه ‏"‏ أن عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله كلما عبد الله بن عمر ليالي نزل الحجاج بابن الزبير وقالا‏:‏ لا يضرك أن لا تحج العام، إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت‏.‏
فقال‏:‏ خرجنا ‏"‏ فذكر مثل سياق البخاري وزاد في آخره ‏"‏ ثم رجع‏"‏، وكذا ساقه الإسماعيلي من طريق أبي بدر إلا أنه لم يذكر القصة التي في أوله، وساقه من طريق أخرى عن أبي بدر أيضا فقال فيها عن ابن عمر أنه قال ‏"‏ إن حيل بيني وبين البيت فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، فأهل بالعمرة ‏"‏ الحديث‏.‏
قال ابن التيمي‏:‏ ذهب مالك إلى أنه لا هدي على المحصر، والحجة عليه هذا الحديث لأنه نقل فيه حكم وسبب، فالسبب الحصر، والحكم النحر، فاقتضى الظاهر تعلق الحكم بذلك السبب، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُحْصَرِ بَدَلٌ
وَقَالَ رَوْحٌ عَنْ شِبْلٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّمَا الْبَدَلُ عَلَى مَنْ نَقَضَ حَجَّهُ بِالتَّلَذُّذِ فَأَمَّا مَنْ حَبَسَهُ عُذْرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَلَا يَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَهُوَ مُحْصَرٌ نَحَرَهُ إِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ وَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وَقَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ يَنْحَرُ هَدْيَهُ وَيَحْلِقُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ نَحَرُوا وَحَلَقُوا وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْهَدْيُ إِلَى الْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلَا يَعُودُوا لَهُ وَالْحُدَيْبِيَةُ خَارِجٌ مِنْ الْحَرَمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قال ليس على المحصر بدل‏)‏ بفتح الموحدة والمهملة، أي قضاء لما أحصر فيه من حج أو عمرة، وهذا هو قول الجمهور كما تقدم قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال روح‏)‏ يعني ابن عبادة، وهذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه في تفسيره عن روح بهذا الإسناد وهو موقوف على ابن عباس، ومراده بالتلذذ وهو بمعجمتين الجماع‏.‏
وقوله ‏"‏حبسه عذر ‏"‏ كذا للأكثر بضم المهملة وسكون المعجمة بعدها راء، ولأبي ذر ‏"‏ حبسه عدو ‏"‏ بفتح أوله وفي آخره واو‏.‏
وقوله ‏"‏أو غير ذلك ‏"‏ أي من مرض أو نفاد نفقة‏.‏
وقد ورد عن ابن عباس نحو هذا بإسناد آخر‏.‏
أخرجه ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه وفيه ‏"‏ فإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها، وإن كانت غير الفريضة فلا قضاء عليه‏"‏‏.‏
وقوله ‏"‏وإن استطاع أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ الهدي محله ‏"‏ هذه مسألة اختلاف بين الصحابة ومن بعدهم، فقال الجمهور يذبح المحصر الهدي حيث يحل سواء كان في الحل أو في الحرم‏.‏
وقال أبو حنيفة لا يذبحه إلا في الحرم، وفصل آخرون كما قاله ابن عباس هنا وهو المعتمد‏.‏
وسبب اختلافهم في ذلك هل نحر النبي صلى الله عليه وسلم الهدي بالحديبية في الحل أو في الحرم، وكان عطاء يقول لم ينحر يوم الحديبية إلا في الحرم، ووافقه ابن إسحاق‏.‏
وقال غيره من أهل المغازي‏:‏ إنما نحر في الحل‏.‏
وروى يعقوب بن سفيان من طريق مجمع بن يعقوب عن أبيه قال ‏"‏ لما حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا بالحديبية وحلقوا، وبعث الله ريحا فحملت شعورهم فألقتها في الحرم ‏"‏ قال ابن عبد البر في ‏"‏ الاستذكار ‏"‏‏:‏ فهذا يدل على أنهم حلقوا في الحل‏.‏
قلت‏:‏ ولا يخفي ما فيه، فإنه لا يلزم من كونهم ما حلقوا في الحرم لمنعهم من دخوله أن لا يكونوا أرسلوا الهدي مع من نحره في الحرم، وقد ورد ذلك في حديث ناجية بن جندب الأسلمي ‏"‏ قلت يا رسول الله أبعث معي بالهدي حتى أنحره في الحرم، ففعل ‏"‏ أخرجه النسائي من طريق إسرائيل عن مجزأة بن زاهر عن ناجية، وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن إسرائيل لكن قال ‏"‏ عن ناجية عن أبيه ‏"‏ لكن لا يلزم من وقوع هذا وجوبه، بل ظاهر القصة أن أكثرهم نحر في مكانه وكانوا في الحل وذلك دال على الجواز، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال مالك وغيره‏)‏ هو مذكور في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ ولفظه أنه بلغه ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية فنحروا الهدي وحلقوا رءوسهم وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت وقبل أن يصل إليه الهدي ‏"‏ ثم لم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا ولا أن يعودوا لشيء‏.‏
وسئل مالك عمن أحصر بعدو فقال‏:‏ يحل من كل شيء وينحر هديه ويحلق رأسه حيث حبس وليس عليه قضاء‏.‏
وأما قول البخاري وغيره فالذي يظهر لي أنه عنى به الشافعي، لأن قوله في آخره ‏"‏ والحديبية خارج الحرم ‏"‏ هو من كلام الشافعي في ‏"‏ الأم‏"‏، وعنه أن بعضها في الحل وبعضها في الحرم، لكن إنما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحل استدلالا بقوله تعالى ‏(‏وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله‏)‏ قال‏:‏ ومحل الهدي عند أهل العلم الحرم، وقد أخبر الله تعالى أنهم صدوهم عن ذلك‏.‏
قال‏:‏ فحيث ما أحصر ذبح وحل، ولا قضاء عليه من قبل أن الله تعالى لم يذكر قضاء، والذي أعقله في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت لأنا علمنا من متواطئ أحاديثهم أنه كان معه عام الحديبية رجال معروفون، ثم اعتمر عمرة القضية فتخلف بعضهم بالمدينة من غير ضرورة في نفس ولا مال، ولو لزمهم القضاء لأمرهم بأن لا يتخلفوا عنه‏.‏
وقال في موضع آخر‏:‏ إنما سميت عمرة القضاء والقضية للمقاضاة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، لا على أنهم وجب عليهم قضاء تلك العمرة، انتهى‏.‏
وقد روى الواقدي في المغازي من طريق الزهري ومن طريق أبي معشر وغيرهما قالوا ‏"‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يعتمروا فلم يتخلف منهم إلا من قتل بخيبر أو مات، وخرج معه جماعة معتمرين ممن لم يشهد الحديبية وكانت عدتهم ألفين ‏"‏ ويمكن الجمع بين هذا إن صح وبين الذي قبله بأن الأمر كان على طريق الاستحباب، لأن الشافعي جازم بأن جماعة تخلفوا بغير عذر، وقد روى الواقدي أيضا من حديث ابن عمر قال ‏"‏ لم تكن هذه العمرة قضاء، ولكن كان شرطا على قريش أن يعتمر المسلمون من قابل في الشهر الذي صدهم المشركون فيه‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ طَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ وَأَهْدَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم طاف لهما‏)‏ أي للحج والعمرة، وهذا يخالف قول الكوفيين إنه يجب لهما طوافان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورأى أن ذلك مجزئ عنه‏)‏ كذا لأبي ذر وغيره‏.‏
بالرفع على أنه خبر أن، ووقع في رواية كريمة ‏"‏ مجزيا ‏"‏ فقيل هو على لغة من ينصب بأن المبتدأ والخبر، أو هي خبر كان المحذوفة‏.‏
والذي عندي أنه من خطأ الكاتب، فإن أصحاب الموطأ اتفقوا على روايته بالرفع على الصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2013, 03:57 PM   #14
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ
فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فَأَمَّا الصَّوْمُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى ‏(‏فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ وهو مخير، فأما الصوم فثلاثة أيام‏)‏ أي باب تفسير قوله تعالى كذا، وقوله ‏"‏مخير ‏"‏ من كلام المصنف استفاده من ‏"‏ أو ‏"‏ المكررة‏.‏
وقد أشار إلى ذلك في أول ‏"‏ باب كفارات الأيمان ‏"‏ فقال‏:‏ وقد خير النبي صلى الله عليه وسلم كعبا في الفدية، ويذكر عن ابن عباس وعطاء وعكرمة‏:‏ ما كان في القرآن ‏"‏ أو ‏"‏ فصاحبه بالخيار‏.‏
وسيأتي ذكر من وصل هذه الآثار هناك، وأقرب ما وقفت عليه من طرق حديث الباب إلى التصريح ما أخرجه أبو داود من طريق الشعبي عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ‏"‏ إن شئت فانسك نسيكة، وإن شئت فصم ثلاثة أيام، وإن شئت فأطعم ‏"‏ الحديث‏.‏
وفي رواية مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن عبد الكريم بإسناده في آخر الحديث ‏"‏ أي ذلك فعلت أجزأ ‏"‏ وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
وقوله ‏"‏فأما الصوم ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ الصيام‏"‏، والصيام المطلق في الآية مقيد بما ثبت في الحديث بالثلاث‏.‏
قال ابن التين وغيره‏:‏ جعل الشارع هنا صوم يوم معادلا بصاع، وفي الفطر من رمضان عدل مد، وكذا في الظهار والجماع في رمضان، وفي كفارة اليمين بثلاثة أمداد وثلث، وفي ذلك أقوى دليل على أن القياس لا يدخل في الحدود والتقديرات‏.‏
وقسيم قوله ‏"‏ فأما الصوم ‏"‏ محذوف تقديره‏.‏
وأما الصدقة فهي إطعام ستة مساكين، وقد أفرد ذلك بترجمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْلِقْ رَأْسَكَ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ انْسُكْ بِشَاةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن حميد بن قيس‏)‏ في رواية أشهب عن مالك ‏"‏ أن حميد بن قيس حدثه‏"‏، أخرجها الدار قطني في ‏"‏ الموطآت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مجاهد عن عبد الرحمن‏)‏ صرح سيف عن مجاهد بسماعه من عبد الرحمن وبأن كعبا حدث عبد الرحمن كما في الباب الذي يليه‏.‏
قال ابن عبد البر في رواية حميد بن قيس هذه‏:‏ كذا رواه الأكثر عن مالك، ورواه ابن وهب وابن القاسم وابن عفير عن مالك بإسقاط عيد الرحمن بين مجاهد وكعب ابن عجرة‏.‏
قلت‏:‏ ولمالك فيه إسنادان آخران في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ أحدهما عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد وفي سياقه ما ليس في سياق حميد بن قيس، وقد اختلف فيه على مالك أيضا على العكس مما اختلف فيه على طريق حميد بن قيس، قال الدار قطني‏:‏ رواه أصحاب ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن مالك عن عبد الكريم عن عبد الرحمن لم يذكروا مجاهدا، حنى قال الشافعي‏:‏ إن مالكا وهم فيه، وأجاب ابن عبد البر بأن ابن القاسم وابن وهب في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ وتابعهما جماعة عن مالك خارج الموطأ منهم بشر بن عمر الزهراني وعبد الرحمن بن مهدي وإبراهيم بن طهمان والوليد بن مسلم أثبتوا مجاهدا بينهما، وهذا الجواب لا يرد على الشافعي‏.‏
وطريق ابن القاسم المشار إليها عند النسائي وطريق ابن وهب عند الطبري وطريق عبد الرحمن بن مهدي عند أحمد وسائرها عند الدار قطني في ‏"‏ الغرائب‏"‏‏.‏
والإسناد الثالث لمالك فيه عن عطاء الخراساني عن رجل من أهل الكوفة عن كعب بن عجرة، قال ابن عبد البر‏:‏ يحتمل أن يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى أو عبد الله بن معقل، ونقل ابن عبد البر عن أحمد بن صالح المصري قال‏:‏ حديث كعب بن عجرة في الفدية سنة معمول بها لم يروها من الصحابة غيره، ولا رواها عنه إلا ابن أبي ليلى وابن معقل‏.‏
قال‏:‏ وهي سنة أخذها أهل المدينة عن أهل الكوفة‏.‏
قال الزهري‏:‏ سألت عنها علماءنا كلهم حتى سعيد بن المسيب فلم يبينوا كم عدد المساكين‏.‏
قلت‏:‏ فيما أطلقه ابن صالح نظر، فقد جاءت هذه السنة من رواية جماعة من الصحابة غير كعب، منهم عبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبري والطبراني، وأبو هريرة عند سعيد بن منصور، وابن عمر عند الطبري، وفضالة الأنصاري عمن لا يتهم من قومه عند الطبري أيضا‏.‏
ورواه عن كعب ابن عجرة غير المذكورين أبو وائل عن النسائي، ومحمد بن كعب القرظي عند ابن ماجة، ويحيى بن جعدة عند أحمد، وعطاء عند الطبري‏.‏
وجاء عن أبي قلابة والشعبي أيضا عن كعب وروايتهما عند أحمد، لكن الصواب أن بينهما واسطة وهو ابن أبي ليلى على الصحيح‏.‏
وقد أورد البخاري حديث كعب هذا في أربعة أبواب متوالية، وأورده أيضا في المغازي والطب وكفارات‏.‏
الأيمان من طرق أخرى مدار الجميع على ابن أبي ليلى وابن معقل، فيقيد إطلاق أحمد بن صالح بالصحة فإن بقية الطرق التي ذكرتها لا تخلو عن مقال إلا طريق أبي وائل، وسأذكر ما في هذه الطرق من فائدة زائدة إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ لعلك‏)‏ في رواية أشهب المقدم ذكرها ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ‏"‏ وفي رواية عبد الكريم ‏"‏ أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم فآذاه القمل ‏"‏ وفي رواية سيف في الباب الذي يليه ‏"‏ وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ورأسي يتهافت قملا فقال‏:‏ أيؤذيك هوامك‏؟‏ قلت‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فاحلق رأسك - الحديث وفيه - قال في بزلت هذه الآية فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه‏)‏ زاد في رواية أبي الزبير عن مجاهد عند الطبراني أنه أهل في ذي القعدة‏.‏
وفي رواية مغيرة عن مجاهد عند الطبري أنه لقيه وهو عند الشجرة وهو محرم‏.‏
وفي رواية أيوب عن مجاهد في المغازي ‏"‏ أتى على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أوقد تحت برمة والقمل يتناثر على رأسي ‏"‏ زاد في رواية ابن عون عن مجاهد في الكفارات ‏"‏ فقال ادن، فدنوت‏.‏
فقال‏:‏ أيؤذيك‏"‏‏.‏
وفي رواية ابن بشر عن مجاهد فيه قال ‏"‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون وقد حصرنا المشركون، وكانت لي وفرة فجعلت الهوام تتساقط على وجهي، فقال‏:‏ أيؤذيك هوام رأسك‏؟‏ قلت‏.‏
نعم‏.‏
فأنزلت هذه الآية‏"‏‏.‏
وفي رواية أبي وائل عن كعب ‏"‏ أحرمت فكثر قمل رأسي فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاني وأنا أطبخ قدرا لأصحابي‏"‏‏.‏
وفي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد بعد بابين ‏"‏ رآه وأنه ليسقط القمل على وجهه، فقال‏:‏ أيؤذيك هوامك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فأمره أن يحلق ‏"‏ وهم بالحديبية ولم يبين لهم أنهم يحلون، وهم على طمع أن يدخلوا مكة، فأنزل الله الفدية‏.‏
وأخرجه الطبراني من طريق عبد الله بن كثير عن مجاهد بهذه الزيادة، ولأحمد وسعيد بن منصور في رواية أبي قلابة‏:‏ ‏"‏ قملت حتى ظننت أن كل شعرة في رأسي فيها القمل من أصلها إلى فرعها ‏"‏ زاد سعيد ‏"‏ وكنت حسن الشعر‏"‏، وأول رواية عبد الله بن معقل بعد باب ‏"‏ جلست إلى كعب بن عجرة فسألته عن الفدية فقال‏:‏ نزلت في خاصة وهي لكن عامة، حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال‏:‏ ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى‏"‏، زاد مسلم من هذا الوجه ‏"‏ فسألته عن هذه الآية ‏(‏ففدية من صيام‏)‏ الآية‏"‏‏.‏
ولأحمد من وجه آخر في هذه الطريق ‏"‏ وقع القمل في رأسي ولحيتي حتى حاجبي وشاربي، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلي فدعاني، فلما رآني قال‏:‏ لقد أصابك بلاء ونحن لا نشعر، ادع إلي الحجام، فحلقني ‏"‏ ولأبي داود من طريق الحكم بن عتيبة عن ابن أبي ليلى عن كعب ‏"‏ أصابتني هوام حتى تخوفت على بصري‏"‏‏.‏
وفي رواية أبي وائل عن كعب عند الطبري ‏"‏ فحك رأسي بأصبعه فانتثر منه القمل ‏"‏ زاد الطبري من طريق الحكم ‏"‏ إن هذا لأذى، قلت شديد يا رسول الله ‏"‏ والجمع بين هذا الاختلاف في قول ابن أبي ليلى عن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به فرآه، وفي قول عبد الله بن معقل ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليه فرآه ‏"‏ أن يقال‏:‏ مر به أو لا فرآه على تلك الصورة فاستدعى به إليه فخاطبه وحلق رأسه بحضرته، فنقل كل واحد منهما ما لم ينقله الآخر، ويوضحه قوله في رواية ابن عون السابقة حيث قال فيها ‏"‏ فقال ادن فدنوت ‏"‏ فالظاهر أن هذا الاستدناء كان عقب رؤيته إياه إذ مر به وهو يوقد تحت القدر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لعلك آذاك هوامك‏)‏ قال القرطبي هذا سؤال عن تحقيق العلة التي يترتب عليها الحكم، فلما أخبره بالمشقة التي نالته خفف عنه‏.‏
و ‏"‏ الهوام ‏"‏ بتشديد الميم جمع هامة وهي ما يدب من الأخشاش، والمراد بها ما يلازم جسد الإنسان غالبا إذا طال عهده بالتنظيف، وقد عين في كثير من الروايات أنها القمل، واستدل به على أن الفدية مرتبة على قتل القمل، وتعقب بذكر الحلق، فالظاهر أن الفدية مرتبة عليه، وهما وجهان عند الشافعية، يظهر أثر الخلاف فيما لو حلق ولم يقتل قملا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏احلق رأسا وصم‏)‏ قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم خلافا في إلحاق الإزالة بالحلق سواء كان بموسى أو مقص أو نورة أو غير ذلك، وأغرب ابن حزم فأخرج النتف عن ذلك فقال‏:‏ يلحق جميع الإزالات بالحلق إلا النتف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو أطعم‏)‏ ليس في هذه الرواية بيان قدر الإطعام، وسيأتي البحث فيه بعد باب، وهو طاهر في التخيير بين الصوم والإطعام‏.‏
وكذا قوله ‏"‏ أو انسك بشاة ‏"‏ ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ شاة ‏"‏ بغير موحدة، والأول تقديره تقرب بشاة ولذلك عداه بالباء، والثاني تقديره اذبح شاة‏.‏
والنسك يطلق على العبادة وعلى الذبح المخصوص، وسياق رواية الباب موافق للآية، وقد تقدم أن كعبا قال إنها نزلت بهذا السبب، وقد قدمت في أول الباب أن رواية عبد الكريم صريحة في التخيير حيث قال ‏"‏ أي ذلك فعلت أجزأ‏"‏‏.‏
وكذا رواية أبي داود التي فيها ‏"‏ إن شئت وإن شئت ‏"‏ ووافقتها رواية عبد الوارث عن ابن أبي نجيح أخرجها مسدد في مسنده ومن طريقه الطبراني، لكن رواية عبد الله بن معقل - الآتية بعد باب - تقتضي أن التخيير إنما هو بين الإطعام والصيام لمن لم يجد النسك ولفظه ‏"‏ قال أتجد شاة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ فصم أو أطعم ‏"‏ ولأبي داود في رواية أخرى ‏"‏ أمعك دم‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ فإن شئت فصم ‏"‏ ونحوه للطبراني من طريق عطاء عن كعب، ووافقهم أبو الزبير عن مجاهد عند الطبراني وزاد بعد قوله ما أجد هديا ‏"‏ قال‏:‏ فأطعم‏.‏
قال‏:‏ ما أجد‏.‏
قال‏:‏ صم ‏"‏ ولهذا قال أبو عوانة في صحيحه‏:‏ فيه دليل على أن من وجد نسكا لا يصوم، يعني ولا يطعم، لكن لا أعرف من قال بذلك من العلماء إلا ما رواه الطبري وغيره عن سعيد ابن جبير قال‏:‏ النسك شاة، فإن لم يجد قومت الشاة دراهم والدراهم طعاما فتصدق به أو صام لكل نصف صاع يوما، أخرجه من طريق الأعمش عنه قال‏:‏ فذكرته لإبراهيم فقال‏:‏ سمعت علقمة مثله‏.‏
فحينئذ يحتاج إلى الجمع بين الروايتين، وقد جمع بينهما بأوجه‏.‏
منها‏:‏ ما قال ابن عبد البر إن فيه الإشارة إلى ترجيح الترتيب لا لإيجابه‏.‏
ومنها‏:‏ ما قال النووي‏:‏ ليس المراد أن الصيام أو الإطعام لا يجزئ إلا لفاقد الهدي، بل المراد أنه استخبره‏:‏ هل معه هدي أو لا‏؟‏ فإن كان واجده أعلمه أنه مخير بينه وبين الصيام والإطعام، وإن لم يجده أعلمه أنه مخير بينهما‏.‏
ومحصله أنه لا يلزم من سؤاله عن وجدان الذبح تعيينه لاحتمال أنه لو أعلمه أنه يجده لأخبره بالتخيير بينه وبين الإطعام والصوم‏.‏
ومنها ما قال غيرهما‏:‏ يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن له في حلق رأسه بسبب الأذى أفتاه بأن يكفر بالذبح على سبيل الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم أو بوحي غير متلو، فلما أعلمه أنه لا يجد نزلت الآية بالتخيير بين الذبح والإطعام والصيام فخيره حينئذ بين الصيام والإطعام لعلمه بأنه لا ذبح معه، فصام لكونه لم يكن معه ما يطعمه‏.‏
ويوضح ذلك رواية مسلم في حديث عبد الله بن معقل المذكور حيث قال ‏"‏ أتجد شاة‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏
فنزلت هذه الآية ‏(‏ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ فقال‏:‏ صم ثلاثة أيام أو أطعم‏"‏‏.‏
وفي رواية عطاء الخراساني قال ‏"‏ صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين ‏"‏ قال ‏"‏ وكان قد علم أنه ليس عندي ما أنسك به‏"‏‏.‏
ونحوه في رواية محمد بن كعب القرظي عن كعب، وسياق الآية يشعر بتقديم الصيام على غيره، وليس ذلك لكونه أفضل في هذا المقام من غيره، بل السر فيه أن الصحابة الذين خوطبوا شفاها بذلك كان أكثرهم يقدر على الصيام أكثر مما يقدر على الذبح والإطعام‏.‏
وعرف من رواية أبي الزبير أن كعبا افتدى بالصيام‏.‏
ووقع في رواية ابن إسحاق ما يشعر بأنه افتدى بالذبح لأن لفظه ‏"‏ صم أو أطعم أو انسك شاة‏.‏
قال‏:‏ فحلقت رأسي ونسكت‏"‏‏.‏
وروى الطبراني من طريق ضعيفة عن عطاء بن كعب في آخر هذا الحديث ‏"‏ فقلت يا رسول الله خر لي، قال‏:‏ أطعم ستة مساكين ‏"‏ وسيأتي البحث فيه في الباب الأخير وفيه بقية مباحث هذا الحديث إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صَدَقَةٍ وَهِيَ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب قول الله عز وجل أو صدقة وهي إطعام ستة مساكين‏)‏ يشير بهذا إلى أن الصدقة في الآية مبهمة فسرتها السنة، وبهذا قال جمهور العلماء‏.‏
وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن الحسن قال‏.‏
الصوم عشرة أيام، والصدقة على عشرة مساكين‏.‏
وروى الطبري عن عكرمة ونافع نحوه‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ لم يقل بذلك أحد من فقهاء الأمصار‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ وَقَفَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلًا فَقَالَ يُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاحْلِقْ رَأْسَكَ أَوْ قَالَ احْلِقْ قَالَ فِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ إِلَى آخِرِهَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ أَوْ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سيف‏)‏ هو ابن سليمان أو ابن أبي سليمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يتهافت‏)‏ بالفاء، أي يتساقط شيئا فشيئا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاحلق رأسك أو احلق‏)‏ بحذف المفعول، وهو شك من الراوي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بفرق‏)‏ بفتح الفاء والراء وقد تسكن، قاله ابن فارس‏.‏
وقال الأزهري‏:‏ كلام العرب بالفتح، والمحدثون قد يسكنونه، وآخره قاف‏:‏ مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلا‏.‏
ووقع في رواية ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عند أحمد وغيره ‏"‏ الفرق ثلاثة آصع‏"‏، ولمسلم من طريق أبي قلابة عن ابن أبي ليلى ‏"‏ أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين ‏"‏ وإذا ثبت أن الفرق ثلاثة آصع اقتضى أن الصاع خمسة أرطال وثلث خلافا لمن قال إن الصاع ثمانية أرطال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو نسك مما تيسر‏)‏ كذا لأبي ذر والأكثر‏.‏
وفي رواية كريمة ‏"‏ أو أنسك بما تيسر ‏"‏ بصيغة الأمر وبالموحدة وهي المناسبة لما قبلها، وتقدير الأول أو أنسك بنسك، والمراد به الذبح‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْإِطْعَامُ فِي الْفِدْيَةِ نِصْفُ صَاعٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإطعام في الفدية نصف صاع‏)‏ أي لكل مسكين من كل شيء، يشير بذلك إلى الرد على من فرق في ذلك بين القمح وغيره‏.‏
قال ابن عبد البر قال أبو حنيفة والكوفيون‏:‏ نصف صاع من قمح وصاع من تمر وغيره‏.‏
وعن أحمد رواية تضاهي قولهم‏.‏
قال عياض‏:‏ وهذا الحديث يرد عليهم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْفِدْيَةِ فَقَالَ نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ مَا كُنْتُ أُرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى أَوْ مَا كُنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى تَجِدُ شَاةً فَقُلْتُ لَا فَقَالَ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن الأصبهاني‏)‏ هو ابن عبد الله، مر في الجنائز وأنه كوفي ثقة‏.‏
ولشعبة في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه الطبراني من طريق حفص بن عمر عنه عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن كعب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن معقل‏)‏ في رواية أحمد ‏"‏ سمعت عبد الله بن معقل ‏"‏ أخرجه عن عفان‏.‏
وعن بهز فرقهما عن شعبة حدثنا عبد الرحمن، وهو بفتح الميم وسكون المهملة وكسر القاف هو ابن مقرن بالقاف وزن محمد لكن بكسر الراء، لأبيه صحبة وهو من ثقات التابعين بالكوفة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر عن عدي بن حاتم، مات سنة ثمان وثمانين من الهجرة، يلتبس بعبد الله بن مغفل بالغين المعجمة وزن محمد ويجتمعان في أن كلا منهما مزني، لكن يفترقان بأن الراوي عن كعب تابعي والآخر صحابي، وفي التابعين من اتفق مع الراوي عن كعب في اسمه واسم أبيه ثلاثة‏:‏ أحدهم يروي عن عائشة وهو محاربي، والآخر يروي عن أنس في المسح على العمامة وحديثه عند أبي داود، والثالث أصغر منهما أخرج له ابن ماجة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جلست إلى كعب بن عجرة‏)‏ زاد مسلم في روايته من طريق غندر عن شعبة وهو في المسجد، ولأحمد عن بهز ‏"‏ قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد ‏"‏ وزاد في رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني ‏"‏ يعني مسجد الكوفة‏"‏‏.‏
وفيه الجلوس في المسجد ومذاكرة العلم والاعتناء بسبب النزول لما يترتب عليه من معرفة الحكم وتفسير القرآن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى‏)‏ في رواية المستملي والحموي ‏"‏ يبلغ بك ‏"‏ وأرى الأولى بضم الهمزة أي أظن، وأرى الثانية بفتح الهمزة من الرؤية، وكذا في قوله ‏"‏ أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ‏"‏ وهو شك من الراوي هل قال الوجع أو الجهد، والجهد‏:‏ بالفتح المشقة، قال النووي والضم لغة في المشقة أيضا، وكذا حكاه عياض عن ابن دريد‏.‏
وقال صاحب العين‏:‏ بالضم الطاقة وبالفتح المشقة، قيتعين الفتح هنا بخلاف لفظ الجهد الماضي في حديث بدء الوحي حيث قال ‏"‏ حتى بلغ مني الجهد ‏"‏ فإنه محتمل للمعنيين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت لا‏)‏ زاد مسلم وأحمد ‏"‏ فنزلت هذه الآية ‏(‏ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ قال‏:‏ صوم ثلاث أيام ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لكل مسكين نصف صاع‏)‏ كررها مرتين وللطبراني عن أحمد بن محمد الخزاعي عن أبي الوليد شيخ البخاري فيه ‏"‏ لكل مسكين نصف صاع تمر ‏"‏ ولأحمد عن بهز عن شعبة ‏"‏ نصف صاع طعام ‏"‏ ولبشر بن عمر عن شعبة ‏"‏ نصف صاع حنطة ‏"‏ ورواية الحكم عن ابن أبي ليلى تقتضي أنه نصف صاع من زبيب فإنه قال ‏"‏ يطعم فرقا من زبيب بين ستة مساكين‏"‏‏.‏
قال ابن حزم‏:‏ لا بد من ترجيح إحدى هذه الروايات لأنها قصة واحدة في مقام واحد في حق رجل واحد‏.‏
قلت‏:‏ المحفوظ عن شعبة أنه قال في الحديث ‏"‏ نصف صاع من طعام ‏"‏ والاختلاف عليه في كونه تمرا أو حنطة لعله من تصرف الرواة، وأما الزبيب فلم أره إلا في رواية الحكم، وقد أخرجها أبو داود وفي إسنادها ابن إسحاق، وهو حجة في المغازي لا في الأحكام إذا خالف، والمحفوظ رواية التمر فقد وقع الجزم بها عند مسلم من طريق أبي قلابة كما تقدم ولم يختلف فيه على أبي قلابة‏.‏
وكذا أخرجه الطبري من طريق الشعبي عن كعب، وأحمد من طريق سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني، ومن طريق أشعث وداود الشعبي عن كعب، وكذا في حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني، وعرف بذلك قوة قول من قال لا فرق في ذلك بين التمر والحنطة وأن الواجب ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع، ولمسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح وغيره عن مجاهد في هذا الحديث ‏"‏ وأطعم فرقا بين ستة مساكين ‏"‏ والفرق ثلاثة آصع‏.‏
وأخرجه الطبري من طريق يحيى بن آدم عن ابن عيينة فقال فيه ‏"‏ قال سفيان‏:‏ والفرق ثلاثة آصع ‏"‏ فأشعر بأن تفسير الفرق مدرج، لكنه مقتضى الروايات الأخر، ففي رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني عند أحمد ‏"‏ لكل مسكين نصف صاع‏"‏‏.‏
وفي رواية يحيى بن جعدة عند أحمد أيضا ‏"‏ أو أطعم ستة مساكين مدين مدين‏"‏‏.‏
وأما ما وقع في بعض النسخ عند مسلم من رواية زكريا عن ابن الأصبهاني ‏"‏ أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين صاع ‏"‏ فهو تحريف ممن دون مسلم، والصواب ما في النسخ الصحيحة ‏"‏ لكل مسكينين ‏"‏ بالتثنية، وكذا أخرجه مسدد في مسنده عن أبي عوانة عن ابن الأصبهاني على الصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2013, 03:58 PM   #15
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب النُّسْكُ شَاةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب النسك شاة‏)‏ أي النسك المذكور في الآية حيث قال ‏(‏أو نسك‏)‏ وروى الطبري من طريق مغيرة عن مجاهد في آخر هذا الحديث ‏"‏ فأنزل الله ‏(‏ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏)‏ والنسك شاة ‏"‏ ومن طريق محمد بن كعب القرظي عن كعب ‏"‏ أمرني أن أحلق وأفتدي بشاة‏"‏‏.‏
قال عياض ومن تبعه لأبي عمر‏:‏ كل من ذكر النسك في هذا الحديث مفسرا فإنما ذكروا شاة، وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء‏.‏
قلت‏:‏ يعكر عليه ما أخرجه أبو داود من طريق نافع عن رجل من الأنصار عن كعب بن عجرة أنه أصابه أذى فحلق ‏"‏ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدي بقرة ‏"‏ وللطبراني من طريق عبد الوهاب بن بخت عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ حلق كعب بن عجرة رأسه، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتدي، فافتدى ببقرة ‏"‏ ولعبد بن حميد من طريق أبي معشر عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ افتدى كعب من أذى كان برأسه فحلقه ببقرة قلدها وأشعرها ‏"‏ ولسعيد بن منصور من طريق ابن أبي ليلى عن نافع عن سليمان بن يسار ‏"‏ قيل لابن كعب بن عجرة‏:‏ ما صنع أبوك حين أصابه الأذى في رأسه‏؟‏ قال‏:‏ ذبح بقرة، فهذه الطرق كلها تدور على نافع، وقد اختلف عليه في الواسطة الذي بينه وبين كعب وقد عارضها ما هو أصح منها من أن الذي أمر به كعب وفعله في النسك إنما هو شاة‏.‏
وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق المقبري عن أبي هريرة ‏"‏ أن كعب بن عجرة ذبح شاة لأذى كان أصابه ‏"‏ وهذا أصوب من الذي قبله، واعتمد ابن بطال على رواية نافع بن سليمان بن يسار فقال‏:‏ أخذ كعب بأرفع الكفارات، ولم يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمره به من ذبح شاة، بل وافق وزاد‏.‏
ففيه أن من أفتى بأيسر الأشياء فله أن يأخذ بأرفعها كما فعل كعب‏.‏
قلت‏:‏ هو فرع ثبوت الحديث، ولم يثبت لما قدمته‏.‏
والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ أَوْ يُهْدِيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ مِثْلَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه كما جزم به أبو نعيم، وروح هو ابن عبادة، وشبل هو ابن عباد المكي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رآه وأنه يسقط‏)‏ كذا للأكثر، ولابن السكن وأبي ذر ليسقط بزيادة لام والفاعل محذوف والمراد القمل وثبت كذلك في بعض الروايات‏.‏
ورواه ابن خزيمة عن محمد بن معمر عن روح بلفظ‏:‏ ‏"‏ رآه وقمله يسقط على وجهه‏"‏، وللإسماعيلي من طريق أبي حذيفة عن شبل ‏"‏ رأى قمله يتساقط على وجهه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأمره أن يحلق وهو بالحديبية، ولم يتبين لهم أنهم يحلون الخ‏)‏ هذه الزيادة ذكرها الراوي لبيان أن الحلق كان استباحة محظور بسبب الأذى لا لقصد التحلل بالحصر وهو واضح‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ يؤخذ منه أن من كان على رجاء من الوصول إلى البيت أن عليه أن يقيم حتى ييأس من الوصول فيحل‏.‏
واتفقوا على أن من يئس من الوصول وجاز له أن يحل فتمادى على إحرامه ثم أمكنه أن يصل أن عليه أن يمضي إلى البيت ليتم نسكه‏.‏
وقال المهلب وغيره ما معناه‏:‏ يستفاد من قوله ‏"‏ ولم يتبين لهم أنهم يحلون ‏"‏ أن المرأة التي تعرف أوان حيضها والمريض الذي يعرف أوان حماه بالعادة فيهما إذا أفطرا في رمضان مثلا في أول النهار ثم ينكشف الأمر بالحيض والحمى في ذلك النهار أن عليهما قضاء ذلك اليوم لأن الذي كان في علم الله أنهم يحلون بالحديبية لم يسقط عن كعب الكفارة التي وجبت عليه بالحلق قبل أن ينكشف الأمر لهم، وذلك لأنه يجوز أن يتخلف ما عرفاه بالعادة فيجب القضاء عليهما لذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأنزل الله الفدية‏)‏ قال عياض‏:‏ ظاهره أن النزول بعد الحكم‏.‏
وفي رواية عبد الله بن معقل أن النزول قبل الحكم‏.‏
قال‏.‏
فيحتمل أن يكون حكم عليه بالكفارة بوحي لا يتلى ثم نزل القرآن ببيان ذلك‏.‏
قلت‏:‏ وهو يؤيد الجمع المتقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن محمد بن يوسف‏)‏ الظاهر أنه عطف على ‏"‏ حدثنا روح ‏"‏ فيكون إسحاق قد رواه عن روح بإسناده، وعن محمد بن يوسف وهو الفريابي بإسناده، وكذا هو في تفسير إسحاق، ويحتمل أن تكون العنعنة‏.‏
للبخاري فيكون أورده عن شيخه الفريابي بالعنعنة كما يروي تارة بالتحديث وبلفظ قال وغير ذلك، وعلى هذا فيكون شبيها بالتعليق‏.‏
وقد أورده الإسماعيلي وأبو نعيم من طريق هاشم بن سعيد عن محمد بن يوسف الفريابي ولفظه مثل سياق روح في أكثره، وكذا هو في تفسير الفريابي بهذا الإسناد‏.‏
وفي حديث كعب بن عجرة من الفوائد غير ما تقدم أن السنة مبينة لمجمل الكتاب لإطلاق الفدية في القرآن وتقييدها بالسنة، وتحريم حلق الرأس على المحرم، والرخصة له في حلقها إذا آذاه القمل أو غيره من الأوجاع‏.‏
وفيه تلطف الكبير بأصحابه وعنايته بأحوالهم وتفقده لهم، وإذا رأى ببعض أتباعه ضررا سأل عنه وأرشده إلى المخرج منه‏.‏
واستنبط منه بعض المالكية إيجاب الفدية على من تعمد حلق رأسه بغير عذر، فإن إيجابها على المعذور من التنبيه بالأدنى على الأعلى، لكن لا يلزم من ذلك التسوية بين المعذور وغيره، ومن ثم قال الشافعي والجمهور‏:‏ لا يتخير العامد بل يلزمه الدم، وخالف في ذلك أكثر المالكية، واحتج لهم القرطبي بقوله في حديث كعب ‏"‏ أو اذبح نسكا ‏"‏ قال‏:‏ فهذا يدل على أنه ليس بهدي‏.‏
قال‏:‏ فعلى هذا يجوز أن يذبحها حيث شاء‏.‏
قلت‏:‏ لا دلالة فيه إذ لا يلزم تسميتها نسكا أو نسيكة أن لا تسمى هديا أو لا تعطي حكم الهدي، وقد وقع تسميتها هديا في الباب الأخير حيث قال ‏"‏ أو تهدي شاة ‏"‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ واهد هديا ‏"‏ وفي رواية للطبري ‏"‏ هل لك هدي‏؟‏ قلت‏:‏ لا أجد ‏"‏ فظهر أن ذلك من تصرف الرواة‏.‏
ويؤيده قوله في رواية مسلم ‏"‏ أو اذبح شاة ‏"‏ واستدل به على أن الفدية لا يتعين لها مكان، وبه قال أكثر التابعين‏.‏
وقال الحسن‏:‏ تتعين مكة‏.‏
وقال مجاهد‏:‏ النسك بمكة ومنى، والإطعام بمكة، والصيام حيث شاء‏.‏
وقريب منه قول الشافعي وأبي حنيفة‏:‏ الدم والإطعام لأهل الحرم، والصيام حيث شاء إذ لا منفعة فيه لأهل الحرم‏.‏
وألحق بعض أصحاب أبي حنيفة وأبو بكر بن الجهم من المالكية الإطعام بالصيام، واستدل به على أن الحج على التراخي لأن حديث كعب دل على أن نزول قوله تعالى ‏(‏وأتموا الحج والعمرة لله‏)‏ كان بالحديبية وهي في سنة ست وفيه بحث، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2013, 04:00 PM   #16
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا رَفَثَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله عز وجل‏:‏ فلا رفث‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة ‏"‏ من حج البيت فلم يرفث ‏"‏ أورده من طريق شعبة عن منصور عن أبي حازم عنه‏.‏
ثم قال ‏"‏ باب قول الله عز وجل‏:‏ ولا فسوق ولا جدال في الحج ‏"‏ وذكر الحديث بعينه لكن من طريق سفيان وهو الثوري عن منصور بهذا السند‏.‏
وليس بين السياقين اختلاف إلا في قوله في رواية شعبة ‏"‏ كما ولدته أمه ‏"‏ وفي رواية سفيان ‏"‏ كيوم ولدته أمه‏"‏‏.‏
وأبو حازم المذكور في الموضعين هو سلمان مولي عزة الأشجعية، وصرح منصور بسماعه له في رواية أبي حازم من شعبة، فانتفى بذلك تعليل من أعله بالاختلاف على منصور، لأن البيهقي أورده من طريق إبراهيم بن طهمان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي حازم زاد فيه رجلا، فإن كان إبراهيم حفظه فلعله حمله منصور عن هلال ثم لقي أبا حازم فسمعه منه فحدث به على الوجهين‏.‏
وصرح أبو حازم بسماعه له من أبي هريرة كما تقدم في أوائل الحج من طريق شعبة أيضا عن يسار عن أبي حازم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ
الشرح‏:‏
وقوله ‏"‏كما ولدته أمه ‏"‏ أي عاريا من الذنوب‏.‏
وللترمذي من طريق ابن عيينة عن منصور ‏"‏ غفر له ما تقدم من ذنبه ‏"‏ ولمسلم من رواية جرير عن منصور ‏"‏ من أتى هذا البيت ‏"‏ وهو أعم من قوله في بقية الروايات ‏"‏ من حج ‏"‏ ويجوز حمل لفظ حج على ما هو أعم من الحج والعمرة فتساوي رواية ‏"‏ من أتى ‏"‏ من حيث أن الغالب أن إتيانه إنما هو للحج أو للعمرة، وقد تقدمت بقية مباحثه في ‏"‏ باب فضل الحج المبرور ‏"‏ في أوائل كتاب الحج، وتقدم تفسير الرفث وما ذكر معه في آخر حديث ابن عباس المذكور في ‏"‏ باب قول الله تعالى ‏(‏ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام‏)‏‏"‏‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله عز وجل‏:‏ فلا رفث‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة ‏"‏ من حج البيت فلم يرفث ‏"‏ أورده من طريق شعبة عن منصور عن أبي حازم عنه‏.‏
ثم قال ‏"‏ باب قول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ ولا فسوق ولا جدال في الحج ‏"‏ وذكر الحديث بعينه لكن من طريق سفيان وهو الثوري عن منصور بهذا السند‏.‏
وليس بين السياقين اختلاف إلا في قوله في رواية شعبة ‏"‏ كما ولدته أمه ‏"‏ وفي رواية سفيان ‏"‏ كيوم ولدته أمه‏"‏‏.‏
وأبو حازم المذكور في الموضعين هو سلمان مولي عزة الأشجعية، وصرح منصور بسماعه له في رواية أبي حازم من شعبة، فانتفى بذلك تعليل من أعله بالاختلاف على منصور، لأن البيهقي أورده من طريق إبراهيم بن طهمان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي حازم زاد فيه رجلا، فإن كان إبراهيم حفظه فلعله حمله منصور عن هلال ثم لقي أبا حازم فسمعه منه فحدث به على الوجهين‏.‏
وصرح أبو حازم بسماعه له من أبي هريرة كما تقدم في أوائل الحج من طريق شعبة أيضا عن يسار عن أبي حازم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور‏)‏ هو ابن المعتمر، والحكم هو ابن عتيبة‏.‏
قوله ‏(‏وقصت‏)‏ بفتح القاف والصاد المهملة تقدم تفسيره في ‏"‏ باب كفن المحرم ‏"‏ ويأتي في ‏"‏ باب المحرم يموت بعرفة ‏"‏ بيان اختلاف في هذه اللفظة، والمراد هنا قوله ‏"‏ ولا تقربوه طينا ‏"‏ وهي بتشديد الراء، وسيأتي قريبا بلفظ ‏"‏ ولا تحنطوه ‏"‏ وهو من الحنوط بالمهملة والنون وهو الطيب الذي يصنع للميت‏.‏
وقوله ‏(‏يبعث ملبيا‏)‏ أي على هيئته التي مات عليها‏.‏
واستدل بذلك على بقاء إحرامه خلافا للمالكية والحنفية، وقد تمسكوا من هذا الحديث بلفظة اختلف في ثبوتها وهي قوله ‏"‏ ولا تخمروا وجهه ‏"‏ فقالوا‏:‏ لا يجوز للمحرم تغطية وجهه، مع أنهم لا يقولون بظاهر هذا الحديث فيمن مات محرما، وأما الجمهور فأخذوا بظاهر الحديث وقالوا‏:‏ إن في ثبوت ذكر الوجه مقالا، وتردد ابن المنذر في صحة‏.‏
وقال البيهقي‏:‏ ذكر الوجه غريب وهو وهم من بعض رواته، وفي كل ذلك نظر فإن الحديث ظاهره الصحة ولفظه عند مسلم من طريق إسرائيل عن منصور وأبي الزبير كلاهما سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكر الحديث‏.‏
قال منصور ‏"‏ ولا تغطوا وجهه ‏"‏ وقال أبو الزبير ‏"‏ ولا تكشفوا وجهه ‏"‏ وأخرجه النسائي من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير بلفظ ‏"‏ ولا تخمروا وجهه ولا رأسه ‏"‏ وأخرجه مسلم أيضا من حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير بلفظ ‏"‏ ولا يمس طيبا خارج رأسه ‏"‏ قال شعبة‏:‏ ثم حدثني به بعد ذلك فقال ‏"‏ خارج رأسه ووجهه ‏"‏ انتهى‏.‏
وهذه الرواية تتعلق بالتطيب لا بالكشف والتغطية، وشعبة احفظ من كل من روى هذا الحديث، فلعل بعض رواته انتقل ذهنه من التطيب إلى التغطية‏.‏
وقال أهل الظاهر‏:‏ يجوز للمحرم الحي تغطية وجهه ولا يجوز للمحرم الذي يموت عملا بالظاهر في الموضعين‏.‏
وقال آخرون‏:‏ هي واقعة عين لا عموم فيها لأنه علل ذلك بقوله ‏"‏ لأنه يبعث يوم القيامة ملبيا ‏"‏ وهذا الأمر لا يتحقق وجوده في غيره فيكون خاصا بدلك الرجل؛ ولو استمر بقاؤه على إحرامه لأمر بقضاء مناسكه، وسيأتي ترجمة المصنف بنفي‏.‏
وقال أبو الحسن بن القصار‏:‏ لو أريد تعميم الحكم في كل محرم لقال ‏"‏ فإن المحرم ‏"‏ كما جاء ‏"‏ أن الشهيد يبعث وجرحه يثعب دما‏"‏، وأجيب بأن الحديث ظاهر في أن العلة في الأمر المذكور كونه كان في النسك وهي عامة في كل محرم، والأصل أن كل ما ثبت لواحد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت لغيره حتى يتضح التخصيص‏.‏
واختلف في الصائم بموت هل يبطل صومه بالموت حتى يجب قضاء صوم ذلك اليوم عنه أو لا يبطل‏؟‏ وقال النووي‏:‏ يتأول هذا الحديث على أن النهي عن تغطية وجهه ليس لكون المحرم لا يجوز تغطية وجهه بل هو صيانة للرأس، فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطي رأسه ا ه‏.‏
وروى سعيد بن منصور من طريق عطاء قال‏:‏ يغطي المحرم من وجهه ما دون الحاجبين أي من أعلى‏.‏
وفي رواية‏:‏ ما دون عينيه‏.‏
وكأنه أراد مزيد الاحتياط لكشف الرأس، والله أعلم‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ كان وقوع المحرم المذكور عند الصخرات من عرفة‏.‏
وفي الحديث إطلاق الواقف على الراكب، واستحباب دوام التلبية في الإحرام، وأنها لا تنقطع بالتوجه لعرفة، وجواز غسل المحرم بالسدر ونحوه مما لا يعد طيبا‏.‏
وحكى المزني عن الشافعي أنه استدل على جواز قطع سدر الحرم بهذا الحديث لقوله فيه ‏"‏ واغسلوه بماء وسدر ‏"‏ والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم أقف في شيء من طرق هذا الحديث على تسمية المحرم المذكور، وقد وهم بعض المتأخرين فزعم أن اسمه واقد بن عبد الله وعزاه لابن قتيبة في ترجمة عمر من كتاب المغازي، وسبب الوهم أن ابن قتيبة لما ذكر ترجمة عمر ذكر أولاده ومنهم عبد الله بن عمر، ثم ذكر أولاد عبد الله بن عمر فذكر فيهم واقد بن عبد الله بن عمر فقال‏:‏ وقع عن بعيره وهو محرم فهلك، فظن هذا المتأخر أن لواقد بن عبد الله ابن عمر صحبة وأنه صاحب القصة التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كما ظن فإن واقدا المذكور لا صحبة له فإن أمه صفية بنت أبي عبيد إنما تزوجها أبوه في خلافة أبيه عمر واختلف في صحبتها، وذكرها العجلي وغيره في التابعين، ووجدت في الصحابة واقد بن عبد الله آخر لكن لم أر في شيء من الأخبار أنه وقع عن بعيره فهلك، بل ذكر غير واحد منهم ابن سعد أنه مات في خلافة عمر، فبطل تفسير المبهم بأنه واقد بن عبد الله من كل وجه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب جَزَاءِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءُ مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَإِذَا صَادَ الْحَلَالُ فَأَهْدَى لِلْمُحْرِمِ الصَّيْدَ أَكَلَهُ وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ بِالذَّبْحِ بَأْسًا وَهُوَ غَيْرُ الصَّيْدِ نَحْوُ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالدَّجَاجِ وَالْخَيْلِ يُقَالُ عَدْلُ ذَلِكَ مِثْلُ فَإِذَا كُسِرَتْ عِدْلٌ فَهُوَ زِنَةُ ذَلِكَ قِيَامًا قِوَامًا يَعْدِلُونَ يَجْعَلُونَ عَدْلًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب جزاء الصيد ونحوه وقول الله تعالى لا تقتلوا الصيد‏)‏ كذا في رواية أبي ذر وأثبت قبل ذلك البسملة، ولغيره ‏"‏ باب قول الله تعالى الخ ‏"‏ بحذف ما قبله‏.‏
قيل السبب في نزول هذه الآية أن أبا اليسر - بفتح التحتانية والمهملة - قتل حمار وحش وهو محرم في عمرة الحديبية فنزلت، حكاه مقاتل في تفسيره‏.‏
ولم يذكر المصنف في رواية أبي ذر في هذه الترجمة حديثا، ولعله أشار إلى أنه لم يثبت على شرطه في جزاء الصيد حديث مرفوع‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ اتفق أئمة الفتوى من أهل الحجاز والعراق وغيرهم على أن المحرم إذا قتل الصيد عمدا أو خطأ فعليه الجزاء، وخالف أهل الظاهر وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية في الخطأ، وتمسكوا بقوله تعالى ‏(‏متعمدا‏)‏ فإن مفهومه أن المخطئ بخلافه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد‏.‏
وعكس الحسن ومجاهد فقالا يجب الجزاء في الخطأ دون العمد فيختص الجزاء بالخطأ والنقمة بالعمد، وعنهما يجب الجزاء على العامد أول مرة، فإن عاد كان أعظم لائمة وعليه النقمة لا الجزاء‏.‏
قال الموفق في ‏"‏ المغني ‏"‏‏:‏ لا نعلم أحدا خالف في وجوب الجزاء على العامد غيرهما‏.‏
واختلفوا في الكفارة فقال الأكثر‏:‏ هو مخير كما هو ظاهر الآية‏.‏
وقال الثوري‏:‏ يقدم المثل فإن لم يجد أطعم فإن لم يجد صام‏.‏
وقال سعيد بن جبير‏:‏ إنما الطعام والصيام فيما لا يبلغ ثمن الصيد واتفق الأكثر على تحريم أكل ما صاده المحرم‏.‏
وقال الحسن والثوري وأبو ثور وطائفة‏:‏ يجوز أكله، وهو كذبيحة السارق، وهو وجه للشافعية‏.‏
وقال الأكثر أيضا‏:‏ إن الحكم في ذلك ما حكم به السلف لا يتجاوز ذلك، وما لم يحكموا فيه يستأنف فيه الحكم، وما اختلفوا فيه يجتهد فيه‏.‏
وقال الثوري‏:‏ الاختيار في ذلك للحكمين في كل زمن‏.‏
وقال مالك‏:‏ يستأنف الحكم، والخيار إلى المحكوم عليه، وله أن يقول للحكمين لا تحكما على إلا بالإطعام‏.‏
وقال الأكثر الواجب في الجزاء نظير الصيد من النعم‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ الواجب القيمة ويجوز صرفها في المثل‏.‏
وقال الأكثر‏:‏ في الكبير كبير وفي الصغير صغير، وفي الصحيح صحيح وفي الكسير كسير‏.‏
وخالف مالك فقال‏:‏ في الكبير والصغير كبير وفي الصحيح والمعيب صحيح‏.‏
واتفقوا على أن المراد بالصيد ما يجوز أكله للحلال من الحيوان الوحشي وأن لا شيء فيما يجوز قتله، واختلفوا في المتولد، فألحقه الأكثر بالمأكول، ومسائل هذا الباب وفروعه كثيرة جدا فلنقتصر على هذا القدر هنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم ير ابن عباس وأنس بالذبح بأسا، وهو في غير الصيد نحو الإبل والغنم والبقر والدجاج والخيل‏)‏ المراد بالذبح ما يذبحه المحرم، والأمر ظاهره العموم، لكن المصنف خصصه بما ذكر تفقها، فإن الصحيح أن حكم ما ذبحه المحرم من الصيد حكم الميتة، وقيل يصح مع الحرمة حتى يجوز لغير المحرم أكله، وبه قال الحسن البصري‏.‏
وأثر ابن عباس وصله عبد الرزاق من طريق عكرمة أن ابن عباس أمره أن يذبح جزورا وهو محرم، وأما أثر أنس فوصله ابن أبي شيبة من طريق الصباح البجلي ‏"‏ سألت أنس ابن مالك عن المحرم يذبح‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏"‏‏.‏
وقوله ‏"‏وهو ‏"‏ أي المذبوح الخ من كلام المصنف قاله تفقها، وهو متفق عليه فيما عدا الخيل فإنه مخصوص بمن يبيح أكلها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقال عدل مثل، فإذا كسرت عدل فهو زنة ذلك‏)‏ أما تفسير العدل بالفتح بالمثل والكسر بالزنة فهو قول أبي عبيدة في ‏"‏ المجاز ‏"‏ وغيره‏.‏
وقال الطبري العدل في كلام العرب بالفتح هو قدر الشيء من غير جنسه، والعدل بالكسر قدره من جنسه‏.‏
قال‏:‏ وذهب بعض أهل العلم بكلام العرب إلى أن العدل مصدر من قول القائل‏:‏ عدلت هذا بهذا‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ العدل هو القسط في الحق، والعدل بالكسر المثل‏.‏
انتهى‏.‏
وقد تقدم شيء من هذا في الزكاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قياما‏:‏ قواما‏)‏ ، هو قول أبي عبيدة أيضا‏.‏
وقال الطبري‏:‏ أصله الواو فحولت عين الفعل ياء كما قالوا في الصوم صمت صياما وأصله صواما‏.‏
قال الشاعر‏:‏ قيام دنيا وقوام دين‏.‏
فرده إلى أصله‏.‏
قال الطبري‏:‏ فالمعنى جعل الله الكعبة بمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر اتباعه، يقال فلان قيام البيت وقوامه الذي يقيم شأنهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يعدلون‏:‏ يجعلون له عدلا‏)‏ هو متفق عليه بين أهل التفسير، ومناسبة إيراده هنا ذكر لفظ العدل في قوله ‏"‏ أو عدل ذلك صياما‏"‏؛ وفي قوله ‏"‏ يعدلون ‏"‏ فأشار إلى أنهما من مادة واحدة، وقوله ‏"‏يجعلون له عدلا ‏"‏ أي مثلا، تعالى الله عن قولهم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ انْطَلَقَ أَبِي عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ يُحْرِمْ وَحُدِّثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَدُوًّا يَغْزُوهُ فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِهِ تَضَحَّكَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ وَاسْتَعَنْتُ بِهِمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ فَطَلَبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ شَأْوًا فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قُلْتُ أَيْنَ تَرَكْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَرَكْتُهُ بِتَعْهَنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَهْلَكَ يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ إِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يُقْتَطَعُوا دُونَكَ فَانْتَظِرْهُمْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ حِمَارَ وَحْشٍ وَعِنْدِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ فَقَالَ لِلْقَوْمِ كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي قتادة‏)‏ في رواية معاوية بن سلام عن يحيى عند مسلم أخبرني عبد الله ابن أبي قتادة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏انطلق أبي عام الحديبية‏)‏ هكذا ساقه مرسلا، وكذا أخرجه مسلم من طريق معاذ بن هشام عن أبيه، وأخرجه أحمد عن ابن علية عن هشام، لكن أخرجه أبو داود الطيالسي عن هشام عن يحيى فقال ‏"‏ عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه انطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
وفي رواية علي بن المبارك عن يحيى المذكورة في الباب الذي يليه أن أباه حدثه، وقوله ‏"‏بالحديبية ‏"‏ أصح من رواية الواقدي من وجه آخر عن عبد الله بن أبي قتادة أن ذلك كان في عمرة القضية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأحرم أصحابه ولم يحرم‏)‏ الضمير لأبي قتادة بينه مسلم ‏"‏ أحرم أصحابي ولم أحرم ‏"‏ وفي رواية علي بن المبارك ‏"‏ وأنبئنا بعدو بغيقة فتوجهنا نحوهم ‏"‏ وفي هذا السياق حذف بينته رواية عثمان بن موهب عن عبد الله بن أبي قتادة وهي بعد بابين بلفظ ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجا فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة فقال‏:‏ خذوا ساحل البحر حتى نلتقي، فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا أحرموا كلهم إلا أبا قتادة ‏"‏ وسيأتي الجمع هناك بين قوله في هذه الرواية ‏"‏ خرج حاجا ‏"‏ وبين قوله في حديث الباب ‏"‏ عام الحديبية ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏
وبين المطلب عن أبي قتادة عند سعيد بن منصور مكان صرفهم ولفظه ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغنا الروحاء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحدث‏)‏ بضم أوله على البناء للمجهول، وقوله ‏"‏بغيقة ‏"‏ أي في غيقة وهو بفتح الغين المعجمة بعدها ياء ساكنة ثم قاف مفتوحة ثم هاء‏.‏
قال السكوني‏:‏ هو ماء لبني غفار بين مكة والمدينة‏.‏
وقال يعقوب‏:‏ هو قليب لبني ثعلبة يصب فيه ماء رضوى ويصب هو في البحر‏.‏
وحاصل القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج في عمرة الحديبية فبلغ الروحاء - وهي من ذي الحليفة على أربعة وثلاثين ميلا - أخبروه بأن عدوا من المشركين بوادي غيقة يخشى منهم أن يقصدوا غرته، فجهز طائفة من أصحابه فيهم أبو قتادة إلى جهتهم ليأمن شرهم، فلما أمنوا ذلك لحق أبو قتادة وأصحابه بالنبي صلى الله عليه وسلم فأحرموا، إلا هو فاستمر هو حلالا لأنه إما لم يجاوز الميقات وإما لم يقصد العمرة، وبهذا يرتفع الإشكال الذي ذكره أبو بكر الأثرم قال‏:‏ كنت أسمع أصحابنا يتعجبون من هذا الحديث ويقولون‏:‏ كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز الميقات وهو غير محرم‏؟‏ ولا يدرون ما وجهه‏.‏
قال‏:‏ حتى وجدته في رواية من حديث أبي سعيد فيها ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحرمنا، فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في وجه ‏"‏ الحديث‏.‏
قال‏:‏ فإذا أبو قتادة إنما جاز له ذلك لأنه لم يخرج يريد مكة‏.‏
قلت‏:‏ وهذه الرواية التي أشار إليها تقتضي أن أبا قتادة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، وليس كذلك لما بيناه‏.‏
ثم وجدت في صحيح ابن حبان والبزار من طريق عياض بن عبد الله عن أبي سعيد قال ‏"‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة على الصدقة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم محرمون حتى نزلوا بعسفان ‏"‏ فهذا سبب آخر، ويحتمل جمعهما‏.‏
والذي يظهر أن أبا قتادة إنما أخر الإحرام لأنه لم يتحقق أنه يدخل مكة فساغ له التأخير، وقد استدل بقصة أبي قتادة على جواز دخول الحرم بغير إحرام لمن لم يرد حجا ولا عمرة، وقيل كانت هذه القصة قبل أن يؤقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت‏.‏
وأما قول عياض ومن تبعه‏:‏ إن أبا قتادة لم يكن خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة وإنما بعثه أهل المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعلمونه أن بعض العرب قصدوا الإغارة على المدينة، فهو ضعيف مخالف لما ثبت في هذه الطريق الصحيحة طريق عثمان بن موهب الآتية بعد بابين، كما أشرت إليها قبل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبينما أبي مع أصحابه يضحك بعضهم إلى بعض‏)‏ في رواية علي بن المبارك ‏"‏ فبصر أصحابي بحمار وحش فجعل بعضهم يضحك إلى بعض ‏"‏ زاد في رواية أبي حازم ‏"‏ وأحبوا لو أني أبصرته ‏"‏ هكذا في جميع الطرق والروايات، ووقع في رواية العذري في مسلم ‏"‏ فجعل بعضهم يضحك إلى ‏"‏ فشددت الياء من إلي‏.‏
قال عياض‏:‏ وهو خطأ وتصحيف، وإنما سقط عليه لفظة ‏"‏ بعض‏"‏، ثم احتج لضعفها بأنهم لو ضحكوا إليه لكانت أكبر إشارة وقد قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ هل منكم أحد أمره أو أشار إليه‏؟‏ قالوا لا‏.‏
وإذا دل المحرم الحلال على الصيد لم يأكل منه اتفاقا، وإنما اختلفوا في وجوب أجزاء‏.‏
انتهى‏.‏
وتعقبه النووي بأنه لا يمكن رد هذه الرواية لصحتها وصحة الرواية الأخرى، وليس في واحدة منهما دلالة ولا إشارة، فإن مجرد الضحك ليس فيه إشارة‏.‏
قال بعض العلماء‏:‏ وإنما ضحكوا تعجبا من عروض الصيد ثم ولا قدرة لهم عليه‏.‏
قلت‏:‏ قوله فإن مجرد الضحك ليس فيه إشارة صحيح، ولكن لا يكفي في رد دعوى القاضي، فإن قوله ‏"‏ يضحك بعضهم إلى بعض ‏"‏ هو مجرد ضحك، وقوله ‏"‏يضحك بعضهم إلى ‏"‏ فيه مزيد أمر على مجرد الضحك، والفرق بين الموضعين أنهم اشتركوا في رؤيته فاستووا في ضحك بعضهم إلى بعض، وأبو قتادة لم يكن رآه فيكون ضحك بعضهم إليه بغير سبب باعثا له على التفطن إلى رؤيته، ويؤيد ما قال القاضي ما وقع في رواية أبي النضر عن مولي أبي قتادة كما سيأتي في الصيد بلفظ إذ رأيت الناس متشوفين لشيء فذهبت أنظر فإذا هو حمار وحش، فقلت‏:‏ ما هذا‏؟‏ فقالوا‏:‏ لا ندري فقلت‏:‏ هو حمار وحش‏.‏
فقالوا‏:‏ هو ما رأيت ‏"‏ ووقع في حديث أبي سعيد عند البزار والطحاوي وابن حبان في هذه القصة ‏"‏ وجاء أبو قتادة وهو حل فنكسوا رءوسهم كراهية أن يحدوا أبصارهم له فيفطن فيراه ‏"‏ ا ه‏.‏
فكيف يظن بهم مع ذلك أنهم ضحكوا إليه‏؟‏ فتبين أن الصواب ما قال القاضي‏.‏
وفي قول الشيخ قد صحت الرواية نظر، لأن الاختلاف في إثبات هذه اللفظة وحذفها لم يقع في طريقين مختلفين، وإنما وقع في سياق إسناد واحد مما عند مسلم، فكان مع من أثبت لفظ ‏"‏ بعض ‏"‏ زيادة علم سالمة من الإشكال فهي مقدمة، وبين محمد بن جعفر في روايته عن أبي حازم عن عبد الله بن أبي قتادة كما سيأتي في الهبة أن قصة صيده للحمار كانت بعد أن اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونزلوا في بعض المنازل ولفظه ‏"‏ كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل أمامنا والقوم محرمون وأنا غير محرم ‏"‏ وبين في هذه الرواية السبب الموجب لرؤيتهم إياه دون أبي قتادة بقوله ‏"‏ فأبصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف نعلي، فلم يؤذنوني به، وأحبوا لو أني أبصرته، والتفت فأبصرته‏"‏‏.‏
ووقع في حديث أبي سعيد المذكور أن ذلك وقع وهم بعسفان وفيه نظر، والصحيح ما سيأتي بعد باب من طريق صالح بن كيسان عن أبي محمد مولي أبي قتادة عنه قال ‏"‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة، ومنا المحرم وغير محرم، فرأيت أصحابي يتراءون شيئا فنظرت فإذا حمار وحش ‏"‏ الحديث‏.‏
والقاحة بقاف ومهملة خفيفة بعد الألف، موضع قريب من السقيا كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فنظرت‏)‏ هذا فيه التفات، فإن السياق الماضي يقتضي أن يقول فنظر لقوله ‏"‏ فبينا أبي مع أصحابه ‏"‏ فالتقدير‏:‏ قال أبي فنظرت، وهذا يؤيد الرواية الموصولة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا بحمار وحش‏)‏ قد تقدم أن رؤيته له كانت متأخرة عن رؤية أصحابه، وصرح بذلك فضيل بن سليمان في روايته عن أبي حازم كما سيأتي في الجهاد ولفظه ‏"‏ فرأوا حمارا وحشيا قبل أن يراه أبو قتادة، فلما رأوه تركوه حتى رآه فركب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحملت عليه‏)‏ في رواية محمد بن جعفر ‏"‏ فقمت إلى الفرس فأسرجته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح‏.‏
فقلت لهم‏:‏ ناولوني السوط والرمح‏.‏
فقالوا‏:‏ لا والله لا نعينك عليه بشيء، فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت ‏"‏ وفي رواية فضيل بن سليمان ‏"‏ فركب فرسا له يقال له الجرادة فسألهم أن يناولوه سوطه فأبوا فتناوله‏"‏‏.‏
وفي رواية أبي النضر ‏"‏ وكنت نسيت سوطي فقلت لهم‏:‏ ناولوني سوطي، فقالوا لا نعينك عليه، فنزلت فأخذته ‏"‏ ووقع عند النسائي من طريق شعبة عن عثمان بن موهب، وعند ابن أبي شيبة عن طريق عبد العزيز بن رفيع‏.‏
وأخرج مسلم إسنادهما كلاهما عن أبي قتادة ‏"‏ فاختلس من بعضهم سوطا ‏"‏ والرواية الأولى أقوى، ويمكن أن يجمع بينهما بأنه رأى في سوط نفسه تقصيرا فأخذ سوط غيره، واحتاج إلى اختلاسه لأنه لو طلبه منه اختيارا لامتنع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فطعنته فأثبته‏)‏ بالمثلثة ثم الموحدة ثم المثناة أي جعلته ثابتا في مكانه لا حراك به وفي رواية أبي حازم ‏"‏ فشددت على الحمار فعقرته ثم جئت به وقد مات ‏"‏ وفي رواية أبي النضر ‏"‏ حتى عقرته فأتيت إليهم فقلت لهم‏:‏ قوموا فاحتملوا، فقالوا لا نمسه، فحملته حتى جئتهم به‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأكلنا من لحمه‏)‏ في رواية فضيل عن أبي حازم ‏"‏ فأكلوا فندموا ‏"‏ وفي رواية محمد بن جعفر عن أبي حازم ‏"‏ فوقعوا يأكلون منه، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم فرحنا وخبأت العضد معي‏"‏‏.‏
وفي رواية مالك عن أبي النضر ‏"‏ فأكل منه بعضهم وأبى بعضهم‏"‏‏.‏
وفي حديث أبي سعيد ‏"‏ فجعلوا يشوون منه‏"‏‏.‏
وفي رواية المطلب عن أبي قتادة عند سعيد بن منصور ‏"‏ فظللنا نأكل منه ما شئنا طبيخا وشواء ثم تزودنا منه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وخشينا أن نقتطع‏)‏ أي نصير مقطوعين عن النبي صلى الله عليه وسلم منفصلين عنه لكونه سبقهم، وكذا قوله بعد هذا ‏"‏ وخشوا أن يقتطعوا دونك ‏"‏ وبين ذلك رواية علي بن المبارك عن يحيى عند أبي عوانة بلفظ ‏"‏ وخشينا أن يقتطعنا العدو‏"‏‏.‏
وفيها عند المصنف ‏"‏ وأنهم خشوا أن يقتطعهم العدو دونك ‏"‏ وهذا يشعر بأن سبب إسراع أبي قتادة لإدراك النبي صلى الله عليه وسلم خشية على أصحابه أن ينالهم بعض أعدائهم‏.‏
وفي رواية أبي النضر الآتية في الصيد ‏"‏ فأبى بعضهم أن يأكل، فقلت أنا أستوقف لكم النبي صلى الله عليه وسلم فأدركته فحدثته الحديث ‏"‏ ففي هذا أن سبب إدراكه أن يستفتيه عن قصة أكل الحمار، ويمكن الجمع بأن يكون ذلك بسبب الأمرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أرفع‏)‏ بالتخفيف والتشديد، أي أكلفه السير، ‏"‏ وشأوا ‏"‏ بالشين المعجمة بعدها همزة ساكنة أي تارة، والمراد أنه يركضه تارة ويسير بسهولة أخرى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلقيت رجلا من بني غفار‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تركته بتعهن، وهو قائل السقيا‏)‏ السقيا بضم المهملة وإسكان القاف بعدها تحتانية مقصورة‏:‏ قرية جامعة بين مكة والمدينة، وتعهن بكسر المثناة وبفتحها بعدها عين مهملة ساكنة ثم هاء مكسورة ثم نون، ورواية الأكثر بالكسر وبه قيدها البكري في معجم البلاد، ووقع عند الكشميهني بكسر أوله وثالثه، ولغيره بفتحهما، وحكى أبو ذر الهروي أنه سمعها من العرب بذلك المكان بفتح الهاء، ومنهم من يضم التاء ويفتح العين ويكسر الهاء، قيل وهو من تغييراتهم والصواب الأول، وأغرب أبو موسى المديني فضبطه بضم أوله وثانيه وبتشديد الهاء وقال‏:‏ ومنهم من يكسر التاء، وأصحاب الحديث يسكنون العين، ووقع في رواية الإسماعيلي بدعهن بالدال المهملة بدل المثناة‏.‏
وقوله ‏"‏قائل ‏"‏ قال النووي‏:‏ روى بوجهين أصحهما وأشهرهما بهمزة بين الألف واللام من القيلولة، أي تركته في الليل وبتعهن وعزمه أن يقيل بالسقيا، فمعنى قوله وهو قائل أي سيقيل‏.‏
والوجه الثاني أنه قابل بالباء الموحدة وهو غريب وكأنه تصحيف، فإن صح فمعناه أن تعهن موضع مقابل للسقيا، فعلى الأول الضمير في قوله ‏"‏ وهو ‏"‏ للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى الثاني الضمير للموضع وهو تعهن، ولا شك أن الأول أصوب وأكثر فائدة‏.‏
وأغرب القرطبي فقال‏:‏ قوله ‏"‏ وهو قائل ‏"‏ اسم فاعل من القول أو من القائلة، والأول هو المراد هنا، والسقيا مفعول بفعل مضمر، وكأنه كان بتعهن وهو يقول لأصحابه اقصدوا السقيا‏.‏
ووقع عند الإسماعيلي من طريق ابن علية عن هشام ‏"‏ وهو قائم بالسقيا ‏"‏ فأبدل اللام في قائل ميما وزاد الباء في السقيا، قال الإسماعيلي‏:‏ الصحيح قائل باللام‏.‏
قلت‏:‏ وزيادة الباء توهي الاحتمال الأخير المذكور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت‏)‏ في السياق حذف تقديره‏:‏ فسرت فأدركته فقلت، ويوضحه رواية علي بن المبارك في الباب الذي يليه بلفظ ‏"‏ فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيته فقلت‏:‏ يا رسول الله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن أهلك يقرءون عليك السلام‏)‏ المراد بالأهل هنا الأصحاب بدليل رواية مسلم وأحمد وغيرهما من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ أن أصحابك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فانتظرهم‏)‏ بصيغة فعل الأمر من الانتظار، زاد مسلم من هذا الوجه ‏"‏ فانتظرهم ‏"‏ بصيغة الفعل الماضي منه، ومثله لأحمد عن ابن علية‏.‏
وفي رواية علي بن المبارك ‏"‏ فانتظرهم ففعل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أصبت حمار وحش وعندي منه فاضله‏)‏ كذا للأكثر بضاد معجمة أي فضلة‏.‏
قال الخطابي‏:‏ قطعة فضلت منه فهي فاضلة، أي باقية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال للقوم كلوا‏)‏ سيأتي الكلام عليه وعلى ما في الحديث من الفوائد بعد بابين‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2013, 04:01 PM   #17
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب إِذَا رَأَى الْمُحْرِمُونَ صَيْدًا فَضَحِكُوا فَفَطِنَ الْحَلَالُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا رأى المحرمون صيدا فضحكوا ففطن الحلال‏)‏ أي لا يكون ذلك منهم إشارة له إلى الصيد فيحل لهم أكل الصيد، ويجوز كسر الطاء من فطن وفتحها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ فَأُنْبِئْنَا بِعَدُوٍّ بِغَيْقَةَ فَتَوَجَّهْنَا نَحْوَهُمْ فَبَصُرَ أَصْحَابِي بِحِمَارِ وَحْشٍ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُهُ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ الْفَرَسَ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثُمَّ لَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ عَلَيْهِ شَأْوًا فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَقُلْتُ أَيْنَ تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تَرَكْتُهُ بِتَعْهَنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَصْحَابَكَ أَرْسَلُوا يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ وَبَرَكَاتِهِ وَإِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يَقْتَطِعَهُمْ الْعَدُوُّ دُونَكَ فَانْظُرْهُمْ فَفَعَلَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا اصَّدْنَا حِمَارَ وَحْشٍ وَإِنَّ عِنْدَنَا فَاضِلَةً
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى‏)‏ هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنبئنا‏)‏ بضم أوله أي أخبرنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبصر‏)‏ بفتح الموحدة وضم المهملة‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فنظر ‏"‏ بنون وظاء مشالة، وعلى هذا فدخول الباء في قوله ‏"‏ بحمار وحش ‏"‏ مشكل إلا أن يقال ضمن نظر معنى بصر، أو الباء بمعنى إلى على مذهب من يقول إنها تتناوب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنا اصدنا‏)‏ بتشديد المهملة والدال للأكثر بالإدغام وأصله اصطدنا فأبدلت الطاء مثناة ثم أدغمت، ولبعضهم بتخفيف الصاد وسكون الدال، أي أثرنا من الاصاد وهو الإثارة‏.‏
ولبعضهم ‏"‏ صدنا ‏"‏ بغير ألف‏.‏
وحدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا صالح بن كيسان عن أبي محمد عن أبي قتادة رضي الله عنه قال ‏"‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة، ومنا المحرم ومنا غير المحرم فرأيت أصحابي يتراءون شيئا، فنظرت فإذا حمار وحش - يعني وقع سوطه - فقالوا لا نعينك عليه بشيء، إنا محرمون، فتناولته فأخذته، ثم أتيت الحمار من وراء أكمة فعقرته، فأتيت به أصحابي، فقال بعضهم‏:‏ كلوا‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ لا تأكلوا‏.‏
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمامنا فسألته فقال‏:‏ كلوه حلال‏"‏‏.‏
قال لنا عمرو‏:‏ اذهبوا إلى صالح فسلوه عن هذا وغيره‏.‏
وقدم علينا ها هنا‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا يُعِينُ الْمُحْرِمُ الْحَلَالَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد‏)‏ أي بفعل ولا قول، قيل أراد بهذه الترجمة الرد على من فرق من أهل الرأي بين الإعانة التي لا يتم الصيد إلا بها فتحرم، وبين الإعانة التي يتم الصيد بدونها فلا تحرم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَاحَةِ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثٍ ح و حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَاحَةِ وَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ فَرَأَيْتُ أَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ يَعْنِي وَقَعَ سَوْطُهُ فَقَالُوا لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إِنَّا مُحْرِمُونَ فَتَنَاوَلْتُهُ فَأَخَذْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ الْحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَعَقَرْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَأْكُلُوا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَمَامَنَا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ كُلُوهُ حَلَالٌ قَالَ لَنَا عَمْرٌو اذْهَبُوا إِلَى صَالِحٍ فَسَلُوهُ عَنْ هَذَا وَغَيْرِهِ وَقَدِمَ عَلَيْنَا هَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله‏)‏ هو ابن محمد الجعفي المسندي، وسفيان هو ابن عيينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن صالح‏)‏ في رواية كريمة وغيرها ‏"‏ حدثنا صالح‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالقاحة‏)‏ بالقاف والمهملة‏:‏ واد على نحو ميل من السقيا إلى جهة المدينة، ويقال لواديها وادي العباديد‏.‏
وقد بين المصنف في الطريق الأولى أنها من المدينة على ثلاث أي ثلاث مراحل، قال عياض‏:‏ رواه الناس بالقاف إلا القابسي فضبطوه عنه بالفاء، وهو تصحيف‏.‏
قلت‏:‏ ووقع عند الجوزقي من طريق عبد الرحمن بن بشر عن سفيان ‏"‏ بالصفاح ‏"‏ بدل القاحه، والصفاح بكسر المهملة بعدها فاء وآخره مهملة وهو تصحيف فإن الصفاح موضع بالروحاء، وبين الروحاء وبين السقيا مسافة طويلة، وقد تقدم أن الروحاء هو المكان الذي ذهب أبو قتادة وأصحابه منه إلى جهة البحر ثم التقوا بالقاحة وبها وقع له الصيد المذكور، وكأنه تأخر هو ورفقته للراحة أو غيرها وتقدمهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى السقيا حتى لحقوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحدثنا علي بن عبد الله‏)‏ هو ابن المديني، هكذا حول المصنف الإسناد إلى رواية علي للتصريح فيه عن سفيان بقوله ‏"‏ حدثنا صالح بن كيسان ‏"‏ وقد اعتبرته فوجدته ساق المتن على لفظ على خاصة، وهذه عاده المصنف غالبا إذا تحول إلى إسناد ساق المتن على لفظ الثاني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي محمد‏)‏ هو نافع مولى أبي قتادة الذي روى عنه أبو النضر، وسيأتي في كتاب الصيد من طريق مالك وغيره عنه، ووقع عند مسلم عن ابن عمر عن سفيان عن صالح ‏"‏ سمعت أبا محمد مولى أبي قتادة‏"‏، وكذا وقع هنا في رواية كريمة، ولأحمد من طريق سعد بن إبراهيم ‏"‏ سمعت رجلا كان يقال له مولى أبي قتادة ولم يكن مولى ‏"‏ أي لأبي قتادة‏.‏
وفي رواية ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي سلمة أن نافعا مولى بني غفار، فتحصل من ذلك أنه لم يكن مولى لأبي قتادة حقيقة، وقد صرح بذلك ابن حبان فقال‏:‏ هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية، وكان يقال له مولى أبي قتادة نسب إليه ولم يكن مولاه‏.‏
قلت‏:‏ فيحتمل أنه نسب إليه لكونه كان زوج مولاته، أو للزومه إياه أو نحو ذلك، كما وقع لمقسم مولى ابن عباس وغيره، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يتراءون‏)‏ يتفاعلون من الرؤية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا حمار وحش يعني وقع سوطه فقالوا لا نعينك‏)‏ كذا وقع هنا والشك فيه من البخاري، فقد رواه أبو عوانة عن أبي داود الحراني عن علي بن المديني بلفظ ‏"‏ فإذا حمار وحش، فركب فرسي وأخذت الرمح والسوط، فسقط مني السوط فقلت‏:‏ ناولوني، فقالوا‏:‏ ليس نعينك عليه بشيء، إنا محرمون ‏"‏ وفي قولهم إنا محرمون دلالة على أنهم كانوا قد علموا أنه يحرم على المحرم الإعانة على قتل الصيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتناولته‏)‏ زاد أبو عوانة ‏"‏ بشيء ‏"‏ وبهذا يندفع إشكال من قال ذكر التناول بعد الأخذ تكرار، أو معناه تكلفت الأخذ فأخذته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من وراء أكمة‏)‏ بفتحات هي التل من حجر واحد، وقد تقدم ذكرها في الاستسقاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال بعضهم كلوا‏)‏ قد تقدم من عدة أوجه أنهم أكلوا، والظاهر أنهم أكلوا أول ما أتاهم به، ثم طرأ عليهم الشك كما في لفظ عثمان بن موهب في الباب الذي يليه ‏"‏ فأكلنا من لحمها ثم قلنا‏:‏ أنأكل من لحم صيد ونحن محرمون ‏"‏ وأصرح من ذلك رواية أبي حازم في الهبة بلفظ ‏"‏ ثم جئت به فوقعوا فيه يأكلون، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد ‏"‏ فجعلوا يشوون منه ثم قالوا‏:‏ رسول الله بين أظهرنا، وكان تقدمهم فلحقوه فسألوه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو أمامنا‏)‏ بفتح أوله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال كلوه حلال‏)‏ كذا وقع بحذف المبتدأ، وبين ذلك أبو عوانة فقال ‏"‏ كلوه فهو حلال ‏"‏ وفي رواية مسلم فقال ‏"‏ هو حلال فكلوه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال لنا عمرو‏)‏ أي ابن دينار، وصرح به أبو عوانة في روايته، والقائل سفيان، والغرض بذلك تأكيد ضبطه له وسماعه له من صالح وهو ابن كيسان، وقوله ‏"‏هاهنا ‏"‏ يعني مكة‏.‏
والحاصل أن صالح ابن كيسان كان مدنيا فقدم مكة فدل عمرو بن دينار أصحابه عليه ليسمعوا منه‏.‏
وقرأت بخط بعض من تكلم على هذا الحديث ما نصه‏:‏ في قول سفيان ‏"‏ قال لنا عمرو الخ ‏"‏ إشكال، فإن سفيان روى ذلك عن صالح فكيف يقول له عمرو ولمن معه اذهبوا إلى صالح‏؟‏ فيحتمل أنه قال ذلك تأكيدا في تجديد سماع سفيان ذلك منه مرة بعد أخرى، ويؤخذ منه أن سفيان حدث بذلك عن صالح في حال حياته‏.‏
انتهى‏.‏
وهو احتمال بعيد جدا‏.‏
وزعم أن عمرو بن دينار قال لهم ذلك حين قدم عليهم الكوفة‏.‏
قال‏:‏ وكأنه سمع سفيان يحدث به عن صالح فصدقه وأكده بما قال‏.‏
وقوله اذهبوا إليه أي إلى صالح بالمدينة ا ه‏.‏
وهذا أبعد من الأول، وما سمعه سفيان من صالح إلا بمكة، ولم يقدم عمرو الكوفة وإنما قال ذلك لسفيان وهما بمكة، وما حدث به سفيان لعلي إلا بعد موت صالح وعمرو بمدة طويلة، وأراد بقوله قال لنا عمرو اذهبوا الخ كيفية تحمله له من صالح وأنه بدلالة عمرو، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا يُشِيرُ الْمُحْرِمُ إِلَى الصَّيْدِ لِكَيْ يَصْطَادَهُ الْحَلَالُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال‏)‏ أشار المصنف إلى تحريم ذلك، ولم يتعرض لوجوب الجزاء في ذلك، وهي مسألة خلاف‏:‏ فاتفقوا - كما تقدم - على تحريم الإشارة إلى الصيد ليصطاد، وعلى سائر وجوه الدلالات على المحرم، لكن قيده أبو حنيفة بما إذا لم يمكن الاصطياد بدونها، واختلفوا في وجوب الجزاء على المحرم إذا دل الحلال على الصيد بإشارة أو غيرها أو أعان عليه، فقال الكوفيون وأحمد وإسحاق‏:‏ يضمن المحرم ذلك‏.‏
وقال مالك والشافعي‏:‏ لا ضمان عليه كما لو دل الحلال حلالا على قتل صيد في الحرم‏.‏
قالوا‏:‏ ولا حجة في حديث الباب، لأن السؤال عن الإعانة والإشارة إنما وقع ليبين لهم هل يحل لهم أكله أو لا‏؟‏ ولم يتعرض لذكر الجزاء‏.‏
واحتج الموفق بأنه قول علي وابن عباس ولا نعلم لهما مخالفا من الصحابة‏.‏
وأجيب بأنه اختلف فيه علي ابن عباس، وفي ثبوته عن علي نظر، ولأن القاتل انفرد بقتله باختياره مع انفصال الدال عنه فصار كمن دل محرما أو صائما على امرأة فوطئها فإنه يأثم بالدلالة ولا يلزمه كفارة ولا يفطر بذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجُوا مَعَهُ فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ حَتَّى نَلْتَقِيَ فَأَخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ فَلَمَّا انْصَرَفُوا أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إِلَّا أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الْحُمُرِ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَنَزَلُوا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا وَقَالُوا أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ الْأَتَانِ فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَحْرَمْنَا وَقَدْ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَنَزَلْنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا ثُمَّ قُلْنَا أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا قَالَ أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عثمان هو ابن موهب‏)‏ بفتح الهاء وموهب جده، وهو عثمان بن عبد الله التيمي مدني تابعي ثقة، روى هنا عن تابعي أكبر منه قليلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرج حاجا‏)‏ قال الإسماعيلي‏:‏ هذا غلط، فإن القصة كانت في عمرة، وأما الخروج إلى الحج فكان في خلق كثير وكان كلهم على الجادة لا على ساحل البحر‏.‏
ولعل الراوي أراد خرج محرما فعبر عن الإحرام بالحج غلطا‏.‏
قلت‏:‏ لا غلط في ذلك، بل هو من المجاز السائغ‏.‏
وأيضا فالحج في الأصل قصد البيت فكأنه قال خرج قاصدا للبيت، ولهذا يقال للعمرة الحج الأصغر‏.‏
ثم وجدت الحديث من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن أبي عوانة بلفظ ‏"‏ خرج حاجا أو معتمرا ‏"‏ أخرجه البيهقي، فتبين أن الشك فيه من أبي عوانة، وقد جزم يحيى بن أبي كثير بأن ذلك كان في عمرة الحديبية وهذا هو المعتمد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا أبا قتادة‏)‏ كذا للكشميهني، ولغيره ‏"‏ إلا أبو قتادة ‏"‏ بالرفع، ووقع بالنصب عند مسلم وغيره من هذا الوجه، قال ابن مالك في ‏"‏ التوضيح ‏"‏‏:‏ حق المستثني بإلا من كلام تام موجب أن ينصب مفردا كان أو مكملا معناه بما بعده، فالمفرد نحو قوله تعالى ‏(‏الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين‏)‏ والمكمل نحو ‏(‏إنا لمنجوهم أجمعين، إلا امرأته قدرنا أنها لمن الغابرين‏)‏ ولا يعرف أكثر المتأخرين من البصريين في هذا النوع إلا النصب، وقد أغفلوا وروده مرفوعا بالابتداء مع ثبوت الخبر ومع حذفه، فمن أمثلة الثابت الخبر قول أبي قتادة ‏"‏ أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم ‏"‏ فإلا بمعنى لكن، وأبو قتادة مبتدأ ولم يحرم خبره، ونظيره من كتاب الله تعالى ‏(‏ولا يلتفت منكم أحد، إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم‏)‏ فإنه لا يصح أن يجعل امرأتك بدلا من أحد لأنها لم تسر معهم فيتضمنها ضمير المخاطبين‏.‏
وتكلف بعضهم بأنه وإن لم يسر بها لكنها شعرت بالعذاب فتبعتهم ثم التفتت فهلكت‏.‏
قال‏:‏ وهذا على تقدير صحته لا يوجب دخولها في المخاطبين، ومن أمثلة المحذوف الخبر قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏كل أمتي معافى إلا المجاهرون ‏"‏ أي لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون، ومنه من كتاب الله تعالى قوله تعالى ‏(‏فشربوا منه إلا قليل منهم‏)‏ أي لكن قليل منهم لم يشربوا‏.‏
قال‏:‏ وللكوفيين في هذا الثاني مذهب آخر وهو أن يجعلوا ‏"‏ إلا ‏"‏ حرف عطف وما بعدها معطوف على ما قبلها ا ه‏.‏
وفي نسبة الكلام المذكور لابن أبي قتادة دون أبي قتادة نظر، فإن سياق الحديث ظاهر في أن قوله قول أبي قتادة حيث قال ‏"‏ إن أباه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجا فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة - إلى أن قال - أحرموا كلهم إلا أبو قتادة‏"‏‏.‏
وقول أبي قتادة ‏"‏ فيهم أبو قتادة ‏"‏ من باب التجريد، وكذا قوله ‏"‏ إلا أبو قتادة ‏"‏ ولا حاجة إلى جعله من قول ابنه لأنه يستلزم أن يكون الحديث مرسلا‏.‏
ومن توجيه الرواية المذكورة وهي قوله إلا أبو قتادة أن يكون على مذهب من يقول‏:‏ علي بن أبو طالب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا‏)‏ في هذا السياق زيادة على جميع الروايات لأنها متفقة على إفراد الحمار بالرؤية، وأفادت هذه الرواية أنه من جملة الحمر وأن المقتول كان أتانا أي أنثى، فعلى هذا في إطلاق الحمار عليها تجوز‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحملنا ما بقي من لحم الأتان‏)‏ وفي رواية أبي حازم الآتية للمصنف في الهبة ‏"‏ فرحنا وخبأت العضد معي ‏"‏ وفيه ‏"‏ معكم منه بشيء‏؟‏ فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها ‏"‏ وله في الجهاد قال ‏"‏ معنا رجله، فأخذها فأكلها ‏"‏ وفي رواية المطلب ‏"‏ قد رفعنا لك الذراع، فأكل منها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها‏؟‏ قالوا لا‏)‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء ‏"‏ وله من طريق شعبة عن عثمان ‏"‏ هل أشرتم أو أعنتم أو اصطدتم ‏"‏ ولأبي عوانة من هذا الوجه ‏"‏ أشرتم أو اصطدتم أو قتلتم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال فكلوا ما بقي من لحمها‏)‏ صيغة الأمر هنا للإباحة لا للوجوب، لأنها وقعت جوابا عن سؤالهم عن الجواز لا عن الوجوب، فوقعت الصيغة على مقتضى السؤال، ولم يذكر في هذه الرواية أنه صلى الله عليه وسلم أكل من لحمها، وذكره في روايتي أبي حازم عن عبد الله بن أبي قتادة كما تراه ولم يذكر ذلك أحد من الرواة عن عبد الله بن أبي قتادة غيره، ووافقه صالح بن حسان عند أحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة ولفظه ‏"‏ فقال كلوا وأطعموني ‏"‏ وكذا لم يذكرها أحد من الرواة عن أبي قتادة نفسه إلا المطلب عن سعيد بن منصور، ووقع لنا من رواية أبي محمد وعطاء بن يسار وأبي صالح كما سيأتي في الصيد، ومن رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عند إسحاق، ومن رواية عبادة بن تميم وسعد بن إبراهيم عند أحمد، وتفرد معمر عن يحيى بن أبي كثير بزيادة مضادة لروايتي أبي حازم كما أخرجه إسحاق وابن خزيمة والدار قطني من طريقه وقال في آخره ‏"‏ فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت‏:‏ إنما اصطدته لك ‏"‏ فأمر أصحابه فأكلوه، ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له‏.‏
قال ابن خزيمة وأبو بكر النيسابوري والدار قطني والجوزقي‏:‏ تفرد بهذه الزيادة معمر‏.‏
قال ابن خزيمة‏:‏ إن كانت هذه الزيادة محفوظة احتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أكل من لحم ذلك الحمار قبل أن يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله، فلما أعلمه امتنع ا ه‏.‏
وفيه نطر لأنه لو كان حراما ما أقر النبي صلى الله عليه وسلم على الأكل منه إلى أن أعلمه أبو قتادة بأنه صاده لأجله، ويحتمل أن يكون ذلك لبيان الجواز، فإن الذي يحرم على المحرم إنما هو الذي يعلم أنه صيد من أجله، وأما إذا أتى بلحم لا يدري ألحم صيدا أو لا فحمله على أصل الإباحة فأكل منه لم يكن ذلك حراما على الآكل‏.‏
وعندي بعد ذلك فيه وقفة، فإن الروايات المتقدمة ظاهرة في أن الذي تأخر هو العضد، وأنه صلى الله عليه وسلم أكلها حتى تعرقها أي لم يبق منها إلا العظم، ووقع عند البخاري في الهبة ‏"‏ حتى نفدها ‏"‏ أي فرغها، فأي شيء يبقى منها حينئذ حتى يأمر أصحابه بأكله‏.‏
لكن رواية أبي محمد الآتية في الصيد ‏"‏ أبقى معكم شيء منه‏؟‏ قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ كلوا، فهو طعمة أطعمكموها الله ‏"‏ فأشعر بأنه بقي منها غير العضد، والله أعلم‏.‏
وسيأتي البحث في حكم ما يصيده الحلال بالنسبة إلى المحرم في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى‏.‏
وفي حديث أبي قتادة من الفوائد أن تمنى المحرم أن يقع من الحلال الصيد ليأكل المحرم منه لا يقدح في إحرامه، وأن الحلال إذا صاد لنفسه جاز للمحرم الأكل من صيده، وهذا يقوي من حمل الصيد في قوله تعالى ‏(‏وحرم عليكم صيد البر‏)‏ على الاصطياد، وفيه الاستيهاب من الأصدقاء وقبول الهدية من الصديق‏.‏
وقال عياض‏:‏ عندي أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من أبي قتادة ذلك تطييبا لقلب من أكل منه بيانا للجواز بالقول والفعل لإزالة الشبهة التي حصلت لهم، وفيه تسمية الفرس، وألحق المصنف به الحمار فترجم له في الجهاد‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ قالوا تجوز التسمية لما لا يعقل، وإن كان لا يتفطن له ولا يجيب إذا نودي، مع أن بعض الحيوانات ربما أدمن على ذلك بحيث يصير يميز اسمه إذا دعي به‏.‏
وفيه إمساك نصيب الرفيق الغائب ممن يتعين احترامه أو ترجى بركته أو يتوقع منه ظهور حكم تلك المسألة بخصوصها‏.‏
وفيه تفريق الإمام أصحابه للمصلحة، واستعمال الطليعة في الغزو، وتبليغ السلام عن قرب وعن بعد، وليس فيه دلالة على جواز ترك رد السلام ممن بلغه لأنه يحتمل أن يكون وقع وليس في الخبر ما ينفيه‏.‏
وفيه أن عقر الصيد ذكاته، وجواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قال ابن العربي‏:‏ هو اجتهاد بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم لا في حضرته‏.‏
وفيه العمل بما أدى إليه الاجتهاد ولو تضاد المجتهدان ولا يعاب واحد منهما على ذلك لقوله ‏"‏ فلم يعب ذلك علينا ‏"‏ وكأن الآكل تمسك بأصل الإباحة، والممتنع نظر إلى الأمر الطارئ‏.‏
وفيه الرجوع إلى النص عند تعارض الأدلة، وركض الفرس في الاصطياد، والتصيد في الأماكن الوعرة، والاستعانة بالفارس، وحمل الزاد في السفر، والرفق بالأصحاب والرفقاء في السير، واستعمال الكناية في الفعل كما تستعمل في القول لأنهم استعملوا الضحك في موضع الإشارة لما اعتقدوه من أن الإشارة لا تحل‏.‏
وفيه جواز سوق الفرس للحاجة والرفق به مع ذلك لقوله ‏"‏ وأسير شأوا ‏"‏ ونزول المسافر وقت القائلة، وفيه ذكر الحكم مع الحكمة في قوله ‏"‏ إنما هي طعمة أطعمكموها الله‏"‏‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ لا يجوز للمحرم قتل الصيد إلا إن صال عليه فقتله دفعا فيجوز، ولا ضمان عليه‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا أَهْدَى لِلْمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيًّا حَيًّا لَمْ يَقْبَلْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أهدى‏)‏ أي الحلال ‏(‏للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل‏)‏ كذا قيده في الترجمة بكونه حيا، وفيه إشارة إلى أن الرواية التي تدل علي أنه كان مذبوحا موهمة، وسأبين ما في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن شهاب الخ‏)‏ لم يختلف على مالك في سياقه معنعنا وأنه من مسند الصعب إلا ما وقع في ‏"‏ موطأ ابن وهب ‏"‏ فإنه قال في روايته عن ابن عباس ‏"‏ أن الصعب بن جثامة أهدى ‏"‏ فجعله من مسند ابن عباس، نبه على ذلك الدار قطني في ‏"‏ الموطآت ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال ‏"‏ أهدى الصعب ‏"‏ والمحفوظ في حديث مالك الأول، وسيأتي للمصنف في الهبة من طريق شعيب عن الزهري قال ‏"‏ أخبرني عبيد الله أن ابن عباس أخبره أنه سمع الصعب - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - يخبر أنه أهدى ‏"‏ والصعب بفتح الصاد وسكون العين المهملتين بعدها موحدة، وأبوه جثامة بفتح الجيم وتثقيل المثلثة وهو من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وكان ابن أخت أبي سفيان بن حرب، أمه زينب بنت حرب بن أمية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخي بينه وبين عوف بن مالك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حمارا وحشيا‏)‏ لم تختلف الرواة عن مالك في ذلك، وتابعه عامة الرواة عن الزهري، وخالفهم ابن عيينة عن الزهري فقال ‏"‏ لحم حمار وحش ‏"‏ أخرجه مسلم، لكن بين الحميدي صاحب سفيان أنه كان يقول في هذا الحديث ‏"‏ حمار وحش ‏"‏ ثم صار يقول ‏"‏ لحم حمار وحش ‏"‏ فدل على اضطرابه فيه، وقد توبع على قوله ‏"‏ لحم حمار وحش ‏"‏ من أوجه فيها مقال، منها ما أخرجه الطبراني من طريق عمرو بن دينار عن الزهري لكن إسناده ضعيف‏.‏
وقال إسحاق في مسنده‏.‏
‏:‏ أخبرنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو بن علقمة عن الزهري فقال ‏"‏ لحم حمار ‏"‏ وقد خالفه خالد الواسطي عن محمد بن عمرو فقال ‏"‏ حمار وحش ‏"‏ كالأكثر، وأخرجه الطبراني من طريق ابن إسحاق عن الزهري فقال ‏"‏ رجل حمار وحش ‏"‏ وابن إسحاق حسن الحديث إلا أنه لا يحتج به إذا خولف، ويدل على وهم من قال فيه عن الزهري ذلك ابن جريج قال ‏"‏ قلت للزهري الحمار عقير‏؟‏ قال لا أدري ‏"‏ أخرجه ابن حزيمة وابن عوانة في صحيحيهما، وقد جاء عن ابن عباس من وجه آخر أن الذي أهداه الصعب لحم حمار فأخرجه مسلم من طريق الحاكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ‏"‏ أهدى الصعب إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل حمار ‏"‏ وفي رواية عنده ‏"‏ عجز حمار وحش يقطر دما ‏"‏ وأخرجه أيضا من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد قال تارة ‏"‏ حمار وحش ‏"‏ وتارة ‏"‏ شق حمار ‏"‏ ويقوى ذلك ما أخرجه مسلم أيضا من طريق طاوس عن ابن عباس قال ‏"‏ قدم زيد بن أرقم، فقال له عبد الله بن عباس يستذكره‏:‏ كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام‏؟‏ قال‏:‏ أهدى له عضو من لحم صيد فرده وقال‏:‏ إنا لا نأكله، إنا حرم‏"‏‏.‏
وأخرجه أبو داود وابن حبان من طريق عطاء عن ابن عباس أنه قال ‏"‏ يا زيد بن أرقم، هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكره‏.‏
واتفقت الروايات كلها على أنه رده عليه، إلا ما رواه ابن وهب والبيهقي من طريقه بإسناد حسن من طريق عمرو بن أمية ‏"‏ أن الصعب أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم ‏"‏ قال البيهقي‏:‏ إن كان هذا محفوظا فلعله رد الحي وقبل اللحم، قلت وفي هذا الجمع نظر لما بينته، فإن كانت الطرق كلها محفوظة فلعله رده حيا لكونه صيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك وقبله تارة أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله، وقد قال الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ إن كان الصعب أهدى له حمارا حيا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حي وإن كان أهدى له لحما فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له‏.‏
ونقل الترمذي عن الشافعي أنه رده لظنه أنه صيد من أجله فتركه على وجه التنزه‏.‏
ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على وقت آخر وهو حال رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة، ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك بالجحفة وفي غيرها من الروايات بالأبواء أو بودان‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ يحتمل أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحا ثم قطع منه عضوا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقدمه له، فمن قال أهدى حمارا أراد بتمامه مذبوحا حيا، ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون من قال حمارا أطلق وأراد بعضه مجازا‏.‏
قال ويحتمل أنه أهداه له حيا فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظانا أنه إنما رده عليه لمعنى يختص بجملته، فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل، قال‏:‏ والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات‏.‏
وقال النووي‏:‏ ترجم البخاري بكون الحمار حيا، وليس في سياق الحديث تصريح بذلك، وكذا نقلوا هذا التأويل عن مالك، وهو باطل لأن الروايات التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح‏.‏
انتهى‏.‏
وإذا تأملت ما تقدم لم يحسن إطلاقه بطلان التأويل المذكور ولا سيما في رواية الزهري التي هي عمدة هذا الباب، وقد قال الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ حديث مالك أن الصعب أهدى حمارا أثبت من حديث من روى أنه أهدى لحم حمار‏.‏
وقال الترمذي‏:‏ روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب ‏"‏ لحم حمار وحش ‏"‏ وهو غير محفوظ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالأبواء‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد‏:‏ جبل من عمل الفرع بضم الفاء والراء بعدها مهملة، قيل سمى الأبواء لوبائه على القلب، وقيل لأن السيول تتبوؤه أي تحمله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو بودان‏)‏ شك من الراوي، وهو بفتح الواو وتشديد الدال وآخرها نون موضع بقرب الجحفة، وقد سبق في حديث عمرو بن أمية أنه كان بالجحفة، وودان أقرب إلى الجحفة من الأبواء فإن من الأبواء إلى الجحفة للآتي من المدينة ثلاثة وعشرين ميلا، ومن ودان إلى الجحفة ثمانية أميال، وبالشك جزم أكثر الرواة، وجزم ابن إسحاق وصالح بن كيسان عن الزهري بودان، وجزم معمر وعبد الرحمن ابن إسحاق ومحمد بن عمرو بالأبواء، والذي يظهر لي أن الشك فيه من ابن عباس لأن الطبراني أخرج الحديث من طريق عطاء عنه على الشك أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما رأى ما في وجهه‏)‏ في رواية شعيب ‏"‏ فلما عرف في وجهي رده هديتي‏"‏‏.‏
وفي رواية الليث عن الزهري عند الترمذي ‏"‏ فلما رأى ما في وجهه من الكراهية ‏"‏ وكذا لابن خزيمة من طريق ابن جريج المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنا لم نرده عليك‏)‏ في رواية شعيب وابن جريج ‏"‏ ليس بنا رد عليك ‏"‏ وفي رواية عبد الرحمن ابن إسحاق عن الزهري عند الطبراني ‏"‏ إنا لم نرده عليك كراهية له ولكنا حرم ‏"‏ قال عياض‏:‏ ضبطناه في الروايات ‏"‏ لم نرده ‏"‏ بفتح الدال، وأبى ذلك المحققون من أهل العربية وقالوا‏:‏ الصواب أنه بضم الدال لأن المضاعف من المجزوم يراعى فيه الواو التي توجبها له ضمة الهاء بعدها‏.‏
قال‏:‏ وليس الفتح بغلط بل ذكره ثعلب في الفصيح‏.‏
نعم تعقبوه عليه بأنه ضعيف، وأوهم صنيعه أنه فصيح، وأجازوا أيضا الكسر وهو أضعف الأوجه‏.‏
قلت‏:‏ ووقع في رواية الكشميهني بفك الإدغام ‏"‏ لم نردده ‏"‏ بضم الأولى وسكون الثانية ولا إشكال فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا أنا حرم‏)‏ زاد صالح بن كيسان عند النسائي ‏"‏ لا نأكل الصيد‏"‏‏.‏
وفي رواية سعيد عن ابن عباس ‏"‏ لولا أنا محرمون لقبلناه منك‏"‏‏.‏
واستدل بهذا الحديث على تحريم الأكل من لحم الصيد على المحرم مطلقا لأنه اقتصر في التعليل على كونه محرما فدل على أنه سبب الامتناع خاصة، وهو قول علي وابن عباس وابن عمر والليث والثوري وإسحاق لحديث الصعب هذا، ولما أخرجه أبو داود وغيره من حديث علي ‏"‏ أنه قال لناس من أشجع‏:‏ أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم ‏"‏ لكن يعارض هذا الظاهر ما أخرجه مسلم أيضا من حديث طلحة أنه ‏"‏ أهدى له لحم طير وهو محرم، فوقف من أكله وقال‏:‏ أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
وحديث أبي قتادة المذكور في الباب قبله وحديث عمير بن سلمة ‏"‏ أن البهزي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم ظبيا وهو محرم، فأمر أبا بكر أن يقسمه بين الرفاق‏"‏؛ أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وغيره، وبالجواز مطلقا قال الكوفيون وطائفة من السلف، وجمع الجمهور بين ما اختلف من ذلك بأن أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم يهدي منه للمحرم، وأحاديث الرد محمولة على ما صاده الحلال لأجل المحرم‏.‏
قالوا والسبب في الاقتصار على الإحرام عند الاعتذار للصعب أن الصيد لا يحرم على المرء إذا صيد له إلا إذا كان محرما، فبين الشرط الأصلي وسكت عما عداه فلم يدل على نفيه، وقد بينه في الأحاديث الأخر‏.‏
ويؤيد هذا الجمع حديث جابر مرفوعا ‏"‏ صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم ‏"‏ أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة‏.‏
قلت‏:‏ وقد تقدم أن عند النسائي من رواية صالح ابن كيسان ‏"‏ إنا حرم لا نأكل الصيد ‏"‏ فبين العلتين جميعا، وجاء عن مالك تفصيل آخر بين ما صيد للمحرم قبل إحرامه يجوز له الأكل منه أو بعد إحرامه فلا، وعن عثمان التفصيل بين ما يصاد لأجله من المحرمين فيمتنع عليه ولا يمتنع على محرم آخر‏.‏
وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ حديث الصعب يشكل على مالك لأنه يقول‏:‏ ما صيد من أجل المحرم يحرم على المحرم وعلى غير المحرم، فيمكن أن يقال قوله ‏"‏ فرده عليه ‏"‏ لا يستلزم أنه أباح له أكله، بل يجوز أن يكون أمره بإرساله إن كان حيا وطرحه إن كان مذبوحا فإن السكوت عن الحكم لا يدل على الحكم بضده، وتعقب بأنه وقت البيان فلو لم يجز له الانتفاع به لم يرده عليه أصلا إذ لا اختصاص له به‏.‏
وفي حديث الصعب الحكم بالعلامة لقوله ‏"‏ فلما رأى ما في وجهي‏"‏‏.‏
وفيه جواز رد الهدية لعلة، وترجم له المصنف ‏"‏ من رد الهدية لعلة ‏"‏ وفيه الاعتذار عن رد الهدية تطييبا لقلب المهدي، وأن الهبة لا تدخل في الملك إلا بالقبول، وأن قدرته على تملكها لا تصيره مالكا لها، وأن على المحرم أن يرسل ما في يده من الصيد الممتنع عليه اصطياده‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2013, 04:03 PM   #18
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يقتل المحرم من الدواب‏)‏ أي مما لا يجب عليه فيه الجزاء، وذكر المصنف فيه ثلاثة أحاديث، الأول منها‏:‏ اختلف فيه علي ابن عمر، فساقه المصنف على الاختلاف كما سأبينه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ حَدَّثَتْنِي إِحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ حَفْصَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح‏)‏ كذا أورده مختصرا وأحال به على طريق سالم، وهو في الموطأ وتمامه ‏"‏ الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن عبد الله بن دينار‏)‏ هو معطوف على الطريق الأولى، وهو في الموطأ كذلك عن نافع عن ابن عمر، وعن عبد الله بن دينار عن ابن عمر‏.‏
وقد أورده المصنف في بدء الخلق عن القعنبي عن مالك وساق لفظه مثله سواء‏.‏
وكذا أخرجه مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار، وأخرجه أحمد من طريق شعبة عن عبد الله بن دينار فقال ‏"‏ الحية ‏"‏ بدل العقرب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن زيد بن جبير‏)‏ هو الطائي الكوفي، ليس له في الصحيح رواية عن غير ابن عمر، ولا له فيه إلا هذا الحديث وآخر تقدم في المواقيت، وقد خالف نافعا وعبد الله بن دينار في إدخال الواسطة بين ابن عمر وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ووافق سالما، إلا أن زيدا أبهمها وسالما سماها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقتل المحرم‏)‏ كذا ساق منه هذا القدر وأحال به على الطريق التي بعده، وفيه إشارة منه إلى تفسير المبهمة فيه بأنها المسماة في الرواية الأخرى، فقد وصله أبو نعيم في المستخرم من طريق أبي خليفة عن مسدد بإسناد البخاري، وبقيته كرواية حفصة إلا أن فيه تقديما وتأخيرا في بعض الأسماء‏.‏
وأخرجه مسلم عن شيبان عن أبي عوانة فزاد فيه أشياء ولفظه ‏"‏ سأل رجل ابن عمر ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم‏؟‏ فقال‏:‏ حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحدأة والغراب والحية ‏"‏ قال ‏"‏ وفي الصلاة أيضا ‏"‏ فلم يقل في أوله خمسا وزاد الحية، وزاد في آخره ذكر الصلاة لينبه بذلك على جواز قتل المذكورات في جميع الأحوال وسأذكر البحث في ذلك، ولم أر هذه الزيادة في غير هذه الطريق فقد أخرجه مسلم من طريق زهير بن معاوية والإسماعيلي من طريق إسرائيل كلاهما عن زيد بن جبير بدونها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يونس‏)‏ هو ابن يزيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سالم‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ أخبرني سالم ‏"‏ أخرجه عن حرملة عن ابن وهب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ قال لي عبد الله ‏"‏ وفي رواية الإسماعيلي عن سالم عن أبيه أخرجه من طريق إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت حفصة‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ عن حفصة ‏"‏ وهذا والذي قبله قد يوهم أن عبد الله ابن عمر ما سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن وقع في بعض طرق نافع عنه ‏"‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أخرجه مسلم من طريق ابن جريج قال ‏"‏ أخبرني نافع ‏"‏ وقال مسلم بعده‏:‏ لم يقل أحد عن نافع عن ابن عمر سمعت إلا ابن جريج، وتابعه محمد بن إسحاق، ثم ساقه من طريق ابن إسحاق عن نافع كذلك، فالظاهر أن ابن عمر سمعه من أخته حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه أيضا من النبي صلى الله عليه وسلم يحدث به حين سئل عنه، فقد وقع عند أحمد من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ نادى رجل ‏"‏ ولأبي عوانة في المستخرج من هذا الوجه ‏"‏ أن أعرابيا نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نقتل من الدواب إذا أحرمنا ‏"‏ والظاهر أن المبهمة في رواية زيد بن جبير هي حفصة، ويحتمل أن تكون عائشة، وقد رواه ابن عيينة عن ابن شهاب فأسقط حفصة من الإسناد والصواب إثباتها في رواية سالم، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يَقْتُلُهُنَّ فِي الْحَرَمِ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني يونس‏)‏ هو ابن يزيد أيضا، وظهر بهذا أن لابن وهب عنه عن الزهري فيه إسنادين‏:‏ سالم عن أبيه عن حفصة، وعروة عن عائشة، وقد كان ابن عيينة ينكر طريق الزهري عن عروة، قال الحميدي عن سفيان ‏"‏ حدثنا والله الزهري عن سالم عن أبيه ‏"‏ فقيل له إن معمرا يرويه عن الزهري عن عروة عن عائشة، فقال ‏"‏ حدثنا والله الزهري لم يذكر عروة‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ وطريق معمر المشار إليها أوردها المصنف في بدء الخلق من طريق يزيد بن زريع عنه، ورواها النسائي من طريق عبد الرزاق قال عبد الرزاق‏:‏ ذكر بعض أصحابنا أن معمرا كان يذكره عن الزهري عن سالم عن أبيه، وعن عروة عن عائشة، وطريق الزهري عن عروة رواها أيضا شعيب بن أبي حمزة عند أحمد وأبان بن صالح عند النسائي، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ‏.‏
وقد تابع الزهري عن عروة هشام بن عروة، أخرجه مسلم أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خمس‏)‏ التقييد بالخمس وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بذلك لكنه مفهوم عدد، وليس بحجة عند الأكثر، وعلى تقدير اعتباره فيحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم أولا ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس يشترك معها في الحكم، فقد ورد في بعض طرق عائشة بلفظ ‏"‏ أربع ‏"‏ وفي بعض طرقها بلفظ ‏"‏ ست ‏"‏ فأما طريق أربع فأخرجها مسلم من طريق القاسم عنها فأسقط العقرب، وأما طريق ست فأخرجها أبو عوانة في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق المحاربي عن هشام عن أبيه عنها فأثبتها وزاد الحية، ويشهد لها طريق شيبان التي تقدمت من عند مسلم وإن كانت خالية عن العدد، وأغرب عياض فقال‏:‏ وفي غير كتاب مسلم ذكر الأفعى فصارت سبعا‏.‏
وتعقب بأن الأفعى داخلة في مسمى الحية‏.‏
والحديث الذي ذكرت فيه أخرجه أبو عوانة في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق ابن عون عن نافع في آخر حديث الباب قال‏:‏ قلت لنافع فالأفعى‏؟‏ قال ومن يشك في الأفعى‏؟‏ ا ه‏.‏
وقد وقع في حديث أبي سعيد عند أبي داود نحو رواية شيبان وزاد السبع العادي فصارت سبعا‏.‏
وفي حديث أبي هريرة عند ابن خزيمة وابن المنذر زيادة ذكر الذئب والنمر على الخمس المشهورة فتصير بهذا الاعتبار تسعا، لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور‏.‏
ووقع ذكر الذئب في حديث مرسل أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وأبو داود من طريق سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ يقتل المحرم الحية والذئب ‏"‏ ورجاله ثقات‏.‏
وأخرج أحمد من طريق حجاج بن أرطاة عن وبرة عن ابن عمر قال ‏"‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذئب للمحرم ‏"‏ وحجاج ضعيف‏.‏
وخالفه مسعر عن وبرة فرواه موقوفا أخرجه ابن أبي شيبة، فهذا جميع ما وقفت عليه في الأحاديث المرفوعة زيادة على الخمس المشهورة، ولا يخلو شيء من ذلك من مقال، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من الدواب‏)‏ بتشديد الموحدة، جمع دابة وهو ما دب من الحيوان‏.‏
وقد أخرج بعضهم منها الطير لقوله تعالى ‏(‏وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه‏)‏ الآية، وهذا الحديث يرد عليه، فإنه ذكر في الدواب الخمس الغراب والحدأة، ويدل على دخول الطير أيضا عموم قوله تعالى ‏(‏وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها‏)‏ ؛ وقوله تعالى ‏(‏وكأين من دابة لا تحمل رزقها‏)‏ الآية، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم في صفة بدء الخلق ‏"‏ وخلق الدواب يوم الخميس ‏"‏ ولم يفرد الطير بذكر‏.‏
وقد تصرف أهل العرف في الدابة، فمنهم من يخصها بالحمار، ومنهم من يخصها بالفرس، وفائدة ذلك تظهر في الحلف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كلهن فاسق يقتلن‏)‏ قيل فاسق صفة لكل، وفي يقتلن ضمير راجع إلى معنى كل‏.‏
ووقع في رواية مسلم من هذا الوجه ‏"‏ كلها فواسق‏"‏‏.‏
وفي رواية معمر التي في بدء الخلق ‏"‏ خمس فواسق ‏"‏ قال النووي‏:‏ هو بإضافة خمس لا بتنوينه، وجوز ابن دقيق العيد الوجهين وأشار إلى ترجيح الثاني فإنه قال‏:‏ رواية الإضافة تشعر بالتخصيص فيخالفها غيرها في الحكم من طريق المفهوم، ورواية التنوين تقتضي وصف الخمس بالفسق من جهة المعنى فيشعر بأن الحكم المرتب على ذلك وهو القتل معلل بما جعل وصفا وهو الفسق فيدخل فيه كل فاسق من الدواب، ويؤيده رواية يونس التي في حديث الباب‏.‏
قال النووي وغيره‏:‏ تسمية هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية في وفق اللغة، فإن أصل الفسق لغة الخروج، ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها‏.‏
وقوله تعالى ‏(‏ففسق عن أمر ربه‏)‏ أي خرج، وسمى الرجل فاسقا لخروجه عن طاعة ربه، فهو خروج مخصوص‏.‏
وزعم ابن الأعرابي أنه لا يعرف في كلام الجاهلية ولا شعرهم فاسق، يعني بالمعنى الشرعي‏.‏
وأما المعنى في وصف الدواب المذكورة بالفسق فقيل‏:‏ لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله، وقيل في حل أكله لقوله تعالى ‏(‏أو فسقا أهل لغير الله به‏)‏ ‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق‏)‏ وقيل‏:‏ لخروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد وعدم الانتفاع، ومن ثم اختلف أهل الفتوى‏:‏ فمن قال بالأول ألحق بالخمس كل ما جاز قتله للحلال في الحرم وفي الحل، ومن قال بالثاني ألحق ما لا يؤكل إلا ما نهى عن قتله وهذا قد يجامع الأول، ومن قال بالثالث يخص الإلحاق بما يحصل منه الإفساد‏.‏
ووقع في حديث أبي سعيد عند ابن ماجة‏:‏ قيل له لم قيل للفأرة فويسقة‏؟‏ فقال‏:‏ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ لها وقد أخذت الفتيلة لتحرق بها البيت‏.‏
فهذا يومئ إلى أن سبب تسمية الخمس بذلك لكون فعلها يشبه فعل الفساق، وهو يرجح القول الأخير، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقتل في الحرم‏)‏ تقدم في رواية نافع بلفظ ‏"‏ ليس على المحرم في قتلهن جناح ‏"‏ وعرف بذلك أن لا إثم في قتلها على المحرم ولا في الحرم، ويؤخذ منه جواز ذلك للحلال، وفي الحل من باب الأولى‏.‏
وقد وقع ذكر الحل صريحا عند مسلم من طريق معمر عن الزهري عن عروة بلفظ ‏"‏ يقتلن في الحل والحرم ‏"‏ ويعرف حكم الحلال بكونه لم يقم به مانع وهو الإحرام فهو بالجواز أولى، ثم إنه ليس في نفي الجناح - وكذا الحرج في طريق سالم - دلالة على أرجحية الفعل على الترك، لكن ورد في طريق زيد ابن جبير عند مسلم بلفظ ‏"‏ أمر ‏"‏ وكذا في طريق معمر، ولأبي عوانة من طريق ابن نمير عن هشام عن أبيه بلفظ ‏"‏ ليقتل المحرم ‏"‏ وظاهر الأمر الوجوب، ويحتمل الندب والإباحة، وروى البزار من طريق أبي رافع قال ‏"‏ بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته إذ ضرب شيئا، فإذا هي عقرب فقتلها، وأمر بقتل العقرب والحية والفأرة والحدأة للمحرم، لكن هذا الأمر ورد بعد الحظر لعموم نهي المحرم عن القتل فلا يكون للوجوب ولا للندب، ويؤيد ذلك رواية الليث عن نافع بلفظ ‏"‏ أذن ‏"‏ أخرجه مسلم والنسائي عن قتيبة، لكن لم يسق مسلم لفظه‏.‏
وفي حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره ‏"‏ خمس قتلهن حلل للمحرم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الغراب‏)‏ زاد في رواية سعيد بن المسيب عن عائشة عند مسلم ‏"‏ الأبقع ‏"‏ وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض، وأخذ بهذا القيد بعض أصحاب الحديث كما حكاه ابن المنذر وغيره، ثم وجدت ابن خزيمة قد صرح باختياره، وهو قضية حمل المطلق على المقيد‏.‏
وأجاب ابن بطال بأن هذه الزيادة لا تصح لأنها من رواية قتادة عن سعيد، وهو مدلس وقد شذ بذلك‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ لا تثبت هذه الزيادة‏.‏
وقال ابن قدامة‏:‏ الروايات المطلقة أصح‏.‏
وفي جميع هذا التعليل نظر، أما دعوى التدليس فمردودة بأن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما هو مسموع لهم وهذا من رواية شعبة، بل صرح النسائي في روايته من طريق النضر بن شميل عن شعبة بسماع قتادة‏.‏
وأما نفي الثبوت فمردود بإخراج مسلم‏.‏
وأما الترجيح فليس من شرط قبول الزيادة بل الزيادة مقبولة من الثقة الحافظ وهو كذلك هنا‏.‏
نعم قال ابن قدامة‏:‏ يلتحق بالأبقع ما شاركه في الإيذاء وتحريم الأكل‏.‏
وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك ويقال له غراب الزرع ويقال له الزاغ، وأفتوا بجواز أكله، فبقي ما عداه من الغربان ملتحقا بالأبقع‏.‏
ومنها الغداف على الصحيح في ‏"‏ الروضة ‏"‏ بخلاف تصحيح الرافعي، وسمى ابن قدامة الغداف غراب البين، والمعروف عند أهل اللغة أنه الأبقع، قيل سمي غراب البين لأنه بان عن نوح لما أرسله من السفينة ليكشف خبر الأرض، فلقي جيفة فوقع عليها ولم يرجع إلى نوح، وكان أهل الجاهلية يتشاءمون به فكانوا إذا نعب مرتين قالوا‏:‏ آذن بشر، وإذا نعب ثلاثا قالوا‏:‏ آذن بخير، فأبطل الإسلام ذلك، وكان ابن عباس إذا سمع الغراب قال‏:‏ اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك‏.‏
وقال صاحب الهداية‏:‏ المراد بالغراب في الحديث الغداف والأبقع لأنهما يأكلان الجيف، وأما غراب الزرع قلا‏.‏
وكذا استثناه ابن قدامة، وما أظن فيه خلافا، وعليه يحمل ما جاء في حديث أبي سعيد عند أبي داود إن صح حيث قال فيه ‏"‏ ويرمي الغراب ولا يقتله ‏"‏ وروى ابن المنذر وغيره نحوه عن علي ومجاهد، قال ابن المنذر‏:‏ أباح كل من يحفظ عنه العلم قتل الغراب في الإحرام إلا ما جاء عن عطاء قال في محرم كسر قرن غراب فقال‏:‏ إن أدماه فعليه الجزاء وقال الخطابي‏:‏ لم يتابع أحد عطاء على هذا، انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون مراده غراب الزرع‏.‏
وعند المالكية اختلاف آخر في الغراب والحدأة هل يتقيد‏.‏
جواز قتلهما بأن يبتدئا بالأذى، وهل يختص ذلك بكبارها‏؟‏ والمشهور عنهم - كما قال ابن شاس - لا فرق وفاقا للجمهور ومن أنواع الغربان الأعصم، وهو الذي في رجليه أو في جناحيه أو بطنه بياض أو حمرة، وله ذكر في قصة حفر عبد المطلب لزمزم، وحكمه حكم الأبقع‏.‏
ومنها العقعق وهو قدر الحمامة على شكل الغراب، قيل سمي بذلك لأنه يعق فراخه فيتركها بلا طعم، وبهذا ظهر أنه نوع من الغربان، والعرب تتشاءم به أيضا‏.‏
ووقع في فتاوى قاضي خان الحنفي‏:‏ من خرج لسفر فسمع صوت العقعق فرجع كفر، وحكمه حكم الأبقع على الصحيح، وقيل حكم غراب الزرع‏.‏
وقال أحمد‏:‏ إن أكل الجيف وإلا فلا بأس به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والحدأ‏)‏ بكسر أوله وفتح ثانيه بعدها همزة بغير مد، وحكى صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏ المد فيه ندورا، ووقع في رواية الكشميهني في حديث عائشة ‏"‏ الحدأة ‏"‏ بزيادة هاء بلفظ الواحدة وليست للتأنيث بل هي كالهاء في التمرة، وحكى الأزهري فيها ‏"‏ حدوة ‏"‏ بواو بدل الهمزة، وسيأتي في بدء الخلق من حديثها بلفظ ‏"‏ الحديا ‏"‏ بضم أوله وتشديد التحتانية مقصور، ومثله لمسلم في رواية هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ قال قاسم بن ثابت‏:‏ الوجه فيه الهمزة، وكأنه سهل ثم أدغم، وقيل هي لغة حجازية، وغيرهم يقول ‏"‏ حدية ‏"‏ وقد تقدم ذكرها في الكلام على الغراب‏.‏
ومن خواص الحدأة أنها تقف في الطيران، ويقال إنها لا تختطف إلا من جهة اليمين، وقد مضى لها ذكر في الصلاة قصة صاحبة الوشاح‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ يلتبس بالحدأ الحدأة بفتح أوله‏:‏ فأس له رأسان‏.‏
قوله ‏(‏والعقرب‏)‏ هذا اللفظ للذكر والأنثى، وقد يقال عقربة وعقرباء، وليس منها العقربان بل هي دويبة طويلة كثيرة القوائم‏.‏
قال صاحب ‏"‏ المحكم ‏"‏ ويقال إن عينها في ظهرها وإنها لا تضر ميتا ولا نائما حتى يتحرك‏.‏
ويقال لدغته العقرب بالغين المعجمة ولسعته بالمهملتين‏.‏
وقد تقدم اختلاف الرواة في ذكر الحية بدلها في حديث الباب ومن جمعهما، والذي يظهر لي أنه صلى الله عليه وسلم نبه بإحداهما على الأخرى عند الاقتصار وبين حكمهما معا حيث جمع‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب‏.‏
وقال نافع لما قيل له‏:‏ فالحية‏؟‏ قال‏:‏ لا يختلف فيها وفي رواية‏:‏ ومن يشك فيها‏؟‏ وتعقبه ابن عبد البر بما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق شعبة أنه سأل الحكم وحمادا فقالا‏:‏ لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب‏.‏
قال‏:‏ ومن حجتهما أنهما من هوام الأرض فيلزم من أباح قتلهما مثل ذلك في سائر الهوام، وهذا اعتلال لا معنى له، نعم عند المالكية خلاف في قتل صغير الحية والعقرب التي لا تتمكن من الأذى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والفأر‏)‏ بهمزة ساكنة ويجوز فيها التسهيل، ولم يختلف العلماء في جواز قتلها للمحرم إلا ما حكى عن إبراهيم النخعي فإنه قال‏:‏ فيها جزاء إذا قتلها المحرم أخرجه ابن المنذر‏.‏
وقال‏:‏ هذا خلاف السنة وخلاف قول جميع أهل العلم‏.‏
وروى البيهقي بإسناد صحيح حماد بن زيد قال لما ذكروا له هذا القول‏:‏ ما كان بالكوفة أفحش ردا للآثار من إبراهيم النخعي لقلة ما سمع منها، ولا أحسن اتباعا لها من الشعبي لكثرة ما سمع‏.‏
ونقل ابن شاس عن المالكية خلافا في جواز قتل الصغير منها الذي لا يتمكن من الأذى‏.‏
والفأر أنواع، منها الجرذ بالجيم بوزن عمر، والخلد بضم المعجمة وسكون اللام، وفأرة الإبل، وفأرة المسك، وفأرة الغيط، وحكمها في تحريم الأكل وجواز القتل سواء، وسيأتي في الأدب إطلاق الفويسقة عليها من حديث جابر، وتقدم سبب تسميتها بذلك من حديث أبي سعيد‏.‏
وقيل إنما سميت بذلك لأنها قطعت حبال سفينة نوح، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والكلب العقور‏)‏ الكلب معروف والأنثى كلبة والجمع أكلب وكلاب وكليب بالفتح، كأعبد وعباد وعبيد‏.‏
وفي الكلب بهيمية سبعية كأنه مركب‏.‏
وفيه منافع للحراسة والصيد كما سيأتي في بابه‏.‏
وفيه من اقتفاء الأثر وشم الرائحة والحراسة وخفة النوم والتودد وقبول التعليم ما ليس لغيره‏.‏
وقيل إن أول من اتخذه للحراسة نوح عليه السلام وقد سبق البحث في نجاسته في كتاب الطهارة ويأتي في بدء الخلق جملة من خصاله‏.‏
واختلف العلماء في المراد به هنا، وهل لوصفه بكونه عقورا مفهوم أو لا‏؟‏ فروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أبي هريرة قال‏:‏ الكلب العقور الأسد‏.‏
وعن سفيان عن زيد بن أسلم أنهم سألوه عن الكلب العقور فقال‏:‏ وأي كلب أعقر من الحية‏؟‏ وقال زفر‏:‏ المراد بالكلب العقور هنا الذئب خاصة‏.‏
وقال مالك في الموطأ‏:‏ كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب هو العقور‏.‏
وكذا نقل أبو عبيد عن سفيان، وهو قول الجمهور‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ المراد بالكلب هنا الكلب خاصة، ولا يلتحق به في هذا الحكم سوى الذئب‏.‏
واحتج أبو عبيد للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ‏"‏ فقتله الأسد‏.‏
وهو حديث حسن أخرجه الحاكم من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه، واحتج بقوله تعالى ‏(‏وما علمتم من الجوارح مكلبين‏)‏ فاشتقها من اسم الكلب، فلهذا قيل لكل جارح عقور‏.‏
واحتج الطحاوي للحنفية بأن العلماء اتفقوا على تحريم قتل البازي والصقر وهما من سباع الطير فدل ذلك على اختصاص التحريم بالغراب والحدأة، وكذلك يختص التحريم بالكلب وما شاركه في صفته وهو الذئب‏.‏
وتعقب برد الاتفاق، فإن مخالفيهم أجازوا قتل كل ما عدا وافترس، فيدحل فيه الصقر وغيره، بل معظمهم قال‏:‏ يلتحق بالخمس كل ما نهى عن أكله إلا ما نهي عن قتله‏.‏
واختلف العلماء في غير العقور مما لم يؤمر باقتنائه، فصرح بتحريم قتله القاضيان حسين والماوردي وغيرهما، ووقع في ‏"‏ الأم ‏"‏ للشافعي الجواز، واختلف كلام النووي فقال في البيع من ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏‏:‏ لا خلاف بين أصحابنا في أنه محترم لا يجوز قتله‏.‏
وقال في التيمم والغصب‏:‏ إنه غير محترم‏.‏
وقال في الحج‏:‏ يكره قتله كراهة تنزيه‏.‏
وهذا اختلاف شديد، وعلى كراهة قتله اقتصر الرافعي وتبعه في ‏"‏ الروضة ‏"‏ وزاد‏:‏ أنها كراهة تنزيه، والله أعلم‏.‏
وذهب الجمهور كما تقدم إلى إلحاق غير الخمس بها في هذا الحكم، إلا أنهم اختلفوا في المعنى فقيل‏:‏ لكونها مؤذية فيجوز قتل كل مؤذ، وهذا قضية مذهب مالك‏.‏
وقيل‏:‏ لكونها مما لا يؤكل، فعلى هذا كل ما يجوز قتله لا فدية على المحرم فيه، وهذا قضية مذهب الشافعي‏.‏
وقد قسم هو وأصحابه الحيوان بالنسبة للمحرم إلى ثلاثة أقسام‏:‏ قسم يستحب كالخمس وما في معناها مما يؤذي، وقسم يجوز كسائر ما لا يؤكل لحمه وهو قسمان‏:‏ ما يحصل منه نفع وضرر فيباح لما فيه من منفعة الاصطياد ولا يكره لما فيه من العدوان، وقسم ليس فيه نفع ولا ضرر فيكره قتله ولا يحرم‏.‏
والقسم الثالث ما أبيح أكله أو نهى عن قتله فلا يجوز ففيه الجزاء إذا قتله المحرم‏.‏
وخالف الحنفية فاقتصروا على الخمس إلا أنهم ألحقوا بها الحية لثبوت الخبر، والذئب لمشاركته للكلب في الكلبية، وألحقوا بذلك من ابتدأ بالعدوان والأذى من غيرها، وتعقب بظهور المعنى في الخمس وهو الأذى الطبيعي والعدوان المركب، والمعنى إذا ظهر في المنصوص عليه تعدي الحكم إلى كل ما وجد فيه ذلك المعنى، كما وافقوا عليه في مسائل الربا‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ والتعدية بمعنى الأذى إلى كل مؤذ قوي بالإضافة إلى تصرف أهل القياس، فإنه ظاهر من جهة الإيماء بالتعليل بالفسق وهو الخروج عن الحد، وأما التعليل بحرمة الأكل ففيه إبطال لما دل عليه إيماء النص من التعليل بالفسق‏.‏
انتهى‏.‏
وقال غيره‏:‏ هو راجع إلى تفسير الفسق، فمن فسره بأنه الخروج عن بقية الحيوان بالأذى علل به، ومن قال بجواز القتل وتحريم الأكل علل به‏.‏
وقال من علل بالأذى‏:‏ أنواع الأذى مختلفة، وكأنه نبه بالعقرب على ما يشاركها في الأذى باللسع ونحوه من ذوات السموم كالحية والزنبور، وبالفأرة على ما يشاركها في الأذى بالنقب والقرض كابن عرس، وبالغراب والحدأ على ما يشاركهما بالاختطاف كالصقر، وبالكلب العقور على ما يشاركه في الأذى بالعدوان والعقر كالأسد والفهد‏.‏
وقال‏:‏ من علل بتحريم الأكل وجواز القتل إنما اقتصر على الخمس لكثرة ملابستها للناس بحيث يعم أذاها، والتخصيص بالغلبة لا مفهوم له‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ نقل الرافعي عن الإمام أن هذه الفواسق لا ملك فيها لأحد ولا اختصاص، ولا يجب ردها على صاحبها، ولم يذكر مثل ذلك في غير الخمس مما يلتحق بها في المعنى، فليتأمل‏.‏
واستدل به على جواز قتل من لجأ إلى الحرم ممن وجب عليه القتل لأن إباحة قتل هذه الأشياء معلل بالفسق والقاتل فاسق فيقتل بل هو أولى، لأن فسق المذكورات طبيعي، والمكلفة إذا ارتكب الفسق هاتك لحرمة نفسه فهو أولى بإقامة مقتضى الفسق عليه‏.‏
وأشار ابن دقيق العيد إلى أنه بحث قابل للنزاع، وسيأتي بسط القول فيه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ بِمِنًى إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا وَإِنِّي لَأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتُلُوهَا فَابْتَدَرْنَاهَا فَذَهَبَتْ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏حدثني إبراهيم‏)‏ هو ابن يزيد النخعي، والأسود هو النخعي خاله، وعبد الله هو ابن مسعود‏.‏
وقد اختلف على الأعمش في إسناد هل الحديث كما سيأتي بيانه في بدء الخلق‏.‏
قوله ‏(‏في غار بمنى‏)‏ وقع عند الإسماعيلي من طريق ابن نمير عن حفص بن غياث أن ذلك كان ليلة عرفة، وبذلك يتم الاحتجاج به على مقصود الباب من جواز قتل الحية للمحرم، كما يدل قوله ‏"‏ بمنى ‏"‏ على أن ذلك كان في الحرم، وعرف بذلك الرد على من قال ليس في حديث عبد الله ما يدل على أنه أمر بقتل الحية في حال الإحرام، لاحتمال أن يكون ذلك بعد طواف الإفاضة، وقد رواه مسلم وابن خزيمة واللفظ له عن أبي كريب عن حفص بن غياث مختصرا ولفظه ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر محرما بقتل حية في الحرم بمنى ‏"‏ ووقع في رواية أبي الوقت عقب حديث الباب‏:‏ قال أبو عبد الله وهو المصنف‏:‏ إنما أردنا بهذا أن منى من الحرم، وأنهم لم يروا بقتل الحية - يعني فيه - بأسا ووقع هذا الكلام عند أبي ذر في آخر الباب، ومحله عقب حديث ابن مسعود‏.‏
قوله ‏(‏رطبة‏)‏ أي لم يجف ريقه بها‏.‏
قوله ‏(‏كما وقيتم شرها‏)‏ بالنصب لأنه مفعول ثان، وكذلك قوله ‏"‏ وقيت شركم ‏"‏ أي أن الله سلمها منكم كما سلمكم منها، وهو من مجاز المقابلة‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ أجمع من يحفظ عنه من أهل العلم على أن للمحرم قتل الحية، وتعقب بما تقدم عن الحكم وحماد وبما عند المالكية من استثناء ما صغر منها بحيث لا يتمكن من الأذى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْوَزَغِ فُوَيْسِقٌ وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ إِنَّمَا أَرَدْنَا بِهَذَا أَنَّ مِنًى مِنْ الْحَرَمِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا بِقَتْلِ الْحَيَّةِ بَأْسًا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي أويس‏.‏
قوله ‏(‏قال للوزغ فويسق‏)‏ اللام بمعنى عن، والمعنى أنه سماه فويسقا، وهو تصغير تحقير مبالغة في الذم‏.‏
قوله ‏(‏ولم أسمعه أمر بقتله‏)‏ هو مقول عن عائشة والضمير للنبي صلى الله عليه وسلم، وقضية تسميته إياه فويسقا أن يكون قتله مباحا، وكونها لم تسمعه لا يدل على منع ذلك فقد سمعه غيرها كما سيأتي في بدء الخلق عن سعد بن أبي وقاص وغيره، ونقل ابن عبد البر الاتفاق على جواز قتله في الحل والحرم، لكن نقل ابن عبد الحكم وغيره عن مالك‏:‏ لا يقتل المحرم الوزغ، زاد ابن القاسم‏:‏ وإن قتله يتصدق لأنه ليس من الخمس المأمور بقتلها‏.‏
وروى ابن أبي شيبة أن عطاء سئل عن قتل الوزغ في الحرم فقال‏:‏ إذا آذاك فلا بأس بقتله‏.‏
وهذا يفهم توقف قتله على أذاه‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2013, 04:04 PM   #19
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا يُعْضَدُ شَجَرُ الْحَرَمِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب لا يعضد شجر الحرم‏)‏ بضم أوله وفتح الضاد المعجمة، أي لا يقطع‏.‏
قوله ‏(‏وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعضد شوكه‏)‏ سيأتي موصولا بعد باب ويأتي البحث فيه هناك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْغَدِ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا لَهُ إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ مَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو قَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ وَلَا فَارًّا بِخُرْبَةٍ خُرْبَةٌ بَلِيَّةٌ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏عن سعيد‏)‏ في رواية عبد الله بن يوسف عن الليث حدثني سعيد كما تقدم في العلم‏.‏
قوله ‏(‏عن أبي شريح العدوي‏)‏ كذا وقع هنا، وفيه نظر لأنه خزاعي من بني كعب بن ربيعة ابن لحي، بطن من خزاعة، ولهذا يقال له الكعبي أيضا، وليس هو من بني عدي، لا عدي قريش ولا عدي مضر، فلعله كان حليفا لبني عدي بن كعب من قريش، وقيل في خزاعة بطن يقال ثم لهو بنو عدي، وقد وقع في رواية ابن أبي ذئب عن سعيد ‏"‏ سمعت أبا شريح ‏"‏ أخرجه أحمد‏.‏
واختلف في اسمه فالمشهور أنه خويلد بن عمرو، وقيل ابن صخر، وقيل هانئ بن عمرو، وقيل عبد الرحمن، وقيل كعب، وقيل عمرو بن خويلد، وقيل مطر، أسلم قبل الفتح، وحمل بعض ألوية قومه، وسكن المدينة ومات بها سنة ثمان وستين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديثين آخرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لعمرو بن سعيد‏)‏ أي ابن أبي العاص بن سعيد بن العاص بن أمية المعروف بالأشدق، وقد تقدم ذلك مع شرح بعض الحديث في ‏"‏ باب تبليغ العلم ‏"‏ من كتاب العلم‏.‏
ووقع عند أحمد من طريق ابن إسحاق عن سعيد المقبري زيادة في أوله توضح المقصود وهي ‏"‏ لما بعث عمرو بن سعيد إلى مكة بعثه لغزو ابن الزبير أتاه أبو شريح فكلمه وأخبره بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج إلى نادى قومه فجلس فيه، فقمت إليه فجلست معه فحدث قومه قال‏:‏ قلت له يا هذا إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة، فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك، فقام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
وأخرج أحمد أيضا من طريق الزهري عن مسلم بن يزيد الليثي عن أبي شريح الخزاعي أنه سمعه يقول ‏"‏ أذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في قتال بني بكر حتى أصبنا منهم ثأرنا وهو بمكة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع السيف، فلقي الغد رهط منا رجلا من هذيل في الحرم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان وترهم في الجاهلية وكانوا يطلبونه فقتلوه، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب غضبا شديدا ما رأيته غضب أشد منه، فلما صلى قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال‏:‏ أما بعد فإن الله حرم مكة ‏"‏ انتهى‏.‏
وقد ذكر أبو هريرة في حديثه هذه القصة مختصرة وتقدم الكلام عليها في ‏"‏ باب كتابة العلم ‏"‏ من كتاب العلم، وذكرنا أن عمرو بن سعيد كان أميرا على المدينة من قبل يزيد بن معاوية وأنه جهز إلى مكة جيشا لغزو عبد الله بن الزبير بمكة، وقد ذكر الطبري القصة عن مشايخه فقالوا‏:‏ كان قدوم عمرو بن سعيد واليا علي المدينة من قبل يزيد بن معاوية في ذي القعدة سنة ستين، وقيل قدمها في رمضان منها وهي السنة التي ولى فيها يزيد الخلافة، فامتنع ابن الزبير من بيعته وأقام بمكة، فجهز إليه عمرو بن سعيد جيشا وأمر عليهم عمرو بن الزبير وكان معاديا لأخيه عبد الله، وكان عمرو بن سعيد قد ولاه شرطته ثم أرسله إلى قتال أخيه، فجاء مروان إلى عمرو بن سعيد فنهاه فامتنع، وجاء أبو شريح فذكر القصة، فلما نزل الجيش ذا طوى خرج إليهم جماعة من أهل مكة فهزموهم وأسر عمرو بن الزبير فسجنه أخوه بسجن عارم، وكان عمرو بن الزبير قد ضرب جماعة من أهل المدينة ممن اتهم بالميل إلى أخيه فأقادهم عبد الله منه حتى مات عمرو من ذلك الضرب‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في السيرة لابن إسحاق ومغازي الواقدي أن المراجعة المذكورة وقعت بين أبي شريح وبين عمرو بن الزبير، فإن كان محفوظا احتمل أن يكون أبو شريح راجع الباعث والمبعوث، والله أعلم‏.‏
قوله ‏(‏وهو يبعث البعوث‏)‏ هي جمع بعث بمعنى مبعوث وهو من تسمية المفعول بالمصدر والمراد به الجيش المجهز للقتال‏.‏
قوله ‏(‏إيذن‏)‏ أصله ائذن بهمزتين فقلبت الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها‏.‏
قوله ‏(‏أيها الأمير‏)‏ الأصل فيه يا أيها الأمير فحذف حرف النداء، ويستفاد منه حسن التلطف في مخاطبة السلطان ليكون أدعى لقبولهم النصيحة وأن السلطان لا يخاطب إلا بعد استئذانه ولا سيما إذا كان في أمر يعترض به عليه، فترك ذلك والغلظة له قد يكون سببا لإثارة نفسه ومعاندة من يخاطبه، وسيأتي في الحدود قول والد العسيف ‏"‏ وائذن لي‏"‏‏.‏
قوله ‏(‏قام به‏)‏ صفة للقول، والمقول هو حمد الله تعالى الخ‏.‏
وقوله ‏"‏الغد ‏"‏ بالنصب أي ثاني يوم الفتح وقد تقدم بيانه‏.‏
قوله ‏(‏سمعته أذناي الخ‏)‏ فيه إشارة إلى بيان حفظه له من جميع الوجوه، فقوله ‏"‏ سمعته ‏"‏ أي حملته عنه بغير واسطة، وذكر الأذنين للتأكيد، وقوله ‏"‏ووعاه قلبي ‏"‏ تحقيق لفهمه وتثبته، وقوله ‏"‏وأبصرته عيناي ‏"‏ زيادة في تحقيق ذلك وأن سماعه منه ليس اعتمادا على الصوت فقط بل مع المشاهدة، وقوله ‏"‏حين تكلم به ‏"‏ أي بالقول المذكور، ويؤخذ من قوله ‏"‏ ووعاه قلبي ‏"‏ أن العقل محله القلب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنه حمد الله‏)‏ هو بيان لقوله تكلم، ويؤخذ منه استحباب الثناء بين يدي تعليم العلم وتبيين الأحكام والخطبة في الأمور المهمة وقد تقدم من رواية ابن إسحاق أنه قال فيها ‏"‏ أما بعد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الله حرم مكة‏)‏ أي حكم بتحريمها وقضاه، وظاهره أن حكم الله تعالى في مكة أن لا يقاتل أهلها ويؤمن من استجار بها ولا يتعرض له، وهو أحد أقوال المفسرين في قوله تعالى ‏(‏ومن دخله كان آمنا‏)‏ وقوله ‏(‏أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا‏)‏ ، وسيأتي بعد باب في حديث ابن عباس بلفظ ‏"‏ هذا بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض‏"‏، ولا معارضة بين هذا وبين قوله الآتي في الجهاد وغيره من حديث أنس ‏"‏ أن إبراهيم حرم مكة ‏"‏ لأن المعنى أن إبراهيم حرم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده، أو أن الله قضى يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرم مكة، أو المعنى أن إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس، وكانت قبل ذلك عند الله حراما، أو أول من أظهره بعد الطوفان‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ معناه أن الله حرم مكة ابتداء من غير سبب ينسب لأحد ولا لأحد فيه مدخل قال‏:‏ ولأجل هذا أكد المعنى بقوله ‏"‏ ولم يحرمها الناس ‏"‏ والمراد بقوله ولم يحرمها الناس أن تحريمها ثابت بالشرع لا مدخل للعقل فيه، أو المراد أنها من محرمات الله فيجب امتثال ذلك، وليس من محرمات الناس يعني في الجاهلية كما حرموا أشياء من عند أنفسهم فلا يسوغ الاجتهاد في تركه‏.‏
وقيل معناه أن حرمتها مستمرة من أول الخلق، وليس مما اختصت به شريعة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا يحل الخ‏)‏ فيه تلبيه على الامتثال لأن من آمن بالله لزمته طاعته، ومن آمن باليوم الآخر لزمه امتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه خوف الحساب عليه، وقد تعلق به من قال‏:‏ إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، والصحيح عند الأكثر خلافه، وجوابهم بأن المؤمن هو الذي ينقاد للأحكام وينزجر عن المحرمات فجعل الكلام معه وليس فيه نفي ذلك عن غيره‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ الذي أراه أنه من خطاب التهييج، نحو قوله تعالى ‏(‏وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين‏)‏ فالمعنى أن استحلال هذا المنهي عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر بل ينافيه، فهذا هو المقتضي لذكر هذا الوصف، ولو قيل لا يحل لأحد مطلقا لم يحصل منه هذا الغرض وإن أفاد التحريم‏.‏
قوله ‏(‏أن يسفك بها دما‏)‏ تقدم ضبطه في العلم، واستدل به على تحريم القتل والقتال بمكة، وسيأتي البحث فيه بعد باب في الكلام على حديث ابن عباس‏.‏
قوله ‏(‏ولا يعضد بها شجرة‏)‏ أي لا يقطع‏.‏
قال ابن الجوزي‏:‏ أصحاب الحديث يقولون ‏"‏ يعضد ‏"‏ بضم الضاد‏.‏
وقال لنا ابن الخشاب هو بكسرها، والمعضد بكسر أوله الآلة التي يقطع بها‏.‏
قال الخليل‏:‏ المعضد الممتهن من السيوف في قطع الشجر‏.‏
وقال الطبري‏:‏ أصله من عضد الرجل إذا أصابه بسوء في عضده، ووقع في رواية لعمر بن شبة بلفظ ‏"‏ لا يخضد ‏"‏ بالخاء المعجمة بدل العين المهملة، وهو راجع إلى معناه فإن أصل الخضد الكسر ويستعمل في القطع‏.‏
قال القرطبي‏:‏ خص الفقهاء الشجر المنهي عن قطعه بما ينبته الله تعالى من غير صنع آدمي، فأما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه والجمهور عل الجواز‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ في الجميع الجزاء، ورجحه ابن قدامة‏.‏
واختلفوا في جزاء ما قطع من النوع الأول فقال مالك‏:‏ لا جزاء فيه بل يأثم‏.‏
وقال عطاء‏:‏ يستغفر‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ يؤخذ بقيمته هدي‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ في العظيمة بقرة وفيما دونها شاة‏.‏
واحتج الطبري بالقياس على جزاء الصيد، وتعقبه ابن القصار بأنه كان يلزمه أن يجعل الجزاء على المحرم إذا قطع شيئا من شجر الحل ولا قائل به‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم، إلا أن الشافعي أجاز قطع السواك من فروع الشجرة، كذا نقله أبو ثور عنه، وأجاز أيضا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها وبهذا قال عطاء ومجاهد وغيرهما، وأجازوا قطع الشوك لكونه يؤذي بطبعه فأشبه الفواسق، ومنعه الجمهور كما سيأتي في حديث ابن عباس بعد باب بلفظ ‏"‏ ولا يعضد شوكه ‏"‏ وصححه المتولي من الشافعية، وأجابوا بأن القياس المذكور في مقابلة النص‏.‏
فلا يعتبر به، حتى ولو لم يرد النص على تحريم الشوك لكان في تحريم قطع الشجر دليل على تحريم قطع الشوك لأن غالب شجر الحرم كذلك، ولقيام الفارق أيضا فإن الفواسق المذكورة تقصد بالأذى بخلاف الشجر‏.‏
قال ابن قدامة‏:‏ ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقطع من الشجر بغير صنع آدمي ولا بما يسقط من الورق نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا‏.‏
قوله ‏(‏فإن أحد‏)‏ هو فاعل بفعل مضمر يفسره ما بعده، وقوله ‏"‏ترخص ‏"‏ مشتق من الرخصة‏.‏
وفي رواية ابن أبي ذئب عند أحمد ‏"‏ فإن ترخص مترخص فقال‏:‏ أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس ‏"‏ وفي مرسل عطاء بن يزيد عند سعيد بن منصور ‏"‏ فلا يستن بي أحد فيقول قتل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإنما أذن لي‏)‏ بفتح أوله والفاعل الله، ويروي بضمه على البناء للمفعول‏.‏
قوله ‏(‏ساعة من نهار‏)‏ تقدم في العلم أن مقدارها ما بين طلوع الشمس وصلاة العصر، ولفظ الحديث عند أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏"‏ لما فتحت مكة قال‏:‏ كفوا السلاح، إلا خزاعة عن بني بكر‏.‏
فأذن لهم حتى صلى العصر، ثم قال‏:‏ كفوا السلاح، فلقي رجل من خزاعة رجلا من بني بكر من غد بالمزدلفة فقتله، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام خطيبا فقال، ورأيته مسندا ظهره إلى الكعبة ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
ويستفاد منه أن قتل من أذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتلهم - كابن خطل - وقع في الوقت الذي أبيح للنبي صلى الله عليه وسلم فيه القتال، خلافا لمن حمل قوله ‏"‏ ساعة من النهار ‏"‏ على ظاهره فاحتاج إلى الجواب عن قصة ابن خطل‏.‏
قوله ‏(‏وقد عادت حرمتها‏)‏ أي الحكم الذي في مقابلة إباحة القتال المستفادة من لفظ الإذن‏.‏
وقوله ‏(‏اليوم‏)‏ المراد به الزمن الحاضر، وقد بين غايته في رواية ابن أبي ذئب المذكورة بقوله ‏"‏ ثم هي حرام إلى يوم القيامة‏"‏‏.‏
وكذا في حديث ابن عباس الآتي بعد باب بقوله ‏"‏ فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليبلغ الشاهد الغائب‏)‏ قال ابن جرير‏:‏ فيه دليل على جواز قبول خبر الواحد، لأنه معلوم أن كل من شهد الخطبة قد لزمه الإبلاغ، وأنه لم يأمرهم بإبلاغ الغائب عنهم إلا وهو لازم له فرض العمل بما أبلغه كالذي لزم السامع سواء، وإلا لم يكن للأمر بالتبليغ فائدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقيل لأبي شريح‏)‏ لم أعرف اسم القائل، وظاهر رواية ابن إسحاق أنه بعض قومه من خزاعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يعيذ‏)‏ بالذال المعجمة أى لا يجير ولا يعصم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا فارا‏)‏ بالفاء وتثقيل الراء أي هاربا، والمراد من وجب عليه حد القتل فهرب إلى مكة مستجيرا بالحرم، وهي مسألة خلاف بين العلماء، وأغرب عمرو بن سعيد في سياقه الحكم مساق الدليل وفي تخصيصه العموم بلا مستند‏.‏
قوله ‏(‏بخربة‏)‏ تقدم تفسيره في العلم، وأشار ابن العربي إلى ضبطه بكسر أوله وبالزاي بدل الراء والتحتانية بدل الموحدة جعله من الخزي، والمعنى صحيح لكن لا تساعد عليه الرواية‏.‏
وأغرب الكرماني لما حكى هذا الوجه فأبدل الخاء المعجمة جيما جعله من الجزية، وذكر الجزية وكذا الذم بعد ذكر العصيان من الخاص بعد العام‏.‏
قوله ‏(‏خربة بلية‏)‏ هو تفسير من الراوي، والظاهر أنه المصنف، فقد وقع في المغازي في آخره ‏"‏ قال أبو عبد الله‏:‏ الخربة البلية ‏"‏ وسبق في العلم في آخره ‏"‏ يعني المسرقة ‏"‏ وهي أحد ما قيل في تأويلها، وأصلها سرقة الإبل ثم استعملت في كل سرقة‏.‏
وعن الخليل‏:‏ الخربة الفساد في الإبل، وقيل العيب، وقيل بضم أوله العورة وقيل الفساد، وبفتحه الفعلة الواحدة من الخرابة وهي السرقة‏.‏
وقد وهم من عد كلام عمرو بن سعيد هذا حديثا واحتج بما تضمنه كلامه‏.‏
قال ابن حزم‏:‏ لا كرامة للطيم الشيطان يكون أعلم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وأغرب ابن بطال فزعم أن سكوت أبي شريح عن جواب عمرو بن سعيد دال على أنه رجع إليه في التفصيل المذكور، ويعكر عليه ما وقع في رواية أحمد أنه قال في آخره‏:‏ قال أبو شريح فقلت لعمرو قد كنت شاهدا وكنت غائبا‏.‏
وقد أمرنا أن يبلغ شاهدنا غائبنا، وقد بلغتك‏.‏
فهذا يشعر بأنه لم يوافقه، وإنما ترك مشاققته لعجزه عنه لما كان فيه من قوة الشوكة‏.‏
وقال ابن بطال أيضا‏:‏ ليس قول عمرو جوابا لأبي شريح، لأنه لم يختلف معه في أن من أصاب حدا في غير الحرم ثم لجأ إليه أنه يجوز إقامة الحد عليه في الحرم، فإن أبا شريح أنكر بعث عمرو الجيش إلى مكة ونصب الحرب عليها فأحسن في استدلاله بالحديث، وحاد عمرو عن جوابه وأجابه عن غير سؤاله‏.‏
وتعقبه الطيبي بأنه لم يحد في جوابه، وإنما أجاب بما يقتضي القول بالموجب كأنه قال له‏:‏ صح سماعك وحفظك، لكن المعنى المراد من الحديث الذي ذكرته خلاف ما فهمته منه، فإن ذلك الترخص كان بسبب الفتح وليس، بسبب قتل من استحق القتل خارج الحرم ثم استجار بالحرم، والذي أنا فيه من القبيل الثاني‏.‏
قلت‏:‏ لكنها دعوى من عمرو بغير دليل، لأن ابن الزبير لم يجب عليه حد فعاذ بالحرم فرارا منه حتى يصح جواب عمرو، نعم كان عمرو يرى وجوب طاعة يزيد الذي استنابه، وكان يزيد أمر ابن الزبير أن يبايع له بالخلافة ويحضر إليه في جامعة يعني مغلولا فامتنع ابن الزبير وعاذ بالحرم فكان يقال له بذلك عائذ الله، وكان عمرو يعتقد أنه عاص بامتناعه من امتثال أمر يزيد ولهذا صدر كلامه بقوله ‏"‏ إن الحرم لا يعيذ عاصيا ‏"‏ ثم ذكر بقية ما ذكر استطرادا، فهذه شبهة عمرو وهي واهية‏.‏
وهذه المسألة التي وقع فيها الاختلاف بين أبي شريح وعمرو فيها اختلاف بين العلماء أيضا كما سيأتي بعد باب في الكلام على حديث ابن عباس‏.‏
وفي حديث أبي شريح من الفوائد غير ما تقدم جواز إخبار المرء عن نفسه بما يقتضى ثقته وضبطه لما سمعه ونحو ذلك، وإنكار العالم على الحاكم ما يغيره من أمر الدين والموعظة بلطف وتدريج، والاقتصار في الإنكار على اللسان إذا لم يستطع باليد، ووقوع التأكيد في الكلام البليغ، وجواز المجادلة في الأمور الدينية، وجواز النسخ، وأن مسائل الاجتهاد لا يكون فيها مجتهد حجة على مجتهد‏.‏
وفيه الخروج عن عهدة التبليغ والصبر على المكاره لمن لا يستطيع بدا من ذلك، وتمسك به من قال‏:‏ إن مكة فتحت عنوة‏.‏
قال النووي‏:‏ تأول من قال فتحت صلحا بأن القتال كان جائزا له لو فعله لكن لم يحتج إليه، وتعقب بأنه خلاف الواقع، وسيأتي البحث فيه في المغازي‏.‏
وقد تقدمت تسمية القاتل والمقتول في قصة أبي شريح في الكلام على حديث أبي هريرة‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا يُنَفَّرُ صَيْدُ الْحَرَمِ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب لا ينفر صيد الحرم‏)‏ بضم أوله وتشديد الفاء المفتوحة، قيل هو كناية عن الاصطياد، وقل هو على ظاهره كما سيأتي‏.‏
قال النووي‏:‏ يحرم التنفير - وهو الإزعاج - عن موضعه، فإن نفره عصى سواء تلف أو لا، فإن تلف في نفاره قبل سكونه ضمن وإلا فلا‏.‏
قال العلماء‏:‏ يستفاد من النهي عن التنفير تحريم الإتلاف بالأولى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ وَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ إِلَّا الْإِذْخِرَ وَعَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ هَلْ تَدْرِي مَا لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا هُوَ أَنْ يُنَحِّيَهُ مِنْ الظِّلِّ يَنْزِلُ مَكَانَهُ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏حدثنا عبد الوهاب‏)‏ هو الثقفي، وخالد هو الحذاء‏.‏
قوله ‏(‏إن الله حرم مكة فلم تحل لأحد بعدي‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فلا تحل ‏"‏ وهو أليق بقصد الأمر الآتي، وقد ذكره في الباب الذي بعده بلفظ ‏"‏ وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ‏"‏ وهو عند المصنف في أوائل البيع من طريق خالد الطحان عن خالد الحذاء بلفظ ‏"‏ فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ‏"‏ ومثله لأحمد من طريق وهيب عن خالد‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ المراد بقوله ‏"‏ ولا تحل لأحد بعدي ‏"‏ الإخبار عن الحكم في ذلك لا الإخبار بما سيقع لوقوع خلاف ذلك في الشاهد كما وقع من الحجاج وغيره‏.‏
انتهى‏.‏
ومحصله أنه خبر بمعنى النهي، بخلاف قوله ‏"‏ فلم تحل لأحد قبلي ‏"‏ فإنه خبر محض، أو معنى قوله ‏"‏ ولا تحل لأحد بعدي ‏"‏ أي لا يحلها الله بعدي، لأن النسخ ينقطع بعده لكونه خاتم النبيين‏.‏
قوله ‏(‏وعن خالد‏)‏ هو بالإسناد المذكور، وسيأتي في أوائل البيوع بأوضح مما هنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هل تدري ما لا ينفر صيدها الخ‏)‏ قيل نبه عكرمة بذلك على المنع من الإتلاف وسائر أنواع الأذى تنبيها بالأدنى على الأعلى، وقد خالف عكرمة عطاء ومجاهد فقالا‏:‏ لا بأس بطرده ما لم يفض إلى قتله‏.‏
أخرجه ابن أبي شيبة‏.‏
وروى ابن أبي شيبه أيضا من طريق الحكم عن شيخ من أهل مكة أن حماما كان على البيت فذرق على يد عمر، فأشار عمر بيده فطار فوقع على بعض بيوت مكة، فجاءت حية فأكلته، فحكم عمر على نفسه بشاة‏.‏
وروى من طريق أخرى عن عثمان نحوه‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 10:25 PM   #20
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ انْتَظَرَ حَتَّى تُدْفَنَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من انتظر حتى تدفن‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يذكر المصنف جواب ‏"‏ من ‏"‏ إما استغناء بما ذكر في الخبر أو توقفا على إثبات الاستحقاق بمجرد الانتظار إن خلا عن اتباع‏.‏
قال‏:‏ وعدل عن لفظ الشهود كما هو في الخبر إلى لفظ الانتظار لينبه على أن المقصود من الشهود إنما هو معاضدة أهل الميت والتصدي لمعونتهم، وذلك من المقاصد المعتبرة انتهى‏.‏
والذي يظهر لي أنه اختار لفظ الانتظار لكونه أعم من المشاهدة، فهو أكثر فائدة‏.‏
وأشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الانتظار ليفسر اللفظ الوارد بالمشاهدة به، ولفظ الانتظار وقع في رواية معمر عند مسلم، وقد ساق البخاري سندها ولم يذكر لفظها‏.‏
ووقعت هذه الطريق في بعض الروايات التي لم تتصل لنا عن البخاري في هذا الباب أيضا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ قَالَ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن مسلمة‏)‏ هو القعنبي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ يعني أبا سعيد كيسان المقبري وهو ثابت في جميع الطرق، وحكى الكرماني أنه سقط من بعض الطرق‏.‏
قلت‏:‏ والصواب إثباته‏.‏
وكذا أخرجه إسحاق بن راهويه والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن أبي ذئب، نعم سقط قوله ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ من رواية ابن عجلان عند أبي عوانة وعبد الرحمن بن إسحاق عند ابن أبي شيبة وأبي معشر عند حميد بن زنجويه ثلاثتهم عن سعيد المقبري‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يسق البخاري لفظ رواية أبي سعيد، ولفظه عند الإسماعيلي ‏"‏ أنه سأل أبا هريرة‏:‏ ما ينبغي في الجنازة‏؟‏ فقال‏:‏ سأخبرك بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ من تبعها من أهلها حتى يصلي عليها فله قيراط مثل أحد، ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان ‏"‏‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏وحدثني عبد الرحمن‏)‏ هو معطوف على مقدر أي قال ابن شهاب حدثني فلان بكذا، وحدثني عبد الرحمن الأعرج بكذا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يصلي‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ عليه ‏"‏ واللام للأكثر مفتوحة، وفي بعض الروايات بكسرها، ورواية الفتح محمولة عليها فإن حصول القيراط متوقف على وجود الصلاة من الذي يحصل له كما تقدم تقريره، وللبيهقي من طريق محمد بن علي الصائغ عن أحمد بن شبيب شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ حتى يصلي عليها ‏"‏ وكذا هو عند مسلم من طريق ابن وهب عن يونس، ولم يبين في هذه الرواية ابتداء الحضور، وقد تقدم بيانه في رواية أبي سعيد المقبري حيث قال ‏"‏ من أهلها ‏"‏ وفي رواية خباب عند مسلم ‏"‏ من خرج مع جنازة من بيتها ‏"‏ ولأحمد في حديث أبي سعيد الخدري ‏"‏ فمشى معها من أهلها ‏"‏ ومقتضاه أن القيراط يختصن بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة، وبذلك صرح المحب الطبري وغيره، والذي يظهر لي أن القيراط يحصل أيضا لمن صلى فقط لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها، لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع مثلا وصلى، ورواية مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ أصغرهما مثل أحد ‏"‏ يدل على أن القراريط تتفاوت‏.‏
ووقع أيضا في رواية أبي صالح المذكورة عند مسلم ‏"‏ من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط ‏"‏ وفي رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة عند أحمد ‏"‏ ومن صلى ولم يتبع فله قيراط ‏"‏ فدل على أن الصلاة تحصل القيراط وأن لم يقع اتباع، ويمكن أن يحمل الاتباع هنا على ما بعد الصلاة، وهل يأتي نظير هذا في قيراط الدفن‏؟‏ فيه بحث‏.‏
قال النووي في شرح البخاري عند الكلام على طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة في كتاب الإيمان بلفظ ‏"‏ من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معها حتى يصلي ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين‏"‏‏.‏
الحديث‏.‏
ومقتضى هذا أن القيراطين إنما يحصلان لمن كان معها في جميع الطريق حتى تدفن، فإن صلى مثلا وذهب إلى القبر وحده فحضر الدفن لم يحصل له إلا قيراط واحد انتهى‏.‏
وليس في الحديث ما يقتضي ذلك إلا من طريق المفهوم، فإن ورد منطوق بحصول القيراط لشهود الدفن وحده كان مقدما‏.‏
ويجمع حينئذ بتفاوت القيراط، والذين أبوا ذلك جعلوه من باب المطلق والمقيد، نعم مقتضى جميع الأحاديث أن من اقتصر على التشييع فلم يصل ولم يشهد الدفن فلا قيراط له إلا على الطريقة التي قدمناها عن ابن عقيل، لكن الحديث الذي أوردناه عن البراء في ذلك ضعيف‏.‏
وأما التقييد بالإيمان والاحتساب فلا بد منه لأن ترتب الثواب على العمل يستدعي سبق النية فيه فيخرج من فعل ذلك على سبيل المكافأة المجردة أو على سبيل المحاباة والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن شهد‏)‏ كذا في جميع الطرق بحذف المفعول‏.‏
وفي رواية البيهقي التي أشرت إليها ‏"‏ ومن شهدها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فله قيراطان‏)‏ ظاهره أنهما غير قيراط الصلاة، وهو ظاهر سياق أكثر الروايات، وبذلك جزم بعض المتقدمين وحكاه ابن التين عن القاضي أبي الوليد، لكن سياق رواية ابن سيرين يأبى ذلك وهي صريحة في أن الحاصل من الصلاة ومن الدفن قيراطان فقط، وكذلك رواية خباب صاحب المقصورة عند مسلم بلفظ ‏"‏ من خرج مع جنازة من بيتها ثم تبعها حتى كان له قيراطان من أجر، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع كان له قيراط ‏"‏ وكذلك رواية الشعبي عن أبي هريرة عند النسائي بمعناه، ونحوه رواية نافع بن جبير‏.‏
قال النووي‏:‏ رواية ابن سيرين صريحة في أن المجموع قيراطان، ومعني رواية الأعرج على هذا كان له قيراطان أي بالأول، وهذا مثل حديث ‏"‏ من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله ‏"‏ أي بانضمام صلاة العشاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى تدفن‏)‏ ظاهره أن حصول القيراط متوقف على فراغ الدفن، وهو أصح الأوجه عند الشافعية وغيرهم، وقيل يحصل بمجرد الوضع في اللحد، وقيل عند انتهاء الدفن قبل إهالة التراب، وقد وردت الأخبار بكل ذلك، ويترجح الأول للزيادة، فعند مسلم من طريق معمر في إحدى الروايتين عنه ‏"‏ حتى يفرغ منها ‏"‏ وفي الأخرى ‏"‏ حتى توضع في اللحد ‏"‏ وكذا عنده في رواية أبي حازم بلفظ ‏"‏ حتى توضع في القبر ‏"‏ وفي رواية ابن سيرين والشعبي ‏"‏ حتى يفرغ منها ‏"‏ وفي رواية أبي مزاحم عند أحمد ‏"‏ حتى يقضي قضاؤها ‏"‏ وفي رواية أبي سلمة عند الترمذي ‏"‏ حتى يقضى دفنها ‏"‏ وفي رواية ابن عياض عند أبي عوانة ‏"‏ حتى يسوى عليها ‏"‏ أي التراب، وهي أصرح الروايات في ذلك‏.‏
ويحتمل حصول القيراط بكل من ذلك، لكن يتفاوت القيراط كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قيل وما القيراطان‏)‏ لم يعين في هذه الرواية القائل ولا المقول له، وقد بين الثاني مسلم في رواية الأعرج هذه فقال ‏"‏ قيل وما القيراطان يا رسول الله ‏"‏ وعنده في حديث ثوبان ‏"‏ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيراط ‏"‏ وبين القائل أبو عوانة من طريق أبي مزاحم عن أبي هريرة ولفظه ‏"‏ قلت وما القيراط يا رسول الله‏"‏، ووقع عند مسلم أن أبا حازم أيضا سأل أبا هريرة عن ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مثل الجبلين العظيمين‏)‏ سبق أن في رواية ابن سيرين وغيره ‏"‏ مثل أحد ‏"‏ وفي رواية الوليد بن عبد الرحمن عند ابن أبي شيبة ‏"‏ القيراط مثل جبل أحد ‏"‏ وكذا في حديث ثوبان عند مسلم والبراء عند النسائي وأبي سعيد عند أحمد‏.‏
ووقع عند النسائي من طريق الشعبي ‏"‏ فله قيراطان من الأجر كل واحد منهما أعظم من أحد ‏"‏ وتقدم أن في رواية أبي صالح عند مسلم ‏"‏ أصغرهما مثل أحد ‏"‏ وفي رواية أبي بن كعب عند ابن ماجه ‏"‏ القيراط أعظم من أحد هذا ‏"‏ كأنه أشار إلى الجبل عند ذكر الحديث، وفي حديث واثلة عند ابن عدي ‏"‏ كتب له قيراطان من أجر أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أحد ‏"‏ فأفادت هذه الرواية بيان وجه التمثيل بجبل أحد وأن المراد به زنة الثواب المرتب على ذلك العمل‏.‏
وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم الترغيب في شهود الميت، والقيام بأمره، والحض على الاجتماع له، والتنبيه على عظيم فضل الله وتكريمه للمسلم في تكثير الثواب لمن يتولى أمره بعد موته، وفيه تقدير الأعمال بنسبة الأوزان إما تقريبا للأفهام وإما على حقيقته‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب صَلَاةِ الصِّبْيَانِ مَعَ النَّاسِ عَلَى الْجَنَائِزِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس في صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم على القبر، وقد تقدم توجيهه قبل ثلاثة أبواب، قال ابن رشيد‏:‏ أفاد بالترجمة الأولى بيان كيفية وقوف الصبيان مع الرجال وأنهم يصفون معهم لا يتأخرون عنهم، لقوله في الحديث الذي ساقه فيها ‏"‏ وأنا فيهم ‏"‏ وأفاد بهذه الترجمة مشروعية صلاة الصبيان على الجنائز، وهو وإن كان الأول دل عليه ضمنا لكن أراد التنصيص عليه وأخر هذه الترجمة عن فضل اتباع الجنائز ليبين أن الصبيان داخلون في قوله ‏"‏ من تبع جنازة‏"‏‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بِالْمُصَلَّى وَالْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ لم يتعرض المصنف لكون الميت بالمصلى أو لا لأن المصلى عليه كان غائبا وألحق حكم المصلى بالمسجد بدليل ما تقدم في العيدين وفي الحيض من حديث أم عطية ‏"‏ ويعتزل الحيض المصلى ‏"‏ فدل على أن للمصلى حكم المسجد فيما ينبغي أن يجتنب فيه ويلحق به ما سوى ذلك، وقد تقدم الكلام على ما في قصة الصلاة على النجاشي قبل خمسة أبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَّ بِهِمْ بِالْمُصَلَّى فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا
الشرح‏:‏
قوله ‏"‏وعن ابن شهاب ‏"‏ هو معطوف على الإسناد المصدر به، وسيأتي الكلام على عدد التكبير بعد ثلاثة أبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
حديث ابن عمر في رجم اليهوديين، سيأتي الكلام عليه مبسوطا في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى‏.‏
وحكى ابن بطال عن ابن حبيب أن مصلى الجنائز بالمدينة كان لاصقا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية جهة المشرق انتهى، فإن ثبت ما قال وإلا فيحتمل أن يكون المراد بالمسجد هنا المصلى المتخذ للعيدين والاستسقاء لأنه لم يكن عند المسجد النبوي مكان يتهيأ فيه الرجم، وسيأتي في قصة ماعز ‏"‏ فرجمناه بالمصلى ‏"‏ ودل حديث ابن عمر المذكور على أنه كان للجنائز مكان معد للصلاة عليها فقد يستفاد منه أن ما وقع من الصلاة على بعض الجنائز في المسجد كان لأمر عارض أو لبيان الجواز‏.‏
والله أعلم‏.‏
واستدل به على مشروعية الصلاة على الجنائز في المسجد، ويقويه حديث عائشة ‏"‏ ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد ‏"‏ أخرجه مسلم، وبه قال الجمهور‏.‏
وقال مالك‏:‏ لا يعجبني، وكرهه ابن أبي ذئب وأبو حنيفة وكل من قال بنجاسة الميت، وأما من قال بطهارته منهم فلخشية التلويث، وحملوا الصلاة على سهيل بأنه كان خارج المسجد والمصلون داخله وذلك جائز اتفاقا، وفيه نظر لأن عائشة استدلت بذلك لما أنكروا عليها أمرها بالمرور بجنازة سعد على حجرتها لتصلي عليه، واحتج بعضهم بأن العمل استقر على ترك ذلك لأن الذين أنكروا ذلك على عائشة كانوا من الصحابة، ورد بأن عائشة لما أنكرت ذلك الإنكار سلموا لها فدل على أنها حفظت ما نسوه، وقد روى ابن أبي شيبة وغيره ‏"‏ أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد، وأن صهيبا صلى على عمر في المسجد ‏"‏ زاد في رواية ‏"‏ ووضعت الجنازة في المسجد تجاه المنبر ‏"‏ وهذا يقتضي الإجماع على جواز ذلك‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا يُكْرَهُ مِنْ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ
وَلَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ضَرَبَتْ امْرَأَتُهُ الْقُبَّةَ عَلَى قَبْرِهِ سَنَةً ثُمَّ رُفِعَتْ فَسَمِعُوا صَائِحًا يَقُولُ أَلَا هَلْ وَجَدُوا مَا فَقَدُوا فَأَجَابَهُ الْآخَرُ بَلْ يَئِسُوا فَانْقَلَبُوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور‏)‏ ترجم بعد ثمانية أبواب ‏"‏ باب بناء المسجد على القبر ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ الاتخاذ أعم من البناء فلذلك أفرده بالترجمة، ولفظها يقتضي أن بعض الاتخاذ لا يكره، فكأنه يفصل بين ما إذا ترتبت على الاتخاذ مفسدة أو لا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولما مات الحسن بن الحسن‏)‏ هو ممن وافق اسمه اسم أبيه، وكانت وفاته سنة سبع وتسعين وهو من ثقات التابعين وروى له النسائي، وله ولد يسمى الحسن أيضا فهم ثلاثة في نسق، واسم امرأته المذكورة فاطمة بنت الحسين وهي ابنة عمه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏القبة‏)‏ أي الخيمة، فقد جاء في موضع آخر بلفظ الفسطاط كما رويناه في الجزء السادس عشر من حديث الحسين بن إسماعيل بن عبد الله المحاملي رواية الأصبهانيين عنه، وفي كتاب ابن أبي الدنيا في القبور من طريق المغيرة بن مقسم قال ‏"‏ لما مات الحسن بن الحسن ضربت امرأته على قبره فسطاطا فأقامت عليه سنة ‏"‏ فذكر نحوه، ومناسبة هذا الأثر لحديث الباب أن المقيم في الفسطاط لا يخلو من الصلاة هناك، فيلزم اتخاذ المسجد عند القبر، وقد يكون القبر في جهة القبلة فتزداد الكراهة‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ إنما ضربت الخيمة هناك للاستمتاع بالميت بالقرب منه تعليلا للنفس، وتخييلا باستصحاب المألوف من الأنس، ومكابرة للحس، كما يتعلل بالوقوف على الأطلال البالية ومخاطبة المنازل الخالية، فجاءتهم الموعظة على لسان الهاتفين بتقبيح ما صنعوا، وكأنهما من الملائكة، أو من مؤمني الجن‏.‏
وإنما ذكره البخاري لموافقته للأدلة الشرعية لا لأنه دليل برأسه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ هِلَالٍ هُوَ الْوَزَّانُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا قَالَتْ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَبْرَزُوا قَبْرَهُ غَيْرَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن شيبان‏)‏ هو ابن عبد الرحمن النحوي، وهلال الوزان هو ابن أبي حميد على المشهور، وكذا وقع منسوبا عند ابن أبي شيبة والإسماعيلي وغيرهما‏.‏
وقال البخاري في تاريخه‏:‏ قال وكيع هلال بن حميد‏.‏
وقال مرة هلال بن عبد الله ولا يصح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مسجدا‏)‏ في رواية الكشميهني مساجد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لأبرز قبره‏)‏ أي لكشف قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ عليه الحائل، والمراد الدفن خارج بيته، وهذا قالته عائشة قبل أن يوسع المسجد النبوي، ولهذا لما وسع المسجد جعلت حجرتها مثلثة الشكل محددة حتى لا يتأتى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر مع استقبال القبلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏غير أني أخشى‏)‏ كذا هنا‏.‏
وفي رواية أبي عوانة عن هلال الآتية في أواخر الجنائز ‏"‏ غير أنه خشي أو خشي ‏"‏ على الشك هل هو بفتح الخاء المعجمة أو ضمها‏.‏
وفي رواية مسلم ‏"‏ غير أنه خشي ‏"‏ بالضم لا غير، فرواية الباب تقتضي أنها هي التي امتنعت من إبرازه، ورواية الضم مبهمة يمكن أن تفسر بهذه، والهاء ضمير الشأن وكأنها أرادت نفسها ومن وافقها على ذلك، وذلك يقتضي أنهم فعلوه باجتهاد، بخلاف رواية الفتح فإنها تقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرهم بذلك، وقد تقدم الكلام على بقية فوائد المتن في أبواب المساجد في ‏"‏ باب هل تنبش قبور المشركين ‏"‏ قال الكرماني‏:‏ مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجدا، ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد على القبر، ومفهومهما متغاير، ويجاب بأنهما متلازمان وإن تغاير المفهوم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ إِذَا مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها‏)‏ وقع في نسخة ‏"‏ من ‏"‏ يدل ‏"‏ في‏"‏، أي في مدة نفاسها أو بسبب نفاسها، والأول أعم من جهة أنه يدخل فيه من ماتت منه أو من غيره، والثاني أليق بخبر الباب فإن في بعض طرقه أنها ماتت حاملا وتقدم الكلام عليه في أثناء كتاب الحيض‏.‏
وحسين المذكور في هذا الإسناد هو ابن ذكوان المعلم، قال الزين بن المنير وغيره‏:‏ المفصود بهذه الترجمة أن النفساء وإن كانت معدودة من جملة الشهداء فإن الصلاة عليها مشروعة، بخلاف شهيد المعركة‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب أَيْنَ يَقُومُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أين يقوم‏)‏ أي الإمام من المرأة والرجل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا
الشرح‏:‏
حديث سمرة المذكور في الباب ورد من وجه آخر عن حسين المعلم، وفيه مشروعية الصلاة على المرأة، فإن كونها نفساء وصف غير معتبر، وأما كونها امرأة فيحتمل أن يكون معتبرا فإن القيام عليها عند وسطها لسترها، وذلك مطلوب في حقها؛ بخلاف الرجل‏.‏
ويحتمل أن لا يكون معتبرا وأن ذلك كان قبل اتخاذ النعش للنساء، فأما بعد اتخاذه فقد حصل الستر المطلوب، ولهذا أورد المصنف الترجمة مورد السؤال، وأراد عدم التفرقة بين الرجل والمرأة، وأشار إلى تضعيف ما رواه أبو داود والترمذي من طريق أبي غالب عن أنس بن مالك أنه صلى على رجل فقام عند رأسه، وصلى على امرأة فقام عند عجيزتها، فقال له العلاء بن زياد‏:‏ أهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل‏؟‏ قال‏:‏ نعم وحكى ابن رشيد عن ابن المرابط أنه أبدى لكونها نفساء علة مناسبة وهي استقبال جنينها ليناله من بركة الدعاء، وتعقب بأن الجنين كعضو منها، ثم هو لا يصلى عليه إذا انفرد وكان سقطا فأحرى إذا كان باقيا في بطنها أن لا يقصد‏.‏
والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ روى حماد بن زيد عن عطاء بن السائب أن عبد الله بن معقل بن مقرن أتي بجنازة رجل وامرأة فصلى على الرجل ثم صلى على المرأة أخرجه ابن شاهين في الجنائز له، وهو مقطوع فإن عبد الله تابعي‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 10:27 PM   #21
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ أَرْبَعًا
وَقَالَ حُمَيْدٌ صَلَّى بِنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ سَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ كَبَّرَ الرَّابِعَةَ ثُمَّ سَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التكبير على الجنازة أربعا‏)‏ قال الزين بن المنير أشار بهذه الترجمة إلى أن التكبير لا يزيد على أربع، ولذلك لم يذكر ترجمة أخرى ولا خبرا في الباب، وقد اختلف السلف في ذلك‏:‏ فروى مسلم عن زيد بن أرقم أنه يكبر خمسا ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وروى ابن المنذر عن ابن مسعود أنه صلى على جنازة رجل من بني أسد فكبر خمسا، وروى ابن المنذر وغيره عن علي أنه كان يكبر على أهل بدر ستا وعلى الصحابة خمسا وعلى سائر الناس أربعا، وروي أيضا بإسناد صحيح عن أبي معبد قال صليت خلف ابن عباس على جنازة فكبر ثلاثا‏.‏
وسنذكر الاختلاف على أنس في ذلك‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ ذهب أكثر أهل العلم إلى أن التكبير أربع، وفيه أقوال أخر، فذكر ما تقدم‏.‏
قال‏:‏ وذهب بكر بن عبد الله المزني إلى أنه لا ينقص من ثلاث ولا يزاد على سبع‏.‏
وقال أحمد مثله لكن قال‏:‏ لا ينقص من أربع‏.‏
وقال ابن مسعود‏:‏ كبر ما كبر الإمام‏.‏
قال‏:‏ والذي نختاره ما ثبت عن عمر، ثم ساق بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب قال ‏"‏ كان التكبير أربعا وخمسا، فجمع عمر الناس على أربع ‏"‏ وروى البيهقي بإسناد حسن إلى أبي وائل قال ‏"‏ كانوا يكبرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعا وستا وخمسا وأربعا، فجمع عمر الناس على أربع كأطول الصلاة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال حميد‏:‏ صلى بنا أنس فكبر ثلاثا ثم سلم، فقيل له فاستقبل القبلة ثم كبر الرابعة ثم سلم‏)‏ لم أره موصولا من طريق حميد، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس أنه كبر على جنازة ثلاثا ثم انصرف ناسيا، فقالوا يا أبا حمزة إنك كبرت ثلاثا فقال‏:‏ صفوا فصفوا، فكبر الرابعة‏.‏
وروي عن أنس الاقتصار على ثلاث‏.‏
قال ابن أبي شيبة‏:‏ حدثنا معاذ بن معاذ عن عمران ابن حدير قال‏:‏ صليت مع أنس بن مالك على جنازة فكبر عليها ثلاثا لم يزد عليها‏.‏
وروى ابن المنذر من طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن أبي إسحاق قال قيل لأنس إن فلانا كبر ثلاثا فقال‏:‏ وهل التكبير إلا ثلاثا‏؟‏ انتهى قال مغلطاي إحدى الروايتين وهم‏.‏
قلت‏:‏ بل يمكن الجمع بين ما اختلف فيه على أنس إما بأنه كان يرى الثلاث مجزئة والأربع أكمل منها، وإما بأن من أطلق عنه الثلاث لم يذكر الأولى لأنها افتتاح الصلاة كما تقدم في باب سنة الصلاة من طريق ابن علية عن يحيى بن أبي إسحاق أن أنسا قال ‏"‏ أو ليس التكبير ثلاثا‏؟‏ فقيل له‏:‏ يا أبا حمزة التكبير أربعا‏.‏
قال‏:‏ أجل، غير أن واحدة هي افتتاح الصلاة ‏"‏ وقال ابن عبد البر‏:‏ لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال‏:‏ يزيد في التكبير على أربع إلا ابن أبي ليلى انتهى‏.‏
وفي المبسوط للحنفية قيل‏:‏ إن أبا يوسف قال يكبر خمسا‏.‏
وقد تقدم القول عن أحمد في ذلك‏.‏
ثم أورد المصنف حديث أبي هريرة في الصلاة على النجاشي، وقد تقدم الجواب عن إيراد من تعقبه بأن الصلاة على النجاشي صلاة على غائب لا على جنازة، ومحصل الجواب أن ذلك بطريق الأولى‏.‏
وقد روى ابن أبي داود في ‏"‏ الأفراد ‏"‏ من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكبر أربعا وقال‏:‏ لم أر في شيء من الأحاديث الصحيحة أنه كبر على جنازة أربعا إلا في هذا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَلِيمٍ أَصْحَمَةَ وَتَابَعَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال يزيد بن هرون وعبد الصمد عن سليم‏)‏ يعني بإسناده إلى جابر ‏(‏أصحمة‏)‏ ووقع في رواية المستملي وقال يزيد عن سليم أصحمة وتابعه عبد الصمد، أما رواية يزيد فوصلها المصنف في هجرة الحبشة عن أبي بكر بن أبي شيبة عنه، وأما رواية عبد الصمد فوصلها الإسماعيلي من طريق أحمد بن سعيد عنه‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ وقع في جميع الطرق التي اتصلت لنا من البخاري أصحمة بمهملتين بوزن أفعلة مفتوح العين في المسند والمعلق معا، وفيه نظر لأن إيراد المصنف يشعر بأن يزيد خالف محمد بن سنان، وأن عبد الصمد تابع يزيد، ووقع في مصنف ابن أبي شيبة عن يزيد صحمة بفتح الصاد وسكون الحاء فهذا متجه، ويتحصل منه أن الرواة اختلفوا في إثبات الألف وحذفها‏.‏
وحكى الإسماعيلي أن في رواية عبد الصمد أصخمة بخاء معجمة وإثبات الألف، قال‏:‏ وهو غلط فيحتمل أن يكون هذا محل الاختلاف الذي أشار إليه البخاري‏.‏
وحكى كثير من الشراح أن رواية يزيد ورفيقه صحمة بالمهملة بغير ألف، وحكى الكرماني أن في بعض النسخ في رواية محمد بن سنان أصحبة بموحدة بدل الميم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى الْجَنَازَةِ
وَقَالَ الْحَسَنُ يَقْرَأُ عَلَى الطِّفْلِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَسَلَفًا وَأَجْرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة‏)‏ أي مشروعيتها، وهي من المسائل المختلف فيها، ونقل ابن المنذر عن ابن مسعود والحسن بن علي وابن الزبير والمسور بن مخرمة مشروعيتها، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق‏.‏
ونقل عن أبي هريرة وابن عمر ليس فيها قراءة وهو قول مالك والكوفيين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن إلخ‏)‏ وصله عبد الوهاب بن عطاء في ‏"‏ كتاب الجنائز ‏"‏ له عن سعيد بن أبي عروبة أنه سئل عن الصلاة على الصبي فأخبرهم عن قتادة عن الحسن أنه كان يكبر ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثم يقول‏:‏ اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا‏.‏
وروى عبد الرزاق والنسائي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال ‏"‏ السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص الدعاء للميت ولا يقرأ إلا في الأولى ‏"‏ إسناده صحيح‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ عَنْ طَلْحَةَ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ح حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سعد‏)‏ هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وطلحة هو ابن عبد الله بن عوف الخزاعي كما نسبهما في الإسناد الثاني‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ليس في حديث الباب بيان محل قراءة الفاتحة، وقد وقع التصريح به في حديث جابر أخرجه الشافعي بلفظ ‏"‏ وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى ‏"‏ أفاده شيخنا في شرح الترمذي وقال إن سنده ضعيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لتعلموا أنها سنة‏)‏ قال الإسماعيلي‏:‏ جمع البخاري بين روايتي شعبة وسفيان، وسياقهما مختلف ا ه‏.‏
فأما رواية شعبة فقد أخرجها ابن خزيمة في صحيحه والنسائي جميعا عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ فأخذت بيده فسألته عن ذلك فقال‏:‏ نعم يا ابن أخي، إنه حق وسنة ‏"‏ وللحاكم من طريق آدم عن شعبة ‏"‏ فسألته فقلت‏:‏ يقرأ‏؟‏ نعم، إنه حق وسنة‏"‏‏.‏
وأما رواية سفيان فأخرجها الترمذي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عنه بلفظ ‏"‏ فقال‏:‏ أنه من السنة، أو من تمام السنة ‏"‏ وأخرجه النسائي أيضا من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الإسناد بلفظ ‏"‏ فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده فسألته، فقال‏:‏ سنة وحق ‏"‏ وللحاكم من طريق ابن عجلان أنه سمع سعيد بن أبي سعيد يقول‏:‏ ‏"‏ صلى ابن عباس على جنازة فجهر بالحمد ثم قال‏:‏ إنما جهرت لتعلموا أنها سنة ‏"‏ وقد أجمعوا على أن قول الصحابي ‏"‏ سنة ‏"‏ حديث مسند، كذا نقل الإجماع، مع أن الخلاف عند أهل الحديث وعند الأصوليين شهير، وعلى الحاكم فيه مأخذ آخر وهو استدراكه له وهو في البخاري، وقد روى الترمذي من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وقال‏:‏ لا يصح هذا، والصحيح عن ابن عباس قوله ‏"‏ من السنة ‏"‏ وهذا مصير منه إلى الفرق بين الصيغتين، ولعله أراد الفرق بالنسبة إلى الصراحة والاحتمال، والله أعلم‏.‏
وروى الحاكم أيضا من طريق شرحبيل بن سعد عن ابن عباس أنه صلى على جنازة بالأبواء فكبر، ثم قرأ الفاتحة رافعا صوته، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال‏:‏ اللهم عبدك وابن عبدك أصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه، إن كان زاكيا فزكه، وإن كان مخطئا فاغفر له‏.‏
اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده‏.‏
ثم كبر ثلاث تكبيرات ثم انصرف فقال يا أيها الناس، إني لم أقرأ عليها - أي جهرا - إلا لتعلموا أنها سنة‏"‏‏.‏
قال الحاكم‏:‏ شرحبيل لم يحتج به الشيخان، وإنما أخرجته لأنه مفسر للطرق المتقدمة انتهى‏.‏
وشرحبيل مختلف في توثيقه، واستدل الطحاوي على ترك القراءة في الأولى بتركها في باقي التكبيرات وبترك التشهد، قال‏:‏ ولعل قراءة من قرأ الفاتحة من الصحابة كان على وجه الدعاء لا على وجه التلاوة‏.‏
وقوله ‏"‏أنها سنة ‏"‏ يحتمل أن يريد أن الدعاء سنة انتهى‏.‏
ولا يخفى ما يجيء على كلامه من التعقب، وما يتضمنه استدلاله من التعسف‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ مَا يُدْفَنُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة على القبر بعدما يدفن‏)‏ وهذه أيضا من المسائل المختلف فيها، قال ابن المنذر قال بمشروعيته الجمهور، ومنعه النخعي ومالك وأبو حنيفة، وعنهم إن دفن قبل أن يصلى عليه شرع إلا فلا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَأَمَّهُمْ وَصَلَّوْا خَلْفَهُ قُلْتُ مَنْ حَدَّثَكَ هَذَا يَا أَبَا عَمْرٍو قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت من حدثك هذا يا أبا عمرو‏)‏ القائل هو الشيباني، والمقول له هو الشعبي‏.‏
وقد تقدم في ‏"‏ باب الإذن بالجنازة ‏"‏ بأتم من هذا السياق، وفيه عن الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس، وتكلما هناك على ما ورد في تسمية المقبور المذكور‏.‏
ووقع في الأوسط للطبراني من طريق محمد بن الصباح الدولابي عن إسماعيل بن زكريا عن الشيباني أنه صلى عليه بعد دفنه بليلتين‏.‏
وقال‏:‏ إن إسماعيل تفرد بذلك‏.‏
ورواه الدارقطني من طريق هريم بن سفيان عن الشيباني فقال ‏"‏ بعد موته بثلاث ‏"‏ ومن طريق بشر بن آدم عن أبي عاصم عن سفيان الثوري عن الشيباني فقال ‏"‏ بعد شهر ‏"‏ وهذه روايات شاذة، وسياق الطرق الصحيحة يدل على أنه صلى عليه في صبيحة دفنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَسْوَدَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً كَانَ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَمَاتَ وَلَمْ يَعْلَمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْتِهِ فَذَكَرَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ مَا فَعَلَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ قَالُوا مَاتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَفَلَا آذَنْتُمُونِي فَقَالُوا إِنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا قِصَّتُهُ قَالَ فَحَقَرُوا شَأْنَهُ قَالَ فَدُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله في حديث أبي هريرة ‏(‏فأتى قبره فصلى عليه‏)‏ زاد ابن حبان في رواية حماد بن سلمة عن ثابت ‏"‏ ثم قال إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها عليهم بصلاتي ‏"‏ وأشار إلى أن بعض المخالفين احتج بهذه الزيادة على أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم‏.‏
ثم ساق من طريق خارجة بن زيد بن ثابت نحو هذه القصة وفيها ‏"‏ ثم أتى القبر فصففنا خلفه وكبر عليه أربعا ‏"‏ قال ابن حبان‏:‏ في ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم على من صلى معه على القبر بيان جواز ذلك لغيره، وأنه ليس من خصائصه‏.‏
وتعقب بأن الذي يقع بالتبعية لا ينهض دليلا للأصالة، واستدل بخبر الباب على رد التفصيل بين من صلى عليه فلا يصلى عليه بأن القصة وردت فيمن صلى عليه، وأجيب بأن الخصوصية تنسحب على ذلك‏.‏
واختلف من قال بشرع الصلاة لمن لم يصل فقيل‏:‏ يؤخر دفنه ليصلي عليها من كان لم يصل، وقيل‏:‏ يبادر بدفنها ويصلي الذي فاتته على القبر، وكذا اختلف في أمد ذلك‏:‏ فعند بعضهم إلى شهر، وقيل ما لم يبل الجسد، وقيل‏:‏ يختص بمن كان من أهل الصلاة عليه حين موته وهو الراجح عند الشافعية، وقيل‏:‏ يجوز أبدا‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْمَيِّتُ يَسْمَعُ خَفْقَ النِّعَالِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الميت يسمع خفق النعال‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ جرد المصنف ما ضمنه هذه الترجمة ليجعله أول آداب الدفن من إلزام الوقار واجتناب اللغط وقرع الأرض بشدة الوطء عليها كما يلزم ذلك مع الحي النائم، وكأنه اقتطع ما هو من سماع الآدميين من سماع ما هو من الملائكة، وترجم بالخفق ولفظ المتن بالقرع إشارة إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الخفق وهو ما رواه أحمد وأبو داود من حديث البراء بن عازب في أثناء حديث طويل فيه ‏"‏ وأنه ليسمع خفق نعالهم ‏"‏ وروى إسماعيل بن عبد الرحمن السدي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين ‏"‏ أخرجه البزار وابن حبان في صحيحه هكذا مختصرا‏.‏
وأخرج ابن حبان أيضا من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ نحوه في حديث طويل، واستدل به على جواز المشي بين القبور بالنعال، ولا دلالة فيه‏.‏
قال ابن الجوزي‏:‏ ليس في الحديث سوى الحكاية عمن يدخل المقابر، وذلك لا يقتضي إباحة ولا تحريما انتهى‏.‏
وإنما استدل به من استدل على الإباحة أخذا من كونه صلى الله عليه وسلم قاله وأقره فلو كان مكروها لبينه، لكن يعكر عليه احتمال أن يكون المراد سماعه إياها بعد أن يجاوز المقبرة، ويدل على الكراهة حديث بشير بن الخصاصية ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يمشي بين القبور وعليه نعلان سبتيتان فقال‏:‏ يا صاحب السبتيتين ألق نعليك ‏"‏ أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم‏.‏
وأغرب ابن حزم فقال‏:‏ يحرم المشي بين القبور بالنعال السبتية دون غيرها، وهو جمود شديد‏.‏
وأما قول الخطابي يشبه أن يكون النهي عنهما لما فيهما من الخيلاء فإنه متعقب بأن ابن عمر كان يلبس النعال السبتية ويقول ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسها ‏"‏ وهو حديث صحيح كما سيأتي في موضعه‏.‏
وقال الطحاوي‏:‏ يحمل نهي الرجل المذكور على أنه كان في نعليه قذر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه ما لم ير فيهما أذى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوْ الْمُنَافِقُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عياش‏)‏ هو ابن الوليد الرقام كما جزم به أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ وهو بتحتانية ومعجمة، وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى‏.‏
وساق حديثه مقرونا برواية خليفة عن يزيد بن زريع على لفظ خليفة، وسيأتي مفردا في عذاب القبر عن عياش بن الوليد بلفظه وما فيه من زيادة، ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله‏.‏
وقوله هنا ‏"‏ إذا وضع في قبره وتولي وذهب أصحابه ‏"‏ كذا ثبت في جميع الروايات فقال ابن التين‏:‏ إنه كرر اللفظ والمعني واحد، ورأيته أنا مضبوطا بخط معتمد ‏"‏ وتولي ‏"‏ بضم أوله وكسر اللام على البناء للمجهول، أي تولي أمره أي الميت، وسيأتي في رواية عياش بلفظ ‏"‏ وتولى عنه أصحابه ‏"‏ وهو الموجود في جميع الروايات عند مسلم وغيره‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 10:29 PM   #22
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب مَنْ أَحَبَّ الدَّفْنَ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ أَوْ نَحْوِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ المراد بقوله ‏"‏ أو نحوها ‏"‏ بقية ما تشد إليه الرجال من الحرمين وكذلك ما يمكن من مدافن الأنبياء وقبور الشهداء والأولياء تيمنا بالجوار وتعرضا للرحمة النازلة عليهم اقتداء بموسى عليه السلام، انتهى‏.‏
وهذا بناء على أن المطلوب القرب من الأنبياء الذين دفنوا ببيت المقدس، وهو الذي رجحه عياض‏.‏
وقال المهلب‏:‏ إنما طلب ذلك ليقرب عليه المشي إلى المحشر وتسقط عنه المشقة الحاصلة لمن بعد عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ ارْجِعْ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ قَالَ أَيْ رَبِّ ثُمَّ مَاذَا قَالَ ثُمَّ الْمَوْتُ قَالَ فَالْآنَ فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة ‏"‏ أرسل ملك الموت إلى موسى ‏"‏ الحديث أورده المصنف بطوله من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه عنه ولم يذكر فيه الرفع، وقد ساقه في أحاديث الأنبياء من هذا الوجه ثم قال‏:‏ وعن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وقد ساقه مسلم من طريق معمر بالسندين كذلك‏.‏
وقوله فيه ‏"‏ رمية بحجر ‏"‏ أي قدر رمية حجر، أي أدنني من مكان إلى الأرض المقدسة هذا القدر، أو أدنني إليها حتى يكون بيني وبينها هذا القدر، وهذا الثاني أظهر، وعليه شرح ابن بطال وغيره‏.‏
وأما الأول فهو وإن رجحه بعضهم فليس بجيد إذ لو كان كذلك لطلب الدنو أكثر من ذلك، ويحتمل أن يكون القدر الذي كان بينه وبين أول الأرض المقدسة كان قدر رمية فلذلك طلبها، لكن حكى ابن بطال عن غيره أن الحكمة في أنه لم يطلب دخولها ليعمى موضع قبره لئلا تعبده الجهال من ملته انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون سر ذلك أن الله لما منع بنى إسرائيل من دخول بيت المقدس وتركهم في التيه أربعين سنة إلى أن أفناهم الموت فلم يدخل الأرض المقدسة مع يوشع إلا أولادهم، ولم يدخلها معه أحد ممن امتنع أولا أن يدخلها كما سيأتي شرح ذلك في أحاديث الأنبياء ومات هرون ثم موسى عليهما السلام قبل فتح الأرض المقدسة على الصحيح كما سيأتي واضحا أيضا، فكأن موسى لما لم يتهيأ له دخولها لغلبة الجبارين عليها ولا يمكن نبشه بعد ذلك لينقل إليها طلب القرب منها لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه، وقيل إنما طلب موسى الدنو لأن النبي يدفن حيث يموت ولا ينقل، وفيه نظر لأن موسى قد نقل يوسف عليهما السلام معه لما خرج من مصر كما سيأتي ذلك في ترجمته إن شاء الله تعالى، وهذا كله بناء على الاحتمال الثاني والله أعلم‏.‏
واختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد، فقيل‏:‏ يكره لما فيه من تأخير دفنه وتعريضه لهتك حرمته، وقيل يستحب، والأولى تنزيل ذلك على حالتين‏:‏ فالمنع حيث لم يكن هناك غرض راجح كالدفن في البقاع الفاضلة، وتختلف الكراهة في ذلك فقد تبلغ التحريم، والاستحباب حيث يكون ذلك بقرب مكان فاضل كما نص الشافعي على استحباب نقل الميت إلى الأرض الفاضلة كمكة وغيرها‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ
وَدُفِنَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الدفن بالليل‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى الرد على من منع ذلك محتجا بحديث جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر أن يقبر الرجل ليلا إلا أن يضطر إلى ذلك ‏"‏ أخرجه ابن حبان، لكن بين مسلم في روايته السبب في ذلك ولفظه ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض وكفن في كفن غير طائل وقبر ليلا، فزجر أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلي عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك‏.‏
وقال إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه ‏"‏ فدل على أن النهي بسبب تحسين الكفن‏.‏
وقوله ‏"‏حتى يصلي عليه ‏"‏ مضبوط بكسر اللام أي النبي صلى الله عليه وسلم فهذا سبب آخر يقتضي أنه إن رجي بتأخير الميت إلى الصباح صلاة من ترجى بركته عليه استحب تأخيره، وإلا فلا، وبه جزم الطحاوي‏.‏
واستدل المصنف للجواز بما ذكره من حديث ابن عباس ‏"‏ ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم دفنهم إياه بالليل، بل أنكر عليهم عدم إعلامهم بأمره ‏"‏ وأيد ذلك بما صنع الصحابة بأبي بكر، وكان ذلك كالإجماع منهم على الجواز‏.‏
وقد تقدم الكلام على حديث ابن عباس قريبا‏.‏
وأما أثر أبي بكر فوصله المصنف في أواخر الجنائز في ‏"‏ باب موت يوم الاثنين ‏"‏ من حديث عائشة وفيه ‏"‏ ودفن أبو بكر قبل أن يصبح ‏"‏ ولابن أبي شيبة من حديث القاسم بن محمد قال ‏"‏ دفن أبو بكر ليلا ‏"‏ ومن حديث عبيد بن السباق ‏"‏ أن عمر دفن أبا بكر بعد العشاء الآخرة ‏"‏ وصح أن عليا دفن فاطمة ليلا كما سيأتي في مكانه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب بِنَاءِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْقَبْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب بناء المسجد على القبر‏)‏ أورد فيه حديث عائشة في لعن من بنى على القبر مسجدا، وقد تقدم الكلام عليه قبل ثمانية أبواب‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ كأنه قصد بالترجمة الأولى اتخاذ المساجد في المقبرة لأجل القبور بحيث لولا تجدد القبر ما اتخذ المسجد‏.‏
ويؤيده بناء المسجد في المقبرة على حدته لئلا يحتاج إلى الصلاة فيوجد مكان يصلى فيه سوى المقبرة، فلذلك نحا به منحى الجواز انتهى‏.‏
وقد تقدم أن المنع من ذلك إنما هو حال خشية أن يصنع بالقبر كما صنع أولئك الذين لعنوا، وأما إذا أمن ذلك فلا امتناع، وقد يقول بالمنع مطلقا من يرى سد الذريعة وهو هنا متجه قوي‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ يَدْخُلُ قَبْرَ الْمَرْأَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من يدخل قبر المرأة‏)‏ أورد فيه حديث أنس في دفن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزول أبي طلحة في قبرها، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ فَقَالَ هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفْ اللَّيْلَةَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَنَا قَالَ فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا قَالَ ابْنُ مُبَارَكٍ قَالَ فُلَيْحٌ أُرَاهُ يَعْنِي الذَّنْبَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ لِيَقْتَرِفُوا أَيْ لِيَكْتَسِبُوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن المبارك‏)‏ تقضم هناك أن الإسماعيلي وصله من طريقه‏.‏
ووقع في رواية أبي الحسن القابسي هنا ‏"‏ قال أبو المبارك ‏"‏ بلفظ الكنية، ونقل أبو علي الجياني عنه أنه قال‏:‏ أبو المبارك كنية محمد بن سنان يعني راوي الطريق الموصولة، وتعقبه بأن محمد بن سنان يكنى أبا بكر بغير خلاف عند أهل العلم بالحديث، والصواب ابن المبارك كما في بقية الطرق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليقترفوا‏:‏ ليكتسبوا‏)‏ ثبت هذا في رواية الكشميهني، وهذا تفسير ابن عباس أخرجه الطبراني من طريق علي بن أبي طلحة عنه، قال في قوله تعالى ‏(‏وليقترفوا ما هم مقترفون‏)‏ ‏:‏ ليكتسبوا ما هم مكتسبون‏.‏
وفي هذا مصير من البخاري إلى تأييد ما قاله ابن المبارك عن فليح، أو أراد أن يوجه الكلام المذكور، وأن لفظ المقارفة في الحديث أريد به ما هو أخص من ذلك وهو الجماع‏.‏


حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-2013, 11:56 PM   #23
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة على الشهداء‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ أراد باب حكم الصلاة على الشهيد، ولذلك أورد فيه حديث جابر الدال على نفيها، وحديث عقبة الدال على إثباتها قال‏:‏ ويحتمل أن يكون المراد باب مشروعية الصلاة على الشهيد في قبره لا قبل دفنه عملا بظاهر الحديثين، قال‏:‏ والمراد بالشهيد قتيل المعركة في حرب الكفار انتهى‏.‏
وكذا المراد بقوله بعد ‏"‏ من لم ير غسل الشهيد ‏"‏ ولا فرق في ذلك بين المرأة والرجل صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا صالحا أو غير صالح، وخرج بقوله ‏"‏ المعركة ‏"‏ من جرح في القتال وعاش بعد ذلك حياة مستقرة، وخرج بحرب الكفار من مات بقتال المسلمين كأهل البغي، وخرج بجميع ذلك من سمي شهيدا بسبب غير السبب المذكور، وإنما يقال له شهيد بمعنى ثواب الآخرة، وهذا كله على الصحيح من مذاهب العلماء‏.‏
والخلاف في الصلاة على قتيل معركة الكفار مشهور، قال الترمذي‏:‏ قال بعضهم يصلى على الشهيد وهو قول الكوفيين وإسحاق‏.‏
وقال بعضهم لا يصلى عليه وهو قول المدنيين والشافعي وأحمد‏.‏
وقال الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏ جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد، وما روي أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح‏.‏
وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحي على نفسه‏.‏
قال‏:‏ وأما حديث عقبة بن عامر فقد وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين، يعني والمخالف يقول لا يصلى على القبر إذا طالت المدة‏.‏
قال وكأنه صلى الله عليه وسلم دعا لهم واستغفر لهم حين علم قرب أجله مودعا لهم بذلك، ولا يدل ذلك على نسخ الحكم الثابت انتهى‏.‏
وما أشار إليه من المدة والتوديع قد أخرجه البخاري أيضا كما سننبه عليه بعد هذا‏.‏
ثم إن الخلاف في ذلك في منع الصلاة عليهم على الأصح عند الشافعية، وفي وجه أن الخلاف في الاستحباب وهو المنقول عن الحنابلة، قال الماوردي عن أحمد‏:‏ الصلاة على الشهيد أجود، وأن لم يصلوا عليه أجزأ‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر‏)‏ كذا يقول الليث عن ابن شهاب، قال النسائي‏:‏ لا أعلم أحدا من ثقات أصحاب ابن شهاب تابع الليث على ذلك‏.‏
ثم ساقه من طريق عبد الله بن المبارك عن معمر عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة فذكر الحديث مختصرا، وكذا أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق، والطبراني من طريق عبد الرحمن بن إسحاق وعمرو بن الحارث كلهم عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة، وعبد الله له رؤية فحديثه من حيث السماع مرسل، وقد رواه عبد الرزاق عن معمر فزاد فيه جابرا، وهو مما يقوي اختيار البخاري، فإن ابن شهاب صاحب حديث فيحمل على أن الحديث عنده عن شيخين، ولا سيما أن في رواية عبد الرحمن بن كعب ما ليس في رواية عبد الله بن ثعلبة‏.‏
وعلي بن شهاب فيه اختلاف آخر رواه أسامة بن زيد الليثي عنه عن أنس أخرجه أبو داود والترمذي، وأسامة سيء الحفظ، وقد حكى الترمذي في ‏"‏ العلل ‏"‏ عن البخاري أن أسامة غلط في إسناده‏.‏
وأخرجه البيهقي من طريق عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري عن ابن شهاب فقال‏:‏ ‏"‏ عن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه ‏"‏ وابن عبد العزيز ضعيف، وقد أخطأ في قوله ‏"‏ عن أبيه‏"‏‏.‏
وقد ذكر البخاري فيه اختلافا آخر كما سيأتي بعد بابين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يقول أيهما‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أيهم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم يصل عليهم‏)‏ هو مضبوط في روايتنا بفتح اللام، وهو اللائق بقوله بعد ذلك ‏"‏ ولم يغسلوا ‏"‏ وسيأتي بعد بابين من وجه آخر عن الليث بلفظ ‏"‏ ولم يصل عليهم ولم يغسلهم ‏"‏ وهذه بكسر اللام والمعني ولم يفعل ذلك بنفسه ولا بأمره‏.‏
وفي حديث جابر هذا مباحث كثيرة يأتي استيفاؤها في غزوة أحد من المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏
وفيه جواز تكفين الرجلين في ثوب واحد لأجل الضرورة إما بجمعهما فيه وإما بقطعه بينهما، وعلى جواز دفن اثنين في لحد، وعلى استحباب تقديم أفضلهما لداخل اللحد، وعلى أن شهيد المعركة لا يغسل، وقد ترجم المصنف لجميع ذلك‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية أسامة المذكورة ‏"‏ لم يصل عليهم ‏"‏ كما في حديث جابر‏.‏
وفي رواية عنه عند الشافعي والحاكم ‏"‏ ولم يصل على أحد غيره ‏"‏ يعني حمزة‏.‏
وقال الدارقطني‏:‏ هذه اللفظة غير محفوظة - يعني عن أسامة - والصواب الرواية الموافقة لحديث الليث والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ أَوْ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي الخير‏)‏ هو اليزني، والإسناد كله بصريون، وهذا معدود من أصح الأسانيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلاته‏)‏ بالنصب أي مثل صلاته‏.‏
زاد في غزوة أحد من طريق حيوة بن شريح عن يزيد ‏"‏ بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وسيأتي الكلام على الزيادة هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
وكانت أحد في شوال سنة ثلاث، ومات صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة إحدى عشرة، فعلى هذا ففي قوله ‏"‏ بعد ثمان سنين ‏"‏ تجوز على طريق جبر الكسر، إلا فهي سبع سنين ودون النصف‏.‏
واستدل به على مشروعية الصلاة على الشهداء وقد تقدم جواب الشافعي عنه بما لا مزيد عليه‏.‏
وقال الطحاوي‏:‏ معنى صلاته صلى الله عليه وسلم عليهم لا يخلو من ثلاثة معان‏:‏ إما أن يكون ناسخا لما تقدم من ترك الصلاة عليهم، أو يكون من سنتهم أن لا يصلي عليهم إلا بعد هذه المدة المذكورة، أو تكون الصلاة عليهم جائزة بخلاف غيرهم فإنها واجبة‏.‏
وأيها كان فقد ثبت بصلاته عليهم الصلاة على الشهداء‏.‏
ثم كأن الكلام بين المختلفين في عصرنا إنما هو في الصلاة عليهم قبل دفنهم، وإذا ثبتت الصلاة عليهم بعد الدفن كانت قبل الدفن أولى انتهى‏.‏
وغالب ما ذكره بصدد المنع - لا سيما في دعوى الحصر - فإن صلاته عليهم تحتمل أمورا أخر‏:‏ منها أن تكون من خصائصه، ومنها أن تكون بمعنى الدعاء كما تقدم‏.‏
ثم هي واقعة عين لا عموم فيها، فكيف ينتهض الاحتجاج بها لدفع حكم قد تقرر‏؟‏ ولم يقل أحد من العلماء بالاحتمال الثاني الذي ذكره والله أعلم‏.‏
قال النووي‏:‏ المراد بالصلاة هنا الدعاء، وأما كونه مثل الذي على الميت فمعناه أنه دعا لهم بمثل الدعاء الذي كانت عادته أن يدعو به للموتى‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏إني فرط لكم‏)‏ أي سابقكم، و قوله‏:‏ ‏(‏وإني والله‏)‏ فيه الحلف لتأكيد الخبر وتعظيمه، و قوله‏:‏ ‏(‏لأنظر إلى حوضي‏)‏ هو على ظاهره، وكأنه كشف له عنه في تلك الحالة‏.‏
وسيأتي الكلام على الحوض مستوفى في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى، وكذا على المنافسة في الدنيا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما أخاف عليكم أن تشركوا‏)‏ أي على مجموعكم، لأن ذلك قد وقع من البعض أعاذنا الله تعالى‏.‏
وفي هذا الحديث معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك أورده المصنف في ‏"‏ علامات النبوة ‏"‏ كما سيأتي بقية الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب دَفْنِ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب دفن الرجلين والثلاثة في قبر‏)‏ أورد فيه حديث جابر المذكور مختصرا بلفظ ‏"‏ كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ جرى المصنف على عادته إما بالإشارة إلى ما ليس على شرطه، وإما بالاكتفاء بالقياس‏.‏
وقد وقع في رواية عبد الرزاق يعني المشار إليها قبل بلفظ ‏"‏ وكان يدفن الرجلين والثلاثة في القبر الواحد ‏"‏ انتهى‏.‏
وورد ذكر الثلاثة في هذه القصة عن أنس أيضا عند الترمذي وغيره، وروى أصحاب السنن عن هشام بن عامر الأنصاري قال‏:‏ جاءت الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقالوا‏:‏ أصابنا قرح وجهد، قال‏:‏ احفروا وأوسعوا‏.‏
واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر ‏"‏ صححه الترمذي، والظاهر أن المصنف أشار إلى هذا الحديث‏.‏
وأما القياس ففيه نظر، لأنه لو أراده لم يقتصر عل الثلاثة بل كان يقول مثلا دفن الرجلين فأكثر، ويؤخذ من هذا جواز دفن المرأتين في قبر، وأما دفن الرجل مع المرأة فروى عبد الرزاق بإسناد حسن عن واثلة بن الأسقع ‏"‏ أنه كان يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد فيقدم الرجل ويجعل المرأة وراءه‏"‏، وكأنه كان يجعل بينهما حائلا من تراب ولا سيما إن كانا أجنبيين‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ لَمْ يَرَ غَسْلَ الشُّهَدَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم ير غسل الشهداء‏)‏ في نسخة ‏"‏ الشهيد ‏"‏ بالإفراد‏.‏
أشار بذلك إلى ما روي عن سعيد بن المشيب أنه قال‏:‏ يغسل الشهيد، لأن كل ميت يجنب فيجب غسله حكاه ابن المنذر، قال‏:‏ وبه قال الحسن البصري‏.‏
ورواه ابن أبي شيبة عنهما أي عن سعيد والحسن، وحكي عن ابن سريج من الشافعية وعن غيره، وهو من الشذوذ‏.‏
وقد وقع عند أحمد من وجه آخر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قتلى أحد ‏"‏ لا تغسلوهم فإن كل جرح - أو كل دم - يفوح مسكا يوم القيامة، ولم يصل عليهم ‏"‏ فبين الحكمة في ذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرٍ قال قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْفِنُوهُمْ فِي دِمَائِهِمْ يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ
الشرح‏:‏
حديث جابر أورده المصنف قبل مختصرا بلفظ ‏"‏ ولم يغسلهم ‏"‏ واستدل بعمومه على أن الشهيد لا يغسل حتى ولا الجنب والحائض، وهو الأصح عند الشافعية، وقيل يغسل للجنابة لا بنية غسل الميت، لما روي في قصة حنظلة بن الراهب أن الملائكة غسلته يوم أحد لما استشهد وهو جنب، وقصته مشهورة رواها ابن إسحق وغيره، وروى الطبراني وغيره من حديث ابن عباس بإسناد لا بأس به عنه قال ‏"‏ أصيب حمزة بن عبد المطلب وحنظلة بن الراهب وهما جنب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ رأيت الملائكة تغسلهما ‏"‏ غريب في ذكر حمزة، وأجيب بأنه لو كان واجبا ما اكتفي فيه بغسل الملائكة، فدل على سقوطه عمن يتولى أمر الشهيد‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-2013, 11:52 PM   #24
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ انْتَظَرَ حَتَّى تُدْفَنَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من انتظر حتى تدفن‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يذكر المصنف جواب ‏"‏ من ‏"‏ إما استغناء بما ذكر في الخبر أو توقفا على إثبات الاستحقاق بمجرد الانتظار إن خلا عن اتباع‏.‏
قال‏:‏ وعدل عن لفظ الشهود كما هو في الخبر إلى لفظ الانتظار لينبه على أن المقصود من الشهود إنما هو معاضدة أهل الميت والتصدي لمعونتهم، وذلك من المقاصد المعتبرة انتهى‏.‏
والذي يظهر لي أنه اختار لفظ الانتظار لكونه أعم من المشاهدة، فهو أكثر فائدة‏.‏
وأشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الانتظار ليفسر اللفظ الوارد بالمشاهدة به، ولفظ الانتظار وقع في رواية معمر عند مسلم، وقد ساق البخاري سندها ولم يذكر لفظها‏.‏
ووقعت هذه الطريق في بعض الروايات التي لم تتصل لنا عن البخاري في هذا الباب أيضا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ قَالَ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن مسلمة‏)‏ هو القعنبي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ يعني أبا سعيد كيسان المقبري وهو ثابت في جميع الطرق، وحكى الكرماني أنه سقط من بعض الطرق‏.‏
قلت‏:‏ والصواب إثباته‏.‏
وكذا أخرجه إسحاق بن راهويه والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن أبي ذئب، نعم سقط قوله ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ من رواية ابن عجلان عند أبي عوانة وعبد الرحمن بن إسحاق عند ابن أبي شيبة وأبي معشر عند حميد بن زنجويه ثلاثتهم عن سعيد المقبري‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يسق البخاري لفظ رواية أبي سعيد، ولفظه عند الإسماعيلي ‏"‏ أنه سأل أبا هريرة‏:‏ ما ينبغي في الجنازة‏؟‏ فقال‏:‏ سأخبرك بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ من تبعها من أهلها حتى يصلي عليها فله قيراط مثل أحد، ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان ‏"‏‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏وحدثني عبد الرحمن‏)‏ هو معطوف على مقدر أي قال ابن شهاب حدثني فلان بكذا، وحدثني عبد الرحمن الأعرج بكذا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يصلي‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ عليه ‏"‏ واللام للأكثر مفتوحة، وفي بعض الروايات بكسرها، ورواية الفتح محمولة عليها فإن حصول القيراط متوقف على وجود الصلاة من الذي يحصل له كما تقدم تقريره، وللبيهقي من طريق محمد بن علي الصائغ عن أحمد بن شبيب شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ حتى يصلي عليها ‏"‏ وكذا هو عند مسلم من طريق ابن وهب عن يونس، ولم يبين في هذه الرواية ابتداء الحضور، وقد تقدم بيانه في رواية أبي سعيد المقبري حيث قال ‏"‏ من أهلها ‏"‏ وفي رواية خباب عند مسلم ‏"‏ من خرج مع جنازة من بيتها ‏"‏ ولأحمد في حديث أبي سعيد الخدري ‏"‏ فمشى معها من أهلها ‏"‏ ومقتضاه أن القيراط يختصن بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة، وبذلك صرح المحب الطبري وغيره، والذي يظهر لي أن القيراط يحصل أيضا لمن صلى فقط لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها، لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع مثلا وصلى، ورواية مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ أصغرهما مثل أحد ‏"‏ يدل على أن القراريط تتفاوت‏.‏
ووقع أيضا في رواية أبي صالح المذكورة عند مسلم ‏"‏ من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط ‏"‏ وفي رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة عند أحمد ‏"‏ ومن صلى ولم يتبع فله قيراط ‏"‏ فدل على أن الصلاة تحصل القيراط وأن لم يقع اتباع، ويمكن أن يحمل الاتباع هنا على ما بعد الصلاة، وهل يأتي نظير هذا في قيراط الدفن‏؟‏ فيه بحث‏.‏
قال النووي في شرح البخاري عند الكلام على طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة في كتاب الإيمان بلفظ ‏"‏ من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معها حتى يصلي ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين‏"‏‏.‏
الحديث‏.‏
ومقتضى هذا أن القيراطين إنما يحصلان لمن كان معها في جميع الطريق حتى تدفن، فإن صلى مثلا وذهب إلى القبر وحده فحضر الدفن لم يحصل له إلا قيراط واحد انتهى‏.‏
وليس في الحديث ما يقتضي ذلك إلا من طريق المفهوم، فإن ورد منطوق بحصول القيراط لشهود الدفن وحده كان مقدما‏.‏
ويجمع حينئذ بتفاوت القيراط، والذين أبوا ذلك جعلوه من باب المطلق والمقيد، نعم مقتضى جميع الأحاديث أن من اقتصر على التشييع فلم يصل ولم يشهد الدفن فلا قيراط له إلا على الطريقة التي قدمناها عن ابن عقيل، لكن الحديث الذي أوردناه عن البراء في ذلك ضعيف‏.‏
وأما التقييد بالإيمان والاحتساب فلا بد منه لأن ترتب الثواب على العمل يستدعي سبق النية فيه فيخرج من فعل ذلك على سبيل المكافأة المجردة أو على سبيل المحاباة والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن شهد‏)‏ كذا في جميع الطرق بحذف المفعول‏.‏
وفي رواية البيهقي التي أشرت إليها ‏"‏ ومن شهدها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فله قيراطان‏)‏ ظاهره أنهما غير قيراط الصلاة، وهو ظاهر سياق أكثر الروايات، وبذلك جزم بعض المتقدمين وحكاه ابن التين عن القاضي أبي الوليد، لكن سياق رواية ابن سيرين يأبى ذلك وهي صريحة في أن الحاصل من الصلاة ومن الدفن قيراطان فقط، وكذلك رواية خباب صاحب المقصورة عند مسلم بلفظ ‏"‏ من خرج مع جنازة من بيتها ثم تبعها حتى كان له قيراطان من أجر، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع كان له قيراط ‏"‏ وكذلك رواية الشعبي عن أبي هريرة عند النسائي بمعناه، ونحوه رواية نافع بن جبير‏.‏
قال النووي‏:‏ رواية ابن سيرين صريحة في أن المجموع قيراطان، ومعني رواية الأعرج على هذا كان له قيراطان أي بالأول، وهذا مثل حديث ‏"‏ من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله ‏"‏ أي بانضمام صلاة العشاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى تدفن‏)‏ ظاهره أن حصول القيراط متوقف على فراغ الدفن، وهو أصح الأوجه عند الشافعية وغيرهم، وقيل يحصل بمجرد الوضع في اللحد، وقيل عند انتهاء الدفن قبل إهالة التراب، وقد وردت الأخبار بكل ذلك، ويترجح الأول للزيادة، فعند مسلم من طريق معمر في إحدى الروايتين عنه ‏"‏ حتى يفرغ منها ‏"‏ وفي الأخرى ‏"‏ حتى توضع في اللحد ‏"‏ وكذا عنده في رواية أبي حازم بلفظ ‏"‏ حتى توضع في القبر ‏"‏ وفي رواية ابن سيرين والشعبي ‏"‏ حتى يفرغ منها ‏"‏ وفي رواية أبي مزاحم عند أحمد ‏"‏ حتى يقضي قضاؤها ‏"‏ وفي رواية أبي سلمة عند الترمذي ‏"‏ حتى يقضى دفنها ‏"‏ وفي رواية ابن عياض عند أبي عوانة ‏"‏ حتى يسوى عليها ‏"‏ أي التراب، وهي أصرح الروايات في ذلك‏.‏
ويحتمل حصول القيراط بكل من ذلك، لكن يتفاوت القيراط كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قيل وما القيراطان‏)‏ لم يعين في هذه الرواية القائل ولا المقول له، وقد بين الثاني مسلم في رواية الأعرج هذه فقال ‏"‏ قيل وما القيراطان يا رسول الله ‏"‏ وعنده في حديث ثوبان ‏"‏ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيراط ‏"‏ وبين القائل أبو عوانة من طريق أبي مزاحم عن أبي هريرة ولفظه ‏"‏ قلت وما القيراط يا رسول الله‏"‏، ووقع عند مسلم أن أبا حازم أيضا سأل أبا هريرة عن ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مثل الجبلين العظيمين‏)‏ سبق أن في رواية ابن سيرين وغيره ‏"‏ مثل أحد ‏"‏ وفي رواية الوليد بن عبد الرحمن عند ابن أبي شيبة ‏"‏ القيراط مثل جبل أحد ‏"‏ وكذا في حديث ثوبان عند مسلم والبراء عند النسائي وأبي سعيد عند أحمد‏.‏
ووقع عند النسائي من طريق الشعبي ‏"‏ فله قيراطان من الأجر كل واحد منهما أعظم من أحد ‏"‏ وتقدم أن في رواية أبي صالح عند مسلم ‏"‏ أصغرهما مثل أحد ‏"‏ وفي رواية أبي بن كعب عند ابن ماجه ‏"‏ القيراط أعظم من أحد هذا ‏"‏ كأنه أشار إلى الجبل عند ذكر الحديث، وفي حديث واثلة عند ابن عدي ‏"‏ كتب له قيراطان من أجر أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أحد ‏"‏ فأفادت هذه الرواية بيان وجه التمثيل بجبل أحد وأن المراد به زنة الثواب المرتب على ذلك العمل‏.‏
وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم الترغيب في شهود الميت، والقيام بأمره، والحض على الاجتماع له، والتنبيه على عظيم فضل الله وتكريمه للمسلم في تكثير الثواب لمن يتولى أمره بعد موته، وفيه تقدير الأعمال بنسبة الأوزان إما تقريبا للأفهام وإما على حقيقته‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-2013, 11:53 PM   #25
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب صَلَاةِ الصِّبْيَانِ مَعَ النَّاسِ عَلَى الْجَنَائِزِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس في صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم على القبر، وقد تقدم توجيهه قبل ثلاثة أبواب، قال ابن رشيد‏:‏ أفاد بالترجمة الأولى بيان كيفية وقوف الصبيان مع الرجال وأنهم يصفون معهم لا يتأخرون عنهم، لقوله في الحديث الذي ساقه فيها ‏"‏ وأنا فيهم ‏"‏ وأفاد بهذه الترجمة مشروعية صلاة الصبيان على الجنائز، وهو وإن كان الأول دل عليه ضمنا لكن أراد التنصيص عليه وأخر هذه الترجمة عن فضل اتباع الجنائز ليبين أن الصبيان داخلون في قوله ‏"‏ من تبع جنازة‏"‏‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بِالْمُصَلَّى وَالْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ لم يتعرض المصنف لكون الميت بالمصلى أو لا لأن المصلى عليه كان غائبا وألحق حكم المصلى بالمسجد بدليل ما تقدم في العيدين وفي الحيض من حديث أم عطية ‏"‏ ويعتزل الحيض المصلى ‏"‏ فدل على أن للمصلى حكم المسجد فيما ينبغي أن يجتنب فيه ويلحق به ما سوى ذلك، وقد تقدم الكلام على ما في قصة الصلاة على النجاشي قبل خمسة أبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفَّ بِهِمْ بِالْمُصَلَّى فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا
الشرح‏:‏
قوله ‏"‏وعن ابن شهاب ‏"‏ هو معطوف على الإسناد المصدر به، وسيأتي الكلام على عدد التكبير بعد ثلاثة أبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
حديث ابن عمر في رجم اليهوديين، سيأتي الكلام عليه مبسوطا في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى‏.‏
وحكى ابن بطال عن ابن حبيب أن مصلى الجنائز بالمدينة كان لاصقا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية جهة المشرق انتهى، فإن ثبت ما قال وإلا فيحتمل أن يكون المراد بالمسجد هنا المصلى المتخذ للعيدين والاستسقاء لأنه لم يكن عند المسجد النبوي مكان يتهيأ فيه الرجم، وسيأتي في قصة ماعز ‏"‏ فرجمناه بالمصلى ‏"‏ ودل حديث ابن عمر المذكور على أنه كان للجنائز مكان معد للصلاة عليها فقد يستفاد منه أن ما وقع من الصلاة على بعض الجنائز في المسجد كان لأمر عارض أو لبيان الجواز‏.‏
والله أعلم‏.‏
واستدل به على مشروعية الصلاة على الجنائز في المسجد، ويقويه حديث عائشة ‏"‏ ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد ‏"‏ أخرجه مسلم، وبه قال الجمهور‏.‏
وقال مالك‏:‏ لا يعجبني، وكرهه ابن أبي ذئب وأبو حنيفة وكل من قال بنجاسة الميت، وأما من قال بطهارته منهم فلخشية التلويث، وحملوا الصلاة على سهيل بأنه كان خارج المسجد والمصلون داخله وذلك جائز اتفاقا، وفيه نظر لأن عائشة استدلت بذلك لما أنكروا عليها أمرها بالمرور بجنازة سعد على حجرتها لتصلي عليه، واحتج بعضهم بأن العمل استقر على ترك ذلك لأن الذين أنكروا ذلك على عائشة كانوا من الصحابة، ورد بأن عائشة لما أنكرت ذلك الإنكار سلموا لها فدل على أنها حفظت ما نسوه، وقد روى ابن أبي شيبة وغيره ‏"‏ أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد، وأن صهيبا صلى على عمر في المسجد ‏"‏ زاد في رواية ‏"‏ ووضعت الجنازة في المسجد تجاه المنبر ‏"‏ وهذا يقتضي الإجماع على جواز ذلك‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا يُكْرَهُ مِنْ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ
وَلَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ضَرَبَتْ امْرَأَتُهُ الْقُبَّةَ عَلَى قَبْرِهِ سَنَةً ثُمَّ رُفِعَتْ فَسَمِعُوا صَائِحًا يَقُولُ أَلَا هَلْ وَجَدُوا مَا فَقَدُوا فَأَجَابَهُ الْآخَرُ بَلْ يَئِسُوا فَانْقَلَبُوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور‏)‏ ترجم بعد ثمانية أبواب ‏"‏ باب بناء المسجد على القبر ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ الاتخاذ أعم من البناء فلذلك أفرده بالترجمة، ولفظها يقتضي أن بعض الاتخاذ لا يكره، فكأنه يفصل بين ما إذا ترتبت على الاتخاذ مفسدة أو لا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولما مات الحسن بن الحسن‏)‏ هو ممن وافق اسمه اسم أبيه، وكانت وفاته سنة سبع وتسعين وهو من ثقات التابعين وروى له النسائي، وله ولد يسمى الحسن أيضا فهم ثلاثة في نسق، واسم امرأته المذكورة فاطمة بنت الحسين وهي ابنة عمه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏القبة‏)‏ أي الخيمة، فقد جاء في موضع آخر بلفظ الفسطاط كما رويناه في الجزء السادس عشر من حديث الحسين بن إسماعيل بن عبد الله المحاملي رواية الأصبهانيين عنه، وفي كتاب ابن أبي الدنيا في القبور من طريق المغيرة بن مقسم قال ‏"‏ لما مات الحسن بن الحسن ضربت امرأته على قبره فسطاطا فأقامت عليه سنة ‏"‏ فذكر نحوه، ومناسبة هذا الأثر لحديث الباب أن المقيم في الفسطاط لا يخلو من الصلاة هناك، فيلزم اتخاذ المسجد عند القبر، وقد يكون القبر في جهة القبلة فتزداد الكراهة‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ إنما ضربت الخيمة هناك للاستمتاع بالميت بالقرب منه تعليلا للنفس، وتخييلا باستصحاب المألوف من الأنس، ومكابرة للحس، كما يتعلل بالوقوف على الأطلال البالية ومخاطبة المنازل الخالية، فجاءتهم الموعظة على لسان الهاتفين بتقبيح ما صنعوا، وكأنهما من الملائكة، أو من مؤمني الجن‏.‏
وإنما ذكره البخاري لموافقته للأدلة الشرعية لا لأنه دليل برأسه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ هِلَالٍ هُوَ الْوَزَّانُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا قَالَتْ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَبْرَزُوا قَبْرَهُ غَيْرَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن شيبان‏)‏ هو ابن عبد الرحمن النحوي، وهلال الوزان هو ابن أبي حميد على المشهور، وكذا وقع منسوبا عند ابن أبي شيبة والإسماعيلي وغيرهما‏.‏
وقال البخاري في تاريخه‏:‏ قال وكيع هلال بن حميد‏.‏
وقال مرة هلال بن عبد الله ولا يصح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مسجدا‏)‏ في رواية الكشميهني مساجد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لأبرز قبره‏)‏ أي لكشف قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ عليه الحائل، والمراد الدفن خارج بيته، وهذا قالته عائشة قبل أن يوسع المسجد النبوي، ولهذا لما وسع المسجد جعلت حجرتها مثلثة الشكل محددة حتى لا يتأتى لأحد أن يصلي إلى جهة القبر مع استقبال القبلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏غير أني أخشى‏)‏ كذا هنا‏.‏
وفي رواية أبي عوانة عن هلال الآتية في أواخر الجنائز ‏"‏ غير أنه خشي أو خشي ‏"‏ على الشك هل هو بفتح الخاء المعجمة أو ضمها‏.‏
وفي رواية مسلم ‏"‏ غير أنه خشي ‏"‏ بالضم لا غير، فرواية الباب تقتضي أنها هي التي امتنعت من إبرازه، ورواية الضم مبهمة يمكن أن تفسر بهذه، والهاء ضمير الشأن وكأنها أرادت نفسها ومن وافقها على ذلك، وذلك يقتضي أنهم فعلوه باجتهاد، بخلاف رواية الفتح فإنها تقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرهم بذلك، وقد تقدم الكلام على بقية فوائد المتن في أبواب المساجد في ‏"‏ باب هل تنبش قبور المشركين ‏"‏ قال الكرماني‏:‏ مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجدا، ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد على القبر، ومفهومهما متغاير، ويجاب بأنهما متلازمان وإن تغاير المفهوم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-2013, 11:55 PM   #26
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ إِذَا مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها‏)‏ وقع في نسخة ‏"‏ من ‏"‏ يدل ‏"‏ في‏"‏، أي في مدة نفاسها أو بسبب نفاسها، والأول أعم من جهة أنه يدخل فيه من ماتت منه أو من غيره، والثاني أليق بخبر الباب فإن في بعض طرقه أنها ماتت حاملا وتقدم الكلام عليه في أثناء كتاب الحيض‏.‏
وحسين المذكور في هذا الإسناد هو ابن ذكوان المعلم، قال الزين بن المنير وغيره‏:‏ المفصود بهذه الترجمة أن النفساء وإن كانت معدودة من جملة الشهداء فإن الصلاة عليها مشروعة، بخلاف شهيد المعركة‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب أَيْنَ يَقُومُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أين يقوم‏)‏ أي الإمام من المرأة والرجل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا
الشرح‏:‏
حديث سمرة المذكور في الباب ورد من وجه آخر عن حسين المعلم، وفيه مشروعية الصلاة على المرأة، فإن كونها نفساء وصف غير معتبر، وأما كونها امرأة فيحتمل أن يكون معتبرا فإن القيام عليها عند وسطها لسترها، وذلك مطلوب في حقها؛ بخلاف الرجل‏.‏
ويحتمل أن لا يكون معتبرا وأن ذلك كان قبل اتخاذ النعش للنساء، فأما بعد اتخاذه فقد حصل الستر المطلوب، ولهذا أورد المصنف الترجمة مورد السؤال، وأراد عدم التفرقة بين الرجل والمرأة، وأشار إلى تضعيف ما رواه أبو داود والترمذي من طريق أبي غالب عن أنس بن مالك أنه صلى على رجل فقام عند رأسه، وصلى على امرأة فقام عند عجيزتها، فقال له العلاء بن زياد‏:‏ أهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل‏؟‏ قال‏:‏ نعم وحكى ابن رشيد عن ابن المرابط أنه أبدى لكونها نفساء علة مناسبة وهي استقبال جنينها ليناله من بركة الدعاء، وتعقب بأن الجنين كعضو منها، ثم هو لا يصلى عليه إذا انفرد وكان سقطا فأحرى إذا كان باقيا في بطنها أن لا يقصد‏.‏
والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ روى حماد بن زيد عن عطاء بن السائب أن عبد الله بن معقل بن مقرن أتي بجنازة رجل وامرأة فصلى على الرجل ثم صلى على المرأة أخرجه ابن شاهين في الجنائز له، وهو مقطوع فإن عبد الله تابعي‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ أَرْبَعًا
وَقَالَ حُمَيْدٌ صَلَّى بِنَا أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ سَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ كَبَّرَ الرَّابِعَةَ ثُمَّ سَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التكبير على الجنازة أربعا‏)‏ قال الزين بن المنير أشار بهذه الترجمة إلى أن التكبير لا يزيد على أربع، ولذلك لم يذكر ترجمة أخرى ولا خبرا في الباب، وقد اختلف السلف في ذلك‏:‏ فروى مسلم عن زيد بن أرقم أنه يكبر خمسا ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وروى ابن المنذر عن ابن مسعود أنه صلى على جنازة رجل من بني أسد فكبر خمسا، وروى ابن المنذر وغيره عن علي أنه كان يكبر على أهل بدر ستا وعلى الصحابة خمسا وعلى سائر الناس أربعا، وروي أيضا بإسناد صحيح عن أبي معبد قال صليت خلف ابن عباس على جنازة فكبر ثلاثا‏.‏
وسنذكر الاختلاف على أنس في ذلك‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ ذهب أكثر أهل العلم إلى أن التكبير أربع، وفيه أقوال أخر، فذكر ما تقدم‏.‏
قال‏:‏ وذهب بكر بن عبد الله المزني إلى أنه لا ينقص من ثلاث ولا يزاد على سبع‏.‏
وقال أحمد مثله لكن قال‏:‏ لا ينقص من أربع‏.‏
وقال ابن مسعود‏:‏ كبر ما كبر الإمام‏.‏
قال‏:‏ والذي نختاره ما ثبت عن عمر، ثم ساق بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب قال ‏"‏ كان التكبير أربعا وخمسا، فجمع عمر الناس على أربع ‏"‏ وروى البيهقي بإسناد حسن إلى أبي وائل قال ‏"‏ كانوا يكبرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعا وستا وخمسا وأربعا، فجمع عمر الناس على أربع كأطول الصلاة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال حميد‏:‏ صلى بنا أنس فكبر ثلاثا ثم سلم، فقيل له فاستقبل القبلة ثم كبر الرابعة ثم سلم‏)‏ لم أره موصولا من طريق حميد، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس أنه كبر على جنازة ثلاثا ثم انصرف ناسيا، فقالوا يا أبا حمزة إنك كبرت ثلاثا فقال‏:‏ صفوا فصفوا، فكبر الرابعة‏.‏
وروي عن أنس الاقتصار على ثلاث‏.‏
قال ابن أبي شيبة‏:‏ حدثنا معاذ بن معاذ عن عمران ابن حدير قال‏:‏ صليت مع أنس بن مالك على جنازة فكبر عليها ثلاثا لم يزد عليها‏.‏
وروى ابن المنذر من طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن أبي إسحاق قال قيل لأنس إن فلانا كبر ثلاثا فقال‏:‏ وهل التكبير إلا ثلاثا‏؟‏ انتهى قال مغلطاي إحدى الروايتين وهم‏.‏
قلت‏:‏ بل يمكن الجمع بين ما اختلف فيه على أنس إما بأنه كان يرى الثلاث مجزئة والأربع أكمل منها، وإما بأن من أطلق عنه الثلاث لم يذكر الأولى لأنها افتتاح الصلاة كما تقدم في باب سنة الصلاة من طريق ابن علية عن يحيى بن أبي إسحاق أن أنسا قال ‏"‏ أو ليس التكبير ثلاثا‏؟‏ فقيل له‏:‏ يا أبا حمزة التكبير أربعا‏.‏
قال‏:‏ أجل، غير أن واحدة هي افتتاح الصلاة ‏"‏ وقال ابن عبد البر‏:‏ لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال‏:‏ يزيد في التكبير على أربع إلا ابن أبي ليلى انتهى‏.‏
وفي المبسوط للحنفية قيل‏:‏ إن أبا يوسف قال يكبر خمسا‏.‏
وقد تقدم القول عن أحمد في ذلك‏.‏
ثم أورد المصنف حديث أبي هريرة في الصلاة على النجاشي، وقد تقدم الجواب عن إيراد من تعقبه بأن الصلاة على النجاشي صلاة على غائب لا على جنازة، ومحصل الجواب أن ذلك بطريق الأولى‏.‏
وقد روى ابن أبي داود في ‏"‏ الأفراد ‏"‏ من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكبر أربعا وقال‏:‏ لم أر في شيء من الأحاديث الصحيحة أنه كبر على جنازة أربعا إلا في هذا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَلِيمٍ أَصْحَمَةَ وَتَابَعَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال يزيد بن هرون وعبد الصمد عن سليم‏)‏ يعني بإسناده إلى جابر ‏(‏أصحمة‏)‏ ووقع في رواية المستملي وقال يزيد عن سليم أصحمة وتابعه عبد الصمد، أما رواية يزيد فوصلها المصنف في هجرة الحبشة عن أبي بكر بن أبي شيبة عنه، وأما رواية عبد الصمد فوصلها الإسماعيلي من طريق أحمد بن سعيد عنه‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ وقع في جميع الطرق التي اتصلت لنا من البخاري أصحمة بمهملتين بوزن أفعلة مفتوح العين في المسند والمعلق معا، وفيه نظر لأن إيراد المصنف يشعر بأن يزيد خالف محمد بن سنان، وأن عبد الصمد تابع يزيد، ووقع في مصنف ابن أبي شيبة عن يزيد صحمة بفتح الصاد وسكون الحاء فهذا متجه، ويتحصل منه أن الرواة اختلفوا في إثبات الألف وحذفها‏.‏
وحكى الإسماعيلي أن في رواية عبد الصمد أصخمة بخاء معجمة وإثبات الألف، قال‏:‏ وهو غلط فيحتمل أن يكون هذا محل الاختلاف الذي أشار إليه البخاري‏.‏
وحكى كثير من الشراح أن رواية يزيد ورفيقه صحمة بالمهملة بغير ألف، وحكى الكرماني أن في بعض النسخ في رواية محمد بن سنان أصحبة بموحدة بدل الميم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى الْجَنَازَةِ
وَقَالَ الْحَسَنُ يَقْرَأُ عَلَى الطِّفْلِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا وَسَلَفًا وَأَجْرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة‏)‏ أي مشروعيتها، وهي من المسائل المختلف فيها، ونقل ابن المنذر عن ابن مسعود والحسن بن علي وابن الزبير والمسور بن مخرمة مشروعيتها، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق‏.‏
ونقل عن أبي هريرة وابن عمر ليس فيها قراءة وهو قول مالك والكوفيين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن إلخ‏)‏ وصله عبد الوهاب بن عطاء في ‏"‏ كتاب الجنائز ‏"‏ له عن سعيد بن أبي عروبة أنه سئل عن الصلاة على الصبي فأخبرهم عن قتادة عن الحسن أنه كان يكبر ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثم يقول‏:‏ اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا‏.‏
وروى عبد الرزاق والنسائي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال ‏"‏ السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر ثم يقرأ بأم القرآن ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص الدعاء للميت ولا يقرأ إلا في الأولى ‏"‏ إسناده صحيح‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ عَنْ طَلْحَةَ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ح حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سعد‏)‏ هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وطلحة هو ابن عبد الله بن عوف الخزاعي كما نسبهما في الإسناد الثاني‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ليس في حديث الباب بيان محل قراءة الفاتحة، وقد وقع التصريح به في حديث جابر أخرجه الشافعي بلفظ ‏"‏ وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى ‏"‏ أفاده شيخنا في شرح الترمذي وقال إن سنده ضعيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لتعلموا أنها سنة‏)‏ قال الإسماعيلي‏:‏ جمع البخاري بين روايتي شعبة وسفيان، وسياقهما مختلف ا ه‏.‏
فأما رواية شعبة فقد أخرجها ابن خزيمة في صحيحه والنسائي جميعا عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ فأخذت بيده فسألته عن ذلك فقال‏:‏ نعم يا ابن أخي، إنه حق وسنة ‏"‏ وللحاكم من طريق آدم عن شعبة ‏"‏ فسألته فقلت‏:‏ يقرأ‏؟‏ نعم، إنه حق وسنة‏"‏‏.‏
وأما رواية سفيان فأخرجها الترمذي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عنه بلفظ ‏"‏ فقال‏:‏ أنه من السنة، أو من تمام السنة ‏"‏ وأخرجه النسائي أيضا من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الإسناد بلفظ ‏"‏ فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده فسألته، فقال‏:‏ سنة وحق ‏"‏ وللحاكم من طريق ابن عجلان أنه سمع سعيد بن أبي سعيد يقول‏:‏ ‏"‏ صلى ابن عباس على جنازة فجهر بالحمد ثم قال‏:‏ إنما جهرت لتعلموا أنها سنة ‏"‏ وقد أجمعوا على أن قول الصحابي ‏"‏ سنة ‏"‏ حديث مسند، كذا نقل الإجماع، مع أن الخلاف عند أهل الحديث وعند الأصوليين شهير، وعلى الحاكم فيه مأخذ آخر وهو استدراكه له وهو في البخاري، وقد روى الترمذي من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب وقال‏:‏ لا يصح هذا، والصحيح عن ابن عباس قوله ‏"‏ من السنة ‏"‏ وهذا مصير منه إلى الفرق بين الصيغتين، ولعله أراد الفرق بالنسبة إلى الصراحة والاحتمال، والله أعلم‏.‏
وروى الحاكم أيضا من طريق شرحبيل بن سعد عن ابن عباس أنه صلى على جنازة بالأبواء فكبر، ثم قرأ الفاتحة رافعا صوته، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال‏:‏ اللهم عبدك وابن عبدك أصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه، إن كان زاكيا فزكه، وإن كان مخطئا فاغفر له‏.‏
اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده‏.‏
ثم كبر ثلاث تكبيرات ثم انصرف فقال يا أيها الناس، إني لم أقرأ عليها - أي جهرا - إلا لتعلموا أنها سنة‏"‏‏.‏
قال الحاكم‏:‏ شرحبيل لم يحتج به الشيخان، وإنما أخرجته لأنه مفسر للطرق المتقدمة انتهى‏.‏
وشرحبيل مختلف في توثيقه، واستدل الطحاوي على ترك القراءة في الأولى بتركها في باقي التكبيرات وبترك التشهد، قال‏:‏ ولعل قراءة من قرأ الفاتحة من الصحابة كان على وجه الدعاء لا على وجه التلاوة‏.‏
وقوله ‏"‏أنها سنة ‏"‏ يحتمل أن يريد أن الدعاء سنة انتهى‏.‏
ولا يخفى ما يجيء على كلامه من التعقب، وما يتضمنه استدلاله من التعسف‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-2013, 11:57 PM   #27
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ يُقَدَّمُ فِي اللَّحْدِ
وَسُمِّيَ اللَّحْدَ لِأَنَّهُ فِي نَاحِيَةٍ وَكُلُّ جَائِرٍ مُلْحِدٌ مُلْتَحَدًا مَعْدِلًا وَلَوْ كَانَ مُسْتَقِيمًا كَانَ ضَرِيحًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من يقدم في اللحد‏)‏ أي إذا كانوا أكثر من واحد، وقد دل حديث الباب على تقديم من كان أكثر قرآنا من صاحبه، وهذا نظير تقديمه في الإمامة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وسمي اللحد لأنه في ناحية‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ أصل الإلحاد الميل والعدول عن الشيء، وقيل للمائل عن الدين ملحد، وسمي اللحد لأنه شق يعمل في جانب القبر فيميل عن وسط القبر إلى جانبه بحيث يسع الميت فيوضع فيه ويطبق عليه اللبن‏.‏
وأما قول المصنف بعد ‏"‏ ولو كان مستقيما لكان ضريحا ‏"‏ فلأن الضريح شق يشق في الأرض على الاستواء ويدفن فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ملتحدا‏:‏ معدلا‏)‏ هو قول أبي عبيدة بن المثنى في ‏"‏ كتاب المجاز‏"‏‏.‏
قال ‏"‏قوله ملتحدا أي معدلا ‏"‏ وقال الطبري معناه ولن تجد من دونه معدلا تعدل إليه عن الله، لأن قدرة الله محيطة بجميع خلقه‏.‏
قال والملتحد مفتعل من اللحد، يقال منه لحدت إلى كذا إذا ملت إليه انتهى‏.‏
ويقال‏:‏ لحدته وألحدته، قال الفراء‏:‏ الرباعي أجود‏.‏
وقال غيره‏:‏ الثلاثي أكثر‏.‏
ويؤيده حديث عائشة في قصة دفن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فأرسلوا إلى الشقاق واللاحد ‏"‏ الحديث أخرجه ابن ماجه، ثم ساق المصنف حديث جابر من طريق ابن المبارك عن الليث متصلا، وعن الأوزاعي منقطعا لأن ابن شهاب لم يسمع من جابر‏.‏
زاد ابن سعد في الطبقات عن الوليد بن مسلم ‏"‏ حدثني الأوزاعي بهذا الإسناد قال‏:‏ زملوهم بجراحهم فإني أنا الشهيد عليهم، ما من مسلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة يسيل دما ‏"‏ الحديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِقَتْلَى أُحُدٍ أَيُّ هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى رَجُلٍ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ قَبْلَ صَاحِبِهِ وَقَالَ جَابِرٌ فَكُفِّنَ أَبِي وَعَمِّي فِي نَمِرَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الشرح‏:‏
قوله في رواية الأوزاعي ‏(‏فكفن أبي وعمي في نمرة‏)‏ هي بفتح النون وكسر الميم‏:‏ بردة من صوف أو غيره مخططة‏.‏
وقال الفراء‏:‏ هي دراعة فيها لونان سواد وبياض، ويقال للسحابة إذا كانت كذلك نمرة، وذكر الواقدي في المغازي وابن سعد أنهما كفنا في نمرتين، فإن ثبت حمل على أن النمرة الواحدة شقت بينهما نصفين، وسيأتي مزيد لذلك بعد بابين‏.‏
والرجل الذي كفن معه في النمرة كأنه هو الذي دفن معه كما سيأتي الكلام على تسميته بعد باب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال سليمان بن كثير إلخ‏)‏ هو موصول في الزهريات للذهلي‏.‏
وفي رواية سليمان المذكور إبهام شيخ الزهري وقد تقدم البحث فيه قبل بابين، قال الدارقطني في ‏"‏ التتبع ‏"‏‏:‏ اضطرب فيه الزهري، وأجيب بمنع الاضطراب لأن الحاصل من الاختلاف فيه على الثقات أن الزهري حمله عن شيخين، وأما إبهام سليمان لشيخ الزهري وحذف الأوزاعي له فلا يؤثر ذلك في رواية من سماه، لأن الحجة لمن ضبط وزاد إذا كان ثقة لا سيما إذا كان حافظا، وأما رواية أسامة وابن عبد العزيز فلا تقدح في الرواية الصحيحة لضعفهما، وقد بينا أن البخاري صرح بغلط أسامة فيه، وسيأتي الكلام على بقية فوائد حيث جابر في المغازي، وفيه فضيلة ظاهرة لقارئ القرآن، ويلحق به أهل الفقه والزهد وسائر وجوه الفضل‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْإِذْخِرِ وَالْحَشِيشِ فِي الْقَبْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإذخر والحشيش في القبر‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس في تحريم مكة، وفيه ‏"‏ فقال العباس إلا الإذخر لصاغتنا وقبورنا ‏"‏ وسيأتي الكلام على فوائده في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
وجوز ابن مالك في قوله ‏"‏ إلا الإذخر ‏"‏ الرفع والنصب، وترجم ابن المنذر على هذا الحديث طرح الإذخر في القبر وبسطه فيه، وأراد المصنف بذكر الحشيش التنبيه على إلحاقه بالإذخر وأن المراد باستعمال الإذخر البسط ونحوه لا التطيب، ومراده بالحشيش ما يجوز حشه من الحرم إذا لم يقيده في الترجمة بشيء‏.‏
وقد تقدم في ‏"‏ باب إذا لم يجد كفنا ‏"‏ في قصة مصعب بن عمير لما قصر كفنه أن يغطى رأسه وأن يجعل على رجليه من الإذخر، ولأحمد من طريق خباب أيضا أن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه حتى مدت على رأسه وجعل على قدميه الإذخر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ فَقَالَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَّا الْإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ إِلَّا الْإِذْخِرَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا وَقَالَ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو هريرة إلخ‏)‏ هو طرف من حديث طويل فيه قصة أبي شاه وقد تقدم موصولا في كتاب العلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبان بن صالح إلخ‏)‏ وصله ابن ماجه من طريقه وفيه ‏"‏ فقال العباس إلا الإذخر، فإنه للبيوت والقبور‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد إلخ‏)‏ هو طرف من الحديث الأول، وسيأتي موصولا في كتاب الحج، وأورده لقوله فيه ‏"‏ لقينهم ‏"‏ بدل لقبورهم، والقين بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون هو الحداد، وكأنه أشار إلى ترجيح الرواية الأولى لموافقة رواية أبي هريرة وصفية، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب هَلْ يُخْرَجُ الْمَيِّتُ مِنْ الْقَبْرِ وَاللَّحْدِ لِعِلَّةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة‏)‏ أي لسبب، وأشار بذلك إلى الرد على من منع إخراج الميت من قبره مطلقا أو لسبب دون سبب، كمن خص الجواز بما لو دفن بغير غسل أو بغير صلاة، فإن في حديث جابر الأول دلالة على الجواز إذا كان في نبشه مصلحة تتعلق به من زيادة البركة له، وعليه يتنزل قوله في الترجمة ‏"‏ من القبر‏"‏، وفي حديث جابر الثاني دلالة على جواز الإخراج لأمر يتعلق بالحي لأنه لا ضرر على الميت في دفن ميت آخر معه، وقد بين ذلك جابر بقوله ‏"‏ فلم تطب نفسي ‏"‏ وعليه يتنزل قوله ‏"‏ واللحد ‏"‏ لأن والد جابر كان في لحد، وإنما أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام لأن قصة عبد الله بن أبي قابلة للتخصيص، وقصة والد جابر ليس فيها تصريح بالرفع، قاله الزين بن المنير، ثم أورد المصنف فيه حديث عمرو - وهو ابن دينار - عن جابر في قصة عبد الله بن أبي، وقد سبق ذكره في ‏"‏ باب الكفن في القميص ‏"‏ وزاد في هذه الطريق ‏"‏ وكان كسا عباسا قميصا ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ قميصه ‏"‏ والعباس المذكور هو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا قَالَ سُفْيَانُ وَقَالَ أَبُو هَارُونَ يَحْيَى وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَانِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلْبِسْ أَبِي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ قَالَ سُفْيَانُ فَيُرَوْنَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان‏:‏ وقال أبو هرون إلخ‏)‏ كذا وقع في رواية أبي ذر وغيرها، ووقع في كثير من الروايات ‏"‏ وقال أبو هريرة ‏"‏ وكذا في مستخرج أبي نعيم وهو تصحيف، وأبو هرون المذكور جزم المزي بأنه موسى بن أبي عيسى الحناط بمهملة ونون المدني، وقيل هو الغنوي واسمه إبراهيم بن العلاء من شيوخ البصرة، وكلاهما من أتباع التابعين، فالحديث معضل‏.‏
وقد أخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان فسماه عيسى ولفظه ‏"‏ حدثنا عيسى بن أبي موسى ‏"‏ فهذا هو المعتمد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان‏:‏ فيرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله قيمصه مكافأة لما صنع بالعباس‏)‏ هذا القدر متصل عند سفيان، وقد أخرجه البخاري في أواخر الجهاد في ‏"‏ باب كسوة الأسارى ‏"‏ عن عبد الله بن محمد عن سفيان بالسند المذكور قال ‏"‏ لما كان يوم بدر أتي بأسارى وأتي بالعباس ولم يكن عليه ثوب فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه، فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه ‏"‏ ويحتمل أن يكون قوله ‏"‏ فلذلك ‏"‏ من كلام سفيان أدرج في الخبر، بينته رواية علي بن عبد الله التي في هذا الباب، وسأستوفي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِي أَبِي مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ مَا أُرَانِي إِلَّا مَقْتُولًا فِي أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَا أَتْرُكُ بَعْدِي أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ غَيْرَ نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ عَلَيَّ دَيْنًا فَاقْضِ وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا فَأَصْبَحْنَا فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الْآخَرِ فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أُذُنِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حسين المعلم عن عطاء‏)‏ هو ابن أبي رباح ‏(‏عن جابر‏)‏ هكذا أخرج البخاري هذا الحديث عن مسدد عن بشر بن المفضل عن حسين، ولم أره بعد التتبع الكثير في شيء من كتب الحديث بهذا الإسناد إلى جابر إلا في البخاري، وقد عز على الإسماعيلي مخرجه فأخرجه في مستخرجه من طريق البخاري، وأما أبو نعيم فأخرجه من طريق أبي الأشعث عن بشر بن المفضل فقال ‏"‏ عن سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن جابر ‏"‏ وقال بعده‏:‏ ليس أبو نضرة من شرط البخاري‏.‏
قال‏:‏ وروايته عن حسين عن عطاء عزيزة جدا‏.‏
قلت‏:‏ وطريق سعيد مشهورة عنه، أخرجها أبو داود وابن سعد والحاكم والطبراني من طريقه عن أبي نضرة عن جابر، واحتمل عندي أن يكون لبشر بن المفضل فيه شيخان، إلى أن رأيته في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ للحاكم قد أخرجه عن أبي بكر بن إسحاق عن معاذ بن المثنى عن مسدد عن بشر كما رواه أبو الأشعث عن بشر، وكذا أخرجه في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ بهذا الإسناد إلى جابر ولفظه لفظ البخاري سواء، فغلب علي الظن حينئذ أن في هذه الطريق وهما، لكن لم يتبين لي ممن هو، ولم أر من نبه على ذلك، وكأن البخاري استشعر بشيء من ذلك فعقب هذه الطريق بما أخرجه من طريق ابن أبي نجيح عن عطاء عن جابر مختصرا ليوضح أن له أصلا من طريق عطاء عن جابر‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما أراني‏)‏ بضم الهمزة بمعني الظن، وذكر الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ عن الواقدي أن سبب ظنه ذلك منام رآه أنه رأى مبشر بن عبد المنذر - وكان ممن استشهد ببدر - يقول له‏:‏ أنت قادم علينا في هذه الأيام، فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ هذه الشهادة‏.‏
وفي رواية أبي نضرة المذكورة عند ابن السكن عن جابر أن أباه قال له‏:‏ إني معرض نفسي للقتل‏.‏
الحديث‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ إنما قال ذلك بناء على ما كان عزم عليه، وإنما قال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة إلى ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أن بعض أصحابه سيقتل كما سيأتي واضحا في المغازي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأن علي دينا‏)‏ سيأتي مقداره في علامات النبوة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاقض‏)‏ كذا في الأصل بحذف المفعول‏.‏
وفي رواية الحاكم ‏"‏ فاقضه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بأخواتك‏)‏ سيأتي الكلام على ذكر عدتهن ومن عرف اسمها منهن في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ودفن معه آخر‏)‏ هو عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام الأنصاري، وكان صديق والد جابر وزوج أخته هند بنت عمرو، وكأن جابرا سماه عمه تعظيما‏.‏
قال ابن إسحاق في المغازي ‏"‏ حدثني أبي عن رجال من بني سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين أصيب عبد الله بن عمرو وعمرو بن الجموح‏:‏ اجمعوا بينهما فإنهما كانا متصادقين في الدنيا ‏"‏ وفي ‏"‏ مغازي الواقدي ‏"‏ عن عائشة أنها رأت هند بنت عمرو تسوق بعيرا لها عليه زوجها عمرو بن الجموح وأخوها عبد الله بن عمرو بن حرام لتدفنهما بالمدينة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برد القتلى إلى مضاجعهم‏.‏
وأما قول الدمياطي إن قوله ‏"‏ وعمي ‏"‏ وهم فليس بجيد، لأن له محملا سائغا، والتجوز في مثل هذا يقع كثيرا‏.‏
وحكى الكرماني عن غيره أن قوله ‏"‏ وعمي ‏"‏ تصحيف من ‏"‏ عمرو ‏"‏ وقد روى أحمد بإسناد حسن من حديث أبي قتادة قال ‏"‏ قتل عمرو بن الجموح وابن أخيه يوم أحد فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلا في قبر واحد ‏"‏ قال ابن عبد البر في التمهيد‏:‏ ليس هو ابن أخيه وإنما هو ابن عمه، وهو كما قال فلعله كان أسن منه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاستخرجته بعد ستة أشهر‏)‏ أي من يوم دفنه وهذا يخالف في الظاهر ما وقع في الموطأ عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين كانا قد حفر السيل قبرهما، وكانا في قبر واحد، فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس، وكان بين أحد ويوم حفر عنهما ست وأربعون سنة، وقد جمع بينهما ابن عبد البر بتعدد القصة، وفيه نظر لأن الذي في حديث جابر أنه دفن أباه في قبر وحده بعد ستة أشهر وفي حديث الموطأ أنهما وجدا في قبر واحد بعد ست وأربعين سنة، فإما أن يكون المراد بكونهما في قبر واحد قرب المجاورة، أو أن السيل خرق أحد القبرين فصارا كقبر واحد، وقد ذكر ابن إسحاق القصة في المغازي فقال ‏"‏ حدثني أبي عن أشياخ من الأنصار قالوا‏:‏ لما ضرب معاوية عينه التي مرت على قبور الشهداء انفجرت العين عليهم فجئنا فأخرجناهما - يعني عمرا وعبد الله - وعليهما بردتان قد غطي بهما وجوههما وعلى أقدامهم شيء من نبات الأرض، فأخرجناهما يتثنيان تثنيا كأنهما دفنا بالأمس‏"‏‏.‏
وله شاهد بإسناد صحيح عند ابن سعد من طريق أبي الزبير عن جابر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا هو كيوم وضعته هنية غير أذنه‏)‏ وقال عياض في رواية أبي السكن والنسفي ‏"‏ غير هنية في أذنه ‏"‏ وهو الصواب بتقديم ‏"‏ غير ‏"‏ وزيادة ‏"‏ في ‏"‏ وفي الأول تغيير، قال ومعنى قوله ‏"‏ هنية ‏"‏ أي شيئا يسيرا، وهو بنون بعدها تحتانية مصغرا، وهو تصغير ‏"‏ هنة ‏"‏ أي شيء، فصغره لكونه أثرا يسيرا انتهى‏.‏
وقد قال الإسماعيلي عقب سياقه بلفظ الأكثر‏.‏
إنما هو ‏"‏ عند‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ وكدا وقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني، لكن يبقى في الكلام نقص، ويبينه ما في رواية ابن أبي خيثمة والطبراني من طريق غسان بن مضر عن أبي سلمة بلفظ ‏"‏ وهو كيوم دفنته، إلا هنية عند أذنه ‏"‏ وهو موافق من حيث المعني لرواية ابن السكن التي صوبها عياض‏.‏
وجمع أبو نعيم في روايته من طريق أبي الأشعث بين لفظ ‏"‏ غير ‏"‏ ولفظ ‏"‏ عند ‏"‏ فقال ‏"‏ غير هنية عند أذنه ‏"‏ ووقع في رواية الحاكم المشار إليها ‏"‏ فإذا هو كيوم وضعته غير أذنه ‏"‏ سقط منها لفظ ‏"‏ هنية ‏"‏ وهو مستقيم المعنى‏.‏
وكذلك ذكره الحميدي في ‏"‏ الجمع ‏"‏ في أفراد البخاري، والمراد بالأذن بعضها‏.‏
وحكى ابن التين أنه في روايته بفتح الهاء وسكون التحتانية بعدها همزة ثم مثناة منصوبة ثم هاء الضمير، أي على حالته‏.‏
وقد أخرجه ابن السكن من طريق شعبة عن أبي مسلمة بلفظ ‏"‏ غير أن طرف أذن أحدهم تغير‏"‏، ولابن سعد من طريق أبي هلال عن أبي مسلمة ‏"‏ إلا قليلا من شحمة أذنه ‏"‏ ولأبي داود من طريق حماد بن زيد عن أبي مسلمة ‏"‏ إلا شعرات كن من لحيته مما يلي الأرض ‏"‏ ويجمع بين هذه الرواية وغيرها بأن المراد الشعرات التي تتصل بشحمة الأذن، وأفادت هذه الرواية سبب تغير ذلك دون غيره، ولا يعكر على ذلك ما رواه الطبراني بإسناد صحيح عن محمد بن المنكدر عن جابر ‏"‏ أن أباه قتل يوم أحد ثم مثلوا به فجدعوا أنفه وأذنيه ‏"‏ الحديث، وأصله في مسلم، لأنه محمول على أنهم قطعوا بعض أذنيه لا جميعهما والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن أبي نجيح عن عطاء‏)‏ كذا للأكثر، وحكى أبو علي الجياني أنه وقع عند أبي علي بن السكن ‏"‏ عن مجاهد ‏"‏ بدل ‏"‏ عطاء ‏"‏ قال‏:‏ والذي رواه غيره أصح‏.‏
قلت‏:‏ وكذا أخرجه ابن سعد والنسائي والإسماعيلي وآخرون كلهم من طريق سعيد بن عامر بالسند المذكور فيه وهو الصواب‏.‏
وفي قصة والد جابر من الفوائد‏:‏ الإرشاد إلى بر الأولاد بالآباء خصوصا بعد الوفاة، والاستعانة على ذلك بإخبارهم بمكانتهم من القلب‏.‏
وفيه قوة إيمان عبد الله المذكور لاستثنائه النبي صلى الله عليه وسلم ممن جعل ولده أعز عليه منهم‏.‏
وفيه كرامته بوقوع الأمر على ما ظن، وكرامته بكون الأرض لم تبل جسده مع لبثه فيها، والظاهر أن ذلك لمكان الشهادة‏.‏
وفيه فضيلة لجابر لعمله بوصية أبيه بعد موته في قضاء دينه كما سيأتي بيانه في مكانه‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-2013, 11:58 PM   #28
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب اللَّحْدِ وَالشَّقِّ فِي الْقَبْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب اللحد والشق في القبر‏)‏ أورد فيه حديث جابر في قصة قتلى أحد وليس فيه للشق ذكر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ فَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ
الشرح‏:‏
قال ابن رشيد‏:‏ قوله في حديث جابر ‏"‏ قدمه في اللحد ‏"‏ ظاهر في أن الميتين جميعا في اللحد، ويحتمل أن يكون المقدم في اللحد والذي يليه في الشق لمشقة الحفر في الجانب لمكان اثنين، وهذا يؤيد ما تقدم توجيهه أن المراد بقوله ‏"‏ فكفن أبي وعمي في نمرة واحدة ‏"‏ أي شقت بينهما، ويحتمل أن يكون ذكر الشق في الترجمة لينبه على أن اللحد أفضل منه، لأنه الذي وقع دفن الشهداء فيه مع ما كانوا فيه من الجهد والمشقة، فلولا مزيد فضيلة فيه ما عانوه‏.‏
وفي السنن لأبي داود وغيره من حديث ابن عباس مرفوعا ‏"‏ اللحد لنا والشق لغيرنا ‏"‏ وهو يؤيد فضيلة اللحد على الشق‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا أَسْلَمَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ هَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهَلْ يُعْرَضُ عَلَى الصَّبِيِّ الْإِسْلَامُ
وَقَالَ الْحَسَنُ وَشُرَيْحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَالْوَلَدُ مَعَ الْمُسْلِمِ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَعَ أُمِّهِ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِيهِ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ وَقَالَ الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه‏؟‏ وهل يعرض على الصبي الإسلام‏)‏ ‏؟‏ هذه الترجمة معقودة لصحة إسلام الصبي، وهي مسألة اختلاف كما سنبينه‏.‏
وقوله ‏"‏وهل يعرض عليه ‏"‏ ذكره هنا بلفظ الاستفهام، وترجم في كتاب الجهاد بصيغة تدل على الجزم بذلك فقال ‏"‏ وكيف يعرض الإسلام على الصبي ‏"‏‏؟‏ وكأنه لما أقام الأدلة هنا على صحة إسلامه استغنى بذلك وأفاد هناك ذكر الكيفية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن إلخ‏)‏ أما أثر الحسن فأخرجه البيهقي من طريق محمد بن نصر أظنه في كتاب الفرائض له قال ‏"‏ حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا يزيد بن زريع عن يونس عن الحسن في الصغير‏؟‏ قال‏:‏ مع المسلم من والديه‏.‏
وأما أثر إبراهيم فوصله عبد الرزاق عن معمر عن مغيرة عن إبراهيم قال في نصرانيين بينهما ولد صغير فاسلم أحدهما‏؟‏ قال‏:‏ أولاهما به المسلم‏.‏
وأما أثر شريح فأخرجه البيهقي بالإسناد المذكور إلى يحيى بن يحيى ‏"‏ حدثنا هشيم عن أشعث عن الشعبي عن شريح أنه اختصم إليه في صبي أحد أبويه نصراني، قال‏:‏ الوالد المسلم أحق بالولد‏"‏‏.‏
وأما أثر قتادة فوصله عبد الرزاق عن معمر عنه نحو قول الحسن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عباس مع أمه من المستضعفين‏)‏ وصله المصنف في الباب من حديثه بلفظ كنت أنا وأمي من المستضعفين، واسم أمه لبابة بنت الحارث الهلالية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم يكن مع أبيه على دين قومه‏)‏ هذا قاله المصنف تفقها، وهو مبني على أن إسلام العباس كان بعد وقعة بدر، وقد اختلف في ذلك فقيل‏:‏ أسلم قبل الهجرة وأقام بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له في ذلك لمصلحة المسلمين، روى ذلك ابن سعد من حديث ابن عباس، وفي إسناده الكلبي وهو متروك‏.‏
ويرده أن العباس أسر ببدر، وقد فدى نفسه كما سيأتي في المغازي واضحا، ويرده أيضا أن الآية التي في قصة المستضعفين نزلت بعد بدر بلا خلاف، فالمشهور أنه أسلم قبل فتح خيبر، ويدل عليه حديث أنس في قصة الحجاج بن علاط كما أخرجه أحمد والنسائي، وروى ابن سعد من حديث ابن عباس أنه هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ورده بقصة الحجاج المذكور، والصحيح أنه هاجر عام الفتح في أول السنة وقدم مع النبي صلى الله عليه وسلم فشهد الفتح والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال‏:‏ الإسلام يعلو ولا يعلى‏)‏ كذا في جميع نسخ البخاري لم يعين القائل، وكنت أظن أنه معطوف على قول ابن عباس فيكون من كلامه، ثم لم أجده من كلامه بعد التتبع الكثير، ورأيته موصولا مرفوعا من حديث غيره أخرجه الدارقطني ومحمد بن هرون الروياني في مسنده من حديث عائذ بن عمرو المزني بسند حسن، ورويناه في ‏"‏ فوائد أبي يعلى الخليلي ‏"‏ من هذا الوجه وزاد في أوله قصة وهي أن عائذ بن عمرو جاء يوم الفتح مع أبي سفيان بن حرب، فقال الصحابة‏:‏ هذا أبو سفيان وعائذ بن عمرو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هذا عائد بن عمرو وأبو سفيان، الإسلام أعز من ذلك، الإسلام يعلو ولا يعلى‏.‏
وفي هذه القصة أن للمبدأ به في الذكر تأثيرا في الفضل لما يفيده من الاهتمام، وليس فيه حجة على أن الواو ترتب‏.‏
ثم وجدته من قول ابن عباس كما كنت أظن ذكره ابن حزم في المحلى قال‏:‏ ومن طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال ‏"‏ إذا أسلمت اليهودية أو النصرانية تحت اليهودي أو النصراني يفرق بينهما، الإسلام يعلو ولا يعلى‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ الْحُلُمَ فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لِابْنِ صَيَّادٍ تَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَرَفَضَهُ وَقَالَ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ فَقَالَ لَهُ مَاذَا تَرَى قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلِّطَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ هُوَ الدُّخُّ فَقَالَ اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ وَقَالَ سَالِمٌ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ يَعْنِي فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ أَوْ زَمْرَةٌ فَرَأَتْ أمُّ ابْنِ صَيّادٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ فَقَالَتْ لِابْنِ صَيَّادٍ يَا صَافِ وَهُوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ هَذَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ وَقَالَ شُعَيْبٌ فِي حَدِيثِهِ فَرَفَصَهُ رَمْرَمَةٌ أَوْ زَمْزَمَةٌ وَقَالَ إِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ وَعُقَيْلٌ رَمْرَمَةٌ وَقَالَ مَعْمَرٌ رَمْزَةٌ
الشرح‏:‏
حديث ابن عمر في قصة ابن صياد وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الباب المشار إليه في الجهاد، ومقصود البخاري منه الاستدلال هنا بقوله صلى الله عليه وسلم لابن صياد ‏"‏ أتشهد أني رسول الله ‏"‏‏؟‏ وكان إذ ذاك دون البلوغ قوله‏:‏ ‏"‏ أطم ‏"‏ بضمتين بناء كالحصن‏.‏
و ‏"‏ مغالة ‏"‏ بفتح الميم والمعجمة الخفيفة بطن من الأنصار، وابن صياد في رواية أبي ذر صائد وكلا الأمرين كان يدعى به، وقوله ‏"‏فرفضه ‏"‏ للأكثر بالضاد المعجمة أي تركه، قال الزين بن المنير‏:‏ أنكرها القاضي‏.‏
ولبعضهم بالمهملة أي دفعه برجله، قال عياض‏:‏ كذا في رواية أبي ذر عن غير المستملي ولا وجه لها‏.‏
قال المازري‏:‏ لع له رفسه بالسين المهملة أي ضربه برجله، قال عياض‏:‏ لم أجد هذه اللفظة في جماهير اللغة يعني بالصاد، قال‏:‏ وقد وقع في رواية الأصيلي بالقاف بدل الفاء‏.‏
وفي رواية عبدوس ‏"‏ فوقصه ‏"‏ بالواو والقاف، وقوله ‏"‏وهو يختل ‏"‏ بمعجمة ساكنة بعدها مثناة مكسورة أي يخدعه، والمراد أنه كان يريد أن يستغفله ليسمع كلامه وهو لا يشعر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏له فيها رمزة أو زمرة‏)‏ كذا للأكثر على الشك في تقديم الراء على الزاي أو تأخيرها، ولبعضهم ‏"‏ زمزمة أو رمرمة ‏"‏ على الشك هل هو بزايين أو براءين مع زيادة ميم فيهما، ومعاني هذه الكلمات المختلفة متقاربة، فأما التي بتقديم الراء وميم واحدة فهي فعلة من الرمز وهو الإشارة، وأما التي بتقديم الزاي كذلك فمن الزمر والمراد حكاية صوته، وأما التي بالمهملتين وميمين فأصله من الحركة وهي هنا بمعني الصوت الخفي، وأما التي بالمعجمتين كذلك فقال الخطابي‏:‏ هو تحريك الشفتين بالكلام‏.‏
وقال غيره‏:‏ وهو كلام العلوج وهو صوت يصوت من الخياشيم والحلق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فثار ابن صياد‏)‏ أي قام كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ فثاب ‏"‏ بموحدة أي رجع عن الحالة التي كان فيها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال شعيب زمزمة فرفصه‏)‏ في رواية أبي ذر بالزايين وبالصاد المهملة‏.‏
وفي رواية غيره ‏"‏ وقال شعيب في حديثه فرفصه زمزمة أو رمرمة ‏"‏ بالشك‏.‏
وسيأتي في الأدب موصولا من هذا الوجه بالشك، لكن فيه ‏"‏ فرصه ‏"‏ بغير فاء وبالتشديد، وذكر الخطابي في غريبه بمهملة أي ضغطه وضم بعضه إلى بعض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال إسحاق الكلبي وعقيل رمرمة‏)‏ يعني بمهملتين ‏(‏وقال معمر رمزة‏)‏ يعني براء ثم زاي، أما رواية إسحاق فوصلها الذهلي في الزهريات وسقطت من رواية المستملي والكشميهني وأبي الوقت، وأما رواية عقيل فوصلها المصنف في الجهاد وكذا رواية معمر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهْوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ
الشرح‏:‏
‏(‏كان غلام يهودي يخدم‏)‏ لم أقف في شيء من الطرق الموصولة على تسميته، إلا أن ابن بشكوال ذكر أن صاحب ‏"‏ العتبية ‏"‏ حكى عن زياد شيطون أن اسم هذا الغلام عبد القدوس، قال‏:‏ وهو غريب ما وجدته عند غيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو عنده‏)‏ في رواية أبي داود ‏"‏ عند رأسه ‏"‏ أخرجه عن سليمان بن حرب شيخ البخاري فيه، وكذا للإسماعيلي عن أبي خليفة عن سليمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأسلم‏)‏ في رواية النسائي عن إسحاق بن راهويه عن سليمان المذكور فقال ‏"‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنقذه من النار‏)‏ في رواية أبي داود وأبي خليفة ‏"‏ أنقذه بي من النار ‏"‏ وفي الحديث جواز استخدام المشرك، وعيادته إذا مرض، وفيه حسن العهد، واستخدام الصغير، وعرض الإسلام على الصبي ولولا صحته منه ما عرضه عليه‏.‏
وفي قوله ‏"‏ أنقذه بي من النار ‏"‏ دلالة على أنه صح إسلامه، وعلى أن الصبي إذا عقل الكفر ومات عليه أنه يعذب‏.‏
وسيأتي البحث في ذلك من حديث سمرة الطويل في الرؤيا الآتي في ‏"‏ باب أولاد المشركين ‏"‏ في أواخر الجنائز‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ أَنَا مِنْ الْوِلْدَانِ وَأُمِّي مِنْ النِّسَاءِ
الشرح‏:‏
حديث ابن عباس ‏"‏ كنت أنا وأمي من المستضعفين ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه في الترجمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ مُتَوَفًّى وَإِنْ كَانَ لِغَيَّةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ يَدَّعِي أَبَوَاهُ الْإِسْلَامَ أَوْ أَبُوهُ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ إِذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا صُلِّيَ عَلَيْهِ وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ لَا يَسْتَهِلُّ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِقْطٌ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُحَدِّثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا الْآيَةَ
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة في أن كل مولود يولد على الفطرة، أخرجه من طريق ابن شهاب عن أبي هريرة منقطعا، ومن طريق آخر عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فالاعتماد في المرفوع على الطريق الموصولة، وإنما أورد المنقطعة لقول ابن شهاب الذي استنبطه من الحديث، وقول ابن شهاب ‏"‏ لغية ‏"‏ بكسر اللام والمعجمة وتشديد التحتانية أي من زنا، ومراده أنه يصلى على ولد الزنا ولا يمنع ذلك من الصلاة عليه لأنه محكوم بإسلامه تبعا لأمه، وكذلك من كان أبوه مسلما دون أمه‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ لم يقل أحد إنه لا يصلى على ولد الزنا إلا قتادة وحده، واختلف في الصلاة على الصبي فقال سعيد بن جبير‏:‏ لا يصلى عليه حتى يبلغ، وقيل حتى يصلي‏.‏
وقال الجمهور‏:‏ يصلى عليه حتى السقط إذا استهل‏.‏
وقد تقدم في ‏"‏ باب قراءة فاتحة الكتاب ‏"‏ ما يقال في الصلاة على جنازة الصبي، ودخل في قوله ‏"‏ كل مولود ‏"‏ السقط فلذلك قيده بالاستهلال، وهذا مصير من الزهري إلى تسمية الزاني أبا لمن زنى بأمه فإنه يتبعه في الإسلام، وهو قول مالك، وسيأتي الكلام على المتن المرفوع وعلى ذكر الاختلاف على الزهري فيه في ‏"‏ باب أولاد المشركين ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا قَالَ الْمُشْرِكُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يأت بجواب إذا لأنه صلى الله عليه وسلم لما قال لعمه ‏"‏ قل لا إله إلا الله أشهد لك بها ‏"‏ كان محتملا لأن يكون ذلك خاصا به، لأن غيره إذا قالها وقد أيقن بالوفاة لم ينفعه‏.‏
ويحتمل أن يكون ترك جواب إذا ليفهم الواقف عليه أنه موضع تفصيل وفكر، وهذا هو المعتمد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَالِبٍ يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ الْآيَةَ
الشرح‏:‏
حديث سعيد بن المسيب عن أبيه أورده المصنف في قصة أبي طالب عند موته، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في تفسير براءة‏.‏
وقوله في هذه الطريق ‏"‏ ما لم أنه عنه ‏"‏ أي الاستغفار‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ عنك‏"‏‏.‏
وقوله ‏"‏فأنزل الله فيه الآية ‏"‏ يعني قوله تعالى ‏(‏ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين‏)‏ الآية كما سيأتي‏.‏
وقد ثبت لغير أبي ذر ‏"‏ فأنزل الله فيه‏:‏ ما كان للنبي ‏"‏ الآية‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-03-2013, 11:59 PM   #29
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْجَرِيدِ عَلَى الْقَبْرِ
وَأَوْصَى بُرَيْدَةُ الْأَسْلَمِيُّ أَنْ يُجْعَلَ فِي قَبْرِهِ جَرِيدَانِ وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فُسْطَاطًا عَلَى قَبْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ انْزِعْهُ يَا غُلَامُ فَإِنَّمَا يُظِلُّهُ عَمَلُهُ وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ رَأَيْتُنِي وَنَحْنُ شُبَّانٌ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنَّ أَشَدَّنَا وَثْبَةً الَّذِي يَثِبُ قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ حَتَّى يُجَاوِزَهُ وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ أَخَذَ بِيَدِي خَارِجَةُ فَأَجْلَسَنِي عَلَى قَبْرٍ وَأَخْبَرَنِي عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ إِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِمَنْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ وَقَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَجْلِسُ عَلَى الْقُبُورِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجريدة على القبر‏)‏ أي وضعها أو غرزها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأوصى بريدة الأسلمي إلخ‏)‏ وقع في رواية الأكثر ‏"‏ في قبره ‏"‏ وللمستملي ‏"‏ على قبره ‏"‏ وقد وصله ابن سعد من طريق مورق العجلي قال ‏"‏ أوصى بريدة أن يوضع في قبره جريدتان، ومات بأدنى خراسان ‏"‏ قال ابن المرابط وغيره‏:‏ يحتمل أن يكون بريدة أمر أن يغرزا في ظاهر القبر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في وضعه الجريدتين في القبرين، ويحتمل أن يكون أمر أن يجعلا في داخل القبر لما في النخلة من البركة لقوله تعالى ‏(‏كشجرة طيبة‏)‏ والأول أظهر، ويؤيده إيراد المصنف حديث القبرين في آخر الباب، وكأن بريدة حمل الحديث على عمومه ولم يره خاصا بذينك الرجلين‏.‏
قال ابن رشيد‏:‏ ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص بهما فلذلك عقبه بقول ابن عمر ‏"‏ إنما يظله عمله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورأى ابن عمر فسطاطا على قبر عبد الرحمن‏)‏ الفسطاط بضم الفاء وسكون المهملة وبطاءين مهملتين هو البيت من الشعر، وقد يطلق على غير الشعر، وفيه لغات أخرى بتثليث الفاء وبالمثناتين بدل الطاءين وإبدال الطاء الأولى مثناة وإدغامهما في السين وكسر أوله في الثلاثة، وعبد الرحمن هو ابن أبي بكر الصديق بينه ابن سعد في روايته له موصولا من طريق أيوب بن عبد الله بن يسار قال ‏"‏ مر عبد الله بن عمر على قبر عبد الرحمن بن أبي بكر أخي عائشة وعليه فسطاط مضروب، فقال‏:‏ يا غلام انزعه، فإنما يظله عمله‏.‏
قال الغلام‏:‏ تضربني مولاتي‏.‏
قال‏:‏ كلا‏.‏
فنزعه‏"‏‏.‏
ومن طريق ابن عون عن رجل قال ‏"‏ قدمت عائشة ذا طوى حين رفعوا أيديهم عن عبد الرحمن بن أبي بكر، فأمرت بفسطاط فضرب على قبره ووكلت به إنسانا وارتحلت، فقدم ابن عمر ‏"‏ فذكر نحوه، وقد تقدم توجيه إدخال هذا الأثر تحت هذه الترجمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال خارجة بن زيد‏)‏ أي ابن ثابت الأنصاري أحد ثقات التابعين، وهو أحد السبعة الفقهاء من أهل المدينة إلخ‏.‏
وصله المصنف في ‏"‏ التاريخ الصغير ‏"‏ من طريق ابن إسحاق ‏"‏ حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري سمعت خارجة بن زيد ‏"‏ فذكره، وفيه جواز تعلية القبر ورفعه عن وجه الأرض، وقوله ‏"‏رأيتني ‏"‏ بضم المثناة والفاعل والمفعول ضميران لشيء واحد، وهو من خصائص أفعال القلوب‏.‏
ومظعون والد عثمان بظاء معجمة ساكنة ثم مهملة، ومناسبته من وجه أن وضع الجريد على القبر يرشد إلى جواز وضع ما يرتفع به ظهر القبر عن الأرض، وسيأتي الكلام على هذه المسألة في آخر الجنائز‏.‏
قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ أراد البخاري أن الذي ينفع أصحاب القبور هي الأعمال الصالحة، وأن علو البناء والجلوس عليه وغير ذلك لا يضر بصورته وإنما يضر بمعناه إذا تكلم القاعدون عليه بما يضر مثلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عثمان بن حكيم‏:‏ أخذ بيدي خارجة‏)‏ أي ابن زيد بن ثابت إلخ، وصله مسدد في مسنده الكبير وبين فيه سبب إخبار خارجة لحكيم بذلك ولفظه ‏"‏ حدثنا عيسى بن يونس حدثنا عثمان بن حكيم حدثنا عبد الله بن سرجس وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة يقول‏:‏ لأن أجلس على جمرة فتحرق ما دون لحمي حتى تفضي إلي، أحب إلي من أن أجلس على قبر‏.‏
قال عثمان‏:‏ فرأيت خارجة بن زيد في المقابر، فذكرت له ذلك، فأخذ بيدي ‏"‏ الحديث‏.‏
وهذا إسناد صحيح‏.‏
وقد أخرج مسلم حديث أبي هريرة مرفوعا من طريق سهل بن أبي صالح عن أبيه عنه، وروى الطحاوي من طريق محمد بن كعب قال‏:‏ إنما قال أبو هريرة‏:‏ من جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط فكأنما جلس على جمرة، لكن إسناده ضعيف‏.‏
قال ابن رشيد‏:‏ الظاهر أن هذا الأثر والذي بعده من الباب الذي بعد هذا وهو ‏"‏ باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله ‏"‏ وكأن بعض الرواة كتبه في غير موضعه قال‏:‏ وقد يتكلف له طريق يكون به من الباب وهي الإشارة إلى أن ضرب الفسطاط إن كان لغرض صحيح كالتستر من الشمس مثلا للحي لا لإظلال الميت فقط جاز، وكأنه يقول‏:‏ إذا أعلى القبر لغرض صحيح لا لقصد المباهاة جاز كما يجوز القعود عليه لغرض صحيح لا لمن أحدث عليه‏.‏
قال‏:‏ والظاهر أن المراد بالحدث هنا التغوط، ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك من إحداث ما لا يليق من الفحش قولا وفعلا لتأذي الميت بذلك انتهى‏.‏
ويمكن أن يقال‏:‏ هذه الآثار المذكورة في هذا الباب تحتاج إلى بيان مناسبتها للترجمة، وإلى مناسبة بعضها لبعض، وذلك أنه لم يذكر حكم وضع الجريدة، وذكر أثر بريدة وهو يؤذن بمشروعيتها، ثم أثر ابن عمر المشعر بأنه لا تأثير لما يوضع على القبر، بل التأثير للعمل الصالح، وظاهرهما التعارض فلذلك أبهم حكم وضع الجريدة، قال الزين بن المنير‏.‏
والذي يظهر من تصرفه ترجيح الوضع، ويجاب عن أثر ابن عمر بأن ضرب الفسطاط على القبر لم يرد فيه ما ينتفع به الميت بخلاف وضع الجريدة لأن مشروعيتها ثبتت بفعله صلى الله عليه وسلم، إن كان بعض العلماء قال‏:‏ إنها واقعة عين يحتمل أن تكون مخصوصة بمن أطلعه الله تعالى على حال الميت، وأما الآثار الواردة في الجلوس على القبر فإن عموم قول ابن عمر ‏"‏ إنما يظله عمله ‏"‏ يدخل فيه أنه كما لا ينتفع بتظليله ولو كان تعظيما له لا يتضرر بالجلوس عليه ولو كان تحقيرا له‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال نافع‏:‏ كان ابن عمر يجلس على القبور‏)‏ ووصله الطحاوي من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج أن نافعا حدثه بذلك، ولا يعارض هذا ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عنه قال ‏"‏ لأن أطأ على رضف أحب إلي من إن أطأ على قبر ‏"‏ وهذه من المسائل المختلف فيها، وورد فيها من صحيح الحديث ما أخرجه مسلم عن أبي مرثد الغنوي مرفوعا ‏"‏ لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها ‏"‏ قال النووي‏:‏ المراد بالجلوس القعود عند الجمهور‏.‏
وقال مالك‏:‏ المراد بالقعود الحدث، وهو تأويل ضعيف أو باطل انتهى‏.‏
وهو يوهم انفراد مالك بذلك، وكذا أوهمه كلام ابن الجوزي حيث قال‏:‏ جمهور الفقهاء على الكراهة خلافا لمالك، وصرح النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ بأن مذهب أبي حنيفة كالجمهور، وليس كذلك، بل مذهب أبي حنيفة وأصحابه كقول مالك كما نقله عنهم الطحاوي واحتج له بأثر ابن عمر المذكور‏.‏
وأخرج عن علي نحوه، وعن زيد بن ثابت مرفوعا ‏"‏ إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبور لحدث غائط أو بول ‏"‏ ورجال إسناده ثقات‏.‏
ويؤيد قول الجمهور ما أخرجه أحمد من حديث عمرو بن حزم الأنصاري مرفوعا ‏"‏ لا تقعدوا على القبور ‏"‏ وفي رواية له عنه ‏"‏ رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متكئ على قبر فقال‏:‏ لا تؤذ صاحب القبر ‏"‏ إسناده صحيح، وهو دال على أن المراد بالجلوس القعود على حقيقته، ورد ابن حزم التأويل المتقدم بأن لفظ حديث أبي هريرة عند مسلم ‏"‏ لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده ‏"‏ قال‏:‏ وما عهدنا أحدا يقعد على ثيابه للغائط، فدل على أن المراد القعود على حقيقته‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ التأويل المذكور بعيد، لأن الحدث على القبر أقبح من أن يكره، وإنما يكره الجلوس المتعارف‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا فَقَالَ لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ قال أبو علي الجياني‏:‏ لم أره منسوبا لأحد من المشايخ‏.‏
قلت‏:‏ قد نسبه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ يحيى بن جعفر، وجزم أبو مسعود في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ وتبعه المزي بأنه يحيى بن يحيى، ووقع في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري ‏"‏ حدثنا يحيى بن موسى ‏"‏ وهذا هو المعتمد‏.‏
وقد تقدم الكلام على حديث ابن عباس في كتاب الوضوء بما فيه مقنع بعون الله تعالى‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَوْعِظَةِ الْمُحَدِّثِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَقُعُودِ أَصْحَابِهِ حَوْلَهُ
يَخْرُجُونَ مِنْ الْأَجْدَاثِ الْأَجْدَاثُ الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ أُثِيرَتْ بَعْثَرْتُ حَوْضِي أَيْ جَعَلْتُ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ الْإِيفَاضُ الْإِسْرَاعُ وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ إِلَى نَصْبٍ إِلَى شَيْءٍ مَنْصُوبٍ يَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ وَالنُّصْبُ وَاحِدٌ وَالنَّصْبُ مَصْدَرٌ يَوْمُ الْخُرُوجِ مِنْ الْقُبُورِ يَنْسِلُونَ يَخْرُجُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله‏)‏ كأنه يشير إلى التفصيل بين أحوال القعود، فإن كان لمصلحة تتعلق بالحي أو الميت لم يكره، ويحمل النهي الوارد عن ذلك على ما يخالف ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يخرجون من الأجداث‏:‏ الأجداث القبور‏)‏ أي المراد بالأجداث في الآية القبور‏.‏
وقد وصله ابن أبي حاتم وغيره من طريق قتادة والسدي وغيرهما، واحدها جدث بفتح الجيم والمهملة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعثرت‏:‏ أثيرت‏.‏
بعثرت حوضي‏:‏ جعلت أسفله أعلاه‏)‏ هذا كلام أبي عبيدة في ‏"‏ كتاب المجاز‏"‏‏.‏
وقال السدي‏:‏ بعثرت أي حركت، فخرج ما فيها‏.‏
رواه ابن أبي حاتم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الإيفاض‏)‏ بياء تحتانية ساكنة قبلها كسرة وبفاء ومعجمة ‏(‏الإسراع‏)‏ كذا قال الفراء في ‏"‏ المعاني‏"‏‏.‏
وقال أبو عبيدة‏:‏ يوفضون أي يسرعون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقرأ الأعمش‏:‏ إلى نصب‏)‏ يعني بفتح النون كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية أبي ذر بالضم، والأول أصح‏.‏
وكذا ضبطه الفراء عن الأعمش في ‏"‏ كتاب المعاني ‏"‏ وهي قراءة الجمهور‏.‏
وحكى الطبراني أنه لم يقرأه بالضم ألا الحسن البصري‏.‏
وقد حكى الفراء عن زيد بن ثابت ذلك، ونقلها غيره عن مجاهد وأبي عمران الجوني‏.‏
وفي ‏"‏ كتاب السبعة ‏"‏ لابن مجاهد‏:‏ قرأها ابن عامر بضمتين، يعني بلفظ الجمع‏.‏
وكذا قرأها حفص عن عاصم‏.‏
ومن هنا يظهر سبب تحصيص الأعمش بالذكر لأنه كوفي، وكذا عاصم ففي انفراد حفص عن عاصم بالضم شذوذ‏.‏
قال أبو عبيدة‏:‏ النصب بالفتح هو العلم الذي نصبوه ليعبدوه، ومن قرأ نصب بالضم فهي جماعة مثل رهن ورهن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يوفضون إلى شيء منصوب‏:‏ يستبقون‏)‏ قال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبي حدثنا مسلم بن إبراهيم عن قرة عن الحسن في قوله‏:‏ ‏(‏إلى نصب يوفضون‏)‏ أي يبتدرون أيهم يستلمه أول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والنصب واحد والنصب مصدر‏)‏ كذا وقع فيه، والذي في ‏"‏ المعاني للفراء ‏"‏ النصب والنصب واحد وهو مصدر والجمع الأنصاب‏.‏
وكأن التغيير من بعض النقلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يوم الخروج من قبورهم‏)‏ أي خروج أهل القبور من قبورهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وينسلون يخرجون‏)‏ كذا أورده عبد بن حميد وغيره عن قتادة، وسيأتي له معنى آخر إن شاء الله تعالى‏.‏
وفي نسخة الصغاني بعد قوله‏:‏ ‏(‏يخرجون‏)‏ ‏:‏ من النسلان‏.‏
وهذه التفاسير أوردها لتعلقها بذكر القبر استطرادا، ولها تعلق بالموعظة أيضا‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ مناسبة إيراد هذه الآيات في هذه الترجمة للإشارة إلى أن المناسب لمن قعد عند القبر إن يقصر كلامه على الإنذار بقرب المصير إلى القبور ثم إلى النشر لاستيفاء العمل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِلَّا قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ قَالَ أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى الْآيَةَ
الشرح‏:‏
حديث علي بن أبي طالب أورده المصنف مرفوعا ‏"‏ ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار ‏"‏ الحديث‏.‏
وسيأتي مبسوطا في تفسير ‏(‏والليل إذا يغشى‏)‏ ، وهو أصل عظيم في إثبات القدر‏.‏
وقوله فيه ‏"‏ اعملوا ‏"‏ جرى مجرى أسلوب الحكيم، أي الزموا ما يجب على العبد من العبودية، ولا تتصرفوا في أمر الربوبية‏.‏
وعثمان شيخه هو ابن أبي شيبة، وجرير هو ابن عبد الحميد‏.‏
وموضع الحاجة منه ‏"‏ فقعد وقعدنا حوله‏"‏‏.‏
وقوله ‏"‏فقال رجل ‏"‏ هو عمر أو غيره كما سيأتي إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا جَاءَ فِي قَاتِلِ النَّفْسِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في قاتل النفس‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ مقصود الترجمة حكم قاتل النفس‏.‏
والمذكور في الباب حكم قاتل نفسه، فهو أخص من الترجمة، ولكنه أراد أن يلحق بقاتل نفسه قاتل غيره من باب الأولى، لأنه إذا كان قاتل نفسه الذي لم يتعد ظلم نفسه ثبت فيه الوعيد الشديد فأولى من ظلم غيره بإفاتة نفسه‏.‏
قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ عادة البخاري إذا توقف في شيء ترجم عليه ترجمة مبهمة كأنه ينبه على طريق الاجتهاد‏.‏
وقد نقل عن مالك أن قاتل النفس لا تقبل توبته، ومقتضاه أن لا يصلى عليه، وهو نفس قول البخاري‏.‏
قلت‏:‏ لعل البخاري أشار بذلك إلى ما رواه أصحاب السنن من حديث جابر بن سمرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه ‏"‏ وفي رواية للنسائي ‏"‏ أما أنا فلا أصلي عليه‏"‏، لكنه لما لم يكن على شرطه أومأ إليه بهذه الترجمة وأورد فيها ما يشبهه من قصة قاتل نفسه‏.‏
ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا جُنْدَبٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَمَا نَسِينَا وَمَا نَخَافُ أَنْ يَكْذِبَ جُنْدَبٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ اللَّهُ بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
الشرح‏:‏
حديث ثابت بن الضحاك فيمن قتل نفسه بحديدة، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الأيمان والنذور، وخالد المذكور في إسناده هو الحذاء‏.‏
ثانيها حديث جندب، هو ابن عبد الله البجلي قال فيه ‏"‏ قال حجاج بن منهال حدثنا جرير بن حازم ‏"‏ وقد وصله في ذكر بني إسرائيل فقال‏:‏ ‏"‏ حدثنا محمد حدثنا حجاج بن منهال ‏"‏ فذكره‏.‏
وهو أحد المواضع التي يستدل بها على أنه ربما علق عن بعض شيوخه ما بينه وبينه فيه واسطة، لكنه أورده هنا مختصرا وأورده هناك مبسوطا فقال في أوله ‏"‏ كان فيمن كان قبلكم رجل ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه مستوفى هناك، ولم أقف على تسمية هذا الرجل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار ‏"‏ وهو من أفراد البخاري من هذا الوجه، وقد أخرجه أيضا في الطب من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مطولا، ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم وليس فيه ذكر الخنق، وفيه من الزيادة ذكر السم وغيره ولفظه ‏"‏ فهو في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ‏"‏ وقد تمسك به المعتزلة وغيرهم ممن قال بتخليد أصحاب المعاصي في النار، وأجاب أهل السنة عن ذلك بأجوبة‏:‏ منها توهيم هذه الزيادة، قال الترمذي بعد أن أخرجه‏:‏ رواه محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلم يذكر ‏"‏ خالدا مخلدا ‏"‏ وكذا رواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يشير إلى رواية الباب قال‏:‏ وهو أصح لأن الروايات قد صحت أن أهل التوحيد يعذبون ثم يخرجون منها ولا يخلدون، وأجاب غيره بحمل ذلك على من استحله، فإنه يصير باستحلاله كافرا والكافر مخلد بلا ريب‏.‏
وقيل‏:‏ ورد مورد الزجر والتغليظ، وحقيقته غير مرادة‏.‏
وقيل‏:‏ المعنى أن هذا جزاؤه، لكن قد تكرم الله على الموحدين فأخرجهم من النار بتوحيدهم‏.‏
وقيل‏:‏ التقدير مخلدا فيها إلى أن يشاء الله‏.‏
وقيل‏:‏ المراد بالخلود طول المدة لا حقيقة الدوام كأنه يقول يخلد مدة معينة، وهذأ أبعدها‏.‏
وسيأتي له مزيد بسط عند الكلام على أحاديث الشفاعة إن شاء الله تعالى‏.‏
واستدل بقوله ‏"‏ الذي يطعن نفسه يطعنها في النار ‏"‏ على أن القصاص من القاتل يكون بما قتل به اقتداء بعقاب الله تعالى لقاتل نفسه، وهو استدلال ضعيف‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله في حديث الباب ‏"‏ يطعنها ‏"‏ هو بضم العين المهملة كذا ضبطه في الأصول‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-04-2013, 12:01 AM   #30
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ
رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ عدل عن قوله كراهة الصلاة على المنافقين لينبه على أن الامتناع من طلب المغفرة لمن لا يستحقها، لا من جهة العبادة الواقعة من صورة الصلاة، فقد تكون العبادة طاعة من وجه معصية من وجه‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كأنه يشير إلى حديثه في قصة الصلاة على عبد الله بن أبي أيضا، وقد تقدم في ‏"‏ باب القميص الذي يكف ‏"‏ ثم أورد المصنف الحديث المذكور من طريق ابن عباس عن عمر بن الخطاب، وسيأتي من هذا الوجه أيضا في التفسير‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب ثَنَاءِ النَّاسِ عَلَى الْمَيِّتِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ثناء الناس على الميت‏)‏ أي مشروعيته وجوازه مطلقا، بخلاف الحي فإنه منهي عنه إذا أفضى إلى الإطراء خشية عليه من الزهو، أشار إلى ذلك الزين بن المنير‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَتْ ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا وَجَبَتْ قَالَ هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأثنوا عليها خيرا‏)‏ في رواية لنضر بن أنس عن أبيه عند الحاكم ‏"‏ كنت قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر بجنازة فقال‏:‏ ما هذه الجنازة‏؟‏ قالوا‏:‏ جنازة فلان الفلاني، كان يحب الله ورسوله، ويعمل بطاعة الله ويسعى فيها‏"‏‏.‏
وقال ضد ذك في التي أثنوا عليها شرا‏.‏
ففيه تفسير ما أبهم من الخير والشر في رواية عبد العزيز‏.‏
وللحاكم أيضا من حديث جابر ‏"‏ فقال بعضهم لنعم المرء، لقد كان عفيفا مسلما ‏"‏ وفيه أيضا ‏"‏ فقال بعضهم بئس المرء كان، إن كان لفظا غليظا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجبت‏)‏ في رواية إسماعيل بن علية عن عبد العزيز عند مسلم ‏"‏ وجبت وجبت وجبت ‏"‏ ثلاث مرات‏.‏
وكذا في رواية النضر المذكورة، قال النووي‏:‏ والتكرار فيه لتأكيد الكلام المبهم ليحفظ ويكون أبلغ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال عمر‏)‏ زاد مسلم ‏"‏ فداء لك أبي وأمي ‏"‏ وفيه جواز قول مثل ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة‏)‏ فيه بيان لأن المراد بقوله ‏"‏ وجبت ‏"‏ أي الجنة لذي الخير، والنار لذي الشر، والمراد بالوجوب الثبوت إذ هو في صحة الوقوع كالشيء الواجب، والأصل أنه لا يجب على الله شيء، بل الثواب فضله، والعقاب عدله، لا يسأل عما يفعل‏.‏
وفي رواية مسلم ‏"‏ من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ‏"‏ ونحوه للإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة، وهو أبين في العموم من رواية آدم، وفيه رد على من زعم أن ذلك خاص بالميتين المذكورين لغيب أطلع الله نبيه عليه، وإنما هو خبر عن حكم أعلمه الله به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنتم شهداء الله في الأرض‏)‏ أي المخاطبون بذلك من الصحابة ومن كان على صفتهم من الإيمان‏.‏
وحكى ابن التين أن ذلك مخصوص بالصحابة لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة بخلاف من بعدهم‏.‏
قال‏.‏
والصواب أن ذلك يختص بالثقات والمتقين انتهى‏.‏
وسيأتي في الشهادات بلفظ ‏"‏ المؤمنون شهداء الله في الأرض ‏"‏ ولأبي داود من حديث أبي هريرة في نحو هذه القصة ‏"‏ إن بعضكم على بعض لشهيد ‏"‏ وسيأتي مزيد بسط فيه في الكلام على الحديث الذي بعده‏.‏
قال النووي‏:‏ والظاهر أن الذي أثنوا علنه شرا كان من المنافقين‏.‏
قلت‏:‏ يرشد إلى ذلك ما رواه أحمد من حديث أبي قتادة بإسناد صحيح أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على الذي أثنوا عليه شرا، وصلى على الآخر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ هُوَ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَرَّتْ بِهِمْ جَنَازَةٌ فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا شَرًّا فَقَالَ وَجَبَتْ فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ فَقُلْتُ وَمَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَقُلْنَا وَثَلَاثَةٌ قَالَ وَثَلَاثَةٌ فَقُلْنَا وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنْ الْوَاحِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏مر‏)‏ بضم الميم على البناء للمجهول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عفان‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وذكر أصحاب الأطراف أنه أخرجه قائلا فيه ‏"‏ قال عفان ‏"‏ وبذلك جزم البيهقي‏.‏
وقد وصله أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن عفان به، ومن طريقه أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا داود بن أبي الفرات‏)‏ هو بلفظ النهر المشهور، واسمه عمرو، وهو كندي من أهل مرو‏.‏
ولهم شيخ آخر يقال له داود بن أبي الفرات اسم أبيه بكر وأبو الفرات اسم جده وهو أشجعي من أهل المدينة؛ أقدم من الكندي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي الأسود‏)‏ هو الديلي التابعي الكبير المشهور، ولم أره من رواية عبد الله بن بريدة عنه إلا معنعنا‏.‏
وقد حكى الدارقطني في ‏"‏ كتاب التتبع ‏"‏ عن علي بن المديني أن ابن بريدة إنما يروي عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود، ولم يقل في هذا الحديث سمعت أبا الأسود‏.‏
قلت‏:‏ وابن بريدة ولد في عهد عمر، فقد أدرك أبا الأسود بلا ريب، لكن البخاري لا يكتفي بالمعاصرة فلعله أخرجه شاهدا واكتفى للأصل بحديث أنس الذي قبله والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قدمت المدينة وقد وقع بها مرض‏)‏ زاد المصنف في الشهادات عن موسى بن إسماعيل عن داود ‏"‏ وهم يموتون موتا ذريعا ‏"‏ وهو بالذال المعجمة أي سريعا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأثني على صاحبها خيرا‏)‏ كذا في جميع الأصول ‏"‏ خيرا ‏"‏ بالنصب، وكذا ‏"‏ شرا ‏"‏ وقد غلط من ضبط أثنى بفتح الهمزة على البناء للفاعل فإنه في جميع الأصول مبني للمفعول، قال ابن التين‏:‏ والصواب الرفع وفي نصبه بعد في اللسان‏.‏
ووجهه غيره بأن الجار والمجرور أقيم مقام المفعول الأول وخيرا مقام الثاني، وهو جائز وإن كان المشهور عكسه‏.‏
وقال النووي‏:‏ هو منصوب بنزع الخافض، أي أثنى عليه بخير‏.‏
وقال ابن مالك‏:‏ ‏"‏ خيرا ‏"‏ صفة لمصدر محذوف فأقيمت مقامه فنصبت، لأن ‏"‏ أثنى ‏"‏ مسند إلى الجار والمجرور‏.‏
قال‏:‏ والتفاوت بين الإسناد إلى المصدر والإسناد إلى الجار والمجرور قليل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال أبو الأسود‏)‏ هو الراوي، وهو بالإسناد المذكور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت‏:‏ وما وجبت‏)‏ هو معطوف على شيء مقدر، أي قلت هذا شيء عجيب، وما معنى قوله لكل منهما وجبت مع اختلاف الثناء بالخير والشر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أيما مسلم إلخ‏)‏ الظاهر أن قوله ‏"‏ أيما مسلم ‏"‏ هو المقول فحينئذ يكون قول عمر لكل منهما ‏"‏ وجبت ‏"‏ قاله بناء على اعتقاده صدق الوعد المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أدخله الله الجنة‏"‏، وأما اقتصار عمر على ذكر أحد الشقين فهو إما للاختصار وإما لإحالته السامع على القياس، والأول أظهر، وعرف من القصة أن المثني على كل من الجنائز المذكورة كان أكثر من واحد، وكذا في قول عمر ‏"‏ قلنا وما وجبت ‏"‏ إشارة إلى أن السائل عن ذلك هو وغيره‏.‏
وقد وقع في تفسير قوله تعالى ‏(‏وكذلك جعلناكم أمة وسطا‏)‏ في البقرة عند ابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة أن أبي بن كعب ممن سأل عن ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلنا وثلاثة‏)‏ فيه اعتبار مفهوم الموافقة لأنه سأل عن الثلاثة ولم يسأل عما فوق الأربعة كالخمسة مثلا، وفيه أن مفهوم العدد ليس دليلا قطعيا بل هو في مقام الاحتمال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم لم نسأله عن الواحد‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ إنما لم يسأل عمر عن الواحد استبعادا منه أن يكتفى في مثل هذا المقام العظيم بأقل من النصاب‏.‏
وقال أخوه في الحاشية‏:‏ فيه إيماء إلى الاكتفاء بالتزكية بواحد‏.‏
كذا قال، وفيه غموض‏.‏
وقد استدل به المصنف على أن أقل ما يكتفى به في الشهادة اثنان كما سيأتي في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى‏.‏
قال الداودي‏:‏ المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق، لا الفسقة لأنهم قد يثنون على من يكون مثلهم، ولا من بينه وبين الميت عداوة لأن شهادة العدو لا تقبل‏.‏
وفي الحديث فضيلة هذه الأمة، وإعمال الحكم بالظاهر‏.‏
ونقل الطيبي عن بعض شراح ‏"‏ المصابيح ‏"‏ قال‏:‏ ليس معنى قوله ‏"‏ أنتم شهداء الله في الأرض ‏"‏ أن الذي يقولونه في حق شخص يكون كذلك حتى يصير من يستحق الجنة من أهل النار بقولهم، ولا العكس، بل معناه أن الذي أثنوا عليه خيرا رأوه منه كان ذلك علامة كونه من أهل الجنة، وبالعكس‏.‏
وتعقبه الطيبي بأن قوله ‏"‏ وجبت ‏"‏ بعد الثناء حكم عقب وصفا مناسبا فأشعر بالعلية‏.‏
وكذا قوله ‏"‏ أنتم شهداء الله في الأرض ‏"‏ لأن الإضافة فيه للتشريف لأنهم بمنزلة عالية عند الله، فهو كالتزكية للأمة بعد أداء شهادتهم، فينبغي أن يكون لها أثر‏.‏
قال‏:‏ وإلى هذا يومئ قوله تعالى ‏(‏وكذلك جعلناكم أمة وسطا‏)‏ الآية‏.‏
قلت‏:‏ وقد استشهد محمد بن كعب القرظي لما روى عن جابر نحو حديث أنس بهذه الآية، أخرجه الحاكم‏.‏
وقد وقع ذلك في حديث مرفوع غيره عند ابن أبي حاتم في التفسير، وفيه أن الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ما قولك وجبت ‏"‏ هو أبي بن كعب‏.‏
وقال النووي‏:‏ قال بعضهم معنى الحديث أن الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل - وكان ذلك مطابقا للواقع - فهو من أهل الجنة، فإن كان غير مطابق فلا، وكذا عكسه‏.‏
قال‏:‏ والصحيح أنه على عمومه وأن من مات منهم فألهم الله تعالى الناس الثناء عليه بخير كان دليلا على أنه من أهل الجنة سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة، وهذا إلهام يستدل به على تعيينها، وبهذا تظهر فائدة الثناء انتهى‏.‏
وهذا في جانب الخير واضح، ويؤيده ما رواه أحمد وابن حبان والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعا ‏"‏ ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرا إلا قال الله تعالى‏:‏ قد قبلت قولكم وغفرت له ما لا تعلمون ‏"‏ ولأحمد من حديث أبي هريرة نحوه وقال ‏"‏ ثلاثة ‏"‏ بدل أربعة وفي إسناده من لم يسم، وله شاهد من مراسيل بشير بن كعب أخرجه أبو مسلم الكجي‏.‏
وأما جانب الشر فظاهر الأحاديث أنه كذلك، لكن إنما يقع ذلك في حق من غلب شره على خيره، وقد وقع في رواية النضر المشار إليها أولا في آخر حديث أنس ‏"‏ إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر ‏"‏ واستدل به على جواز ذكر المرء بما فيه من خير أو شر للحاجة ولا يكون ذلك من الغيبة‏.‏
وسيأتي البحث عن ذلك في ‏"‏ باب النهي عن سب الأموات ‏"‏ آخر الجنائز، وهو أصل في قبول الشهادة بالاستفاضة، وأن أقل أصلها اثنان‏.‏
وقال ابن العربي‏:‏ فيه جواز الشهادة قبل الاستشهاد، وقبولها قبل الاستفصال‏.‏
وفيه استعمال الثناء في الشر للمؤاخاة والمشاكلة، وحقيقته إنما هي في الخير‏.‏
والله أعلم‏.‏


حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-04-2013, 12:03 AM   #31
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الْهُونُ هُوَ الْهَوَانُ وَالْهَوْنُ الرِّفْقُ وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في عذاب القبر‏)‏ لم يتعرض المصنف في الترجمة لكون عذاب القبر يقع على الروح فقط أو عليها وعلى الجسد، وفيه خلاف شهير عند المتكلمين، وكأنه تركه لأن الأدلة التي يرضاها ليست قاطعة في أحد الأمرين فلم يتقلد الحكم في ذلك واكتفى بإثبات وجوده، خلافا لمن نفاه مطلقا من الخوارج وبعض المعتزلة كضرار بن عمرو وبشر المريسي ومن وافقهما، وخالفهم في ذلك أكثر المعتزلة وجميع أهل السنة وغيرهم وأكثروا من الاحتجاج له‏.‏
وذهب بعض المعتزلة كالجياني إلى أنه يقع على الكفار دون المؤمنين، وبعض الأحاديث الآتية ترد عليهم أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقوله تعالى‏)‏ بالجر عطفا على عذاب القبر، أي ما ورد في تفسير الآيات المذكورة‏.‏
وكأن المصنف قدم ذكر هذه الآيات لينبه على ثبوت ذكره في القرآن، خلافا لمن رده وزعم أنه لم يرد ذكره إلا من أخبار الآحاد‏.‏
فأما الآية التي في الأنعام فروى الطبراني وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت الملائكة باسطو أيديهم‏)‏ قال‏:‏ هذا عند الموت، والبسط الضرب يضربون وجوههم وأدبارهم انتهى‏.‏
ويشهد له قوله تعالى في سورة القتال ‏(‏فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم‏}‏ وهذا وإن كان قبل الدفن فهو من جملة العذاب الواقع قبل يوم القيامة، وإنما أضيف العذاب إلى القبر لكون معظمه يقع فيه، ولكون الغالب على الموتى أن يقبروا، إلا فالكافر ومن شاء الله تعذيبه من العصاة يعذب بعد موته ولو لم يدفن، ولكن ذلك محجوب عن الخلق إلا من شاء الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقوله جل ذكره‏.‏
سنعذبهم مرتين‏)‏ وروى الطبري وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط أيضا من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس قال ‏"‏ خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال‏:‏ اخرج يا فلان فإنك منافق ‏"‏ فذكر الحديث، وفيه ‏"‏ ففضح الله المنافقين ‏"‏ فهذا العذاب الأول، والعذاب الثاني عذاب القبر‏.‏
وريا أيضا من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نحوه، ومن طريق محمد بن ثور عن معمر عن الحسن ‏"‏ سنعذبهم مرتين‏:‏ عذاب الدنيا وعذاب القبر ‏"‏ وعن محمد بن إسحاق قال ‏"‏ بلغني ‏"‏ فذكر نحوه‏.‏
وقال الطبري بعد أن ذكر اختلافا عن غير هؤلاء‏:‏ والأغلب أن إحدى المرتين عذاب القبر، والأخرى تحتمل أحد ما تقدم ذكره من الجوع أو السبي أو القتل أو الإذلال أو غير ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقوله تعالى ‏(‏وحاق بآل فرعون‏)‏ الآية‏)‏ روى الطبري من طريق الثوري عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل قال‏:‏ أرواح آل فرعون في طيور سود تغدو وتروح على النار فذلك عرضها‏.‏
ووصله ابن أبي حاتم من طريق ليث عن أبي قيس فذكر عبد الله بن مسعود فيه، وليث ضعيف، وسيأتي بعد بابين في الكلام على حديث ابن عمر بيان أن هذا العرض يكون في الدنيا قبل يوم القيامة‏.‏
قال القرطبي‏:‏ الجمهور على أن هذا العرض يكون في البرزخ، وهو حجة في تثبيت عذاب القبر‏.‏
وقال غيره‏:‏ وقع ذكر عذاب الدارين في هذه الآية مفسرا مبينا، لكنه حجة على من أنكر عذاب القبر مطلقا لا على من خصه بالكفار‏.‏
واستدل بها على أن الأرواح باقية بعد فراق الأجساد، وهو قول أهل السنة كما سيأتي‏.‏
واحتج بالآية الأولى على أن النفس والروح شيء واحد لقوله تعالى ‏(‏أخرجوا أنفسكم‏)‏ والمراد الأرواح، وهي مسألة مشهورة فيها أقوال كثيرة وستأتي الإشارة إلى شيء منها في التفسير عند قوله تعالى ‏(‏ويسألونك عن الروح‏)‏ الآية‏.‏
ثم أورد المصنف في الباب ستة أحاديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أُقْعِدَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أُتِيَ ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا وَزَادَ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ
الشرح‏:‏
حديث البراء في قوله تعالى ‏(‏يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت‏)‏ وقد أورد المصنف في التفسير عن أبي الوليد الطيالسي عن شعبة، وصرح فيه بالإخبار بين شعبة وعلقمة، وبالسماع بين علقمة وسعد بن عبيدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا أقعد المؤمن في قبره أتي ثم شهد‏)‏ في رواية الحموي والمستملي ‏"‏ ثم يشهد ‏"‏ هكذا ساقه المصنف بهذا اللفظ، وقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن حفص بن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ أبين من لفظه قال ‏"‏ أن المؤمن إذا شهد أن لا إله إلا الله وعرف محمدا في قبره فذلك قوله إلخ ‏"‏ وأخرجه ابن مردويه من هذا الوجه وغيره بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عذاب القبر فقال‏:‏ إن المسلم إذا شهد أن لا إله إلا الله وعرف أن محمدا رسول الله ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله في الطريق الثانية ‏(‏بهذا وزاد ‏(‏يثبت الله الذين آمنوا‏)‏ نزلت في عذاب القبر‏)‏ يوهم أن لفظ غندر كلفظ حفص وزيادة، وليس كذلك، وإنما هو بالمعنى، فقد أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه، والقدر الذي ذكره هو أول الحديث، وبقيته عندهم ‏"‏ يقال له من ربك‏؟‏ فيقول‏:‏ ربي الله ونبيي محمد‏"‏، والقدر المذكور أيضا أخرجه مسلم والنسائي من طريق خيثمة عن البراء، وقد اختصر سعد وخيثمة هذا الحديث جدا، لكن أخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن خيثمة فزاد فيه ‏"‏ إن كان صالحا وفق، وإن كان لا خير فيه وجد أبله ‏"‏ وفيه اختصار أيضا وقد رواه زاذان أبو عمر عن البراء مطولا مبينا أخرجه أصحاب السنن وصححه أبو عوانة وغيره وفيه من الزيادة في أوله ‏"‏ استعيذوا بالله من عذاب القبر ‏"‏ وفيه ‏"‏ فترد روحه في جسده ‏"‏ وفيه ‏"‏ فيأتيه ملكان فيجلسان فيقولان له‏:‏ من ربك‏؟‏ فيقول‏:‏ ربي الله‏.‏
فيقولان له‏:‏ ما دينك‏؟‏ فيقول‏:‏ ديني الإسلام‏.‏
فيقولان له‏.‏
ما هذا الرجل الذي بعث فيكم‏؟‏ فيقول‏:‏ هو رسول الله‏.‏
فيقولان له‏:‏ وما يدريك‏؟‏ فيقول‏:‏ قرأت القرآن كتاب الله فآمنت به وصدقت‏.‏
فذلك قوله تعالى ‏(‏يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت‏)‏ ‏"‏ وفيه ‏"‏ وأن الكافر تعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له‏:‏ من ربك‏؟‏ فيقول هاه هاه لا أدري ‏"‏ الحديث‏.‏
وسيأتي نحو هذا في حديث أنس سادس أحاديث الباب، ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
قال الكرماني‏:‏ ليس في الآية ذكر عذاب القبر، فلعله سمى أحوال العبد في قبره عذاب القبر تغليبا لفتنة الكافر على فتنة المؤمن لأجل التخويف، ولأن القبر مقام الهول والوحشة، ولأن ملاقاة الملائكة مما يهاب منه ابن آدم في العادة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ حَدَّثَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ قَالَ اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الْقَلِيبِ فَقَالَ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا فَقِيلَ لَهُ تَدْعُو أَمْوَاتًا فَقَالَ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لَا يُجِيبُونَ
الشرح‏:‏
حديث ابن عمر في قصة أصحاب القليب قليب بدر وفيه قوله صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ‏"‏ أورده هنا مختصرا، وسيأتي مطولا في المغازي‏.‏
وصالح المذكور في الإسناد هو ابن كيسان‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ الْآنَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى
الشرح‏:‏
حديث عائشة قالت ‏"‏ إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم إنهم ليعلمون الآن ما أن كنت أقول لهم حق ‏"‏ وهذا مصير من عائشة إلى رد رواية بن عمر المذكورة‏.‏
وقد خالفها الجمهور في ذلك وقبلوا حديث ابن عمر لموافقة من رواه غيره عليه‏.‏
وأما استدلالها بقوله تعالى ‏(‏إنك لا تسمع الموتى‏)‏ فقالوا معناها لا تسمعهم سماعا ينفعهم، أو لا تسمعهم إلا أن يشاء الله‏.‏
وقال السهيلي‏:‏ عائشة لم تحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم فغيرها ممن حضر أحفظ للفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قالوا له ‏"‏ يا رسول الله أتخاطب قوما قد جيفوا‏؟‏ فقال‏:‏ ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ‏"‏ قال‏:‏ وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحال عالمين جاز أن يكونوا سامعين إما بآذان رءوسهم كما هو قول الجمهور، أو بآذان الروح على رأي من يوجه السؤال إلى الروح من غير رجوع إلى الجسد‏.‏
قال‏:‏ وأما الآية فإنها كقوله تعالى ‏(‏أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي‏)‏ أي إن الله هو الذي يسمع ويهدي انتهى‏.‏
وقوله‏:‏ إنها لم تحضر صحيح، لكن لا يقدح ذلك في روايتها لأنه مرسل صحابي وهو محمول على أنها سمعت ذلك ممن حضره أو من النبي صلى الله عليه وسلم بعد، ولو كان ذلك قادحا في روايتها لقدح في رواية ابن عمر فإنه لم يحضر أيضا، ولا مانع أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال اللفظين معا فإنه لا تعارض بينهما‏.‏
وقال ابن التين‏.‏
لا معارضة بين حديث ابن عمر والآية لأن الموتى لا يسمعون بلا شك، لكن إذا أراد الله إسماع ما ليس من شأنه السماع لم يمتنع كقوله تعالى ‏(‏إنا عرضنا الأمانة‏)‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏(‏فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها‏)‏ الآية‏.‏
وسيأتي في المغازي قول قتادة‏:‏ إن الله أحياهم حتى سمعوا كلام نبيه توبيخا ونقمة انتهى‏.‏
وقد أخذ ابن جرير وجماعة من الكرامية من هذه القصة أن السؤال في القبر يقع على البدن فقط، وأن الله يخلق فيه إدراكا بحيث يسمع ويعلم ويلذ ويألم‏.‏
وذهب ابن حزم وابن هبيرة إلى أن السؤال يقع على الروح فقط من غير عود إلى الجسد، وخالفهم الجمهور فقالوا‏:‏ تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت في الحديث، ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤه، لأن الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال، كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه‏.‏
والحامل للقائلين بأن السؤال يقع على الروح فقط أن الميت قد يشاهد في قبره حال المسألة لا أثر فيه من إقعاد ولا غيره، ولا ضيق في قبره ولا سعة، وكذلك غير المقبور كالمصلوب‏.‏
وجوابهم أن ذلك غير ممتنع في القدرة، بل له نظير في العادة وهو النائم فإنه يجد لذة وألما لا يدركه جليسه، بل اليقظان قد يدرك ألما أو لذة لما يسمعه أو يفكر فيه ولا يدرك ذلك جليسه، وإنما أتى الغلط من قياس الغائب على الشاهد وأحوال ما بعد الموت على ما قبله، والظاهر أن الله تعالى صرف أبصار العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك وستره عنهم إبقاء عليهم لئلا يتدافنوا، وليست للجوارح الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت إلا من شاء الله‏.‏
وقد ثبتت الأحاديث بما ذهب إليه الجمهور كقوله ‏"‏ أنه ليسمع خفق نعالهم ‏"‏ وقوله ‏"‏ تختلف أضلاعه لضمة القبر ‏"‏ وقوله ‏"‏ يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق ‏"‏ وقوله ‏"‏ يضرب بين أذنيه ‏"‏ وقوله ‏"‏ فيقعدانه ‏"‏ وكل ذلك من صفات الأجساد‏.‏
وذهب أبو الهذيل ومن تبعه إلى أن الميت لا يشعر بالتعذيب ولا بغيره إلا بين النفختين، قالوا وحاله كحال النائم والمغشي عليه لا يحس بالضرب ولا بغيره إلا بعد الإفاقة، والأحاديث الثابتة في السؤال حالة تولي أصحاب الميت عنه ترد عليهم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وجه إدخال حديث ابن عمر وما عارضه من حديث عائشة في ترجمة عذاب القبر أنه لما ثبت من سماع أهل القليب وتوبيخه لهم دل إدراكهم الكلام بحاسة السمع على جواز إدراكهم ألم العذاب ببقية الحواس بل بالذات إذ الجامع بينهما وبين بقية الأحاديث أن المصنف أشار إلى طريق من طرق الجمع بين حديثي ابن عمر وعائشة بحمل حديث ابن عمر على أن مخاطبة أهل القليب وقعت وقت المسألة وحينئذ كانت الروح قد أعيدت إلى الجسد، وقد تبين من الأحاديث الأخرى أن الكافر المسئول يعذب، وأما إنكار عائشة فمحمول على غير وقت المسألة فيتفق الخبران‏.‏
ويظهر من هذا التقرير وجه إدخال حديث ابن عمر في هذه الترجمة والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ سَمِعْتُ الْأَشْعَثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ فَقَالَتْ لَهَا أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالَ نَعَمْ عَذَابُ الْقَبْرِ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ زَادَ غُنْدَرٌ عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت الأشعث‏)‏ هو ابن أبي الشعثاء سليم بن الأسود المحاربي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر‏)‏ وقع في رواية أبي وائل عن مسروق عند المصنف في الدعوات ‏"‏ دخلت عجوزان من عجز يهود المدينة فقالتا‏:‏ إن أهل القبور يعذبون في قبورهم ‏"‏ وهو محمول على أن إحداهما تكلمت وأقرتها الأخرى على ذلك فنسبت القول إليهما مجازا، والإفراد يحمل على المتكلمة‏.‏
ولم أقف على اسم واحدة منهما‏.‏
وزاد في رواية أبي وائل ‏"‏ فكذبتهما ‏"‏ ووقع عند مسلم من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت ‏"‏ دخلت علي امرأة من اليهود وهي تقول‏:‏ هل شعرت أنكم تفتنون في القبور‏.‏
قال‏:‏ فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ إنما يفتن يهود‏.‏
قالت عائشة‏:‏ فلبثنا ليالي، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هل شعرت أنه أوحي إلى أنكم تفتنون في القبور‏.‏
قالت عائشة‏:‏ فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من عذاب القبر ‏"‏ وبين هاتين الروايتين مخالفة، لأن في هذه أنه صلى الله عليه وسلم أنكر على اليهودية، وفي الأولى أنه أقرها‏.‏
قال النووي تبعا للطحاوي وغيره‏:‏ هما قصتان، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قول اليهودية في القصة الأولى، ثم أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولم يعلم عائشة، فجاءت اليهودية مرة فذكرت لها ذلك فأنكرت عليها مستندة إلى الإنكار الأول، فأعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوحي نزل بإثباته انتهى‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ سرا فلما رأى استغراب عائشة حين سمعت ذلك من اليهودية أعلن به انتهى‏.‏
وكأنه لم يقف على رواية الزهري عن عروة التي ذكرناها عن صحيح مسلم، وقد تقدم في ‏"‏ باب التعوذ من عذاب القبر ‏"‏ في الكسوف من طريق عمرة عن عائشة ‏"‏ أن يهودية جاءت تسألها فقالت لها‏:‏ أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعذب الناس في قبورهم‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عائذا بالله من ذلك‏.‏
ثم ركب ذات غداة مركبا فخسفت الشمس ‏"‏ فذكر الحديث، وفي آخره ‏"‏ ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر ‏"‏ وفي هذه موافقة لرواية الزهري وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن علم بذلك‏.‏
وأصرح منه ما رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري عن سعيد بن عمرو بن سعيد الأموي عن عائشة ‏"‏ أن يهودية كانت تخدمها، فلا تصنع عائشة إليها شيئا من المعروف إلا قالت لها اليهودية‏:‏ وقاك الله عذاب القبر‏.‏
قالت‏:‏ فقلت يا رسول الله هل للقبر عذاب‏؟‏ قال‏:‏ كذبت يهود، لا عذاب دون يوم القيامة‏.‏
ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث، فخرج ذات يوم نصف النهار وهو ينادي بأعلى صوته‏:‏ أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر، فإن عذاب القبر حق ‏"‏ وفي هذا كله أنه صلى الله عليه وسلم إنما علم بحكم عذاب القير إذ هو بالمدينة في آخر الأمر كما تقدم تاريخ صلاة الكسوف في موضعه‏.‏
وقد استشكل ذلك بأن الآية المتقدمة مكية وهي قوله تعالى ‏(‏يثبت الله الذين آمنوا‏)‏ وكذلك الآية الأخرى المتقدمة وهي قوله تعالى ‏(‏النار يعرضون عليها غدوا وعشيا‏)‏ والجواب أن عذاب القبر إنما يؤخذ من الأولى بطريق المفهوم من حق من لم يتصف بالإيمان، وكذلك بالمنطوق في الأخرى في حق آل فرعون وإن التحق بهم من كان له حكمهم من الكفار، فالذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو وقوع عذاب القبر على الموحدين، ثم أعلم صلى الله عليه وسلم أن ذلك قد يقع على من يشاء الله منهم فجزم به وحذر منه وبالغ في الاستعاذة منه تعليما لأمته وإرشادا، فانتفى التعارض بحمد الله تعالى‏.‏
وفيه دلالة على أن عذاب القبر ليس بخاص بهذه الأمة بخلاف المسألة ففيها اختلاف سيأتي ذكره آخر الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال نعم عذاب القبر‏)‏ كذا للأكثر، زاد في رواية الحموي والمستملي ‏"‏ حق ‏"‏ وليس بجيد لأن المصنف قال عقب هذه الطريق‏:‏ زاد غندر ‏"‏ عذاب القبر حق ‏"‏ فتبين أن لفظ ‏"‏ حق ‏"‏ ليست في رواية عبدان عن أبيه عن شعبة، وأنها ثابتة في رواية غندر عن شعبة وهو كذلك‏.‏
وقد أخرج طريق غندر النسائي والإسماعيلي كذلك وكذلك أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع قوله ‏"‏ زاد غندر إلخ ‏"‏ في رواية أبي ذر وحده، ووقع ذلك في بعض النسخ عقب حديث أسماء بنت أبي بكر وهو غلط‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَقُولُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَذَكَرَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ الَّتِي يَفْتَتِنُ فِيهَا الْمَرْءُ فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً
الشرح‏:‏
أورده مختصرا جدا بلفظ ‏"‏ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فذكر فتنة القبر التي يفتتن فيها المرء، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة ‏"‏ وهو مختصر، وقد ساقه النسائي والإسماعيلي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري فزاد بعد قوله ضجة ‏"‏ حالت بيني وبين أن أفهم آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سكت ضجيجهم قلت لرجل قريب مني‏:‏ أي بارك الله فيك، ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر كلامه‏؟‏ قال قال‏:‏ قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريبا من فتنة الدجال ‏"‏ انتهى‏.‏
وقد تقدم هذا الحديث في كتاب العلم وفي الكسوف من طريق فاطمة بنت المنذر عن أسماء بتمامه، وفيه من الزيادة ‏"‏ يؤتى أحدكم فيقال له‏:‏ ما علمك بهذا الرجل ‏"‏ الحديث، فلم يبين فيه ما بين في هذه الرواية من تفهيم الرجل المذكور لأسماء فيه‏.‏
وأخرجه في كتاب الجمعة من طريق فاطمة أيضا وفيه أنه ‏"‏ لما قال أما بعد لغط نسوة من الأنصار، وأنها ذهبت لتسكتهن فاستفهمت عائشة عما قال ‏"‏ فيجمع بين مختلف هذه الروايات أنها احتاجت إلى الاستفهام مرتين، وأنه لما حدثت فاطمة لم تبين لها الاستفهام الثاني‏.‏
ولم أقف على اسم الرجل الذي استفهمت منه عن ذلك إلى الآن‏.‏
ولأحمد من طريق محمد بن المنكدر عن أسماء مرفوعا ‏"‏ إذا دخل الإنسان قبره فإن كان مؤمنا احتف به عمله فيأتيه الملك فترده الصلاة والصيام، فيناديه الملك‏:‏ اجلس، فيجلس فيقول‏:‏ ما تقول في هذا الرجل محمد‏؟‏ قال‏:‏ أشهد أنه رسول الله‏.‏
قال‏:‏ على ذلك عشت وعليه مت وعليه تبعث ‏"‏ الحديث‏.‏
وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الحديث الذي يليه‏.‏
وقد تقدم الكلام على بقية فوائد حديث أسماء في كتاب العلم، ووقع في بعض النسخ هنا ‏"‏ زاد غندر عذاب القبر ‏"‏ وهو غلط لأن هذا إنما هو في آخر حديث عائشة الذي قبله، وأما حديث أسماء فلا رواية لغندر فيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا قَالَ قَتَادَةُ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ
الشرح‏:‏
حديث أنس قد تقدم بهذا الإسناد في ‏"‏ باب خفق النعال ‏"‏ وعبد الأعلى المذكور فيه هو ابن عبد الأعلى السامي بالمهملة البصري، وسعيد هو ابن أبي عروبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن العبد إذا وضع في قبره‏)‏ كذا وقع عنده مختصرا، وأوله عند أبي داود من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد بهذا السند ‏"‏ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل نخلا لبني النجار، فسمع صوتا ففزع فقال‏:‏ من أصحاب هذه القبور‏؟‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله ناس ماتوا في الجاهلية‏.‏
فقال‏:‏ تعوذوا بالله من عذاب القبر ومن فتنة الدجال‏.‏
قالوا‏:‏ وما ذاك يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ إن العبد ‏"‏ فذكر الحديث، فأفاد بيان سبب الحديث قوله‏:‏ ‏(‏وإنه ليسمع قرع نعالهم‏)‏ زاد مسلم ‏"‏ إذا انصرفوا ‏"‏ وفي رواية له ‏"‏ يأتيه ملكان ‏"‏ زاد ابن حبان والترمذي من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة ‏"‏ أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر وللآخر النكير ‏"‏ وفي رواية ابن حبان ‏"‏ يقال لهما منكر ونكير ‏"‏ زاد الطبراني في الأوسط من طريق أخرى عن أبي هريرة ‏"‏ أعينهما مثل قدور النحاس، وأنيابهما مثل صياصي البقر، وأصواتهما مثل الرعد ‏"‏ ونحوه لعبد الرزاق من مرسل عمرو بن دينار وزاد ‏"‏ يحفران بأنيابهما ويطآن في أشعارهما، معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها ‏"‏ وأورد ابن الجوزي في ‏"‏ الموضوعات ‏"‏ حديثا فيه ‏"‏ أن فيهم رومان وهو كبيرهم ‏"‏ وذكر بعض الفقهاء أن اسم اللذين يسألان المذنب منكر ونكير، وأن اسم اللذين يسألان المطيع مبشر وبشير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيقعدانه‏)‏ زاد في حديث البراء فتعاد روحه في جسده كما تقدم في أول أحاديث الباب، وزاد ابن حبان من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة ‏"‏ فإذا كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه، والزكاة عن يمينه، والصوم عن شماله، وفعل المعروف من قبل رجليه‏.‏
فيقال له‏:‏ اجلس، فيجلس وقد مثلت له الشمس عند الغروب ‏"‏ زاد ابن ماجه من حديث جابر ‏"‏ فيجلس فيمسح عينيه ويقول‏:‏ دعوني أصلي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيقولان‏:‏ ما كنت تقول في هذا الرجل محمد‏)‏ زاد أبو داود في أوله ‏"‏ ما كنت تعبد‏؟‏ فإن هداه الله قال‏:‏ كنت أعبد الله‏.‏
فيقال له‏:‏ ما كنت تقول في هذا الرجل ‏"‏ ولأحمد من حديث عائشة ‏"‏ ما هذا الرجل الذي كان فيكم ‏"‏ وله من حديث أبي سعيد ‏"‏ فإن كان مؤمنا قال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله‏.‏
فيقال له‏:‏ صدقت ‏"‏ زاد أبو داود ‏"‏ فلا يسأل عن شيء غيرهما ‏"‏ وفي حديث أسماء بنت أبي بكر المتقدم في العلم والطهارة وغيرهما ‏"‏ فأما المؤمن أو الموقن فيقول‏:‏ محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا‏.‏
فيقال له‏:‏ نم صالحا ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد عند سعيد بن منصور ‏"‏ فيقال له‏:‏ نم نومة العروس، فيكون في أحلى نومة نامها أحد حتى يبعث ‏"‏ وللترمذي في حديث أبي هريرة ‏"‏ ويقال له‏:‏ نم، فينام نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك ‏"‏ ولابن حبان وابن ماجه من حديث أبي هريرة وأحمد من حديث عائشة ‏"‏ ويقال له‏:‏ على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيقال له‏:‏ انظر إلى مقعدك من النار‏)‏ في رواية أبي داود ‏"‏ فيقال له‏:‏ هذا بيتك كان في النار، ولكن الله عز وجل عصمك ورحمك فأبدلك الله به بيتا في الجنة‏.‏
فيقول‏:‏ دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي، فيقال له‏:‏ اسكت ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد عند أحمد ‏"‏ كان هذا منزلك لو كفرت بربك ‏"‏ ولابن ماجه من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح ‏"‏ فيقال له‏:‏ هل رأيت الله‏؟‏ فيقول ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فتفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له‏:‏ انظر إلى ما وقاك الله ‏"‏ وسيأتي في أواخر الرقاق من وجه آخر عن أبي هريرة ‏"‏ لا يدخل أحد الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ‏"‏ وذكر عكسه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال قتادة‏:‏ وذكر لنا أنه يفسح له في قبره‏)‏ زاد مسلم من طريق شيبان عن قتادة ‏"‏ سبعون ذراعا، ويملأ خضرا إلى يوم يبعثون ‏"‏ ولم أقف على هذه الزيادة موصولة من حديث قتادة‏.‏
وفي حديث أبي سعيد من وجه آخر عند أحمد ‏"‏ ويفسح له في قبره ‏"‏ وللترمذي وابن حبان من حديث أبي هريرة ‏"‏ فيفسح له في قبره سبعين ذراعا ‏"‏ زاد ابن حبان ‏"‏ في سبعين ذراعا‏"‏‏.‏
وله من وجه آخر عن أبي هريرة ‏"‏ ويرحب له في قبره سبعون ذراعا، وينور له كالقمر ليلة البدر ‏"‏ وفي حديث البراء الطويل ‏"‏ فينادي مناد من السماء‏:‏ إن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وافتحوا له بابا في الجنة وألبسوه من الجنة‏.‏
قال فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له فيها مد بصره ‏"‏ زاد ابن حبان من وجه آخر عن أبي هريرة ‏"‏ فيزداد غبطة وسرورا، فيعاد الجلد إلى ما بدأ منه وتجعل روحه في نسم طائر يعلق في شجر الجنة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأما المنافق والكافر‏)‏ كذا في هذه الطريق بواو العطف، وتقدم في ‏"‏ باب خفق النعال ‏"‏ بها ‏"‏ وأما الكافر أو المنافق ‏"‏ بالشك‏.‏
وفي رواية أبي داود ‏"‏ وأن الكافر إذا وضع ‏"‏ وكذا لابن حبان من حديث أبي هريرة، وكذا في حديث البراء الطويل، وفي حديث أبي سعيد عند أحمد ‏"‏ وإن كان كافرا أو منافقا ‏"‏ بالشك، وله في حديث أسماء ‏"‏ فإن كان فاجرا أو كافرا ‏"‏ وفي الصحيحين من حديثها ‏"‏ وأما المنافق أو المرتاب ‏"‏ وفي حديث جابر عند عبد الرزاق وحديث أبي هريرة عند الترمذي ‏"‏ وأما المنافق ‏"‏ وفي حديث عائشة عند أحمد وأبي هريرة عند ابن ماجه ‏"‏ وأما الرجل السوء ‏"‏ وللطبراني من حديث أبي هريرة ‏"‏ وإن كان من أهل الشك ‏"‏ فاختلفت هذه الروايات لفظا وهي مجتمعة على أن كلا من الكافر والمنافق يسأل، ففيه تعقب على من زعم أن السؤال إنما يقع على من يدعي الإيمان إن محقا وإن مبطلا، ومستندهم في ذلك ما رواه عبد الرزاق من طريق عبيد بن عمير أحد كبار التابعين قال ‏"‏ إنما يفتن رجلان‏:‏ مؤمن ومنافق، وأما الكافر فلا يسأل عن محمد ولا يعرفه ‏"‏ وهذا موقوف‏.‏
والأحاديث الناصة على أن الكافر يسأل مرفوعة مع كثرة طرقها الصحيحة فهي أولى بالقبول، وجزم الترمذي الحكيم بأن الكافر يسأل، واختلف في الطفل غير المميز فحزم القرطبي في التذكرة بأنه يسأل، وهو منقول عن الحنفية، وجزم غير واحد من الشافعية بأنه لا يسأل، ومن ثم قالوا‏:‏ لا يستحب أن يلقن‏.‏
واختلف أيضا في النبي هل يسأل، وأما الملك فلا أعرف أحدا ذكره، والذي يظهر أنه لا يسأل لأن السؤال يختص بمن شأنه أن يفتن، وقد مال ابن عبد البر إلى الأول وقال‏.‏
الآثار تدل على أن الفتنة لمن كان منسوبا إلى أهل القبلة، وأما الكافر الجاحد فلا يسأل عن دينه‏.‏
وتعقبه ابن القيم في ‏"‏ كتاب الروح ‏"‏ وقال‏:‏ في الكتاب والسنة دليل على أن السؤال للكافر والمسلم، قال الله تعالى ‏(‏يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين‏)‏ وفي حديث أنس في البخاري ‏"‏ وأما المنافق والكافر ‏"‏ بواو العطف، وفي حديث أبي سعيد ‏"‏ فإن كان مؤمنا - فذكره وفيه - وإن كان كافرا ‏"‏ وفي حديث البراء ‏"‏ وإن الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا - فذكره وفيه - فيأتيه منكر ونكير ‏"‏ الحديث أخرجه أحمد هكذا، قال‏:‏ وأما قول أبي عمر‏:‏ فأما الكافر الجاحد فليس ممن يسأل عن دينه، فجوابه أنه نفي بلا دليل‏.‏
بل في الكتاب العزيز الدلالة على أن الكافر يسأل عن دينه، قال الله تعالى ‏(‏فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين‏)‏ وقال تعالى ‏(‏فوربك لنسألنهم أجمعين‏)‏ لكن للنافي أن يقول إن هذا السؤال يكون يوم القيامة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيقول لا أدري‏)‏ في رواية أبي داود المذكورة ‏"‏ وإن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره فيقول له‏:‏ ما كنت تعبد ‏"‏ وفي أكثر الأحاديث ‏"‏ فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل ‏"‏ وفي حديث البراء ‏"‏ فيقولان له من ربك‏؟‏ فيقول‏:‏ هاه هاه لا أدري، فيقولان له‏:‏ ما دينك‏؟‏ فيقول‏:‏ هاه هاه لا أدري‏.‏
فيقولان له‏:‏ ما هذا الرجل الذي بعث فيكم‏؟‏ فيقول‏:‏ هاه هاه لا أدري ‏"‏ وهو أتم الأحاديث سياقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنت أقول ما يقول الناس‏)‏ في حديث أسماء ‏"‏ سمعت الناس يقولون شيئا فقلته ‏"‏ وكذا في أكثر الأحاديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا دريت ولا تليت‏)‏ كذا في أكثر الروايات بمثناة مفتوحة بعدها لام مفتوحة وتحتانية ساكنة، قال ثعلب‏:‏ قوله ‏"‏ تليت ‏"‏ أصله تلوت، أي لا فهمت ولا قرأت القرآن، والمعنى لا دريت ولا اتبعت من يدري، وإنما قاله بالياء لمؤاخاة دريت‏.‏
وقال ابن السكيت‏:‏ قوله ‏"‏ تليت ‏"‏ إتباع ولا معنى لها، وقيل صوابه ولا ائتليت بزيادة همزتين قيل المثناة بوزن افتعلت من قولهم ما ألوت أي ما استطعت، حكي ذلك عن الأصمعي، وبه جزم الخطابي‏.‏
وقال الفراء‏:‏ أي قصرت كأنه قيل له لا دريت ولا قصرت في طلب الدارية ثم أنت لا تدري‏.‏
وقال الأزهري‏.‏
الألو يكون بمعنى الجهد وبمعنى التقصير وبمعنى الاستطاعة‏.‏
وحكى ابن قتيبة عن يونس بن حبيب أن صواب الرواية ‏"‏ لا دريت ولا أتليت ‏"‏ بزيادة ألف وتسكين المثناة كأنه يدعو عليه بأن لا يكون له من يتبعه، وهو من الإتلاء يقال ما أتلت إبله أي لم تلد أولادا يتبعونها‏.‏
وقال‏:‏ قول الأصمعي أشبه بالمعنى، أي لا دريت ولا استطعت أن تدري‏.‏
ووقع عند أحمد من حديث أبي سعيد ‏"‏ لا دريت ولا اهتديت ‏"‏ وفي مرسل عبيد بن عمير عند عبد الرزاق ‏"‏ لا دريت ولا أفلحت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بمطارق من حديد ضربة‏)‏ تقدم في ‏"‏ باب خفق النعال ‏"‏ بلفظ ‏"‏ بمطرقة ‏"‏ على الإفراد، وكذا هو في معظم الأحاديث‏.‏
قال الكرماني‏:‏ الجمع مؤذن بأن كل جزء من أجزاء تلك المطرقة مطرقة برأسها مبالغة ا ه‏.‏
وفي حديث البراء ‏"‏ لو ضرب بها جبل لصار ترابا ‏"‏ وفي حديث أسماء ‏"‏ ويسلط عليه دابة في قبره معها سوط ثمرته جمرة مثل غرب البعير تضربه ما شاء الله صماء لا تسمع صوته فترحمه ‏"‏ وزاد في أحاديث أبي سعيد وأبي هريرة وعائشة التي أشرنا إليها ‏"‏ ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له‏:‏ هذا منزلك لو آمنت بربك، فأما إذ كفرت فإن الله أبدلك هذا، ويفتح له باب إلى النار ‏"‏ زاد في حديث أبي هريرة ‏"‏ فيزداد حسرة وثبورا، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه‏"‏، في حديث البراء ‏"‏ فينادي مناد من السماء‏:‏ أفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من يليه‏)‏ قال المهلب‏:‏ المراد الملائكة الذين يلون فتنته، كذا قال، ولا وجه لتخصيصه بالملائكة فقد ثبت أن البهائم تسمعه‏.‏
وفي حديث البراء ‏"‏ يسمعه من بين المشرق والمغرب ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد عند أحمد ‏"‏ يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين ‏"‏ وهذا يدخل فيه الحيوان والجماد، لكن يمكن أن يخص منه الجماد‏.‏
ويؤيده أن في حديث أبي هريرة عند البزار ‏"‏ يسمعه كل دابة إلا الثقلين ‏"‏ والمراد بالثقلين الإنس والجن، قيل لهم ذلك لأنهم كالثقل على وجه الأرض‏.‏
قال المهلب‏:‏ الحكمة في أن الله يسمع الجن قول الميت قدموني ولا يسمعهم صوته إذا عذب بأن كلامه قبل الدفن متعلق بأحكام الدنيا وصوته إذا عذب في القبر متعلق بأحكام الآخرة، وقد أخفى الله على المكلفين أحوال الآخرة إلا من شاء الله إبقاء عليهم كما تقدم‏.‏
وقد جاء في عذاب القبر غير هذه الأحاديث‏:‏ منها عن أبي هريرة وابن عباس وأبي أيوب وسعد وزيد بن أرقم وأم خالد في الصحيحين أو أحدهما، وعن جابر عند ابن ماجه، وأبي سعيد عند ابن مردويه، وعمر وعبد الرحمن بن حسنة وعبد الله بن عمرو عند أبي داود، وابن مسعود عند الطحاوي، وأبي بكرة وأسماء بنت يزيد عند النسائي، وأم مبشر عند ابن أبي شيبة، وعن غيرهم‏.‏
وفي أحاديث الباب من الفوائد‏:‏ إثبات عذاب القبر، وأنه واقع على الكفار ومن شاء الله من الموحدين‏.‏
والمسألة وهل هي واقعة على كل واحد‏؟‏ تقدم تقرير ذلك، وهل تختص بهذه الأمة أم وقعت على الأمم قبلها‏؟‏ ظاهر الأحاديث الأول وبه جزم الحكيم الترمذي وقال‏:‏ كانت الأمم قبل هذه الأمة تأتيهم الرسل فإن أطاعوا فذاك وإن أبوا اعتزلوهم وعوجلوا بالعذاب، فلما أرسل الله محمدا رحمة للعالمين أمسك عنهم العذاب، وقبل الإسلام ممن أظهره سواء أسر الكفر أو لا، فلما ماتوا قيض الله لهم فتاني القبر ليستخرج سرهم بالسؤال وليميز الله الخبيث من الطيب ويثبت الله الذين آمنوا ويضل الله الظالمين انتهى‏.‏
ويؤيده حديث زيد بن ثابت مرفوعا ‏"‏ أن هذه الأمة تبتلى في قبورها ‏"‏ الحديث أخرجه مسلم، ومثله عند أحمد عن أبي سعيد في أثناء حديث، ويؤيده أيضا قول الملكين ‏"‏ ما تقول في هذا الرجل محمد ‏"‏ وحديث عائشة عند أحمد أيضا بلفظ ‏"‏ وأما فتنة القبر فبي تفتنون وعني تسألون ‏"‏ وجنح ابن القيم إلى الثاني وقال‏:‏ ليس في الأحاديث ما ينفي المسألة عمن تقدم من الأمم، وإنما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بكيفية امتحانهم في القبور لا أنه نفى ذلك عن غيرهم، قال‏:‏ والذي يظهر أن كل نبي مع أمته كذلك، فتعذب كفارهم في قبورهم بعد سؤالهم وإقامة الحجة عليهم كما يعذبون في الآخرة بعد السؤال وإقامة الحجة‏.‏
وحكي في مسألة الأطفال احتمالا، والظاهر أن ذلك لا يمتنع في حق المميز دون غيره‏.‏
وفيه ذم التقليد في الاعتقادات لمعاقبة من قال‏:‏ كنت أسمع الناس يقولون شيئا فقلته، وفيه أن الميت يحيا في قبره للمسألة خلافا لمن رده واحتج بقوله تعالى ‏(‏قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين‏)‏ الآية قال‏:‏ فلو كان يحيا في قبره للزم أن يحيا ثلاث مرات ويموت ثلاثا وهو خلاف النص، والجواب بأن المراد بالحياة في القبر للمسألة ليست الحياة المستقرة المعهودة في الدنيا التي تقوم فيها الروح بالبدن وتدبيره وتصرفه وتحتاج إلى ما يحتاج إليه الأحياء، بل هي مجرد إعادة لفائدة الامتحان الذي وردت به الأحاديث الصحيحة، فهي إعادة عارضة، كما حيي خلق لكثير من الأنبياء لمسألتهم لهم عن أشياء ثم عادوا موتى‏.‏
وفي حديث عائشة جواز التحديث عن أهل الكتاب بما وافق الحق‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-04-2013, 12:06 AM   #32
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التعوذ من عذاب القبر‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ أحاديث هذا الباب تدخل في الباب الذي قبله، وإنما أفردها عنها لأن الباب الأول معقود لثبوته ردا على من أنكره‏.‏
والثاني لبيان ما ينبغي اعتماده في مدة الحياة من التوسل إلى الله بالنجاة منه والابتهال إليه في الصرف عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَجَبَتْ الشَّمْسُ فَسَمِعَ صَوْتًا فَقَالَ يَهُودُ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا وَقَالَ النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَوْنٌ سَمِعْتُ أَبِي سَمِعْتُ الْبَرَاءَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يحيي‏)‏ هو ابن سعيد القطان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي أيوب‏)‏ هو الأنصاري‏.‏
وفي هذا الإسناد ثلاثة من الصحابة في نسق أولهم أبو جحيفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجبت الشمس‏)‏ أي سقطت، والمراد غروبها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فسمع صوتا‏)‏ قيل يحتمل أن يكون سمع صوت ملائكة العذاب أو صوت اليهود المعذبين أو صوت وقع العذاب‏.‏
قلت‏:‏ وقد وقع عند الطبراني من طريق عبد الجبار بن العباس عن عون بهذا السند مفسرا ولفظه ‏"‏ خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين غربت الشمس ومعي كوز من ماء، فانطلق لحاجته حتى جاء فوضأته فقال‏:‏ أتسمع ما اسمع‏؟‏ قلت‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏
قال‏:‏ أسمع أصوات اليهود يعذبون في قبورهم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يهود تعذب في قبورها‏)‏ هو خبر مبتدأ أي هذه يهود، أو هو مبتدأ خبره محذوف‏.‏
قال الجوهري‏:‏ اليهود قبيلة والأصل اليهوديون فحذفت ياء الإضافة مثل زنج وزنجي ثم عرف على هذا الحد فجمع على قياس شعير وشعيرة ثم عرف الجمع بالألف واللام ولولا ذلك لم يجز دخول الألف واللام لأنه معرفة مؤنث فجرى مجرى القبيلة وهو غير منصرف للعلمية والتأنيث، وهو موافق لقوله فيما تقدم من حديث عائشة ‏"‏ إنما تعذب اليهود ‏"‏ وإذا ثبت أن اليهود تعذب بيهوديتهم ثبت تعذيب غيرهم من المشركين لأن كفرهم بالشرك أشد من كفر اليهود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال النضر إلخ‏)‏ ساق هذه الطريق لتصريح عون فيها بسماعه له من أبيه وسماع أبيه له من البراء، وقد وصلها الإسماعيلي من طريق أحمد بن منصور عن النضر ولم يسق المتن، وساقه إسحاق بن راهويه في مسنده عن النضر بلفظ ‏"‏ فقال‏:‏ هذه يهود تعذب في قبورها ‏"‏ قال ابن رشد‏:‏ لم يجر للتعوذ من عذاب القبر في هذا الحديث ذكر، فلهذا قال بعض الشارحين‏:‏ إنه من بقية الباب الذي قبله، وإنما أدخله في هذا الباب بعض من نسخ الكتاب ولم يميز، قال‏:‏ ويحتمل أن يكون المصنف أراد أن يعلم بأن حديث أم خالد ثاني أحاديث هذا الباب محمول على أنه صلى الله عليه وسلم نعوذ من عذاب القبر حين سمع أصوات يهود، لما علم من حاله أنه كان يتعوذ ويأمر بالتعوذ مع عدم سماع العذاب فكيف مع سماعه‏.‏
قال‏:‏ وهذا جار على ما عرف من عادة المصنف في الإغماض‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ العادة قاضية بأن كل من سمع مثل ذلك الصوت يتعوذ من مثله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَلًّى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَتْنِي ابْنَةُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا معلى‏)‏ هو ابن أسد، وبنت خالد اسمها أمة وتكنى أم خالد، وقد أورده المصنف في الدعوات من وجه آخر ‏"‏ عن موسى بن عقبة سمعت أم خالد بنت خالد ولم أسمع أحدا سمع من النبي غيرها ‏"‏ فذكره‏.‏
ووقع في الطبراني من وجه آخر عن موسى بلفظ ‏"‏ استجيروا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ ويقول ‏"‏ وقد تقدم الكلام على فوائد هذا الحديث في آخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-04-2013, 12:11 AM   #33
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْغِيبَةِ وَالْبَوْلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب عذاب القبر من الغيبة والبول‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ المراد بتخصيص هذين الأمرين بالذكر تعظيم أمرهما‏.‏
لا نفي الحكم عما عداهما، فعلى هذا لا يلزم من ذكرهما حصر عذاب القبر فيهما، لكن الظاهر من الاقتصار على ذكرهما أنهما أمكن في ذلك من غيرهما، وقد روى أصحاب السنن من حديث أبي هريرة ‏"‏ استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ بَلَى أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ قَالَ ثُمَّ أَخَذَ عُودًا رَطْبًا فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ ثُمَّ قَالَ لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا
الشرح‏:‏
حديث ابن عباس أورده المصنف في قصة القبرين، وليس فيه للغيبة ذكر، وإنما ورد بلفظ النميمة، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في الطهارة‏.‏
وقيل مراد المصنف أن الغيبة تلازم النميمة لأن النميمة مشتملة على ضربين‏:‏ نقل كلام المغتاب إلى الذي اغتابه، والحديث عن المنقول عنه بما لا يريده‏.‏
قال بن رشيد‏:‏ لكن لا يلزم من الوعيد على النميمة ثبوته على الغيبة وحدها، لأن مفسدة النميمة أعظم، وإذا لم تساوها لم يصح الإلحاق إذ لا يلزم من التعذيب على الأشد التعذيب على الأخف، لكن يجوز أن يكون ورد على معنى التوقع والحذر فيكون قصد التحذير من المغتاب لئلا يكون له في ذلك نصيب انتهى‏.‏
وقد وقع في بعض طرق هذا الحديث بلفظ الغيبة كما بيناه في الطهارة، فالظاهر أن البخاري جرى على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْمَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر ‏"‏ أن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يريد بالغداة والعشي غداة واحدة وعشية واحدة يكون العرض فيها‏.‏
ومعنى قوله ‏"‏ حتى يبعثك الله ‏"‏ أي لا تصل إليه إلى يوم البعث‏.‏
ويحتمل أن يريد كل غداة وكل عشي، وهو محمول على أنه يحيا منه جزء ليدرك ذلك فغير ممتنع أن تعاد الحياة إلى جزء من الميت أو أجزاء وتصح مخاطبته والعرض عليه انتهى‏.‏
والأول موافق للأحاديث المتقدمة قبل بابين في سياق المسألة وعرض المقعدين على كل أحد‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ يجوز أن يكون هذا العرض على الروح فقط، ويجوز أن يكون عليه مع جزء من البدن‏.‏
قال‏:‏ والمراد بالغداة والعشي وقتهما وإلا فالموتى لا صباح عندهم ولا مساء‏.‏
قال‏:‏ وهذا في حق المؤمن والكافر واضح، فأما المؤمن المخلط فمحتمل في حقه أيضا، لأنه يدخل الجنة في الجملة، ثم هو مخصوص بغير الشهداء لأنهم أحياء وأرواحهم تسرح في الجنة‏.‏
ويحتمل أن يقال‏:‏ إن فائدة العرض في حقهم تبشير أرواحهم باستقرارها في الجنة مقترنة بأجسادها، فإن فيه قدرا زائدا على ما هي فيه الآن‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة‏)‏ اتحد فيه الشرط والجزاء لفظا ولا بد فيه من تقدير، قال التوربشتي‏:‏ التقدير إن كان من أهل الجنة فمقعده من مقاعد أهل الجنة يعرض عليه‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ الشرط والجزاء إذا اتحدا لفظا دل على الفخامة، والمراد أنه يرى بعد البعث من كرامة الله ما ينسيه هذا المقعد انتهى‏.‏
ووقع عند مسلم بلفظ ‏"‏ إن كان من أهل الجنة فالجنة ‏"‏ أي فالمعروض الجنة‏.‏
وفي هذا الحديث إثبات عذاب القبر، وأن الروح لا تفنى بفناء الجسد لأن العرض لا يقع إلا على حي‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ استدل به على أن الأرواح على أفنية القبور‏.‏
قال‏:‏ والمعنى عندي أنها قد تكون على أفنية قبورها لا أنها لا تفارق الأفنية، بل هي كما قال مالك إنه بلغه أن الأرواح تسرح حيث شاءت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يبعثك الله يوم القيامة‏)‏ في رواية مسلم عن يحيى بن مالك ‏"‏ حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة ‏"‏ وحكى ابن عبد البر فيه الاختلاف بين أصحاب مالك، وأن الأكثر رووه كرواية البخاري وأن ابن القاسم رواه كرواية مسلم، قال‏.‏
والمعنى حتى يبعثك الله إلى ذلك المقعد‏.‏
ويحتمل أن يعود الضمير إلى الله‏.‏
فإلى الله ترجع الأمور، والأول أظهر ا ه‏.‏
ويؤيده رواية الزهري عن سالم عن أبيه بلفظ ‏"‏ ثم يقال‏:‏ هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏
وقد أخرج النسائي رواية ابن القاسم لكن لفظه كلفظ البخاري‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب كَلَامِ الْمَيِّتِ عَلَى الْجَنَازَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كلام الميت على الجنازة‏)‏ أي بعد حملها، أورد فيه حديث أبي سعيد، وقد تقدم الكلام عليه قبل بضعة وثلاثين بابا، وترجم له ‏"‏ قول الميت وهو على الجنازة قدموني ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ الحكمة في هذا التكرير أن الترجمة الأولى مناسبة للترجمة التي قبلها وهي ‏"‏ باب السرعة بالجنازة ‏"‏ لاشتمال الحديث على بيان موجب الإسراع، وكذلك هذه الترجمة مناسبة للتي قبلها كأنه أراد أن يبين أن ابتداء العرض إنما يكون عند حمل الجنازة لأنها حينئذ يظهر لها ما تؤول إليه فتقول ما تقول‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا قِيلَ فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ كَانَ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما قيل في أولاد المسلمين‏)‏ أي غير البالغين‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ تقدم في أوائل الجنائز ترجمة ‏"‏ من مات له ولد فاحتسب ‏"‏ وفيها الحديث المصدر به، وإنما ترجم بهذه لمعرفة مآل الأولاد، ووجه انتزاع ذلك أن من يكون سببا في حجب النار عن أبويه أولى بأن يحجب هو لأنه أصل الرحمة وسببها‏.‏
وقال النووي‏:‏ أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة‏.‏
وتوقف فيه بعضهم لحديث عائشة، يعني الذي أخرجه مسلم بلفظ ‏"‏ توفي صبي من الأنصار فقلت‏:‏ طوبى له لم يعلم سوءا ولم يدركه‏.‏
فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلا ‏"‏ الحديث‏.‏
قال والجواب عنه أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير دليل، أو قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة انتهى‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ نفى بعضهم الخلاف في ذلك‏.‏
وكأنه عنى ابن أبي زيد فإنه أطلق الإجماع في ذلك، ولعله أراد إجماع من يعتد به‏.‏
وقال المازري‏:‏ الخلاف في غير أولاد الأنبياء انتهى‏.‏
ولعل البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث أبي هريرة الذي بدأ به كما سيأتي، فإن فيه التصريح بإدخال الأولاد الجنة مع آبائهم‏.‏
وروى عبد الله بن أحمد في زيادات المسند عن علي مرفوعا ‏"‏ أن المسلمين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار ‏"‏ ثم قرأ ‏(‏والذين آمنوا واتبعتهم‏)‏ الآية، وهذا أصح ما ورد في تفسير هذه الآية وبه جزم ابن عباس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو هريرة إلخ‏)‏ لم أره موصولا من حديثه على هذا الوجه، نعم عند أحمد من طريق عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله وإياهم بفضل رحمته الجنة‏"‏، ولمسلم من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسب إلا دخلت الجنة ‏"‏ الحديث‏.‏
وله من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة‏:‏ دفنت ثلاثة‏؟‏ قالت‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ لقد احتظرت بحظار شديد من النار ‏"‏ وفي صحيح أبي عوانة من طريق عاصم عن أنس ‏"‏ مات ابن للزبير فجزع عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حجابا من النار‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان له‏)‏ كذا للأكثر أي كان موتهم له حجابا، وللكشميهني ‏"‏ كانوا ‏"‏ أي الأولاد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثة من الولد‏)‏ سقط قوله ‏"‏ من الولد ‏"‏ في رواية أبي ذر، وكذا سبق من رواية عبد الوارث عن عبد العزيز في ‏"‏ باب فضل من مات له ولد فاحتسب ‏"‏ وتقدم الكلام عليه مستوفى هناك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما توفي إبراهيم‏)‏ زاد الإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة بسنده ‏"‏ ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وله من طريق معاذ عن شعبة بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ توفي ابنه إبراهيم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن له مرضعا في الجنة‏)‏ قال ابن التين‏:‏ يقال امرأة مرضع بلا هاء مثل حائض، وقد أرضعت فهي مرضعة إذا بني من الفعل، قال الله تعالى ‏(‏تذهل كل مرضعة عما أرضعت‏)‏ قال‏:‏ وروي ‏"‏ مرضعا ‏"‏ بفتح الميم أي إرضاعا انتهى‏.‏
وقد سبق إلى حكاية هذا الوجه الخطابي، والأول رواية الجمهور‏.‏
وفي رواية عمرو المذكورة ‏"‏ مرضعا ترضعه في الجنة ‏"‏ وقد تقدم الكلام على قصة موت إبراهيم مستوفى في ‏"‏ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنا بك لمحزونون ‏"‏ وإيراد البخاري له في هذا الباب يشعر باختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة، فكأنه توقف فيه أولا ثم جزم به‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا قِيلَ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما قيل في أولاد المشركين‏)‏ هذه الترجمة تشعر أيضا بأنه كان متوقفا في ذلك، وقد جزم بعد هذا في تفسير سورة الروم بما يدل على اختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة كما سيأتي تحريره، وقد رتب أيضا أحاديث هذا الباب ترتيبا يشير إلى المذهب المختار، فإنه صدره بالحديث الدال على التوقف، ثم ثنى بالحديث المرجح لكونهم في الجنة، ثم ثلث بالحديث المصرح بذلك فإن قوله في سياقه ‏"‏ وأما الصبيان حوله فأولاد الناس ‏"‏ قد أخرجه في التعبير بلفظ ‏"‏ وأما الولدان الذين حوله فكل مولود يولد على الفطرة‏.‏
فقال بعض المسلمين‏:‏ وأولاد المشركين‏؟‏ فقال‏:‏ وأولاد المشركين ‏"‏ ويؤيده ما رواه أبو يعلى من حديث أنس مرفوعا ‏"‏ سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم ‏"‏ إسناده حسن‏.‏
وورد تفسير ‏"‏ اللاهين ‏"‏ بأنهم الأطفال من حديث ابن عباس مرفوعا أخرجه البزار، وروى أحمد من طريق خنساء بنت معاوية بن صريم عن عمتها قالت ‏"‏ قلت يا رسول الله من في الجنة‏؟‏ قال‏:‏ النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة ‏"‏ إسناده حسن‏.‏
واختلف العلماء قديما وحديثا في هذه المسألة على أقوال‏:‏ أحدها أنهم في مشيئة الله تعالى، وهو منقول عن الحمادين وابن المبارك وإسحاق، ونقله البيهقي في ‏"‏ الاعتقاد ‏"‏ عن الشافعي في حق أولاد الكفار خاصة، قال ابن عبد البر‏:‏ وهو مقتضى صنيع مالك، وليس عنده في هذه المسألة شيء منصوص، إلا أن أصحابه صرحوا بأن أطفال المسلمين في الجنة وأطفال الكفار خاصة في المشيئة، والحجة فيه حديث ‏"‏ الله أعلم بما كانوا عاملين‏"‏‏.‏
ثانيها أنهم تبع لآبائهم، فأولاد المسلمين في الجنة وأولاد الكفار في النار، وحكاه ابن حزم عن الأزارقة من الخوارج، واحتجوا بقوله تعالى ‏(‏رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا‏)‏ وتعقبه بأن المراد قوم نوح خاصة، وإنما دعا بذلك لما أوحى الله إليه ‏(‏أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن‏)‏ وأما حديث ‏"‏ هم من آبائهم أو منهم ‏"‏ فذاك ورد في حكم الحربي، وروى أحمد من حديث عائشة ‏"‏ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ولدان المسلمين، قال‏:‏ في الجنة‏.‏
وعن أولاد المشركين، قال‏:‏ في النار فقلت يا رسول الله لم يدركوا الأعمال، قال‏:‏ ربك أعلم بما كانوا عاملين، لو شئت أسمعتك تضاغيهم في النار ‏"‏ وهو حديث ضعيف جدا لأن في إسناده أبا عقيل مولى بهية وهو متروك‏.‏
ثالثها أنهم يكونون في برزخ بين الجنة والنار، لأنهم لم يعملوا حسنات يدخلون بها الجنة، ولا سيئات يدخلون بها النار‏.‏
رابعها خدم أهل الجنة، وفيه حديث عن أنس ضعيف أخرجه أبو داود الطيالسي وأبو يعلى، وللطبراني والبزار من حديث سمرة مرفوعا ‏"‏ أولاد المشركين خدم أهل الجنة ‏"‏ وإسناده ضعيف‏.‏
خامسها أنهم يصيرون ترابا، روي عن ثمامة بن أشرس‏.‏
سادسها هم في النار حكاه عياض عن أحمد، وغلطه ابن تيمية بأنه قول لبعض أصحابه ولا يحفظ عن الإمام أصلا‏.‏
سابعها أنهم يمتحنون في الآخرة بأن ترفع لهم نار، فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن أبى عذب، أخرجه البزار من حديث أنس وأبي سعيد، وأخرجه الطبراني من حديث معاذ بن جبل‏.‏
وقد صحت مسألة الامتحان في حق المجنون ومن مات في الفترة من طرق صحيحة، وحكى البيهقي في ‏"‏ كتاب الاعتقاد ‏"‏ أنه المذهب الصحيح، وتعقب بأن الآخرة ليست دار تكليف فلا عمل فيها ولا ابتلاء، وأجيب بأن ذلك بعد أن يقع الاستقرار في الجنة أو النار، وأما في عرصات القيامة فلا مانع من ذلك، وقد قال تعالى ‏(‏يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون‏)‏ وفي الصحيحين ‏"‏ أن الناس يؤمرون بالسجود، فيصير ظهر المنافق طبقا، فلا يستطيع أن يسجد‏"‏‏.‏
ثامنها أنهم في الجنة، وقد تقدم القول فيه في ‏"‏ باب فضل من مات له ولد ‏"‏ قال النووي‏:‏ وهو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون، لقوله تعالى ‏(‏وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا‏)‏ وإذا كان لا يعذب العاقل لكونه لم تبلغه الدعوة فلأن لا يعذب غير العاقل من باب الأولى، ولحديث سمرة المذكور في هذا الباب، ولحديث عمة خنساء المتقدم، ولحديث عائشة الآتي قريبا‏.‏
تاسعها الوقف‏.‏
عاشرها الإمساك‏.‏
وفي الفرق بينهما دقة‏.‏
ثم أورد المصنف في الباب ثلاثة أحاديث‏:‏ أحدها حديث ابن عباس وأبي هريرة ‏"‏ سئل عن أولاد المشركين ‏"‏ وفي رواية ابن عباس ‏"‏ ذراري المشركين ‏"‏ ولم أقف في شيء من الطرق على تسمية هذا السائل، لكن عند أحمد وأبي داود عن عائشة ما يحتمل أن تكون هي السائلة، فأخرجا من طريق عبد الله بن أبي قيس عنها قالت ‏"‏ قلت‏:‏ يا رسول الله ذراري المسلمين‏؟‏ قال‏:‏ مع آبائهم‏.‏
قلت‏:‏ يا رسول الله بلا عمل‏؟‏ قال‏:‏ الله أعلم بما كانوا عاملين ‏"‏ الحديث‏.‏
وروى عبد الرزاق من طريق أبي معاذ عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت ‏"‏ سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين، فقال‏:‏ هم مع آبائهم، ثم سألته بعد ذلك فقال‏:‏ الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم سألته بعدما استحكم الإسلام فنزل ‏(‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏)‏ قال‏:‏ هم على الفطرة، أو قال‏:‏ في الجنة ‏"‏ وأبو معاذ هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف، ولو صح هذا لكان قاطعا للنزاع رافعا لكثير من الإشكال المتقدم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ اللَّهُ إِذْ خَلَقَهُمْ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ
الشرح‏:‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يسمع ابن عباس هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم، بين ذلك أحمد من طريق عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال‏:‏ كنت أقول في أولاد المشركين‏:‏ هم منهم، حتى حدثني رجل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيته فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏"‏ ربهم أعلم بهم، هو خلقهم وهو أعلم بما كانوا عاملين ‏"‏ فأمسكت عن قولي انتهى‏.‏
وهذا أيضا يدفع القول الأول الذي حكيناه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏الله أعلم‏)‏ قال ابن قتيبة‏:‏ معنى قوله ‏"‏ بما كانوا عاملين ‏"‏ أي لو أبقاهم، فلا تحكموا عليهم بشيء‏.‏
وقال غيره‏:‏ أي علم أنهم لا يعملون شيئا ولا يرجعون فيعملون أو أخبر بعلم شيء لو وجد كيف يكون، مثل قوله‏:‏ ‏(‏ولو ردوا لعادوا‏)‏ ولكن لم يرد أنهم يجازون بذلك في الآخرة لأن العبد لا يجازى بما لم يعمل‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ وأما حديث أبي هريرة فهو طرف من ثاني أحاديث الباب كما سيأتي في القدر من طريق همام عن أبي هريرة، ففي آخره ‏"‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله، أفرأيت من يموت وهو صغير‏؟‏ قال‏:‏ الله أعلم بما كانوا عاملين ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ فقال رجل‏:‏ يا رسول الله أرأيت لو مات قبل ذلك ‏"‏ ولأبي داود من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة نحو رواية همام‏.‏
وأخرج أبو داود عقبه عن ابن وهب سمعت مالكا وقيل له إن أهل الأهواء يحتجون علينا بهذا الحديث يعني قوله ‏"‏ فأبواه يهودانه أو ينصرانه ‏"‏ فقال مالك‏:‏ احتج عليهم بآخره ‏"‏ الله أعلم بما كانوا عاملين‏"‏‏.‏
ووجه ذلك أن أهل القدر استدلوا على أن الله فطر العباد على الإسلام وأنه لا يضل أحدا وإنما يضل الكافر أبواه، فأشار مالك إلى الرد عليهم بقوله ‏"‏ الله أعلم ‏"‏ فهو دال على أنه يعلم بما يصيرون إليه بعد إيجادهم على الفطرة، فهو دليل على تقدم العلم الذي ينكره غلاتهم، ومن ثم قال الشافعي‏:‏ أهل القدر إن أثبتوا العلم خصموا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سلمة‏)‏ هكذا رواه ابن أبي ذئب عن الزهري، وتابعه يونس كما تقدم قبل أبواب من طريق عبد الله بن المبارك عنه، وأخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن يونس، وخالفهما الزبيدي ومعمر فروياه عن الزهري عن سعيد بن المسيب بدل أبي سلمة، وأخرجه الذهلي في ‏"‏ الزهريات ‏"‏ من طريق الأوزاعي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، وقد تقدم أيضا من طريق شعيب عن الزهري عن أبي هريرة من غير ذكر واسطة‏.‏
وصنيع البخاري يقتضي ترجيح طريق أبي سلمة، وصنيع مسلم يقتضي تصحيح القولين عن الزهري، وبذلك جزم الذهلي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كل مولود‏)‏ أي من بني آدم، وصرح به جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ كل بني آدم يولد على الفطرة ‏"‏ وكذا رواه خالد الواسطي عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد عن الأعرج ذكرها ابن عبد البر، واستشكل هذا التركيب بأنه يقتضي أن كل مولود يقع له التهويد وغيره مما ذكر، والفرض أن بعضهم يستمر مسلما ولا يقع له شيء، والجواب أن المراد من التركيب أن الكفر ليس من ذات المولود ومقتضى طبعه، بل إنما حصل بسبب خارجي، فإن سلم من ذلك السبب استمر على الحق‏.‏
وهذا يقوي المذهب الصحيح في تأويل الفطرة كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يولد على الفطرة‏)‏ ظاهره تعميم الوصف المذكور في جميع المولودين، وأصرح منه رواية يونس المتقدمة بلفظ ‏"‏ ما من مولود إلا يولد على الفطرة‏"‏، ولمسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ ليس من مولود يولد إلا على هذه الفطرة حتى يعبر عنه لسانه‏"‏‏.‏
وفي رواية له من هذا الوجه ‏"‏ ما من مولود إلا وهو على الملة‏"‏‏.‏
وحكى ابن عبد البر عن قوم أنه لا يقتضي العموم، وإنما المراد أن كل من ولد على الفطرة وكان له أبوان على غير الإسلام نقلاه إلى دينهما، فتقدير الخبر على هذا‏:‏ كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهوديان مثلا فإنهما يهودانه ثم يصير عند بلوغه إلى ما يحكم به عليه‏.‏
ويكفي في الرد عليهم رواية أبي صالح المتقدمة‏.‏
وأصرح منها رواية جعفر بن ربيعة بلفظ ‏"‏ كل بني آدم يولد على الفطرة ‏"‏ وقد اختلف السلف في المراد بالفطرة في هذا الحديث على أقوال كثيرة، وحكى أبو عبيد أنه سأل محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة عن ذلك فقال‏:‏ كان هذا في أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض، وقبل الأمر بالجهاد‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ كأنه عني أنه لو كان يولد على الإسلام فمات قبل أن يهوده أبواه مثلا لم يرثاه‏.‏
والواقع في الحكم أنهما يرثانه فدل على تغير الحكم‏.‏
وقد تعقبه ابن عبد البر وغيره‏.‏
وسبب الاشتباه أنه حمله على أحكام الدنيا، فلذلك ادعى فيه النسخ، والحق أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بما وقع في نفس الأمر، ولم يرد به إثبات أحكام الدنيا‏.‏
وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الإسلام، قال ابن عبد البر‏:‏ وهو المعروف عند عامة السلف‏.‏
وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى ‏(‏فطرة الله التي فطر الناس عليها‏)‏ الإسلام، واحتجوا بقول أبي هريرة في آخر حديث الباب‏:‏ اقرؤوا إن شئتم ‏(‏فطرة الله التي فطر الناس عليها‏)‏ وبحديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه ‏"‏ إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم ‏"‏ الحديث‏.‏
وقد رواه غيره فزاد فيه ‏"‏ حنفاء مسلمين ‏"‏ ورجحه بعض المتأخرين بقوله تعالى ‏(‏فطرة الله‏)‏ لأنها إضافة مدح، وقد أمر نبيه بلزومها، فعلم أنها الإسلام‏.‏
وقال ابن جرير‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏فأقم وجهك للدين‏)‏ أي سدد لطاعته ‏(‏حنيفا‏)‏ أي مستقيما ‏(‏فطرة الله‏)‏ أي صبغة الله، وهو منصوب على المصدر الذي دل عليه الفعل الأول، أو منصوب بفعل مقدر، أي ألزم‏.‏
وقد سبق قبل أبواب قول الزهري في الصلاة على المولود‏:‏ من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام، وسيأتي في تفسير سورة الروم جزم المصنف بأن الفطرة الإسلام، وقد قال أحمد‏:‏ من مات أبواه وهما كافران حكم بإسلامه‏.‏
واستدل بحديث الباب فدل على أنه فسر الفطرة بالإسلام‏.‏
وتعقبه بعضهم بأنه كان يلزم أن لا يصح استرقاقه، ولا يحكم بإسلامه إذا أسلم أحد أبويه‏.‏
والحق أن الحديث سيق لبيان ما هو في نفس الأمر، لا لبيان الأحكام في الدنيا‏.‏
وحكى محمد بن نصر أن آخر قولي أحمد أن المراد بالفطرة الإسلام‏.‏
قال ابن القيم‏:‏ وقد جاء عن أحمد أجوبة كثيرة يحتج فيها بهذا الحديث على أن الطفل إنما يحكم بكفره بأبويه، فإذا لم يكن بين أبوين كافرين فهو مسلم‏.‏
وروى أبو داود عن حماد بن سلمة أنه قال‏:‏ المراد أن ذلك حيث أخذ الله عليهم العهد حيث قال ‏(‏ألست بربكم قالوا بلى‏)‏ ونقله ابن عبد البر عن الأوزاعي وعن سحنون، ونقله أبو يعلى بن الفراء عن إحدى الروايتين عن أحمد، وهو ما حكاه الميموني عنه وذكره ابن بطة، وقد سبق في ‏"‏ باب إسلام الصبي ‏"‏ في آخر حديث الباب من طريق يونس ثم يقول ‏(‏فطرة الله التي فطر الناس عليها - إلى قوله - القيم‏)‏ وظاهره أنه من الحديث المرفوع، وليس كذلك بل هو من كلام أبي هريرة أدرج في الخبر، بينه مسلم من طريق الزبيدي عن الزهري ولفظه ‏"‏ ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم ‏"‏ قال الطيبي‏:‏ ذكر هذه الآية عقب هذا الحديث يقوي ما أوله حماد بن سلمة من أوجه‏:‏ أحدها أن التعريف في قوله ‏"‏ على الفطرة ‏"‏ إشارة إلى معهود وهو قوله تعالى ‏(‏فطرة الله‏)‏ ومعنى المأمور في قوله‏:‏ ‏(‏فأقم وجهك‏)‏ أي اثبت على العهد القديم‏.‏
ثانيها ورود الرواية بلفظ ‏"‏ الملة ‏"‏ بدل الفطرة و ‏"‏ الدين ‏"‏ في قوله‏:‏ ‏(‏للدين حنيفا‏)‏ هو عين الملة، قال تعالى ‏(‏دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا‏)‏ ويؤيده حديث عياض المتقدم‏.‏
ثالثها التشبيه بالمحسوس المعاين ليفيد أن ظهوره يقع في البيان مبلغ هذا المحسوس، قال‏.‏
والمراد تمكن الناس من الهدى في أصل الجبلة، والتهيؤ لقبول الدين، فلو ترك المرء عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، لأن حسن هذا الدين ثابت في النفوس، وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية كالتقليد انتهى‏.‏
وإلى هذا مال القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏ فقال‏:‏ المعنى أن الله خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول وعلى تلك الأهلية أدركت الحق، ودين الإسلام هو الدين الحق، وقد دل على هذا المعنى بقية الحديث حيث قال ‏"‏ كما تنتج البهيمة ‏"‏ يعني أن البهيمة تلد الولد كامل الخلقة، فلو ترك كذلك كان بريئا من العيب، لكنهم تصرفوا فيه بقطع أذنه مثلا فخرج عن الأصل، وهو تشبيه واقع ووجهه واضح والله أعلم‏.‏
وقال ابن القيم‏:‏ ليس المراد بقوله ‏"‏ يولد على الفطرة ‏"‏ أنه خرج من بطن أمه يعلم الدين، لأن الله يقول ‏(‏والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا‏)‏ ولكن المراد أن فطرته مقتضية لمعرفة دين الإسلام ومحبته، فنفس الفطرة تستلزم الإقرار والمحبة، وليس المراد مجرد قبول الفطرة لذلك، لأنه لا يتغير بتهويد الأبوين مثلا بحيث يخرجان الفطرة عن القبول، وإنما المراد أن كل مولود يولد على إقراره بالربوبية، فلو خلي وعدم المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره، كما أنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من ارتضاع اللبن حتى يصرفه عنه الصارف، ومن ثم شبهت الفطرة باللبن بل كانت إياه في تأويل الرؤيا‏.‏
والله أعلم‏.‏
وفي المسألة أقوال أخر ذكرها ابن عبد البر وغيره‏:‏ منها قول ابن المبارك أن المراد أنه يولد على ما يصير إليه من شقاوة أو سعادة، فمن علم الله أنه يصير مسلما ولد على الإسلام، ومن علم الله أنه يصير كافرا ولد على الكفر، فكأنه أول الفطرة بالعلم‏.‏
وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يكن لقوله ‏"‏ فأبواه يهودانه إلخ ‏"‏ معنى لأنهما فعلا به ما هو الفطرة التي ولد عليها فينافي في التمثيل بحال البهيمة‏.‏
ومنها أن المراد أن الله خلق فيهم المعرفة والإنكار، فلما أخذ الميثاق من الذرية قالوا جميعا ‏(‏بلى‏)‏ أما أهل السعادة فقالوها طوعا، وأما أهل الشقاوة فقالوها كرها‏.‏
وقال محمد بن نصر‏:‏ سمعت إسحاق ابن راهويه يذهب إلى هذا المعنى ويرجحه، وتعقب بأنه يحتاج إلى نقل صحيح، فأنه لا يعرف هذا التفصيل عند أخذ الميثاق إلا عن السدي ولم يسنده، وكأنه أخذه من الإسرائيليات، حكاه ابن القيم عن شيخه‏.‏
ومنها أن المراد بالفطرة الخلقة أي يولد سالما لا يعرف كفرا ولا إيمانا، ثم يعتقد إذا بلغ التكليف، ورجحه ابن عبد البر وقال‏:‏ إنه يطابق التمثيل بالبهيمة ولا يخالف حديث عياض لأن المراد بقوله‏:‏ ‏(‏حنيفا‏)‏ أي على استقامة، وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يقتصر في أحوال التبديل على ملل الكفر دون ملة الإسلام، ولم يكن لاستشهاد أبي هريرة بالآية معنى‏.‏
ومنها قول بعضهم‏:‏ أن اللام في الفطرة للعهد أي فطرة أبويه، وهو متعقب بما ذكر في الذي قبله‏.‏
ويؤيد المذهب الصحيح أن قوله ‏"‏ فأبواه يهودانه إلخ ‏"‏ ليس فيه لوجود الفطرة شرط بل ذكر ما يمنع موجبها كحصول اليهودية مثلا متوقف على أشياء خارجة عن الفطرة، بخلاف الإسلام‏.‏
وقال ابن القيم‏:‏ سبب اختلاف العلماء في معنى الفطرة في هذا الحديث أن القدرية كانوا يحتجون به على أن الكفر والمعصية ليسا بقضاء الله بل مما ابتدأ الناس إحداثه، فحاول جماعة من العلماء مخالفتهم بتأويل الفطرة على غير معنى الإسلام، ولا حاجة لذلك، لأن الآثار المنقولة عن السلف تدل على أنهم لم يفهموا من لفظ الفطرة إلا الإسلام، ولا يلزم من حملها على ذلك موافقة مذهب القدرية، لأن قوله‏:‏ ‏"‏ فأبواه يهودانه إلخ ‏"‏ محمول على أن ذلك يقع بتقدير الله تعالى، ومن ثم احتج عليهم مالك بقوله في آخر الحديث ‏"‏ الله أعلم بما كانوا عاملين‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأبواه‏)‏ أي المولود، قال الطيبي‏:‏ الفاء أما للتعقيب أو السببية أو جزاء شرط مقدر، أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبويه إما بتعليمهما إياه أو بترغيبهما فيه، وكونه تبعا لهما في الدين يقتضي أن يكون حكمه حكمهما‏.‏
وخص الأبوان بالذكر للغالب، فلا حجة فيه لمن حكم بإسلام الطفل الذي يموت أبواه كافرين كما هو قول أحمد، فقد استمر عمل الصحابة ومن بعدهم على عدم التعرض لأطفال أهل الذمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كمثل البهيمة تنتج البهيمة‏)‏ أي تلدها فالبهيمة الثانية بالنصب على المفعولية وقد تقدم بلفظ ‏"‏ كما تنتج البهيمة بهيمة‏"‏، قال الطيبي‏:‏ قوله ‏"‏ كما ‏"‏ حال من الضمير المنصوب في ‏"‏ يهودانه ‏"‏ أي يهودان المولود بعد أن خلق على الفطرة تشبيها بالبهيمة التي جدعت بعد أن خلقت سليمة، أو هو صفة مصدر محذوف أي يغيرانه تغييرا مثل تغييرهم البهيمة السليمة، قال‏:‏ وقد تنازعت الأفعال الثلاثة في ‏"‏ كما ‏"‏ على التقديرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تنتج‏)‏ بضم أوله وسكون النون وفتح المثناة بعدها جيم، قال أهل اللغة‏:‏ نتجت الناقة على صيغة ما لم يسم فاعله تنتج بفتح المثناة وأنتج الرجل ناقته ينتجها إنتاجا، زاد في الرواية المتقدمة ‏"‏ بهيمة جمعاء ‏"‏ أي لم يذهب من بدنها شيء، سميت بذلك لاجتماع أعضائها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هل ترى فيها جدعاء‏)‏ ‏؟‏ قال الطيبي‏:‏ هو في موضع الحال أي سليمة مقولا في حقها ذلك، وفيه نوع التأكيد أي إن كل من نظر إليها قال ذلك لظهور سلامتها‏.‏
والجدعاء المقطوعة الأذن، ففيه إيماء إلى أن تصميمهم على الكفر كان بسبب صممهم عن الحق‏.‏
ووقع في الرواية المتقدمة بلفظ ‏"‏ هل تحسون فيها من جدعاء ‏"‏ وهو من الإحساس والمراد به العلم بالشيء، يريد أنها تولد لا جدع فيها وإنما يجدعها أهلها بعد ذلك‏.‏
وسيأتي في تفسير سورة الروم أن معنى قوله‏:‏ ‏(‏لا تبديل لخلق الله‏)‏ أي لدين الله وتوجيه ذلك‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ذكر ابن هشام في ‏"‏ المغني ‏"‏ عن ابن هشام الخضراوي أنه جعل هذا الحديث شاهدا لورود ‏"‏ حتى ‏"‏ للاستثناء، فذكره بلفظ ‏"‏ كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه ‏"‏ وقال‏:‏ ولك أن تخرجه على أن فيه حذفا أي يولد على الفطرة ويستمر على ذلك حتى يكون، يعني فتكون للغاية على بابها انتهى‏.‏
ومال صاحب ‏"‏ المغني ‏"‏ في موضع آخر إلى أنه ضمن ‏"‏ يولد ‏"‏ معنى ينشأ مثلا، وقد وجدت الحديث في تفسير ابن مردويه من طريق الأسود بن سريع بلفظ ‏"‏ ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة، فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها ‏"‏ الحديث‏.‏
وهو يؤيد الاحتمال المذكور‏.‏
واللفظ الذي ساقه الخضراوي لم أره في الصحيحين ولا غيرهما، إلا عند مسلم كما تقدم في رواية ‏"‏ حتى يعرب عنه لسانه ‏"‏ ثم وجدت أبا نعيم في مستخرجه على مسلم أورد الحديث من طريق كثير بن عبيد عن محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري بلفظ ‏"‏ ما من مولود يولد في بني آدم إلا يولد على الفطرة، حتى يكون أبواه يهودانه ‏"‏ الحديث‏.‏
وكذا أخرجه ابن مردويه من هذا الوجه، وهو عند مسلم عن حاجب بن الوليد عن محمد بن حرب بلفظ ‏"‏ ما من مولود إلا يولد على الفطرة، أبواه يهودانه ‏"‏ الحديث‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-04-2013, 12:14 AM   #34
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا قَالَ فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا قُلْنَا لَا قَالَ لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُوسَى إِنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ قُلْتُ مَا هَذَا قَالَا انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ فَلَا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَا انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَا انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ قَالَ يَزِيدُ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَعَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالَا انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ وَفِي أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنْ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ وَأَدْخَلَانِي دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلَانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ قُلْتُ طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ قَالَا نَعَمْ أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمْ الزُّنَاةُ وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُو الرِّبَا وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلَادُ النَّاسِ وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ وَالدَّارُ الْأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ وَأَنَا جِبْرِيلُ وَهَذَا مِيكَائِيلُ فَارْفَعْ رَأْسَكَ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ قَالَا ذَاكَ مَنْزِلُكَ قُلْتُ دَعَانِي أَدْخُلْ مَنْزِلِي قَالَا إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمُرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ فَلَوْ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ
الشرح‏:‏
حديث ابن عمر في قصة ابن صياد وسيأتي الكلام عليه مستوفى في الباب المشار إليه في الجهاد، ومقصود البخاري منه الاستدلال هنا بقوله صلى الله عليه وسلم لابن صياد ‏"‏ أتشهد أني رسول الله ‏"‏‏؟‏ وكان إذ ذاك دون البلوغ قوله‏:‏ ‏"‏ أطم ‏"‏ بضمتين بناء كالحصن‏.‏
و ‏"‏ مغالة ‏"‏ بفتح الميم والمعجمة الخفيفة بطن من الأنصار، وابن صياد في رواية أبي ذر صائد وكلا الأمرين كان يدعى به، وقوله ‏"‏فرفضه ‏"‏ للأكثر بالضاد المعجمة أي تركه، قال الزين بن المنير‏:‏ أنكرها القاضي‏.‏
ولبعضهم بالمهملة أي دفعه برجله، قال عياض‏:‏ كذا في رواية أبي ذر عن غير المستملي ولا وجه لها‏.‏
قال المازري‏:‏ لع له رفسه بالسين المهملة أي ضربه برجله، قال عياض‏:‏ لم أجد هذه اللفظة في جماهير اللغة يعني بالصاد، قال‏:‏ وقد وقع في رواية الأصيلي بالقاف بدل الفاء‏.‏
وفي رواية عبدوس ‏"‏ فوقصه ‏"‏ بالواو والقاف، وقوله ‏"‏وهو يختل ‏"‏ بمعجمة ساكنة بعدها مثناة مكسورة أي يخدعه، والمراد أنه كان يريد أن يستغفله ليسمع كلامه وهو لا يشعر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏له فيها رمزة أو زمرة‏)‏ كذا للأكثر على الشك في تقديم الراء على الزاي أو تأخيرها، ولبعضهم ‏"‏ زمزمة أو رمرمة ‏"‏ على الشك هل هو بزايين أو براءين مع زيادة ميم فيهما، ومعاني هذه الكلمات المختلفة متقاربة، فأما التي بتقديم الراء وميم واحدة فهي فعلة من الرمز وهو الإشارة، وأما التي بتقديم الزاي كذلك فمن الزمر والمراد حكاية صوته، وأما التي بالمهملتين وميمين فأصله من الحركة وهي هنا بمعني الصوت الخفي، وأما التي بالمعجمتين كذلك فقال الخطابي‏:‏ هو تحريك الشفتين بالكلام‏.‏
وقال غيره‏:‏ وهو كلام العلوج وهو صوت يصوت من الخياشيم والحلق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فثار ابن صياد‏)‏ أي قام كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ فثاب ‏"‏ بموحدة أي رجع عن الحالة التي كان فيها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال شعيب زمزمة فرفصه‏)‏ في رواية أبي ذر بالزايين وبالصاد المهملة‏.‏
وفي رواية غيره ‏"‏ وقال شعيب في حديثه فرفصه زمزمة أو رمرمة ‏"‏ بالشك‏.‏
وسيأتي في الأدب موصولا من هذا الوجه بالشك، لكن فيه ‏"‏ فرصه ‏"‏ بغير فاء وبالتشديد، وذكر الخطابي في غريبه بمهملة أي ضغطه وضم بعضه إلى بعض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال إسحاق الكلبي وعقيل رمرمة‏)‏ يعني بمهملتين ‏(‏وقال معمر رمزة‏)‏ يعني براء ثم زاي، أما رواية إسحاق فوصلها الذهلي في الزهريات وسقطت من رواية المستملي والكشميهني وأبي الوقت، وأما رواية عقيل فوصلها المصنف في الجهاد وكذا رواية معمر‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَوْتِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب موت يوم الاثنين‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ تعين وقت الموت ليس لأحد فيه اختيار، لكن في التسبب في حصوله مدخل كالرغبة إلى الله لقصد التبرك فمن لم تحصل له الإجابة أثيب على اعتقاده‏.‏
وكأن الخبر الذي ورد في فضل الموت يوم الجمعة لم يصح عند البخاري فاقتصر على ما وافق شرطه، وأشار إلى ترجيحه على غيره، والحديث الذي أشار إليه أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا ‏"‏ ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر ‏"‏ وفي إسناده ضعف، وأخرجه أبو يعلى من حديث أنس نحوه وإسناده أضعف‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ فِي كَمْ كَفَّنْتُمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ وَقَالَ لَهَا فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ قَالَ فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالَتْ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ قَالَ أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ فَنَظَرَ إِلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ بِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ فَقَالَ اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ فَكَفِّنُونِي فِيهَا قُلْتُ إِنَّ هَذَا خَلَقٌ قَالَ إِنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت عائشة‏:‏ دخلت على أبي بكر‏)‏ تعني أباها، زاد أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من هذا الوجه ‏"‏ فرأيت به الموت، فقلت هيج هيج من لا يزال دمعه مقنعا فإنه في مرة مدفوق فقال‏:‏ لا تقولي هذا، ولكن قولي ‏(‏وجاءت سكرة الموت بالحق‏)‏ الآية - ثم قال - في أي يوم ‏"‏ الحديث‏.‏
وهذه الزيادة أخرجها ابن سعد مفردة عن أبي سامة عن هشام‏.‏
وقولها ‏"‏ هيج ‏"‏ بالجيم حكاية بكائها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي كم ثوبا كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم فيه‏؟‏ وقوله ‏"‏ في كم ‏"‏ معمول مقدم لكفنتم، قيل‏:‏ ذكر لها أبو بكر ذلك بصيغة الاستفهام توطئة لها للصبر على فقده، واستنطاقا لها بما يعلم أنه يعظم عليها ذكره، لما في بداءته لها بذلك من إدخال الغم العظيم عليها، لأنه يبعد أن يكون أبو بكر نسي ما سأل عنه مع قرب العهد، ويحتمل أن يكون السؤال عن قدر الكفن على حقيقته، لأنه لم يحضر ذلك لاشتغاله بأمر البيعة‏.‏
وأما تعيين اليوم فنسيانه أيضا محتمل لأنه صلى الله عليه وسلم دفن ليلة الأربعاء، فيمكن أن يحصل التردد هل مات يوم الاثنين أو الثلاثاء‏.‏
وقد تقدم الكلام على الكفن في موضعه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت يوم الاثنين‏)‏ بالنصب أي في يوم الاثنين، وقولها بعد ذلك ‏"‏ قلت يوم الاثنين ‏"‏ بالرفع أي هذا يوم الاثنين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أرجو فيما بيني وبين الليل‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ الليلة ‏"‏ ولابن سعد من طريق الزهري عن عروة عن عائشة ‏"‏ أول بدء مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يوما باردا، فحم خمسة عشر يوما، ومات مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ‏"‏ وأشار الزين بن المنير إلى أن الحكمة في تأخر وفاته عن يوم الاثنين مع أنه كان يحب ذلك ويرغب فيه لكونه قام في الأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم فناسب أن تكون وفاته متأخرة عن الوقت الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏به ردع‏)‏ بسكون المهملة بعدها عين مهملة أي لطخ لم يعمه كله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وزيدوا عليه ثوبين‏)‏ زاد ابن سعد عن أبي معاوية عن هشام ‏"‏ جديدين‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكفنوني فيهما‏)‏ أي المزيد والمزيد عليه‏.‏
وفي رواية غير أبي ذر ‏"‏ فيها ‏"‏ أي الثلاثة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خلق‏)‏ بفتح المعجمة واللام أي غير جديد‏.‏
وفي رواية أبي معاوية عند ابن سعد ‏"‏ ألا نجعلها جددا كلها‏؟‏ قال‏:‏ لا،‏"‏، وظاهره أن أبا بكر كان يرى عدم المغالاة في الأكفان‏.‏
ويؤيده قوله بعد ذلك ‏"‏ إنما هو للمهلة ‏"‏ وروى أبو داود من حديث علي مرفوعا ‏"‏ لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعا ‏"‏ ولا يعارضه حديث جابر في الأمر بتحسين الكفن أخرجه مسلم، فإنه يجمع بينهما بحمل التحسين على الصفة وحمل المغالاة على الثمن‏.‏
وقيل التحسين حق الميت، فإذا أوصى بتركه اتبع كما فعل الصديق، ويحتمل أن يكون اختار ذلك الثوب بعينه لمعنى فيه من التبرك به لكونه صار إليه من النبي صلى الله عليه وسلم، أو لكونه كان جاهد فيه أو تعبد فيه‏.‏
ويؤيده ما رواه ابن سعد من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال‏:‏ قال أبو بكر ‏"‏ كفنوني في ثوبي اللذين كنت أصلي فيهما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنما هو‏)‏ أي الكفن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏للمهلة‏)‏ قال عياض‏:‏ روي بضم الميم وفتحها وكسرها‏.‏
قلت‏:‏ جزم به الخليل‏.‏
وقال ابن حبيب‏:‏ هو بالكسر الصديد، وبالفتح التمهل، وبالضم عكر الزيت‏.‏
والمراد هنا الصديد‏.‏
ويحتمل أن يكون المراد بقوله ‏"‏ إنما هو ‏"‏ أي الجديد، وأن يكون المراد ‏"‏ بالمهلة ‏"‏ على هذا التمهل أي إن الجديد لمن يريد البقاء، والأول أظهر‏.‏
ويؤيده قول القاسم بن محمد بن أبي بكر قال ‏"‏ كفن أبو بكر في ريطة بيضاء وريطة ممصرة وقال‏:‏ إنما هو لما يخرج من أنفه وفيه ‏"‏ أخرجه ابن سعد‏.‏
وله عنه من وجه آخر ‏"‏ إنما هو للمهل والتراب ‏"‏ وضبط الأصمعي هذه بالفتح‏.‏
وفي هذا الحديث استحباب التكفين في الثياب البيض وتثليث الكفن وطلب الموافقة فيما وقع للأكابر تبركا بذلك‏.‏
وفيه جواز التكفين في الثياب المغسولة، وإيثار الحي بالجديد، والدفن بالليل، وفضل أبي بكر وصحة فراسته وثباته عند وفاته‏.‏
وفيه أخذ المرء العلم عمن دونه‏.‏
وقال أبو عمر‏:‏ فيه أن التكفين في الثوب الجديد والخلق سواء‏.‏
وتعقب بما تقدم من احتمال أن يكون أبو بكر اختاره لمعنى فيه، وعلى تقدير أن لا يكون كذلك فلا دليل فيه على المساواة‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَوْتِ الْفَجْأَةِ الْبَغْتَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب موت الفجاءة، البغتة‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ هو مضبوط بالكسر على البدل، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي البغتة، ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ بغتة‏"‏‏.‏
والفجاءة بضم الفاء وبعد الجيم مد ثم همز، ويروى بفتح ثم سكون بغير مد، وهي الهجوم على من لم يشعر به‏.‏
وموت الفجأة وقوعه بغير سبب من مرض وغيره، قال ابن رشيد‏:‏ مقصود المصنف والله أعلم الإشارة إلى أنه ليس بمكروه، لأنه لم يظهر منه كراهيته لما أخبره الرجل بأن أمه افتلتت نفسها، وأشار إلى ما رواه أبو داود بلفظ ‏"‏ موت الفجأة أخذة أسف ‏"‏ وفي إسناده مقال، فجرى على عادته في الترجمة بما لم يوافق شرطه، وإدخال ما يومئ إلى ذلك ولو من طرف خفي انتهى‏.‏
والحديث المذكور أخرجه أبو داود من حديث عبيد بن خالد السلمي ورجاله ثقات، إلا أن راويه رفعه مرة ووقفه أخرى‏.‏
وقوله ‏"‏أسف ‏"‏ أي غضب وزنا ومعنى، وروي بوزن فاعل أي غضبان، ولأحمد من حديث أبي هريرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجدار مائل فأسرع وقال‏:‏ أكره موت الفوات ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ وكان ذلك - والله أعلم - لما في موت الفجأة من خوف حرمان الوصية، وترك الاستعداد للمعاد بالتوبة وغيرها من الأعمال الصالحة‏.‏
وقد روى ابن أبي الدنيا في ‏"‏ كتاب الموت ‏"‏ من حديث أنس نحو حديث عبيد بن خالد وزاد فيه ‏"‏ المحروم من حرم وصيته ‏"‏ انتهى‏.‏
وفي ‏"‏ مصنف ابن أبي شيبة ‏"‏ عن عائشة وابن مسعود ‏"‏ موت الفجأة راحة للمؤمن وأسف على الفاجر ‏"‏ وقال ابن المنير لعل البخاري أراد بهذه الترجمة أن من مات فجأة فليستدرك ولده من أعمال البر ما أمكنه مما يقبل النيابة، كما وقع في حديث الباب‏.‏
وقد نقل عن أحمد وبعض الشافعية كراهة موت الفجأة، ونقل النووي عن بعض القدماء أن جماعة من الأنبياء والصالحين ماتوا كذلك، قال النووي‏:‏ وهو محبوب للمراقبين‏.‏
قلت‏:‏ وبذلك يجتمع القولان‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن جعفر‏)‏ أي ابن أبي كثير المدني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا‏)‏ هو سعد بن عبادة، واسم أمه عمرة، وسيأتي حديثه والكلام عليه في الوصايا إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏افتلتت‏)‏ بضم المثناة وكسر اللام أي سلبت، على ما لم يسم فاعله، يقال افتلت فلان أي مات فجأة وافتلتت نفسه كذلك، وضبطه بعضهم بفتح السين إما على التمييز، وإما على أنه مفعول ثان، والفلتة والافتلات ما وقع بغتة من غير روية، وذكره ابن قتيبة بالقاف وتقديم المثناة وقال‏:‏ هي كلمة تقال لمن فتله الحب ولمن مات فجأة، والمشهور في الرواية بالفاء‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَقْبَرَهُ أَقْبَرْتُ الرَّجُلَ أُقْبِرُهُ إِذَا جَعَلْتَ لَهُ قَبْرًا وَقَبَرْتُهُ دَفَنْتُهُ كِفَاتًا يَكُونُونَ فِيهَا أَحْيَاءً وَيُدْفَنُونَ فِيهَا أَمْوَاتًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ قال بعضهم مراده بقوله ‏"‏ قبر النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ المصدر من قبرته قبرا، والأظهر عندي أنه أراد الاسم، ومقصوده بيان صفته من كونه مسنما أو غير مسنم وغير ذلك مما يتعلق بعضه ببعض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قول الله عز وجل‏:‏ فأقبره‏)‏ يريد تفسير الآية ‏(‏ثم أماته فأقبره‏)‏ أي جعله ممن يقبر لا ممن يلقى حتى تأكله الكلاب مثلا‏.‏
وقال أبو عبيدة في ‏"‏ المجاز ‏"‏ أقبره أمر بأن يقبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أقبرت الرجل إذا جعلت له قبرا وقبرته دفنته‏)‏ قال يحيى الفراء في المعاني‏:‏ يقال أقبره جعله مقبورا وقبره دفنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كفاتا إلخ‏)‏ روى عبد بن حميد من طريق مجاهد قال في قوله‏:‏ ‏(‏ألم نجعل الأرض كفاتا، أحياء وأمواتا‏)‏ قال‏:‏ يكونون فيها ما أرادوا ثم يدفنون فيها‏.‏
ثم أورد المصنف في الباب أحاديث‏:‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ هِشَامٍ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَتَعَذَّرُ فِي مَرَضِهِ أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ أَيْنَ أَنَا غَدًا اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَدُفِنَ فِي بَيْتِي
الشرح‏:‏
قوله ‏"‏إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتعذر في مرضه ‏"‏ وقد ضبط في روايتنا بالعين المهملة والذال المعجمة أي يتمنع، وحكى ابن التين أنه في رواية القابسي بالقاف والدال المهملة أي يسأل عن قدر ما بقي إلى يومها، لأن المريض يجد عند بعض أهله من الأنس ما لا يجد عند بعض‏.‏
وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث والذي بعده في ‏"‏ باب الوفاة النبوية ‏"‏ آخر المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏
والمقصود من إيرادهما هنا بيان أنه صلى الله عليه وسلم دفن في بيت عائشة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ هِلَالٍ هُوَ الْوَزَّانُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ لَوْلَا ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَوْ خُشِيَ أَنَّ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا وَعَنْ هِلَالٍ قَالَ كَنَّانِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَلَمْ يُولَدْ لِي
الشرح‏:‏
تقدم في ‏"‏ باب ما يكره من اتخاذ القبور على المساجد ‏"‏ من طريق هلال المذكور، وفي ‏"‏ باب بناء المسجد على القبر ‏"‏ من وجه آخر، وفي أبواب المساجد أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن هلال‏)‏ يعني بالإسناد المذكور إليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كناني عروة بن الزبير‏)‏ أي الذي روى عنه ذلك الحديث‏.‏
واختلف في كنية هلال‏:‏ فالمشهور أنه أبو عمرو، وقيل أبو أمية، وقيل أبو الجهم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سفيان التمار‏)‏ هو ابن دينار على الصحيح، وقيل ابن زياد، والصواب أنه غيره، وكل منهما عصفري كوفي‏.‏
وهو من كبار أتباع التابعين، وقد لحق عصر الصحابة، ولم أر له رواية عن صحابي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مسنما‏)‏ أي مرتفعا، زاد أبو نعيم في المستخرج ‏"‏ وقبر أبي بكر وعمر كذلك ‏"‏ واستدل به على أن المستحب تسنيم القبور، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد والمزني وكثير من الشافعية، وادعى القاضي حسين اتفاق الأصحاب عليه، وتعقب بأن جماعة من قدماء الشافعية استحبوا التسطيح كما نص عليه الشافعي وبه جزم الماوردي وآخرون‏.‏
وقول سفيان التمار لا حجة فيه كما قال البيهقي لاحتمال أن قبره صلى الله عليه وسلم لم يكن في الأول مسنما، فقد روى أبو داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال‏:‏ ‏"‏ دخلت على عائشة فقلت‏:‏ يا أمة اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت له عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء ‏"‏ زاد الحاكم ‏"‏ فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدما، وأبا بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر رأسه عند رجلي النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وهذا كان في خلافة معاوية، فكأنها كانت في الأول مسطحة، ثم لما بني جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك صيروها مرتفعة‏.‏
وقد روى أبو بكر الآجري في ‏"‏ كتاب صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من طريق إسحاق بن عيسى ابن بنت داود بن أبي هند عن غنيم بن بسطام المديني قال‏:‏ رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم في إمارة عمر بن عبد العزيز فرأيته مرتفعا نحوا من أربع أصابع، ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره، ورأيت قبر عمر وراء قبر أبي بكر أسفل منه‏.‏
ثم الاختلاف في ذلك في أيهما أفضل لا في أصل الجواز، ورجح المزني التسنيم من حيث المعنى بأن المسطح يشبه ما يصنع للجلوس بخلاف المسنم، ورجحه ابن قدامة بأنه يشبه أبنية أهل الدنيا وهو من شعار أهل البدع فكان التسنيم أولى‏.‏
ويرجح التسطيح ما رواه مسلم من حديث فضالة بن عبيد أنه أمر بقبر فسوي، ثم قال‏:‏ ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا فَرْوَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ لَمَّا سَقَطَ عَلَيْهِمْ الْحَائِطُ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخَذُوا فِي بِنَائِهِ فَبَدَتْ لَهُمْ قَدَمٌ فَفَزِعُوا وَظَنُّوا أَنَّهَا قَدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا وَجَدُوا أَحَدًا يَعْلَمُ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَهُمْ عُرْوَةُ لَا وَاللَّهِ مَا هِيَ قَدَمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هِيَ إِلَّا قَدَمُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا فروة‏)‏ هو ابن أبي المغراء، وعلي هو ابن مسهر، وثبت ذلك في رواية أبي ذر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما سقط عليهم الحائط‏)‏ أي حائط حجرة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وفي رواية الحموي عنهم‏:‏ والسبب في ذلك ما رواه أبو بكر الآجري من طريق شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة قال‏:‏ أخبرني أبي قال ‏"‏ كان الناس يصلون إلى القبر فأمر به عمر بن عبد العزيز فرفع حتى لا يصلي إليه أحد، فلما هدم بدت قدم بساق وركبة ففزع عمر بن عبد العزيز، فأتاه عروة فقال‏:‏ هذا ساق عمر وركبته، فسري عن عمر بن عبد العزيز ‏"‏ وروى الآجري من طريق مالك بن مغول عن رجاء بن حيوة قال‏:‏ كتب الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز - وكان قد اشترى حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم - أن اهدمها ووسع بها المسجد، فقعد عمر في ناحية، ثم أمر بهدمها، فما رأيته باكيا أكثر من يومئذ‏.‏
ثم بناه كما أراد‏.‏
فلما أن بنى البيت على القبر وهدم البيت الأول ظهرت القبور الثلاثة وكان الرمل الذي عليها قد انهار، ففزع عمر بن عبد العزيز وأراد أن يقوم فيسويها بنفسه، فقلت له‏:‏ أصلحك الله، إنك إن قمت قام الناس معك، فلو أمرت رجلا أن يصلحها، ورجوت أنه يأمرني بذلك، فقال‏:‏ يا مزاحم - يعني مولاه - قم فأصلحها‏.‏
قال رجاء‏:‏ وكان قبر أبي بكر عند وسط النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر خلف أبي بكر رأسه عند وسطه‏.‏
وهذا ظاهره يخالف حديث القاسم، فإن أمكن الجمع وإلا فحديث القاسم أصح‏.‏
وأما ما أخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن عائشة ‏"‏ أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره ‏"‏ فسنده ضعيف، ويمكن تأويله‏.‏
والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَوْصَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا تَدْفِنِّي مَعَهُمْ وَادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي بِالْبَقِيعِ لَا أُزَكَّى بِهِ أَبَدًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن هشام‏)‏ هو بالإسناد المذكور، وقد أخرجه المصنف في الاعتصام من وجه آخر عن هشام وأخرجه الإسماعيلي من طريق عبدة عن هشام وزاد فيه ‏"‏ وكان في بيتها موضع قبر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا أزكى‏)‏ بضم أوله وفتح الكاف على البناء للمجهول، أي لا يثنى علي بسببه ويجعل لي بذلك مزية وفضل وأنا في نفس الأمر يحتمل أن لا أكون كذلك، وهذا منها على سبيل التواضع وهضم النفس بخلاف قولها لعمر كنت أريده لنفسي فكأن اجتهادها في ذلك تغير أو لما قالت ذلك لعمر كان قبل أن يقع لها ما وقع في قصة الجمل فاستحيت بعد ذلك أن تدفن هناك وقد قال عنها عمار بن ياسر وهو أحد من حاربها يومئذ‏:‏ إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، وسيأتي ذلك مبسوطا في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى، وهو كما قال رضي الله تعالى عنهم أجمعين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اذْهَبْ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقُلْ يَقْرَأُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَيْكِ السَّلَامَ ثُمَّ سَلْهَا أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيَّ قَالَتْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي فَلَأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي فَلَمَّا أَقْبَلَ قَالَ لَهُ مَا لَدَيْكَ قَالَ أَذِنَتْ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ مَا كَانَ شَيْءٌ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَضْجَعِ فَإِذَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي ثُمَّ سَلِّمُوا ثُمَّ قُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَادْفِنُونِي وَإِلَّا فَرُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ إِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ فَمَنْ اسْتَخْلَفُوا بَعْدِي فَهُوَ الْخَلِيفَةُ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا فَسَمَّى عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَوَلَجَ عَلَيْهِ شَابٌّ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ كَانَ لَكَ مِنْ الْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ ثُمَّ اسْتُخْلِفْتَ فَعَدَلْتَ ثُمَّ الشَّهَادَةُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَقَالَ لَيْتَنِي يَا ابْنَ أَخِي وَذَلِكَ كَفَافًا لَا عَلَيَّ وَلَا لِي أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ خَيْرًا أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَأَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏رأيت عمر بن الخطاب قال يا عبد الله بن عمر‏)‏ هذا طرف من حديث طويل سيأتي في مناقب عثمان وزاد فيه ‏"‏ وقل يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين ‏"‏ وفي أوله قدر ورقة في سياق مقتله وفي آخره قدر صفحة في قصة بيعة عثمان‏.‏
قال ابن التين‏.‏
قول عائشة في قصة عمر ‏"‏ كنت أريده لنفسي ‏"‏ يدل على أنه لم يبق ما يسع إلا موضع قبر واحد، فهو يغاير قولها عند وفاتها لا تدفني عندهم فإنه يشعر بأنه بقي من البيت موضع للدفن‏.‏
والجمع بينهما أنها كانت أولا تظن أنه لا يسع إلا قبرا واحدا فلما دفن ظهر لها أن هناك وسعا لقبر آخر، وسيأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ إنما استأذنها عمر لأن الموضع كان بيتها وكان لها فيه حق، وكان لها أن تؤثر به على نفسها فآثرت عمر‏.‏
وفيه الحرص على مجاورة الصالحين في القبور طمعا في إصابة الرحمة إذا نزلت عليهم وفي دعاء من يزورهم من أهل الخير‏.‏
وفي قول عمر ‏"‏ قل يستأذن عمر فإن أذنت ‏"‏ أن من وعد عدة جاز له الرجوع فيها ولا يلزم بالوفاء‏.‏
وفيه أن من بعث رسولا في حاجة مهمة أن له أن يسأل الرسول قبل وصوله إليه ولا يعد ذلك من قلة الصبر بل من الحرص على الخير‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-04-2013, 12:16 AM   #35
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا يُنْهَى مِنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما ينهى من سب الأموات‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لفظ الترجمة يشعر بانقسام السب إلى منهي وغير منهي، ولفظ الخبر مضمونه النهي عن السب مطلقا‏.‏
والجواب أن عمومه مخصوص بحديث أنس السابق حيث قال صلى الله عليه وسلم عند ثنائهم بالخير وبالشر ‏"‏ وجبت، وأنتم شهداء الله في الأرض ‏"‏ ولم ينكر عليهم‏.‏
ويحتمل أن اللام في الأموات عهدية والمراد به المسلمون، لأن الكفار مما يتقرب إلى الله بسبهم‏.‏
وقال القرطبي في الكلام على حديث ‏"‏ وجبت ‏"‏ يحتمل أجوبة، الأول أن الذي كان يحدث عنه بالشر كان مستظهرا به فيكون من باب لا غيبة لفاسق، أو كان منافقا‏.‏
ثانيها يحمل النهي على ما بعد الدفن، والجواز على ما قبله ليتعظ به من يسمعه‏.‏
ثالثها يكون النهي العام متأخرا فيكون ناسخا، وهذا ضعيف‏.‏
وقال ابن رشيد ما محصله‏:‏ أن السب ينقسم في حق الكفار وفي حق المسلمين، أما الكافر فيمنع إذا تأذى به الحي المسلم، وأما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك كأن يصير من قبيل الشهادة، وقد يجب في بعض المواضع، وقد يكون فيه مصلحة للميت، كمن علم أنه أخذ ماله بشهادة زور ومات الشاهد فإن ذكر ذلك ينفع الميت إن علم أن ذلك المال يرد إلى صاحبه‏.‏
قال‏:‏ ولأجل الغفلة عن هذا التفضيل ظن بعضهم أن البخاري سها عن حديث الثناء بالخير والشر، وإنما قصد البخاري أن يبين أن ذلك الجائز كان على معنى الشهادة، وهذا الممنوع هو على معنى السب، ولما كان المتن قد يشعر بالعموم أتبعه بالترجمة التي بعده‏.‏
وتأول بعضهم الترجمة الأولى على المسلمين خاصة‏.‏
والوجه عندي حمله على العموم إلا ما خصصه الدليل‏.‏
بل لقائل أن يمنع أن ما كان على جهة الشهادة وقصد التحذير يسمى سبا في اللغة‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ سب الأموات يجري مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير - وقد تكون منه الفلتة - فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقا معلنا فلا غيبة له، فكذلك الميت‏.‏
ويحتمل أن يكون النهي على عمومه فيما بعد الدفن، والمباح ذكر الرجل بما فيه قبل الدفن ليتعظ بذلك فساق الأحياء، فإذا صار إلى قبره أمسك عنه لإفضائه إلى ما قدم‏.‏
وقد عملت عائشة راوية هذا الحديث بذلك في حق من استحق عندها اللعن فكانت تلعنه وهو حي، فلما مات تركت ذلك ونهت عن لعنه كما سأذكره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ عَنْ الْأَعْمَشِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ الْأَعْمَشِ تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَابْنُ عَرْعَرَةَ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أفضوا‏)‏ أي وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر، واستدل به على منع سب الأموات مطلقا، وقد تقدم أن عمومه مخصوص، وأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار والفساق يجوز ذكر مساويهم للتحذير منهم والتنفير عنهم‏.‏
وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورواه عبد الله بن عبد القدوس ومحمد بن أنس عن الأعمش‏)‏ أي متابعين لشعبة، وأنس والد محمد كالجادة، وهو كوفي سكن الدينور، وثقه أبو زرعة وغيره، وروى عنه من شيوخ البخاري إبراهيم بن موسى الرازي‏.‏
وأما ابن عبد القدوس فذكره البخاري في التاريخ فقال‏:‏ إنه صدوق إلا أنه يروي عن قوم ضعفاء‏.‏
واختلف كلام غيره فيه، وليس له في الصحيح غير هذا الموضع الواحد‏.‏
ووقع لنا أيضا من رواية محمد بن فضيل عن الأعمش بزيادة فيه، أخرجه عمر بن شبة في ‏"‏ كتاب أخبار البصرة ‏"‏ عن محمد بن يزيد الرفاعي عنه بهذا السند إلى مجاهد ‏"‏ إن عائشة قالت‏:‏ ما فعل يزيد الأرجي لعنه الله‏؟‏ قالوا‏:‏ مات‏.‏
قالت‏:‏ أستغفر الله‏.‏
قالوا‏:‏ ما هذا‏؟‏ فذكرت الحديث ‏"‏ وأخرجه من طريق مسروق ‏"‏ إن عليا بعث يزيد بن قيس الأرجي في أيام الجمل برسالة فلم ترد عليه جوابا، فبلغها أنه عاب عليها ذلك فكانت تلعنه، ثم لما بلغها موته نهت عن لعنه وقالت‏:‏ إن رسول الله نهانا عن سب الأموات ‏"‏ وصححه ابن حبان من وجه آخر عن الأعمش عن مجاهد بالقصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه علي بن الجعد‏)‏ وصله المصنف في الرقاق عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومحمد بن عرعرة وابن أبي عدي‏)‏ لم أره من طريق محمد بن عرعرة موصولا، وطريق ابن أبي عدي ذكرها الإسماعيلي‏.‏
ووصله أيضا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة، وهو عند أحمد عنه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب ذِكْرِ شِرَارِ الْمَوْتَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ذكر شرار الموتى‏)‏ تقدم في الباب قبله من شرح ذلك ما فيه كفاية‏.‏
وحديث الباب أورده هنا مختصرا، وسيأتي مطولا مع الكلام عليه في تفسير الشعراء إن شاء الله تعالى‏.‏
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب الجنائز من الأحاديث المرفوعة على مائتي حديث وعشرة أحاديث، المعلق من ذلك والمتابعة ستة وخمسون حديثا، والبقية موصولة‏.‏
المكرر من ذلك فيه وفيما مضى مائة حديث وتسعة أحاديث، والخالص مائة حديث وحديث‏.‏
وافقه مسلم على تخريجها سوى أربعة وعشرين حديثا وهي‏:‏ حديث عائشة ‏"‏ أقبل أبو بكر على فرسه‏"‏، وحديث أم العلاء في قصة عثمان ابن مظعون، وحديث أنس ‏"‏ أخذ الراية زيد فأصيب‏"‏، وحديثه ‏"‏ ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاثة‏"‏، وحديث عبد الرحمن بن عوف ‏"‏ قتل مصعب بن عمير‏"‏، وحديث سهل بن سعد ‏"‏ أن امرأة جاءت ببردة منسوجة‏"‏، وحديث أنس ‏"‏ شهدنا بنتا للنبي صلى الله عليه وسلم‏"‏، وحديث أبي سعيد ‏"‏ إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال‏"‏، وحديث ابن عباس في القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب، وحديث جابر في قصة قتلى أحد ‏"‏ زملوهم بدمائهم‏"‏، وحديثه في قصة استشهاد أبيه ودفنه، وحديث صفية بنت شيبة في تحريم مكة، وحديث أنس في قصة الغلام اليهودي، وحديث ابن عباس ‏"‏ كنت أنا وأمي من المستضعفين ‏"‏ وقد وهم المزي تبعا لأبي مسعود في جعله من المتفق، وقد تعقبه الحميدي على أبي مسعود فأجاد، وحديث أبي هريرة الذي يخنق نفسه كما أوضحته فيما مضى، وحديث عمر ‏"‏ أيما مسلم شهد له أربعة بخير‏"‏، وحديث بنت خالد بن سعيد في التعوذ، وحديث البراء لما توفي إبراهيم، وحديث سمرة في الرؤيا بطوله لكن عند مسلم طرف يسير من أوله، وحديث عائشة ‏"‏ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين‏"‏، وحديثها في وصيتها أن لا تدفن معهم، وحديث عمر في قصة وصيته عند قتله، وحديث عائشة ‏"‏ لا تسبوا الأموات‏"‏، وحديث ابن عباس في قول أبي لهب‏.‏
وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة ومن بعدهم ثمانية وأربعون أثرا، منها ستة موصولة، والبقية معلقة‏.‏
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-05-2013, 12:03 AM   #36
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْبَيْعَةِ عَلَى إِيتَاءِ الزَّكَاةِ
فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب البيعة على إيتاء الزكاة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ هذه الترجمة أخص من التي قبلها، لتضمنها أن بيعة الإسلام لا تتم إلا بالتزام إيتاء الزكاة وأن مانعها ناقض لعهده مبطل لبيعته فهو أخص من الإيجاب لأن كل ما تضمنته بيعة النبي صلى الله عليه وسلم واجب وليس كل واجب تضمنته بيعته، وموضع التخصيص الاهتمام والاعتناء بالذكر حال البيعة‏.‏
قال‏:‏ وأتبع المصنف الترجمة بالآية معتضدا بحكمها لأنها تضمنت أنه لا يدخل في التوبة من الكفر وينال أخوة المؤمنين في الدين إلا من أقام الصلاة وآتى الزكاة انتهى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ

الشرح‏:‏
تقدم الكلام على حديث جرير مستوفى في آخر كتاب الإيمان‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِثْمِ مَانِعِ الزَّكَاةِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إثم مانع الزكاة‏)‏ قال - الزين بن المنير‏:‏ هذه الترجمة أخص من التي قبلها لتضمن حديثها تعظيم إثم مانع الزكاة والتنصيص على عظيم عقوبته في الدار الآخر وتبري نبيه منه بقوله ‏"‏ لا أملك لك من الله شيئا ‏"‏ وذلك مؤذن بانقطاع رجائه، وإنما تتفاوت الواجبات بتفاوت المثوبات والعقوبات، فما شددت عقوبته كان إيجابه آكد مما جاء فيه مطلق العقوبة، وعبر المصنف بالإثم ليشمل من تركها جحدا أو بخلا والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله تعالى‏:‏ ‏(‏والذين يكنزون الذهب والفضة‏)‏ الآية‏)‏ فيه تلميح إلى تقوية قول من قال من الصحابة وغيرهم‏:‏ إن الآية عامة في حق الكفار والمؤمنين، خلافا لمن زعم أنها خاصة بالكفار، وسيأتي ذكر ذلك في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى، وذلك مأخوذ من قوله في حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب ‏"‏ أنا مالك، أنا كنزك ‏"‏ وقد وقع نحو ذلك أيضا في الحديث الأول عند النسائي والطبراني في ‏"‏ مسند الشاميين ‏"‏ من طريق شعيب أيضا في آخر الحديث، وأفرد البخاري الجملة المحذوفة فذكرها في تفسير براءة الإسناد باختصار‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ المراد بسبيل الله في الآية المعنى للأعم لا خصوص أحد السهام الثمانية التي هي مصارف الزكاة، وإلا لاختص بالصرف إليه بمقتضى هذه الآية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الْأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْتِي الْإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَأْتِي الْغَنَمُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَقَالَ وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ قَالَ وَلَا يَأْتِي أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِشَاةٍ يَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ لَهَا يُعَارٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ وَلَا يَأْتِي بِبَعِيرٍ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ لَهُ رُغَاءٌ فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏تأتي الإبل على صاحبها‏)‏ يعني يوم القيامة كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على خير ما كانت‏)‏ أي من العظم والسمن ومن الكثرة، لأنها تكون عنده على حالات مختلفة فتأتي على أكملها ليكون ذلك أنكى له لشدة ثقلها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا هو لم يعط فيها حقها‏)‏ أي لم يؤد زكائها‏.‏
وقد رواه مسلم من حديث أبي ذر بهذا اللفظ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تطؤه بأخفافها‏)‏ في رواية همام عن أبي هريرة في ترك الحيل ‏"‏ فتخبط وجهه بأخفافها ‏"‏ ولمسلم من طريق أبي صالح عنه ‏"‏ ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها منها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها، كلما مرت عليه أولاها ردت عليه أخراها، وفي يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي الله بين العباد، ويرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ‏"‏ وللمصنف من حديث أبي ذر ‏"‏ إلا أتي بها يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ كذا في أصل مسلم ‏"‏ كلما مرت عليه أولاها ردت عليه أخراها ‏"‏ قال عياض‏:‏ قالوا هو تغيير وتصحيف، وصوابه ما في الرواية التي بعده من طريق سهيل عن أبيه ‏"‏ كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها ‏"‏ وبهذا ينتظم الكلام، وكذا وقع عند مسلم من حديث أبي ذر أيضا وأقره النووي على هذا وحكاه القرطبي وأوضح وجه الرد بأنه إنما يرد الأول الذي قد مر قبل، وأما الآخر فلم يمر بعد فلا يقال فيه رد، ثم أجاب بأنه يحتمل أن المعنى أن أول الماشية إذا وصلت إلى آخرها تمشي عليه تلاحقت بها أخراها، ثم إذا أرادت الأولى الرجوع بدأت الأخرى بالرجوع فجاءت الأخرى أول حتى تنتهي إلى آخر الأولى‏.‏
وكذا وجهه الطيبي فقال‏:‏ إن المعنى أن أولاها إذا مرت على التتابع إلى أن تنتهي إلى الأخرى ثم ردت الأخرى من هذه الغاية وتبعها ما يليها إلى أن تنتهي أيضا إلى الأولى‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في الغنم تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها‏)‏ بكسر الطاء من تنطحه ويجوز الفتح‏.‏
زاد في رواية أبي صالح المذكورة ‏"‏ ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء، تنطحه بقرونها ‏"‏ وزاد فيه ذكر البقر أيضا وذكر في البقر والغنم ما ذكر في الإبل، وسيأتي ذكر البقر في حديث أبي ذر أيضا في باب مفرد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ومن حقها أن تحلب على الماء‏)‏ بحاء مهملة أي لمن يحضرها من المساكين، وإنما خص الحلب بموضع الماء ليكون أسهل على المحتاج من قصد المنازل وأرفق بالماشية‏.‏
وذكره الداودي بالجيم وفسره بالإحضار إلى المصدق‏.‏
وتعقبه ابن دحية وجزم بأنه تصحيف، ووقع عند أبي داود من طريق أبي عمر الغادني عن أبي هريرة ما يوهم أن هذه الجملة مرفوعة ولفظه ‏"‏ قلنا يا رسول الله ما حقها‏؟‏ قال‏:‏ إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله ‏"‏ وسيأتي في أواخر الشرب هذه القطعة وحدها مرفوعة من وجه آخر عن أبي هريرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا يأتي أحدكم‏)‏ في رواية النسائي من طريق علي بن عياش عن شعيب ‏"‏ ألا لا يأتين أحدكم ‏"‏ وهذا حديث آخر متعلق بالغلول من الغنائم، وقد أخرجه المصنف مفردا من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة، ويأتي الكلام عليه في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى‏.‏
وقوله في هذه الرواية ‏"‏ لها يعار ‏"‏ ْ بتحتانية مضمومة ثم مهملة‏:‏ صوت المعز‏.‏
وفي رواية المستملي والكشميهني هنا ‏"‏ ثغاء ‏"‏ بضم المثلثة ثم معجمة بغير راء، ورجحه ابن التين، وهو صياح الغنم‏.‏
وحكى ابن التين عن القزاز أنه رواه ‏"‏ تعار ‏"‏ بمثناة ومهملة ليس بشيء، وقوله ‏"‏رغاء ‏"‏ بضم الراء ومعجمة‏:‏ صوت الإبل، وفي الحديث ‏"‏ إن الله يحيي البهائم ليعاقب بها مانع الزكاة ‏"‏ وفي ذلك معاملة له بنقيض قصده، لأنه قصد منع حق الله منها وهو الارتفاق والانتفاع بما يمنعه منها، فكان ما قصد الانتفاع به أضر الأشياء عليه‏.‏
والحكمة في كونها تعاد كلها مع أن حق الله فيها إنما هو في بعضها لأن الحق في جميع المال غير متميز، ولأن المال لما لم تخرج زكاته غير مطهر، وفيه أن في المال حقا سوى الزكاة، وأجاب العلماء عنه بجوابين أحدهما أن هذا الوعيد كان قبل فرض الزكاة، ويؤيده ما سيأتي من حديث ابن عمر في الكنز، لكن يعكر عليه أن فرض الزكاة متقدم على إسلام أبي هريرة كما تقدم تقريره‏.‏
ثاني الأجوبة أن المراد بالحق القدر الزائد على الواجب ولا عقاب بتركه، وإنما ذكر استطرادا، لما ذكر حقها بين الكمال فيه وإن كان له أصل يزول الذم بفعله وهو الزكاة، ويحتمل أن يراد ما إذا كان هناك مضطر إلى شرب لبنها فيحمل الحديث على هذه الصورة‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ في المال حقان فرض عين وغيره، فالحلب من الحقوق التي هي من مكارم الأخلاق‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ زاد النسائي في آخر هذا الحديث قال ‏"‏ ويكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع يفر منه صاحبه ويطلبه‏:‏ أنا كنزك، فلا يزال حتى يلقمه إصبعه‏"‏‏.‏
وهذه الزيادة قد أفرد البخاري بعضها كما قدمنا إلى قوله ‏"‏ أقرع ‏"‏ ولم يذكر بقيته، وكأنه استغنى عنه بطريق أبي صالح عن أبي هريرة وهو ثاني حديثي الباب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ الْآيَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي صالح‏)‏ كذا رواه عبد الرحمن وتابعه زيد بن أسلم عن أبي صالح عند مسلم وساقه مطولا، وكذا رواه مالك عن عبد الله بن دينار، ورواه ابن حبان من طريق ابن عجلان عن القعقاع بن حلية عن أبي صالح، ولكنه وقفه على أبي هريرة، وخالفهم عبد العزيز بن أبي سلمة فرواه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أخرجه النسائي ورجحه، لكن قال ابن عبد البر‏:‏ رواية عبد العزيز خطأ بين، لأنه لو كان عند عبد الله بن دينار عن ابن عمر ما رواه عن أبي صالح أصلا انتهى‏.‏
وفي هذا التعليل نظر، وما المانع أن يكون له فيه شيخان‏؟‏ نعم الذي يجري على طريقة أهل الحديث أن رواية عبد العزيز شاذة لأنه سلك الجادة، ومن عدل عنها دل على مزيد حفظه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مثل له‏)‏ أي صور، أو ضمن مثل معنى التصيير أي صير ماله على صورة شجاع، والمراد بالمال الناض كما أشرت إليه في تفسير براءة، ووقع في رواية زيد بن أسلم ‏"‏ ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهر ‏"‏ ولا تنافي بين الروايتين لاحتمال اجتماع الأمرين معا، فرواية ابن دينار توافق الآية التي ذكرها وهي ‏"‏ سيطوقون ‏"‏ ورواية زيد بن أسلم توافق قوله تعالى ‏(‏يوم يحمى عليها في نار جهنم‏)‏ الآية قال البيضاوي‏:‏ خص الجنب والجبين والظهر لأنه جمع المال، ولم يصرفه في حقه، لتحصيل الجاه والتنعم بالمطاعم والملابس، أو لأنه أغرض عن الفقير وولاه ظهره، أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة لاشتمالها على الأعضاء الرئيسة‏.‏
وقيل‏:‏ المراد بها الجهات الأربع التي هي مقدم البدن ومؤخره وجنباه، نسأل الله السلامة‏.‏
والمراد بالشجاع - وهو بضم المعجمة ثم جيم - الحية الذكر، وقيل الذي يقوم على ذنبه ويواثب الفارس، والأقرع الذي تقرع رأسه أي تمعط لكثرة سمه‏.‏
وفي ‏"‏ كتاب أبي عبيد‏"‏‏.‏
سمي أقرع لأن شعر رأسه يتمعط لجمعه السم فيه‏.‏
وتعقبه القزاز بأن الحية لا شعر برأسها، فلعله يذهب جلد رأسه‏.‏
وفي ‏"‏ تهذيب الأزهري ‏"‏‏:‏ سمي أقرع لأنه يقري السم ويجمعه في رأسه حتى تتمعط فروة رأسه، قال ذو الرمة‏:‏ قرى السم حتى انمار فروة رأسه عن العظم صل قاتل اللسع ما رده وقال القرطبي‏:‏ الأقرع من الحيات الذي ابيض رأسه من السم، ومن الناس الذي لا شعر برأسه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏له زبيبتان‏)‏ تثنية زبيبة بفتح الزاي وموحدتين، وهما الزبدتان اللتان في الشدقين يقال تكلم حتى زبد شدقاه أي خرج الزبد منهما، وقيل هما النكتتان السوداوان فوق عينيه، وقيل نقطتان يكتنفان فاه، وقيل هما في حلقه بمنزلة زنمتي العنز، وقيل لحمتان على رأسه مثل القرنين، وقيل نابان يخرجان من فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يطوقه‏)‏ بضم أوله وفتح الواو الثقيلة، أي يصير له ذلك الثعبان طوقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يأخذ بلهزمتيه‏)‏ فاعل يأخذ هو الشجاع، والمأخوذ يد صاحب المال كما وقع مبينا في رواية همام عن أبي هريرة الآتية في ‏"‏ ترك الحيل ‏"‏ بلفظ ‏"‏ لا يزال يطلبه حتى يبسط يده فيلقمها فاه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بلهزمتيه‏)‏ بكسر اللام وسكون الهاء بعدها زاي مكسورة، وقد فسر في الحديث بالشدقين، وفي الصحاح‏:‏ هما العظمان الفائتان في اللحيين تحت الأذنين‏.‏
وفي الجامع‏:‏ هما لحم الخدين الذي يتحرك إذا أكل الإنسان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يقول‏:‏ أنا مالك، أنا كنزك‏)‏ وفائدة هذا القول الحسرة والزيادة في التعذيب حيث لا ينفعه الندم، وفيه نوع من التهكم‏.‏
وزاد في ‏"‏ ترك الحيل ‏"‏ من طريق همام عن أبي هريرة ‏"‏ يفر منه صاحبه ويطلبه ‏"‏ وفي حديث ثوبان عند ابن حبان ‏"‏ يتبعه فيقول أنا كنزك الذي تركته بعدك، فلا يزال يتبعه حني يلقمه يده فيمضغها ثم يتبعه سائر جسده‏"‏‏.‏
ولمسلم في حديث جابر ‏"‏ يتبع صاحبه حيث ذهب وهو يفر منه، فإذا رأى أنه لا بد منه أدخل يده في فيه فجعل يقضمها كما يقضم الفحل‏"‏، وللطبراني في حديث ابن مسعود ‏"‏ ينقر رأسه ‏"‏ وظاهر الحديث أن الله يصير نفس المال بهذه الصفة‏.‏
وفي حديث جابر عند مسلم ‏"‏ إلا مثل له ‏"‏ كما هنا، قال القرطبي‏:‏ أي صور أو نصب وأقيم، من قولهم مثل قائما أي منتصبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم تلا ‏(‏ولا يحسبن الذين يبخلون‏)‏ الآية‏)‏ في حديث ابن مسعود عند الشافعي والحميدي ‏"‏ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكر الآية، ونحوه في رواية الترمذي ‏"‏ قرأ مصداقه‏:‏ سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ‏"‏ وفي هذين الحديثين تقوية لقول من قال‏:‏ المراد بالتطويق في الآية الحقيقة، خلافا لمن قال إن معناه سيطوقون الإثم‏.‏
وفي تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم الآية دلالة على أنها نزلت في مانعي الزكاة، وهو قول أكثر أهل العلم بالتفسير، وقيل‏:‏ إنها نزلت في اليهود الذين كتموا صفة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقيل‏:‏ نزلت فيمن له قرابة لا يصلهم قاله مسروق‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-05-2013, 12:06 AM   #37
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي حَقِّهِ
الشرح‏:‏
‏"‏ باب إنفاق المال في حقه‏"‏، وأورد فيه الحديث الدال على الترغيب في ذلك، وهو من أدل دليل على أن أحاديث الوعيد محمولة على من لا يؤدي الزكاة، وأما حديث ‏"‏ ما أحب أن لي أحدا ذهبا ‏"‏ فمحمول على الأولوية، لأن جمع المال وإن كان مباحا لكن الجامع مسؤول عنه، وفي المحاسبة خطر وإن كان الترك أسلم، وما ورد من الترغيب في تحصيله وإنفاقه في حقه فمحمول على من وثق بأنه يجمعه من الحلال الذي يأمن خطر المحاسبة عليه، فإنه إذا أنفقه حصل له ثواب ذلك النفع المتعدي، ولا يتأتى ذلك لمن لم يحصل شيئا كما تقدم شاهده في حديث ‏"‏ ذهب أهل الدثور بالأجور ‏"‏ والله أعلم‏.‏
وقد تقدم الكلام على حديث الباب مستوفى في أوائل كتاب العلم، قال الزين بن المنير‏:‏ في هذا الحديث حجة على جواز إنفاق جميع المال وبذله في الصحة والخروج عنه بالكلية في وجوه البر، ما لم يؤد إلى حرمان الوارث ونحو ذلك مما منع منه الشرع‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الرِّيَاءِ فِي الصَّدَقَةِ
لِقَوْلِهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى إِلَى قَوْلِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَلْدًا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَابِلٌ مَطَرٌ شَدِيدٌ وَالطَّلُّ النَّدَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الرياء في الصدقة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ يحتمل أن يكون مراده إبطال الرياء للصدقة فيحمل على ما تمحض منها لحب المحمدة والثناء من الخلق بحيث لولا ذلك لم يتصدق بها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقوله تعالى‏:‏ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى - إلى قوله والله لا يهدي القوم الكافرين‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ وجه الاستدلال من الآية أن الله تعالى شبه مقارنة المن والأذى للصدقة أو اتباعها بإنفاق الكافر المرائي الذي لا يجد بين يديه شيئا منه، ومقارنة الرياء من المسلم لصدقته أقبح من مقارنة الإيذاء، وأولى أن يشبه بإنفاق الكافر المرائي في إبطال إنفاقه ا ه‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ اقتصر البخاري في هذه الترجمة على الآية، ومراده أن المشبه بالشيء يكون أخفى من المشبه به، لأن الخفي ربما شبه بالظاهر ليخرج من حيز الخفاء إلى الظهور‏.‏
ولما كان الإنفاق رياء من غير المؤمن ظاهرا في إبطال الصدقة شبه به الإبطال بالمن والأذى، أي حالة هؤلاء في الإبطال كحالة هؤلاء، هذا من حيث الجملة، ولا يبعد أن يراعى حال التفضيل أيضا لأن حال المان شبيه بحال المرائي، لأنه لما من ظهر أنه لم يقصد وجه الله، وحال المؤذي يشبه حال الفاقد للإيمان من المنافقين لأن من يعلم أن للمؤذي ناصرا ينصره لم يؤذه، فعلم بهذا أن حالة المرائي أشد من حالة المان والمؤذي انتهى‏.‏
ويتلخص أن يقال‏:‏ لما كان المشبه به أقوى من المشبه، وإبطال الصدقة بالمن والأذى قد شبه بإبطالها بالرياء فيها كان أمر الرياء أشد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقاله ابن عباس‏:‏ صلدا ليس عليه شيء‏)‏ وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هكذا في قوله‏:‏ ‏(‏فتركه صلدا‏)‏ أي ليس عليه شيء‏.‏
وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في هذه الآية قال ‏"‏ هذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يوم القيامة يقول‏:‏ لا يقدرون على شيء مما كسبوا يومئذ كما ترك هذا المطر الصفا نقيا ليس عليه شيء‏"‏، ومن طريق أسباط عن السدي نحوه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ
لِقَوْلِهِ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا تقبل صدقة من غلول‏)‏ كذا للأكثر على البناء للمجهول‏.‏
وفي رواية المستملي ‏"‏ لا يقبل الله ‏"‏ وهذا طرف من حديث أخرجه مسلم باللفظ الأول، وقد سبق باقيه في ترجمته في كتاب الطهارة‏.‏
وأخرجه الحسن بن سفيان في مسنده عن أبي كامل أحد مشايخ مسلم فيه بلفظ ‏"‏ لا يقيل الله صلاة إلا بطهور، ولا صدقة من غلول ‏"‏ ولأبي داود من حديث أبي المليح عن أبيه مرفوعا ‏"‏ لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا صلاة بغير طهور ‏"‏ وإسناده صحيح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا يقبل إلا من كسب طيب‏)‏ هذا للمستملي وحده، وهو طرف من حديث أبي هريرة، الآتي بعده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقوله‏:‏ معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى - إلى قوله حليم‏)‏ قال ابن المنير‏:‏ جرى المصنف على عادته في إيثار الخفي على الجلي، وذلك أن في الآية أن الصدقة لما تبعتها سيئة الأذى بطلت، والغلول أذى إن قارن الصدقة أبطلها بطريق الأولى، أو لأنه جعل المعصية اللاحقة للطاعة بعد تقررها تبطل الطاعة فكيف إذا كانت الصدقة بعين المعصية، لأن الغال في دفعه المال إلى الفقير غاصب متصرف في ملك الغير، فكيف تقع المعصية طاعة معتبرة وقد أبطلت المعصية الطاعة المحققة من أول أمرها‏؟‏ وتعقبه ابن رشيد بأنه ينبني على أن الأذى أعم من أن يكون من جهة المتصدق للمتصدق عليه أو إيذائه لغيره كما في الغلول فيكون من باب الأولى، وقد لا يسلم هذا في معنى الآية لبعده، فإن الظاهر أن المراد بالأذى إنما هو ما يكون من جهة المسؤول للسائل، فإنه عطف على المن وجمع معه بالواو‏.‏
والذي يظهر أن البخاري قصد أن المتصدق عليه إذا علم أن المتصدق به غلول أو غصب أو نحوه تأذى بذلك ولم يرض به، كما قال أبو بكر اللبن لما علم أنه من وجه غير طيب، وقد صدق على المتصدق أنه مؤذ له بتعرضه لكل ما لو علمه لم يقبله‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قول معروف‏)‏ فسره بالرد الجميل، وقوله‏:‏ ‏(‏ومغفرة‏)‏ أي عفو عن السائل إذا وجد منه ما يثقل على المسؤول‏.‏
وقيل‏:‏ المراد عفو من الله بسبب الرد الجميل، وقيل عفو من جهة السائل أي معذرة منه للمسؤول لكونه رده ردا جميلا‏.‏
والثاني أظهر‏.‏
وظاهر الآية أن الصدقة تحبط بالمن والأذى بعد أن تقع سالمة، لكن يمكن أن يقال‏:‏ لعل قبولها موقوف على سلامتها من المن والأذى، فإن وقع ذلك عدم الشرط فعدم المشروط فعبر عن ذلك بالإبطال‏.‏
والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الأول دل قوله ‏"‏ لا تقبل صدقة من غلول ‏"‏ أن الغال لا تبرأ ذمته إلا برد الغلول إلى أصحابه بأن يتصدق به إذا جهلهم مثلا والسبب فيه أنه من حق الغانمين، فلو جهلت أعيانهم لم يكن له أن يتصرف فيه بالصدقة على غيرهم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّدَقَةِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ
لِقَوْلِهِ وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
الشرح‏:‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع هنا للمستملي والكشميهني وابن شبويه ‏"‏ باب الصدقة من كسب طيب ‏"‏ لقوله تعالى ‏(‏ويربي الصدقات - إلى قوله - ولا هم يحزنون‏)‏ وعلى هذا فتخلو الترجمة التي قبل هذا من الحديث، وتكون كالتي قبلها في الاقتصار على الآية، لكن تزيد عليها بالإشارة إلى لفظ الحديث الذي في الترجمة‏.‏
ومناسبة الحديث لهذه الترجمة ظاهرة ومناسبته للتي قبلها من جهة مفهوم المخالفة، لأنه دل بمنطوقه على أن الله لا يقبل إلا ما كان من كسب طيب، فمفهومه أن ما ليس بطيب لا يقبل، والغلول فرد من أفراد غير الطيب فلا يقبل‏.‏
والله أعلم‏.‏
ثم إن هذه الترجمة إن كان ‏"‏ باب ‏"‏ بغير تنوين فالجملة خبر المبتدأ، والتقدير هذا باب فضل الصدقة من كسب طيب، وإن كان منونا فما بعده مبتدأ والخبر محذوف تقديره الصدقة من كسب طيب مقبولة أو يكثر الله ثوابها‏.‏
ومعنى الكسب المكسوب، والمراد به ما هو أعم من تعاطي التكسب أو حصول المكسوب بغير تعاط كالميراث‏.‏
وكأنه ذكر الكسب لكونه الغالب في تحصيل المال، والمراد بالطيب الحلال لأنه صفة الكسب، قال القرطبي‏:‏ أصل الطيب المستلذ بالطبع، ثم أطلق على المطلق بالشرع وهو الحلال، وأما قول المصنف ‏"‏ لقوله تعالى‏:‏ ويربي الصدقات ‏"‏ بعد قوله ‏"‏ الصدقة من كسب طيب ‏"‏ فقد اعترضه ابن التين وغيره بأن تكثير أجر الصدقة ليس علة لكون الصدقة من كسب طيب، بل الأمر على عكس ذلك، فإن الصدقة من الكسب الطيب سبب لتكثير الأجر‏.‏
قال ابن التين‏.‏
وكان الأبين أن يستدل بقوله تعالى ‏(‏أنفقوا من طيبات ما كسبتم‏)‏ وقال ابن بطال‏:‏ لما كانت الآية مشتملة على أن الربا يمحقه الله لأنه حرام دل ذلك على أن الصدقة التي تتقبل لا تكون من جنس الممحوق‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ لفظ ‏"‏ الصدقات ‏"‏ وإن كان أعم من أن يكون من الكسب الطيب ومن غيره، لكنه مقيد بالصدقات التي من الكسب الطيب بقرينة السياق نحو ‏(‏ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون‏)‏ ‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ وَقَالَ وَرْقَاءُ عَنْ ابْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَسُهَيْلٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعدل تمرة‏)‏ أي بقيمتها لأنه بالفتح المثل وبالكسر الحمل بكسر المهملة، هذا قول الجمهور‏.‏
وقال الفراء‏:‏ بالفتح المثل من غير جنسه وبالكسر من جنسه، وقيل بالفتح مثله في القيمة وبالكسر في النظر‏.‏
وأنكر البصريون هذه التفرقة‏.‏
وقال الكسائي‏:‏ هما بمعنى كما أن لفظ المثل لا يختلف‏.‏
وضبط في هذه الرواية للأكثر بالفتح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا يقبل الله إلا الطيب‏)‏ في رواية سليمان بن بلال الآتي ذكرها ‏"‏ ولا يصعد إلى الله إلا الطيب ‏"‏ وهذه جملة معترضة بين الشرط والجزاء لتقرير ما قبله، زاد سهيل في روايته الآتي ذكرها ‏"‏ فيضعها في حقها ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ وإنما لا يقبل الله الصدقة بالحرام لأنه غير مملوك للمتصدق، وهو ممنوع من التصرف فيه، والمتصدق به متصرف فيه، فلو قبل منه لزم أن يكون الشيء مأمورا منهيا من وجه واحد وهو محال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يتقبلها بيمينه‏)‏ في رواية سهيل ‏"‏ إلا أخذها بيمينه ‏"‏ وفي رواية مسلم بن أبي مريم الآتي ذكرها ‏"‏ فيقبضها ‏"‏ وفي حديث عائشة عند البزار ‏"‏ فيتلقاها الرحمن بيده‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلوه‏)‏ بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو وهو المهر لأنه يفلى أي مفطم، وقيل هو كل فطيم من ذات حافر، والجمع أفلاء كعدو وأعداء‏.‏
وقال أبو زيد‏:‏ إذا فتحت الفاء شددت الواو، وإذا كسرتها سكنت اللام كجرو‏.‏
وضرب به المثل لأنه يزيد زيادة بينة، ولأن الصدقة نتاج العمل وأحوج ما يكون النتاج إلى التربية إذا كان فطيما فإذا أحسن العناية به انتهى إلى حد الكمال، وكذلك عمل ابن آدم - لا سيما الصدقة - فإن العبد إذا تصدق من كسب طيب لا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم نسبة ما بين التمرة إلى الجبل‏.‏
ووقع في رواية القاسم عن أبي هريرة عند الترمذي ‏"‏ فلوه أو مهره‏"‏، ولعبد الرزاق من وجه آخر عن القاسم ‏"‏ مهره أو فصيله‏"‏‏.‏
وفي رواية له عند البزار ‏"‏ مهره أو رضيعه أو فصيله‏"‏، ولابن خزيمة من طريق سعيد بن يسار عن أبي هريرة ‏"‏ فلوه أو قال فصيله ‏"‏ وهذا يشعر بأن ‏"‏ أو ‏"‏ للشك‏.‏
قال المازري‏:‏ هذا الحديث وشبهه إنما عبر به على ما اعتادوا في خطابهم ليفهموا عنه فكنى عن قبول الصدقة باليمين وعن تضعيف أجرها بالتربية‏.‏
وقال عياض‏:‏ لما كان الشيء الذي يرتضى يتلقى باليمين ويؤخذ بها استعمل في مثل هذا واستعير للقبول لقول القائل ‏"‏ تلقاها عرابة باليمين ‏"‏ أي هو مؤهل للمجد والشرف وليس المراد بها الجارحة‏.‏
وقيل‏:‏ عبر باليمين عن جهة القبول، إذ الشمال بضده‏.‏
وقيل‏:‏ المراد يمين الذي تدفع إليه الصدقة وأضافها إلى الله تعالى إضافة ملك واختصاص لوضع هذه الصدقة في يمين الآخذ لله تعالى‏.‏
وقيل‏:‏ المراد سرعة القبول، وقيل حسنه‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ الكناية عن الرضا والقبول بالتلقي باليمين لتثبيت المعاني المعقولة من الأذهان وتحقيقها في النفوس تحقيق المحسوسات، أي لا يتشكك في القبول كما لا يتشكك من عاين التلقي للشيء بيمينه، لا أن التناول كالتناول المعهود ولا أن المتناول به جارحة‏.‏
وقال الترمذي في جامعه‏:‏ قال أهل العلم من أهل السنة والجماعة نؤمن بهذه الأحاديث ولا نتوهم فيها تشبيها ولا نقول كيف، هكذا روي عن مالك وابن عيينة وابن المبارك وغيرهم، وأنكرت الجهمية هذه الروايات انتهى‏.‏
وسيأتي الرد عليهم مستوفى في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى تكون مثل الجبل‏)‏ ولمسلم من طريق سعيد بن يسار عن أبي هريرة ‏"‏ حتى تكون أعظم من الجبل ‏"‏ ولابن جرير من وجه آخر عن القاسم ‏"‏ حتى يوافي بها يوم القيامة وهي أعظم من أحد ‏"‏ يعني التمرة‏.‏
وهي في رواية القاسم عند الترمذي بلفظ ‏"‏ حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد ‏"‏ قال‏:‏ وتصديق ذلك في كتاب الله ‏(‏يمحق الله الربي ويربي الصدقات‏)‏ وفي رواية ابن جرير التصريح بأن تلاوة الآية من كلام أبي هريرة‏.‏
وزاد عبد الرزاق في روايته من طريق القاسم أيضا ‏"‏ فتصدقوا‏"‏، والظاهر أن المراد بعظمها أن عينها تعظم لتثقل في الميزان، ويحتمل أن يكون ذلك معبرا به عن ثوابها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه سليمان‏)‏ هو ابن بلال ‏(‏عن ابن دينار‏)‏ أي عن أبي صالح عن أبي هريرة وهذه المتابعة ذكرها المصنف في التوحيد فقال‏:‏ وقال خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال فساق مثله، إلا أن فيه مخالفة في اللفظ يسيرة، وقد وصله أبو عوانة والجوزقي من طريق محمد بن معاذ بن يوسف عن خالد بن مخلد بهذا الإسناد‏.‏
ووقع في صحيح مسلم حدثنا أحمد بن عثمان حدثنا خالد بن مخلد عن سليمان عن سهيل عن أبي صالح ولم يسق لفظه كله، وهذا إن كان أحمد بن عثمان حفظه فلسليمان فيه شيخان عبد الله بن دينار وسهيل عن أبي صالح، وقد غفل صاحب الأطراف فسوى بين روايتي الصحيحين في هذا وليس بجيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ورقاء‏)‏ هو ابن عمر ‏(‏عن ابن دينار عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة‏)‏ يعني أن ورقاء خالف عبد الرحمن وسليمان فجعل شيخ ابن دينار فيه سعيد بن يسار بدل أبي صالح، ولم أقف على رواية ورقاء هده موصولة، وقد أشار الداودي إلى أنها وهم لتوارد الرواة عن أبي صالح دون سعيد بن يسار، وليس ما قال بجيد لأنه محفوظ عن سعيد بن يسار من وجه آخر كما أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما‏.‏
نعم رواية ورقاء شاذة بالنسبة إلى مخالفة سليمان وعبد الرحمن والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقفت على رواية ورقاء موصولة وقد بينت ذلك في كتاب التوحيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورواه مسلم بن أبي مريم وزيد بن أسلم وسهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة‏)‏ أما رواية مسلم فرويناها موصولة في كتاب الزكاة ليوسف بن يعقوب القاضي قال حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا سعيد بن سلمة هو ابن أبي الحسام عنه به، وأما رواية زيد بن أسلم وسهيل فوصلهما مسلم، وقد قدمت ما في سياق الثلاثة من فائدة وزيادة‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-05-2013, 12:08 AM   #38
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّدَقَةِ قَبْلَ الرَّدِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصدقة قبل الرد‏)‏ قال الزين بن المنير ما ملخصه‏:‏ مقصوده بهذه الترجمة الحث على التحذير من التسويف بالصدقة، لما في المسارعة إليها من تحصيل النمو المذكور‏.‏
قيل لأن التسويف بها قد يكون ذريعة إلى عدم القابل لها إذ لا يتم مقصود الصدقة إلا بمصادفة المحتاج إليها، وقد أخبر الصادق أنه سيقع فقد الفقراء المحتاجين إلى الصدقة بأن يخرج الغني صدقته فلا يجد من يقبلها‏.‏
فإن قيل إن من أخرج صدقته مثاب على نيته ولو لم يجد من يقبلها، فالجواب أن الواجد يثاب ثواب المجازاة والفضل، والناوي يثاب ثواب الفضل فقط والأول أربح والله أعلم‏.‏
ثم ذكر المصنف في الباب أربعة أحاديث في كل منها الإنذار بوقوع فقدان من يقبل الصدقة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تَصَدَّقُوا فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا يَقُولُ الرَّجُلُ لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالْأَمْسِ لَقَبِلْتُهَا فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا
الشرح‏:‏
حارثة بن وهب هو الخزاعي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإنه يأتي عليكم زمان‏)‏ سيأتي بعد سبعة أبواب - من وجه آخر - بلفظ ‏"‏ فسيأتي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقول الرجل‏)‏ أي الذي يريد المتصدق أن يعطيه إياها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأما اليوم فلا حاجة لي بها‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فيها‏"‏، والظاهر أن ذلك يقع في زمن كثرة المال وفيضه قرب الساعة كما قال ابن بطال، ومن ثم أورده المصنف في كتاب الفتن كما سيأتي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ لَا أَرَبَ لِي
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب، وقد ساقه في الفتن بالإسناد المذكور هنا مطولا، ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏حتى يهم‏)‏ بفتح أوله وضم الهاء، و ‏(‏رب المال‏)‏ منصوب على المفعولية وفاعله قوله‏:‏ ‏(‏من يقبله‏)‏ يقال همه الشيء أحزنه‏.‏
ويروى بضم أوله يقال أهمه الأمر أقلقه‏.‏
وقال النووي في شرح مسلم‏:‏ ضبطوه بوجهين أشهرهما بضم أوله وكسر الهاء ورب المال مفعول والفاعل من يقبل أي يحزنه، والثاني بفتح أوله وضم الهاء ورب المال فاعل ومن مفعول أي يقصد‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا أرب لي‏)‏ زاد في الفتن ‏"‏ به ‏"‏ أي لا حاجة لي به لاستغنائي عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ الطَّائِيُّ قَالَ سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَةَ وَالْآخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبِيلِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا قَطْعُ السَّبِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكَ إِلَّا قَلِيلٌ حَتَّى تَخْرُجَ الْعِيرُ إِلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ خَفِيرٍ وَأَمَّا الْعَيْلَةُ فَإِنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ حَتَّى يَطُوفَ أَحَدُكُمْ بِصَدَقَتِهِ لَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ ثُمَّ لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلَا تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ أَلَمْ أُوتِكَ مَالًا فَلَيَقُولَنَّ بَلَى ثُمَّ لَيَقُولَنَّ أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَلَيَقُولَنَّ بَلَى فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمْ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ
الشرح‏:‏
حديث عدي بن حاتم، وقد أورده المصنف بأتم من هذا السياق، ويأتي الكلام عليه مستوفى‏.‏
وشاهده هنا قوله فيه ‏(‏فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه‏)‏ وهو موافق لحديث أبي هريرة الذي قبله ومشعر بأن ذلك يكون في آخر الزمان‏.‏
وحديث أبي موسى الآتي بعده مشعر بذلك أيضا، وقد أشار عدي بن حاتم - كما سيأتي في علامات النبوة - إلى أن ذلك لم يقع في زمانه وكانت وفاته في خلافة معاوية بعد استقرار أمر الفتوح، فانتفى قول من زعم أن ذلك وقع في ذلك الزمان‏.‏
قال ابن التين‏:‏ إنما يقع ذلك بعد نزول عيسى حين تخرج الأرض بركاتها حتى تشبع الرمانة أهل البيت ولا يبقى في الأرض كافر‏.‏
ويأتي الكلام على اتقاء النار ولو بشق تمرة في الباب الذي يليه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِنْ الذَّهَبِ ثُمَّ لَا يَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهَا مِنْهُ وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏من الذهب‏)‏ خصه بالذكر مبالغة في عدم من يقبل الصدقة، وكذا قوله يطوف ثم لا يجد من يقبلها وقوله‏:‏ ‏(‏ويرى الرجل إلخ‏)‏ تقدم الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب رفع العلم ‏"‏ من كتاب العلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ وَالْقَلِيلِ مِنْ الصَّدَقَةِ
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ وَإِلَى قَوْلِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب اتقوا النار ولو بشق تمرة، والقليل من الصدقة، ومثل الذين ينفقون أموالهم - إلى قوله - فيها من كل الثمرات‏)‏ قال الزين بن المنير وغيره‏:‏ جمع المصنف بين لفظ الخبر والآية لاشتمال ذلك كله على الحث على الصدقة قليلها وكثيرها، فإن قوله تعالى ‏(‏أموالهم‏)‏ يشمل قليل النفقة وكثيرها، ويشهد له قوله ‏"‏ لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس‏"‏، فإنه يتناول القليل والكثير، إذ لا قائل بحل القليل دون الكثير‏.‏
وقوله ‏"‏اتقوا النار ولو بشق تمرة ‏"‏ يتناول الكثير والقليل أيضا، والآية أيضا مشتملة على قليل الصدقة وغيرها من جهة التمثيل المذكور فيها بالطل والوابل، فشبهت الصدقة بالقليل بإصابة الطل والصدقة بالكثير بإصابة الوابل‏.‏
وأما ذكر القليل من الصدقة بعد ذكر شق التمرة فهو من عطف العام على الخاص، ولهذا أورد في الباب حديث أبي مسعود الذي كان سببا لنزول قوله تعالى ‏(‏والذين لا يجدون إلا جهدهم‏)‏ ‏.‏
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام‏:‏ تقدير الآية مثل تضعيف أجور الذين ينفقون كمثل تضعيف ثمار الجنة بالمطر، إن قليلا فقليل، وإن كثيرا فكثير‏.‏
وكأن البخاري أتبع الآية الأولى التي ضربت مثلا بالربوة بالآية الثانية التي تضمنت ضرب المثل لمن عمل عملا يفقده أحوج ما كان إليه للإشارة إلى اجتناب الرياء في الصدقة، ولأن قوله تعالى ‏(‏والله بما تعملون بصير‏)‏ يشعر بالوعيد بعد الوعد، فأوضحه بذكر الآية الثانية، وكأن هذا هو السر في اقتصاره على بعضها اختصارا‏.‏
ثم ذكر المصنف في الباب ثلاثة أحاديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ فَقَالُوا مُرَائِي وَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ فَقَالُوا إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا فَنَزَلَتْ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ الْآيَةَ
الشرح‏:‏
حديث أبي مسعود ورد من وجهين تاما ومختصرا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سليمان‏)‏ هو الأعمش، وأبو مسعود هو الأنصاري البدري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما نزلت آية الصدقة‏)‏ كأنه يشير إلى قوله تعالى ‏(‏خذ من أموالهم صدقة‏)‏ الآية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنا نحامل‏)‏ أي نحمل على ظهورنا بالأجرة، يقال حاملت بمعنى حملت كسافرت‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ يريد نتكلف الحمل بالأجرة لنكتسب ما نتصدق به، ويؤيده قوله في الرواية الثانية التي بعد هذه حيث قال ‏"‏ انطلق أحدنا إلى السوق فيحامل ‏"‏ أي يطلب الحمل بالأجرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجاء رجل فتصدق بشيء كثير‏)‏ هو عبد الرحمن بن عوف كما سيأتي في التفسير، والشيء المذكور كان ثمانية آلاف أو أربعة آلاف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجاء رجل‏)‏ هو أبو عقيل بفتح العين كما سيأتي في التفسير، ونذكر هناك إن شاء الله تعالى الاختلاف في اسمه واسم أبيه ومن وقع له ذلك أيضا من الصحابة كأبي خيثمة، وأن الصاع إنما حصل لأبي عقيل لكونه أجر نفسه على النزح من البئر بالحبل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقالوا‏)‏ سمي من اللامزين في ‏"‏ مغازي الواقدي ‏"‏ معتب بن قشير وعبد الرحمن بن نبتل بنون ومثناة مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة ثم لام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يلمزون‏)‏ أي يعيبون، وشاهد الترجمة قوله‏:‏ ‏(‏والذين لا يجدون إلا جهدهم‏)‏ ‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ انْطَلَقَ أَحَدُنَا إِلَى السُّوقِ فَيُحَامِلُ فَيُصِيبُ الْمُدَّ وَإِنَّ لِبَعْضِهِمْ الْيَوْمَ لَمِائَةَ أَلْفٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سعيد بن يحيى‏)‏ أي ابن سعيد الأموي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيحامل‏)‏ بضم التحتانية واللام مضمومة بلفظ المضارع من المفاعلة‏.‏
ويروي بفتح المثناة وفتح اللام أيضا، ويؤيده قوله في رواية زائدة الآتية في التفسير ‏"‏ فيحتال أحدنا حتى يجيء بالمد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيصيب المد‏)‏ أي في مقابلة أجرته فيتصدق به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن لبعضهم اليوم لمائة ألف‏)‏ زاد في التفسير ‏"‏ كأنه يعرض بنفسه ‏"‏ وأشار بذلك إلى ما كانوا عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من قلة الشيء، وإلى ما صاروا إليه بعده من التوسع لكثرة الفتوح، ومع ذلك فكانوا في العهد الأول يتصدقون بما يجدون ولو جهدوا، والذين أشار إليهم آخرا بخلاف ذلك‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع بخط مغلطاي في شرحه ‏"‏ وإن لبعضهم اليوم ثمانية آلاف ‏"‏ وهو تصحيف‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ قَالَ سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ
الشرح‏:‏
عدي بن حاتم وهو بلفظ الترجمة، وهو طرف من حديثه المذكور في الباب الذي قبله، و ‏"‏ بشق ‏"‏ بكسر المعجمة نصفها أو جانبها، أي ولو كان الاتقاء بالتصدق بشق تمرة واحدة فإنه يفيد‏.‏
وفي الطبراني من حديث فضالة بن عبيد مرفوعا ‏"‏ اجعلوا بينكم وبين النار حجابا ولو بشق تمرة ‏"‏ ولأحمد من حديث ابن مسعود مرفوعا بإسناد صحيح ‏"‏ ليتق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة‏"‏، وله من حديث عائشة بإسناد حسن ‏"‏ يا عائشة، استتري من النار ولو بشق تمرة، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان‏"‏، ولأبي يعلى من حديث أبي بكر الصديق نحوه وأتم منه بلفظ ‏"‏ تقع من الجائع موقعها من الشبعان ‏"‏ وكأن الجامع بينهما في ذلك حلاوتها‏.‏
وفي الحديث الحث على الصدقة بما قل وما جل، وأن لا يحتقر ما يتصدق به، وأن اليسير من الصدقة يستر المتصدق من النار‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ
الشرح‏:‏
حديث عائشة، وسيأتي في الأدب من وجه آخر عن الزهري بسنده، وفيه التقييد بالإحسان ولفظه ‏"‏ من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
ومناسبته للترجمة من جهة أن الأم المذكورة لما قسمت التمرة بين ابنتيها صار لكل واحدة منهما شق تمرة، وقد دخلت في عموم خبر الصادق أنها ممن ستر من النار لأنها ممن ابتلي بشيء من البنات فأحسن‏.‏
ومناسبة فعل عائشة للترجمة من قوله ‏"‏ والقليل من الصدقة ‏"‏ وللآية من قوله‏:‏ ‏(‏والذين لا يجدون إلا جهدهم‏)‏ لقولها في الحديث ‏"‏ فلم تجد عندي غير تمرة ‏"‏ وفيه شدة حرص عائشة على الصدقة امتثالا لوصيته صلى الله عليه وسلم لها حيث قال ‏"‏ لا يرجع من عندك سائل ولو بشق تمرة ‏"‏ رواه البزار من حديث أبي هريرة‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب فَضْلِ صَدَقَةِ الشَّحِيحِ الصَّحِيحِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعَ فِيهِ وَلَا خُلَّةَ إِلَى الظَّالِمُونَ وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِلَى آخِرِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل صدقة الشحيح الصحيح‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ أي الصدقة أفضل، وصدقة الشحيح الصحيح، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت‏)‏ الآية، ‏"‏ فعلى الأول المراد فضل من كان كذلك على غيره وهو واضح، وعلى الثاني كأنه تردد في إطلاق أفضلية من كان كذلك ‏"‏ فأورد الترجمة بصيغة الاستفهام‏.‏
قال الزين بن المنير ما ملخصه‏:‏ مناسبة الآية للترجمة أن معنى الآية التحذير من التسويف بالإنفاق استبعادا لحلول الأجل واشتغالا بطول الأمل، والترغيب في المبادرة بالصدقة قبل هجوم المنية وفوات الأمنية‏.‏
والمراد بالصحة في الحديث من لم يدخل في مرض مخوف فيتصدق عند انقطاع أمله من الحياة كما أشار إليه في آخره بقوله ‏"‏ ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم‏"‏، ولما كانت مجاهدة النفس على إخراج المال مع قيام مانع الشح دالا على صحة القصد وقوة الرغبة في القربة كان ذلك أفضل من غيره، وليس المراد أن نفس الشح هو السبب في هذه الأفضلية‏.‏
والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية غير أبي ذر تقديم آية المنافقين على آية البقرة‏.‏
وفي رواية أبي ذر بالعكس‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا قَالَ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الواحد‏)‏ هو ابن زياد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جاء رجل‏)‏ لم أقف على تسميته، ويحتمل أن يكون أبا ذر، ففي مسند أحمد عنه أنه سأل أي الصدقة أفضل، لكن في الجواب ‏"‏ جهد من مقل أوسر إلى فقير ‏"‏ وكذا روى الطبراني من حديث أبي أمامة أن أبا ذر سأل فأجيب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أي الصدقة أعظم أجرا‏)‏ في الوصايا من وجه آخر عن عمارة بن القعقاع ‏"‏ أي الصدقة أفضل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن تصدق‏)‏ بتشديد الصاد وأصله تتصدق فأدغمت إحدى التاءين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنت صحيح شحيح‏)‏ في الوصايا ‏"‏ وأنت صحيح حريص ‏"‏ قال صاحب المنتهى‏:‏ الشح بخل مع حرص‏.‏
وقال صاحب المحكم‏:‏ الشح مثلث الشين والضم أعلى‏.‏
وقال صاحب الجامع‏:‏ كأن الفتح في المصدر والضم في الاسم‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ فيه أن المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه، وأن سخاوته بالمال في مرضه لا تمحو عنه سيمة البخل، فلذلك شرط صحة البدن في الشح بالمال لأنه في الحالتين يجد للمال وقعا في قلبه لما يأمله من البقاء فيحذر معه الفقر، وأحد الأمرين للموصي والثالث للوارث لأنه إذا شاء أبطله‏.‏
قال الكرماني‏:‏ ويحتمل أن يكون الثالث للموصي أيضا لخروجه عن الاستقلال بالتصرف فيما يشاء فلذلك نقص ثوابه عن حال الصحة‏.‏
قال ابن بطال وغيره‏:‏ لما كان الشح غالبا في الصحة فالسماح فيه بالصدقة أصدق في النية وأعظم للأجر، بخلاف من يئس من الحياة ورأى مصير المال لغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتأمل‏)‏ بضم الميم أي تطمع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا بلغت‏)‏ أي الروح، والمراد قاربت بلوغه إذ لو بلغته حقيقة لم يصح شيء من تصرفاته‏.‏
ولم يجر للروح ذكر اغتناء بدلالة السياق‏.‏
والحلقوم مجرى النفس قاله أبو عبيدة، وقد تقدم في أواخر كتاب العلم، وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا قَالَ أَطْوَلُكُنَّ يَدًا فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا للأكثر وبه جزم الإسماعيلي، وسقط لأبي ذر، فعلى روايته هو من ترجمة فضل صدقة الصحيح، وعلى رواية غيره فهو بمنزلة الفصل منه وأورد فيه المصنف قصة سؤال أزواج النبي صلى الله عليه وسلم منه أيتهن أسرع لحوقا به، وفيه قوله لهن ‏"‏ أطولكن يدا ‏"‏ الحديث‏.‏
ووجه تعلقه بما قبله أن هذا الحديث تضمن أن الإيثار والاستكثار من الصدقة في زمن القدرة على العمل سبب للحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك الغاية في الفضيلة، أشار إلى هذا الزين بن المنير قال ابن رشيد‏:‏ وجه المناسبة أنه تبين في الحديث أن المراد بطول اليد المقتضي للحاق به الطول، وذلك إنما يتأتى للصحيح لأنه إنما يحصل بالمداومة في حال الصحة وبذلك يتم المراد‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ لم أقف على تعيين السائلة منهن عن ذلك، إلا عند ابن حبان من طريق يحيى بن حماد عن أبي عوانة بهذا الإسناد ‏"‏ قالت فقلت ‏"‏ بالمثناة، وقد أخرجه النسائي من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ فقلن ‏"‏ بالنون فالله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أسرع بك لحوقا‏)‏ منصوب على التمييز، وكذا قوله يدا، وأطولكن مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأخذوا قصبة يذرعونها‏)‏ أي يقدرونها بذراع كل واحدة منهن، وإنما ذكره بلفظ جمع المذكر بالنظر إلى لفظ الجمع لا بلفظ جماعة النساء، وقد قيل في قول الشاعر وإن شئت حرمت النساء سواكم أنه ذكره بلفظ جمع المذكر تعظيما‏.‏
وقوله ‏"‏أطولكن ‏"‏ يناسب ذلك، وإلا لقال طولاكن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكانت سودة‏)‏ زاد ابن سعد عن عفان عن أبي عوانة بهذا الإسناد ‏"‏ بنت زمعة بن قيس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أطولهن يدا‏)‏ في رواية عفان ‏"‏ ذراعا ‏"‏ وهي تعين أنهن فهمن من لفظ اليد الجارحة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فعلمنا بعد‏)‏ أي لما ماتت أول نسائه به لحوقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنما‏)‏ بالفتح، والصدقة بالرفع، وطوله يدها بالنصب لأنه الخبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكانت أسرعنا‏)‏ كذا وقع في الصحيح بغير تعيين، ووقع في ‏"‏ التاريخ الصغير ‏"‏ للمصنف عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد ‏"‏ فكانت سودة أسرعنا إلخ ‏"‏ وكذا أخرجه البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ وابن حبان في صحيحه من طريق العباس الدوري عن موسى، وكذا في رواية عفان عند أحمد وابن سعد عنه ‏"‏ قال ابن سعد‏:‏ قال لنا محمد بن عمر - يعني الواقدي - هذا الحديث وهل في سودة، وإنما هو في زينب بنت جحش، فهي أول نسائه به لحوقا وتوفيت في خلافة عمر وبقيت سودة إلى أن توفيت في خلافة معاوية في شوال سنة أربع وخمسين ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ هذا الحديث سقط منه ذكر زينب لاتفاق أهل السير على أن زينب أول من مات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يعني أن الصواب‏:‏ وكانت زينب أسرعنا إلخ، ولكن يعكر على هذا التأويل تلك الروايات المتقدمة المصرح فيها بأن الضمير لسودة‏.‏
وقرأت بخط الحافظ أبي علي الصدفي‏:‏ ظاهر هذا اللفظ أن سودة كانت أسرع وهو خلاف المعروف عند أهل العلم أن زينب أول من مات من الأزواج، ثم نقله عن مالك من روايته عن الواقدي، قال‏:‏ ويقويه رواية عائشة بنت طلحة‏.‏
وقال ابن الجوزي‏.‏
هذا الحديث غلط من بعض الرواة، والعجب من البخاري كيف لم ينبه عليه ولا أصحاب التعاليق ولا علم بفساد ذلك الخطابي فإنه فسره وقال‏:‏ لحوق سودة به من أعلام النبوة‏.‏
وكل ذلك وهم، وإنما هي زينب، فإنها كانت أطولهن يدا بالعطاء كما رواه مسلم من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة بلفظ ‏"‏ فكانت أطولنا يدا زينب لأنها كانت تعمل وتتصدق ‏"‏ انتهى‏.‏
وتلقى مغلطاي كلام ابن الجوزي فجزم به ولم ينسبه له‏.‏
وقد جمع بعضهم بين الروايتين فقال الطيبي‏:‏ يمكن أن يقال فيما رواه البخاري المراد الحاضرات من أزواجه دون زينب، وكانت سودة أولهن موتا‏.‏
قلت‏:‏ وقد وقع نحوه في كلام مغلطاي، لكن يعكر على هذا أن في رواية يحيى بن حماد عند ابن حبان أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعن عنده لم تغادر منهن واحدة، ثم هو مع ذلك إنما يتأتى على أحد القولين في وفاة سودة، فقد روى البخاري في تاريخه بإسناد صحيح إلى سعيد بن هلال أنه قال‏:‏ ماتت سودة في خلافة عمر، وجزم الذهبي في ‏"‏ التاريخ الكبير ‏"‏ بأنها ماتت في آخر خلافة عمر‏.‏
وقال ابن سيد الناس‏:‏ أنه المشهور‏.‏
وهذا يخالف ما أطلقه الشيخ محيي الدين حيث قال‏:‏ أجمع أهل السير على أن زينب أول من مات من أزواجه‏.‏
وسبقه إلى نقل الاتفاق ابن بطال كما تقدم‏.‏
ويمكن الجواب بأن النقل مقيد بأهل السير، فلا يرد نقل قول من خالفهم من أهل النقل ممن لا يدخل في زمرة أهل السير‏.‏
وأما على قول الواقدي الذي تقدم فلا يصح‏.‏
وقد تقدم عن ابن بطال أن الضمير في قوله ‏"‏ فكانت ‏"‏ لزينب وذكرت ما يعكر عليه، لكن يمكن أن يكون تفسيره بسودة من بعض الرواة لكون غيرها لم يتقدم له ذكر، فلما لم يطلع على قصة زينب وكونها أول الأزواج لحوقا به جعل الضمائر كلها لسودة، وهذا عندي من أبي عوانة، فقد خالفه في ذلك ابن عيينة عن فراس كما قرأت بخط ابن رشيد أنه قرأه بخط أبي القاسم بن الورد، ولم أقف إلى الآن على رواية ابن عيينة هذه، لكن روى يونس بن بكير في ‏"‏ زيادات المغازي ‏"‏ والبيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ بإسناده عنه عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي التصريح بأن ذلك لزينب، لكن قصر زكريا في إسناده فلم يذكر مسروقا ولا عائشة، ولفظه ‏"‏ قلن النسوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أينا أسرع بك لحوقا‏؟‏ قال‏:‏ أطولكن يدا، فأخذن يتذارعن أيتهن أطول يدا، فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدا في الخير والصدقة ‏"‏ ويؤيده أيضا ما روى الحاكم في المناقب من مستدركه من طريق يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه‏:‏ أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا قالت عائشة‏:‏ فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش - وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا - فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة، وكانت زينب امرأة صناعة باليد، وكانت تدبغ وتخرز وتصدق في سبيل الله ‏"‏ قال الحاكم على شرط مسلم انتهى‏.‏
وهي رواية مفسرة مبينة مرجحة لرواية عائشة بنت طلحة في أمر زينب، قال ابن رشيد‏:‏ والدليل على أن عائشة لا تعني سودة قولها ‏"‏ فعلمنا بعد ‏"‏ إذ قد أخبرت عن سودة بالطول الحقيقي ولم تذكر سبب الرجوع عن الحقيقة إلى المجاز إلا الموت، فإذا طلب السامع سبب العدول لم يجد إلا الإضمار مع أنه يصلح أن يكون المعنى فعلمنا بعد أن المخبر عنها إنما هي الموصوفة بالصدقة لموتها قبل الباقيات، فينظر السامع ويبحث فلا يجد إلا زينب، فيتعين الحمل عليه، وهو من باب إضمار ما لا يصلح غيره كقوله تعالى ‏(‏حتى توارت بالحجاب‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ وجه الجمع أن قولها ‏"‏ فعلمنا بعد ‏"‏ يشعر إشعارا قويا أنهن حملن طول اليد على ظاهره، ثم علمن بعد ذلك خلافه وأنه كناية عن كثرة الصدقة، والذي علمنه آخرا خلاف ما اعتقدنه أولا، وقد انحصر الثاني في زينب للاتفاق على أنها أولهن موتا فتعين أن تكون هي المرادة‏.‏
وكذلك بقية الضمائر بعد قوله ‏"‏ فكانت ‏"‏ واستغنى عن تسميتها لشهرتها بذلك انتهى‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ يحتمل أن يقال إن في الحديث اختصارا أو اكتفاء بشهرة القصة لزينب، ويؤول الكلام بأن الضمير رجع إلى المرأة التي علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها أول من يلحق به، وكانت كثيرة الصدقة‏.‏
قلت‏:‏ الأول هو المعتمد، وكأن هذا هو السر في كون البخاري حذف لفظ سودة من سياق الحديث لما أخرجه في الصحيح لعلمه بالوهم فيه، وأنه لما ساقه في التاريخ بإثبات ذكرها ذكر ما يرد عليه من طريق الشعبي أيضا عن عبد الرحمن بن أبزي قال ‏"‏ صليت مع عمر على أم المؤمنين زينب بنت جحش، وكانت أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به ‏"‏ وقد تقدم الكلام على تاريخ وفاتها في كتاب الجنائز، وأنه سنة عشرين‏.‏
وروى ابن سعد من طريق برزة بنت رافع قالت ‏"‏ لما خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها، فتعجبت وسترته بثوب وأمرت بتفرقته، إلى أن كشف الثوب فوجدت تحته خمسة وثمانين درهما ثم قالت‏:‏ اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا، فماتت فكانت أول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به ‏"‏ وروى ابن أبي خيثمة من طريق القاسم بن معن قال‏:‏ كانت زينب أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به فهذه روايات يعضد بعضها بعضا ويحصل من مجموعها أن في رواية أبي عوانة وهما‏.‏
وقد ساقه يحيى بن حماد عنه مختصرا ولفظه ‏"‏ فأخذن قصبة يتذارعنها، فماتت سودة بنت زمعة وكانت كثيرة الصدقة فعلمنا أنه قال أطولكن بدا بالصدقة ‏"‏ هذا لفظه عند ابن حبان من طريق الحسن بن مدرك عنه، ولفظه عند النسائي عن أبي داود وهو الحراني عنه ‏"‏ فأخذن قصبة فجعلن يذرعنها فكانت سودة أسرعهن به لحوقا، وكانت أطولهن يدا، وكأن ذلك من كثرة الصدقة‏"‏‏.‏
وهذا السياق لا يحتمل التأويل، إلا أنه محمول على ما تقدم ذكره من دخول الوهم على الراوي في التسمية خاصة والله أعلم‏.‏
وفي الحديث علم من أعلام النبوة ظاهر، وفيه جواز إطلاق اللفظ المشترك بين الحقيقة والمجاز بغير قرينة وهو لفظ ‏"‏ أطولكن ‏"‏ إذا لم يكن محذور‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ لما كان السؤال عن آجال مقدرة لا تعلم إلا بالوحي أجابهن بلفظ غير صريح وأحالهن على ما لا يتبين إلا بآخر‏.‏
وساغ ذلك لكونه ليس من الأحكام التكليفية‏.‏
وفيه أن من حمل الكلام على ظاهره وحقيقته لم يلم وإن كان مراد المتكلم مجازه، لأن نسوة النبي صلى الله عليه وسلم حملن طول اليد على الحقيقة فلم ينكر عليهن‏.‏
وأما ما رواه الطبراني في الأوسط من طريق يزيد بن الأصم عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهن‏:‏ ليس ذلك أعني إنما أعني أصنعكن يدا، فهو ضعيف جدا، ولو كان ثابتا لم يحتجن بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذرع أيديهن كما تقدم في رواية عمرة عن عائشة‏.‏
وقال المهلب‏:‏ في الحديث دلالة على أن الحكم للمعاني لا للألفاظ لأن النسوة فهمن من طول اليد الجارحة، وإنما المراد بالطول كثرة الصدقة، وما قاله لا يمكن إطراده في جميع الأحوال‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب صَدَقَةِ الْعَلَانِيَةِ
وَقَوْلِهِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صدقة العلانية‏)‏ ، وقوله عز وجل ‏(‏الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية - إلى قوله - ولا هم يحزنون‏)‏ ‏.‏
سقطت هذه الترجمة للمستملي وثبتت للباقين، وبه جزم الإسماعيلي، ولم يثبت فيها لمن ثبتها حديث، وكأنه أشار إلى أنه لم يصح فيها شيء على شرطه وقد اختلف في سبب نزول الآية المذكورة فعند عبد الرزاق بإسناد فيه ضعف إلى ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب كان عنده أربعة دراهم فأنفق بالليل واحدا وبالنهار واحدا وفي السر واحدا وفي العلانية واحدا، وذكره الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس أيضا وزاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ أما إن ذلك لك‏.‏
وقيل نزلت في أصحاب الخيل الذين يربطونها في سبيل الله أخرجه ابن أبي حاتم من حديث أبي أمامة، وعن قتادة وغيره نزلت في قوم أنفقوا في سبيل الله من غير إسراف ولا تقتير ذكره الطبري وغيره‏.‏
وقال الماوردي‏:‏ يحتمل أن يكون في إباحة الارتفاق بالزروع والثمار لأنه يرتفق بها كل مار في ليل أو نهار في سر وعلانية وكانت أعم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب صَدَقَةِ السِّرِّ
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ وَقَوْلِهِ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ الْآيَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صدقة السر‏.‏
وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه‏.‏
وقوله تعالى ‏(‏إن تبدوا الصدقات فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم‏)‏ الآية وإذا تصدق على غني وهو لا يعلم‏)‏ ثم ساق حديث أبي هريرة في قصة الذي خرج بصدقته فوضعها في يد سارق ثم زانية ثم غني، كذا وقع في رواية أبي ذر، ووقع في رواية غيره ‏"‏ باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم ‏"‏ وكذا هو عند الإسماعيلي، ثم ساق الحديث‏.‏
ومناسبته ظاهرة، ويكون قد اقتصر في ترجمة صدقة السر على الحديث المعلق على الآية، وعلى ما في رواية أبي ذر فيحتاج إلى مناسبة بين ترجمة صدقة السر وحديث المتصدق، ووجهها أن الصدقة المذكورة وقعت بالليل لقوله في الحديث ‏"‏ فأصبحوا يتحدثون ‏"‏ بل وقع في صحيح مسلم التصريح بذلك لقوله فيه ‏"‏ لأتصدقن الليلة ‏"‏ كما سيأتي، فدل على أن صدقته كانت سرا إذ لو كانت بالجهر نهارا لما خفي عنه حال الغني لأنها في الغالب لا تخفى، بخلاف الزانية والسارق، ولذلك خص الغني بالترجمة دونهما‏.‏
وحديث أبي هريرة المعلق طرف من حديث سيأتي بعد باب بتمامه، وقد تقدم مع الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة ‏"‏ وهو أقوى الأدلة على أفضلية إخفاء الصدقة، وأما الآية فظاهرة في تفضيل صدقة السر أيضا، ولكن ذهب الجمهور إلى أنها نزلت في صدقة التطوع، ونقل الطبري وغيره الإجماع على أن الإعلان في صدقة الفرض أفضل من الإخفاء، وصدقة التطوع على العكس من ذلك‏.‏
وخالف يزيد بن أبي حبيب فقال‏:‏ إن الآية نزلت في الصدقة على اليهود والنصارى، قال‏:‏ فالمعنى إن تؤتوها أهل الكتابين ظاهرة فلكم فضل، وإن تؤتوها فقراءكم سرا فهو خير لكم‏.‏
قال‏:‏ وكان يأمر بإخفاء الصدقة مطلقا‏.‏
ونقل أبو إسحاق الزجاج أن إخفاء الزكاة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان أفضل، فأما بعده فإن الظن يساء بمن أخفاها، فلهذا كان إظهار الزكاة المفروضة أفضل، قال ابن عطية‏:‏ ويشبه في زماننا أن يكون الإخفاء بصدقة الفرض أفضل، فقد كثر المانع لها وصار إخراجها عرضة للرياء‏.‏
انتهى‏.‏
وأيضا فكان السلف يعطون زكاتهم للسعاة، وكان من أخفاها اتهم بعدم الإخراج، وأما اليوم فصار كل أحد يخرج زكاته بنفسه فصار إخفاؤها أفضل والله أعلم وقال الزين بن المنير‏:‏ لو قيل إن ذلك يختلف باختلاف الأحوال لما كان بعيدا، فإذا كان الإمام مثلا جائزا ومال من وجبت عليه مخفيا فالإسرار أولى، وإن كان المتطوع ممن يقتدى به ويتبع وتنبعث الهمم على التطوع بالإنفاق وسلم قصده فالإظهار أولى‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-05-2013, 12:10 AM   #39
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم‏)‏ أي فصدقته مقبولة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الأعرج عن أبي هريرة‏)‏ في رواية مالك في ‏"‏ الغرائب للدارقطني ‏"‏ عن أبي الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز أخبره أنه سمع أبا هريرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال رجل‏)‏ لم أقف على اسمه، ووقع عند أحمد من طريق ابن لهيعة عن الأعرج في هذا الحديث أنه كان من بني إسرائيل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لأتصدقن بصدقة‏)‏ في رواية أبي عوانة عن أبي أمية عن أبي اليمان بهذا الإسناد ‏"‏ لأتصدقن الليلة ‏"‏ وكرر كذلك في المواضع الثلاثة‏.‏
وكذا أخرجه أحمد من طريق ورقاء ومسلم من طريق موسى بن عقبة والدارقطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ كلهم عن أبي الزناد‏.‏
وقوله ‏"‏لأتصدقن ‏"‏ من باب الالتزام كالنذر مثلا، والقسم فيه مقدر كأنه قال‏:‏ والله لأتصدقن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فوضعها في يد سارق‏)‏ أي وهو لا يعلم أنه سارق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأصبحوا يتحدثون‏:‏ تصدق على سارق‏)‏ في رواية أبي أمية ‏"‏ تصدق الليلة على سارق ‏"‏ وفي رواية ابن لهيعة ‏"‏ تصدق الليلة على فلان السارق ‏"‏ ولم أر في شيء من الطرق تسمية أحد من الثلاثة المتصدق عليهم‏.‏
وقوله ‏"‏تصدق ‏"‏ بضم أوله على البناء للمفعول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال اللهم لك الحمد‏)‏ أي لا لي لأن صدقتي وقعت بيد من لا يستحقها فلك الحمد حيث كان ذلك بإرادتك لا بإرادتي، فإن إرادة الله كلها جميلة‏.‏
قال الطيبي‏:‏ لما عزم على أن يتصدق على مستحق فوضعها بيد زانية حمد الله على أنه لم يقدر أن يتصدق على من هو أسوأ حالا منها، أو أجرى الحمد مجرى التسبيح في استعماله عند مشاهدة ما يتعجب منه تعظيما لله، فلما تعجبوا من فعله تعجب هو أيضا فقال‏:‏ اللهم لك الحمد، على زانية، أي التي تصدقت عليها فهو متعلق بمحذوف انتهى‏.‏
ولا يخفى بعد هذا الوجه، وأما الذي قبله فأبعد منه‏.‏
والذي يظهر الأول وأنه سلم وفوض ورضي بقضاء الله فحمد الله على تلك الحال، لأنه المحمود على جميع الحال، لا يحمد على المكروه سواه، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما لا يعجبه قال ‏"‏ اللهم لك الحمد على كل حال‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأتي فقيل له‏)‏ في رواية الطبراني في ‏"‏ مسند الشاميين ‏"‏ عن أحمد بن عبد الوهاب عن أبي اليمان بهذا الإسناد ‏"‏ فساءه ذلك فأتى في منامه ‏"‏ وأخرجه أبو نعيم في المستخرج عنه، وكذا الإسماعيلي من طريق علي بن عياش عن شعيب وفيه تعيين أحد الاحتمالات التي ذكرها ابن التين وغيره قال الكرماني‏:‏ قوله ‏"‏ أتي ‏"‏ أي أري في المنام أو سمع هاتفا ملكا أو غيره أو أخبره نبي أو أفتاه عالم‏.‏
وقال غيره‏:‏ أو أتاه ملك فكلمه، فقد كانت الملائكة تكلم بعضهم في بعض الأمور‏.‏
وقد ظهر بالنقل الصحيح أنها كلها لم تقع إلا النقل الأول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أما صدقتك على سارق‏)‏ زاد أبو أمية ‏"‏ فقد قبلت ‏"‏ وفي رواية موسى بن عقبة وابن لهيعة ‏"‏ أما صدقتك فقد قبلت ‏"‏ وفي رواية الطبراني ‏"‏ إن الله قد قبل صدقتك ‏"‏ وفي الحديث دلالة على أن الصدقة كانت عندهم مختصة بأهل الحاجة من أهل الخير، ولهذا تعجبوا من الصدقة على الأصناف الثلاثة‏.‏
وفيه أن نية المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته ولو لم تقع الموقع‏.‏
واختلف الفقهاء في الإجزاء إذا كان ذلك في زكاة الفرض، ولا دلالة في الحديث على الإجزاء ولا على المنع، ومن ثم أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام ولم يجزم بالحكم‏.‏
فإن قيل إن الخبر إنما تضمن قصة خاصة وقع الاطلاع فيها على قبول الصدقة برؤيا صادقة اتفاقية فمن أين يقع تعميم الحكم‏؟‏ فالجواب أن التنصيص في هذا الخير على رجاء الاستعفاف هو الدال على تعدية الحكم، فيقتضي ارتباط القبول بهذه الأسباب‏.‏
وقيه فضل صدقة السر، وفضل الإخلاص، واستحباب إعادة الصدقة إذا لم تقع الموقع، وأن الحكم للظاهر حتى يتبين سواه، وبركة التسليم والرضا، وذم التضجر بالقضاء كما قال بعض السلف‏.‏
لا تقطع الخدمة ولو ظهر لك عدم القبول‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا تصدق‏)‏ أي الشخص ‏(‏على ابنه وهو لا يشعر‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يذكر جواب الشرط اختصارا، وتقديره جاز، لأنه يصير لعدم شعوره كالأجنبي‏.‏
ومناسبة الترجمة للخبر من جهة أن يزيد أعطى من يتصدق عنه ولم يحجر عليه، وكان هو السبب في وقوع الصدقة في يد ولده قال‏:‏ وعبر في هذه الترجمة بنفي الشعور وفي التي قبلها بنفي العلم لأن المتصدق في السابقة بذل وسعه في طلب إعطاء الفقير فأخطأ اجتهاده فناسب أن ينفي عنه العلم، وأما هذا فباشر التصدق غيره فناسب أن ينفى عن صاحب الصدقة الشعور‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ حَدَّثَنَا أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ أَنَّ مَعْنَ بْنَ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي وَخَطَبَ عَلَيَّ فَأَنْكَحَنِي وَخَاصَمْتُ إِلَيْهِ وَكَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ وَاللَّهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن يوسف‏)‏ هو الفريابي، وأبو الجويرية بالجيم مصغرا اسمه حطان بكسر المهملة وكان سماعه عن معن ومعن أمير على غزاة بالروم في خلافة معاوية كما رواه أبو داود من طريق أبي الجويرية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنا وأبي وجدي‏)‏ اسم جده الأخنس بن حبيب السلمي كما جزم به ابن حبان وغير واحد، ووقع في الصحابة لمطين وتبعه البارودي والطبراني وابن منده وأبو نعيم أن اسم جد معن بن يزيد ثور فترجموا في كتبهم بثور وساقوا حديث الباب من طريق الجراح والد وكيع عن أبي الجويرية عن معن بن يزيد بن ثور السلمي أخرجه مطين عن سفيان بن وكيع عن أبيه عن جده، ورواه البارودي والطبراني عن مطين، ورواه ابن منده عن البارودي، وأبو نعيم عن الطبراني، وجمهور الرواة عن أبي الجويرية لم يسموا جد معن بل تفرد سفيان بن وكيع بذلك وهو ضعيف، وأظنه كان فيه عن معن بن يزيد أبي ثور السلمي فتصحفت أداة الكنية بابن، فإن معنا كان يكنى أبا ثور، فقد ذكر خليفة بن خياط في تاريخه أن معن بن يزيد وابنه ثورا قتلا يوم مرج راهط مع الضحاك بن قيس‏.‏
وجمع ابن حبان بين القولين بوجه آخر فقال في ‏"‏ الصحابة ‏"‏‏:‏ ثور السلمي جد معن بن يزيد بن الأخنس السلمي لأمه‏.‏
فإن كان ضبطه فقد زال الإشكال والله أعلم‏.‏
وروي عن يزيد بن أبي حبيب أن معن بن يزيد شهد بدرا هو وأبوه وجده ولم يتابع على ذلك‏.‏
فقد روى أحمد والطبراني من طريق صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن يزيد بن الأخنس السلمي أنه أسلم فأسلم معه جميع أهله إلا امرأة واحدة أبت أن تسلم فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ولا تمسكوا بعصم الكوافر‏)‏ فهذا دال على أن إسلامه كان متأخرا لأن الآية متأخرة الإنزال عن بدر قطعا‏.‏
وقد فرق البغوي وغيره في الصحابة بين يزيد بن الأخنس وبين يزيد والد معن، والجمهور على أنه هو‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وخطب علي فأنكحني‏)‏ أي طلب لي النكاح فأجيب، يقال خطب المرأة إلى وليها إذا أرادها الخاطب لنفسه، وعلى فلان إذا أرادها لغيره، والفاعل النبي صلى الله عليه وسلم لأن مقصود الراوي بيان أنواع علاقاته به من المبايعة وغيرها‏.‏
ولم أقف على اسم المخطوبة، ولو ورد أنها ولدت منه لضاهى بيت الصديق في الصحبة من جهة كونهم أربعة في نسق، وقد وقع ذلك لأسامة بن زيد بن حارثة فروى الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ أن حارثة قدم فأسلم، وذكر الواقدي في المغازي أن أسامة ولد له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تتبعت نظائر لذلك أكثرها فيه مقال ذكرتها في ‏"‏ النكت على علوم الحديث لابن الصلاح‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان أبي يزيد‏)‏ بالرفع على البدلية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فوضعها عند رجل‏)‏ لم أقف على اسمه، وفي السياق حذف تقديره وأذن له أن يتصدق بها على محتاج إليها إذنا مطلقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجئت فأخذتها‏)‏ أي من المأذون له في التصدق بها بإذنه لا بطريق الاعتداء، ووقع عند البيهقي من طريق أبي حمزة السكري عن أبي الجويرية في هذا الحديث ‏"‏ قلت ما كانت خصومتك‏؟‏ قال‏:‏ كان رجل يغشى المسجد فيتصدق على رجال يعرفهم، فظن أني بعض من يعرف ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأتيته‏)‏ الضمير لأبيه أي فأتيت أبي بالدنانير المذكورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والله ما إياك أردت‏)‏ يعني لو أردت أنك تأخذها لناولتها لك ولم أوكل فيها، أو كأنه كان يرى أن الصدقة على الولد لا تجزئ، أو يرى أن الصدقة على الأجنبي أفضل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فخاصمته‏)‏ تفسير لقوله أولا ‏"‏ وخاصمت إليه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لك ما نويت‏)‏ أي إنك نويت أن تتصدق بها على من يحتاج إليها وابنك يحتاج إليها فوقعت الموقع، وإن كان لم يخطر ببالك أنه يأخذها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولك ما أخذت يا معن‏)‏ أي لأنك أخذتها محتاجا إليها‏.‏
قال ابن رشيد‏:‏ الظاهر أنه لم يرد بقوله ‏"‏ والله ما إياك أردت ‏"‏ أي إني أخرجتك بنيتي، وإنما أطلقت لمن تجزئ عني الصدقة عليه ولم تخطر أنت ببالي، فأمضى النبي صلى الله عليه وسلم الإطلاق لأنه فوض للوكيل بلفظ مطلق فنفذ فعله‏.‏
وفيه دليل على العمل بالمطلقات على إطلاقها وإن احتمل أن المطلق لو خطر بباله فرد من الأفراد لقيد اللفظ به والله أعلم‏.‏
واستدل به على جواز دفع الصدقة إلى كل أصل وفرع ولو كان ممن تلزمه نفقته، 0 ولا حجة فيه لأنها واقعة حال فاحتمل أن يكون معن كان مستقلا لا يلزم أباه يزيد نفقته، وسيأتي الكلام على هذه المسألة مبسوطا في ‏"‏ باب الزكاة على الزوج ‏"‏ بعد ثلاثين بابا إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيه جواز الافتخار بالمواهب الربانية والتحدث بنعم الله‏.‏
وفيه جواز التحاكم بين الأب والابن وأن ذلك بمجرده لا يكون عقوقا‏.‏
وجواز الاستخلاف في الصدقة ولا سيما صدقة التطوع لأن فيه نوع إسرار‏.‏
وفيه أن للتصدق أجر ما نواه سواء صادف المستحق أو لا‏.‏
وأن الأب لا رجوع له في الصدقة على ولده بخلاف الهبة‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّدَقَةِ بِالْيَمِينِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصدقة باليمين‏)‏ أي حكم، أو ‏"‏ باب ‏"‏ بالتنوين والتقدير أي فاضلة أو يرغب فيها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة ‏"‏ سبعة يظلهم الله في ظله ‏"‏ وفي قوله ‏"‏ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ‏"‏ وقد تقدم الكلام عليه مستوفى كما بينته قريبا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تَصَدَّقُوا فَسَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَيَقُولُ الرَّجُلُ لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالْأَمْسِ لقَبِلْتُهَا مِنْكَ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهَا
الشرح‏:‏
حديث حارثة بن وهب تقدم في ‏"‏ باب الصدقة قبل الرد ‏"‏ وفيه ‏"‏ يمشي الرجل بصدقته فيقول الرجل‏:‏ لو جئت بها أمس لقبلتها منك ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ مطابقة الحديث للترجمة من جهة أنه اشترك مع الذي قبله في كون كل منهما حاملا لصدقته، لأنه إذا كان حاملا لها بنفسه كان أخفى لها، فكان في معنى ‏"‏ لا تعلم شماله ما تنفق يمينه‏"‏‏.‏
ويحمل المطلق في هذا على المقيد في هذا أي المناولة باليمين، قال‏:‏ ويقوي أن ذلك مقصده إتباعه بالترجمة التي بعدها حيث قال ‏"‏ من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه ‏"‏ وكأنه قصد في هذا من حملها بنفسه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ أَمَرَ خَادِمَهُ بِالصَّدَقَةِ وَلَمْ يُنَاوِلْ بِنَفْسِهِ
وَقَالَ أَبُو مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ فائدة قوله ‏"‏ ولم يناول نفسه ‏"‏ التنبيه على أن ذلك مما يغتفر، وأن قوله في الباب قبله ‏"‏ الصدقة باليمين ‏"‏ لا يلزم منه المنع من إعطائها بيد الغير وإن كانت المباشرة أولى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو موسى‏)‏ هو الأشعري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هو أحد المتصدقين‏)‏ ضبط في جميع روايات الصحيحين بفتح القاف على التثنية، قال القرطبي‏:‏ ويجوز الكسر على الجمع أي هو متصدق من المتصدقين‏.‏
وهذا التعليق طرف من حديث وصله بعد ستة أبواب بلفظ ‏"‏ الخازن ‏"‏ والخازن خادم المالك في الخزن وإن لم يكن خادمه حقيقة‏.‏
ثم أورد المصنف هنا حديث عائشة ‏"‏ إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها ‏"‏ الحديث‏.‏
قال ابن رشيد‏:‏ نبه بالترجمة على أن هذا الحديث مفسر بها، لأن كلا من الخازن والخادم والمرأة أمين ليس له أن يتصرف إلا بإذن المالك نصا أو عرفا إجمالا أو تفضيلا انتهى‏.‏
وسيأتي البحث في ذلك بعد سبعة أبواب‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى
وَمَنْ تَصَدَّقَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ أَوْ أَهْلُهُ مُحْتَاجٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ أَمْوَالَ النَّاسِ
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالصَّبْرِ فَيُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ بِهِ خَصَاصَةٌ كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَكَذَلِكَ آثَرَ الْأَنْصَارُ الْمُهَاجِرِينَ وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَيِّعَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِعِلَّةِ الصَّدَقَةِ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى‏)‏ أورد في الباب حديث أبي هريرة بلفظ ‏"‏ خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ‏"‏ وهو مشعر بأن النفي في اللفظ الأول للكمال لا للحقيقة، فالحقيقة لا صدقة كاملة إلا عن ظهر غنى، وقد أورده أحمد من طريق أبي صالح بلفظ ‏"‏ إنما الصدقة ما كان عن ظهر غنى ‏"‏ وهو أقرب إلى لفظ الترجمة‏.‏
وأخرجه أيضا من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة بلفظ الترجمة قال ‏"‏ لا صدقة إلا عن ظهر غنى ‏"‏ الحديث‏.‏
وكذا ذكره المصنف تعليقا في الوصايا، وساقه مغلطا بإسناد له إلى أبي هريرة بلفظه، وليس هو باللفظ المذكور في الكتاب الذي ساقه منه، فلا يغتر به ولا بمن تبعه على ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن تصدق وهو محتاج إلى آخر الترجمة‏)‏ كأنه أراد تفسير الحديث المذكور بأن شرط المتصدق أن لا يكون محتاجا لنفسه أو لمن تلزمه نفقته‏.‏
ويلتحق بالتصدق سائر التبرعات‏.‏
وأما قوله ‏"‏ فهو رد عليه ‏"‏ فمقتضاه أن ذا الدين المستغرق لا يصح منه التبرع، لكن محل هذا عند الفقهاء إذا حجر عليه الحاكم بالفلس، وقد نقل فيه صاحب ‏"‏ المغني ‏"‏ وغيره الإجماع، فيحمل إطلاق المصنف عليه‏.‏
واستدل له المصنف بالأحاديث التي علقها‏.‏
وأما قوله ‏"‏ إلا أن يكون معروفا بالصبر ‏"‏ فهو من كلام المصنف، وكلام ابن التين يوهم أنه بقية الحديث فلا يغتر به، وكأن المصنف أراد أن يخص به عموم الحديث الأول‏.‏
والظاهر أنه يختص بالمحتاج، ويحتمل أن يكون عاما ويكون التقدير إلا أن يكون كل من المحتاج أو من تلزمه النفقة أو صاحب الدين معروفا بالصبر‏.‏
ويقوي الأول التمثيل الذي مثل به من فعل أبي بكر والأنصار، قال ابن بطال‏:‏ أجمعوا على أن المديان لا يجوز له أن يتصدق بماله ويترك قضاء الدين، فتعين حمل ذلك على المحتاج‏.‏
وحكى ابن رشيد عن بعضهم أنه يتصور في المديان فيما إذا عامله الغرماء على أن يأكل من المال فلو آثر بقوته وكان صبورا جاز له ذلك وإلا كان إيثاره سببا في أن يرجع لاحتياجه فيأكل فيتلف أموالهم فيمنع‏.‏
وإذا تقرر ذلك فقد اشتملت الترجمة على خمسة أحاديث معلقة، وفي الباب أربعة أحاديث موصولة‏.‏
فأما المعلقة فأولها قوله ‏"‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من أخذ أموال الناس ‏"‏ وهو طرف من حديث لأبي هريرة موصول عنده في الاستقراض‏.‏
ثانيها قوله ‏"‏ كفعل أبي بكر حين تصدق بماله ‏"‏ هذا مشهور في السير، وورد في حديث مرفوع أخرجه أبو داود وصححه الترمذي والحاكم من طريق زيد بن أسلم عن أبيه سمعت عمر يقول ‏"‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي فقلت‏:‏ اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، فجئت بنصف مالي، وأتى أبو بكر بكل ما عنده‏.‏
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك‏؟‏ قال‏:‏ أبقيت لهم الله ورسوله ‏"‏ الحديث تفرد به هشام بن سعد عن زيد، وهشام صدوق فيه مقال من جهة حفظه‏.‏
قال الطبري وغيره‏:‏ قال الجمهور من تصدق بماله كله في صحة بدنه وعقله حيث لا دين عليه وكان صبورا على الإضاقة ولا عيال له أو له عيال يصبرون أيضا فهو جائز، فإن فقد شيء من هذه الشروط كره‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ هو مردود‏.‏
وروي عن عمر حيث رد على غيلان الثقفي قسمة ماله‏.‏
ويمكن أن يحتج له بقصة المدبر الآتي ذكره، فإنه صلى الله عليه وسلم باعه وأرسل ثمنه إلى الذي دبره لكونه كان محتاجا‏.‏
وقال آخرون‏:‏ يجوز من الثلث ويرد عليه الثلثان، وهو قول الأوزاعي ومكحول‏.‏
وعن مكحول أيضا يرد ما زاد على النصف‏.‏
قال الطبري‏:‏ والصواب عندنا الأول من حيث الجواز، والمختار من حيث الاستحباب أن يجعل ذلك من الثلث جمعا بين قصة أبي بكر وحديث كعب والله أعلم‏.‏
ثالثها قوله ‏"‏ وكذلك آثر الأنصار المهاجرين ‏"‏ هو مشهور أيضا في السير، وفيه أحاديث مرفوعة‏:‏ منها حديث أنس ‏"‏ قدم المهاجرون المدينة وليس بأيديهم شيء، فقاسمهم الأنصار‏"‏‏.‏
وسيأتي موصولا في الهبة‏.‏
وحديث أبي هريرة في قصة الأنصاري الذي آثر ضيفه بعشائه وعشاء أهله، وسيأتي موصولا في تفسير سورة الحشر‏.‏
رابعها قوله ‏"‏ ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ‏"‏ هو طرف من حديث المغيرة، وقد تقدم بتمامه في آخر صفة الصلاة‏.‏
خامسها قوله ‏"‏ وقال كعب ‏"‏ يعني ابن مالك إلخ، وهو طرف من حديثه الطويل في قصة توبته وسيأتي بتمامه في تفسير سورة التوبة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ
الشرح‏:‏
حديث أبي هريرة ‏"‏ خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ‏"‏ فعبد الله المذكور في الإسناد هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد‏.‏
ومعنى الحديث أفضل الصدقة ما وقع من غير محتاج إلى ما يتصدق به لنفسه أو لمن تلزمه نفقته‏.‏
قال الخطابي‏:‏ لفظ الظهر يرد في مثل هذا إشباعا للكلام، والمعنى أفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من ماله بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية، ولذلك قال بعده وابدأ بمن تعول‏.‏
وقال البغوي‏:‏ المراد غني يستظهر به على النوائب التي تنوبه‏.‏
ونحوه قولهم ركب متن السلامة‏.‏
والتنكير في قوله ‏"‏ غنى ‏"‏ للتعظيم، هذا هو المعتمد في معنى الحديث‏.‏
وقيل‏:‏ المراد خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيته عن المسألة، وقيل ‏"‏ عن ‏"‏ للسببية والظهر زائد، أي خير الصدقة ما كان سببها غنى في المتصدق‏.‏
وقال النووي‏:‏ مذهبنا أن التصدق بجميع المال مستحب لمن لا دين عليه ولا له عيال لا يصبرون، ويكون هو ممن يصبر على الإضاقة والفقر، فإن لم يجمع هذه الشروط فهو مكروه‏.‏
وقال القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏‏:‏ يرد على تأويل الخطابي بالآيات والأحاديث الواردة في فضل المؤثرين على أنفسهم، ومنها حديث أبي ذر ‏"‏ فضل الصدقة جهد من مقل ‏"‏ والمختار أن معنى الحديث أفضل الصدقة ما وقع بعد القيام بحقوق النفس والعيال بحيث لا يصير المتصدق محتاجا بعد صدقته إلى أحد، فمعنى الغنى في هذا الحديث حصول ما تدفع به الحاجة الضرورية كالأكل عند الجوع المشوش الذي لا صبر عليه، وستر العورة، والحاجة إلى ما يدفع به عن نفسه الأذى، وما هذا سبيله فلا يجوز الإيثار به بل يحرم، وذلك أنه إذا آثر غيره به أدى إلى إهلاك نفسه أو الإضرار بها أو كشف عورته، فمراعاة حقه أولى على كل حال، فإذا سقطت هذه الواجبات صح الإيثار وكانت صدقته هي الأفضل لأجل ما يتحمل من مضض الفقر وشدة مشقته، فبهذا يندفع التعارض بين الأدلة إن شاء الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وابدأ بمن تعول‏)‏ فيه تقديم نفقة نفسه وعياله لأنها منحصرة فيه بخلاف نفقة غيرهم، وسيأتي شرحه في النفقات إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَعَنْ وُهَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا
الشرح‏:‏
حديث حكيم بن حزام ‏"‏ اليد العليا خير من اليد السفلى ‏"‏ الحديث، وشاهد الترجمة منه قوله فيه ‏"‏ وخير الصدقة عن ظهر غنى ‏"‏ وهشام المذكور في الإسناد هو ابن عروة بن الزبير، وقوله فيه ‏"‏ ومن يستعف يعفه الله ‏"‏ يأتي الكلام عليه في حديث أبي سعيد بعد أبواب‏.‏
ثالثها حديث أبي هريرة قال ‏"‏ بهذا ‏"‏ أي بحديث حكيم، أورده معطوفا على إسناد حديث حكيم بلفظ ‏"‏ وعن وهيب ‏"‏ والظاهر أنه حمله عن موسى بن إسماعيل عنه بالطريقين معا، وكأن هشاما حدث به وهيبا تارة عن أبيه عن حكيم وتارة عن أبيه عن أبي هريرة، أو حدثه به عنهما مجموعا ففرقه وهيب أو الراوي عنه‏.‏
وقد وصل حديث أبي هريرة من طريق وهيب الإسماعيلي قال ‏"‏ أخبرني ابن ياسين حدثنا محمد بن سفيان حدثنا حبان - هو ابن هلال - حدثنا وهيب حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن أبي هريرة قال ‏"‏ مثل حديث حكيم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ وَالْمَسْأَلَةَ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى فَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ
الشرح‏:‏
حديث ابن عمر من وجهين في ذكر اليد العليا، وإنما أورده ليفسر به ما أجمل في حديث حكيم، قال ابن رشيد‏:‏ والذي يظهر أن حديث حكيم بن حزام لما اشتمل على شيئين‏:‏ حديث ‏"‏ اليد العليا ‏"‏ وحديث ‏"‏ لا صدقة إلا عن ظهر غنى ‏"‏ ذكر معه حديث ابن عمر المشتمل على الشيء الأول تكثيرا لطرقه‏.‏
ويحتمل أن يكون مناسبة حديث ‏"‏ اليد العليا ‏"‏ للترجمة من جهة أن إطلاق كون اليد العليا هي المنفقة، محله ما إذا كان الإنفاق لا يمنع منه بالشرع كالمديان المحجور عليه، فعمومه مخصوص بقوله ‏"‏ لا صدقة إلا عن ظهر غنى ‏"‏ والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يسق البخاري متن طريق حماد عن أيوب، وعطف عليه طريق مالك، فربما أوهم أنهما سواء، وليس كذلك لما سنذكره عن أبي داود‏.‏
وقال ابن عبد البر في ‏"‏ التمهيد ‏"‏‏:‏ لم تختلف الرواة عن مالك أي في سياقه، كذا قال وفيه نظر كما سيأتي‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ وقع تفسير اليد العليا والسفلى في حديث ابن عمر هذا، وهو نص يرفع الخلاف ويدفع تعسف من تعسف في تأويله ذلك انتهى‏.‏
لكن ادعى أبو العباس الداني في ‏"‏ أطراف الموطأ ‏"‏ أن التفسير المذكور مدرج في الحديث، ولم يذكر مستندا لذلك‏.‏
ثم وجدت في ‏"‏ كتاب العسكري في الصحابة ‏"‏ بإسناد له فيه انقطاع عن ابن عمر أنه كتب إلى بشر بن مروان ‏"‏ إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ اليد العليا خير من اليد السفلى، ولا أحسب اليد السفلى إلا السائلة، ولا العليا إلا المعطية ‏"‏ فهذا يشعر بأن التفسير من كلام ابن عمر، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال ‏"‏ كنا نتحدث أن العليا هي المنفقة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وذكر الصدقة والتعفف والمسألة‏)‏ كذا للبخاري بالواو قبل المسألة‏.‏
وفي رواية مسلم عن قتيبة عن مالك ‏"‏ والتعفف عن المسألة ‏"‏ ولأبي داود ‏"‏ والتعفف منها ‏"‏ أي من أخذ الصدقة، والمعنى أنه كان يحض الغني على الصدقة والفقير على التعفف عن المسألة أو يحضه على التعفف ويذم المسألة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاليد العليا هي المنفقة‏)‏ قال أبو داود قال الأكثر عن حماد بن زيد‏:‏ المنفقة‏.‏
وقال واحد عنه‏:‏ المتعففة، وكذا قال عبد الوارث عن أيوب انتهى‏.‏
فأما الذي قال عن حماد المتعففة بالعين وفاءين فهو مسدد، كذلك رويناه عنه في مسنده رواية معاذ بن المثنى عنه، ومن طريقه أخرجه ابن عبد البر في ‏"‏ التمهيد‏"‏، وقد تابعه على ذلك أبو الربيع الزهراني كما رويناه في ‏"‏ كتاب الزكاة ليوسف بن يعقوب القاضي ‏"‏ حدثنا أبو الربيع‏.‏
وأما رواية عبد الوارث فلم أقف عليها موصولة‏.‏
وقد أخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق سليمان بن حرب عن حماد بلفظ ‏"‏ واليد العليا يد المعطي ‏"‏ وهذا يدل على أن من رواه عن نافع بلفظ ‏"‏ المتعففة ‏"‏ فقد صحف‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ ورواه موسى بن عقبة عن نافع فاختلف عليه أيضا، فقال حفص بن ميسرة عنه ‏"‏ المنفقة ‏"‏ كما قال مالك‏.‏
قلت‏:‏ وكذلك قال فضيل بن سليمان عنه أخرجه ابن حبان من طريقه قال‏:‏ ورواه إبراهيم بن طهمان عن موسى فقال ‏"‏ المنفقة ‏"‏ قال ابن عبد البر‏:‏ رواية مالك أولى وأشبه بالأصول‏.‏
ويؤيده حديث طارق المحاربي عند النسائي قال ‏"‏ قدمنا المدينة فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول‏:‏ يد المعطي العليا ‏"‏ انتهى‏.‏
ولابن أبي شيبة والبزار من طريق ثعلبة بن زهدم مثله، وللطبراني بإسناد صحيح عن حكيم بن حزام مرفوعا ‏"‏ يد الله فوق يد المعطي، ويد المعطي فوق يد المعطى، ويد المعطى أسفل الأيدي ‏"‏ وللطبراني من حديث عدي الجذامي مرفوعا مثله، ولأبي داود وابن خزيمة من حديث أبي الأحوص عوف بن مالك عن أبيه مرفوعا ‏"‏ الأيدي ثلاثة‏:‏ فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى ‏"‏ ولأحمد والبزار من حديث عطية السعدي ‏"‏ اليد المعطية هي العليا، والسائلة هي السفلى ‏"‏ فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة المعطية وأن السفلى هي السائلة، وهذا هو المعتمد وهو قول الجمهور‏.‏
وقيل اليد السفلى الآخذة سواء كان بسؤال أم بغير سؤال، وهذا أباه قوم واستندوا إلى أن الصدقة تقع في يد الله قبل يد المتصدق عليه‏.‏
قال ابن العربي‏:‏ التحقيق أن السفلى يد السائل، وأما يد الآخذ فلا، لأن يد الله هي المعطية ويد الله هي الآخذة وكلتاهما عليا وكلتاهما يمين انتهى‏.‏
وفيه نظر لأن البحث إنما هو في أيدي الآدميين، وأما يد الله تعالى فباعتبار كونه مالك كل شيء نسبت يده إلى الإعطاء، وباعتبار قبوله للصدقة ورضاه بها نسبت يده إلى الأخذ ويده العليا على كل حال، وأما يد الآدمي فهي أربعة‏:‏ يد المعطي، وقد تضافرت الأخبار بأنها عليا‏.‏
ثانيها يد السائل، وقد تضافرت بأنها سفلى سواء أخذت أم لا، وهذا موافق لكيفية الإعطاء والأخذ غالبا وللمقابلة بين العلو والسفل المشتق منهما‏.‏
ثالثها يد المتعفف عن الأخذ ولو بعد أن تمد إليه يد المعطي مثلا، وهذه توصف بكونها عليا علوا معنويا‏.‏
رابعها يد الآخذ بغير سؤال، وهذه قد اختلف فيها فذهب جمع إلى أنها سفلى، وهذا بالنظر إلى الأمر المحسوس، وأما المعنوي فلا يطرد فقد تكون عليا في بعض الصور، وعليه يحمل كلام من أطلق كونها عليا‏.‏
قال ابن حبان‏:‏ اليد المتصدقة أفضل من السائلة لا الآخذة بغير سؤال، إذ محال أن تكون اليد التي أبيح لها استعمال فعل باستعماله، دون من فرض عليه إتيان شيء فأتى به أو تقرب إلى ربه متنفلا، فربما كان الآخذ لما أبيح له أفضل وأورع من الذي يعطي انتهى‏.‏
وعن الحسن البصري‏:‏ اليد العليا المعطية والسفلى المانعة ولم يوافق عليه‏.‏
وأطلق آخرون من المتصوفة أن اليد الآخذة أفضل من المعطية مطلقا، وقد حكى ابن قتيبة في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ ذلك عن قوم ثم قال‏:‏ وما أرى هؤلاء إلا قوما استطابوا السؤال فهم يحتجون للدناءة، ولو جاز هذا لكان المولى من فوق هو الذي كان رقيقا فأعتق والمولى من أسفل هو السيد الذي أعتقه انتهى‏.‏
وقرأت في ‏"‏ مطلع الفوائد ‏"‏ للعلامة جمال الدين بن نباتة في تأويل الحديث المذكور معنى آخر فقال‏:‏ اليد هنا هي النعمة، وكأن المعنى أن العطية الجزيلة خير من العطية القليلة‏.‏
قال‏:‏ وهذا حث على المكارم بأوجز لفظ، ويشهد له أحد التأويلين في قوله ‏"‏ ما أبقت غنى ‏"‏ أي ما حصل به للسائل غنى عن سؤاله كمن أراد أن يتصدق بألف فلو أعطاها لمائة إنسان لم يظهر عليهم الغنى، بخلاف ما لو أعطاها لرجل واحد‏.‏
قال‏:‏ وهو أولى من حمل اليد على الجارحة، لأن ذلك لا يستمر إذ فيمن يأخذ من هو خير عند الله ممن يعطي‏.‏
قلت‏:‏ التفاضل هنا يرجع إلى الإعطاء والأخذ، ولا يلزم منه أن يكون المعطي أفضل من الآخذ على الإطلاق‏.‏
وقد روى إسحاق في مسنده من طريق عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير ‏"‏ أن حكيم بن حزام قال‏:‏ يا رسول الله، ما اليد العليا‏؟‏ قال‏:‏ التي تعطي ولا تأخذ ‏"‏ فقوله ‏"‏ ولا تأخذ ‏"‏ صريح في أن الآخذة ليست بعليا والله أعلم‏.‏
وكل هذه التأويلات المتعسفة تضمحل عند الأحاديث المتقدمة المصرحة بالمراد، فأولى ما فسر الحديث بالحديث، ومحصل ما في الآثار المتقدمة أن أعلى الأيدي المنفقة، ثم المتعففة عن الآخذ، ثم الآخذة بغير سؤال‏.‏
وأسفل الأيدي السائلة والمانعة والله أعلم‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ وفي الحديث إباحة الكلام للخطيب بكل ما يصلح من موعظة وعلم وقربة‏.‏
وفيه الحث على الإنفاق في وجوه الطاعة‏.‏
وفيه تفضيل الغنى مع القيام بحقوقه على الفقر، لأن العطاء إنما يكون مع الغنى، وقد تقدم الخلاف في ذلك في حديث ‏"‏ ذهب أهل الدثور ‏"‏ في أواخر صفة الصلاة‏.‏
وفيه كراهة السؤال والتنفير عنه، ومحله إذا لم تدع إليه ضرورة من خوف هلاك ونحوه‏.‏
وقد روى الطبراني من حديث ابن عمر بإسناد فيه مقال مرفوعا ‏"‏ ما المعطي من سعة بأفضل من الآخذ إذا كان محتاجا ‏"‏ وسيأتي حديث حكيم مطولا في ‏"‏ باب الاستعفاف عن المسألة ‏"‏ وفيه بيان سببه إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-05-2013, 12:13 AM   #40
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْمَنَّانِ بِمَا أَعْطَى
لِقَوْلِهِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى الْآيَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المنان بما أعطى، لقوله تعالى ‏(‏الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى‏)‏ الآية‏)‏ هذه الترجمة ثبتت في رواية الكشميهني وحده بغير حديث، وكأنه أشار إلى ما رواه مسلم من حديث أبي ذر مرفوعا ‏"‏ ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة المنان الذي لا يعطي شيئا إلا من به ‏"‏ الحديث، ولما لم يكن على شرطه اقتصر على الإشارة إليه‏.‏
ومناسبة الآية للترجمة واضحة من جهة أن النفقة في سبيل الله لما كان المان بها مذموما كان ذم المعطي في غيرها من باب الأولى‏.‏
قال القرطبي‏:‏ المن غالبا يقع من البخيل والمعجب، فالبخيل تعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها، والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة وأنه منعم بماله على المعطي وإن كان أفضل منه في نفس الأمر، وموجب ذلك كله الجهل ونسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه، ولو نظر مصيره لعلم أن المنة للآخذ لما يترتب له من الفوائد‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ أَحَبَّ تَعْجِيلَ الصَّدَقَةِ مِنْ يَوْمِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها‏)‏ ذكر فيه حديث عقبة بن الحارث ‏"‏ صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم العصر فأسرع، ثم دخل البيت ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ كنت خلفت في البيت تبرا من الصدقة فكرهت أن أبيته فقسمته ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به، فإن الآفات تعرض والموانع تمنع والموت لا يؤمن والتسويف غير محمود، زاد غيره‏:‏ وهو أخلص للذمة وأنفى للحاجة وأبعد من المطل المذموم وأرضى للرب وأمحى للذنب‏.‏
وقد تقدمت بقية فوائده في أواخر صفة الصلاة‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ ترجم المصنف بالاستحباب وكان يمكن أن يقول كراهة تبييت الصدقة لأن الكراهة صريحة في الخبر، واستحباب التعجيل مستنبط من قرائن سياق الخبر حيث أسرع في الدخول والقسمة، فجرى على عادته في إيثار الأخفى على الأجلى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فَأَسْرَعَ ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ فَقُلْتُ أَوْ قِيلَ لَهُ فَقَالَ كُنْتُ خَلَّفْتُ فِي الْبَيْتِ تِبْرًا مِنْ الصَّدَقَةِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُبَيِّتَهُ فَقَسَمْتُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أبيته‏)‏ أي أتركه حتى يدخل عليه الليل، يقال بات الرجل دخل في الليل، وبيته تركه حتى دخل الليل‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالشَّفَاعَةِ فِيهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها‏)‏ قال الزين بن المنير يجتمع التحريض والشفاعة في أن كلا منهما إيصال الراحة للمحتاج، ويفترقان في أن التحريض معناه الترغيب بذكر ما في الصدقة من الأجر، والشفاعة فيها معنى السؤال والتقاضي للإجابة انتهى، ويفترقان بأن الشفاعة لا تكون إلا في خير، بخلاف التحريض، وبأنها قد تكون بغير تحريض‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَدِيٌّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ ثُمَّ مَالَ عَلَى النِّسَاءِ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْقُلْبَ وَالْخُرْصَ
الشرح‏:‏
حديث ابن عباس في تحريض النساء على الصدقة، وقد تقدم مبسوطا في العيدين‏.‏
وقوله‏:‏ ‏"‏ عن عدي ‏"‏ هو ابن ثابت، وقوله ‏"‏القلب ‏"‏ بضم القاف وسكون اللام آخرها موحدة هو السوار وقيل هو مخصوص بما كان من عظم‏.‏
و ‏"‏ الخرص ‏"‏ بضم المعجمة وسكون الراء بعدها مهملة هي الحلقة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ
الشرح‏:‏
حديث أبي موسى ‏"‏ اشفعوا تؤجروا ‏"‏ قد أورد في ‏"‏ باب الشفاعة ‏"‏ من كتاب الأدب، ويأتي الكلام عليه مستوفى هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
وعبد الواحد في الإسناد هو ابن زياد، قال ابن بطال‏:‏ المعنى اشفعوا يحصل لكم الأجر مطلقا، سواء قضيت الحاجة أو لا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدَةَ وَقَالَ لَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ
الشرح‏:‏
حديث أسماء وهي بنت أبي بكر الصديق ‏"‏ لا توكي فيوكى عليك ‏"‏ كذا عنده بفتح الكاف ولم يذكر الفاعل‏.‏
وفي رواية له ‏"‏ لا تحصي فيحصي الله عليك ‏"‏ فأبرز الفاعل، وكلاهما بالنصب لكونه جواب النهي وبالفاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عبدة‏)‏ هو ابن سليمان، وهشام هو ابن عروة، وفاطمة هي بنت المنذر بن الزبير وهي زوج هشام، وأسماء جدتهما لأبويهما‏.‏
وقوله ‏"‏حدثنا عثمان عن عبدة ‏"‏ أي بإسناده المذكور، ويحتمل أن يكون الحديث كان عند عبدة عن هشام باللفظين فحدث به تارة هكذا وتارة هكذا، وقد رواه النسائي والإسماعيلي من طريق أبي معاوية عن هشام باللفظين معا، وسيأتي في الهبة عند المصنف من طريق ابن نمير عن هشام باللفظين، لكن بعين مهملة بدل الكاف، وهو بمعناه، يقال أوعيت المتاع في الوعاء أوعيه إذا جعلته فيه، ووعيت الشيء حفظته، وإسناد الوعي إلى الله مجاز عن الإمساك‏.‏
والإيكاء شد رأس الوعاء بالوكاء وهو الرباط الذي يربط به، والإحصاء معرفة قدر الشيء وزنا أو عددا، وهو من باب المقابلة، والمعنى النهي عن منع الصدقة خشية النفاد، فإن ذلك أعظم الأسباب لقطع مادة البركة، لأن الله يثيب على العطاء بغير حساب، ومن لا يحاسب عند الجزاء لا يحسب عليه عند العطاء، ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب‏.‏
وقيل‏:‏ المراد بالإحصاء عد الشيء لأن يدخر ولا ينفق منه، وأحصاه الله قطع البركة عنه أو حبس مادة الرزق أو المحاسبة عليه في الآخرة‏.‏
وسيأتي ذكر سبب هذا الحديث في كتاب الهبة مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى‏.‏
قال ابن رشيد‏:‏ قد تخفى مناسبة حديث أسماء لهذه الترجمة، وليس بخاف على الفطن ما فيه من معنى التحريض والشفاعة معا فإنه يصلح أن يقال في كل منهما، وهذه هي النكتة في ختم الباب به‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّدَقَةِ فِيمَا اسْتَطَاعَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصدقة فيما استطاع‏)‏ أورد فيه حديث أسماء المذكور من وجه آخر عنها من وجهين، وساقه هنا على لفظ حجاج بن محمد لخلو طريق أبي عاصم من التقييد بالاستطاعة، وسيأتي في الهبة بلفظ أبي عاصم وسياقه أتم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ح و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ
الشرح‏:‏
قوله ‏"‏ارضخي ‏"‏ بكسر الهمزة من الرضخ بمعجمتين وهو العطاء اليسير، فالمعنى أنفقي بغير إجحاف ما دمت قادرة مستطيعة‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصدقة تكفر الخطيئة‏)‏ أورد فيه حديث حذيفة ‏"‏ فتنة الرجل في أهله وولده تكفرها الصلاة والصدقة ‏"‏ الحديث، وقد تقدم في باب الصلاة، وسيأتي الكلام عليه مبسوطا في علامات النبوة إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ تَصَدَّقَ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من تصدق في الشرك ثم أسلم‏)‏ أي هل يعتد له بثواب ذلك أو لا‏؟‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يبت الحكم من أجل قوة الاختلاف فيه‏.‏
قلت‏:‏ وقد تقدم البحث في ذلك مستوفى في كتاب الإيمان في الكلام على حديث ‏"‏ إذا أسلم العبد فحسن إسلامه ‏"‏ وأنه لا مانع من أن الله يضيف إلى حسناته في الإسلام ثواب ما كان صدر منه في الكفر تفضلا وإحسانا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أتحنث‏)‏ بالمثلثة أي أتقرب، والحنث في الأصل الإثم، وكأنه أراد ألقي عني الإثم‏.‏
ولما أخرج البخاري هذا الحديث في الأدب عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري قال في آخره‏:‏ ويقال أيضا عن أبي اليمان أتحنت يعني بالمثناة‏.‏
ونقل عن أبي إسحاق أن التحنت التبرر، قال‏:‏ وتابعه هشام بن عروة عن أبيه‏.‏
وحديث هشام أورده في العتق بلفظ ‏"‏ كنت أتحنت بها ‏"‏ يعني أتبرر بها‏.‏
قال عياض‏:‏ رواه جماعة من الرواة في البخاري بالمثلثة وبالمثناة، وبالمثلثة أصح رواية ومعنى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من صدقة أو عتاقة أو صلة‏)‏ كذا هنا بلفظ ‏"‏ أو ‏"‏ وفي رواية شعيب المذكورة بالواو في الموضعين، وسقط لفظ ‏"‏ الصدقة ‏"‏ من رواية عبد الرزاق عن معمر‏.‏
وفي رواية هشام المذكورة أنه أعتق في الجاهلية مائتي رقبة، وحمل على مائتي بعير‏.‏
وزاد في آخره ‏"‏ فوالله لا أدع شيئا صنعته في الجاهلية إلا فعلت في الإسلام مثله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أسلمت على ما سلف من خير‏)‏ قال المازري‏:‏ ظاهره أن الخير الذي أسلفه كتب له، والتقدير أسلمت على قبول ما سلف لك من خير‏.‏
وقال الحربي‏:‏ معناه ما تقدم لك من الخير الذي عملته هو لك، كما تقول أسلمت على أن أحوز لنفسي ألف درهم، وأما من قال إن الكافر لا يثاب فحمل معنى الحديث على وجوه أخرى منها أن يكون المعنى أنك بفعلك ذلك اكتسبت طباعا جميلة فانتفعت بتلك الطباع في الإسلام، وتكون تلك العادة قد مهدت لك معونة على فعل الخير، أو أنك اكتسبت بذلك ثناء جميلا فهو باق لك في الإسلام، أو أنك ببركة فعل الخير هديت إلى الإسلام لأن المبادئ عنوان الغايات، أو أنك بتلك الأفعال رزقت الرزق الواسع‏.‏
قال ابن الجوزي‏:‏ قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم ورى عن جوابه، فإنه سأل‏:‏ هل لي فيها من أجر‏؟‏ فقال‏:‏ أسلمت على ما سلف من خير‏.‏
والعتق فعل خير، كأنه أراد أنك فعلت الخير والخير يمدح فاعله ويجازى عليه في الدنيا، فقد روى مسلم من حديث أنس مرفوعا ‏"‏ أن الكافر يثاب في الدنيا بالرزق على ما يفعله من حسنة‏"‏‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب أَجْرِ الْخَادِمِ إِذَا تَصَدَّقَ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسد‏)‏ قال ابن العربي‏:‏ اختلف السلف فيما إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها، فمنهم من أجازه لكن في الشيء اليسير الذي لا يؤبه له ولا يظهر به النقصان‏.‏
ومنهم من حمله على ما إذا أذن الزوج ولو بطريق الإجمال، وهو اختيار البخاري، ولذلك قيد الترجمة بالأمر به‏.‏
ويحتمل أن يكون ذلك محمولا على العادة، وأما التقييد بغير الإفساد فمتفق عليه‏.‏
ومنهم من قال‏:‏ المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال في مصالحه، وليس ذلك بأن يفتئتوا على رب البيت بالإنفاق على الفقراء بغير إذن، ومنهم من فرق بين المرأة والخادم فقال‏:‏ المرأة لها حق في مال الزوج والنظر في بيتها فجاز لها أن تتصدق، بخلاف الخادم فليس له تصرف في متاع مولاه فيشترط الإذن فيه‏.‏
وهو متعقب بأن المرأة إذا استوفت حقها فتصدقت منه فقد تخصصت به، وإن تصدقت من غير حقها رجعت المسألة كما كانت والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِك
الشرح‏:‏
حديث عائشة وسيأتي في الباب الذي بعده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْخَازِنُ الْمُسْلِمُ الْأَمِينُ الَّذِي يُنْفِذُ وَرُبَّمَا قَالَ يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبًا بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ
الشرح‏:‏
حديث أبي موسى، وقد قيد الخازن فيه بكونه مسلما فأخرج الكافر لأنه لا نية له، وبكونه أمينا فأخرج الخائن لأنه مأزور‏.‏
ورتب الأجر على إعطائه ما يؤمر به غير ناقص لكونه خائنا أيضا، وبكون نفسه بذلك طيبة لئلا يعدم النية فيفقد الأجر وهي قيود لا بد منها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الذي ينفذ‏)‏ بفاء مكسورة مثقلة ومخففة‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
كاتب الموضوع حسن الخليفه احمد مشاركات 538 المشاهدات 75458  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:59 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
::×:: هذا المُنتدى لا يمثل الموقع الرسمي للطريقة الختمية بل هُو تجمُّع فكري وثقافي لشباب الختمية::×::

تصميم: صبري طه