القبول يا رب - شباب الطريقة الختمية بدائرة ود ابراهيم بأم بدة

مجموعة مدائح ختمية.. شباب الطريقة الختمية بمسجد السيد علي الميرغني ببحري


غير مسجل أهلاً ومرحباً بكم

العودة   منتديات الختمية > الأقسام العامة > مكتبة الميرغني الإليكترونية

مكتبة الميرغني الإليكترونية خاصة بجميع مؤلفات السادة المراغنة

فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه

مكتبة الميرغني الإليكترونية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-20-2013, 08:29 PM   #161
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




3*باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مخلقة وغير مخلقة‏)‏ رويناه بالإضافة، أي باب تفسير قوله تعالى ‏(‏مخلقة وغير مخلقة‏)‏ وبالتنوين وتوجيهه ظاهر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ يَا رَبِّ عَلَقَةٌ يَا رَبِّ مُضْغَةٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَمَا الرِّزْقُ وَالْأَجَلُ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حماد‏)‏ هو ابن زيد، وعبيد الله بالتصغير ابن أبي بكر بن أنس بن مالك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله عز وجل‏)‏ وقع في روايتنا بالتخفيف، يقال وكله بكذا إذا استكفاه إياه وصرف أمره إليه، وللأكثر بالتشديد وهو موافق لقوله تعالى ‏(‏ملك الموت الذي وكل بكم‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقول يا رب نطفة‏)‏ بالرفع والتنوين، أي وقعت في الرحم نطفة‏.‏

وفي رواية القابسي بالنصب أي خلقت يا رب نطفة، ونداء الملك بالأمور الثلاثة ليس في دفعة واحدة، بل بين كل حالة وحالة مدة تبين من حديث ابن مسعود الآتي في كتاب القدر أنها أربعون يوما، وسيأتي الكلام هناك على بقية فوائد حديث أنس هذا، والجمع بينه وبين ما ظاهره التعارض من حديث ابن مسعود المذكور، ومناسبة الحديث للترجمة من جهة أن الحديث المذكور مفسر للآية‏.‏

وأوضح منه سياقا ما رواه الطبري من طريق داود ابن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏"‏ إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله ملكا فقال‏:‏ يا رب مخلقة أو غير مخلقة‏؟‏ فإن قال غير مخلقة مجها الرحم دما، وإن قال مخلقة قال‏:‏ يا رب فما صفة هذه النطفة‏؟‏ ‏"‏ فذكر الحديث وإسناده صحيح، وهو موقوف لفظا مرفوع حكما، وحكى الطبري لأهل التفسير في ذلك أقوالا وقال‏:‏ الصواب قول من قال المخلقة المصورة خلقا تاما، وغير المخلقة السقط قبل تمام خلقه، وهو قول مجاهد والشعبي وغيرهما‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ غرض البخاري بإدخال هذا الحديث في أبواب الحيض تقوية مذهب من يقول إن الحامل لا تحيض، وهو قول الكوفيين وأحمد وأبي ثور وابن المنذر وطائفة، وإليه ذهب الشافعي في القديم‏.‏

وقال في الجديد‏:‏ إنها تحيض، وبه قال إسحاق، وعن مالك روايتان‏.‏

قلت‏:‏ وفي الاستدلال بالحديث المذكور على أنها لا تحيض نظر، لأنه لا يلزم من كون ما يخرج من الحامل هو السقط الذي لم يصور أن لا يكون صلى الله عليه وسلم الدم الذي تراه المرأة التي يستمر حملها ليس بحيض‏.‏

وما ادعاه المخالف من أنه رشح من الولد أو من فضلة غذائه أو دم فساد لعلة فمحتاج إلى دليل‏.‏

وما ورد في ذلك من خبر أو أثر لا يثبت، لأن هذا دم بصفات دم الحيض وفي زمن إمكانه فله حكم دم الحيض، فمن ادعى خلافه فعليه البيان‏.‏

وأقوى حججهم أن استبراء الأمة اعتبر بالمحيض لتحقق براءة الرحم من الحمل، فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض، واستدل ابن المنير على أنه ليس بدم حيض بأن الملك موكل برحم الحامل، والملائكة لا تدخل بيتا فيه قذر ولا يلائمها ذلك‏.‏

وأجيب بأنه لا يلزم من كون الملك موكلا به أن يكون حالا فيه، ثم هو مشترك الإلزام لأن الدم كله قذر، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس
قديم 02-20-2013, 08:32 PM   #162
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة‏)‏ مراده بيان صحة إهلال الحائض، ومعنى كيف في الترجمة الإعلام بالحال بصورة الاستفهام لا الكيفية التي يراد بها الصفة، وبهذا التقرير يندفع اعتراض من زعم أن الحديث غير مناسب للترجمة، إذ ليس فيها ذكر صفة الإهلال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيُحْلِلْ وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلَا يُحِلُّ حَتَّى يُحِلَّ بِنَحْرِ هَدْيِهِ وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ قَالَتْ فَحِضْتُ فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وَأَمْتَشِطَ وَأُهِلَّ بِحَجٍّ وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ حَتَّى قَضَيْتُ حَجِّي فَبَعَثَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مَكَانَ عُمْرَتِي مِنْ التَّنْعِيمِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏من أهل بحج‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ بحجة ‏"‏ في الموضعين، وكذا للحموي في الموضع الثاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت فحضت‏)‏ أي بسرف قبل دخول مكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى قضيت حجتي‏)‏ في رواية كريمة وأبي الوقت ‏"‏ حجي‏"‏، والكلام على فوائد الحديث يأتي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ

وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ وَبَلَغَ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ نِسَاءً يَدْعُونَ بِالْمَصَابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَنْظُرْنَ إِلَى الطُّهْرِ فَقَالَتْ مَا كَانَ النِّسَاءُ يَصْنَعْنَ هَذَا وَعَابَتْ عَلَيْهِنَّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إقبال المحيض وإدباره‏)‏ اتفق العلماء على أن إقبال المحيض يعرف بالدفعة من الدم في وقت إمكان الحيض، واختلفوا في إدباره فقيل‏:‏ يعرف بالجفوف، وهو أن يخرج ما يحتشي به جافا، وقيل بالقصة البيضاء وإليه ميل المصنف كما سنوضحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكن‏)‏ هو بصيغة جمع المؤنث، و ‏"‏ نساء ‏"‏ بالرفع وهو بدل من الضمير نحو أكلوني البراغيث، والتنكير في نساء للتنويع، أي كان ذلك من نوع من النساء لا من كلهن‏.‏

وهذا الأثر قد رواه مالك في الموطأ عن علقمة بن أبي علقمة المدني عن أمه - واسمها مرجانة مولاة عائشة - قالت ‏"‏ كان النساء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالدرجة‏)‏ بكسر أوله وفتح الراء والجيم جمع درج بالضم ثم السكون‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ كذا يرويه أصحاب الحديث وضبطه أن عبد البر في الموطأ بالضم ثم السكون وقال‏:‏ إنه تأنيث درج، والمراد به ما تحتشي به المرأة من قطنة وغيرها لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الكرسف‏)‏ بضم الكاف والسين المهملة بينهما راء ساكنة هو القطن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيه الصفرة‏)‏ زاد مالك من دم الحيضة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتقول‏)‏ أي عائشة‏.‏

والقصة بفتح القاف وتشديد المهملة هي النورة، أي حتى تخرج القطنة بيضاء نقية لا يخالطها صفرة، وفيه دلالة على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، وأما في غيرها فسيأتي الكلام على ذلك في باب مفرد إن شاء تعالى‏.‏

وفيه أن القصة البيضاء علامة لانتهاء الحيض ويتبين بها ابتداء الطهر، واعترض على من ذهب إلى أنه يعرف بالجفوف بأن القطنة قد تخرج جافة في أثناء الأمر فلا يدل ذلك على انقطاع الحيض، بخلاف القصة وهي ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض‏.‏

قال مالك‏:‏ سألت النساء عنه فإذا هو أمر معلوم عندهن يعرفنه عند الطهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبلغ ابنة زيد بن ثابت‏)‏ كذا وقعت مبهمة هنا، وكذا في الموطأ حيث روى هذا الأثر عن عبد الله بن أبي بكر أي ابن محمد بن عمرو بن حزم عن عمته عنها، وقد ذكروا لزيد بن ثابت من البنات حسنة وعمرة وأم كلثوم وغيرهن، ولم أر لواحدة منهن رواية إلا لأم كلثوم - وكانت زوج سالم بن عبد الله ابن عمر - فكأنها هي المبهمة هنا‏.‏

وزعم بعض الشراح أنها أم سعد قال‏:‏ لأن ابن عبد البر ذكرها في الصحابة‏.‏

انتهى‏.‏

وليس في ذكره لها دليل المدعي لأنه لم يقل إنها صاحبة هذه القصة، بل لم يأت لها ذكر عنده ولا عند غيره إلا من طريق عنبسة بن عبد الرحمن وقد كذبوه، وكان مع ذلك يضطرب فيها فتارة يقول بنت زيد بن ثابت وتارة يقول امرأة زيد، ولم يذكر أحد من أهل المعرفة بالنسب في أولاد زيد من يقال لها أم سعد، وأما عمة عبد الله بن أبي بكر فقال ابن الحذاء‏:‏ هي عمرة بنت حزم عمة جد عبد الله بن أبي بكر، وقيل لها عمته مجازا‏.‏

قلت‏:‏ لكنها صحابية قديمة روى عنها جابر بن عبد الله الصحابي، ففي روايتها عن بنت زيد بن ثابت بعد، فإن كانت ثابتة فرواية عبد الله عنها منقطعة لأنه لم يدركها، ويحتمل أن تكون المرادة عمته الحقيقية وهي أم عمرو أو أم كلثوم والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يدعون‏)‏ أي يطلبن‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ يدعين ‏"‏ وقد تقدم مثلها في ‏"‏ باب تقضي الحائض المناسك كلها‏"‏‏.‏

وقال صاحب القاموس‏:‏ دعيت لغة في دعوت، ولم ينبه على ذلك صاحب المشارق ولا المطالع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى الطهر‏)‏ أي إلى ما يدل على الطهر واللام في قولها ‏"‏ ما كان النساء ‏"‏ للعهد أي نساء الصحابة، وإنما عابت عليهن لأن ذلك يقتضي الحرج والتنطع وهو مذموم، قاله ابن بطال وغيره‏.‏

وقيل لكون ذلك كان في غير وقت الصلاة وهو جوف الليل، وفيه نظر لأنه وقت العشاء، ويحتمل أن يكون العيب لكون الليل لا يتبين به البياض الخالص من غيره فيحسبن أنهن طهرن وليس كذلك فيصلين قبل الطهر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي

الشرح‏:‏

حديث فاطمة بنت أبي حبيش تقدم في باب الاستحاضة، وسفيان في هذا الإسناد هو ابن عيينة لأن عبد الله بن محمد وهو المسندي لم يسمع من الثوري‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-20-2013, 08:33 PM   #163
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*باب لَا تَقْضِي الْحَائِضُ الصَّلَاةَ

وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدَعُ الصَّلَاةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا تقضي الحائض الصلاة‏)‏ نقل ابن المنذر وغيره إجماع أهل العلم على ذلك، وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري عنه فقال‏:‏ اجتمع الناس عليه، وحكى ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا يوجبونه، وعن سمرة بن جندب أنه كان يأمر به فأنكرت عليه أم سلمة، لكن استقر الإجماع على عدم الوجوب كما قاله الزهري وغيره‏.‏

قوله ‏(‏وقال جابر بن عبد الله وأبو سعيد‏)‏ هذا التعليق عن هذين الصحابيين ذكره المؤلف بالمعنى، فأما حديث جابر فأشار به إلى ما أخرجه في كتاب الأحكام من طريق حبيب عن عطاء عن جابر في قصة حيض عائشة في الحج وفيه ‏"‏ غير أنها لا تطوف ولا تصلي‏"‏، ولمسلم نحوه من طريق أبي الزبير عن جابر، وأما حديث أبي سعيد فأشار به إلى حديثه المتقدم في ‏"‏ باب ترك الحائض الصوم ‏"‏ وفيه ‏"‏ أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم‏؟‏‏"‏‏.‏

فإن قيل‏:‏ الترجمة لعدم القضاء، وهذان الحديثان لعدم الإيقاع، فما وجه المطابقة‏؟‏ أجاب الكرماني بأن الترك في قوله ‏"‏ تدع الصلاة ‏"‏ مطلق أداء وقضاء‏.‏

انتهى‏.‏

وهو غير متجه، لأن منعها إنما هو في زمن الحيض فقط، وقد وضح ذلك من سياق الحديثين، والذي يظهر لي أن المصنف أراد أن يستدل على الترك أولا بالتعليق المذكور، وعلى عدم القضاء بحديث عائشة، فجعل المعلق كالمقدمة للحديث الموصول الذي هو مطابق للترجمة، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ حَدَّثَتْنِي مُعَاذَةُ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ أَتَجْزِي إِحْدَانَا صَلَاتَهَا إِذَا طَهُرَتْ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ كُنَّا نَحِيضُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَأْمُرُنَا بِهِ أَوْ قَالَتْ فَلَا نَفْعَلُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثتني معاذة‏)‏ هي بنت عبد الله العدوية، وهي معدودة في فقهاء التابعين، ورجال الإسناد المذكور إليها بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن امرأة قالت لعائشة‏)‏ كذا أبهمها همام، وبين شعبة في روايته عن قتادة أنها هي معاذة الراوية‏.‏

أخرجه الإسماعيلي من طريقه، وكذا لمسلم من طريق عاصم وغيره عن معاذة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتجزي‏)‏ بفتح أوله، أي أتقضي‏.‏

وصلاتها بالنصب على المفعولية، ويروى أتجزئ بضم أوله والهمز، أي أتكفي المرأة الصلاة الحاضرة وهي طاهرة ولا تحتاج إلى قضاء الفائتة في زمن الحيض‏؟‏ فصلاتها على هذا بالرفع على الفاعلية، والأولى أشهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحرورية‏)‏ الحروري منسوب إلى حروراء بفتح الحاء وضم الراء المهملتين وبعد الواو الساكنة راء أيضا، بلدة على ميلين من الكوفة، والأشهر أنها بالمد‏.‏

قال المبرد‏:‏ النسبة إليها حروراوي، وكذا كل ما كان في آخره ألف تأنيث ممدودة، ولكن قيل الحروري بحذف الزوائد، ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حرورى لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي بالبلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبة إليها، وهم فرق كثيرة، لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقا، ولهذا استفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار، وزاد مسلم في رواية عاصم عن معاذة فقلت‏:‏ لا ولكني أسأل، أي سؤالا مجردا لطلب العلم لا للتعنت، وفهمت عائشة عنها طلب الدليل فاقتصرت في الجواب عليه دون التعليل، والذي ذكره العلماء في الفرق بين الصلاة والصيام أن الصلاة تتكرر فلم يجب قضاؤها للحرج بخلاف الصيام، ولمن يقول بأن الحائض مخاطبة بالصيام أن يفرق بأنها لم تخاطب بالصلاة أصلا‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ اكتفاء عائشة في الاستدلال على إسقاط القضاء بكونها لم تؤمر به يحتمل وجهين‏:‏ أحدهما أنها أخذت إسقاط القضاء من إسقاط الأداء فيتمسك به حتى يوجد المعارض وهو الأمر بالقضاء كما في الصوم، ثانيهما - قال وهو أقرب - أن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم لتكرر الحيض منهن عنده صلى الله عليه وسلم، وحيث لم يبين دل على عدم الوجوب، لا سيما وقد اقترن بذلك الأمر بقضاء الصوم كما في رواية عاصم عن معاذة عند مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا يأمرنا به، أو قالت‏:‏ فلا نفعله‏)‏ كذا في هذه الرواية بالشك، وعند الإسماعيلي من وجه آخر ‏"‏ فلم نكن نقضي ولم نؤمر به ‏"‏ والاستدلال بقولها فلم نكن نقضي أوضح من الاستدلال بقولها فلم نؤمر به، لأن عدم الأمر بالقضاء هنا قد ينازع في الاستدلال به على عدم الوجوب، لاحتمال الاكتفاء بالدليل العام على وجوب القضاء‏.‏

والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-20-2013, 08:33 PM   #164
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*باب النَّوْمِ مَعَ الْحَائِضِ وَهِيَ فِي ثِيَابِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب النوم مع الحائض‏)‏ زاد في رواية الصاغاني ‏"‏ وهي في ثيابها ‏"‏ تقدم الكلام على ذلك في ‏"‏ باب من سمى النفاس حيضا‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ حِضْتُ وَأَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمِيلَةِ فَانْسَلَلْتُ فَخَرَجْتُ مِنْهَا فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَلَبِسْتُهَا فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنُفِسْتِ قُلْتُ نَعَمْ فَدَعَانِي فَأَدْخَلَنِي مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ قَالَتْ وَحَدَّثَتْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَنَابَةِ

الشرح‏:‏

يحيى المذكور هو ابن أبي كثير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت وحدثتني‏)‏ هو مقول زينب بنت أم سلمة، وفاعل ‏"‏ حدثتني ‏"‏ أمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الصيام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكنت‏)‏ معطوف على جملة الحديث الذي قبله وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها، وقد تقدم الكلام على فوائده في كتاب الغسل‏.‏

*3*باب مَنْ اتَّخَذَ ثِيَابَ الْحَيْضِ سِوَى ثِيَابِ الطُّهْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من اتخذ ثياب الحيض‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ من أعد ‏"‏ بالعين والدال المهملتين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيلَةٍ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَقَالَ أَنُفِسْتِ فَقُلْتُ نَعَمْ فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ

الشرح‏:‏

هشام المذكور هو الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير، والكلام على الحديث قد تقدم في ‏"‏ باب من سمى النفاس حيضا‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 11:58 AM   #165
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب نَقْضِ الْمَرْأَةِ شَعَرَهَا عِنْدَ غُسْلِ الْمَحِيضِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب نقض المرأة شعرها عند غسل المحيض‏)‏ أي هل يجب أم لا‏؟‏ وظاهر الحديث الوجوب، وبه قال الحسن وطاوس في الحائض دون الجنب، وبه قال أحمد، ورجح جماعة من أصحابه أنه للاستحباب فيهما‏.‏
قال ابن قدامة‏:‏ ولا أعلم أحدا قال بوجوبه فيهما إلا ما روي عن عبد الله بن عمرو‏.‏
قلت‏:‏ وهو في مسلم عنه، وفيه إنكار عائشة عليه الأمر بذلك، لكن ليس فيه تصريح بأنه كان يوجبه‏.‏
وقال النووي‏:‏ حكاه أصحابنا عن النخعي، واستدل الجمهور على عدم الوجوب بحديث أم سلمة ‏"‏ قالت‏:‏ يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة‏؟‏ قال‏:‏ لا ‏"‏ رواه مسلم‏.‏
وفي رواية له ‏"‏ للحيضة والجنابة ‏"‏ وحملوا الأمر في حديث الباب على الاستحباب جمعا بين الروايتين، أو يجمع بالتفصيل بين من لا يصل الماء إليها إلا بالنقض فيلزم وإلا فلا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ فَإِنِّي لَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ فَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِحَجٍّ وَكُنْتُ أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِحَجٍّ فَفَعَلْتُ حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي أَخِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَخَرَجْتُ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي قَالَ هِشَامٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَوْمٌ وَلَا صَدَقَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليهلل‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ فليهل ‏"‏ بلام واحدة مشددة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لأحللت‏)‏ في رواية كريمة والحموي ‏"‏ لأهللت ‏"‏ بالهاء، وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث والذي قبله في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب مخلقة وغير مخلقة‏)‏ رويناه بالإضافة، أي باب تفسير قوله تعالى ‏(‏مخلقة وغير مخلقة‏)‏ وبالتنوين وتوجيهه ظاهر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ يَا رَبِّ نُطْفَةٌ يَا رَبِّ عَلَقَةٌ يَا رَبِّ مُضْغَةٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَمَا الرِّزْقُ وَالْأَجَلُ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حماد‏)‏ هو ابن زيد، وعبيد الله بالتصغير ابن أبي بكر بن أنس بن مالك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الله عز وجل‏)‏ وقع في روايتنا بالتخفيف، يقال وكله بكذا إذا استكفاه إياه وصرف أمره إليه، وللأكثر بالتشديد وهو موافق لقوله تعالى ‏(‏ملك الموت الذي وكل بكم‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقول يا رب نطفة‏)‏ بالرفع والتنوين، أي وقعت في الرحم نطفة‏.‏
وفي رواية القابسي بالنصب أي خلقت يا رب نطفة، ونداء الملك بالأمور الثلاثة ليس في دفعة واحدة، بل بين كل حالة وحالة مدة تبين من حديث ابن مسعود الآتي في كتاب القدر أنها أربعون يوما، وسيأتي الكلام هناك على بقية فوائد حديث أنس هذا، والجمع بينه وبين ما ظاهره التعارض من حديث ابن مسعود المذكور، ومناسبة الحديث للترجمة من جهة أن الحديث المذكور مفسر للآية‏.‏
وأوضح منه سياقا ما رواه الطبري من طريق داود ابن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏"‏ إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله ملكا فقال‏:‏ يا رب مخلقة أو غير مخلقة‏؟‏ فإن قال غير مخلقة مجها الرحم دما، وإن قال مخلقة قال‏:‏ يا رب فما صفة هذه النطفة‏؟‏ ‏"‏ فذكر الحديث وإسناده صحيح، وهو موقوف لفظا مرفوع حكما، وحكى الطبري لأهل التفسير في ذلك أقوالا وقال‏:‏ الصواب قول من قال المخلقة المصورة خلقا تاما، وغير المخلقة السقط قبل تمام خلقه، وهو قول مجاهد والشعبي وغيرهما‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ غرض البخاري بإدخال هذا الحديث في أبواب الحيض تقوية مذهب من يقول إن الحامل لا تحيض، وهو قول الكوفيين وأحمد وأبي ثور وابن المنذر وطائفة، وإليه ذهب الشافعي في القديم‏.‏
وقال في الجديد‏:‏ إنها تحيض، وبه قال إسحاق، وعن مالك روايتان‏.‏
قلت‏:‏ وفي الاستدلال بالحديث المذكور على أنها لا تحيض نظر، لأنه لا يلزم من كون ما يخرج من الحامل هو السقط الذي لم يصور أن لا يكون صلى الله عليه وسلم الدم الذي تراه المرأة التي يستمر حملها ليس بحيض‏.‏
وما ادعاه المخالف من أنه رشح من الولد أو من فضلة غذائه أو دم فساد لعلة فمحتاج إلى دليل‏.‏
وما ورد في ذلك من خبر أو أثر لا يثبت، لأن هذا دم بصفات دم الحيض وفي زمن إمكانه فله حكم دم الحيض، فمن ادعى خلافه فعليه البيان‏.‏
وأقوى حججهم أن استبراء الأمة اعتبر بالمحيض لتحقق براءة الرحم من الحمل، فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض، واستدل ابن المنير على أنه ليس بدم حيض بأن الملك موكل برحم الحامل، والملائكة لا تدخل بيتا فيه قذر ولا يلائمها ذلك‏.‏
وأجيب بأنه لا يلزم من كون الملك موكلا به أن يكون حالا فيه، ثم هو مشترك الإلزام لأن الدم كله قذر، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 11:59 AM   #166
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة‏)‏ مراده بيان صحة إهلال الحائض، ومعنى كيف في الترجمة الإعلام بالحال بصورة الاستفهام لا الكيفية التي يراد بها الصفة، وبهذا التقرير يندفع اعتراض من زعم أن الحديث غير مناسب للترجمة، إذ ليس فيها ذكر صفة الإهلال‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيُحْلِلْ وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلَا يُحِلُّ حَتَّى يُحِلَّ بِنَحْرِ هَدْيِهِ وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ قَالَتْ فَحِضْتُ فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وَأَمْتَشِطَ وَأُهِلَّ بِحَجٍّ وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ حَتَّى قَضَيْتُ حَجِّي فَبَعَثَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مَكَانَ عُمْرَتِي مِنْ التَّنْعِيمِ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏من أهل بحج‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ بحجة ‏"‏ في الموضعين، وكذا للحموي في الموضع الثاني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت فحضت‏)‏ أي بسرف قبل دخول مكة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى قضيت حجتي‏)‏ في رواية كريمة وأبي الوقت ‏"‏ حجي‏"‏، والكلام على فوائد الحديث يأتي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ
وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ وَبَلَغَ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ نِسَاءً يَدْعُونَ بِالْمَصَابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَنْظُرْنَ إِلَى الطُّهْرِ فَقَالَتْ مَا كَانَ النِّسَاءُ يَصْنَعْنَ هَذَا وَعَابَتْ عَلَيْهِنَّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إقبال المحيض وإدباره‏)‏ اتفق العلماء على أن إقبال المحيض يعرف بالدفعة من الدم في وقت إمكان الحيض، واختلفوا في إدباره فقيل‏:‏ يعرف بالجفوف، وهو أن يخرج ما يحتشي به جافا، وقيل بالقصة البيضاء وإليه ميل المصنف كما سنوضحه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكن‏)‏ هو بصيغة جمع المؤنث، و ‏"‏ نساء ‏"‏ بالرفع وهو بدل من الضمير نحو أكلوني البراغيث، والتنكير في نساء للتنويع، أي كان ذلك من نوع من النساء لا من كلهن‏.‏
وهذا الأثر قد رواه مالك في الموطأ عن علقمة بن أبي علقمة المدني عن أمه - واسمها مرجانة مولاة عائشة - قالت ‏"‏ كان النساء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالدرجة‏)‏ بكسر أوله وفتح الراء والجيم جمع درج بالضم ثم السكون‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ كذا يرويه أصحاب الحديث وضبطه أن عبد البر في الموطأ بالضم ثم السكون وقال‏:‏ إنه تأنيث درج، والمراد به ما تحتشي به المرأة من قطنة وغيرها لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الكرسف‏)‏ بضم الكاف والسين المهملة بينهما راء ساكنة هو القطن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيه الصفرة‏)‏ زاد مالك من دم الحيضة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتقول‏)‏ أي عائشة‏.‏
والقصة بفتح القاف وتشديد المهملة هي النورة، أي حتى تخرج القطنة بيضاء نقية لا يخالطها صفرة، وفيه دلالة على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، وأما في غيرها فسيأتي الكلام على ذلك في باب مفرد إن شاء تعالى‏.‏
وفيه أن القصة البيضاء علامة لانتهاء الحيض ويتبين بها ابتداء الطهر، واعترض على من ذهب إلى أنه يعرف بالجفوف بأن القطنة قد تخرج جافة في أثناء الأمر فلا يدل ذلك على انقطاع الحيض، بخلاف القصة وهي ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض‏.‏
قال مالك‏:‏ سألت النساء عنه فإذا هو أمر معلوم عندهن يعرفنه عند الطهر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وبلغ ابنة زيد بن ثابت‏)‏ كذا وقعت مبهمة هنا، وكذا في الموطأ حيث روى هذا الأثر عن عبد الله بن أبي بكر أي ابن محمد بن عمرو بن حزم عن عمته عنها، وقد ذكروا لزيد بن ثابت من البنات حسنة وعمرة وأم كلثوم وغيرهن، ولم أر لواحدة منهن رواية إلا لأم كلثوم - وكانت زوج سالم بن عبد الله ابن عمر - فكأنها هي المبهمة هنا‏.‏
وزعم بعض الشراح أنها أم سعد قال‏:‏ لأن ابن عبد البر ذكرها في الصحابة‏.‏
انتهى‏.‏
وليس في ذكره لها دليل المدعي لأنه لم يقل إنها صاحبة هذه القصة، بل لم يأت لها ذكر عنده ولا عند غيره إلا من طريق عنبسة بن عبد الرحمن وقد كذبوه، وكان مع ذلك يضطرب فيها فتارة يقول بنت زيد بن ثابت وتارة يقول امرأة زيد، ولم يذكر أحد من أهل المعرفة بالنسب في أولاد زيد من يقال لها أم سعد، وأما عمة عبد الله بن أبي بكر فقال ابن الحذاء‏:‏ هي عمرة بنت حزم عمة جد عبد الله بن أبي بكر، وقيل لها عمته مجازا‏.‏
قلت‏:‏ لكنها صحابية قديمة روى عنها جابر بن عبد الله الصحابي، ففي روايتها عن بنت زيد بن ثابت بعد، فإن كانت ثابتة فرواية عبد الله عنها منقطعة لأنه لم يدركها، ويحتمل أن تكون المرادة عمته الحقيقية وهي أم عمرو أو أم كلثوم والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يدعون‏)‏ أي يطلبن‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ يدعين ‏"‏ وقد تقدم مثلها في ‏"‏ باب تقضي الحائض المناسك كلها‏"‏‏.‏
وقال صاحب القاموس‏:‏ دعيت لغة في دعوت، ولم ينبه على ذلك صاحب المشارق ولا المطالع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى الطهر‏)‏ أي إلى ما يدل على الطهر واللام في قولها ‏"‏ ما كان النساء ‏"‏ للعهد أي نساء الصحابة، وإنما عابت عليهن لأن ذلك يقتضي الحرج والتنطع وهو مذموم، قاله ابن بطال وغيره‏.‏
وقيل لكون ذلك كان في غير وقت الصلاة وهو جوف الليل، وفيه نظر لأنه وقت العشاء، ويحتمل أن يكون العيب لكون الليل لا يتبين به البياض الخالص من غيره فيحسبن أنهن طهرن وليس كذلك فيصلين قبل الطهر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي
الشرح‏:‏
حديث فاطمة بنت أبي حبيش تقدم في باب الاستحاضة، وسفيان في هذا الإسناد هو ابن عيينة لأن عبد الله بن محمد وهو المسندي لم يسمع من الثوري‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:01 PM   #167
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا تَقْضِي الْحَائِضُ الصَّلَاةَ
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدَعُ الصَّلَاةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا تقضي الحائض الصلاة‏)‏ نقل ابن المنذر وغيره إجماع أهل العلم على ذلك، وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري عنه فقال‏:‏ اجتمع الناس عليه، وحكى ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا يوجبونه، وعن سمرة بن جندب أنه كان يأمر به فأنكرت عليه أم سلمة، لكن استقر الإجماع على عدم الوجوب كما قاله الزهري وغيره‏.‏
قوله ‏(‏وقال جابر بن عبد الله وأبو سعيد‏)‏ هذا التعليق عن هذين الصحابيين ذكره المؤلف بالمعنى، فأما حديث جابر فأشار به إلى ما أخرجه في كتاب الأحكام من طريق حبيب عن عطاء عن جابر في قصة حيض عائشة في الحج وفيه ‏"‏ غير أنها لا تطوف ولا تصلي‏"‏، ولمسلم نحوه من طريق أبي الزبير عن جابر، وأما حديث أبي سعيد فأشار به إلى حديثه المتقدم في ‏"‏ باب ترك الحائض الصوم ‏"‏ وفيه ‏"‏ أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم‏؟‏‏"‏‏.‏
فإن قيل‏:‏ الترجمة لعدم القضاء، وهذان الحديثان لعدم الإيقاع، فما وجه المطابقة‏؟‏ أجاب الكرماني بأن الترك في قوله ‏"‏ تدع الصلاة ‏"‏ مطلق أداء وقضاء‏.‏
انتهى‏.‏
وهو غير متجه، لأن منعها إنما هو في زمن الحيض فقط، وقد وضح ذلك من سياق الحديثين، والذي يظهر لي أن المصنف أراد أن يستدل على الترك أولا بالتعليق المذكور، وعلى عدم القضاء بحديث عائشة، فجعل المعلق كالمقدمة للحديث الموصول الذي هو مطابق للترجمة، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ حَدَّثَتْنِي مُعَاذَةُ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ أَتَجْزِي إِحْدَانَا صَلَاتَهَا إِذَا طَهُرَتْ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ كُنَّا نَحِيضُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَأْمُرُنَا بِهِ أَوْ قَالَتْ فَلَا نَفْعَلُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثتني معاذة‏)‏ هي بنت عبد الله العدوية، وهي معدودة في فقهاء التابعين، ورجال الإسناد المذكور إليها بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن امرأة قالت لعائشة‏)‏ كذا أبهمها همام، وبين شعبة في روايته عن قتادة أنها هي معاذة الراوية‏.‏
أخرجه الإسماعيلي من طريقه، وكذا لمسلم من طريق عاصم وغيره عن معاذة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أتجزي‏)‏ بفتح أوله، أي أتقضي‏.‏
وصلاتها بالنصب على المفعولية، ويروى أتجزئ بضم أوله والهمز، أي أتكفي المرأة الصلاة الحاضرة وهي طاهرة ولا تحتاج إلى قضاء الفائتة في زمن الحيض‏؟‏ فصلاتها على هذا بالرفع على الفاعلية، والأولى أشهر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أحرورية‏)‏ الحروري منسوب إلى حروراء بفتح الحاء وضم الراء المهملتين وبعد الواو الساكنة راء أيضا، بلدة على ميلين من الكوفة، والأشهر أنها بالمد‏.‏
قال المبرد‏:‏ النسبة إليها حروراوي، وكذا كل ما كان في آخره ألف تأنيث ممدودة، ولكن قيل الحروري بحذف الزوائد، ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حرورى لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي بالبلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبة إليها، وهم فرق كثيرة، لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقا، ولهذا استفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار، وزاد مسلم في رواية عاصم عن معاذة فقلت‏:‏ لا ولكني أسأل، أي سؤالا مجردا لطلب العلم لا للتعنت، وفهمت عائشة عنها طلب الدليل فاقتصرت في الجواب عليه دون التعليل، والذي ذكره العلماء في الفرق بين الصلاة والصيام أن الصلاة تتكرر فلم يجب قضاؤها للحرج بخلاف الصيام، ولمن يقول بأن الحائض مخاطبة بالصيام أن يفرق بأنها لم تخاطب بالصلاة أصلا‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ اكتفاء عائشة في الاستدلال على إسقاط القضاء بكونها لم تؤمر به يحتمل وجهين‏:‏ أحدهما أنها أخذت إسقاط القضاء من إسقاط الأداء فيتمسك به حتى يوجد المعارض وهو الأمر بالقضاء كما في الصوم، ثانيهما - قال وهو أقرب - أن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم لتكرر الحيض منهن عنده صلى الله عليه وسلم، وحيث لم يبين دل على عدم الوجوب، لا سيما وقد اقترن بذلك الأمر بقضاء الصوم كما في رواية عاصم عن معاذة عند مسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا يأمرنا به، أو قالت‏:‏ فلا نفعله‏)‏ كذا في هذه الرواية بالشك، وعند الإسماعيلي من وجه آخر ‏"‏ فلم نكن نقضي ولم نؤمر به ‏"‏ والاستدلال بقولها فلم نكن نقضي أوضح من الاستدلال بقولها فلم نؤمر به، لأن عدم الأمر بالقضاء هنا قد ينازع في الاستدلال به على عدم الوجوب، لاحتمال الاكتفاء بالدليل العام على وجوب القضاء‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب النَّوْمِ مَعَ الْحَائِضِ وَهِيَ فِي ثِيَابِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب النوم مع الحائض‏)‏ زاد في رواية الصاغاني ‏"‏ وهي في ثيابها ‏"‏ تقدم الكلام على ذلك في ‏"‏ باب من سمى النفاس حيضا‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ حِضْتُ وَأَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمِيلَةِ فَانْسَلَلْتُ فَخَرَجْتُ مِنْهَا فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَلَبِسْتُهَا فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنُفِسْتِ قُلْتُ نَعَمْ فَدَعَانِي فَأَدْخَلَنِي مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ قَالَتْ وَحَدَّثَتْنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَنَابَةِ
الشرح‏:‏
يحيى المذكور هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت وحدثتني‏)‏ هو مقول زينب بنت أم سلمة، وفاعل ‏"‏ حدثتني ‏"‏ أمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الصيام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكنت‏)‏ معطوف على جملة الحديث الذي قبله وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها، وقد تقدم الكلام على فوائده في كتاب الغسل‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ اتَّخَذَ ثِيَابَ الْحَيْضِ سِوَى ثِيَابِ الطُّهْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من اتخذ ثياب الحيض‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ من أعد ‏"‏ بالعين والدال المهملتين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيلَةٍ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَقَالَ أَنُفِسْتِ فَقُلْتُ نَعَمْ فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ
الشرح‏:‏
هشام المذكور هو الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير، والكلام على الحديث قد تقدم في ‏"‏ باب من سمى النفاس حيضا‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:02 PM   #168
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب شُهُودِ الْحَائِضِ الْعِيدَيْنِ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ وَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن‏)‏ وفي رواية ابن عساكر ‏"‏ واعتزالهن المصلى ‏"‏ والجمع بالنظر إلى أن الحائض اسم جنس، أو فيه حذف والتقدير ويعتزلن الحيض كما سيذكر بعد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلَامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْعِيدَيْنِ فَقَدِمَتْ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ غَزْوَةً وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتٍّ قَالَتْ كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى فَسَأَلَتْ أُخْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ قَالَ لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا وَلْتَشْهَد الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَأَلْتُهَا أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ بِأَبِي نَعَمْ وَكَانَتْ لَا تَذْكُرُهُ إِلَّا قَالَتْ بِأَبِي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَخْرُجُ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ أَوْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى قَالَتْ حَفْصَةُ فَقُلْتُ الْحُيَّضُ فَقَالَتْ أَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ وَكَذَا وَكَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ كذا للأكثر غير منسوب، ولأبي ذر محمد بن سلام، ولكريمة محمد هو ابن سلام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الوهاب‏)‏ هو الثقفي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عواتقنا‏)‏ العواتق جمع عاتق وهي من بلغت الحلم أو قاربت، أو استحقت التزويج، أو هي الكريمة على أهلها، أو التي عتقت عن الامتهان في الخروج للخدمة، وكأنهم كانوا يمنعون العواتق من الخروج لما حدث بعد العصر الأول من الفساد، ولم تلاحظ الصحابة ذلك بل رأت استمرار الحكم على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقدمت امرأة‏)‏ لم أقف على تسميتها‏.‏
وقصر بني خلف كان بالبصرة وهو منسوب إلى طلحة ابن عبد الله بن خلف الخزاعي المعروف بطلحة الطلحات وقد ولي إمرة سجستان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحدثت عن أختها‏)‏ قيل هي أم عطية، وقيل غيرها وعليه مشى الكرماني، وعلى تقدير أن تكون أم عطية فلم نقف على تسمية زوجها أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثنتي عشرة‏)‏ زاد الأصيلي ‏"‏ غزوة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكانت أختي‏)‏ فيه حذف تقديره قالت المرأة وكانت أختي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت‏)‏ أي الأخت، والكلمى بفتح الكاف وسكون اللام‏:‏ جمع كليم أي جريح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من جلبابها‏)‏ قيل المراد به الجنس، أي تعيرها من ثيابها ما لا تحتاج إليه‏.‏
وقيل المراد تشركها معها في لبس الثوب الذي عليها، وهذا ينبني على تفسير الجلباب - وهو بكسر الجيم وسكون اللام وبموحدتين بينهما ألف - قيل‏:‏ هو المقنعة أو الخمار أو أعرض منه، وقيل الثوب الواسع يكون دون الرداء، وقيل الإزار، وقيل الملحفة، وقيل الملاءة، وقيل القميص‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ودعوة المسلمين‏)‏ - في رواية الكشميهني ‏"‏ المؤمنين ‏"‏ وهي موافقة لرواية أم عطية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكانت‏)‏ أي أم عطية ‏(‏لا تذكره‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏إلا قالت‏:‏ بأبي‏)‏ أي هو مفدى بأبي‏.‏
وفي رواية عبدوس بيبي بباء تحتانية بدل الهمزة في الموضعين، وللأصيلي بفتح الموحدة الثانية مع قلب الهمزة ياء - كعبدوس - لكن فتح ما بعدها كأنه جعله لكثرة الاستعمال واحدا، ونقل عن الأصيلي أيضا كالأصل لكن فتح الثانية أيضا، وقد ذكر ابن مالك هذه الأربعة في شواهد التوضيح‏.‏
وقال ابن الأثير‏:‏ قوله بأبأ أصله بأبي هو، يقال بأبأت الصبي إذا قلت له أفديك بأبي فقلبوا الياء ألفا كما في ‏"‏ ويلتا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وذوات الخدور‏)‏ بضم الخاء المعجمة والدال المهملة جمع خدر بكسرها وسكون الدال، وهو ستر يكون في ناحية البيت تقعد البكر وراءه، وللأصيلي وكريمة ‏"‏ العواتق وذوات الخدور أو العواتق ذوات الخدور ‏"‏ على الشك، وبين العاتق والبكر عموم وخصوص وجهي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويعتزل الحيض المصلى‏)‏ بضم اللام هو خبر‏.‏
بمعنى الأمر‏.‏
وفي رواية ‏"‏ ويعتزلن الحيض المصلى ‏"‏ وهو نحو أكلوني البراغيث‏.‏
وحمل الجمهور الأمر المذكور على الندب لأن المصلى ليس بمسجد فيمتنع الحيض من دخوله، وأغرب الكرماني فقال‏:‏ الاعتزال واجب، والخروج والشهود مندوب، مع كونه نقل عن النووي تصويب عدم وجوبه‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ الحكمة في اعتزالهن أن في وقوفهن وهن لا يصلين مع المصليات إظهار استهانة بالحال‏.‏
فاستحب لهن اجتناب ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت‏:‏ آلحيض‏)‏ بهمزة ممدودة، كأنها تتعجب من ذلك ‏(‏فقالت‏)‏ أي أم عطية‏:‏ ‏(‏أليس تشهد‏)‏ أي الحيض، وللكشميهني ‏"‏ أليست ‏"‏ وللأصيلي ‏"‏ أليس يشهدن‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكذا وكذا‏)‏ أي ومزدلفة ومنى وغيرهما‏.‏
وفيه أن الحائض لا تهجر ذكر الله ولا مواطن الخير كمجالس العلم والذكر سوى المساجد، وفيه امتناع خروج المرأة بغير جلباب، وغير ذلك مما سيأتي استيفاؤه في كتاب العيدين إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:02 PM   #169
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَمَا يُصَدَّقُ النِّسَاءُ فِي الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ فِيمَا يُمْكِنُ مِنْ الْحَيْضِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ إِنْ امْرَأَةٌ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثًا فِي شَهْرٍ صُدِّقَتْ وَقَالَ عَطَاءٌ أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ عَطَاءٌ الْحَيْضُ يَوْمٌ إِلَى خَمْسَ عَشْرَةَ وَقَالَ مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ سَأَلْتُ ابْنَ سِيرِينَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى الدَّمَ بَعْدَ قُرْئِهَا بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ قَالَ النِّسَاءُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض‏)‏ بفتح الياء جمع حيضة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وما يصدق‏)‏ بضم أوله وتشديد الدال المفتوحة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيما يمكن من الحيض‏)‏ أي فإذا لم يمكن لم تصدق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقول الله تعالى‏)‏ أشير إلى تفسير الآية المذكورة، وقد روى الطبري بإسناد صحيح عن الزهري قال‏:‏ بلغنا أن المراد بما خلق في أرحامهن الحمل أو الحيض، فلا يحل لهن أن يكتمن ذلك لتنقضي العدة ولا يملك الزوج الرجعة إذا كانت له‏.‏
وروى أيضا بإسناد حسن عن ابن عمر قال ‏"‏ لا يحل لها إن كانت حائضا أن تكتم حيضها، ولا إن كانت حاملا أن تكتم حملها‏"‏‏.‏
وعن مجاهد ‏"‏ لا تقول إني حائض وليست بحائض، ولا لست بحائض وهي حائض ‏"‏ وكذا في الحبل‏.‏
ومطابقة الترجمة للآية من جهة أن الآية دالة على أنها يجب عليها الإظهار، فلو لم تصدق فيه لم يكن له فائدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن علي‏)‏ وصله الدارمي كما سيأتي ورجاله ثقات، وإنما لم يجزم به للتردد في سماع الشعبي من علي، ولم يقل إنه سمعه من شريح فيكون موصولا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن جاءت‏)‏ في رواية كريمة ‏"‏ إن امرأة جاءت ‏"‏ بكسر النون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ببينة من بطانة أهلها‏)‏ أي خواصها‏.‏
قال إسماعيل القاضي‏:‏ ليس المراد أن يشهد النساء أن ذلك وقع، وإنما هو فيما نرى أن يشهدن أن هذا يكون وقد كان في نسائهن‏.‏
قلت‏:‏ وسياق القصة يدفع هذا التأويل، قال الدارمي‏:‏ أخبرنا يعلى بن عبيد حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عامر - هو الشعبي - قال‏:‏ ‏"‏ جاءت امرأة إلى علي تخاصم زوجها طلقها فقالت‏:‏ حضت في شهر ثلاث حيض، فقال علي لشريح‏:‏ اقض بينهما‏.‏
قال‏:‏ يا أمير المؤمنين وأنت هاهنا‏؟‏ قال‏:‏ اقض بينهما‏.‏
قال‏:‏ إن جاءت من بطانة أهلها ممن يرضى دينه وأمانته تزعم أنها حاضت ثلاث حيض تطهر عند كل قرء وتصلي جاز لها وإلا فلا‏.‏
قال علي‏:‏ قالون ‏"‏ قال وقالون بلسان الروم أحسنت‏.‏
فهذا ظاهر في أن المراد أن يشهدن بأن ذلك وقع منها، وإنما أراد إسماعيل رد هذه القصة إلى موافقة مذهبه، وكذا قال عطاء إنه يعتبر في ذلك عادتها قبل الطلاق، وإليه الإشارة ب قوله‏:‏ ‏(‏أقراؤها‏)‏ وهو بالمد جمع قرء أي في زمان العدة ‏(‏ما كانت‏)‏ أي قبل الطلاق، فلو ادعت في العدة ما يخالف ما قبلها لم يقبل‏.‏
وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وبه قال إبراهيم‏)‏ يعني النخعي، أي قال بما قال عطاء، ووصله عبد الرزاق أيضا عن أبي معشر عن إبراهيم نحوه‏.‏
وروى الدارمي أيضا بإسناد صحيح إلى إبراهيم قال ‏"‏ إذا حاضت المرأة في شهر أو أربعين ليلة ثلاث حيض ‏"‏ فذكر نحو أثر شريح، وعلى هذا فيحتمل أن يكون الضمير في قول البخاري ‏"‏ وبه ‏"‏ يعود على أثر شريح، أو في النسخة تقديم وتأخير، أو لإبراهيم في المسألة قولان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء‏.‏
إلخ‏)‏ وصله الدارمي أيضا بإسناد صحيح قال ‏"‏ أقصى الحيض خمس عشرة، وأدنى الحيض يوم‏"‏‏.‏
ورواه الدارقطني بلفظ ‏"‏ أدنى وقت الحيض يوم وأكثر الحيض خمس عشرة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال معتمر‏)‏ عني ابن سليمان التيمي‏.‏
وهذا الأثر وصله الدارمي أيضا عن محمد بن عيسى عن معتمر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَا إِنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن أبي رجاء‏)‏ هو أحمد بن عبد الله بن أيوب الهروي يكنى أبا الوليد، وهو حنفي النسب لا المذهب، وقصة فاطمة بنت أبي حبيش تقدمت في باب الاستحاضة، ومناسبة الحديث للترجمة من قوله ‏"‏ قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ‏"‏ فوكل ذلك إلى أمانتها ورده إلى عادتها، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص‏.‏
واختلف العلماء في أقل الحيض وأقل الطهر، ونقل الداودي أنهم اتفقوا على أن أكثره خمسة عشر يوما‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يجتمع أقل الطهر وأقل الحيض معا‏.‏
فأقل ما تنقضي به العدة عنده ستون يوما‏.‏
وقال صاحباه‏:‏ تنقضي في تسعة وثلاثين يوما بناء على أن أقل الحيض ثلاثة أيام وأن أقل الطهر خمسة عشر يوما وأن المراد بالقرء الحيض، وهو قول الثوري‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ القرء الطهر وأقله خمسة عشر يوما، وأقل الحيض يوم وليلة فتنقضي عنده في اثنين وثلاثين يوما ولحظتين، وهو موافق لقصة علي وشريح المتقدمة إذا حمل ذكر الشهر فيها على إلغاء الكسر، ويدل عليه رواية هشيم عن إسماعيل فيها بلفظ ‏"‏ حاضت في شهر أو خمسة وثلاثين يوما‏"‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض‏)‏ يشير بذلك إلى الجمع بين حديث عائشة المتقدم في قولها ‏"‏ حتى ترين القصة البيضاء ‏"‏ وبين حديث أم عطية المذكور في هذا الباب بأن ذلك محمول على ما إذا رأت الصفرة أو الكدرة في أيام الحيض، وأما في غيرها فعلى ما قالته أم عطية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أيوب عن محمد‏)‏ و ابن سيرين، وكذا رواه إسماعيل وهو ابن علية عن أيوب، ورواه وهيب بن خالد عن أيوب عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية أخرجه ابن ماجه‏.‏
ونقل عن الذهلي أنه رجح رواية وهيب‏.‏
وما ذهب إليه البخاري من تصحيح رواية إسماعيل أرجح لموافقة معمر له، ولأن إسماعيل أحفظ لحديث أيوب من غيره، ويمكن أن أيوب سمعه منهما‏.‏
قوله ‏(‏كنا لا نعد‏)‏ أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بذلك، وبهذا يعطي الحديث حكم الرفع، وهو مصير من البخاري إلى أن مثل هذه الصيغة تعد في المرفوع ولو لم يصرح الصحابي بذكر زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا جزم الحاكم وغيره خلافا للخطيب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الكدرة والصفرة‏)‏ أي الماء الذي تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شيئا‏)‏ أي من الحيض، ولأبي داود من طريق قتادة عن حفصة عن أم عطية ‏"‏ كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا ‏"‏ وهو موافق لما ترجم به البخاري‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:03 PM   #170
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب عِرْقِ الِاسْتِحَاضَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب عرق الاستحاضة‏)‏ بكسر العين وإسكان الراء، وقد تقدم بيانه في باب الاستحاضة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فَقَالَ هَذَا عِرْقٌ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن عمرة‏)‏ يعني كلاهما عن عائشة، كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية أبي الوقت وابن عساكر بحذف الواو فصار من رواية عروة عن عمرة، وكذا ذكر الإسماعيلي أن أحمد بن الحسن الصوفي حدثهم به عن خلف بن سالم عن معن، والمحفوظ إثبات الواو وأن الزهري رواه عن شيخين عروة وعمرة كلاهما عن عائشة، وكذا أخرجه الإسماعيلي وغيره من طرق عن ابن أبي ذئب، وكذا أخرجه مسلم من طريق عمرو ابن الحارث، وأبو داود من طريق الأوزاعي كلاهما عن الزهري عنهما، وأخرجه مسلم أيضا من طريق الليث عن الزهري ص ‏[‏عن‏؟‏‏؟‏‏]‏ عروة وحده، ومسلم أيضا من طريق إبراهيم بن سعد، وأبو داود من طريق يونس كلاهما عن الزهري عن عمرة وحدها، قال الدارقطني‏:‏ هو صحيح من رواية الزهري عن عروة وعمرة جميعا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أم حبيبة‏)‏ هي بنت جحش أخت زينب أم المؤمنين، وهي مشهورة بكنيتها، وقد قيل اسمها حبيبة وكنيتها أم حبيب بغير هاء قاله الواقدي وتبعه الحربي ورجحه الدارقطني، والمشهور في الروايات الصحيحة أم حبيبة بإثبات الهاء، وكانت زوج عبد الرحمن بن عوف كما ثبت عند مسلم من رواية عمرو بن الحارث‏.‏
ووقع في الموطأ ‏"‏ عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة أن زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف كانت تستحاض ‏"‏ الحديث، فقيل هو وهم، وقيل بل صواب وأن اسمها زينب وكنيتها أم حبيبة، وأما كون اسم أختها أم المؤمنين زينب فإنه لم يكن اسمها الأصلي، وإنما كان اسمها برة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أسباب النزول للواحدي أن تغيير اسمها كان بعد أن تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فلعله صلى الله عليه وسلم سماها باسم أختها لكون أختها غلبت عليها الكنية فأمن اللبس، ولهما أخت أخرى اسمها حمنة بفتح المهملة وسكون الميم بعدها نون وهي إحدى المستحاضات كما تقدم، وتعسف بعض المالكية فزعم أن اسم كل من بنات جحش زينب قال‏:‏ فأما أم المؤمنين، فاشتهرت باسمها، وأما أم حبيبة فاشتهرت بكنيتها، وأما حمنة فاشتهرت بلقبها، ولم يأت بدليل على دعواه بأن حمنة لقب‏.‏
ولم ينفرد الموطأ بتسمية أم حبيبة زينب، فقد روى أبو داود الطيالسي في مسنده عن ابن أبي ذئب حديث الباب فقال ‏"‏ أن زينب بنت جحش ‏"‏ وقد تقدم توجيهه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏استحيضت سبع سنين‏)‏ قيل فيه حجة لابن القاسم في إسقاطه عن المستحاضة قضاء الصلاة إذا تركتها ظانة أن ذلك حيض، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بالإعادة مع طول المدة، ويحتمل أن يكون المراد بقولها ‏"‏ سبع سنين ‏"‏ بيان مدة استحاضتها مع قطع النظر هل كانت المدة كلها قبل السؤال أو لا فلا يكون فيه حجة لما ذكر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأمرها أن تغتسل‏)‏ زاد الإسماعيلي ‏"‏ وتصلي ‏"‏ ولمسلم نحوه، وهذا الأمر بالاغتسال مطلق فلا يدل على التكرار، فلعلها فهمت طلب ذلك منها بقرينة فلهذا كانت تغتسل لكل صلاة‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ إنما أمرها صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي، وإنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعا، وكذا قال الليث ابن سعد في روايته عند مسلم‏:‏ لم يذكر ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي‏.‏
وإلى هذا ذهب الجمهور قالوا‏:‏ لا يجب على المستحاضة الغسل لكل صلاة، إلا المتحيرة، لكن يجب عليها الوضوء‏.‏
ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق عكرمة ‏"‏ أن أم حبيبة استحيضت فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تنتظر أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي، فإذا رأت شيئا من ذلك توضأت وصلت‏"‏‏.‏
واستدل المهلبي بقوله لها ‏"‏ هذا عرق ‏"‏ على أنه لم يوجب عليها الغسل لكل صلاة لأن دم العرق لا يوجب غسلا‏.‏
وأما ما وقع عند أبي داود من رواية سليمان بن كثير وابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث ‏"‏ فأمرها بالغسل لكل صلاة ‏"‏ فقد طعن الحفاظ في هذه الزيادة لأن الإثبات من أصحاب الزهري لم يذكروها، وقد صرح الليث كما تقدم عند مسلم بأن الزهري لم يذكرها، لكن روى أبو داود من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن زينب بنت أبي سلمة في هذه القصة ‏"‏ فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة ‏"‏ فيحمل الأمر على الندب جمعا بين الروايتين، هذه ورواية عكرمة، وقد حمله الخطابي على أنها كانت متحيرة، وفيه نظر لما تقدم من رواية عكرمة أنه أمرها أن تنتظر أيام أقرائها، ولمسلم من طريق عراك بن مالك عن عروة في هذه القصة ‏"‏ فقال لها امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ‏"‏ ولأبي داود وغيره من طريق الأوزاعي وابن عيينة عن الزهري في حديث الباب نحوه، لكن استنكر أبو داود هذه الزيادة في حديث الزهري، وأجاب بعض من زعم أنها كانت غير مميزة بأن قوله ‏"‏ فأمرها أن تغتسل لكل صلاة ‏"‏ أي من الدم الذي أصابها لأنه من إزالة النجاسة وهي شرط في صحة الصلاة‏.‏
وقال الطحاوي‏:‏ حديث أم حبيبة منسوخ بحديث فاطمة بنت أبي حبيش، أي لأن فيه الأمر بالوضوء لكل صلاة لا الغسل، والجمع بين الحديثين بحمل الأمر في حديث أم حبيبة على الندب أولى والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:03 PM   #171
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْمَرْأَةِ تَحِيضُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المرأة تحيض بعد الإفاضة‏)‏ أي هل تمنع من طواف الوداع أم لا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ قَدْ حَاضَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا أَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ فَقَالُوا بَلَى قَالَ فَاخْرُجِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرة بنت عبد الرحمن‏)‏ هي المذكورة في الإسناد الذي قبله، وهذا الإسناد - سوى شيخ البخاري - مدنيون، وفيه ثلاثة من التابعين في نسق وهم من بين مالك وعائشة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن صفية‏)‏ أي زوج النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالوا‏:‏ بلى‏)‏ أي النساء ومن معهن من المحارم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاخرجي‏)‏ كذا للأكثر بالإفراد خطابا لصفية من باب العدول عن الغيبة، وهي قوله ‏"‏ ألم تكن طافت ‏"‏ إلى الخطاب، أو هو خطاب لعائشة، أي فأخرجي فهي تخرج معك، وللمستملي والكشميهني ‏"‏ فاخرجن ‏"‏ وهو على وفق السياق، وسيأتي الكلام على هذا الحديث والذي بعده في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
وقوله فيه ‏"‏ وكان ابن عمر ‏"‏ هو مقول طاوس لا ابن عباس، وكذا قوله ‏"‏ ثم سمعته يقول ‏"‏ وكان ابن عمر يفتي بأنه يجب عليها أن تتأخر إلى أن تطهر من أجل طواف الوداع، ثم بلغته الرخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم لهن في تركه فصار إليه، أو كان نسي ذلك فتذكره‏.‏
وفيه دليل على أن الحائض لا تطوف‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا رَأَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ الطُّهْرَ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَلَوْ سَاعَةً وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا إِذَا صَلَّتْ الصَّلَاةُ أَعْظَمُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا رأت المستحاضة الطهر‏)‏ أي تميز لها دم العرق من دم الحيض، فسمي زمن الاستحاضة طهرا لأنه كذلك بالنسبة إلى زمن الحيض، ويحتمل أن يريد به انقطاع الدم، والأول أوفق للسياق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عباس تغتسل وتصلي ولو ساعة‏)‏ قال الداودي‏:‏ معناه إذا رأت الطهر ساعة ثم عاودها دم فإنها تغتسل وتصلي‏.‏
والتعليق المذكور وصله ابن أبي شيبة والدارمي من طريق أنس بن سيرين عن ابن عباس ‏"‏ أنه سأله عن المستحاضة فقال‏:‏ أما ما رأت الدم البحراني فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي ‏"‏ وهذا موافق للاحتمال المذكور أولا لأن الدم البحراني هو دم الحيض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويأتيها زوجها‏)‏ هذا أثر آخر عن ابن عباس أيضا وصله عبد الرزاق وغيره من طريق عكرمة عنه قال ‏"‏ المستحاضة لا بأس أن يأتيها زوجها ‏"‏ ولأبي داود من وجه آخر عن عكرمة قال ‏"‏ كانت أم حبيبة تستحاض وكان زوجها يغشاها ‏"‏ وهو حديث صحيح إن كان عكرمة سمعه منها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا صلت‏)‏ شرط محذوف الجزاء أو جزاؤه مقدم، وقوله ‏"‏الصلاة أعظم ‏"‏ أي من الجماع، والظاهر أن هذا بحث من البخاري أراد به بيان الملازمة، أي إذا جازت الصلاة فجواز الوطء أولى لأن أمر الصلاة أعظم من أمر الجماع، ولهذا عقبه بحديث عائشة المختصر من قصة فاطمة بنت أبي حبيش المصرح بأمر المستحاضة بالصلاة، وقد تقدمت مباحثه في باب الاستحاضة، وزهير المذكور هنا هو ابن معاوية، وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريقه تاما، وأشار البخاري بما ذكر إلى الرد على من منع وطء المستحاضة، وقد نقله ابن المنذر عن إبراهيم النخعي والحكم والزهري وغيرهم، وما استدل به على الجواز ظاهر فيه‏.‏
وذكر بعض الشراح أن قوله ‏"‏ الصلاة أعظم ‏"‏ من بقية كلام ابن عباس، وعزاه إلى تخريج ابن أبي شيبة، وليس هو فيه، نعم روى عبد الرزاق والدارمي من طريق سالم الأفطس أنه سأل سعيد ابن جبير عن المستحاضة أتجامع‏؟‏ قال ‏"‏ الصلاة أعظم من الجماع‏"‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:04 PM   #172
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَسُنَّتِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة على النفساء وسنتها‏)‏ أي سنة الصلاة عليها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ امْرَأَةً مَاتَتْ فِي بَطْنٍ فَصَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ وَسَطَهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن أبي سريج‏)‏ تقدم أنه بالمهملة والجيم، واسمه الصباح، وقيل إن أحمد هو ابن عمر بن أبي سريج فكأنه نسب إلى جده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن امرأة‏)‏ هي أم كعب سماها مسلم في روايته من طريق عبد الوارث عن حسين المعلم، وذكر أبو نعيم في الصحابة أنها أنصارية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ماتت في بطن‏)‏ أي بسبب بطن يعني الحمل، وهو نظير قوله ‏"‏ عذبت امرأة في هرة ‏"‏ قال ابن التيمي‏:‏ قيل وهم البخاري في هذه الترجمة فظن أن قوله ‏"‏ ماتت في بطن ‏"‏ ماتت في الولادة، قال‏:‏ ومعنى ماتت في بطن ماتت مبطونة‏.‏
قلت‏:‏ بل الموهم له هو الواهم، فإن عند المصنف في هذا الحديث من كتاب الجنائز ‏"‏ ماتت في نفاسها ‏"‏ وكذا لمسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقام وسطها‏)‏ بفتح السين في روايتنا، وكذا ضبطه ابن التين، وضبطه غيره بالسكون، وللكشميهني ‏"‏ فقام عند وسطها ‏"‏ وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى قال ابن بطال‏:‏ يحتمل أن يكون البخاري قصد بهذه الترجمة أن النفساء وإن كانت لا تصلي لها حكم غيرها أي في طهارة العين، لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليها، قال وفيه رد على من زعم أن ابن آدم ينجس بالموت لأن النفساء جمعت الموت وحمل النجاسة بالدم اللازم لها، فلما لم يضرها ذلك كان الميت الذي لا يسيل منه نجاسة أولى‏.‏
وتعقبه ابن المنير بأن هذا أجنبي عن مقصود البخاري، قال وإنما قصد أنها وإن ورد أنها من الشهداء فهي ممن يصلي عليها كغير الشهداء وتعقبه ابن رشيد بأنه أيضا أجنبي عن أبواب الحيض، قال‏:‏ وإنما أراد البخاري أن يستدل بلازم من لوازم الصلاة لأن الصلاة اقتضت أن المستقبل فيها ينبغي أن يكون محكوما بطهارته، فلما صلى عليها - أي إليها - لزم من ذلك القول بطهارة عينها، وحكم النفساء والحائض واحد، قال‏:‏ ويدل على أن هذا مقصوده إدخال حديث ميمونة في الباب كما في رواية الأصيلي وغيره‏.‏
ووقع في رواية أبي ذر قبل حديث ميمونة‏:‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ اسْمُهُ الْوَضَّاحُ مِنْ كِتَابِهِ قَالَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لَا تُصَلِّي وَهِيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الحسن بن مدرك‏)‏ هو الطحان البصري أحد الحفاظ، وهو من صغار شيوخ البخاري، بل البخاري أقدم منه، وقد شاركه في شيخه يحيى بن حماد المذكور هنا، وكأن هذا الحديث فاته فاعتمد فيه على الحسن المذكور لأنه كان عارفا بحديث يحيى بن حماد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من كتابه‏)‏ إشارة إلى أن أبا عوانة حدث به من كتابه لا من حفظه، وكان إذا حدث من كتابه أتقن مما إذا حدث من حفظه حتى قال عبد الرحمن بن مهدي‏:‏ كتاب أبي عوانة أثبت من حفظ هشيم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كانت تكون‏)‏ أي تحصل أو تستقر، ويحتمل أن قوله ‏"‏ تكون لا تصلي ‏"‏ خبر لكانت، وقوله ‏"‏حائضا ‏"‏ حال نحو ‏(‏وجاءوا أباهم عشاء يبكون‏)‏ قاله الكرماني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بحذاء‏)‏ بكسر الخاء المهملة بعدها ذال معجمة ومدة أي بجنب مسجد والمراد بالمسجد مكان سجوده، والخمرة بضم الخاء والمعجمة وسكون الميم قال الطبري‏:‏ هو مصلى صغير يعمل من سعف النخل، سميت بذلك لسترها الوجه والكفين من حر الأرض وبردها، فإن كانت كبيرة سميت حصيرا، وكذا قال الأزهري في تهذيبه وصاحبه أبو عبيد الهروي وجماعة بعدهم، وزاد في النهاية‏:‏ ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار، قال‏:‏ وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة بسعفها‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ هي السجادة يسجد عليها المصلي‏.‏
ثم ذكر حديث ابن عباس في الفأرة التي جرت الفتيلة حتى ألقتها على الخمرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا عليها‏.‏
‏.‏
الحديث قال‏:‏ ففي هذا تصريح بإطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه، قال‏:‏ وسميت خمرة لأنها تغطي الوجه، وستأتي الإشارة إلى حكم الصلاة عليها في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى‏.‏
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب الحيض من الأحاديث المرفوعة على سبعة وأربعين حديثا، المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وعشرون حديثا الموصول منها عشرة أحاديث، والبقية تعليق ومتابعة، والخالص خمسة وعشرون حديثا منها واحد معلق وهو حديث كان يذكر الله على كل أحيانه، والبقية موصولة‏.‏
وقد وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عائشة كانت إحدانا تحيض ثم تقترص الدم وحديثها في اعتكاف المستحاضة، وحديثها ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد، وحديث أم عطية كنا لا نعد الصفرة، وحديث ابن عمر رخص للحائض أن تنفر‏.‏
وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين خمسة عشر أثرا كلها معلقة‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:05 PM   #173
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*2*كِتَاب التَّيَمُّمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التيمم‏)‏ البسملة قبله لكريمة وبعده لأبي ذر، وقد تقدم توجيه ذلك‏.‏
والتيمم في اللغة القصد، قال امرؤ القيس‏:‏ تيممتها من أذرعات وأهلها بيثرب أدنى دارها نظر عالي أي قصدتها‏.‏
وفي الشرع القصد إلى الصعيد لمسح الوجه واليدين بنية استباحة الصلاة ونحوها‏.‏
الحديث‏:‏
وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ
الشرح‏:‏
وقال ابن السكيت‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏فتيمموا صعيدا‏)‏ أي اقصدوا الصعيد، ثم كثر استعمالهم حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب ا ه‏.‏
فعلى هذا هو مجاز لغوي، وعلى الأول هو حقيقة شرعية‏.‏
واختلف في التيمم هو عزيمة أو رخصة‏؟‏ وفصل بعضهم فقال‏:‏ هو لعدم الماء عزيمة، وللعذر رخصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قول الله‏)‏ ، في رواية الأصيلي ‏"‏ وقول الله ‏"‏ بزيادة واو، والجملة استئنافية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلم تجدوا ماء‏)‏ كذا للأكثر، وللنسفي وعبدوس والمستملي والحموي ‏"‏ فإن لم تجدوا ‏"‏ قال أبو ذر‏:‏ كذا في روايتنا، والتلاوة ‏(‏فلم تجدوا‏)‏ ، قال صاحب المشارق‏:‏ هذا هو الصواب‏.‏
قلت‏:‏ ظهر لي أن البخاري أراد أن يبين أن المراد بالآية المبهمة في قول عائشة في حديث الباب ‏"‏ فأنزل الله آية التيمم ‏"‏ أنها آية المائدة، وقد وقع التصريح بذلك في رواية حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة في قصتها المذكورة قال ‏"‏ فأنزل الله آية التيمم‏:‏ فإن لم تجدوا ماء فتيمموا ‏"‏ الحديث، فكأن البخاري أشار إلى هذه الرواية المخصوصة، واحتمل أن تكون قراءة شاذة لحماد بن سلمة أو غيره أو وهما منه، وقد ظهر أنها عنت آية المائدة وأن آية النساء قد ترجم لها المصنف في التفسير وأورد حديث عائشة أيضا ولم يرد خصوص نزولها في قصتها، بل اللفظ الذي على شرطه محتمل للأمرين، والعمدة على رواية حماد بن سلمة في ذلك فإنها عينت ففيها زيادة على غيرها‏.‏ والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأيديكم‏)‏ إلى هنا في رواية أبي ذر، زاد في رواية الشبوي وكريمة ‏"‏ منه‏"‏، وهي تعين آية المائدة دون آية النساء، وإلى ذلك نحا البخاري فأخرج حديث الباب في تفسير سورة المائدة، وأيد ذلك برواية عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم في هذا الحديث ولفظه‏:‏ فنزلت ‏(‏يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة‏)‏ إلى قوله‏:‏ ‏(‏تشكرون‏)‏‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن القاسم‏)‏ أي ابن محمد بن أبي بكر الصديق ورجاله سوى شيخ البخاري مدنيون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في بعض أسفاره‏)‏ قال ابن عبد البر في التمهيد‏:‏ يقال إنه كان في غزاة بني المصطلق، وجزم بذلك في ‏"‏ الاستذكار ‏"‏ وسبقه إلى ذلك ابن سعد وابن حبان‏.‏
وغزاة بني المصطلق هي غزوة المريسيع، وفيها وقعت قصة الإفك لعائشة، وكان ابتداء ذلك بسبب وقوع عقدها أيضا، فإن كان ما جزموا به ثابتا حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين لاختلاف القصتين كما هو مبين في سياقهما، واستبعد بعض شيوخنا ذلك قال‏:‏ لأن المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل، وهذه القصة كانت من ناحية خيبر لقولها في الحديث ‏"‏ حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش ‏"‏ وهما بين المدينة وخيبر كما جزم به النووي‏.‏
قلت‏:‏ وما جزم به مخالف لما جزم به ابن التين فإنه قال‏:‏ البيداء هي ذو الحليفة بالقرب من المدينة من طريق مكة، قال‏:‏ وذات الجيش وراء ذي الحليفة‏.‏
وقال أبو عبيد البكري في معجمه‏:‏ البيداء أدنى إلى مكة من ذي الحليفة‏.‏
ثم ساق حديث عائشة هذا‏.‏
ثم ساق حديث ابن عمر قال ‏"‏ بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها، ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد ‏"‏ الحديث‏.‏
قال‏:‏ والبيداء هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق مكة‏.‏
وقال أيضا‏:‏ ذات الجيش من المدينة على بريد، قال‏:‏ وبينها وبين العقيق سبعة أميال، والعقيق من طريق مكة لا من طريق خيبر، فاستقام ما قال ابن التين‏.‏
ويؤيده ما رواه الحميدي في مسنده عن سفيان قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث فقال فيه ‏"‏ إن القلادة سقطت ليلة الأبواء ‏"‏ ا ه، والأبواء بين مكة والمدينة‏.‏
وفي رواية علي بن مسهر في هذا الحديث عن هشام قال‏.‏
‏"‏ وكان ذلك المكان يقال له الصلصل ‏"‏ رواه جعفر الفريابي في كتاب الطهارة له وابن عبد البر من طريقه، والصلصل بمهملتين مضمومتين ولامين الأولى ساكنة بين الصادين، قال البكري‏:‏ هو جبل عند ذي الحليفة، كذا ذكره في حرف الصاد المهملة، ووهم مغلطاي في فهم كلامه فزعم أنه ضبطه بالضاد المعجمة، وقلده في ذلك بعض الشراح وتصرف فيه فزاده وهما على وهم، وعرف من تضافر هذه الروايات تصويب ما قاله ابن التين، واعتمد بعضهم في تعدد السفر على رواية للطبراني صريحة في ذلك كما سيأتي والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عقد‏)‏ بكسر المهملة كل ما يعقد ويعلق في العنق، ويسمى قلادة كما سيأتي، وفي التفسير من رواية عمرو بن الحارث ‏"‏ سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة، فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم ونزل ‏"‏ وهذا مشعر بأن ذلك كان عند قربهم من المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على التماسه‏)‏ أي لأجل طلبه، وسيأتي أن المبعوث في طلبه أسيد بن حضير وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وليسوا على ماء، وليس معهم ماء‏)‏ كذا للأكثر في الموضعين، وسقطت الجملة الثانية في الموضع الأول من رواية أبي ذر، واستدل بذلك على جواز الإقامة في المكان الذي لا ماء فيه، وكذا سلوك الطريق التي لا ماء فيها، وفيه نظر لأن المدينة كانت قريبة منهم وهم على قصد دخولها، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بعدم الماء مع الركب وإن كان قد علم بأن المكان لا ماء فيه، ويحتمل أن يكون قوله ‏"‏ ليس معهم ماء ‏"‏ أي للوضوء، وأما ما يحتاجون إليه للشرب فيحتمل أن يكون معهم، والأول محتمل لجواز إرسال المطر أو نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم كما وقع في مواطن أخرى‏.‏
وفيه اعتناء الإمام بحفظ حقوق المسلمين وإن قلت، فقد نقل ابن بطال أنه روى أن ثمن العقد المذكور كان اثني عشر درهما، ويلتحق بتحصيل الضائع الإقامة للحوق المنقطع ودفن الميت ونحو ذلك من مصالح الرعية، وفيه إشارة إلى ترك إضاعة المال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأتى الناس إلى أبي بكر‏)‏ فيه شكوى المرأة إلى أبيها وإن كان لها زوج، وكأنهم إنما شكوا إلى أبي بكر لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان نائما وكانوا لا يوقظونه‏.‏
وفيه نسبة الفعل إلى من كان سببا فيه لقولهم‏:‏ صنعت وأقامت، وفيه جواز دخول الرجل على ابنته وإن كان زوجها عندها إذا علم رضاه بذلك ولم يكن حالة مباشرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فعاتبني أبو بكر‏.‏
وقال ما شاء الله أن يقول‏)‏ في رواية عمرو بن الحارث فقال‏:‏ حبست الناس في قلادة، أي بسببها‏.‏
وسيأتي من الطبراني أن من جملة ما عاتبها به قوله ‏"‏ في كل مرة تكونين عناء‏"‏‏.‏
والنكتة في قول عائشة ‏"‏ فعاتبني أبو بكر ‏"‏ ولم تقل أبي، لأن قضية الأبوة الحنو، وما وقع من العتاب بالقول والتأنيب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر، فلذلك أنزلته منزلة الأجنبي فلم تقل أبي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يطعنني‏)‏ هو بضم العين، وكذا في جميع ما هو حسي، وأما المعنوي فيقال يطعن بالفتح، هذا المشهور فيهما، وحكي فيهما الفتح معا في المطالع وغيرها، والضم فيهما حكاه صاحب الجامع‏.‏
وفيه تأديب الرجل ابنته ولو كانت مزوجة كبيرة خارجة عن بيته، ويلحق بذلك تأديب من له تأديبه ولو لم يأذن له الإمام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا يمنعني من التحرك‏)‏ فيه استحباب الصبر لمن ناله ما يوجب الحركة أو يحصل به تشويش لنائم، وكذا لمصل أو قارئ أو مشتغل بعلم أو ذكر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقام حين أصبح‏)‏ كذا أورده هنا، وأورده في فضل أبي بكر عن قتيبة عن مالك بلفظ ‏"‏ فنام حتى أصبح ‏"‏ وهي رواية مسلم ورواه الموطأ، والمعنى فيهما متقارب لأن كلا منهما يدل على أن قيامه من نومه كان عند الصبح‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ ليس المراد بقوله ‏"‏ حتى أصبح ‏"‏ بيان غاية النوم إلى الصباح، بل بيان غاية فقد الماء إلى الصباح، لأنه قيد قوله ‏"‏ حتى أصبح ‏"‏ بقوله ‏"‏ على غير ماء ‏"‏ أي آل أمره إلى أن أصبح على غير ماء، وأما رواية عمرو بن الحارث فلفظها ‏"‏ ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح ‏"‏ فإن أعربت الواو حالية كان دليلا على أن الاستيقاظ وقع حال وجود الصباح وهو الظاهر، واستدل به على الرخصة في ترك التهجد في السفر إن ثبت أن التهجد كان واجبا عليه، وعلى أن طلب الماء لا يجب إلا بعد دخول الوقت لقوله في رواية عمرو بن الحارث بعد قوله وحضرت الصبح ‏"‏ فالتمس الماء فلم يوجد ‏"‏ وعلى أن الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول آية الوضوء ولهذا استعظموا نزولهم على غير ماء‏.‏
ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل منذ افترضت الصلاة عليه إلا بوضوء، ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند‏.‏
قال‏:‏ وفي قوله في هذا الحديث ‏"‏ آية التيمم ‏"‏ إشارة إلى أن الذي طرأ إليهم من العلم حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء‏.‏
قال‏:‏ والحكمة في نزول آية الوضوء - مع تقدم العمل به - ليكون فرضه متلوا بالتنزيل‏.‏
وقال غيره‏:‏ يحتمل أن يكون أول آية الوضوء نزل قديما فعلموا به الوضوء، ثم نزل بقيتها وهو ذكر التيمم في هذه القصة، وإطلاق آية التيمم على هذا من تسمية الكل باسم البعض، لكن رواية عمرو بن الحارث التي قدمنا أن المصنف أخرجها في التفسير تدل على أن الآية نزلت جميعا في هذه القصة، فالظاهر ما قاله ابن عبد البر‏.‏
قوله ‏(‏فأنزل الله آية التيمم‏)‏ قال ابن العربي‏:‏ هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء، لأنا لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ هي آية النساء أو آية المائدة‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ هي آية النساء‏.‏
ووجهه بأن آية المائدة تسمى آية الوضوء وآية النساء لا ذكر فيها للوضوء فيتجه تخصيصها بآية التيمم‏.‏
وأورد الواحدي في أسباب النزول هذا الحديث عند ذكر آية النساء أيضا، وخفي على الجميع ما ظهر للبخاري من أن المراد بها آية المائدة بغير تردد لرواية عمرو بن الحارث إذ صرح فيها بقوله ‏"‏ فنزلت ‏(‏يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة‏)‏ الآية‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتيمموا‏)‏ يحتمل أن يكون خبرا عن فعل الصحابة، أي فتيمم الناس بعد نزول الآية، ويحتمل أن يكون حكاية لبعض الآية وهو الأمر في قوله‏:‏ ‏(‏فتيمموا صعيدا طيبا‏)‏ بيانا لقوله ‏"‏ آية التيمم ‏"‏ أو بدلا‏.‏
واستدل بالآية على وجوب النية في التيمم لأن معنى ‏(‏فتيمموا‏)‏ اقصدوا كما تقدم، وهو قول فقهاء الأمصار إلا الأوزاعي، وعلى أنه يجب نقل التراب ولا يكفي هبوب الريح به بخلاف الوضوء كما لو أصابه مطر فنوى الوضوء به فإنه يجزئ، والأظهر الإجزاء لمن قصد التراب من الريح الهابة، بخلاف من لم يقصد، وهو اختيار الشيخ أبي حامد‏.‏
وعلى تعين الصعيد الطيب للتيمم، لكن اختلف العلماء في المراد بالصعيد الطيب كما سيأتي في بابه قريبا، وعلى أنه يجب التيمم لكل فريضة، وسنذكر توجيهه وما يرد عليه بعد أربعة أبواب‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يقع في شيء من طرق حديث عائشة هذا كيفية التيمم، وقد روى عمار بن ياسر قصتها هذه فبين ذلك، لكن اختلف الرواة على عمار في الكيفية كما سنذكره ونبين الأصح منه في باب التيمم للوجه والكفين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال أسيد‏)‏ هو بالتصغير ‏(‏ابن الحضير‏)‏ بمهملة ثم معجمة مصغرا أيضا، وهو من كبار الأنصار، وسيأتي ذكره في المناقب‏.‏
وإنما قال ما قال دون غيره لأنه كان رأس من بعث في طلب العقد الذي ضاع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما هي بأول بركتكم‏)‏ أي بل هي مسبوقة بغيرها من البركات، والمراد بآل أبي بكر نفسه وأهله وأتباعه‏.‏
وفيه دليل على فضل عائشة وأبيها وتكرار البركة منهما‏.‏
وفي رواية عمرو بن الحارث ‏"‏ لقد بارك الله للناس فيكم ‏"‏ وفي تفسير إسحاق البستي من طريق ابن أبي مليكة عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ‏"‏ ما كان أعظم بركة قلادتك ‏"‏ وفي رواية هشام بن عروة الآتية في الباب الذي يليه ‏"‏ فوالله ما نزل بك من أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين فيه خيرا ‏"‏ وفي النكاح من هذا الوجه ‏"‏ إلا جعل الله لك منه مخرجا، وجعل للمسلمين فيه بركة ‏"‏ وهذا يشعر بأن هذه القصة كانت بعد قصة الإفك، فيقوى قول من ذهب إلى تعدد ضياع العقد، وممن جزم بذلك محمد بن حبيب الإخباري فقال‏:‏ سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع، وفي غزوة بني المصطلق‏.‏
وقد اختلف أهل المغازي في أي هاتين الغزاتين كانت أولا‏.‏
وقال الداودي‏:‏ كانت قصة التيمم في غزاة الفتح‏.‏
ثم تردد في ذلك، وقد روى ابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة قال‏:‏ لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع‏.‏
الحديث‏.‏
فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق لأن إسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة وهي بعدها بلا خلاف، وسيأتي في المغازي أن البخاري يرى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبي موسى، وقدومه كان وقت إسلام أبي هريرة‏.‏
ومما يدل على تأخر القصة أيضا عن قصة الإفك ما رواه الطبراني من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت‏:‏ لما كان من أمر عقدي ما كان‏.‏
وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على التماسه‏.‏
فقال لي أبو بكر‏:‏ يا بنية في كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس‏؟‏ فأنزل الله عز وجل الرخصة في التيمم‏.‏
قال أبو بكر‏:‏ إنك لمباركة، ثلاثا‏.‏
وفي إسناده محمد بن حميد الرازي، وفيه مقال‏.‏
وفي سياقه من الفوائد بيان عتاب أبي بكر الذي أبهم في حديث الباب، والتصريح بأن ضياع العقد كان مرتين في غزوتين، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبعثنا‏)‏ أي أثرنا ‏(‏البعير الذي كنت عليه‏)‏ أي حالة السفر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأصبنا العقد تحته‏)‏ اهر في أن الذين توجهوا في طلبه أولا لم يجدوه‏.‏
وفي رواية عروة في الباب الذي يليه ‏"‏ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فوجدها ‏"‏ أي القلادة‏.‏
وللمصنف في فضل عائشة من هذا الوجه وكذا لمسلم ‏"‏ فبعث ناسا من أصحابه في طلبها ‏"‏ ولأبي داود ‏"‏ فبعث أسيد بن حضير وناسا معه ‏"‏ وطريق الجمع بين هذه الروايات أن أسيدا كان رأس من بعث لذلك فلذلك سمي في بعض الروايات دون غيره، وكذا أسند الفعل إلى واحد مبهم وهو المراد به، وكأنهم لم يجدوا العقد أولا‏.‏
فلما رجعوا ونزلت آية التيمم وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد بن حضير، فعلى هذا فقوله في رواية عروة الآتية‏:‏ ‏"‏ فوجدها ‏"‏ أي بعد جميع ما تقدم من التفتيش وغيره‏.‏
وقال النووي‏:‏ يحتمل أن يكون فاعل وجدها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بالغ الداودي في توهيم رواية عروة، ونقل عن إسماعيل القاضي أنه حمل الوهم فيها على عبد الله بن نمير، وقد بان بما ذكرنا من الجمع بين الروايتين أن لا تخالف بينهما ولا وهم‏.‏
وفي الحديثين اختلاف آخر وهو قول عائشة ‏"‏ انقطع عقد لي ‏"‏ وقالت في رواية عمرو بن الحارث ‏"‏ سقطت قلادة لي ‏"‏ وفي رواية عروة الآتية عنها أنها استعارت قلادة من أسماء يعني أختها فهلكت أي ضاعت، والجمع بينهما أن إضافة القلادة إلى عائشة لكونها في يدها وتصرفها، وإلى أسماء لكونها ملكها لتصريح عائشة في رواية عروة بأنها استعارتها منها، وهذا كله بناء على اتحاد القصة‏.‏
وقد جنح البخاري في التفسير إلى تعددها حيث أورد حديث الباب في تفسير المائدة وحديث عروة في تفسير النساء، فكان نزول آية المائدة بسبب عقد عائشة، وآية النساء بسبب قلادة أسماء، وما تقدم من اتحاد القصة أظهر، والله أعلم‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية عمار عند أبي داود وغيره في هذه القصة أن العقد المذكور كان من جزع ظفار، وكذا وقع في قصة الإفك كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏
والجزع بفتح الجيم وسكون الزاي خرز يمني‏.‏
وظفار مدينة تقدم ذكرها في باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض، وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز السفر بالنساء واتخاذهن الحلي تجملا لأزواجهن، وجواز السفر بالعارية وهو محمول على رضا صاحبها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ هُوَ الْعَوَقِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ ح و حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ قَالَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ الْفَقِيرُ قَالَ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني سعيد بن النضر، قال أخبرنا هشيم‏)‏ إنما لم يجمع البخاري بين شيخيه في هذا الحديث مع كونهما حدثاه به عن هشيم لأنه سمعه منهما متفرقين، وكأنه سمعه من محمد بن سنان مع غيره فلهذا جمع فقال ‏"‏ حدثنا ‏"‏ وسمعه من سعيد وحده فلهذا أفرد فقال ‏"‏ حدثني‏"‏‏.‏
وكأن محمدا سمعه من لفظ هشيم فلهذا قال ‏"‏ حدثنا ‏"‏ وكأن سعيدا قرأه أو سمعه يقرأ على هشيم فلهذا قال ‏"‏ أخبرنا ‏"‏ ومراعاة هذا كله على سبيل الاصطلاح‏.‏
ثم إن سياق المتن لفظ سعيد، وقد ظهر بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا أورد الحديث عن غير واحد فإن اللفظ يكون للأخير والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا سيار‏)‏ بمهملة بعدها تحتانية مشددة وآخره راء، هو أبو الحكم العنزي الواسطي البصري واسم أبيه وردان على الأشهر، ويكنى أبا سيار، اتفقوا على توثيق سيار‏.‏
وأخرج له الأئمة الستة وغيرهم، وقد أدرك بعض الصحابة لكن لم يلق أحدا منهم فهو من كبار أتباع التابعين‏.‏
ولهم شيخ آخر يقال له سيار، لكنه تابعي شامي أخرج له الترمذي وذكره ابن حبان في الثقات، وإنما ذكرته لأنه روى معنى حديث الباب عن أبي أمامة ولم ينسب في الرواية كما لم ينسب سيار في حديث الباب فربما ظنهما بعض من لا تمييز له واحدا فيطن أن في الإسناد اختلافا وليس كذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يزيد الفقير‏)‏ هو ابن صهيب يكنى أبا عثمان، تابعي مشهور، قيل له الفقير لأنه كان يشكو فقار ظهره ولم يكن فقيرا من المال‏.‏
قال صاحب المحكم‏:‏ رجل فقير مكسور فقار الظهر، ويقال له فقير بالتشديد أيضا‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ مدار حديث جابر هذا على هشيم بهذا الإسناد، وله شواهد من حديث ابن عباس وأبي موسى وأبي ذر، من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، رواها كلها أحمد بأسانيد حسان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أعطيت خمسا‏)‏ بين في رواية عمرو بن شعيب أن ذلك كان في غزوة تبوك وهي آخر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لم يعطهن أحد قبلي‏)‏ زاد في الصلاة عن محمد بن سنان ‏"‏ من الأنبياء‏"‏، وفي حديث ابن عباس ‏"‏ لا أقولهن فخرا ‏"‏ ومفهومه أنه لم يختص بغير الخمس المذكورة، لكن روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ فضلت على الأنبياء بست ‏"‏ فذكر أربعا من هذه الخمس وزاد ثنتين كما سيأتي بعد، وطريق الجمع أن يقال‏:‏ لعله اطلع أولا على بعض ما اختص به ثم اطلع على الباقي، ومن لا يرى مفهوم العدد حجة يدفع هذا الإشكال من أصله، وظاهر الحديث يقتضي أن كل واحدة من الخمس المذكورات لم تكن لأحد قبله، وهو كذلك، ولا يعترض بأن نوحا عليه السلام كان مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان لأنه لم يبق إلا من كان مؤمنا معه وقد كان مرسلا إليهم، لأن هذا العموم لم يكن في أصل بعثته وإنما اتفق بالحادث الذي وقع وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فعموم رسالته من أصل البعثة فثبت اختصاصه بذلك، وأما قول أهل الموقف لنوح كما صح في حديث الشفاعة ‏"‏ أنت أول رسول إلى أهل الأرض ‏"‏ فليس المراد به عموم بعثته بل إثبات أولية إرساله، وعلى تقدير أن يكون مرادا فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات على أن إرسال نوح كان إلى قومه ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم، واستدل بعضهم لعموم بعثته بكونه دعا على جميع من في الأرض فأهلكوا بالغرق إلا أهل السفينة، ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا لقوله تعالى ‏(‏وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا‏)‏ ‏.‏
وقد ثبت أنه أول الرسل، وأجيب بجواز أن يكون غيره أرسل إليهم في أثناء مدة نوح وعلم نوح بأنهم لم يؤمنوا فدعا على من لم يؤمن من قومه ومن غيرهم فأجيب‏.‏
وهذا جواب حسن، لكن لم ينقل أنه نبئ في زمن نوح غيره‏.‏
ويحتمل أن يكون معنى الخصوصية لنبينا صلى الله عليه وسلم في ذلك بقاء شريعته إلى يوم القيامة، ونوح وغيره بصدد أن يبعث نبي في زمانه أو بعده فينسخ بعض شريعته، ويحتمل أن يكون دعاؤه قومه إلى التوحيد بلغ بقية الناس فتمادوا على الشرك فاستحقوا العقاب، وإلى هذا نحا ابن عطية في تفسير سورة هود قال‏:‏ وغير ممكن أن تكون نبوته لم تبلغ القريب والبعيد لطول مدته، ووجهه ابن دقيق العيد بأن توحيد الله تعالى يجوز أن يكون عاما في حق بعض الأنبياء وإن كان التزام فروع شريعته ليس عاما لأن منهم من قاتل غير قومه على الشرك، ولو لم يكن التوحيد لازما لهم لم يقاتلهم‏.‏
ويحتمل أنه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلا قوم نوح فبعثته خاصة لكونها إلى قومه فقط وهي عامة في الصورة لعدم وجود غيرهم، لكن لو اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثا إليهم‏.‏
وغفل الداودي الشارح غفلة عظيمة فقال‏:‏ قوله ‏"‏ لم يعطهن أحد ‏"‏ يعني لم تجمع لأحد قبله، لأن نوحا بعث إلى كافة الناس، وأما الأربع فلم يعط أحد واحدة منهن‏.‏
وكأنه نظر في أول الحديث وغفل عن آخره لأنه نص صلى الله عليه وسلم على خصوصيته بهذه أيضا لقوله ‏"‏ وكان النبي، يبعث إلى قومه خاصة ‏"‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ وكان كل نبي‏.‏
إلخ‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نصرت بالرعب‏)‏ زاد أبو أمامة ‏"‏ يقذف في قلوب أعدائي ‏"‏ أخرجه أحمد‏.

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:06 PM   #174
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




قوله‏:‏ ‏(‏مسيرة شهر‏)‏ مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها، أما ما دونها فلا، لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب ‏"‏ ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر ‏"‏ فالظاهر اختصاصه به مطلقا، وإنما جعل الغاية شهرا لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه، وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر، وهل هي حاصلة لأمته من بعده‏؟‏ فيه احتمال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجعلت لي الأرض مسجدا‏)‏ أي موضع سجود، لا يختص السجود منها بموضع دون غيره، ويمكن أن يكون مجازا عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز التشبيه لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد في ذلك، قال ابن التين‏:‏ قيل المراد جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وجعلت لغيري مسجدا ولم تجعل له طهورا، لأن عيسى كان يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة، كذا قال‏.‏
وسبقه إلى ذلك الداودي، وقيل إنما أبيحت لهم في موضع يتيقنون طهارته، بخلاف هذه الأمة فأبيح لها في جميع الأرض إلا فيما تيقنوا نجاسته‏.‏
والأظهر ما قاله الخطابي وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع، ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ ‏"‏ وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم‏"‏‏.‏
وهذا نص في موضع النزاع فثبتت الخصوصية، ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس نحو حديث الباب وفيه ‏"‏ ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وطهروا‏)‏ استدل به على أن الطهور هو المطهر لغيره، لأن الطهور لو كان المراد به الطاهر لم تثبت الخصوصية، والحديث إنما سيق لإثباتها‏.‏
وقد روى ابن المنذر وابن الجارود بإسناد صحيح عن أنس مرفوعا ‏"‏ جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا‏"‏‏.‏
ومعنى طيبة طاهرة، فلو كان معنى طهورا طاهرا للزم تحصيل الحاصل، واستدل به على أن التيمم يرفع الحدث كالماء لاشتراكهما في هذا الوصف، وفيه نظر‏.‏
وعلى أن التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض، وقد أكد في رواية أبي أمامة بقوله ‏"‏ وجعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجدا وطهورا‏"‏‏.‏
وسيأتي البحث في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأيما رجل‏)‏ أي مبتدأ فيه معنى الشرط، و ‏"‏ ما ‏"‏ زائدة للتأكيد، وهذه صيغة عموم يدخل تحتها من لم يجد ماء ولا ترابا ووجد شيئا من أجزاء الأرض فإنه يتيمم به، ولا يقال هو خاص بالصلاة، لأنا نقول‏:‏ لفظ حديث جابر مختصر‏.‏
وفي رواية أبي أمامة عند البيهقي ‏"‏ فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ماء وجد الأرض طهورا ومسجدا ‏"‏ وعند أحمد ‏"‏ فعنده طهوره ومسجده ‏"‏ وفي رواية عمرو بن شعيب ‏"‏ فأينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت ‏"‏ واحتج من خص التيمم بالتراب بحديث حذيفة عند مسلم بلفظ ‏"‏ وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء‏"‏‏.‏
وهذا خاص فينبغي أن يحمل العام عليه فتختص الطهورية بالتراب، ودل الافتراق في اللفظ حيث حصل التأكيد في جعلها مسجدا دون الآخر على افتراق الحكم وإلا لعطف أحدهما على الآخر نسقا كما في حديث الباب‏.‏
ومنع بعضهم الاستدلال بلفظ ‏"‏ التربة ‏"‏ على خصوصية التيمم بالتراب بأن قال‏:‏ تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره‏.‏
وأجيب بأنه ورد في الحديث المذكور بلفظ ‏"‏ التراب ‏"‏ أخرجه ابن خزيمة وغيره‏.‏
وفي حديث علي ‏"‏ وجعل التراب لي طهورا ‏"‏ أخرجه أحمد والبيهقي بإسناد حسن، ويقوى القول بأنه خاص بالتراب أن الحديث سيق لإظهار التشريف والتخصيص، فلو كان جائزا بغير التراب لما اقتصر عليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليصل‏)‏ عرف مما تقدم أن المراد فليصل بعد أن يتيمم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأحلت لي الغنائم‏)‏ وللكشميهني المغانم وهي رواية مسلم، قال الخطابي‏:‏ كان من تقدم على ضربين، منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم مغانم، ومنهم من أذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا شيئا لم يحل لهم أن يأكلوه وجاءت نار فأحرقته‏.‏
وقيل‏:‏ المراد أنه خص بالتصرف في الغنيمة يصرفها كيف يشاء، والأول أصوب وهو أن من مضى لم تحل لهم الغنائم أصلا، وسيأتي بسط ذلك في الجهاد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأعطيت الشفاعة‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ الأقرب أن اللام فيها للعهد، والمراد الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف، ولا خلاف في وقوعها‏.‏
وكذا جزم النووي وغيره‏.‏
وقيل الشفاعة التي اختص بها أنه لا يرد فيما يسأل‏.‏
وقيل الشفاعة لخروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، لأن شفاعة غيره تقع فيمن في قلبه أكثر من ذلك، قاله عياض‏.‏
والذي يظهر لي أن هذه مرادة مع الأولى لأنه يتبعها بها كما سيأتي واضحا في حديث الشفاعة إن شاء الله تعالى في كتاب الرقاق‏.‏
وقال البيهقي في البعث‏:‏ يحتمل أن الشفاعة التي يختص بها أنه يشفع لأهل الصغائر والكبائر، وغيره إنما يشفع لأهل الصغائر دون الكبائر‏.‏
ونقل عياض أن الشفاعة المختصة به شفاعة لا ترد‏.‏
وقد وقع في حديث ابن عباس ‏"‏ وأعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي، فهي لمن لا يشرك بالله شيئا ‏"‏ وفي حديث عمرو بن شعيب ‏"‏ فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله ‏"‏ فالظاهر أن المراد بالشفاعة المختصة في هذا الحديث إخراج من ليس له عمل صالح إلا التوحيد، وهو مختص أيضا بالشفاعة الأولى، لكن جاء التنويه بذكر هذه لأنها غاية المطلوب من تلك لاقتضائها الراحة المستمرة، والله أعلم‏.‏
وقد ثبتت هذه الشفاعة في رواية الحسن عن أنس كما سيأتي في كتاب التوحيد ‏"‏ ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأقول‏:‏ يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول‏:‏ وعزتي وجلالي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله ‏"‏ ولا يعكر على ذلك ما وقع عند مسلم قبل قوله ‏"‏ وعزتي ‏"‏ فيقول ‏"‏ ليس ذلك لك، وعزتي‏.‏
‏.‏
إلخ لأن المراد أنه لا يباشر الإخراج كما في المرات الماضية، بل كانت شفاعته سببا في ذلك في الجملة‏.‏
والله أعلم‏.‏
وقد تقدم الكلام على قوله ‏"‏ وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ‏"‏ في أوائل الباب‏.‏
وأما قوله ‏"‏ وبعثت إلى الناس عامة ‏"‏ فوقع في رواية مسلم ‏"‏ وبعثت إلى كل أحمر وأسود ‏"‏ فقيل المراد بالأحمر العجم وبالأسود العرب، وقيل الأحمر الإنس والأسود الجن، وعلى الأول التنصيص على الإنس من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه مرسل إلى الجميع، وأصرح الروايات في ذلك وأشملها رواية أبي هريرة عند مسلم ‏"‏ وأرسلت إلى الخلق كافة‏"‏‏.‏
‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ أول حديث أبي هريرة هذا ‏"‏ فضلت على الأنبياء بست ‏"‏ فذكر الخمس المذكورة في حديث جابر إلا الشفاعة وزاد خصلتين وهما ‏"‏ وأعطيت جوامع الكلم، وختم بي النبيون ‏"‏ فتحصل منه‏.‏
ومن حديث جابر سبع خصال‏.‏
ولمسلم أيضا من حديث حذيفة ‏"‏ فضلنا على الناس بثلاث خصال‏:‏ جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ‏"‏ وذكر خصلة الأرض كما تقدم‏.‏
قال‏:‏ وذكر خصلة أخرى، وهذه الخصلة المبهمة بينها ابن خزيمة والنسائي وهي ‏"‏ وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش‏"‏‏.‏
يشير إلى ما حطه الله عن أمته من الإصر وتحميل ما لا طاقة لهم به، ورفع الخطأ والنسيان، فصارت الخصال تسعا‏.‏
ولأحمد من حديث علي ‏"‏ أعطيت أربعا لم يعطهن أحد من أنبياء الله‏:‏ أعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعلت أمتي خير الأمم ‏"‏ وذكر خصلة التراب فصارت الخصال اثنتي عشرة خصلة، وعند البزار من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ فضلت على الأنبياء بست‏:‏ غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر وجعلت أمتي خير الأمم، وأعطيت الكوثر، وإن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة تحته آدم فمن دونه ‏"‏ وذكر ثنتين مما تقدم‏.‏
وله من حديث ابن عباس رفعه ‏"‏ فضلت على الأنبياء بخصلتين‏:‏ كان شيطاني كافرا فأعانني الله عليه فأسلم ‏"‏ قال ونسيت الأخرى‏.‏
قلت‏:‏ فينتظم بهذا سبع عشرة خصلة‏.‏
ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع‏.‏
وقد تقدم طريق الجمع بين هذه الروايات، وأنه لا تعارض فيها‏.‏
وقد ذكر أبو سعيد النيسابوري في كتاب شرف المصطفى أن عدد الذي اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء ستون خصلة‏.‏
وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم مشروعية تعديد نعم الله، وإلقاء العلم قبل السؤال، وأن الأصل في الأرض الطهارة، وأن صحة الصلاة لا تختص بالمسجد المبني لذلك‏.‏
وأما حديث ‏"‏ لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ‏"‏ فضعيف أخرجه الدارقطني حديث جابر‏.‏
واستدل به صاحب المبسوط من الحنفية على إظهار كرامة الآدمي وقال‏:‏ لأن الآدمي خلق من ماء وتراب، وقد ثبت أن كلا منهما طهور، ففي ذلك بيان كرامته، والله تعالى أعلم بالصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:07 PM   #175
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ كأن المصنف نزل فقد شرعية التيمم منزلة فقد التراب بعد شرعية التيمم، فكأنه يقول‏:‏ حكمهم في عدم المطهر - الذي هو الماء خاصة - كحكمنا في عدم المطهرين الماء والتراب‏.‏
وبهذا تظهر مناسبة الحديث للترجمة، لأن الحديث ليس فيه أنهم فقدوا التراب، وإنما فيه أنهم فقدوا الماء فقط، ففيه دليل على وجوب الصلاة لفاقد الطهورين‏.‏
ووجهه أنهم صلوا معتقدين وجوب ذلك، ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا قال الشافعي وأحمد وجمهور المحدثين وأكثر أصحاب مالك، لكن اختلفوا في وجوب الإعادة، فالمنصوص عن الشافعي وجوبها، وصححه أكثر أصحابه، واحتجوا بأنه عذر نادر فلم يسقط الإعادة، والمشهور عن أحمد وبه قال المزني وسحنون وابن المنذر لا تجب، واحتجوا بحديث الباب، لأنها لو كانت واجبة لبينها لهم النبي صلى الله عليه وسلم إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة‏.‏
وتعقب بأن الإعادة لا تجب على الفور فلم يتأخر البيان عن وقت الحاجة‏.‏
وعلى هذا فلا بد من دليل على وجوب الإعادة‏.‏
وقال مالك وأبو حنيفة في المشهور عنهما‏:‏ لا يصلي، لكن قال أبو حنيفة وأصحابه‏:‏ يجب عليه القضاء، وبه قال الثوري والأوزاعي‏.‏
وقال مالك فيما حكاه عنه المدنيون‏:‏ لا يجب عليه القضاء‏.‏
وهذه الأقوال الأربعة هي المشهورة في المسألة‏.‏
وحكى النووي في شرح المهذب عن القديم‏:‏ تستحب الصلاة وتجب الإعادة وبهذا تصير الأقوال خمسة‏.‏
والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَوَجَدَهَا فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَصَلَّوْا فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لِعَائِشَةَ جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكِ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا زكريا بن يحيى‏)‏ هكذا وقع في جميع الروايات غير منسوب، وكذا في قصة سعد بن معاذ فإنه أوردها في الصلاة والهجرة والمغازي بهذا الإسناد عنه ولم ينسبه، وأعاده في التفسير تاما، ومثله في الصلاة حديث ‏"‏ مر أبا بكر أن يصلي بالناس ‏"‏ وكذا سبق في ‏"‏ باب خروج النساء إلى البراز ‏"‏ لكن من روايته عن أبي أسامة لا عن عبد الله بن نمير، وأعاده في التفسير تاما، ومثله في التفسير حديث عائشة ‏"‏ كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن ‏"‏ وفي صفة إبليس حديث ‏"‏ لما كان يوم أحد انهزم المشركون ‏"‏ الحديث‏.‏
وجزم الكلاباذي بأنه اللؤلؤي البلخي،
وقال ابن عدي‏:‏ هو زكريا بن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وإلى هذا مال الدارقطني لأنه كوفي، وكذا الشيخان المذكوران عبد الله بن نمير وأبو أسامة، وقد روى البخاري في العيدين عن زكريا بن يحيى عن المحاربي لكن قال‏:‏ حدثنا زكريا بن يحيى أبو السكين فيحتمل أن يكون هو المهمل في المواضع الأخرى لأنه كوفي وشيخه كوفي أيضا‏.‏
وقد ذكر المزي في التهذيب أنه روى عن ابن نمير وأبي أسامة أيضا، وجزم صاحب الزهرة بأن البخاري روى عن أبي السكين أربعة أحاديث، وهو مصير منه إلى أنه المراد كما جوزناه، وإلى ذلك مال أبو الوليد الباجي في رجال البخاري‏.‏
والله أعلم قوله‏:‏ ‏(‏وليس معهم ماء فصلوا‏)‏ زاد الحسن بن سفيان في مسنده عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه ‏"‏ فصلوا بغير وضوء ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من طريقه، وكذا أخرجه الجوزقي من وجه آخر عن ابن نمير، وكذا للمصنف في فضل عائشة من طريق أبي أسامة، وفي التفسير من طريق عبدة بن سليمان كلاهما عن هشام، وكذا لمسلم من طريق أبي أسامة، وأغرب ابن المنذر فادعى أن عبدة تفرد بهذه الزيادة‏.‏
وقد تقدمت مباحث الحديث وطريق الجمع بين رواية عروة والقاسم في الباب الذي قبله‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب التَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ إِذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَخَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ
وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الْمَرِيضِ عِنْدَهُ الْمَاءُ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ يَتَيَمَّمُ وَأَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ فَحَضَرَتْ الْعَصْرُ بِمَرْبَدِ النَّعَمِ فَصَلَّى ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة‏)‏ جعله مقيدا بشرطين‏:‏ خوف خروج الوقت وفقد الماء، ويلتحق بفقده عدم القدرة عليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وبه قال عطاء‏)‏ أي بهذا المذهب، وقد وصله عبد الرزاق من وجه صحيح، وابن أبي شيبة من وجه آخر، وليس في المنقول عنه تعرض لوجوب الإعادة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏)‏ وصله إسماعيل القاضي في الأحكام من وجه صحيح، وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن الحسن وابن سيرين قالا‏:‏ لا يتيمم ما رَجا أن يقدر على الماء في الوقت‏.‏
ومفهومه يوافق ما قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأقبل ابن عمر‏)‏ قال الشافعي‏:‏ ‏"‏ أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه أقبل من الجرف، حتى إذا كان بالمربد تيمم فمسح وجهه ويديه وصلى العصر‏"‏، وذكر بقية الخبر كما علقه المصنف، ولم يظهر لي سبب حذفه منه ذكر التيمم مع أنه مقصود الباب‏.‏
وقد أخرجه مالك في الموطأ عن نافع مختصرا، لكن ذكر فيه أنه تيمم فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين‏.‏
وأخرجه الدارقطني والحاكم من وجه آخر عن نافع مرفوعا لكن إسناده ضعيف‏.‏
والجرف بضم الجيم والراء بعدها فاء موضع ظاهر المدينة كانوا يعسكرون به إذا أرادوا الغزو‏.‏
وقال ابن إسحاق‏:‏ هو على فرسخ من المدينة، والمربد بكسر الميم وسكون الراء بعدها موحدة مفتوحة، وحكى ابن التين أنه روى بفتح أوله، وهو من المدينة على ميل‏.‏
وهذا يدل على أن ابن عمر كان يرى جواز التيمم للحاضر، لأن مثل هذا لا يسمى سفرا، وبهذا يناسب الترجمة‏.‏
وظاهره أن ابن عمر لم يراع خروج الوقت لأنه دخل المدينة والشمس مرتفعة، لكن يحتمل أن يكون ظن أنه لا يصل إلا بعد خروج الوقت، ويحتمل أيضا أن ابن عمر تيمم لا عن حدث بل لأنه كان يتوضأ لكل صلاة استحبابا فلعله كان على وضوء فأراد الصلاة ولم يجد الماء كعادته فاقتصر على التيمم بدل الوضوء، وعلى هذا فليس مطابقا للترجمة إلا بجامع ما بينهما من التيمم في الحضر، وأما كونه لم يعد فلا حجة فيه لمن أسقط الإعادة عن المتيمم في الحضر، لأنه على هذا الاحتمال لا تجب عليه الإعادة بالاتفاق، وقد اختلف السلف في أصل المسألة، فذهب مالك إلى عدم وجوب الإعادة على من تيمم في الحضر، ووجهه ابن بطال بأن التيمم إنما ورد في المسافر والمريض لإدراك وقت الصلاة فيلتحق بهما الحاضر إذا لم يقدر على الماء قياسا‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ تجب عليه الإعادة لندور ذلك‏.‏
وعن أبي يوسف وزفر‏:‏ لا يصلي إلى أن يجد الماء ولو خرج الوقت‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ أَبُو الْجُهَيْمِ الْأَنْصَارِيُّ أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏عن جعفر بن ربيعة‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ حدثني جعفر‏"‏، ونصف هذا الإسناد مصريون ونصفه الأعلى مدنيون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت عميرا مولى ابن عباس‏)‏ هو ابن عبد الله الهلالي مولى أم الفضل بنت الحارث والدة ابن عباس، وقد روى ابن إسحاق هذا الحديث فقال ‏"‏ مولى عبيد الله بن عباس‏"‏، وإذا كان مولى أم الفضل فهو مولى أولادها‏.‏
وروى موسى بن عقبة وابن لهيعة وأبو الحويرث هذا الحديث عن الأعرج عن أبي الجهيم ولم يذكروا بينهما عميرا والصواب إثباته، وليس له في الصحيح غير هذا الحديث وحديث آخر عن أم الفضل، ورواية الأعرج عنه من رواية الأقران‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أقبلت أنا وعبد الله بن يسار‏)‏ هو أخو عطاء بن يسار التابعي المشهور، ووقع عند مسلم في هذا الحديث ‏"‏ عبد الرحمن بن يسار ‏"‏ وهو وهم، وليس له في هذا الحديث رواية، ولهذا لم يذكره المصنفون في رجال الصحيحين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على أبي جهيم‏)‏ قيل اسمه عبد الله، وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه قال‏:‏ يقال هو الحارث ابن الصمة، فعلى هذا لفظة ‏"‏ ابن ‏"‏ زائدة بين أبي جهيم والحارث، لكن صحح أبو حاتم أن الحارث اسم أبيه لا اسمه، وفرق ابن أبي حاتم بينه وبين عبد الله بن جهيم يكنى أيضا أبا جهيم‏.‏
وقال ابن منده ‏"‏ عبد الله ابن جهيم بن الحارث بن الصمة ‏"‏ فجعل الحارث اسم جده، ولم يوافق عليه، وكأنه أراد أن يجمع الأقوال المختلفة فيه‏.‏
والصمة بكسر المهملة وتشديد الميم هو ابن عمرو بن عتيك الخزرجي، ووقع في مسلم ‏"‏ دخلنا على أبي الجهم ‏"‏ بإسكان الهاء والصواب أنه بالتصغير، وفي الصحابة شخص آخر يقال له أبو الجهم وهو صاحب الإنبجانية، وهو غير هذا لأنه قرشي وهذا أنصاري، ويقال بحذف الألف واللام في كل منهما وبإثباتهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من نحو بئر جمل‏)‏ أي من جهة الموضع الذي يعرف بذاك، وهو معروف بالمدينة، وهو بفتح الجيم والميم، وفي النسائي بئر الجمل وهو من العقيق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلقيه رجل‏)‏ هو أبو الجهيم الراوي، بينه الشافعي في روايته لهذا الحديث من طريق أبي الحويرث عن الأعرج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى أقبل على الجدار‏)‏ وللدارقطني من طريق ابن إسحاق عن الأعرج ‏"‏ حتى وضع يده على الجدار ‏"‏ وزاد الشافعي ‏"‏ فحته بعصا‏"‏، وهو محمول على أن الجدار كان مباحا، أو مملوكا لإنسان يعرف رضاه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فمسح بوجهه ويديه‏)‏ وللدارقطني من طريق أبي صالح عن الليث ‏"‏ فمسح بوجهه وذراعيه ‏"‏ كذا للشافعي من رواية أبي الحويرث، وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه أبو داود، لكن خطأ الحفاظ روايته في رفعه وصوبوا وقفه، وقد تقدم أن مالكا أخرجه موقوفا بمعناه وهو الصحيح، والثابت في حديث أبي جهيم أيضا بلفظ ‏"‏ يديه ‏"‏ لا ذراعيه فإنها رواية شاذة مع ما في أبي الحويرث وأبي صالح من الضعف، وسيأتي ذكر الخلاف في إيجاب مسح الذراعين بعد بباب واحد، قال النووي‏:‏ هذا الحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم كان عادما للماء حال التيمم‏.‏
قال‏:‏ وهو مقتضى صنيع البخاري، لكن تعقب استدلاله به على جواز التيمم في الحضر بأنه ورد على سبب، وهو إرادة ذكر الله، لأن لفظ السلام من أسمائه، وما أريد به استباحة الصلاة‏.‏
وأجيب بأنه لما تيمم في الحضر لرد السلام - مع جوازه بدون الطهارة - فمن خشي فوت الصلاة في الحضر جاز له التيمم بطريق الأولى لعدم جواز الصلاة بغير طهارة مع القدرة، وقيل يحتمل أنه لم يرد صلى الله عليه وسلم بذلك التيمم رفع الحدث، ولا استباحة محظور، وإنما أراد التشبه بالمتطهرين كما يشرع الإمساك في رمضان لمن يباح له الفطر، أو أراد تخفيف الحدث بالتيمم كما يشرع تخفيف حدث الجنب بالوضوء كما تقدم، واستدل به ابن بطال على عدم اشتراط التراب قال‏:‏ لأنه معلوم أنه لم يعلق بيده من الجدار تراب، ونوقض بأنه غير معلوم بل هو محتمل، وقد سيق من رواية الشافعي ما يدل على أنه لم يكن على الجدار تراب، ولهذا أحتاج إلى حته بالعصا‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:08 PM   #176
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْمُتَيَمِّمُ هَلْ يَنْفُخُ فِيهِمَا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب المتيمم هل ينفخ فيهما‏)‏ أي في يديه، وزعم الكرماني أن في بعض النسخ ‏"‏ باب هل ينفخ في يديه بعدما يضرب بهما الصعيد للتيمم ‏"‏ وإنما ترجم بلفظ الاستفهام لينبه على أن فيه احتمالا كعادته، لأن النفخ يحتمل أن يكون لشيء علق بيده خشي أن يصيب وجهه الكريم، أو علق بيده من التراب شيء له كثرة فأراد تخفيفه لئلا يبقى له أثر في وجهه، ويحتمل أن يكون لبيان التشريع، ومن ثم تمسك به من أجاز التيمم بغير التراب زاعما أن نفخه يدل على أن المشترط في التيمم الضرب من غير زيادة على ذلك، فلما كان هذا الفعل محتملا لما ذكر أورده بلفظ الاستفهام ليعرف الناظر أن للبحث فيه مجالا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبْ الْمَاءَ فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ وَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الحكم‏)‏ هو ابن عتيبة‏.‏
الفقيه الكوفي، وذر بالمعجمة هو ابن عبد الله المرهبي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جاء رجل‏)‏ لم أقف على تسميته‏.‏
وفي رواية الطبراني أنه من أهل البادية‏.‏
وفي رواية سليمان ابن حرب الآتية أن عبد الرحمن بن أبزى شهد ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلم أصب الماء، فقال عمار‏)‏ هذه الرواية اختصر فيها جواب عمر، وليس ذلك من المصنف، فقد أخرجه البيهقي من طريق آدم أيضا بدونها، وقد أورد المصنف الحديث المذكور في الباب الذي يليه من رواية ستة أنفس أيضا عن شعبة بالإسناد المذكور ولم يسقه تاما من رواية واحد منهم، نعم ذكر جواب عمر مسلم من طريق يحيى بن سعيد، والنسائي من طريق حجاج بن محمد كلاهما عن شعبة ولفظهما ‏"‏ فقال لا تصل ‏"‏ زاد السراج ‏"‏ حتى تجد الماء ‏"‏ وللنسائي نحوه‏.‏
وهذا مذهب مشهور عن عمر، ووافقه عليه عبد الله بن مسعود، وجرت فيه مناظرة بين أبي موسى وابن مسعود كما سيأتي في ‏"‏ باب التيمم ضربة‏"‏، وقيل إن ابن مسعود رجع عن ذلك، وسنذكر هناك توجيه ما ذهب إليه عمر في ذلك والجواب عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في سفر‏)‏ ولمسلم ‏"‏ في سرية ‏"‏ وزاد ‏"‏ فأجنبنا ‏"‏ وسيأتي للمصنف مثله في الباب الذي بعده من رواية سليمان بن حرب عن شعبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتمعكت‏)‏ وفي الرواية الآتية بعد ‏"‏ فتمرغت ‏"‏ بالغين المعجمة أي تقلبت، وكأن عمارا استعمل القياس في هذه المسألة لأنه لما رأى أن التيمم إذا وقع بدل الوضوء وقع على هيئة الوضوء رأى أن التيمم عن الغسل يقع على هيئة الغسل‏.‏
ويستفاد من هذا الحديث وقوع اجتهاد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن المجتهد لا لوم عليه إذا بذل وسعه وإن لم يصب الحق، وأنه إذا عمل بالاجتهاد لا تجب عليه الإعادة، وفي تركه أمر عمر أيضا بقضائها متمسك لمن قال إن فاقد الطهورين لا يصلي ولا قضاء عليه كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنما كان يكفيك‏)‏ يه دليل على أن الواجب في التيمم هي الصفة المشروحة في هذا الحديث، والزيادة على ذلك لو ثبتت بالأمر دلت على النسخ ولزم قبولها، لكن إنما وردت بالفعل فتحمل على الأكمل، وهذا هو الأظهر من حيث الدليل كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وضرب بكفيه الأرض‏)‏ في رواية غير أبي ذر فضرب النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا للبيهقي من طريق آدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونفخ فيهما‏)‏ وفي رواية حجاج الآتية ‏"‏ ثم أدناهما من فيه ‏"‏ وهي كناية عن النفخ، وفيها إشارة إلى أنه كان نفخا خفيفا‏.‏
وفي رواية سليمان بن حرب ‏"‏ تفل فيهما ‏"‏ والتفل قال أهل اللغة‏:‏ هو دون البزق، والنفث دونه‏.‏
وسياق هؤلاء يدل على أن التعليم وقع بالفعل‏.‏
ولمسلم من طريق يحيى بن سعيد، وللإسماعيلي من طريق يزيد بن هرون وغيره - كلهم عن شعبة - أن التعليم وقع بالقول، ولفظهم ‏"‏ إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ‏"‏ زاد يحيى ‏"‏ ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك ‏"‏ واستدل بالنفخ على استحباب تخفيف التراب كما تقدم، وعلى سقوط استحباب التكرار في التيمم لأن التكرار يستلزم عدم التخفيف، وعلى أن من غسل رأسه بدل المسح في الوضوء أجزأه أخذا من كون عمار تمرغ في التراب للتيمم وأجزأه ذلك، ومن هنا يؤخذ جواز الزيادة على الضربتين في التيمم، وسقوط إيجاب الترتيب في التيمم عن الجنابة‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب التَّيَمُّمُ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التيمم للوجه والكفين‏)‏ أي هو الواجب المجزئ، وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة دليله، فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار، وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح عدم رفعه، فأما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملا، وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن‏.‏
وفي رواية إلى نصف الذراع‏.‏
وفي رواية إلى الآباط‏.‏
فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال، وأما رواية الآباط فقال الشافعي وغيره‏:‏ إن كان ذلك وقع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكل تيمم صح للنبي صلى الله عليه وسلم بعده فهو ناسخ له، وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به‏.‏
ومما يقوى رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد، وسيأتي الكلام على مسألة الاقتصار على ضربة واحدة في بابه إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ عَنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَمَّارٌ بِهَذَا وَضَرَبَ شُعْبَةُ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ثُمَّ أَدْنَاهُمَا مِنْ فِيهِ ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ وَقَالَ النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ ذَرًّا يَقُولُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ الْحَكَمُ وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عَمَّارٌ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏حدثنا حجاج‏)‏ هو ابن منهال، وقد روى النسائي هذا الحديث من طريق حجاج بن محمد عن شعبة بغير هذا السياق، ولم يسمع البخاري من حجاج بن محمد، وتابعه على هذا السياق عن حجاج ابن منهال على بن عبد العزيز البغوي أخرجه ابن المنذر والطبراني عنه، وخالفهما محمد بن خزيمة البصري عنه فقال ‏"‏ عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه ‏"‏ أخرجه الطحاوي عنه وأشار إلى أنه وهم فيه‏.‏
قلت‏:‏ سقطت من روايته لفظة ‏"‏ ابن ‏"‏ ولا بد منها لأن أبزى والد عبد الرحمن لا رواية له في هذا الحديث‏.‏
والله أعلم قوله‏:‏ ‏(‏عن الحكم‏)‏ في رواية كريمة والأصيلي ‏"‏ أخبرني الحكم ‏"‏ وهي رواية ابن والمنذر أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عبد الرحمن‏)‏ في رواية أبي ذر وأبي الوقت ‏"‏ عن سعيد بن عبد الرحمن‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بهذا‏)‏ أشار إلى سياق المتن الذي قبله من رواية آدم عن شعبة وهو كذلك، إلا أنه ليس في رواية حجاج قصة عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال النضر‏)‏ هو ابن شميل، وهذا التعليق موصول عند مسلم عن إسحاق بن منصور عن النضر، وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق إسحاق بن راهويه عنه وأفاد النضر في هذه الرواية أن الحكم سمعه من شيخ شيخه سعيد بن عبد الرحمن، والظاهر أنه سمعه من ذر عن سعيد ثم لقي سعيدا فأخذه عنه، وكأن سماعه له من ذر كان أتقن ولهذا أكثر ما يجيء في الروايات بإثباته، وأفادت رواية سليمان بن حرب أن عمر أيضا كان قد أجنب فلهذا خالف اجتهاده اجتهاد عمار‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ قَالَ عَمَّارٌ لِعُمَرَ تَمَعَّكْتُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَكْفِيكَ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ شَهِدْتُ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ وَسَاقَ الْحَدِيثَ
الشرح‏:‏
قوله في رواية محمد بن كثير ‏(‏يكفيك الوجه والكفان‏)‏ كذا في رواية الأصيلي وغيره بالرفع فيهما على الفاعلية وهو واضح‏.‏
وفي رواية أبي ذر وكريمة ‏"‏ يكفيك الوجه والكفين ‏"‏ بالنصب فيهما على المفعولية إما بإضمار أعني أو التقدير يكفيك أن تمسح الوجه والكفين، أو بالرفع في الوجه على الفاعلية وبالنصب في الكفين على أنه مفعول معه، وقيل إنه روى بالجر فيهما ووجهه ابن مالك بأن الأصل يكفيك مسح الوجه والكفين فحذف المضاف وبقي المجرور به على ما كان، ويستفاد من هذا اللفظ أن ما زاد على الكفين ليس بفرض كما تقدم، وإليه ذهب أحمد وإسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن خزيمة، ونقله ابن الجهم وغيره عن مالك، ونقله الخطابي عن أصحاب الحديث وقال النووي‏:‏ رواه أبو ثور وغيره عن الشافعي في القديم، وأنكر ذلك الماوردي وغيره‏.‏
قال‏:‏ وهو إنكار مردود لأن أبا ثور إمام ثقة‏.‏
قال‏:‏ وهذا القول وإن كان مرجوحا فهو القوي في الدليل‏.‏
انتهى كلامه في شرح المهذب‏.‏
وقال في شرح مسلم في الجواب عن هذا الحديث‏:‏ إن المراد به بيان صورة الضرب للتعليم، وليس المراد به بيان جميع ما يحصل به التيمم‏.‏
وتعقب بأن سياق القصة يدل على أن المراد به بيان جميع ذلك، لأن ذلك هو الظاهر من قوله ‏"‏ إنما يكفيك‏"‏؛ وأما ما استدل به من اشتراط بلوغ المسح إلى المرفقين من أن ذلك مشترط في الوضوء فجوابه أنه قياس في مقابلة النص، فهو فاسد الاعتبار وقد عارضه من لم يشترط ذلك بقياس آخر، وهو الإطلاق في آية السرقة، ولا حاجة لذلك مع وجود هذا النص‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسلم‏)‏ هو ابن إبراهيم، ولم يسق المتن في هذه الرواية بل قال ‏"‏ وساق الحديث ‏"‏ وظاهره أن لفظه يوافق اللفظ الذي قبله‏.‏
ثم ساقه نازلا من طريق غندر عن شعبة، وأظنه قصد بإيراد هذه الطرق الإشارة إلى أن النضر تفرد بزيادته، وأن الحكم سمعه من سعيد بلا واسطة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عَمَّارٌ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ
الشرح‏:‏
اختصر المصنف سياق غندر، وقد أخرجه أحمد عنه، وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن بشار شيخ البخاري وسياقه أتم ذكر فيه قصة عمر وذكر فيه النفخ أيضا‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:13 PM   #177
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ يَكْفِيهِ مِنْ الْمَاءِ
وَقَالَ الْحَسَنُ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ مَا لَمْ يُحْدِثْ وَأَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى السَّبَخَةِ وَالتَّيَمُّمِ بِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ بالتنوين ‏(‏الصعيد الطيب وضوء لمسلم‏)‏ هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه البزار من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا وصححه ابن القطان، لكن قال الدارقطني‏:‏ أن الصواب إرساله‏.‏
وروى أحمد وأصحاب السنن من طريق أبي قلابة عن عمرو بن بجدان - وهو بضم الموحدة وسكون الجيم - أبي ذر نحوه، ولفظه ‏"‏ إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ‏"‏ وصححه الترمذي وابن حبان والدارقطني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏)‏ وصله عبد الرزاق ولفظه ‏"‏ يجزئ تيمم واحد ما لم يحدث ‏"‏ وابن أبي شيبة ولفظه ‏"‏ لا ينقض التيمم إلا الحدث ‏"‏ وسعيد ابن منصور ولفظه ‏"‏ التيمم بمنزلة الوضوء، إذا تيممت فأنت على وضوء حتى تحدث ‏"‏ وهو أصرح في مقصود الباب‏.‏
وكذلك ما أخرجه حماد بن سلمة في مصنفه عن يونس ابن عبيد عن الحسن قال ‏"‏ تصلي الصلوات كلها بتيمم واحد مثل الوضوء ما لم تحدث‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأم ابن عباس وهو متيمم‏)‏ وصله ابن أبي شيبة والبيهقي وغيرهما وإسناده صحيح، وسيأتي في ‏"‏ باب إذا خاف الجنب ‏"‏ لعمرو بن العاص مثله، وأشار المصنف بذلك إلى أن التيمم يقوم مقام الوضوء ولو كانت الطهارة به ضعيفة لما أم ابن عباس وهو متيمم من كان متوضئا‏.‏
وهذه المسألة وافق فيها البخاري الكوفيين والجمهور، وذهب بعضهم - من التابعين وغيرهم - إلى خلاف ذلك، وحجتهم أن التيمم طهارة ضرورية لاستباحة الصلاة قبل خروج الوقت، ولذلك أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الذي أجنب فلم يصل الإناء من الماء ليغتسل به بعد أن قال له ‏"‏ عليك بالصعيد فإنه يكفيك‏"‏، لأنه وجد الماء فبطل تيممه‏.‏
وفي الاستدلال بهذا على عدم جواز أكثر من فريضة بتيمم واحد نظر، وقد أبيح عند الأكثر بالتيمم الواحد النوافل مع الفريضة، إلا أن مالكا رحمه الله يشترط تقدم الفريضة‏.‏
وشذ شريك القاضي فقال‏:‏ لا يصلي بالتيمم الواحد أكثر من صلاة واحدة فرضا كانت أو نفلا‏.‏
قال ابن المنذر‏:‏ إذا صحت النوافل بالتيمم الواحد صحت الفرائض، لأن جميع ما يشترط للفرائض مشترط للنوافل إلا بدليل‏.‏
انتهى‏.‏
وقد اعترف البيهقي بأنه ليس في المسألة حديث صحيح من الطرفين‏.‏
قال‏:‏ لكن صح عن ابن عمر إيجاب التيمم لكل فريضة، ولا يعلم له مخالف من الصحابة‏.‏
وتعقب بما رواه ابن المنذر عن ابن عباس أنه لا يجب، واحتج المصنف لعدم الوجوب بعموم قوله في حديث الباب ‏"‏ فإنه يكفيك ‏"‏ أي ما لم تحدث أو تجد الماء، وحمله الجمهور على الفريضة التي تيمم من أجلها ويصلي به ما شاء من النوافل، فإذا حضرت فريضة أخرى وجب طلب الماء، فإن لم يجد تيمم‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال يحيى بن سعيد‏)‏ هو الأنصاري‏.‏
‏"‏ والسبخة ‏"‏ بمهملة وموحدة ثم معجمة مفتوحات هي الأرض المالحة التي لا تكاد تنبت، وإذا وصفت الأرض قلت هي أرض سبخة بكسر الموحدة‏.‏
وهذا الأثر يتعلق بقوله في الترجمة ‏"‏ الصعيد الطيب ‏"‏ أي أن المراد بالطيب الطاهر، وأما الصعيد فقد تقدم نقل الخلاف فيه وأن الأظهر اشتراط التراب، ويدل عليه قوله تعالى ‏(‏فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه‏)‏ فإن الظاهر أنها للتبعيض، قال ابن بطال‏:‏ فإن قيل لا يقال مسح منه إلا إذا أخذ منه جزءا، وهذه صفة التراب لا صفة الصخر مثلا الذي لا يعلق باليد منه شيء، قال‏:‏ فالجواب أنه يجوز أن يكون قوله ‏"‏ منه ‏"‏ صلة‏.‏
وتعقب بأنه تعسف‏.‏
قال صاحب الكشاف‏:‏ فإن قلت لا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت برأسي من الدهن أو غيره إلا معنى التبعيض‏.‏
قلت‏:‏ هو كما تقول، والإذعان للحق خير من المراء‏.‏
انتهى‏.‏
واحتج ابن خزيمة لجواز التيمم بالسبخة بحديث عائشة في شأن الهجرة أنه قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أريت دار هجرتكم سبخة ذات نخل ‏"‏ يعني المدينة قال‏:‏ وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة طيبة فدل على أن السبخة داخلة في الطيب، ولم يخالف في ذلك إلا إسحاق بن راهويه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ قَالَ كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلَا وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ اسْتَيْقَظَ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ ثُمَّ فُلَانٌ يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِيَ عَوْفٌ ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابِعُ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ وَكَانَ رَجُلًا جَلِيدًا فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ بِصَوْتِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ قَالَ لَا ضَيْرَ أَوْ لَا يَضِيرُ ارْتَحِلُوا فَارْتَحَلَ فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالْوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاس فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ قَالَ عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنْ الْعَطَشِ فَنَزَلَ فَدَعَا فُلَانًا كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ نَسِيَهُ عَوْفٌ وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ اذْهَبَا فَابْتَغِيَا الْمَاءَ فَانْطَلَقَا فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ أَوْ سَطِيحَتَيْنِ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا فَقَالَا لَهَا أَيْنَ الْمَاءُ قَالَتْ عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ وَنَفَرُنَا خُلُوفًا قَالَا لَهَا انْطَلِقِي إِذًا قَالَتْ إِلَى أَيْنَ قَالَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ قَالَا هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ فَانْطَلِقِي فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَاهُ الْحَدِيثَ قَالَ فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا وَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ أَوْ سَطِيحَتَيْنِ وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا وَأَطْلَقَ الْعَزَالِيَ وَنُودِيَ فِي النَّاسِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا فَسَقَى مَنْ شَاءَ وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ وَكَانَ آخِرُ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ قَالَ اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ وَهِيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلْأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْمَعُوا لَهَا فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا قَالَ لَهَا تَعْلَمِينَ مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَسْقَانَا فَأَتَتْ أَهْلَهَا وَقَدْ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ قَالُوا مَا حَبَسَكِ يَا فُلَانَةُ قَالَتْ الْعَجَبُ لَقِيَنِي رَجُلَانِ فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَأَسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ وَقَالَتْ بِإِصْبَعَيْهَا الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ تَعْنِي السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَلَا يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِي هِيَ مِنْهُ فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ يَدْعُونَكُمْ عَمْدًا فَهَلْ لَكُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ صَبَأَ خَرَجَ مِنْ دِينٍ إِلَى غَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ الصَّابِئِينَ فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ الزَّبُورَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسدد‏)‏ زاد أبو ذر ‏"‏ ابن مسرهد‏"‏، ويحيى بن سعيد هو القطان، وعوف بالفاء هو الأعرابي وأبو رجاء هو العطاردي وعمران هو ابن حصين كلهم بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ اختلف في تعيين هذا السفر‏:‏ ففي مسلم من حديث أبي هريرة أنه وقع عند رجوعهم من خيبر قريب من هذه القصة، وفي أبي داود من حديث ابن مسعود ‏"‏ أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ليلا فنزل فقال من يكلؤنا‏؟‏ فقال بلال أنا ‏"‏ الحديث‏.‏
وفي الموطأ عن زيد بن أسلم مرسلا ‏"‏ عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بطريق مكة، ووكل بلالا‏"‏، وفي مصنف عبد الرزاق عن عطاء بن يسار مرسلا أن ذلك كان بطريق تبوك، وللبيهقي في الدلائل نحوه من حديث عقبة ابن عامر، وروى مسلم من حديث أبي قتادة مطولا والبخاري مختصرا في الصلاة قصة نومهم عن صلاة الصبح أيضا في السفر لكن لم يعينه، ووقع في رواية لأبي داود أن ذلك كان في غزوة جيش الأمراء، وتعقبه ابن عبد البر بأن غزوة جيش الأمراء هي غزوة مؤتة ولم يشهدها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو كما قال، لكن يحتمل أن يكون المراد بغزوة جيش الأمراء غزوة أخرى غير غزوة مؤته‏.‏
وقد اختلف العلماء هل كان ذلك مرة أو أكثر، أعني نومهم عن صلاة الصبح، فجزم الأصيلي بأن القصة واحدة، وتعقبه القاضي عياض بأن قصة أبي قتادة مغايرة لقصة عمران بن حصين، وهو كما قال، فأن قصة أبي قتادة فيها أن أبا بكر وعمر لم يكونا مع النبي صلى الله عليه وسلم لما نام، وقصة عمران فيها أنهما كانا معه كما سنبينه، وأيضا فقصة عمران فيها أن أول من استيقظ أبو بكر ولم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم حتى أيقظه عمر بالتكبير، وقصة أبي قتادة فيها أن أول من استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، وفي القصتين غير ذلك من وجوه المغايرات، ومع ذلك فالجمع بينهما ممكن لا سيما ما وقع عند مسلم وغيره أن عبد الله بن رباح راوي الحديث عن أبي قتادة ذكر أن عمران بن حصين سمعه وهو يحدث بالحديث بطوله فقال له‏:‏ أنظر كيف تحدث، فإني كنت شاهدا القصة‏.‏
قال فما أنكر عليه من الحديث شيئا‏.‏
فهذا يدل على اتحادها‏.‏
لكن لمدعي التعدد أن يقول‏:‏ يحتمل أن يكون عمران حضر القصتين فحدث بإحداهما وصدق عبد الله بن رباح لما حدث عن أبي قتادة بالأخرى‏.‏
والله أعلم‏.‏
ومما يدل على تعدد القصة اختلاف مواطنها كما قدمناه، وحاول ابن عبد البر الجمع بينهما بأن زمان رجوعهم من خيبر قريب من زمان رجوعهم من الحديبية، وأن اسم طريق مكة يصدق عليهما‏.‏
ولا يخفى ما فيه من التكلف، ورواية عبد الرزاق بتعيين غزوة تبوك ترد عليه‏.‏
وروى الطبراني من حديث عمرو بن أمية شبيها بقصة عمران، وفيه أن الذي كلأ لهم الفجر ذو مخبر، وهو بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الموحدة، وأخرجه من طريق ذي مخبر أيضا وأصله عند أبي داود، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أن بلالا هو الذي كلأ لهم الفجر، وذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولهم استيقاظا كما في قصة أبي قتادة‏.‏
ولابن حبان في صحيحه من حديث ابن مسعود أنه كلأ لهم الفجر، وهذا أيضا يدل على تعدد القصة والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أسرينا‏)‏ قال الجوهري‏:‏ تقول سريت وأسريت بمعنى إذا سرت ليلا‏.‏
وقال صاحب المحكم السري سير عامة الليل وقيل سير الليل كله‏.‏
وهذا الحديث يخالف القول الثاني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقعنا وقعة‏)‏ في رواية أبي قتادة عند المصنف ذكر سبب نزولهم في تلك الساعة وهو سؤال بعض القوم في ذلك، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ أخاف أن تناموا عن الصلاة، فقال بلال أنا أوقظهم ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏فكان أول من استيقظ فلان‏)‏ بنصب أول لأنه خبر كان‏.‏
وقوله ‏"‏الرابع ‏"‏ هو في روايتنا بالرفع، ويجوز نصبه على خبر كان أيضا، وقد بين عوف أنه نسى تسمية الثلاثة مع أن شيخه كان يسميهم، وقد شاركه في روايته عند مسلم بن زرير فسمى أول من استيقظ، أخرجه المصنف في علامات النبوة من طريقه ولفظه ‏"‏ فكان أول من استيقظ أبو بكر‏"‏‏.‏
ويشبه والله أعلم أن يكون الثاني عمران راوي القصة لأن ظاهر سياقه أنه شاهد ذلك ولا يمكنه مشاهدته إلا بعد استيقاظه، ويشبه أن يكون الثالث من شارك عمران في رواية هذه القصة المعينة، ففي الطبراني من رواية عمرو بن أمية ‏"‏ قال ذو مخبر‏:‏ فما أيقظني إلا حر الشمس، فجئت أدني القوم فأيقظته، وأيقظ الناس بعضهم بعضا حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لأنا لا ندري ما يحدث له‏)‏ بضم الدال بعدها مثلثة أي من الوحي، كانوا يخافون من إيقاظه قطع الوحي فلا يوقظونه لاحتمال ذلك‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ يؤخذ منه التمسك بالأمر الأعم احتياطا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان رجلا جليدا‏)‏ هو من الجلادة بمعنى الصلابة، وزاد مسلم هنا ‏"‏ أجوف ‏"‏ أي رفيع الصوت، يخرج صوته من جوفه بقوة‏.‏
وفي استعماله التكبير سلوك طريق الأدب والجمع بين المصلحتين، وخص التكبير لأنه أصل الدعاء إلى الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الذي أصابهم‏)‏ أي من نومهم عن صلاة الصبح حتى خرج وقتها‏.‏
قوله ‏(‏لا ضير‏)‏ أي لا ضرر، وقوله ‏"‏أو لا يضير ‏"‏ شك من عوف صرح بذلك البيهقي في روايته، ولأبي نعيم في المستخرج ‏"‏ لا يسوء ولا يضير ‏"‏ وفيه تأنيس لقلوب الصحابة لما عرض لهم من الأسف على قوات الصلاة في وقتها بأنهم لا حرج عليهم إذ لم يتعمدوا ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ارتحلوا‏)‏ بصيغة الأمر، استدل به على جواز تأخير الفائتة عن وقت ذكرها إذا لم يكن عن تغافل أو استهانة، وقد بين مسلم من رواية أبي حازم عن أبي هريرة السبب في الأمر بالارتحال من ذلك الموضع الذي ناموا فيه ولفظه ‏"‏ فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان ‏"‏ ولأبي داود من حديث ابن مسعود ‏"‏ تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة ‏"‏ وفيه رد على ما زعم أن العلة فيه كون ذلك كان وقت الكراهة، بل في حديث الباب أنهم لم يستيقظوا حتى وجدوا حر الشمس، ولمسلم من حديث أبي هريرة ‏"‏ حتى ضربتهم الشمس ‏"‏ وذلك لا يكون إلا بعد أن يذهب وقت الكراهة، وقد قيل إنما أخر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة لاشتغالهم بأحوالها، وقيل تحرزا من العدو، وقيل انتظارا لما ينزل عليه من الوحي، وقيل لأن المحل محل غفلة كما تقدم عند أبي داود، وقيل ليستيقظ من كان نائما وينشط من كان كسلانا‏.‏
وروى عن ابن وهب وغيره أن تأخير قضاء الفائتة منسوخ بقوله تعالى ‏(‏أقم الصلاة لذكري‏)‏ وفيه نظر لأن الآية مكية والحديث مدني فكيف ينسخ المتقدم المتأخر‏؟‏ وقد تكلم العلماء في الجمع بين حديث النوم هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن عيني تنامان ولا ينام قلبي ‏"‏ قال النووي‏:‏ له جوابان، أحدهما أن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما، ولا يدرك ما يتعلق بالعين لأنها نائمة والقلب يقظان‏.‏
والثاني أنه كان له حالان‏:‏ حال كان قلبه فيه لا ينام وهو الأغلب، وحال ينام فيه قلبه وهو نادر، فصادف هذا أي قصة النوم عن الصلاة‏.‏
قال‏:‏ والصحيح المعتمد هو الأول والثاني ضعيف‏.‏
وهو كما قال‏.‏
ولا يقال القلب وإن كان لا يدرك ما يتعلق بالعين من رؤية الفجر مثلا لكنه يدرك إذا كان يقظانا مرور الوقت الطويل، فإن من ابتداء طلوع الفجر إلى أن حميت الشمس مدة طويلة لا تخفى على من لم يكن مستغرقا، لأنا نقول‏:‏ يحتمل أن يقال كان قلبه صلى الله عليه وسلم إذ ذاك مستغرقا بالوحي، ولا يلزم مع ذلك وصفه بالنوم، كما كان يستغرق صلى الله عليه وسلم حالة إلقاء الوحي في اليقظة، وتكون الحكمة في ذلك بيان التشريع بالفعل لأنه أوقع في النفس كما في قضية سهوة في الصلاة‏.‏
وقريب من هذا جواب ابن المنير‏:‏ أن القلب قد يحصل له السهو في اليقظة لمصلحة التشريع، ففي النوم بطريق الأولى، أو على السواء‏.‏
وقد أجيب على أصل الإشكال بأجوبة أخرى ضعيفة، منها أن معنى قوله ‏"‏ لا ينام قلبي ‏"‏ أي لا يخفى عليه حالة انتقاض وضوئه، ومنها أن معناه لا يستغرق بالنوم حتى يوجد منه الحدث، وهذا قريب من الذي قبله‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ كأن قائل هذا أراد تخصيص يقظة القلب بإدراك حالة الانتقاض، وذلك بعيد، وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن عيني تنامان ولا ينام قلبي ‏"‏ خرج جوابا عن قول عائشة‏:‏ أتنام قبل أن توتر‏؟‏ وهذا كلام لا تعلق له بانتقاض الطهارة الذي تكلموا فيه، وإنما هو جواب يتعلق بأمر الوتر فتحمل يقظته على تعلق القلب باليقظة للوتر، وفرق بين من شرع في النوم مطمئن القلب به وبين من شرع فيه متعلقا باليقظة‏.‏
قال‏:‏ فعلى هذا فلا تعارض ولا إشكال في حديث النوم حتى طلعت الشمس، لأنه يحمل على أنه اطمأن في نومه لما أوجبه تعب السير معتمدا على من وكله بكلاءة الفجر‏.‏
ا ه، والله أعلم‏.‏
ومحصله تخصيص اليقظة المفهومة من قوله ‏"‏ ولا ينام قلبي ‏"‏ بإدراكه وقت الوتر إدراكا معنويا لتعلقه به، وأن نومه في حديث الباب كان نوما مستغرقا، ويؤيده قول بلال له ‏"‏ أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ‏"‏ كما في حديث أبي هريرة عند مسلم ولم ينكر عليه، ومعلوم أن نوم بلال كان مستغرقا‏.‏
وقد اعترض عليه بأن ما قاله يقتضي اعتبار خصوص السبب، وأجاب بأنه يعتبر إذا قامت عليه قرينة وأرشد إليه السياق، وهو هنا كذلك‏.‏
ومن الأجوبة الضعيفة أيضا قول من قال‏:‏ كان قلبه يقظانا وعلم بخروج الوقت لكن ترك إعلامهم بذلك عمدا لمصلحة التشريع‏.‏
وقول من قال‏:‏ المراد بنفي النوم عن قلبه أنه لا يطرأ عليه أضغاث أحلام كما يطرأ على غيره، بل كل ما يراه في نومه حق ووحي‏.‏
فهذه عدة أجوبة أقربها إلى الصواب الأول على الوجه الذي قررناه، والله المستعان‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قال القرطبي‏:‏ أخذ بهذا بعض العلماء فقال‏:‏ من انتبه من نوم عن صلاة فاتته في سفر فليتحول عن موضعه، وإن كان واديا فيخرج عنه‏.‏
وقيل إنما يلزم في ذلك الوادي بعينه، وقيل‏:‏ هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعلم من حال ذلك الوادي ولا غيره ذلك إلا هو‏.‏
وقال غيره‏:‏ يؤخذ منه أن من حصلت له غفلة في مكان عن عبادة استحب له التحول منه، ومنه أمر الناعس في سماع الخطبة يوم الجمعة بالتحول من مكانه إلى مكان آخر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فسار غير بعيد‏)‏ يدل على أن الارتحال المذكور وقع على خلاف سيرهم المعتاد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونودي بالصلاة‏)‏ استدل به على الأذان للفوائت، وتعقب بأن النداء أعم من الأذان فيحتمل أن يراد به هنا الإقامة‏.‏
وأجيب بأن في رواية مسلم من حديث أبي قتادة التصريح بالتأذين، وكذا هو عند المصنف في أواخر المواقيت‏.‏
وترجم له خاصة بذلك كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى بالناس‏)‏ فيه مشروعية الجماعة في الفوائت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا هو برجل‏)‏ لم أقف على تسميته، ووقع في شرح العمدة للشيخ سراج الدين بن الملقن ما نصه‏:‏ هذا الرجل هو خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري أخو رفاعة، شهد بدرا، قال ابن الكلبي‏:‏ وقتل يومئذ‏.‏
وقال غيره‏:‏ له رواية‏.‏
وهذا يدل على أنه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قلت‏:‏ أما على قول ابن الكلبي فيستحيل أن يكون هو صاحب هذه القصة لتقدم وقعة بدر على هذه القصة بمدة طويلة بلا خلاف، فكيف يحضر هذه القصة بعد قتله‏؟‏ وأما على قول غير ابن الكلبي فيحتمل أن يكون هو، لكن لا يلزم من كونه له رواية أن يكون عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم لاحتمال أن تكون الرواية عنه منقطعة، أو متصلة لكن نقلها عنه صحابي آخر ونحوه‏.‏
وعلى هذا فلا منافاة بين هذا وبين من قال إنه قتل ببدر إلا أن تجيء رواية عن تابعي غير مخضرم وصرح فيها بسماعه منه فحينئذ يلزم أن يكون عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا يلزم أن يكون هو صاحب هذه القصة، إلا إن وردت رواية مخصوصة بذلك، ولم أقف عليها إلى الآن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أصابتني جنابة ولا ماء‏)‏ بفتح الهمزة، أي معي أو موجود، وهو أبلغ في إقامة عذره‏.‏
وفي هذه القصة مشروعية تيمم الجنب، وسيأتي القول فيه في الباب الذي بعده‏.‏
وفيها جواز الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم لأن سياق القصة يدل على أن التيمم كان معلوما عندهم، لكنه صريح في الآية عن الحدث الأصغر، بناء على أن المراد بالملامسة ما دون الجماع، وأما الحدث الأكبر فليست صريحة فيه، فكأنه كان يعتقد أن الجنب لا يتيمم، فعمل بذلك مع قدرته على أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الحكم، ويحتمل أنه كان لا يعلم مشروعية التيمم أصلا فكان حكمه حكم فاقد الطهورين‏.‏
ويؤخذ من هذه القصة أن للعالم إذا رأى فعلا محتملا أن يسأل فاعله عن الحال فيه ليوضح له وجه الصواب‏.‏
وفيه التحريض على الصلاة في الجماعة، وأن ترك الشخص الصلاة بحضرة المصلين معيب على فاعله بغير عذر‏.‏
وفيه حسن الملاطفة، والرفق في الإنكار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عليك بالصعيد‏)‏ وفي رواية سلم بن زرير ‏"‏ فأمره أن يتيمم بالصعيد ‏"‏ واللام فيه للعهد المذكور في الآية الكريمة، ويؤخذ منه الاكتفاء في البيان بما يحصل به المقصود من الإفهام، لأنه أحاله على الكيفية المعلومة من الآية، ولم يصرح له بها‏.‏
ودل قوله يكفيك على أن المتيمم في مثل هذه الحالة لا يلزمه القضاء، ويحتمل أن يكون المراد بقوله ‏"‏ يكفيك ‏"‏ أي للأداء، فلا يدل على ترك القضاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فدعا فلانا‏)‏ هو عمران بن حصين، ويدل على ذلك قوله في رواية سلم به زرير عند مسلم ‏"‏ ثم عجلني النبي صلى الله عليه وسلم في ركب بين يديه نطلب الماء ‏"‏ ودلت هذه الرواية على أنه كان هو وعلي فقط لأنهما خوطبا بلفظ التثنية، ويحتمل أنه كان معهما غيرهما على سبيل التبعية لهما فيتجه إطلاق لفظ ركب في رواية مسلم، وخصا بالخطاب لأنهما المقصودان بالإرسال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فابتغيا‏)‏ للأصيلي ‏"‏ فابغيا ‏"‏ ولأحمد ‏"‏ فأبغيانا ‏"‏ والمراد الطلب يقال ابتغ الشيء أي تطلبه، وابغ الشيء أي اطلبه، وأبغني أي اطلب لي‏.‏
وفيه الجري على العادة في طلب الماء وغيره دون الوقوف عند خرقها، وأن التسبب في ذلك غير قادح في التوكل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين مزادتين‏)‏ لمزادة بفتح الميم والزاي قربة كبيرة يزاد فيها جلد من غيرها، وتسمى أيضا ‏"‏ السطيحة‏"‏، و ‏"‏ أو ‏"‏ هنا شك من عوف لخلو رواية مسلم عن أبي رجاء عنها‏.‏
وفي رواية مسلم ‏"‏ فإذا نحن بامرأة سادلة - أي مدلية - رجليها بين مزادتين ‏"‏ والمراد بهما الراوية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أمس‏)‏ خبر لمبتدأ، وهو مبني على الكسر، و ‏"‏ هذه الساعة ‏"‏ بالنصب على الظرفية‏.‏
وقال ابن مالك‏:‏ أصله في مثل هذه الساعة فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أي بعد حذف ‏"‏ في‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونفرنا‏)‏ قال ابن سيدة النفر ما دون العشرة، وقيل النفر الناس عن كراع‏.‏
قلت‏:‏ وهو اللائق هنا، لأنها أرادت أن رجالها تخلفوا لطلب الماء‏.‏
و ‏"‏ خلوف ‏"‏ بضم الخاء المعجمة واللام جمع خالف، قال ابن فارس‏:‏ الخالف المستقي، ويقال أيضا لمن غاب، ولعله المراد هنا، أي أن رجالها غابوا عن الحي، ويكون قولها ‏"‏ ونفرنا خلوف ‏"‏ جملة مستقلة زائدة على جواب السؤال‏.‏
وفي رواية المستملي والحموي ‏"‏ ونفرنا خلوفا ‏"‏ بالنصب على الحال السادة مسد الخبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الصابي‏)‏ بلا همز أي المائل، ويروى بالهمز من صبأ صبوءا، أي خرج من دين إلى دين‏.‏
وسيأتي تفسيره للمصنف في آخر الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هو الذي تعنين‏)‏ فيه أدب حسن، ولو قالا لها ‏"‏ لا ‏"‏ لفات المقصود، أو ‏"‏ نعم ‏"‏ لم يحسن بهما إذ فيه تقرير ذلك، فتخلصا أحسن تخلص‏.‏
وفيه جواز الخلوة بالأجنبية في مثل هذه الحالة عند أمن الفتنة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاستنزلوها عن بعيرها‏)‏ قال بعض الشراح المتقدمين‏:‏ إنما أخذوها واستجازوا أخذ مائها لأنها كانت كافرة حربية، وعلى تقدير أن يكون لها عهد فضرورة العطش تبيح للمسلم الماء المملوك لغيره على عوض، وإلا فنفس الشارع تفدي بكل شيء على سبيل الوجوب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ففرغ‏)‏ وللكشميهني ‏"‏ فأفرغ فيه من أفواه المزادتين ‏"‏ زاد الطبراني والبيهقي من هذا الوجه ‏"‏ فتمضمض في الماء وأعاده في أفواه المزادتين ‏"‏ وبهذه الزيادة تتضح الحكمة في ربط الأفواه بعد فتحها، وإطلاق الأفواه هنا كقوله تعالى ‏(‏فقد صغت قلوبكما‏)‏ إذ ليس لكل مزادة سوى فم واحد، وعرف منها أن البركة إنما حصلت بمشاركة ريقه الطاهر المبارك للماء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأوكأ‏)‏ أي ربط، و قوله‏:‏ ‏(‏وأطلق‏)‏ أي فتح ‏"‏ والعزالى ‏"‏ بفتح المهملة والزاي وكسر اللام ويجوز فتحها جمع عزلاء بإسكان الزاي‏.‏
قال الخليل‏:‏ هي مصب الماء من الراوية، ولكل مزادة عزلا وإن من أسفلها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أسقوا‏)‏ بهمزة قطع مفتوحة من أسقى، أو بهمزة وصل مكسورة من سقي، والمراد أنهم سقوا غيرهم كالدواب ونحوها واستقوا هم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان آخر ذلك أن أعطى‏)‏ بنصب آخر على أنه خبر مقدم، وأن أعطى اسم كان، ويجوز رفعه على أن أعطى الخبر لأن كليهما معرفة‏.‏
قال أبو البقاء‏:‏ والأول أقوى، ومثله قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فما كان جواب قومه‏)‏ الآية‏.‏
واستدل بهذه القصة على تقديم مصلحة شرب الآدمي والحيوان على غيره كمصلحة الطهارة بالماء لتأخير المحتاج إليها عمن سقى واستقى، ولا يقال قد وقع في رواية سلم بن زرير ‏"‏ غير أنا لم نسق بعيرا ‏"‏ لأنا نقول‏:‏ هو محمول على أن الإبل لم تكن محتاجة إذ ذاك إلى السقي، فيحمل قوله فسقى على غيرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأيم الله‏)‏ بفتح الهمزة وكسرها والميم مضمومة أصله ‏"‏ أيمن الله ‏"‏ وهو اسم وضع للقسم هكذا ثم حذفت منه النون تخفيفا وألفه ألف وصل مفتوحة ولم يجيء كذلك غيرها، وهو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف والتقدير أيم الله قسمي، وفيها لغات جمع منها النووي في تهذيبه سبع عشرة وبلغ بها غيره عشرين، وسيكون لنا إليها عودة لبيانها في كتاب الأيمان إن شاء الله تعالى‏.‏
ويستفاد منه جواز التوكيد باليمين وإن لم يتعين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أشد ملأة‏)‏ بكسر الميم وسكون اللام بعدها همزة‏.‏
وفي رواية للبيهقي ‏"‏ أملأ منها‏"‏، والمراد أنهم يظنون أن ما بقي فيها من الماء أكثر مما كان أولا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اجمعوا لها‏)‏ فيه جواز الأخذ للمحتاج برضا المطلوب منه، أو بغير رضاه إن تعين، وفيه جواز المعاطاة في مثل هذا من الهبات والإباحات من غير لفظ من المعطى والآخذ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من بين عجوة وسويقة‏)‏ العجوة معروفة، والسويقة بفتح أوله وكذا الدقيقة‏.‏
وفي رواية كريمة بضمها مصغرا مثقلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى جمعوا لها طعاما‏)‏ زاد أحمد في روايته ‏"‏ كثيرا ‏"‏ وفيه إطلاق لفظ الطعام على غير الحنطة والذرة خلافا لمن أبى ذلك، ويحتمل أن يكون قوله ‏"‏ حتى جمعوا لها طعاما ‏"‏ أي غير ما ذكر من العجوة وغيرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال لها تعلمين‏)‏ بفتح أوله وثانيه وتشديد اللام أي اعلمي، وللأصيلي ‏"‏ قالوا ‏"‏ وللإسماعيلي ‏"‏ قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فتحمل رواية الأصيلي على أنهم قالوا لها ذلك بأمره‏.‏
وقد اشتمل ذلك على علم عظيم من أعلام النبوة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما رزئنا‏)‏ فتح الراء وكسر الزاي - ويجوز فتحها - وبعدها همزة ساكنة أي نقصنا، وظاهره أن جميع ما أخذوه من الماء مما زاده الله تعالى وأوجده، وأنه لم يختلط فيه شيء من مائها في الحقيقة وإن كان في الظاهر مختلطا، وهذا أبدع وأغرب في المعجزة، وهو ظاهر قوله‏:‏ ‏(‏ولكن الله هو الذي أسقانا‏)‏ ويحتمل أن يكون المراد ما نقصنا من مقدار مائك شيئا‏.‏
واستدل بهذا على جواز استعمال أواني المشركين ما لم يتيقن فيها النجاسة، وفيه إشارة إلى أن الذي أعطاها ليس على سبيل العوض عن مائها بل على سبيل التكرم والتفضل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت بإصبعيها‏)‏ أي أشارت، وهو من إطلاق القول على الفعل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يغيرون‏)‏ الضم من أغار أي دفع الخيل في الحرب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الصرم‏)‏ بكسر المهملة، أي أبياتا مجتمعة من الناس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقالت يوما لقومها‏:‏ ما أرى هؤلاء القوم يدعونكم عمدا‏)‏ هذه رواية الأكثر، قال ابن مالك‏:‏ ما موصولة، وأرى بفتح الهمزة بمعنى أعلم، والمعنى الذي اعتقده أن هؤلاء يتركونكم عمدا لا غفلة ولا نسيانا بل مراعاة لما سبق بيني وبينهم، وهذه الغاية في مراعاة الصحبة اليسيرة، وكان هذا القول سببا لرغبتهم في الإسلام‏.‏
وفي رواية أبي ذر ‏"‏ ما أرى أن هؤلاء القوم ‏"‏ وقال ابن مالك أيضا‏:‏ وقع في بعض النسخ ‏"‏ ما أدري ‏"‏ يعني رواية الأصيلي‏.‏
قال‏:‏ وما موصولة وأن بفتح الهمزة وقال غيره‏:‏ ما نافية وأن بمعنى لعل‏.‏
وقيل‏:‏ ما نافية وإن بالكسر، ومعناه لا أعلم حالكم في تخلفكم عن الإسلام مع أنهم يدعونكم عمدا‏.‏
ومحصل القصة أن المسلمين صاروا يراعون قومها على سبيل الاستئلاف لهم حتى كان ذلك سببا لإسلامهم‏.‏
وبهذا يحصل الجواب عن الإشكال الذي ذكره بعضهم، وهو أن الاستيلاء على الكفار بمجرده يوجب رق النساء والصبيان، وإذا كان كذلك فقد دخلت المرأة في الرق باستيلائهم عليها فكيف وقع إطلاقها وتزويدها كما تقدم‏؟‏ لأنا نقول‏:‏ أطلقت لمصلحة الاستئلاف الذي جر دخول قومها أجمعين في الإسلام، ويحتمل أنها كان لها أمان قبل ذلك، أو كانت من قوم لهم عهد‏.‏
واستدل به بعضهم على جواز أخذ أموال الناس عند الضرورة بثمن إن كان له ثمن، وفيه نظر لأنه بناه على أن الماء كان مملوكا للمرأة وأنها كانت معصومة النفس والمال، ويحتاج إلى ثبوت ذلك‏.‏
وإنما قدمناه احتمالا‏.‏
وأما قوله ‏"‏ بثمن ‏"‏ فكأنه أخذه من إعطائها ما ذكر، وليس بمستقيم، لأن العطية المذكورة متقومة، والماء مثلى، وضمان المثلى إنما يكون بالمثل‏.‏
وينعكس ما قاله من جهة أخرى وهو أن المأخوذ من فضل الماء للضرورة لا يجب العوض عنه‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ فيه جواز طعام المخارجة، لأنهم تخارجوا في عوض الماء، وهو مبني على ما تقدم‏.‏
وفيه أن الخوارق لا تغير الأحكام الشرعية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏:‏ صبأ‏.‏
إلخ‏)‏ هذا في رواية المستملي وحده، ووقع في نسخة الصغاني‏:‏ صبأ فلان‏:‏ انخلع‏.‏
وأصبأ، أي كذلك‏.‏
وكذا قوله ‏"‏ وقال أبو العالية‏.‏
إلخ ‏"‏ وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس عنه‏.‏
وقال غيره‏:‏ هم منسوبون إلى صابئ بن متوشلح عم نوح عليه السلام‏.‏
وروى ابن مردوية بإسناد حسن عن ابن عباس قال‏:‏ الصابئون ليس لهم كتاب‏.‏
انتهى‏.‏
ووقع في نسخة الصغاني ‏"‏ أصب أمل ‏"‏ وهذا سيأتي في تفسير سورة يوسف إن شاء الله تعالى‏.‏
وإنما أورد البخاري هذا هنا ليبين الفرق بين الصابئ المراد في هذا الحديث والصابئ المنسوب للطائفة المذكورة‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:14 PM   #178
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا خَافَ الْجُنُبُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَرَضَ أَوْ الْمَوْتَ أَوْ خَافَ الْعَطَشَ تَيَمَّمَ
وَيُذْكَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَتَيَمَّمَ وَتَلَا وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُعَنِّفْ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض‏.‏ إلخ‏)‏ مراده إلحاق خوف المرض، وفيه اختلاف بين الفقهاء بخوف العطش ولا اختلاف فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر أن عمرو بن العاص‏)‏ هذا التعليق وصله أبو داود والحاكم من طريق يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص قال ‏"‏ احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت أن أغتسل فأهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح‏.‏
فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب‏؟‏ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت‏:‏ إني سمعت الله يقول‏:‏ ‏(‏ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما‏)‏ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا‏"‏‏.‏
وروياه أيضا من طريق عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب، لكن زاد عبد الرحمن بن جبير وعبد الله بن عمرو رجلا وهو أبو قيس مولى عمرو بن العاص وقال في القصة ‏"‏ فغسل مغابنه وتوضأ ‏"‏ ولم يقل تيمم‏.‏
وقال فيه ‏"‏ لو اغتسلت مت ‏"‏ وذكر أبو داود أن الأوزاعي روى عن حسان بن عطية هذه القصة فقال فيها ‏"‏ فتيمم‏"‏‏.‏ انتهى‏.‏
ورواها عبد الرزاق من وجه آخر عن عبد الله ابن عمرو بن العاص ولم يذكر التيمم، والسياق الأول أليق بمراد المصنف وإسناده قوي، لكنه علقه بصيغة التمريض لكونه اختصره، وقد أوهم ظاهر سياقه أن عمرو بن العاص تلا الآية لأصحابه وهو جنب، وليس كذلك، وإنما تلاها بعد أن رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمره على غزوة ذات السلاسل كما سيأتي في المغازي‏.‏
ووجه استدلاله بالآية ظاهر من سياق الرواية الثانية‏.‏
وقال البيهقي يمكن الجمع بين الروايات بأنه توضأ ثم تيمم عن الباقي‏.‏
وقال النووي‏:‏ وهو متعين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلم يعنف‏)‏ حذف المفعول للعلم به، أي لم يلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا، فكان ذلك تقريرا دالا على الجواز‏.‏
ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ فلم يعنفه ‏"‏ بزيادة هاء الضمير، وفي هذا الحديث جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك، سواء كان لأجل برد أو غيره‏.‏
وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين، وجواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ غُنْدَرٌ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ إِذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ لَا يُصَلِّي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ رَخَّصْتُ لَهُمْ فِي هَذَا كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمْ الْبَرْدَ قَالَ هَكَذَا يَعْنِي تَيَمَّمَ وَصَلَّى قَالَ قُلْتُ فَأَيْنَ قَوْلُ عَمَّارٍ لِعُمَرَ قَالَ إِنِّي لَمْ أَرَ عُمَرَ قَنِعَ بِقَوْلِ عَمَّارٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد هو غندر‏)‏ لم يقل الأصيلي ‏"‏ هو غندر ‏"‏ فكأنها مقول من دون البخاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن شعبة‏)‏ للأصيلي ‏"‏ حدثنا شعبة‏"‏، وسليمان هو الأعمش‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا لم تجد الماء لا تصلي‏)‏ كذا في روايتنا بتاء الخطاب، ويؤيده رواية الإسماعيلي من هذا الوجه ولفظ ‏"‏ فقال عبد الله نعم إن لم أجد الماء شهرا لا أصلي ‏"‏ وفي رواية كريمة بالياء التحتانية في الموضعين أي إذا لم يجد الجنب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله‏)‏ زاد ابن عساكر ‏"‏ نعم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أحدهم‏)‏ كذا للأكثر، وللحموي ‏"‏ أحدكم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال هكذا‏)‏ فيه إطلاق القول على العمل، وقوله ‏"‏يعني تيمم وصلى ‏"‏ شرح لقوله ‏"‏ هكذا ‏"‏ والظاهر أنه مقول أبي موسى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأين قول عمار لعمر‏)‏ هكذا وقع في رواية شعبة مختصرا، وبيانه في رواية حفص الآتية ثم رواية أبي معاوية وهي أتم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى أَرَأَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِذَا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً كَيْفَ يَصْنَعُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِ عَمَّارٍ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْفِيكَ قَالَ أَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِذَلِكَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَدَعْنَا مِنْ قَوْلِ عَمَّارٍ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَمَا دَرَى عَبْدُ اللَّهِ مَا يَقُولُ فَقَالَ إِنَّا لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِي هَذَا لَأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَى أَحَدِهِمْ الْمَاءُ أَنْ يَدَعَهُ وَيَتَيَمَّمَ فَقُلْتُ لِشَقِيقٍ فَإِنَّمَا كَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ لِهَذَا قَالَ نَعَمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التيمم ضربة‏)‏ رواية الأكثر بتنوين باب، وقوله التيمم ضربة رواية الأصيلي أصلا، فعلى روايته هو من جملة الترجمة الماضية، وعلى الأول هو بمنزلة الفصل من الباب كنظائره‏.‏
قوله ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، وحديثه هذا مختصر من الحديث الطويل الماضي في ‏"‏ باب الصعيد الطيب ‏"‏ وليس فيه التصريح بكون الضربة في التيمم مرة واحدة، فيحتمل أن يكون المصنف أخذه من عدم التقييد، لأن المرة الواحدة أقل ما يحصل به الامتثال، ووجوبها متيقن‏.‏
والله أعلم‏.‏
‏(‏خاتمة‏)‏ اشتمل كتاب التيمم من الأحاديث المرفوعة على سبعة عشر حديثا، المكرر منها عشرة، منها اثنان معلقان والخالص سبعة منها واحد معلق والبقية موصولة، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث عمرو بن العاص المعلق، وفيه من الموقوفات على الصحابة والتابعين عشرة آثار، منها ثلاثة موصولة وهي فتوى عمر وأبي موسى وابن مسعود، ومن براعة الختام الواقعة للمصنف في هذا الكتاب ختمه كتاب التيمم بقوله ‏"‏ فإنه يكفيك ‏"‏ إشارة إلى أن الكفاية بما أورده تحصل لمن تدبر وتفهم، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:15 PM   #179
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*2*كِتَاب الصَّلَاةِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الشرح‏:‏
‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الصلاة‏)‏ تقدم في مقدمة هذا الشرح ذكر مناسبة كتب هذا الصحيح في الترتيب ملخصا من كلام شيخنا شيخ الإسلام، وفي أوائلها مناسبة تعقيب الطهارة بالصلاة لتقدم الشرط على المشروط والوسيلة على المقصود، وقد تأملت كتاب الصلاة منه فوجدته مشتملا على أنواع تزيد على العشرين، فرأيت أن أذكر مناسبتها في ترتيبها قبل الشروع في شرحها، فأقول‏:‏ بدأ أولا بالشروط السابقة على الدخول في الصلاة وهي الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة ودخول الوقت، ولما كانت الطهارة تشتمل على أنواع أفردها بكتاب، واستفتح كتاب الصلاة بذكر فرضيتها لتعين وقته دون غيره من أركان الإسلام، وكان ستر العورة لا يختص بالصلاة فبدأ به لعمومه ثم ثنى بالاستقبال للزومه في الفريضة والنافلة إلا ما استثنى كشدة الخوف ونافلة السفر، وكان الاستقبال يستدعي مكانا فذكر المساجد، ومن توابع الاستقبال سترة المصلي فذكرها، ثم ذكر الشرط الباقي وهو دخول الوقت وهو خاص بالفريضة، وكان الوقت يشرع الإعلام به فذكر الأذان، وفيه إشارة إلى أنه حق الوقت، وكان الأذان إعلاما بالاجتماع إلى الصلاة فذكر الجماعة، وكان أقلها إماما ومأموما فذكر الإمامة‏.‏
ولما انقضت الشروط وتوابعها ذكر صفة الصلاة ولما كانت الفرائض في الجماعة قد تختص بهيئة مخصوصة ذكر الجمعة والخوف، وقدم الجمعة لأكثريتها‏.‏
ثم تلا ذلك بما يشرع فيه الجماعة من النوافل فذكر العيدين والوتر والاستسقاء والكسوف وأخره لاختصاصه بهيئة مخصوصة وهي زيادة الركوع، ثم تلاه بما فيه زيادة سجود فذكر سجود التلاوة لأنه قد يقع في الصلاة، وكان إذا وقع اشتملت الصلاة على زيادة مخصوصة فتلاه بما يقع فيه نقص من عددها وهو قصر الصلاة، ولما انقضى ما يشرع فيه الجماعة ذكر ما لا يستحب فيه وهو سائر التطوعات، ثم للصلاة بعد الشروع فيها شروط ثلاثة وهي ترك الكلام وترك الأفعال الزائدة وترك المفطر فترجم لذلك، ثم بطلانها يختص بما وقع على وجه العمد فاقتضى ذلك ذكر أحكام السهو، ثم جميع ما تقدم متعلق بالصلاة ذات الركوع والسجود فعقب ذلك بصلاة لا ركوع فيها ولا سجود وهي الجنازة‏.‏
هذا آخر ما ظهر من مناسبة ترتيب كتاب الصلاة من هذا الجامع الصحيح، ولم يتعرض أحد من الشراح لذلك‏.‏
فلله الحمد على ما ألهم وعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب كَيْفَ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ فِي الْإِسْرَاءِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ فَقَالَ يَأْمُرُنَا يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كيف فرضت الصلاة‏)‏ ‏.‏
وفي رواية الكشميهني والمستملي ‏"‏ الصلوات‏"‏‏.‏
‏(‏في الإسراء‏)‏ أي في ليلة الإسراء، وهذا مصير من المصنف إلى أن المعراج كان في ليلة الإسراء، وقد وقع في ذلك اختلاف فقيل‏:‏ كانا في ليلة واحدة في يقظته صلى الله عليه وسلم وهذا هو المشهور عند الجمهور، وقيل‏:‏ كانا جميعا في ليلة واحدة في منامه، وقيل‏:‏ وقعا جميعا مرتين في ليلتين مختلفتين إحداهما يقظة والأخرى مناما، وقيل كان الإسراء إلى بيت المقدس خاصة في اليقظة وكان المعراج مناما إما في تلك الليلة أو في غيرها، والذي ينبغي أن لا يجري فيه الخلاف أن الإسراء إلى بيت القدس كان في اليقظة لظاهر القرآن، ولكون قريش كذبته في ذلك ولو كان مناما لم تكذبه فيه ولا في أبعد منه، وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة لكن طرقه في الصحيحين تدور على أنس مع اختلاف أصحابه عنه، فرواه الزهري عنه عن أبي ذر كما في هذا الباب، ورواه قتادة عنه عن مالك بن صعصعة، ورواه شريك بن أبي نمر وثابت البناني عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، وفي سياق كل منهم عنه ما ليس عند الآخر‏.‏
والغرض من إيراده هنا ذكر فرض الصلاة فليقع الاقتصار هنا على شرحه، ونذكر الكلام على اختلاف طرقه وتغاير ألفاظها وكيفية الجمع بينها في الموضع اللائق به وهو في السيرة النبوية قبيل الهجرة إن شاء الله تعالى‏.‏
والحكمة في وقوع فرض الصلاة ليلة المعراج أنه لما قدس ظاهرا وباطنا حين غسل بماء زمزم بالإيمان والحكمة، ومن شأن الصلاة أن يتقدمها الطهور ناسب ذلك أن تفرض الصلاة في تلك الحالة، وليظهر شرفه في الملأ الأعلى، ويصلي بمن سكنه من الأنبياء وبالملائكة، وليناجي ربه، ومن ثم كان المصلي يناجي ربه جل وعلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏)‏ هذا طرف من حديث أبي سفيان المتقدم موصولا في بدء الوحي، والقائل ‏"‏ يأمرنا ‏"‏ هو أبو سفيان‏.‏
ومناسبته لهذه الترجمة أن فيه إشارة إلى أن الصلاة فرضت بمكة قبل الهجرة لأن أبا سفيان لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلى الوقت الذي اجتمع فيه بهرقل لقاء يتهيأ له معه أن يكون آمرا له بطريق الحقيقة، والإسراء كان قبل الهجرة بلا خلاف، وبيان الوقت وإن لم يكن من الكيفية حقيقة لكنه من جملة مقدماتها كما وقع نظير ذلك في أول الكتاب في قوله ‏"‏ كيف كان بدء الوحي ‏"‏ وساق فيه ما يتعلق بالمتعلق بذلك فظهرت المناسبة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ افْتَحْ قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا جِبْرِيلُ قَالَ هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ قَالَ نَعَمْ مَعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ قُلْتُ لِجِبْرِيلَ مَنْ هَذَا قَال هَذَا آدَمُ وَهَذِهِ الْأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَالْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ لِخَازِنِهَا افْتَحْ فَقَالَ لَهُ خَازِنِهَا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُ فَفَتَحَ قَالَ أَنَسٌ فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِدْرِيسَ قَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا إِدْرِيسُ ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا مُوسَى ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا عِيسَى ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولَانِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوَى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلْتُ فَرَضَ خَمْسِينَ صَلَاةً قَالَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى قُلْتُ وَضَعَ شَطْرَهَا فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ فَرَاجَعْتُهُ فَقَالَ هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ فَقُلْتُ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرج‏)‏ بضم الفاء وبالجيم أي فتح، والحكمة فيه أن الملك انصب إليه من السماء انصبابة واحدة ولم يعرج على شيء سواه مبالغة في المناجاة وتنبيها على أن الطلب وقع على غير ميعاد، ويحتمل أن يكون السر في ذلك التمهيد لما وقع من شق صدره، فكأن الملك أراه بانفراج السقف والتئامه في الحال كيفية ما سيصنع به لطفا به وتثبيتا له، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ففرج صدري‏)‏ هو بفتح الفاء وبالجيم أيضا أي شقه، ورجح عياض أن شق الصدر كان وهو صغير عند مرضعته حليمة، وتعقبه السهيلي بأن ذلك وقع مرتين وهو الصواب، وسيأتي تحقيقه عند الكلام على حديث شريك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى، ومحصله أن الشق الأول كان لاستعداده لنزع العلقة التي قيل له عندها هذا حظ الشيطان منك‏.‏
والشق الثاني كان لاستعداده للتلقي الحاصل له في تلك الليلة، وقد روى الطيالسي والحارث في مسنديهما من حديث عائشة أن الشق وقع مرة أخرى عند مجيء جبريل له بالوحي في غار حراء والله أعلم‏.‏
ومناسبته ظاهرة‏.‏
وروى الشق أيضا وهو ابن عشر أو نحوها في قصة له مع عبد المطلب أخرجها أبو نعيم في الدلائل‏.‏
وروى مرة أخرى خامسة ولا تثبت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم جاء بطست‏)‏ فتح الطاء وبكسرها إناء معروف سبق تحقيقه في الوضوء، وخص بذلك لأنه آلة الغسل عرفا وكان من ذهب لأنه أعلى أواني الجنة، وقد أبعد من استدل به على جواز تحلية المصحف وغيره بالذهب لأن المستعمل له الملك، فيحتاج إلى ثبوت كونهم مكلفين بما كلفنا به، ووراء ذلك كان على أصل الإباحة لأن تحريم الذهب إنما وقع بالمدينة كما سيأتي واضحا في اللباس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ممتلئ‏)‏ كذا وقع بالتذكير على معنى الإناء لا على لفظ الطست لأنها مؤنثة، و ‏(‏حكمة وإيمانا‏)‏ بالنصب على التمييز، والمعنى أن الطست جعل فيها شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة فسمى حكمة وإيمانا مجازا، أو مثلا له بناء على جواز تمثيل المعاني كما يمثل الموت كبشا، قال النووي‏:‏ في تفسير الحكمة أقوال كثيرة مضطربة صفا لنا منها أن الحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله مع نفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق للعمل به والكف عن ضده، والحكيم من حاز ذلك‏.‏
ا ه ملخصا‏.‏
وقد تطلق الحكمة على القرآن وهو مشتمل على ذلك كله، وعلى النبوة كذلك، وقد تطلق على العلم فقط، وعلى المعرفة فقط ونحو ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم أخذ بيدي‏)‏ ستدل به بعضهم على أن المعراج وقع غير مرة لكون الإسراء إلى بيت المقدس لم يذكر هنا، ويمكن أن يقال هو من اختصار الراوي، والإتيان بثم المقتضية للتراخي لا ينافي وقوع أمر الإسراء بين الأمرين المذكورين وهما الأطباق والعروج بل يشير إليه، وحاصله أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر، ويؤيده ترجمة المصنف كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فعرج‏)‏ بالفتح أي الملك ‏(‏بي‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ به ‏"‏ على الالتفات أو التجريد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏افتح‏)‏ يدل على أن الباب كان مغلقا‏.‏
قال ابن المنير حكمته التحقق أن السماء لم تفتح إلا من أجله، بخلاف ما لو وجده مفتوحا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال جبريل‏)‏ فيه من أدب الاستئذان أن المستأذن يسمى نفسه لئلا يلتبس بغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أأرسل إليه‏)‏ وللكشميهني ‏"‏ أو أرسل إليه ‏"‏ يحتمل أن يكون خفي عليه أصل إرساله لاشتغاله بعبادته، ويحتمل أن يكون استفهم عن الإرسال إليه للعروج إلى السماء وهو الأظهر لقوله ‏"‏ إليه‏"‏، ويؤخذ منه أن رسول الرجل يقوم مقام إذنه، لأن الخازن لم يتوقف عن الفتح له على الوحي إليه بذلك، بل عمل بلازم الإرسال إليه، وسيأتي في هذا حديث مرفوع في كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى، ويؤيد الاحتمال الأول قوله في رواية شريك ‏"‏ أو قد بعث ‏"‏ لكنها من المواضع التي تعقبت كما سيأتي تحريرها في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أسودة‏)‏ وزن أزمنة وهي الأشخاص من كل شيء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت لجبريل من هذا‏)‏ اهره أنه سأل عنه بعد أن قال له آدم مرحبا، ورواية مالك بن صعصعة بعكس ذلك وهي المعتمدة فتحمل هذه عليها إذ ليس في هذه أداة ترتيب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نسم بنيه‏)‏ النسم بالنون والمهملة المفتوحتين جمع نسمة وهي الروح، وحكى ابن التين أنه رواه بكسر الشين المعجمة وفتح الياء آخر الحروف بعدها ميم وهو تصحيف، وظاهره أن أرواح بني آدم من أهل الجنة والنار في السماء، وهو مشكل‏.‏
قال القاضي عياض‏:‏ قد جاء أن أرواح الكفار في سجين وأن أرواح المؤمنين منعمة في الجنة، يعني فكيف تكون مجتمعة في سماء الدنيا‏؟‏ وأجاب بأنه يحتمل أنها تعرض على آدم أوقاتا فصادف وقت عرضها مرور النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل - على أن كونهم في الجنة والنار إنما هو في أوقات دون أوقات - قوله تعالى ‏(‏النار يعرضون عليها غدوا وعشيا‏)‏ ، واعترض بأن أرواح الكفار لا تفتح لها أبواب السماء كما هو نص القرآن‏.‏
والجواب عنه ما أبداه هو احتمالا أن الجنة كانت في جهة يمين آدم والنار في جهة شماله، وكان يكشف له عنهما، ا ه‏.‏
ويحتمل أن يقال‏:‏ إن النسم المرئية هي التي لم تدخل الأجساد بعد وهي مخلوقة قبل الأجساد ومستقرها عن يمين آدم وشماله‏.‏
وقد أعلم بما سيصيرون إليه، فلذلك كان يستبشر إذا نظر إلى من عن يمينه ويحزن إذا نظر إلى من عن يساره، بخلاف التي في الأجساد فليست مرادة قطعا، وبخلاف التي انتقلت من الأجساد إلى مستقرها من جنة أو نار فليست مرادة أيضا فيما يظهر‏.‏
وبهذا يندفع الإيراد ويعرف أن قوله ‏"‏ نسم بنيه ‏"‏ عام مخصوص، أو أريد به الخصوص‏.‏
وأما ما أخرجه ابن إسحاق والبيهقي من طريقه في حديث الإسراء ‏"‏ فإذا بآدم تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين ‏"‏ وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني والبزار ‏"‏ فإذا عن يمينه باب يخرج منه ريح طيبة، وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة، إذا نظر عن يمينه استبشر، وإذا نظر عن شماله حزن ‏"‏ فهذا لو صح لكان المصير إليه أولى من جميع ما تقدم، ولكن سنده ضعيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أنس فذكر‏)‏ أي أبو ذر ‏(‏أنه وجد‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم يثبت‏)‏ أي أبو ذر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإبراهيم في السماء السادسة‏)‏ هو موافق لرواية شريك عن أنس، والثابت في جميع الروايات غير هاتين أنه في السابعة‏.‏
فإن قلنا بتعدد المعراج فلا تعارض، وإلا فالأرجح رواية الجماعة لقوله فيها ‏"‏ أنه رآه مسندا ظهره إلى البيت المعمور ‏"‏ وهو في السابعة بلا خلاف، وأما ما جاء عن علي أنه في السادسة عند شجرة طوبى فإن ثبت حمل على أنه البيت الذي في السادسة بجانب شجرة طوبى لأنه جاء عنه أن في كل سماء بيتا يحاذي الكعبة وكل منها معمور بالملائكة، وكذا القول فيما جاء عن الربيع بن أنس وغيره أن البيت المعمور في السماء الدنيا، فإنه محمول على أول بيت يحاذي الكعبة من بيوت السماوات ويقال إن اسم البيت المعمور ‏"‏ الضراح ‏"‏ بضم المعجمة وتخفيف الراء وآخره مهملة، ويقال بل هو اسم سماء الدنيا، ولأنه قال هنا إنه لم يثبت كيف منازلهم فرواية من أثبتها أرجح، وسأذكر مزيدا لهذا في كتاب التوحيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أنس فلما مر‏)‏ ظاهره أن هذه القطعة لم يسمعها أنس من أبي ذر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مر جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم بإدريس‏)‏ الباء الأولى للمصاحبة والثانية للإلصاق أو بمعنى على‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم مررت بعيسى‏)‏ ليست ‏"‏ ثم ‏"‏ على بابها في الترتيب، إلا إن قيل بتعدد المعراج، إذ الروايات متفقة على أن المرور به كان قبل المرور بموسى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن شهاب فأخبرني ابن حزم‏)‏ أي أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم‏.‏
وأما أبوه محمد فلم يسمع الزهري منه لتقدم موته، لكن رواية أبي بكر عن أبي حبة منقطعة لأنه استشهد بأحد قبل مولد أبي بكر بدهر وقبل مولد أبيه محمد أيضا، وأبو حبة بفتح المهملة وبالموحدة المشددة على المشهور، وعند القابسي بمثناة تحتانية وغلط في ذلك، وذكره الواقدي بالنون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى ظهرت‏)‏ أي ارتفعت، و ‏(‏المستوى‏)‏ المصعد و ‏(‏صريف الأقلام‏)‏ بفتح الصاد المهملة تصويتها حالة الكتابة، والمراد ما تكتبه الملائكة من أقضية الله سبحانه وتعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن حزم‏)‏ أي عن شيخه ‏(‏وأنس‏)‏ أي عن أبي ذر كذا جزم به أصحاب الأطراف، ويحتمل أن يكون مرسلا من جهة ابن حزم ومن رواية أنس بلا واسطة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ففرض الله على أمتي خمسين صلاة‏)‏ في رواية ثابت عن أنس عند مسلم ‏"‏ فرض الله علي خمسين صلاة كل يوم وليلة ‏"‏ ونحوه في رواية مالك بن صعصعة عند المصنف، فيحتمل أن يقال في كل من رواية الباب والرواية الأخرى اختصار، أو يقال ذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على الأمة وبالعكس إلا ما يستثنى من خصائصه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فراجعني‏)‏ وللكشميهني فراجعت والمعنى واحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فوضع شطرها‏)‏ في رواية مالك بن صعصعة ‏"‏ فوضع عني عشرا ‏"‏ ومثله لشريك‏.‏
وفي رواية ثابت ‏"‏ فحط عني خمسا ‏"‏ قال ابن المنير‏:‏ ذكر الشطر أعم من كونه وقع في دفعة واحدة‏.‏
قلت‏:‏ وكذا العشر فكأنه وضع العشر في دفعتين والشطر في خمس دفعات، أو المراد بالشطر في حديث الباب البعض وقد حققت رواية ثابت أن التخفيف كان خمسا خمسا وهي زيادة معتمدة يتعين حمل باقي الروايات عليها، وأما قول الكرماني الشطر هو النصف ففي المراجعة الأولى وضع خمسا وعشرين وفي الثانية ثلاثة عشر يعني نصف الخمسة والعشرين بجبر الكسر وفي الثالثة سبعا، كذا قال‏.‏
وليس في حديث الباب في المراجعة الثالثة ذكر وضع شيء، إلا أن يقال حذف ذلك اختصارا فيتجه، لكن الجمع بين الروايات يأبى هذا الحمل، فالمعتمد ما تقدم‏.‏
وأبدى ابن المنير هنا نكتة لطيفة في قوله صلى الله عليه وسلم لموسى عليه السلام لما أمره أن يرجع بعد أن صارت خمسا فقال‏:‏ استحييت من ربي، قال ابن المنير‏:‏ يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم تفرس من كون التخفيف وقع خمسا خمسا أنه لو سأل التخفيف بعد أن صارت خمسا لكان سائلا في رفعها فلذلك استحيي ا ه‏.‏
ودلت مراجعته صلى الله عليه وسلم لربه في طلب التخفيف تلك المرات كلها أنه علم أن الأمر في كل مرة لم يكن على سبيل الإلزام، بخلاف المرة الأخيرة ففيها ما يشعر بذلك لقوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏"‏ لا يبدل القول لدي‏"‏‏.‏
ويحتمل أن يكون سبب الاستحياء أن العشرة آخر جمع القلة وأول جمع الكثرة، فخشي أن يدخل في الإلحاح في السؤال لكن الإلحاح في الطلب من الله مطلوب، فكأنه خشي من عدم القيام بالشكر والله أعلم‏.‏
وسيأتي في التوحيد زيادة في هذا ومخالفة‏.‏
وأبدى بعض الشيوخ حكمة لاختيار موسى تكرير ترداد النبي صلى الله عليه وسلم فقال لما كان موسى قد سأل الرؤية فمنع وعرف أنها حصلت لمحمد صلى الله عليه وسلم قصد بتكرير رجوعه تكرير رؤيته ليرى من رأى، كما قيل‏:‏ لعلي أراهم أو أرى من رآهم قلت‏:‏ ويحتاج إلى ثبوت تجدد الرؤية في كل مرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هن خمس وهن خمسون‏)‏ وفي رواية غير أبي ذر ‏"‏ هي ‏"‏ بدل ‏"‏ هن ‏"‏ في الموضعين، والمراد هن خمس عددا باعتبار الفعل وخمسون اعتدادا باعتبار الثواب، واستدل به على عدم فرضية ما زاد على الصلوات الخمس كالوتر، وعلى دخول النسخ في الإنشاءات ولو كانت مؤكدة، خلافا لقوم فيما أكد، وعلى جواز النسخ قبل الفعل‏.‏
قال ابن بطال وغيره‏:‏ ألا ترى أنه عز وجل نسخ الخمسين بالخمس قبل أن تصلى، ثم تفضل عليهم بأن أكمل لهم الثواب‏.‏
وتعقبه ابن المنير فقال‏:‏ هذا ذكره طوائف من الأصوليين والشراح، وهو مشكل على من أثبت النسخ قبل الفعل كالأشاعرة أو منعه كالمعتزلة، لكونهم اتفقوا جميعا على أن النسخ لا يتصور قبل البلاغ، وحديث الإسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ، فهو مشكل عليهم جميعا‏.‏
قال‏:‏ وهذه نكتة مبتكرة‏.‏
قلت‏:‏ إن أراد قبل البلاغ لكل أحد فممنوع، وإن أراد قبل البلاغ إلى الأمة فمسلم، لكن قد يقال‏:‏ ليس هو بالنسبة إليهم نسخا، لكن هو نسخ بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كلف بذلك قطعا ثم نسخ بعد أن بلغه وقبل أن يفعل، فالمسألة صحيحة التصوير في حقه صلى الله عليه وسلم، والله أعلم‏.‏
وسيأتي لذلك مزيد في شرح حديث الإسراء في الترجمة النبوية إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حبايل اللؤلؤ‏)‏ كذا وقع لجميع رواة البخاري في هذا الموضع بالحاء المهملة ثم الموحدة وبعد الألف تحتانية ثم لام، وذكر كثير من الأئمة أنه تصحيف وإنما هو ‏"‏ جنابذ ‏"‏ بالجيم والنون وبعد الألف موحدة ثم ذال معجمة كما وقع عند المصنف في أحاديث الأنبياء من رواية ابن المبارك وغيره عن يونس، وكذا عند غيره من الأئمة‏.‏
ووجدت في نسخة معتمدة من رواية أبي ذر في هذا الموضع ‏"‏ جنابذ ‏"‏ على الصواب وأظنه من إصلاح بعض الرواة‏.‏
وقال ابن حزم في أجوبته على مواضع من البخاري‏:‏ فتشت على هاتين اللفظتين فلم أجدهما ولا واحدة منهما ولا وقفت على معناهما‏.‏
انتهى‏.‏
وذكر غيره أن الجنابذ شبه القباب واحدها جنبذة بالضم، وهو ما ارتفع من البناء، فهو فارسي معرب وأصله بلسانهم كنبذة بوزنه لكن الموحدة مفتوحة والكاف ليست خالصة، ويؤيده ما رواه المصنف في التفسير من طريق شيبان عن قتادة عن أنس قال ‏"‏ لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ ‏"‏ وقال صاحب المطالع في الحبائل قيل‏:‏ هي القلائد والعقود، أو هي من حبال الرمل أي فيها لؤلؤ مثل حبال الرمل جمع حبل وهو ما استطال من الرمل، وتعقب بأن الحبائل لا تكون إلا جمع حبالة أو حبيلة بوزن عظيمة‏.‏
وقال بعض من اعتنى بالبخاري‏:‏ الحبائل جمع حبالة وحبالة جمع حبل على غير قياس، والمراد أن فيها عقودا وقلائد من اللؤلؤ‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عائشة قالت‏:‏ فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين‏)‏ كررت لفظ ركعتين لتفيد عموم التثنية لكل صلاة، زاد ابن إسحاق ‏"‏ قال حدثني صالح بن كيسان بهذا الإسناد إلا المغرب فإنها كانت ثلاثا ‏"‏ أخرجه أحمد من طريقه، وللمصنف في كتاب الهجرة من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت ‏"‏ فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعا ‏"‏ فعين في هذه الرواية أن الزيادة في قوله هنا ‏"‏ وزيد في صلاة الحضر ‏"‏ وقعت بالمدينة، وقد أخذ بظاهر هذا الحديث الحنفية وبنوا عليه أن القصر في السفر عزيمة لا رخصة، واحتج مخالفوهم بقوله سبحانه وتعالى ‏(‏فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة‏)‏ لأن نفي الجناح لا يدل على العزيمة، والقصر إنما يكون من شيء أطول منه‏.‏
ويدل على أنه رخصة أيضا قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏صدقة تصدق الله بها عليكم ‏"‏ وأجابوا عن حديث الباب بأنه من قول عائشة غير مرفوع وبأنها لم تشهد زمان فرض الصلاة، قاله الخطابي وغيره، وفي هذا الجواب نظر‏.‏
أما أولا فهو مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع، وأما ثانيا فعلى تقدير تسليم أنها لم تدرك القصة يكون مرسل صحابي وهو حجة، لأنه يحتمل أن تكون أخذته عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي آخر أدرك ذلك، وأما قول إمام الحرمين لو كان ثابتا لنقل متواترا ففيه أيضا نظر، لأن التواتر في مثل هذا غير لازم‏.‏
وقالوا أيضا‏:‏ يعارض حديث عائشة هذا حديث ابن عباس ‏"‏ فرضت الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين ‏"‏ أخرجه مسلم، والجواب أنه يمكن الجمع بين حديث عائشة وابن عباس كما سيأتي فلا تعارض، وألزموا الحنفية على قاعدتهم فيما إذا عارض رأي الصحابي روايته بأنهم يقولون‏:‏ العبرة بما رأى لا بما روى، وخالفوا ذلك هنا، فقد ثبت عن عائشة أنها كانت تتم في السفر فدل ذلك على أن المروي عنها غير ثابت، والجواب عنهم أن عروة الراوي عنها قد قال لما سأل عن إتمامها في السفر إنها تأولت كما تأول عثمان، فعلى هذا لا تعارض بين روايتها وبين رأيها، فروايتها صحيحة ورأيها مبني على ما تأولت‏.‏
والذي يظهر لي - وبه تجتمع الأدلة السابقة - أن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت بعد الهجرة عقب الهجرة إلا الصبح، كما روى ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت ‏"‏ فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة، وصلاة المغرب لأنها وتر النهار ‏"‏ ا ه‏.‏
ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية السابقة وهي قوله تعالى ‏(‏فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة‏)‏ ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الأثير في شرح المسند أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة، وهو مأخوذ مما ذكره غيره أن نزول آية الخوف كان فيها، وقيل كان قصر الصلاة في ربيع الآخر من السنة الثانية ذكره الدولابي وأورده السهيلي بلفظ ‏"‏ بعد الهجرة بعام أو نحوه، وقيل بعد الهجرة بأربعين يوما‏"‏، فعلى هذا المراد بقول عائشة ‏"‏ فأقرت صلاة السفر ‏"‏ أي باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف، لا أنها استمرت منذ فرضت، فلا يلزم من ذلك أن القصر عزيمة، وأما ما وقع في حديث ابن عباس ‏"‏ والخوف ركعة ‏"‏ فالبحث فيه يجيء إن شاء الله تعالى في صلاة الخوف‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ ذهب جماعة إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة إلا ما كان وقع الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد، وذهب الحربي إلى أن الصلاة كانت مفروضة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، وذكر الشافعي عن بعض أهل العلم أن صلاة الليل كانت مفروضة ثم نسخت بقوله تعالى ‏(‏فاقرءوا ما تيسر منه‏)‏ فصار الفرض قيام بعض الليل، ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس‏.‏
واستنكر محمد بن نصر المروزي ذلك وقال‏:‏ الآية تدل على أن قوله تعالى ‏(‏فاقرءوا ما تيسر منه‏)‏ إنما نزل بالمدينة لقوله تعالى فيها ‏(‏وآخرون يقاتلون في سبيل الله‏)‏ والقتال إنما وقع بالمدينة لا بمكة، والإسراء كان بمكة قبل ذلك، ا ه‏.‏
وما استدل به غير واضح، لأن قوله تعالى ‏(‏علم أن سيكون‏)‏ ظاهر في الاستقبال، فكأنه سبحانه وتعالى امتن عليهم بتعجيل التخفيف قبل وجود المشقة التي علم أنها ستقع لهم، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:17 PM   #180
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الثِّيَابِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَمَنْ صَلَّى مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَيُذْكَرُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَزُرُّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ وَمَنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُ فِيهِ مَا لَمْ يَرَ أَذًى وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب وجوب الصلاة في الثياب، وقول الله تعالى‏:‏ خذوا زينتكم عند كل مسجد‏)‏ يشير بذلك إلى ما أخرجه مسلم من حديث ابن عباس قال ‏"‏ كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فنزلت خذوا زينتكم ‏"‏ ووقع في تفسير طاوس قال في قوله تعالى ‏(‏خذوا زينتكم‏)‏ قال‏:‏ الثياب، وصله البيهقي، ونحوه عن مجاهد، ونقل ابن حزم الاتفاق على أن المراد ستر العورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن صلى ملتحفا في ثوب واحد‏)‏ هكذا ثبت للمستملي وحده هنا، وسيأتي قريبا في باب مفرد، وعلى تقدير ثبوته هنا فله تعلق بحديث سلمة المعلق بعده كما سيظهر من سياقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن سلمة‏)‏ قد بين السبب في ترك جزمه به بقوله‏:‏ ‏(‏وفي إسناده نظر‏)‏ ‏.‏
وقد وصله المصنف في تاريخه وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان واللفظ له من طريق الدراوردي عن موسى بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن أبي ربيعة عن سلمة بن الأكوع قال ‏"‏ قلت يا رسول الله إني رجل أتصيد، أفأصلي في القميص الواحد‏؟‏ قال‏:‏ نعم، زره ولو بشوكة ‏"‏ ورواه البخاري أيضا عن إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن موسى بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة، زاد في الإسناد رجلا، ورواه أيضا عن مالك بن إسماعيل عن عطاف بن خالد قال حدثنا موسى بن إبراهيم قال حدثنا سلمة‏.‏
فصرح بالتحديث بين موسى وسلمة، فاحتمل أن يكون رواية أبي أويس من المزيد في متصل الأسانيد، أو يكون التصريح في رواية عطاف وهما‏.‏
فهذا وجه النظر في إسناده‏.‏
وأما من صححه فاعتمد رواية الدراوردي وجعل رواية عطاف شاهدة لاتصالها، وطريق عطاف أخرجها أيضا أحمد والنسائي، وأما قول ابن القطان‏:‏ إن موسى هو ابن محمد بن إبراهيم التيمي المضعف عند البخاري وأبي حاتم وأبي داود وأنه نسب هنا إلى جده فليس بمستقيم، لأنه نسب في رواية البخاري وغيره مخزوميا وهو غير التيمي بلا تردد‏.‏
نعم وقع عند الطحاوي موسى بن محمد بن إبراهيم، فإن كان محفوظا فيحتمل على بعد أن يكونا جميعا رويا الحديث وحمله عنهما الدراوردي وإلا فذكر محمد فيه شاذ، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يزره‏)‏ بضم الزاي وتشديد الراء، أي يشد إزاره ويجمع بين طرفيه لئلا تبدو عورته، ولو لم يمكنه ذلك إلا بأن يغرز في طرفيه شوكة يستمسك بها‏.‏
وذكر المؤلف حديث سلمة هذا إشارة إلى أن المراد بأخذ الزينة في الآية السابقة لبس الثياب لا تحسينها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن صلى في الثوب‏)‏ يشير إلى ما رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق معاوية بن أبي سفيان أنه ‏"‏ سأل أخته أم حبيبة‏:‏ هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه‏؟‏ قالت نعم، إذا لم ير فيه أذى‏"‏‏.‏
وهذا من الأحاديث التي تضمنتها تراجم هذا الكتاب بغير صيغة رواية حتى ولا التعليق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما لم ير فيه أذى‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ فيه ‏"‏ من رواية المستملي والحموي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأمر النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أشار بذلك إلى حديث أبي هريرة في بعث علي في حجة أبي بكر بذلك، وقد وصله بعد قليل لكن ليس فيه التصريح بالأمر، وروى أحمد بإسناد حسن من حديث أبي بكر الصديق نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ‏"‏ لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ‏"‏ الحديث‏.‏
ووجه الاستدلال به للباب أن الطواف إذا منع فيه التعري فالصلاة أولى، إذ يشترط فيها ما يشترط في الطواف وزيادة، وقد ذهب الجمهور إلى أن ستر العورة من شروط الصلاة، وعن بعض المالكية التفرقة بين الذاكر والناسي، ومنهم من أطلق كونه سنة لا يبطل تركها الصلاة‏.‏
واحتج بأنه لو كان شرطا في الصلاة لاختص بها ولافتقر إلى النية، ولكان العاجز العريان ينتقل إلى بدل كالعاجز عن القيام ينتقل إلى القعود‏.‏
والجواب عن الأول النقض بالإيمان فهو شرط في الصلاة ولا يختص بها، وعن الثاني باستقبال القبلة فإنه لا يفتقر للنية، وعن الثالث على ما فيه بالعاجز عن القراءة ثم عن التسبيح فإنه يصلي ساكتا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّاهُنَّ قَالَتْ امْرَأَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ قَالَ لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَطِيَّةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يزيد بن إبراهيم‏)‏ هو التستري، ومحمد هو ابن سيرين، والإسناد كله بصريون، وكذا المعلق بعده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أمرنا‏)‏ بضم الهمزة، ولمسلم من طريق هشام عن حفصة عن أم عطية قالت ‏"‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وقد تقدم هذا الحديث في الطهارة بأتم من هذا السياق في باب شهود الحائض العيدين، وتقدم الكلام عليه ثم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يوم العيدين‏)‏ وفي رواية المستملي والكشميهني ‏"‏ يوم العيد ‏"‏ بالإفراد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويعتزل الحيض عن مصلاهن‏)‏ أي النساء اللاتي لسن بحيض، وللمستملي ‏"‏ عن مصلاهم ‏"‏ على التغليب، وللكشميهني ‏"‏ عن المصلى ‏"‏ والمراد به موضع الصلاة‏.‏
ودلالته على الترجمة من جهة تأكيد الأمر باللبس حتى بالعارية للخروج إلى صلاة العيد فيكون ذلك للفريضة أولى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الله بن رجاء‏)‏ و الغداني بضم المعجمة وتخفيف المهملة وبعد الألف نون، هكذا في أكثر الروايات، ووقع عند الأصيلي في عرضه على أبي زيد بمكة ‏"‏ حدثنا عبد الله بن رجاء قال ‏"‏ وفي بعض النسخ عن أبي زيد ‏"‏ وقال عبد الله بن رجاء ‏"‏ كما قال الباقون‏.‏
قلت‏:‏ وهذا هو الذي اعتمده أصحاب الأطراف والكلام على رجال هذا الكتاب، وعمران المذكور هو القطان، وفائدة التعليق عنه تصريح محمد ابن سيرين بتحديث أم عطية له، فبطل ما تخيله بعضهم من أن محمدا إنما سمعه من أخته حفصة عن أم عطية‏.‏
وقد رويناه موصولا في الطبراني الكبير ‏"‏ حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا عبد الله بن رجاء ‏"‏ والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:17 PM   #181
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب عَقْدِ الْإِزَارِ عَلَى الْقَفَا فِي الصَّلَاةِ
وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب عقد الإزار على القفا‏)‏ هو بالقصر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو حازم‏)‏ هو ابن دينار، وقد ذكره بتمامه موصولا بعد قليل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلوا‏)‏ بلفظ الماضي أي الصحابة و ‏(‏عاقدي‏)‏ جمع عاقد وحذفت النون للإضافة وهو في موضع الحال‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ عاقدو ‏"‏ وهو خبر مبتدأ محذوف أي وهم عاقدو، وإنما كانوا يفعلون ذلك لأنهم لم يكن لهم سراويلات فكان أحدهم يعقد إزاره في قفاه ليكون مستورا إذا ركع وسجد، وهذه الصفة صفة أهل الصفة كما سيأتي في ‏"‏ باب نوم الرجال في المسجد‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ صَلَّى جَابِرٌ فِي إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ وَثِيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمِشْجَبِ قَالَ لَهُ قَائِلٌ تُصَلِّي فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ فَقَالَ إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُكَ وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني واقد‏)‏ هو أخو عاصم بن محمد الراوي عنه، ومحمد أبوهما هو ابن زيد بن عبد الله ابن عمر، وواقد ومحمد بن المنكدر مدنيان تابعيان من طبقة واحدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من قبل‏)‏ بكسر القاف وفتح الموحدة، أي من جهة قفاه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏المشجب‏)‏ بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الجيم بعدها موحدة، هو عيدان تضم رءوسها ويفرج بين قوائمها توضع عليها الثياب وغيرها‏.‏
وقال ابن سيده‏:‏ المشجب والشجاب خشبات ثلاث يعلق عليها الراعي دلوه وسقاءه، ويقال في المثل ‏"‏ فلان كالمشجب من حيث قصدته وجدته‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال له قائل‏)‏ وقع في رواية مسلم أنه عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، وسيأتي قريبا أن سعيد بن الحارث سأله عن هذه المسألة، ولعلهما جميعا سألاه، وسيأتي عند المصنف في ‏"‏ باب الصلاة بغير رداء ‏"‏ من طريق ابن المنكدر أيضا ‏"‏ فقلنا يا أبا عبد الله ‏"‏ فلعل السؤال تعدد‏.‏
وقال في جواب ابن المنكدر ‏"‏ فأحببت أن يراني الجهال مثلكم ‏"‏ وعرف به أن المراد بقوله هنا ‏"‏ أحمق ‏"‏ أي جاهل‏.‏
والحمق وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه، قاله في النهاية‏.‏
والغرض بيان جواز الصلاة في الثوب الواحد ولو كانت الصلاة في الثوبين أفضل، فكأنه قال‏:‏ صنعته عمدا لبيان الجواز إما ليقتدي بي الجاهل ابتداء أو ينكر علي فأعلمه أن ذلك جائز‏.‏
وإنما أغلظ لهم في الخطاب زجرا عن الإنكار على العلماء، وليحثهم على البحث عن الأمور الشرعية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأينا كان له‏)‏ أي كان أكثرنا في عهده صلى الله عليه وسلم لا يملك إلا الثوب الواحد، ومع ذلك فلم يكلف تحصيل ثوب ثان ليصلي فيه، فدل على الجواز‏.‏
وعقب المصنف حديثه هذا بالرواية الأخرى المصرحة بأن ذلك وقع من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليكون بيان الجواز به أوقع في النفس، لكونه أصرح في الرفع من الذي قبله‏.‏
وخفي ذلك على الكرماني فقال‏:‏ دلالته - أي الحديث الأخير - على الترجمة وهي عقد الإزار على القفا إما لأنه مخروم من الحديث السابق - أي هو طرف من الذي قبله - وإما لأنه يدل عليه بحسب الغالب إذ لولا عقده على القفا لما ستر العورة غالبا، ا ه‏.‏
ولو تأمل لفظه وسياقه بعد ثمانية أبواب لعرف اندفاع احتماليه فإنه طرف من الحديث المذكور هناك لا من السابق، ولا ضرورة إلى ما ادعاه من الغلبة، فإن لفظه ‏"‏ وهو يصلي في ثوب ملتحفا به ‏"‏ وهي قصة أخرى فيما يظهر كان الثوب فيها واسعا فالتحف به، وكان في الأولى ضيقا فعقده، وسيأتي ما يؤيد هذا التفصيل قريبا‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ كان الخلاف في منع جواز الصلاة في الثوب الواحد قديما، روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال ‏"‏ لا تصلين في ثوب واحد وإن كان أوسع ما بين السماء والأرض ‏"‏ ونسب ابن بطال ذلك لابن عمر ثم قال‏:‏ لم يتابع عليه، ثم استقر الأمر على الجواز‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ أَبُو مُصْعَبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَقَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مطرف‏)‏ هو ابن عبد الله بن سليمان الأصم صاحب مالك، مدني هو وباقي رجال إسناده وقد شارك أبا مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري في صحبة مالك‏.‏
وفي رواية الموطأ عنه، وفي كنيته‏.‏
لكن أحمد مشهور بكنيته أكثر من اسمه، ومطرف بالعكس‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ مُلْتَحِفًا بِهِ
قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ الْمُلْتَحِفُ الْمُتَوَشِّحُ وَهُوَ الْمُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَهُوَ الِاشْتِمَالُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ قَالَ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ الْتَحَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبٍ وَخَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به‏)‏ لما كانت الأحاديث الماضية في الاقتصار على الثوب الواحد مطلقة أردفها بما يدل على أن ذلك يختص بحال الضيق، أو بحال بيان الجواز‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال الزهري في حديثه‏)‏ أي الذي رواه في الالتحاف، والمراد إما حديثه عن سالم بن عبد الله عن أبيه وهو عند ابن أبي شيبة وغيره، أو عن سعيد عن أبي هريرة وهو عند أحمد وغيره، والذي يظهر أن قوله‏:‏ ‏(‏وهو المخالف‏.‏
إلخ‏)‏ من كلام المصنف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت أم هانئ‏)‏ سيأتي حديثها موصولا في أواخر الباب، لكن ليس فيه ‏"‏ وخالف بين طرفيه ‏"‏ وهو عند مسلم من وجه آخر عن أبي مرة عنها، ورواه أحمد من ذلك الوجه بلفظ المعلق‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا هشام بن عروة‏)‏ هذا الإسناد له حكم الثلاثيات وإن لم تكن له صورتها، لأن أعلى ما يقع للبخاري ما بينه وبين الصحابي فيه اثنان، فإن كان الصحابي يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم فحينئذ توجد فيه صورة الثلاثي، وإن كان يرويه عن صحابي آخر فلا، لكن الحكم من حيث العلو واحد لصدق أن بينه وبين الصحابي اثنين‏.‏
وهكذا تقول بالنسبة إلى التابعي إذا لم يقع بينه وبينه إلا واحد، فإن رواه التابعي عن صحابي فعلى ما تقدم، وإن رواه عن تابعي آخر فله حكم العلو لا صورة الثلاثي كهذا الحديث، فإن هشام بن عروة من التابعين، لكنه حدث هنا عن تابعي آخر وهو أبوه، فلو رواه عن صحابي ورواه ذلك الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان ثلاثيا‏.‏
والحاصل أن هذا من العلو النسبي لا المطلق والله أعلم‏.‏
ثم أورد المصنف الحديث المذكور بنزول درجة من رواية يحيى القطان عن هشام وهو ابن عروة المذكور، وفائدته ما وقع فيه من التصريح بأن الصحابي شاهد النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ما نقل عنه أولا بالصورة المحتملة، وفيه تعيين المكان وهو بيت أم سلمة وهي والدة الصحابي المذكور عمر ابن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه زيادة كون طرفي الثوب على عاتقي النبي صلى الله عليه وسلم على أن الإسماعيلي قد أخرج الحديث المذكور من طريق عبيد الله بن موسى وفيه جميع الزيادة فكأن عبيد الله حدث به البخاري مختصرا‏.‏
وفائدة إيراد المصنف الحديث المذكور ثالثا بالنزول أيضا من رواية أبي أسامة عن هشام تصريح هشام عن أبيه بأن عمر أخبره‏.‏
ووقع في الروايتين الماضيتين بالعنعنة‏.‏
وفيه أيضا ذكر الاشتمال وهو مطابق لما تقدم من التفسير‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلًا بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏مشتملا به‏)‏ بالنصب للأكثر على الحال‏.‏
وفي رواية المستملي والحموي بالجر على المجاورة أو الرفع على الحذف‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ فائدة الالتحاف المذكور أن لا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع، ولئلا يسقط الثوب عند الركوع والسجود‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ قَالَتْ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانَ ابْنَ هُبَيْرَةَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَاكَ ضُحًى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي النضر‏)‏ هو المدني، وأبو مرة تقدم ذكره في العلم، وعرف هنا بأنه مولى أم هانئ وهناك بأنه مولى عقيل، وهو مولى أم هانئ حقيقة، وأما عقيل فلكونه أخاها فنسب إلى ولائه مجازا بأدنى ملابسة، أو لكونه كان يكثر ملازمة عقيل كما وقع لمقسم مع ابن عباس‏.‏
وقد تقدم الكلام على أوائل هذا الحديث في الغسل في باب التستر، ويأتي الكلام عليه أيضا في صلاة الضحى‏:‏ وموضع الحاجة منه هنا أن أم هانئ وصفت الالتحاف المذكور في هذه الطريق الموصولة بأنه المخالفة بين طرفي الثوب على العاتقين في الرواية المعلقة قبل، فطابق التفسير المتقدم في الترجمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏زعم ابن أمي‏)‏ هو علي بن أبي طالب‏.‏
وفي رواية الحموي ‏"‏ ابن أبي ‏"‏ وهو صحيح في المعنى فإنه شقيقها، و ‏"‏ زعم ‏"‏ هنا بمعنى ادعى، وقولها ‏(‏قاتل رجلا‏)‏ فيه إطلاق اسم الفاعل على من عزم على التلبس بالفعلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلان بن هبيرة‏)‏ بالنصب على البدل أو الرفع على الحذف، وعند أحمد والطبراني من طريق أخرى عن أبي مرة عن أم هانئ ‏"‏ إني أجرت حموين لي ‏"‏ قال أبو العباس بن سريج وغيره‏:‏ هما جعدة بن هبيرة ورجل آخر من بني مخزوم كانا فيمن قاتل خالد بن الوليد ولم يقبلا الأمان، فأجارتهما أم هانئ وكانا من أحمائها‏.‏
وقال ابن الجوزي‏:‏ إن كان ابن هبيرة منهما فهو جعدة كذا قال، وجعدة معدود فيمن له رؤية ولم تصح له صحبة، وقد ذكره من حيث الرواية في التابعين البخاري وابن حبان وغيرهما، فكيف يتهيأ لمن هذه سبيله في صغر السن أن يكون عام الفتح مقاتلا حتى يحتاج إلى الأمان‏؟‏ ثم لو كان ولد أم هانئ لم يهتم علي بقتله لأنها كانت قد أسلمت وهرب زوجها وترك ولدها عندها، وجوز ابن عبد البر أن يكون ابنا لهبيرة من غيرها، مع نقله عن أهل النسب أنهم لم يذكروا لهبيرة ولدا من غير أم هانئ، وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن اللذين أجارتهما أم هانئ هما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية المخزوميان‏.‏
وروى الأزرق بسند فيه الواقدي في حديث أم هانئ هذا أنهما الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة، وحكى بعضهم أنهما الحارث بن هشام وهبيرة بن أبي وهب، وليس بشيء لأن هبيرة هرب عند فتح مكة إلى نجران فلم يزل بها مشركا حتى مات، كذا جزم به ابن إسحاق وغيره فلا يصح ذكره فيمن أجارته أم هانئ‏.‏
وقال الكرماني قال الزبير بن بكار‏:‏ فلان ابن هبيرة هو الحارث بن هشام‏.‏
انتهى‏.‏
وقد تصرف في كلام الزبير وإنما وقع عند الزبير في هذه القصة موضع فلان ابن هبيرة ‏"‏ الحارث بن هشام‏"‏، والذي يظهر لي أن في رواية الباب حذفا، كأنه كان فيه ‏"‏ فلان ابن عم هبيرة ‏"‏ فسقط لفظ عم أو كان فيه ‏"‏ فلان قريب هبيرة ‏"‏ فتغير لفظ قريب بلفظ ابن، وكل من الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية وعبد الله بن أبي ربيعة يصح وصفه بأنه ابن عم هبيرة وقريبه، لكون الجميع من بني مخزوم‏.‏
وسيأتي الكلام على ما يتعلق بأمان المرأة في آخر كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن سائلا سأل‏)‏ لم أقف على اسمه، لكن ذكر شمس الأئمة السرخسي الحنفي في كتابه ‏"‏ المبسوط ‏"‏ أن السائل ثوبان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو لكلكم‏)‏ قال الخطابي لفظه استخبار ومعناه الإخبار عما هم عليه من قلة الثياب، ووقع في ضمنه الفتوى من طريق الفحوي، كأنه يقول‏:‏ إذا علمتم أن ستر العورة فرض والصلاة لازمة وليس لكل أحد منكم ثوبان فكيف لم تعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة‏؟‏ أي مع مراعاة ستر العورة به‏.‏
وقال الطحاوي‏:‏ معناه لو كانت الصلاة مكروهة في الثوب الواحد لكرهت لمن لا يجد إلا ثوبا واحدا‏.‏
انتهى‏.‏
وهذه الملازمة في مقام المنع للفرق بين القادر وغيره، والسؤال إنما كان عن الجواز وعدمه لا عن الكراهة‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ روى ابن حبان هذا الحديث من طريق الأوزاعي عن ابن شهاب، لكن قال في الجواب ‏"‏ ليتوشح به ثم ليصل فيه ‏"‏ فيحتمل أن يكونا حديثين، أو حديثا واحدا فرقه الرواة وهو الأظهر، وكأن المصنف أشار إلى هذا لذكره التوشح في الترجمة‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:18 PM   #182
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا صَلَّى فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَلْيَجْعَلْ عَلَى عَاتِقَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه‏)‏ أي بعضه، في رواية ‏"‏ عاتقه ‏"‏ بالإفراد‏.‏
والعاتق هو ما بين المنكبين إلى أصل العنق، وهو مذكر وحكى تأنيثه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يصلي‏)‏ قال ابن الأثير‏:‏ كذا هو في الصحيحين بإثبات الياء، ووجهه أن ‏"‏ لا ‏"‏ نافية، وهو خبر بمعنى النهي‏.‏
قلت‏:‏ ورواه الدارقطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ من طريق الشافعي عن مالك بلفظ ‏"‏ لا يصل ‏"‏ بغير ياء، ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء عن مالك بلفظ ‏"‏ لا يصلين ‏"‏ بزيادة نون التأكيد، ورواه الإسماعيلي من طريق الثوري عن أبي الزناد بلفظ ‏"‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليس على عاتقيه شيء‏)‏ زاد مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد ‏"‏ منه شيء ‏"‏ والمراد أنه لا يتزر في وسطه ويشد طرفي الثوب في حقويه بل يتوشح بهما على عاتقيه ليحصل الستر لجزء من أعالي البدن وإن كان ليس بعورة، أو لكون ذلك أمكن في ستر العورة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ سَمِعْتُهُ أَوْ كُنْتُ سَأَلْتُهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا شيبان‏)‏ هو ابن عبد الرحمن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعته‏)‏ أي قال يحيى سمعت عكرمة، ثم تردد هل سمعه ابتداء أو جواب سؤال منه‏.‏
هذا ظاهر هذه الرواية‏.‏
وأخرجه الإسماعيلي عن مكي بن عبدان عن حمدان السلمي عن أبي نعيم بلفظ ‏"‏ سمعته أو كتب به إلى ‏"‏ فحصل التردد بين السماع والكتابة، قال الإسماعيلي‏:‏ ولا أعلم أحدا ذكر فيه سماع يحيى من عكرمة، يعني بالجزم‏.‏
قال‏:‏ وقد رويناه من طريق حسين بن محمد عن شيبان بالتردد في السماع أو الكتابة أيضا‏.‏
قلت‏:‏ قد رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن يزيد بن هرون عن شيبان نحو رواية البخاري قال ‏"‏ سمعته ‏"‏ أو ‏"‏ كنت سألته فسمعته ‏"‏ أخرجه أبو نعيم في المستخرج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أشهد‏)‏ كره تأكيدا لحفظه واستحضاره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من صلى في ثوب‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ واحد‏"‏‏.‏
ودلالته على الترجمة من جهة أن المخالفة بين الطرفين لا تتيسر إلا بجعل شيء من الثوب على العاتق، كذا قال الكرماني‏.‏
وأولى من ذلك أن في بعض طرق هذا الحديث التصريح بالمراد فأشار إليه المصنف كعادته، فعند أحمد من طريق معمر عن يحيى فيه ‏"‏ فليخالف بين طرفيه على عاتقيه ‏"‏ وكذا للإسماعيلي وأبي نعيم من طريق حسين عن شيبان، وقد حمل الجمهور هذا الأمر على الاستحباب، والنهي في الذي قبله على التنزيه‏.‏
وعن أحمد ‏"‏ لا تصح صلاة من قدر على ذلك فتركه ‏"‏ جعله من الشرائط، وعنه ‏"‏ تصح ويأثم ‏"‏ جعله واجبا مستقبلا‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ ظاهر النهي يقتضي التحريم لكن الإجماع منعقد على جواز تركه‏.‏
كذا قال وغفل عما ذكره بعد قليل عن النووي من حكاية ما نقلناه عن أحمد، وقد نقل ابن المنذر عن محمد بن علي عدم الجواز، وكلام الترمذي يدل على ثبوت الخلاف أيضا، وقد تقدم ذلك قبل بباب، وعقد الطحاوي له بابا في شرح المعاني ونقل المنع عن ابن عمر ثم عن طاوس والنخعي، ونقله غيره عن ابن وهب وابن جرير، وجمع الطحاوي بين أحاديث الباب بأن الأصل أن يصلي مشتملا فإن ضاق اتزر‏.‏
ونقل الشيخ تقي الدين السبكي وجوب ذلك عن نص الشافعي واختاره، لكن المعروف في كتب الشافعية خلافه‏.‏
واستدل الخطابي على عدم الوجوب بأنه صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب كان أحد طرفيه على بعض نسائه وهي نائمة، قال‏:‏ ومعلوم أن الطرف الذي هو لابسه من الثوب غير متسع لأن يتزر به ويفضل منه ما كان لعاتقه، وفيما قاله نظر لا يخفى، والظاهر من تصرف المصنف التفصيل بين ما إذا كان الثوب واسعا فيجب، وبين ما إذا كان ضيقا فلا يجب وضع شيء منه على العاتق، وهو اختيار ابن المنذر، وبذلك تظهر مناسبة تعقيبه بباب إذا كان الثوب ضيقا‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةبَاب إِذَا كَانَ الثَّوْبُ ضَيِّقًا
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي وَعَلَيَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَاشْتَمَلْتُ بِهِ وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مَا السُّرَى يَا جَابِرُ فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ مَا هَذَا الِاشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ قُلْتُ كَانَ ثَوْبٌ يَعْنِي ضَاقَ قَالَ فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏في بعض أسفاره‏)‏ عينه مسلم في روايته من طريق عبادة بن الوليد بن عبادة عن جابر ‏"‏ غزوة بواط ‏"‏ وهو بضم الموحدة وتخفيف الواو وهي من أوائل مغازيه صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لبعض أمري‏)‏ أي حاجتي‏.‏
وفي رواية مسلم ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان أرسله هو وجبار ابن صخر لتهيئة الماء في المنزل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما السرى‏)‏ أي ما سبب سراك أي سيرك في الليل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما هذا الاشتمال‏)‏ كأنه استفهام إنكار، قال الخطابي‏:‏ الاشتمال الذي أنكره هو أن يدير الثوب على بدنه كله لا يخرج منه يده‏.‏
قلت‏:‏ كأنه أخذه من تفسير الصماء على أحد الأوجه، لكن بين مسلم في روايته أن الإنكار كان بسبب أن الثوب كان ضيقا وأنه خالف بين طرفيه وتواقص - أي انحنى - عليه، كأنه عند المخالفة بين طرفي الثوب لم يصر ساترا فانحنى ليستتر، فأعلمه صلى الله عليه وسلم بأن محل ذلك ما إذا كان الثوب واسعا، فأما إذا كان ضيقا فإنه يجزئه أن يتزر به، لأن القصد الأصلي ستر العورة وهو يحصل بالائتزار ولا يحتاج إلى التواقص المغاير للاعتدال المأمور به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان ثوب‏)‏ كذا لأبي ذر وكريمة بالرفع على أن كان تامة، ولغيرهما بالنصب أي كان المشتمل به ثوبا، زاد الإسماعيلي‏:‏ ضيقا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ كَهَيْئَةِ الصِّبْيَانِ وَيُقَالُ لِلنِّسَاءِ لَا تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن سعيد القطان، وسفيان هو الثوري، وأبو حازم هو ابن دينار، وسهل هو ابن سعد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان رجال‏)‏ التنكير فيه للتنويع وهو يقتضي أن بعضهم كان بخلاف ذلك وهو كذلك، ووقع في رواية أبي داود ‏"‏ رأيت الرجال ‏"‏ واللام فيه للجنس فهو في حكم النكرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عاقدي أزرهم على أعناقهم‏)‏ في رواية أبي داود من طريق وكيع عن الثوري‏:‏ عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر‏.‏
ويؤخذ منه أن الثوب إذا أمكن الالتحاف به كان أولى من الائتزار لأنه أبلغ في التستر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال للنساء‏)‏ قال الكرماني‏:‏ فاعل قال هو النبي صلى الله عليه وسلم كذا جزم به، وقد وقع في رواية الكشميهني ‏"‏ ويقال للنساء ‏"‏ وفي رواية وكيع ‏"‏ فقال قائل يا معشر النساء ‏"‏ فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من يقول لهن ذلك، ويغلب على الظن أنه بلال، وإنما نهى النساء عن ذلك لئلا يلمحن عند رفع رءوسهن من السجود شيئا من عورات الرجال بسبب ذلك عند نهوضهم‏.‏
وعند أحمد وأبي داود التصريح بذلك من حديث أسماء بنت أبي بكر ولفظه ‏"‏ فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رءوسهم كراهية أن يرين عورات الرجال ‏"‏ ويؤخذ منه أنه لا يجب التستر من أسفل‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:19 PM   #183
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ فِي الْجُبَّةِ الشَّامِيَّةِ
وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الثِّيَابِ يَنْسُجُهَا الْمَجُوسِيُّ لَمْ يَرَ بِهَا بَأْسًا وَقَالَ مَعْمَرٌ رَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ يَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ مَا صُبِغَ بِالْبَوْلِ وَصَلَّى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي ثَوْبٍ غَيْرِ مَقْصُورٍ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب الصلاة في الجبة الشامية‏)‏ هذه الترجمة معقودة لجواز الصلاة في ثياب الكفار ما لم يتحقق نجاستها، وإنما عبر بالشامية مراعاة للفظ الحديث، وكانت الشام إذ ذاك دار كفر، وقد تقدم في باب المسح على الخفين أن في بعض طرق حديث المغيرة أن الجبة كانت صوفا وكانت من ثياب الروم‏.‏
ووجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لبسها ولم يستفصل وروى عن أبي حنيفة كراهية الصلاة فيها إلا بعد الغسل، وعن مالك إن فعل يعيد في الوقت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏)‏ أي البصري، و ‏"‏ ينسجها ‏"‏ بكسر السين المهملة وضمها وبضم الجيم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏المجوسي‏)‏ كذا للحموي والكشميهني بلفظ المفرد، والمراد الجنس‏.‏
وللباقين ‏"‏ المجوس ‏"‏ بصيغة الجمع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لم ير‏)‏ أي الحسن، وهو من باب التجريد، أو هو مقول الراوي، وهذا الأثر وصله أبو نعيم بن حماد في نسخته المشهورة عن معتمر عن هشام عنه ولفظه ‏"‏ لا بأس بالصلاة في الثوب الذي ينسجه المجوسي قبل أن يغسل ‏"‏ ولأبي نعيم في كتاب الصلاة عن الربيع عن الحسن ‏"‏ لا بأس بالصلاة في رداء اليهودي والنصراني، وكره ذلك ابن سيرين ‏"‏ رواه ابن أبي شيبة‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقال معمر‏)‏ وصله عبد الرزاق في مصنفه عنه‏.‏
وقوله ‏"‏بالبول ‏"‏ إن كان للجنس فمحمول على أنه كان يغسله قبل لبسه، وإن كان للعهد فالمراد بول ما يؤكل لحمه لأنه كان يقول بطهارته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وصلى علي في ثوب غير مقصور‏)‏ أي خام، والمراد أنه كان جديدا لم يغسل، روى ابن سعد من طريق عطاء بن محمد قال‏:‏ رأيت عليا صلى وعليه قميص كرابيس غير مغسول‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ يَا مُغِيرَةُ خُذْ الْإِدَاوَةَ فَأَخَذْتُهَا فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَأْمِيَّةٌ فَذَهَبَ لِيُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ كُمِّهَا فَضَاقَتْ فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ أَسْفَلِهَا فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ فَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن موسى البلخي، قال أبو علي الجياني‏:‏ روى البخاري في ‏"‏ باب الجبة الشامية ‏"‏ وفي الجنائز وفي تفسير الدخان عن يحيى - غير منسوب - عن أبي معاوية فنسب ابن السكن الذي في الجنائز يحيى بن موسى قال‏:‏ ولم أجد الآخرين منسوبين لأحد‏.‏
قلت‏:‏ فينبغي حمل ما أهمل على ما بين، قد جزم أبو نعيم بأن الذي في الجنائز هو يحيى بن جعفر البيكندي، وذكر الكرماني أنه رأى في بعض النسخ هنا مثله‏.‏
قلت‏:‏ والأول أرجح لأن أبا علي بن شبوية وافق ابن السكن عن الفربري على ذلك في الجنائز وهنا أيضا، ورأيت بخط بعض المتأخرين‏:‏ يحيى هو ابن بكير، وأبو معاوية هو شيبان النحوي‏.‏
وليس كما قال فليس ليحيى بن بكير عن شيبان رواية‏.‏
وبعد أن ردد الكرماني يحيى بين ابن موسى أو ابن جعفر أو ابن معين قال‏:‏ وأبو معاوية يحتمل أن يكون شيبان النحوي‏.‏
وهو عجيب فإن كلا من الثلاثة لم يسمع من شيبان المذكور، وجزم أبو مسعود وكذا خلف في الأطراف وتبعهما المزي بأن الذي في الجنائز هو يحيى بن يحيى، وما قدمناه عن ابن السكن يرد عليهم وهو المعتمد، ولا سيما وقد وافقه ابن شبوية، ولم يختلفوا في أن أبا معاوية هنا هو الضرير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن مسلم‏)‏ هو أبو الضحى‏.‏
وقد تقدم الكلام على فوائد حديث المغيرة في ‏"‏ باب المسح على الخفين‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:20 PM   #184
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب كَرَاهِيَةِ التَّعَرِّي فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كراهية التعري في الصلاة‏)‏ زاد الكشميهني والحموي ‏"‏ وغيرها‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ يَا ابْنَ أَخِي لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ قَالَ فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا روح‏)‏ هو ابن عبادة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم‏)‏ أي مع قريش لما بنوا الكعبة، وكان ذلك قبل البعثة، فرواية جابر لذلك من مراسيل الصحابة، فأما أن يكون سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أو من بعض من حضر ذلك من الصحابة‏.‏
والذي يظهر أنه العباس، وقد حدث به عن العباس أيضا ابنه عبد الله وسياقه أتم أخرجه الطبراني وفيه ‏"‏ فقام فأخذ إزاره وقال نهيت أن أمشي عريانا ‏"‏ وسيأتي ذكره في كتاب الحج مع بقية فوائده في باب بنيان الكعبة إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجعلت‏)‏ أي الإزار، وللكشميهني ‏"‏ فجعلته ‏"‏ وجواب لو محذوف إن كانت شرطية وتقديره‏:‏ لكان أسهل عليك، وإن كانت للتمني فلا حذف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال فحله‏)‏ يحتمل أن يكون مقول جابر أو مقول من حدثه به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فما رؤى‏)‏ بضم الراء بعدها همزة مكسورة، ويجوز كسر الراء بعدها مدة ثم همزة مفتوحة‏.‏
وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ فلم يتعر بعد ذلك ‏"‏ ومطابقة للحديث للترجمة من هذه الجملة الأخيرة لأنها تتناول ما بعد النبوة فيتم بذلك الاستدلال‏.‏
وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان مصونا عما يستقبح قبل البعثة وبعدها‏.‏
وفيه النهي عن التعري بحضرة الناس، وسيأتي ما يتعلق بالخلوة بعد قليل‏.‏
وقد ذكر ابن إسحاق في السيرة أنه صلى الله عليه وسلم تعرى وهو صغير عند حليمة فلكمه لاكم فلم يعد يتعرى‏.‏
وهذا إن ثبت حمل على نفي التعري بغير ضرورة عادية، والذي في حديث الباب على الضرورة العادية، والنفي فيها على الإطلاق، أو يتقيد بالضرورة الشرعية كحالة النوم مع الأهل أحيانا‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ فِي الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالتُّبَّانِ وَالْقَبَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في القميص والسراويل‏)‏ قال ابن سيده‏:‏ السراويل فارسي معرب يذكر ويؤنث‏.‏
ولم يعرف أبو حاتم السجستاني التذكير، والأشهر عدم صرفه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والتبان‏)‏ ضم المثناة وتشديد الموحدة، وهو على هيئة السراويل إلا أنه ليس له رجلان‏.‏
وقد يتخذ من جلد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والقباء‏)‏ بالقصر وبالمد قيل هو فارسي معرب، وقيل عربي مشتق من قبوت الشيء إذا ضممت أصابعك عليه، سمي بذلك لانضمام أطرافه‏.‏
وروى عن كعب أن أول من لبسه سليمان بن داود عليهما السلام‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ فَقَالَ إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ فَأَوْسِعُوا جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ صَلَّى رَجُلٌ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ فِي إِزَارٍ وَقَمِيصٍ فِي إِزَارٍ وَقَبَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ فِي تُبَّانٍ وَقَبَاءٍ فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ فِي تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد‏)‏ هو ابن سيرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قام رجل‏)‏ تقدم أنه لم يسم وتقدم الكلام على المرفوع منه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم سأل رجل عمر‏)‏ أي عن ذلك، ولم يسم أيضا، ويحتمل أن يكون ابن مسعود لأنه اختلف هو وأبي بن كعب في ذلك فقال أبى الصلاة في الثوب الواحد يعني لا تكره‏.‏
وقال ابن مسعود إنما كان ذلك وفي الثياب قلة، فقام عمر على المنبر فقال‏:‏ القول ما قال أبي، ولم يأل ابن مسعود‏.‏
أي لم يقصر‏.‏
أخرجه عبد الرزاق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جمع رجل‏)‏ هو بقية قول عمر، وأورده بصيغة الخبر ومراده الأمر، قال ابن بطال‏:‏ يعني ليجمع وليصل‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ الصحيح أنه كلام في معنى الشرط كأنه قال‏:‏ إن جمع رجل عليه ثيابه فحسن‏.‏
ثم فصل الجمع بصور على معنى البدلية‏.‏
وقال ابن مالك‏:‏ تضمن هذا الحديث فائدتين إحداهما ورود الفعل الماضي بمعنى الأمر وهو قوله ‏"‏ صلى ‏"‏ والمعنى ليصل، ومثله قولهم اتقى الله عبد والمعنى ليتق‏.‏
ثانيهما حذف حرف العطف، فإن الأصل صلى رجل في إزار ورداء وفي إزار وقميص، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏تصدق امرؤ من ديناره، من درهمه، من صاع تمره‏"‏‏.‏
انتهى، فحصل في كل من المسألتين توجيهان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ وأحسبه‏)‏ قائل ذلك أبو هريرة، والضمير في ‏"‏ أحسبه ‏"‏ راجع إلى عمر، وإنما لم يحصل الجزم بذلك لإمكان أن عمر أهمل ذلك، لأن التبان لا يستر العورة كلها بناء على أن الفخذ من العورة فالستر به حاصل مع القباء ومع القميص، وأما مع الرداء فقد لا يحصل‏.‏
ورأى أبو هريرة أن انحصار القسمة يقتضي ذكر هذه الصورة وأن الستر قد يحصل بها إذا كان الرداء سابغا، ومجموع ما ذكر عمر من الملابس ستة، ثلاثة للوسط وثلاثة لغيره، فقدم ملابس الوسط لأنها محل ستر العورة، وقدم أسترها أو أكثرها استعمالا لهم، وضم إلى كل واحد واحدا، فخرج من ذلك تسع صور من ضرب ثلاثة في ثلاثة، ولم يقصد الحصر في ذلك، بل يلحق بذلك ما يقوم مقامه‏.‏
وفي هذا الحديث دليل على وجوب الصلاة في الثياب لما فيه من أن الاقتصار على الثوب الواحد كان لضيق الحال‏.‏
وفيه أن الصلاة في الثوبين أفضل من الثوب الواحد وصرح القاضي عياض بنفي الخلاف في ذلك، لكن عبارة ابن المنذر قد تفهم إثباته لأنه لما حكى عن الأئمة جواز الصلاة في الثوب الواحد قال‏:‏ وقد استحب بعضهم الصلاة في ثوبين‏.‏
وعن أشهب فيمن اقتصر على الصلاة في السراويل مع القدرة‏:‏ يعيد في الوقت، إلا إن كان صفيقا‏.‏
وعن بعض الحنفية يكره ‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ روى ابن حبان حديث الباب من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب فأدرج الموقوف في المرفوع ولم يذكر عمر، ورواية حماد بن زيد هذه المفصلة أصح، وقد وافقه على ذلك حماد بن سلمة فرواه عن أيوب وهشام وحبيب وعاصم كلهم عن ابن سيرين، أخرجه ابن حبان أيضا‏.‏
وأخرج مسلم حديث ابن علية فاقتصر على المتفق على رفعه وحذف الباقي، وذلك من حسن تصرفه‏.‏
والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا وَرْسٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عاصم بن علي‏)‏ هو الواسطي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سأل رجل‏)‏ تقدم في آخر كتاب العلم أنه لم يسم، وأخرنا الكلام عليه إلى موضعه في الحج‏.‏
وموضع الحاجة منه هنا أن الصلاة تجوز بدون القميص والسراويل وغيرهما من المخيط لأمر المحرم باجتناب ذلك، وهو مأمور بالصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يكونا‏)‏ في رواية الحموي والمستملي ‏"‏ حتى يكون ‏"‏ بالإفراد أي كل واحد منهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن نافع‏)‏ معطوف على قوله ‏"‏ عن الزهري ‏"‏ وذلك بين في الرواية الماضية في آخر كتاب العلم، فإنه أخرجه هناك عن آدم عن ابن أبي ذئب، فقدم طريق نافع وعطف عليها طريق الزهري، عكس ما هنا‏.‏
وزعم الكرماني أن قوله ‏"‏ وعن نافع ‏"‏ تعليق من البخاري، وقد قدمنا أن التجويزات العقلية لا يليق استعمالها في الأمور النقلية‏.‏
والله الموفق‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا يَسْتُرُ مِنْ الْعَوْرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يستر من العورة‏)‏ أي خارج الصلاة‏.‏
والظاهر من تصرف المصنف أنه يرى أن الواجب ستر السوأتين فقط، وأما في الصلاة فعلى ما تقدم من التفصيل، وأول أحاديث الباب يشهد له فإنه قيد النهي بما إذا لم يكن على الفرج شيء أي يستره، ومقتضاه أن الفرج إذا كان مستورا فلا نهي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة‏)‏ أي ابن مسعود‏.‏
عن ‏(‏أبي سعيد‏)‏ هكذا رواه الليث عن ابن شهاب ووافقه ابن جريج كما أخرجه المصنف في اللباس، ورواه في اللباس أيضا من طريق أخرى عن الليث أيضا عن يونس عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبي سعيد وسياقه أتم‏.‏
وفيه النهي عن الملامسة والمنابذة أيضا، وفيه تفسير جميع ذلك‏.‏
ورواه في الاستئذان من طريق سفيان عن ابن شهاب عن عطاء ابن يزيد عن أبي سعيد بنحو رواية يونس لكن بدون التفسير، والطرق الثلاثة صحيحة، وابن شهاب سمع حديث أبي سعيد من ثلاثة من أصحابه فحدث به عن كل منهم بمفرده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن اشتمال الصماء‏)‏ و بالصاد المهملة والمد، قال أهل اللغة‏:‏ هو أن يخلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانبا ولا يبقى ما يخرج منه يده‏.‏
قال ابن قتيبة‏:‏ سميت صماء لأنه يسد المنافذ كلها فتصير كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق‏.‏
وقال الفقهاء‏:‏ هو أن يلتحف بالثوب ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيصير فرجه باديا‏.‏
قال النووي فعلى تفسير أهل اللغة يكون مكروها لئلا يعرض له حاجة فيتعسر عليه إخراج يده فيلحقه الضرر، وعلى تفسير الفقهاء يحرم لأجل انكشاف العورة‏.‏
قلت‏:‏ ظاهر سياق المصنف من رواية يونس في اللباس أن التفسير المذكور فيها مرفوع، وهو موافق لما قال الفقهاء‏.‏
ولفظه‏:‏ والصماء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه‏.‏
وعلى تقدير أن يكون موقوفا فهو حجة على الصحيح، لأنه تفسير من الراوي لا يخالف ظاهر الخبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأن يحتبي‏)‏ الاحتباء أن يقعد على أليتيه وينصب ساقيه ويلف عليه ثوبا، ويقال له الحبوة، وكانت من شأن العرب‏.‏
وفسرها في رواية يونس المذكورة بنحو ذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ عَنْ اللِّمَاسِ وَالنِّبَاذِ وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن بيعتين‏)‏ بفتح الموحدة، ويجوز كسرها على إرادة الهيئة‏.‏
و ‏(‏اللماس‏)‏ بكسر أوله وكذا ‏(‏النباذ‏)‏ وأوله نون ثم موحدة خفيفة وآخره معجمة، وسيأتي تفسيرهما في كتاب البيوع إن شاء الله تعالى‏.‏
والمطلق في الاحتباء هنا محمول على المقيد في الحديث الذي قبله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ يَوْمَ النَّحْرِ نُؤَذِّنُ بِمِنًى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةٌ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْل مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ كذا للأكثر غير منسوب، وردده الحفاظ بين ابن منصور وبين ابن راهويه‏.‏
ووقع في نسختي من طريق أبي ذر إسحاق بن إبراهيم فتعين أنه ابن راهويه، إذ لم يرو البخاري عن إسحاق ابن أبي إسرائيل‏.‏
واسمه إبراهيم شيئا ولا عن الصواف وهو دونهما في الطبقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يعقوب بن إبراهيم‏)‏ أي ابن سعد ورواة هذا الإسناد سوى صحابيه وشيخ المصنف زهريون وهم أربعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن لا يحج‏)‏ كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ ألا لا يحج ‏"‏ بأداة الاستفتاح قبل حرف النهي، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا الحديث في ‏"‏ باب وجوب الصلاة في الثياب ‏"‏ وسيأتي الكلام على بقية مباحثه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:21 PM   #185
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةبَاب الصَّلَاةِ بِغَيْرِ رِدَاءٍ
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ مُلْتَحِفًا بِهِ وَرِدَاؤُهُ مَوْضُوعٌ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْنَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تُصَلِّي وَرِدَاؤُكَ مَوْضُوعٌ قَالَ نَعَمْ أَحْبَبْتُ أَنْ يَرَانِي الْجُهَّالُ مِثْلُكُمْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي هَكَذَا
الشرح‏:‏
تقدم الكلام على حديث جابر في ‏"‏ باب عقد الإزار على القفا ‏"‏ وقوله هنا ‏(‏ملتحفا به‏)‏ كذا للأكثر بالنصب على الحال، وللمستملي والحموي ‏"‏ ملتحف ‏"‏ بالرفع على الحذف، وفي نسختي عنهما بالجر على المجاورة، وقوله في آخره ‏"‏ يصلي كذا ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ يصلي هكذا ‏"‏ وقوله‏:‏ ‏(‏الجهال مثلكم‏)‏ لفظ المثل مفرد لكنه اسم جنس فلذلك طابق لفظ الجهال وهو جمع، أو اكتسب الجمعية من الإضافة‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا يُذْكَرُ فِي الْفَخِذِ
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَرْهَدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَخِذُ عَوْرَةٌ وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ حَسَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَخِذِهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ حَتَّى يُخْرَجَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَقَالَ أَبُو مُوسَى غَطَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يذكر في الفخذ‏)‏ أي في حكم الفخذ، وللكشميهني ‏"‏ من الفخذ‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف، وسقط من رواية الأكثر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويروى عن ابن عباس‏)‏ وصله الترمذي، وفي إسناده أبو يحيى القتات بقاف ومثناتين وهو ضعيف مشهور بكنيته، واختلف في اسمه على ستة أقوال أو سبعة أشهرها دينار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجرهد‏)‏ بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء، وحديثه موصول عند مالك في الموطأ والترمذي وحسنه وابن حبان وصححه وضعفه المصنف في التاريخ للاضطراب في إسناده، وقد ذكرت كثيرا من طرقه في تعليق التعليق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومحمد بن جحش‏)‏ هو محمد بن عبد الله بن جحش، نسب إلى جده، له ولأبيه عبد الله صحبة، وزينب بنت جحش أم المؤمنين هي عمته، وكان محمد صغيرا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد حفظ عنه، وذلك بين في حديثه هذا، فقد وصله أحمد والمصنف في التاريخ والحاكم في المستدرك كلهم من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي كثير مولى محمد بن جحش عنه وقال ‏"‏ مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه على معمر وفخذاه مكشوفتان، فقال‏:‏ يا معمر غط عليك فخذيك، فإن الفخذين عورة ‏"‏ رجاله رجال الصحيح، غير أبي كثير فقد روى عنه جماعة لكن لم أجد فيه تصريحا بتعديل، ومعمر المشار إليه هو معمر بن عبد الله بن نضلة القرشي العدوي، وقد أخرج ابن قانع هذا الحديث من طريقه أيضا، ووقع لي حديث محمد بن جحش مسلسلا بالمحمديين من ابتدائه إلى انتهائه، وقد أمليته في ‏"‏ الأربعين المتباينة‏"‏، قوله‏:‏ ‏(‏وقال أنس‏:‏ حسر‏)‏ بمهملات مفتوحات، أي كشف‏.‏
وقد وصل المصنف حديث أنس في الباب كما سيأتي قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحديث أنس أسند‏)‏ أي أصح إسنادا، كأنه يقول حديث جرهد ولو قلنا بصحته فهو مرجوح بالنسبة إلى حديث أنس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحديث جرهد‏)‏ أي وما معه ‏(‏أحوط‏)‏ أي للدين، وهو يحتمل أن يريد بالاحتياط الوجوب أو الورع وهو أظهر ل قوله‏:‏ ‏(‏حتى يخرج من اختلافهم‏)‏ و ‏"‏ يخرج ‏"‏ في روايتنا مضبوطة بفتح النون وضم الراء وفي غيرها بضم الياء وفتح الراء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو موسى‏)‏ أي الأشعري والمذكور هنا من حديثه طرف من قصة أوردها المصنف في المناقب من رواية عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عنه فذكر الحديث، وفيه ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد انكشف عن ركبتيه أو ركبته فلما دخل عثمان غطاها ‏"‏ وعرف بهذا الرد على الداودي الشارح حيث زعم أن هذه الرواية المعلقة عن أبي موسى وهم، وأنه دخل حديث في حديث، وأشار إلى ما رواه مسلم من حديث عائشة قالت ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه ‏"‏ الحديث‏.‏
وفيه ‏"‏ فلما استأذن عثمان جلس ‏"‏ وهو عند أحمد بلفظ ‏"‏ كاشفا عن فخذه ‏"‏ من غير تردد، وله من حديث حفصة مثله، وأخرجه الطحاوي والبيهقي من طريق ابن جريج قال أخبرني أبو خالد عن عبد الله بن سعيد المدني حدثتني حفصة بنت عمر قالت ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي يوما وقد وضع ثوبه بين فخذيه فدخل أبو بكر ‏"‏ الحديث‏.‏
وقد بان بما قدمناه أنه لم يدخل على البخاري حديث في حديث بل هما قصتان متغايرتان في إحداهما كشف الركبة وفي الأخرى كشف الفخذ، والأولى من رواية أبي موسى وهي المعلقة هنا والأخرى من رواية عائشة ووافقتها حفصة ولم يذكرهما البخاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال زيد بن ثابت‏)‏ هو أيضا طرف من حديث موصول عند المصنف في تفسير سورة النساء في نزول قوله تعالى ‏(‏لا يستوي القاعدون من المؤمنين‏)‏ الآية، وقد اعترض الإسماعيلي استدلال المصنف بهذا على أن الفخذ ليست بعورة، لأنه ليس فيه التصريح بعدم الحائل، قال‏:‏ ولا يظن ظان أن الأصل عدم الحائل، لأنا نقول العضو الذي يقع عليه الاعتماد يخبر عنه بأنه معروف الموضع، بخلاف الثوب‏.‏
انتهى‏.‏
والظاهر أن المصنف تمسك بالأصل والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن ترض‏)‏ أي تكسر، وهو بفتح أوله وضم الراء ويجوز عكسه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ قَالَهَا ثَلَاثًا قَالَ وَخَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْخَمِيسُ يَعْنِي الْجَيْشَ قَالَ فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً فَجُمِعَ السَّبْيُ فَجَاءَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ قَالَ اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ قَالَ ادْعُوهُ بِهَا فَجَاءَ بِهَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خُذْ جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ غَيْرَهَا قَالَ فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَهَا فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا أَصْدَقَهَا قَالَ نَفْسَهَا أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا فَقَالَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ وَبَسَطَ نِطَعًا فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ قَالَ فَحَاسُوا حَيْسًا فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يعقوب بن إبراهيم‏)‏ هو الدورقي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلينا عندها‏)‏ أي خارجا منها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلاة الغداة‏)‏ فيه جواز إطلاق ذلك على صلاة الصبح، خلافا لمن كرهه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنا رديف أبي طلحة‏)‏ فيه جواز الإرداف، ومحله ما إذا كان الدابة مطيقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي مركوبه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني أنظر‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ لأنظر ‏"‏ ‏(‏إلى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ ‏.‏
هكذا وقع في رواية البخاري ‏"‏ ثم أنه حسر ‏"‏ والصواب أنه عنده بفتح المهملتين، ويدل على ذلك تعليقه الماضي في أوائل الباب حيث قال ‏"‏ وقال أنس‏:‏ حسر النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وضبطه بعضهم بضم أوله وكسر ثانيه على البناء للمفعول بدليل رواية مسلم ‏"‏ فانحسر ‏"‏ وليس ذلك بمستقيم، إذ لا يلزم من وقوعه كذلك في رواية مسلم أن لا يقع عند البخاري على خلافه، ويكفي في كونه عند البخاري بفتحتين ما تقدم من التعليق‏.‏
وقد وافق مسلما على روايته بلفظ ‏"‏ فانحسر ‏"‏ أحمد بن حنبل عن ابن علية، وكذا رواه الطبراني عن يعقوب شيخ البخاري، ورواه الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن يعقوب المذكور ولفظه ‏"‏ فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر إذ خر الإزار‏"‏‏.‏
قال الإسماعيلي‏:‏ هكذا وقع عندي خر بالخاء المعجمة والراء، فإن كان محفوظا فليس فيه دليل على ما ترجم به، وإن كانت روايته هي المحفوظة فهي دالة على أن الفخذ ليست بعورة‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا مصير منه إلى أن رواية البخاري بفتحتين كما قدمناه، أي كشف الإزار عن فخذه عند سوق مركوبه ليتمكن من ذلك‏.‏
قال القرطبي‏:‏ حديث أنس وما معه إنما ورد في قضايا معينة في أوقات مخصوصة يتطرق إليها من احتمال الخصوصية أو البقاء على أصل الإباحة ما لا يتطرق إلى حديث جرهد وما معه، لأنه يتضمن إعطاء حكم كلي وإظهار شرع عام، فكان العمل به أولى‏.‏
ولعل هذا هو مراد المصنف بقوله ‏"‏ وحديث جرهد أحوط‏"‏‏.‏
قال النووي‏:‏ ذهب أكثر العلماء إلى أن الفخذ عورة، وعن أحمد ومالك في رواية‏:‏ العورة القبل والدبر فقط، وبه قال أهل الظاهر وابن جرير والإصطخري‏.‏
قلت‏:‏ في ثبوت ذلك عن ابن جرير نظر، فقد ذكر المسألة في تهذيبه ورد على من زعم أن الفخذ ليست بعورة، ومما احتجوا به قول أنس في هذا الحديث ‏"‏ وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إذ ظاهره أن المس كان بدون الحائل، ومس العورة بدون حائل لا يجوز‏.‏
وعلى رواية مسلم ومن تابعه في أن الإزار لم ينكشف بقصد منه صلى الله عليه وسلم يمكن الاستدلال على أن الفخذ ليست بعورة من جهة استمراره على ذلك، لأنه وإن جاز وقوعه من غير قصد لكن لو كانت عورة لم يقر على ذلك لمكان عصمته صلى الله عليه وسلم، ولو فرض أن ذلك وقع لبيان التشريع لغير المختار لكان ممكنا، لكن فيه نظر من جهة أنه كان يتعين حينئذ البيان عقبه كما في قضية السهو في الصلاة، وسياقه عند أبي عوانة والجوزقي من طريق عبد الوارث عن عبد العزيز ظاهر في استمرار ذلك، ولفظه ‏"‏ فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأرى بياض فخذيه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما دخل القرية قال‏:‏ الله أكبر، خربت خيبر‏)‏ قيل مناسبة ذلك القول أنهم استقبلوا الناس بمساحيهم ومكاتلهم، وهي من آلات الهدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد العزيز‏)‏ هو الراوي عن أنس ‏(‏وقال بعض أصحابنا‏)‏ أي أنه لم يسمع من أنس هذه اللفظة، بل سمع منه ‏(‏فقالوا محمد‏)‏ وسمع من بعض أصحابه عنه ‏(‏والخميس‏)‏ ووقع في رواية أبي عوانة والجوزقي المذكورة ‏"‏ فقالوا محمد والخميس ‏"‏ من غير تفصيل، فدلت رواية ابن علية هذه على أن في رواية عبد الوارث إدراجا، وكذا وقع لحماد بن زيد عن عبد العزيز وثابت كما سيأتي في آخر صلاة الخوف‏.‏
وبعض أصحاب عبد العزيز يحتمل أن يكون محمد بن سيرين فقد أخرجه البخاري من طريقه، أو ثابتا البناني فقد أخرجه مسلم من طريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يعني الجيش‏)‏ تفسير من عبد العزيز أو ممن دونه، وأدرجها عبد الوارث في روايته أيضا، وسمي خميسا لأنه خمسة أقسام‏:‏ مقدمة، وساقة، وقلب، وجناحان‏.‏
وقيل من تخميس الغنيمة، وتعقبه الأزهري بأن التخميس إنما ثبت بالشرع وقد كان أهل الجاهلية يسمون الجيش خميسا فبان أن القول الأول أولى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عنوة‏)‏ بفتح المهملة، أي قهرا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أعطني جارية‏)‏ يحتمل أن يكون إذنه له في أخذ الجارية على سبيل التنفيل له إما من أصل الغنيمة أو من خمس الخمس بعد أن ميز، أو قبل على أن تحسب منه إذا ميز، أو أذن له في أخذها لتقوم عليه بعد ذلك وتحسب من سهمه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأخذ‏)‏ أي فذهب فأخذ قوله‏:‏ ‏(‏فجاء رجل‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خذ جارية من السبي غيرها‏)‏ كر الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏ عن ‏"‏ سير الواقدي ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه أخت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق‏.‏
انتهى‏.‏
وكان كنانة زوج صفية، فكأنه صلى الله عليه وسلم طيب خاطره لما استرجع منه صفية بأن أعطاه أخت زوجها، واسترجاع النبي صلى الله عليه وسلم صفية منه محمول على أنه إنما أذن له في أخذ جارية من حشو السبي لا في أخذ أفضلهن، فجاز استرجاعها منه لئلا يتميز بها على باقي الجيش مع أن فيهم من هو أفضل منه‏.‏
ووقع في رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى صفية منه بسبعة أرؤس، وإطلاق الشراء على ذلك على سبيل المجاز، وليس في قوله ‏"‏ سبعة أرؤس ‏"‏ ما ينافي قوله هنا ‏"‏ خذ جارية ‏"‏ إذ ليس هنا دلالة على نفي الزيادة‏.‏
وسنذكر بقية هذا الحديث في غزوة خيبر من كتاب المغازي، والكلام على قوله ‏"‏ أعتقها وتزوجها ‏"‏ في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال له‏)‏ أي لأنس، وثابت هو البناني، وأبو حمزة كنية أنس، وأم سليم والدة أنس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأهدتها‏)‏ أي زفتها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأحسبه‏)‏ أي أنسا ‏(‏قد ذكر السويق‏)‏ ، وجزم عبد الوارث في روايته بذكر السويق فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحاسوا‏)‏ بمهملتين أي خلطوا، والحيس بفتح أوله خليط السمن والتمر والأقط، قال الشاعر‏:‏ التمر والسمن جميعا والأقط الحيس إلا أنه لم يختلط وقد يختلط مع هذه الثلاثة غيرها كالسويق، وسيأتي بقية فوائد ذلك في كتاب الوليمة إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:23 PM   #186
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي الثِّيَابِ
وَقَالَ عِكْرِمَةُ لَوْ وَارَتْ جَسَدَهَا فِي ثَوْبٍ لَأَجَزْتُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ بالتنوين ‏(‏في كم‏)‏ بحذف المميز أي كم ثوبا ‏(‏تصلي المرأة‏)‏ من الثياب، قال ابن المنذر بعد أن حكى عن الجمهور أن الواجب على المرأة أن تصلي في درع وخمار‏:‏ المراد بذلك تغطية بدنها ورأسها، فلو كان الثوب واسعا فغطت رأسها بفضله جاز‏.‏
قال‏:‏ وما رويناه عن عطاء أنه قال ‏"‏ تصلي في درع وخمار وإزار ‏"‏ وعن ابن سيرين مثله وزاد ‏"‏ وملحفة ‏"‏ فإني أظنه محمولا على الاستحباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عكرمة‏)‏ يعني مولى ابن عباس‏.‏
قوله ‏(‏جاز‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ لأجزته ‏"‏ بفتح الجيم وسكون الزاي، وأثره هذا وصله عبد الرزاق ولفظه ‏"‏ لو أخذت المرأة ثوبا فتقنعت به حتى لا يرى من شعرها شيء أجزأ عنها‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْفَجْرَ فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ مُتَلَفِّعَاتٍ فِي مُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَرْجِعْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن عائشة قالت‏:‏ لقد‏)‏ اللام في لقد جواب قسم محذوف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏متلفعات‏)‏ قال الأصمعي‏:‏ التلفع أن تشتمل بالثوب حتى تجلل به جسدك، وفي شرح الموطأ لابن حبيب‏:‏ التلفع لا يكون إلا بتغطية الرأس، والتلفف يكون بتغطية الرأس وكشفه، و ‏(‏المروط‏)‏ جمع مرط بكسر أوله، كساء من خز أو صوف أو غيره‏.‏
وعن النضر بن شميل ما يقتضى أنه خاص بلبس النساء‏.‏
وقد اعترض على استدلال المصنف به على جواز صلاة المرأة في الثوب الواحد بأن الالتفاع المذكور يحتمل أن يكون فوق ثياب أخرى‏.‏
والجواب عنه أنه تمسك بأن الأصل عدم الزيادة على ما ذكر، على أنه لم يصرح بشيء إلا أن اختياره يؤخذ في العادة من الآثار التي يودعها في الترجمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما يعرفهن أحد‏)‏ زاد في المواقيت ‏"‏ من الغلس ‏"‏ وهو يعين أحد الاحتمالين‏:‏ هل عدم المعرفة بهن لبقاء الظلمة أو لمبالغتهن في التغطية‏؟‏ وسيأتي الكلام على بقية مباحثه في المواقيت إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ وَنَظَرَ إِلَى عَلَمِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها‏)‏ قال الكرماني‏:‏ في رواية ‏"‏ ونظر إلى علمه ‏"‏ والتأنيث في علمها باعتبار الخميصة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏خميصة‏)‏ بفتح المعجمة وكسر الميم وبالصاد المهملة، كساء مربع له علمان، والأنبجانية بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة وتخفيف الجيم وبعد النون ياء النسبة‏:‏ كساء غليظ لا علم له‏.‏
وقال ثعلب‏:‏ يجوز فتح همزته وكسرها، وكذا الموحدة، يقال كبش أنبجاني إذا كان ملتفا، كثير الصوف‏.‏
وكساء أنبجاني كذلك، وأنكر أبو موسى المديني على من زعم أنه منسوب إلى منبج البلد المعروف بالشام‏.‏
قال صاحب الصحاح‏:‏ إذا نسبت إلى منبج فتحت الباء فقلت‏:‏ كساء منبجاني أخرجوه مخرج منظراني‏.‏
وفي الجمهرة‏:‏ منبج موضع أعجمي تكلمت به العرب ونسبوا إليه الثياب المنبجانية‏.‏
وقال أبو حاتم السجستاني‏:‏ لا يقال كساء أنبجاني وإنما يقال منبجاني، قال‏:‏ وهذا مما تخطئ فيه العامة‏.‏
وتعقبه أبو موسى كما تقدم فقال‏:‏ الصواب أن هذه النسبة إلى موضع يقال له أنبجان، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى أبي جهم‏)‏ هو عبيد الله - ويقال عامر - بن حذيفة القرشي العدوي صحابي مشهور، وإنما خصه صلى الله عليه وسلم بإرسال الخميصة لأنه كان أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم كما رواه مالك في الموطأ من طريق أخرى عن عائشة قالت ‏"‏ أهدى أبو جهم بن حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها علم فشهد فيها الصلاة، فلما انصرف قال‏:‏ ردى هذه الخميصة إلى أبي جهم ‏"‏ ووقع عند الزبير بن بكار ما يخالف ذلك، فأخرج من وجه مرسل ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بخميصتين سوداوين فلبس إحداهما وبعث الأخرى إلى أبي جهم ‏"‏ ولأبي داود من طريق أخرى ‏"‏ وأخذ كرديا لأبي جهم، فقيل‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخميصة كانت خيرا من الكردي‏"‏‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ إنما طلب منه ثوبا غيرها ليعلمه أنه لم يرد عليه هديته استخفافا به، قال‏:‏ وفيه أن الواهب إذا ردت عليه عطيته من غير أن يكون هو الراجع فيها فله أن يقبلها من غير كراهة‏.‏
قلت‏:‏ وهذا مبني على أنها واحدة، ورواية الزبير والتي بعدها تصرح بالتعدد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ألهتني‏)‏ أي شغلتني، يقال لهي بالكسر إذا غفل، ولها بالفتح إذا لعب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏آنفا‏)‏ أي قريبا، وهو مأخوذ من ائتناف الشيء أي ابتدائه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن صلاتي‏)‏ أي عن كمال الحضور فيها، كذا قيل، والطريق الآتية المعلقة تدل على أنه لم يقع له شيء من ذلك وإنما خشي أن يقع لقوله ‏"‏ فأخاف‏"‏‏.‏
وكذا في رواية مالك ‏"‏ فكاد ‏"‏ فلتؤول الرواية الأولى‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ فيه مبادرة الرسول إلى مصالح الصلاة، ونفى ما لعله يخدش فيها‏.‏
وأما بعثه بالخميصة إلى أبي جهم فلا يلزم منه أن يستعملها في الصلاة‏.‏
ومثله قوله في حلة عطارد حيث بعث بها إلى عمر ‏"‏ إني لم أبعث بها إليك لتلبسها ‏"‏ ويحتمل أن يكون ذلك من جنس قوله ‏"‏ كل فإني أناجي من لا تناجي ‏"‏ ويستنبط منه كراهية كل ما يشغل عن الصلاة من الأصباغ والنقوش ونحوها‏.‏
وفيه قبول الهدية من الأصحاب والإرسال إليهم والطلب منهم‏.‏
واستدل به الباجي على صحة المعاطاة لعدم ذكر الصيغة‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ فيه إيذان بأن للصور والأشياء الظاهرة تأثيرا في القلوب الطاهرة والنفوس الزكية، يعني فضلا عمن دونها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال هشام بن عروة‏)‏ أخرجه أحمد وابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود من طريقه، ولم أر في شيء من طرقهم هذا اللفظ‏.‏
نعم اللفظ الذي ذكرناه عن الموطأ قريب من هذا اللفظ المعلق، ولفظه‏:‏ ‏"‏ فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني ‏"‏ والجمع بين الروايتين بحمل قوله ‏"‏ ألهتني ‏"‏ على قوله ‏"‏ كادت ‏"‏ فيكون إطلاق الأولى للمبالغة في القرب لا لتحقق وقوع الإلهاء‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله ‏"‏ فأخاف أن تفتنني ‏"‏ في روايتنا بكسر المثناة وتشديد النون‏.‏
وفي رواية الباقين بإظهار النون الأولى وهو بفتح أوله من الثلاثي‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ أَوْ تَصَاوِيرَ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إن صلى في ثوب مصلب‏)‏ بفتح اللام المشددة، أي فيه صلبان منسوجة أو منقوشة أو تصاوير، أي في ثوب ذي تصاوير، كأنه حذف المضاف لدلالة المعنى عليه‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ هو عطف على ثوب لا على مصلب، والتقدير أو صلى في تصاوير‏.‏
ووقع عند الإسماعيلي ‏"‏ أو بتصاوير ‏"‏ وهو يرجح الاحتمال الأول، وعند أبي نعيم ‏"‏ في ثوب مصلب أو مصور‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هل تفسد صلاته‏)‏ جرى المصنف على قاعدته في ترك الجزم فيما فيه اختلاف، وهذا من المختلف فيه‏.‏
وهذا مبني على أن النهي هل يقتضي الفساد أم لا‏؟‏ والجمهور إن كان لمعنى في نفسه اقتضاه، وإلا فلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وما ينهى من ذلك‏)‏ أي وما ينهى عنه من ذلك‏.‏
وفي رواية غير أبي ذر ‏"‏ وما ينهى عن ذلك ‏"‏ وظاهر حديث الباب لا يوفى بجميع ما تضمنته الترجمة إلا بعد التأمل، لأن الستر وإن كان ذا تصاوير لكنه لم يلبسه ولم يكن مصلبا ولا نهي عن الصلاة فيه صريحا‏.‏
والجواب أما أو لا فإن منع لبسه بطريق الأولى، وأما ثانيا فبإلحاق المصلب بالمصور لاشتراكهما في أن كلا منهما قد عبد من دون الله تعالى‏.‏
وأما ثالثا فالأمر بالإزالة مستلزم للنهي عن الاستعمال‏.‏
ثم ظهر لي أن المصنف أراد بقوله مصلب الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق هذا الحديث كعادته، وذلك فيما أخرجه في اللباس من طريق عمران عن عائشة قالت ‏"‏ لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك في بيته شيئا فيه تصليب إلا نقضه‏"‏‏.‏
وللإسماعيلي ‏"‏ سترا أو ثوبا‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عبد الوارث‏)‏ هو ابن سعيد، والإسناد كله بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قرام‏)‏ بكسر القاف وتخفيف الراء‏:‏ ستر رقيق من صوف ذو ألوان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أميطي‏)‏ أي أزيلي وزنا ومعنى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا تزال تصاوير‏)‏ كذا في روايتنا، وللباقين بإثبات الضمير، والهاء في روايتنا في ‏"‏ فإنه ‏"‏ ضمير الشأن، وعلى الأخرى يحتمل أن تعود على الثوب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تعرض‏)‏ بفتح أوله وكسر الراء أي تلوح، وللإسماعيلي ‏"‏ تعرض ‏"‏ بفتح العين وتشديد الراء، أصله تتعرض‏.‏
ودل الحديث على أن الصلاة لا تفسد بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقطعها ولم يعدها، وسيأتي في كتاب اللباس بقية الكلام على طرق حديث عائشة في هذا، والتوفيق بين ما ظاهره الاختلاف منها إن شاء الله تعالى، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:24 PM   #187
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ صَلَّى فِي فَرُّوجِ حَرِيرٍ ثُمَّ نَزَعَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى في فروج‏)‏ بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وآخره جيم، هو القباء المفرج من خلف، وحكى أبو زكريا التبريزي عن أبي العلاء المعري جواز ضم أوله وتخفيف الراء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ فَصَلَّى فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ وَقَالَ لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يزيد‏)‏ زاد الأصيلي هو ابن أبي حبيب، وأبو الخير هو اليزني بفتح الزاي بعدها نون، والإسناد كله مصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أهدى‏)‏ بضم أوله، والذي أهداه هو أكيدر كما سيأتي في اللباس، وظاهر هذا الحديث أن صلاته صلى الله عليه وسلم فيه كانت قبل تحريم لبس الحرير، ويدل على ذلك حديث جابر عند مسلم بلفظ ‏"‏ صلى في قباء ديباج ثم نزعه وقال‏:‏ نهاني عنه جبريل ‏"‏ ويدل عليه أيضا مفهوم قوله ‏"‏ لا ينبغي هذا للمتقين ‏"‏ لأن المتقي وغيره في التحريم سواء، ويحتمل أن يراد بالمتقي المسلم أي المتقي للكفر، ويكون النهي سبب النزع، ويكون ذلك ابتداء التحريم، وإذا تقرر هذا فلا حجة فيه لمن أجاز الصلاة في ثياب الحرير لكونه صلى الله عليه وسلم لم يعد تلك الصلاة، لأن ترك إعادتها لكونها وقعت قبل التحريم، أما بعده فعند الجمهور تجزئ لكن مع التحريم، وعن مالك يعيد في الوقت، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في الثوب الأحمر‏)‏ يشير إلى الجواز، والخلاف في ذلك مع الحنفية فإنهم قالوا يكره، وتأولوا حديث الباب بأنها كانت حلة من برود فها خطوط حمر، ومن أدلتهم ما أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو قال ‏"‏ مر بالنبي صلى الله عليه وسلم رجل وعليه ثوبان أحمران، فسلم عليه فلم يرد عليه ‏"‏ وهو حديث ضعيف الإسناد، وإن وقع في بعض نسخ الترمذي أنه قال حديث حسن لأن في سنده كذا، وعلى تقدير أن يكون مما يحتج به فقد عارضه ما هو أقوى منه وهو واقعة عين، فيحتمل أن يكون ترك الرد عليه بسبب آخر‏.‏
وحمله البيهقي على ما صبغ بعد النسخ‏.‏
وأما ما صبغ غزله ثم نسج فلا كراهية فيه‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ زعم بعضهم أن لبس النبي صلى الله عليه وسلم لتلك الحلة كان من أجل الغزو، وفيه نظر لأنه كان عقب حجة الوداع ولم يكن له إذ ذاك غزو‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ وَرَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَاكَ الْوَضُوءَ فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ ثُمَّ رَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا صَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ الْعَنَزَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخذ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ بفتح الواو، أي الماء الذي توضأ به، وقد تقدم استدلال المصنف به على طهارة الماء المستعمل، ويأتي باقي مباحثه في أبواب السترة إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ فِي السُّطُوحِ وَالْمِنْبَرِ وَالْخَشَبِ
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْجُمْدِ وَالْقَنَاطِرِ وَإِنْ جَرَى تَحْتَهَا بَوْلٌ أَوْ فَوْقَهَا أَوْ أَمَامَهَا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ وَصَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى سَقْفِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ عَلَى الثَّلْجِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب‏)‏ يشير بذلك إلى الجواز، والخلاف في ذلك عن بعض التابعين وعن المالكية في المكان المرتفع لمن كان إماما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏ هو المصنف، والحسن هو البصري، والجمد بفتح الجيم وسكون الميم بعدها دال مهملة‏:‏ الماء إذا جمد، وهو مناسب لأثر ابن عمر الآتي أنه صلى على الثلج، وحكى ابن قرقول أن رواية الأصيلي وأبي ذر بفتح الميم، قال القزاز‏:‏ الجمد محرك الميم هو الثلج، نقل ابن التين عن الصحاح‏:‏ الجمد بضم الجيم والميم وبسكون الميم أيضا مثل عسر وعسر المكان الصلب المرتفع‏.‏
قلت‏:‏ وليس ذلك مرادا هنا، بل صوب ابن قرقول وغيره الأول لأنه المناسب للقناطر لاشتراكهما في أن كلا منهما قد يكون تحته ما ذكر من البول وغيره، والغرض أن إزالة النجاسة يختص بما لاقى المصلي، أما مع الحائل فلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وصلى أبو هريرة على ظهر المسجد‏)‏ ، وللمستملي ‏"‏ على سقف‏"‏‏.‏
وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة من طريق صالح مولى التوأمة قال ‏"‏ صليت مع أبي هريرة فوق المسجد بصلاة الإمام ‏"‏ وصالح فيه ضعف، لكن رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن أبي هريرة فاعتضد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ قَالَ سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ الْمِنْبَرُ فَقَالَ مَا بَقِيَ بِالنَّاسِ أَعْلَمُ مِنِّي هُوَ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ عَمِلَهُ فُلَانٌ مَوْلَى فُلَانَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عُمِلَ وَوُضِعَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ كَبَّرَ وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَهُ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَرَكَعَ النَّاسُ خَلْفَهُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ بِالْأَرْضِ فَهَذَا شَأْنُهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ سَأَلَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَعْلَى مِنْ النَّاسِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ أَعْلَى مِنْ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فَقُلْتُ إِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ كَانَ يُسْأَلُ عَنْ هَذَا كَثِيرًا فَلَمْ تَسْمَعْهُ مِنْهُ قَالَ لَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي بن عبد الله‏)‏ هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة، وأبو حازم هو ابن دينار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما بقي بالناس‏)‏ وللكشميهني في الناس ‏(‏أعلم مني‏)‏ أي بذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من أثل‏)‏ بفتح الهمزة وسكون المثلثة شجر معروف، والغابة بالمعجمة والموحدة موضع معروف من عوالي المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عمله فلان مولى فلانة‏)‏ اختلف في اسم النجار المذكور كما سيأتي في الجمعة، وأقربها ما رواه أبو سعيد في ‏"‏ شرف المصطفى ‏"‏ من طريق ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن عباس بن سهل عن أبيه قال‏:‏ كان بالمدينة نجار واحد يقال له ميمون فذكر قصة المنبر‏.‏
وأما المرأة فلا يعرف اسمها لكنها أنصارية‏.‏
ونقل ابن التين عن مالك‏:‏ أن النجار كان مولى لسعد بن عبادة، فيحتمل أن يكون في الأصل مولى امرأته ونسب إليه مجازا، واسم امرأته فكيهة بنت عبيد بن دليم، وهي ابنة عمه، أسلمت وبايعت، فيحتمل أن تكون هي المرادة‏.‏
لكن رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن ابن عيينة فقال‏:‏ مولى لبني بياضة‏.‏
وأما ما وقع في الدلائل لأبي موسى المديني نقلا عن جعفر المستغفري أنه قال‏:‏ في أسماء النساء من الصحابة علاثة بالعين المهملة وبالمثلثة، ثم ساق هذا الحديث من طريق يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم قال‏:‏ وفيه أرسل إلى علاثة امرأة قد سماها سهل، فقد قال أبو موسى‏:‏ صحف فيه جعفر أو شيخه، وإنما هو ‏"‏ فلانة‏"‏، انتهى‏.‏
ووقع عند الكرماني قيل‏:‏ اسمها عائشة، وأظنه صحف المصحف، ولو ذكر مستنده في ذلك لكان أولى‏.‏
ثم وجدت في الأوسط للطبراني من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن يصلي إلى سارية في المسجد ويخطب إليها ويعتمد عليها، فأمرت عائشة فصنعت له منبره هذا، فذكر الحديث وإسناده ضعيف‏.‏
ولو صح لما دل على أن عائشة هي المرادة في حديث سهل هذا إلا بتعسف، والله أعلم‏.‏
والغرض من إيراد هذا الحديث في هذا الباب جواز الصلاة على المنبر، وفيه جواز اختلاف موقف الإمام والمأموم في العلو والسفل، وقد صرح بذلك المصنف في حكايته عن شيخه علي بن المديني عن أحمد بن حنبل‏.‏
ولابن دقيق العيد في ذلك بحث، فإنه قال‏:‏ من أراد أن يستدل به على جواز الارتفاع من غير قصد التعليم لم يستقم، لأن اللفظ لا يتناوله، ولانفراد الأصل بوصف معتبر تقتضي المناسبة اعتباره فلا بد منه، وفيه دليل على جواز العمل اليسير في الصلاة كما سيأتي في موضعه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال فقلت‏)‏ أي قال علي لأحمد بن حنبل‏.‏
قوله ‏(‏فلم تسمعه منه‏؟‏ قال‏:‏ لا‏)‏ صريح في أن أحمد بن حنبل لم يسمع هذا الحديث من ابن عيينة‏.‏
وقد راجعت مسنده فوجدته قد أخرج فيه عن ابن عيينة بهذا الإسناد من هذا الحديث قول سهل ‏"‏ كان المنبر من أثل الغابة ‏"‏ فقط، فتبين أن المنفي في قوله ‏"‏ فلم تسمعه منه‏؟‏ قال‏:‏ لا ‏"‏ جميع الحديث لا بعضه، والغرض منه هنا وهو صلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر داخل في ذلك البعض، فلذلك سأل عنه عليا، وله عنده طريق أخرى من رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه‏.‏
وفي الحديث جواز الصلاة على الخشب، وكره ذلك الحسن وابن سيرين، أخرجه ابن أبي شيبة عنهما‏.‏
وأخرج أيضا عن ابن مسعود وابن عمر نحوه وعن مسروق أنه كان يحمل لبنة ليسجد عليها إذا ركب السفينة، وعن ابن سيرين نحوه‏.‏
والقول بالجواز هو المعتمد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ سَاقُهُ أَوْ كَتِفُهُ وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبد الرحيم‏)‏ هو الحافظ المعروف بصاعقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ في رواية سعيد بن منصور عن هشيم عن حميد ‏"‏ حدثنا أنس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجحشت‏)‏ بضم الجيم وكسر المهملة بعدها شين معجمة، والجحش الخدش أو أشد منه قليلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ساقه أو كتفه‏)‏ شك من الراوي‏.‏
وفي رواية بشر بن المفضل عن حميد عند الإسماعيلي ‏"‏ انفكت قدمه ‏"‏ وفي رواية الزهري عن أنس في الصحيحين ‏"‏ فجحش شقه الأيمن ‏"‏ وهي أشمل مما قبلها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وآلى من نسائه‏)‏ أي حلف لا يدخل عليهن شهرا، وليس المراد به الإيلاء المتعارف بين الفقهاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مشربة‏)‏ بفتح أوله وسكون المعجمة وبضم الراء ويجوز فتحها، هي الغرفة المرتفعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من جذوع‏)‏ كذا للأكثر بالتنوين بغير إضافة، وللكشميهني من جذوع النخل، والغرض من هذا الحديث هنا صلاته صلى الله عليه وسلم في المشربة، وهي معمولة من الخشب، قاله ابن بطال‏.‏
وتعقب بأنه لا يلزم من كون درجها من خشب أن تكون كلها خشبا، فيحتمل أن يكون الغرض منه بيان جواز الصلاة على السطح إذ هي سقف في الجملة‏.‏
وسيأتي الكلام على بقية فوائده في أبواب الإمامة إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:25 PM   #188
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا أَصَابَ ثَوْبُ الْمُصَلِّي امْرَأَتَهُ إِذَا سَجَدَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد‏)‏ أي هل تفسد صلاته أم لا‏؟‏ والحديث دال على الصحة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَنَا حِذَاءَهُ وَأَنَا حَائِضٌ وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إِذَا سَجَدَ قَالَتْ وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن خالد‏)‏ هو ابن عبد الله الواسطي، وسليمان الشيباني هو أبو إسحاق مشهور بكنيته‏.‏
وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في الطهارة، واستدل به هناك على أن عين الحائض طاهرة، وهنا على أن ملاقاة بدن الطاهر وثيابه لا تفسد الصلاة ولو كان متلبسا بنجاسة حكمية‏.‏
وفيه إشارة إلى أن النجاسة إذا كانت عينية قد تضر، وفيه أن محاذاة المرأة لا تفسد الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان يصلي على الخمرة‏)‏ وقد تقدم ضبطها في آخر كتاب الحيض‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة عليها إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يؤتي بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليه، ولعله كان يفعله على جهة المبالغة في التواضع والخشوع فلا يكون فيه مخالفة للجماعة وقد روى ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض، وكذا روى عن غير عروة، ويحتمل أن يحمل على كراهة التنزيه، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ
وَصَلَّى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو سَعِيدٍ فِي السَّفِينَةِ قَائِمًا وَقَالَ الْحَسَنُ قَائِمًا مَا لَمْ تَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ تَدُورُ مَعَهَا وَإِلَّا فَقَاعِدًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة على الحصير‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ إن كان ما يصلى عليه كبيرا قدر طول الرجل فأكثر فإنه يقال له حصير، ولا يقال له خمرة‏.‏
وكل ذلك يصنع من سعف النخل وما أشبهه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وصلى جابر‏.‏
إلخ‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن أبي عتبة مولى أنس قال‏:‏ سافرت مع أبي الدرداء وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وأناس قد سماهم، قال‏:‏ وكان إمامنا يصلي بنا في السفينة قائما ونصلي خلفه قياما، ولو شئنا لأرفينا أي لأرسينا‏.‏
يقال أرسى السفينة بالسين المهملة وأرفى بالفاء إذا وقف بها على الشط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏:‏ تصلي قائما ما لم تشق على أصحابك تدور معها‏)‏ أي مع السفينة ‏"‏ ‏(‏وإلا فقاعدا‏)‏ أي وإن شق على أصحابك فصل قاعدا، وقد روينا أثر الحسن في نسخة قتيبة من رواية النسائي عنه عن أبي عوانة عن عاصم الأحول قال‏:‏ سألت الحسن وابن سيرين وعامرا - يعني الشعبي - عن الصلاة في السفينة فكلهم يقول‏:‏ إن قدر على الخروج فليخرج‏.‏
غير الحسن فإنه قال‏:‏ إن لم يؤذ أصحابه، أي فليصل‏.‏
وروى ابن أبي شيبة عن عاصم عن الثلاثة المذكورين أنهم قالوا‏:‏ صل في السفينة قائما‏.‏
وقال الحسن‏:‏ لا تشق على أصحابك‏.‏
وفي تاريخ البخاري من طريق هشام قال‏:‏ سمعت الحسن يقول‏:‏ در في السفينة كما تدور إذا صليت‏.‏
قال ابن المنير‏:‏ وجه إدخال الصلاة في السفينة في باب الصلاة على الحصير أنهما اشتركا في أن الصلاة عليهما صلاة على غير الأرض، لئلا يتخيل متخيل أن مباشرة الأرض شرط، لقوله في الحديث المشهور، يعني الذي أخرجه أبو داود وغيره ‏"‏ ترب وجهك‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
وقد تقدم أثر عمر بن عبد العزيز في ذلك، وأشار البخاري إلى خلاف أبي حنيفة في تجويزه الصلاة في السفينة قاعدا مع القدرة على القيام، وفي هذا الأثر جوار ركوب البحر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن إسحاق بن أبي طلحة‏)‏ كذا للكشميهني والحموي، وللباقين‏:‏ إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس بن مالك أن جدته مليكة‏)‏ أي بضم الميم تصغير ملكة، والضمير في جدته يعود على إسحاق، جزم به ابن عبد البر وعبد الحق وعياض، وصححه النووي‏.‏
وجزم ابن سعد وابن منده وابن الحصار بأنها جدة أنس والدة أمه أم سليم، وهو مقتضى كلام إمام الحرمين في النهاية ومن تبعه وكلام عبد الغني في العمدة، وهو ظاهر السياق، ويؤيده ما رويناه في فوائد العراقيين لأبي الشيخ من طريق القاسم بن يحيى المقدمي عن عبيد الله بن عمر عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال ‏"‏ أرسلتني جدتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم واسمها مليكة فجاءنا فحضرت الصلاة ‏"‏ الحديث‏.‏
وقال ابن سعد في الطبقات‏:‏ أم سليم بنت ملحان، فساق نسبها إلى عدي بن النجار وقال‏:‏ وهي الغميصاء ويقال الرميساء، ويقال اسمها سهلة ويقال أنيفة أي بالنون والفاء المصغرة ويقال رميثة، وأمها مليكة بنت مالك بن عدي، فساق نسبها إلى مالك بن النجار ثم قال‏:‏ تزوجها أي أم سليم مالك بن النضر فولدت له أنس بن مالك، ثم خلف عليها أبو طلحة فولدت له عبد الله وأبا عمير‏.‏
قلت‏:‏ وعبد الله هو والد إسحاق، روى هذا الحديث عن عمه أخي أبيه لأمه أنس بن مالك، ومقتضى كلام من أعاد الضمير في جدته إلى إسحاق أن يكون اسم أم سليم مليكة، ومستندهم في ذلك ما رواه ابن عيينة عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال ‏"‏ صففت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأمي أم سليم خلفنا ‏"‏ هكذا أخرجه المصنف كما سيأتي في أبواب الصفوف، والقصة واحدة طولها مالك واختصرها سفيان، ويحتمل تعددها فلا تخالف ما تقدم، وكون مليكة جدة أنس لا ينفي كونها جدة إسحاق لما بيناه، لكن الرواية التي سأذكرها عن ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ ظاهرة في أن مليكة اسم أم سليم نفسها، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لطعام‏)‏ أي لأجل طعام، وهو مشعر بأن مجيئه كان لذلك لا ليصلي بهم ليتخذوا مكان صلاته مصلى لهم كما في قصة عتبان بن مالك الآتية، وهذا هو السر في كونه بدأ في قصة عتبان بالصلاة قبل الطعام، وهنا بالطعام قبل الصلاة، فبدأ في كل منهما بأصل ما دعي لأجله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال قوموا‏)‏ استدل به على ترك الوضوء مما مست النار لكونه صلى بعد الطعام، وفيه نظر، لما رواه الدارقطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ عن البغوي عن عبد الله بن عون عن مالك ولفظه ‏"‏ صنعت مليكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فأكل منه وأنا معه، ثم دعا بوضوء فتوضأ ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلأصلي لكم‏)‏ كذا في روايتنا بكسر اللام وفتح الياء‏.‏
وفي رواية الأصيلي بحذف الياء قال ابن مالك‏:‏ روى بحذف الياء وثبوتها مفتوحة وساكنة، ووجهه أن اللام عند ثبوت الياء مفتوحة لام كي والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة واللام ومصحوبها خبر مبتدأ محذوف والتقدير قوموا فقيامكم لأصلي لكم، ويجوز على مذهب الأخفش أن تكون الفاء زائدة واللام متعلقة بقوموا، وعند سكون الياء يحتمل أن تكون اللام أيضا لام كي وسكنت الياء تخفيفا أو لام الأمر وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح كقراءة قنبل ‏"‏ إنه من يتقي ويصبر‏"‏، وعند حذف الياء اللام لام الأمر، وأمر المتكلم نفسه بفعل مقرون باللام فصيح قليل في الاستعمال ومنه قوله تعالى ‏(‏ولتحمل خطاياكم‏)‏ قال‏:‏ ويجوز فتح اللام‏.‏
ثم ذكر توجيهه، وفيه لغيره بحث اختصرته، لأن الرواية لم ترد به، وقيل‏:‏ أن في رواية الكشميهني ‏"‏ فأصل ‏"‏ بحذف اللام، وليس هو فيما وقفت عليه من النسخ الصحيحة، وحكى ابن قرقول عن بعض الروايات ‏"‏ فلنصل ‏"‏ بالنون وكسر اللام والجزم، واللام على هذا لام الأمر وكسرها لغة معروفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لكم‏)‏ أي لأجلكم قال السهيلي‏:‏ الأمر هنا بمعنى الخبر، وهو كقوله تعالى ‏(‏فليمدد له الرحمن مدا‏)‏ ويحتمل أن يكون أمرا ثم بالائتمام لكنه أضافه إلى نفسه لارتباط فعلهم بفعله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من طول ما لبس‏)‏ يه أن الافتراش يسمى لبسا، وقد استدل به على منع افتراش الحرير لعموم النهي عن لبس الحرير، ولا يرد على ذلك أن من حلف لا يلبس حريرا فإنه لا يحنث بالافتراش لأن الأيمان مبناها على العرف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فنضحته‏)‏ يحتمل أن يكون النضح لتليين الحصير أو لتنظيفه أو لتطهيره، ولا يصح الجزم بالأخير، بل المتبادر غيره لأن الأصل الطهارة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وصففت أنا واليتيم‏)‏ كذا للأكثر، وللمستملي والحموي ‏"‏ فصففت واليتيم ‏"‏ بغير تأكيد والأول أفصح، ويجوز في ‏"‏ اليتيم ‏"‏ الرفع والنصب، قال صاحب العمدة‏:‏ اليتيم هو ضميرة جد حسين ابن عبد الله بن ضميرة، قال ابن الحذاء‏:‏ كذا سماه عبد الملك بن حبيب ولم يذكره غيره، وأظنه سمعه من حسين بن عبد الله أو من غيره من أهل المدينة‏.‏
قال‏:‏ وضميرة هو ابن أبي ضميرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختلف في اسم أبي ضميرة فقيل روح، وقيل غير ذلك‏.‏
انتهى‏.‏
ووهم بعض الشراح فقال‏:‏ اسم اليتيم ضميرة وقيل روح، فكأنه انتقل ذهنه من الخلاف في اسم أبيه إليه، وسيأتي في ‏"‏ باب المرأة وحدها تكون صفا ‏"‏ ذكر من قال إن اسمه سليم وبيان وهمه في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
وجزم البخاري بأن اسم أبي ضميرة سعد الحميري ويقال سعيد، ونسبه ابن حبان ليثيا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والعجوز‏)‏ هي ملكية المذكورة أولا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم انصرف‏)‏ أي إلى بيته أو من الصلاة‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد إجابة الدعوة ولو لم تكن عرسا ولو كان الداعي امرأة لكن حيث تؤمن الفتنة، والأكل من طعام الدعوة، وصلاة النافلة جماعة في البيوت، وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد تعليمهم أفعال الصلاة بالمشاهدة لأجل المرأة فإنها قد يخفى عليها بعض التفاصيل لبعد موقفها‏.‏
وفيه تنظيف مكان المصلى، وقيام الصبي مع الرجل صفا، وتأخير النساء عن صفوف الرجال، وقيام المرأة صفا وحدها إذا لم يكن معها امرأة غيرها‏.‏
واستدل به على جواز صلاة المنفرد خلف الصف وحده، ولا حجة فيه لذلك‏.‏
وفيه الاقتصار في نافلة النهار على ركعتين خلافا لمن اشترط أربعا، وسيأتي ذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏
وفيه صحة صلاة الصبي المميز ووضوئه، وأن محل الفضل الوارد في صلاة النافلة منفردا حيث لا يكون هناك مصلحة كالتعليم، بل يمكن أن يقال هو إذ ذاك أفضل ولا سيما في حقه صلى الله عليه وسلم‏.‏
‏(‏تنبيهان‏)‏ ‏:‏ الأول أورد مالك هذا الحديث في ترجمة صلاة الضحى، وتعقب بما رواه أنس بن سيرين عن أنس بن مالك أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا مرة واحدة في دار الأنصاري الضخم الذي دعاه ليصلي في بيته، أخرجه المصنف كما سيأتي‏.‏
وأجاب صاحب ‏"‏ القبس ‏"‏ بأن مالكا نظر إلى كون الوقت الذي وقعت فيه تلك الصلاة هو وقت صلاة الضحى فحمله عليه، وأن أنسا لم يطلع على أنه صلى الله عليه وسلم نوى بتلك الصلاة صلاة الضحى‏.‏
الثاني النكتة في ترجمة الباب الإشارة إلى ما رواه ابن أبي شيبة وغيره من طريق شريح بن هانئ أنه سأل عائشة‏:‏ أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والله يقول ‏(‏وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا‏)‏ فقالت لم يكن يصلي على الحصير، فكأنه لم يثبت عند المصنف أو رآه شاذا مردودا لمعارضته ما هو أقوى منه كحديث الباب، بل سيأتي عنده من طريق أبي سلمة عن عائشة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حصير يبسطه ويصلي عليه ‏"‏ وفي مسلم من حديث أبي سعيد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حصير‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:25 PM   #189
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة على الخمرة‏)‏ تقدم الكلام عليها قريبا وأن ضبطها تقدم في أواخر الحيض، وكأنه أفردها بترجمة لكون شيخه أبي الوليد حدثه بالحديث مختصرا‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ عَلَى الْفِرَاشِ
وَصَلَّى أَنَسٌ عَلَى فِرَاشِهِ وَقَالَ أَنَسٌ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْجُدُ أَحَدُنَا عَلَى ثَوْبِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة على الفراش‏)‏ أي سواء كان ينام عليه مع امرأته أم لا، وكأنه يشير إلى الحديث الذي رواه أبو داود وغيره من طريق الأشعث عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي في لحفنا ‏"‏ وكأنه أيضا لم يثبت عنده، أو رآه شاذا مردودا، وقد بين أبو داود علته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وصلى أنس‏)‏ وصله ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور كلاهما عن ابن المبارك عن حميد قال ‏"‏ كان أنس يصلي على فراشه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أنس‏:‏ كنا نصلي‏)‏ كذا للأكثر، وسقط ‏"‏ أنس ‏"‏ من رواية الأصيلي فأوهم أنه بقية من الذي قبله، وليس كذلك بل هو حديث آخر كما سيأتي موصولا في الباب الذي بعده بمعناه‏.‏
ورواه مسلم من الوجه المذكور وفيه اللفظ المعلق هنا وسياقه أتم، وأشار البخاري بالترجمة إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن إبراهيم النخعي عن الأسود وأصحابه أنهم كانوا يكرهون أن يصلوا على الطنافس والفراء والمسوح‏.‏
وأخرج عن جمع من الصحابة والتابعين جواز ذلك‏.‏
وقال مالك‏:‏ لا أرى بأسا بالقيام عليها إذا كان يضع جبهته ويديه على الأرض‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا قَالَتْ وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي أويس، والإسناد كله مدنيون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته‏)‏ أي في مكان سجوده، ويتبين ذلك من الرواية التي بعد هذه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقبضت رجلي‏)‏ كذا بالتثنية للأكثر، وكذا في قولها ‏"‏ بسطتهما ‏"‏ وللمستملي والحموي ‏"‏ رجلي ‏"‏ بالإفراد، وكذا ‏"‏ بسطتها ‏"‏ وقد استدل بقولها ‏"‏ غمزني ‏"‏ على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء، وتعقب باحتمال الحائل، أو بالخصوصية، وعلى أن المرأة لا تقطع الصلاة، وسيأتي مع بقية مباحثه في أبواب السترة إن شاء الله تعالى‏.‏
وقولها ‏"‏ والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح ‏"‏ كأنها أرادت به الاعتذار عن نومها على تلك الصفة، قال ابن بطال‏:‏ وفيه إشعار بأنهم صاروا بعد ذلك يستصبحون‏.‏
ومناسبة هذا الحديث للترجمة من قولها ‏"‏ كنت أنام ‏"‏ وقد صرحت في الحديث الذي يليه بأن ذلك كان على فراش أهله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَهِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ اعْتِرَاضَ الْجَنَازَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏اعتراض الجنازة‏)‏ منصوب بأنه مفعول مطلق بعامل مقدر أي معترضة اعتراضا كاعتراض الجنازة والمراد أنها تكون نائمة بين يديه من جهة يمينه إلى جهة شماله كما تكون الجنازة بين يدي المصلى عليها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عِرَاكٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي وَعَائِشَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى الْفِرَاشِ الَّذِي يَنَامَانِ عَلَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يزيد‏)‏ هو ابن أبي حبيب، وعراك هو ابن مالك، وعروة هو ابن الزبير، والثلاثة من التابعين، وصورة سياقه بهذا الإرسال، لكنه محمول على أنه سمع ذلك من عائشة بدليل الرواية التي قبلها‏.‏
والنكتة في إيراده أن فيه تقييد الفراش بكونه الذي ينامان عليه كما تقدمت الإشارة إليه أول الباب، بخلاف الرواية التي قبلها فإن قولها ‏"‏ فراش أهله ‏"‏ أعم من أن يكون هو الذي نام عليه أو غيره، وفيه أن الصلاة إلى النائم لا تكره؛ وقد وردت أحاديث ضعيفة في النهي عن ذلك، وهي محمولة - إن ثبتت - على ما إذا حصل شغل الفكر به‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ
وَقَالَ الْحَسَنُ كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب السجود على الثوب في شدة الحر‏)‏ التقييد بشدة الحر للمحافظة على لفظ الحديث، وإلا فهو في البرد كذلك، بل القائل بالجواز لا يقيده بالحاجة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏:‏ كان القوم‏)‏ أي الصحابة كما سيأتي بيانه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والقلنسوة‏)‏ بفتح القاف واللام وسكون النون وضم المهملة وفتح الواو، وقد تبدل ياء مثناة من تحت، وقد تبدل ألفا وتفتح السين فيقال قلنساة، وقد تحذف النون من هذه بعدها هاء تأنيث‏:‏ غشاء مبطن يستر به الرأس قاله القزاز في شرح الفصيح‏.‏
وقال ابن هشام‏:‏ هي التي يقال لها العمامة الشاشية، وفي المحكم‏:‏ هي من ملابس الرأس معروفة‏.‏
وقال أبو هلال العسكري‏:‏ هي التي تغطى بها العمائم وتستر من الشمس والمطر، كأنها عنده رأس البرنس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويداه‏)‏ أي يد كل واحد منهم، وكأنه أراد بتغيير الأسلوب بيان أن كل واحد منهم ما كان يجمع بين السجود على العمامة والقلنسوة معا، لكن في كل حالة كان يسجد ويداه في كمه‏.‏
ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ ويديه في كمه ‏"‏ وهو منصوب بفعل مقدر، أي ويجعل يديه‏.‏
وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن الحسن ‏"‏ أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على قلنسوته وعمامته ‏"‏ وهكذا رواه ابن أبي شيبة من طريق هشام‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ حَدَّثَنِي غَالِبٌ الْقَطَّانُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا غالب القطان‏)‏ ، وللأكثر ‏"‏ حدثني ‏"‏ بالإفراد، والإسناد كله بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏طرف الثوب‏)‏ ولمسلم بسط ثوبه ‏[‏وكذا‏]‏ للمصنف في أبواب العمل في الصلاة، وله من طريق خالد بن عبد الرحمن عن غالب ‏"‏ سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر ‏"‏ والثوب في الأصل يطلق على غير المخيط‏.‏
وقد يطلق على المخيط مجازا‏.‏
وفي الحديث جواز استعمال الثياب وكذا غيرها في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض لاتقاء حرها وكذا بردها‏.‏
وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هو الأصلي لأنه علق بسط الثوب بعدم الاستطاعة‏.‏
واستدل به على إجازة السجود على الثوب المتصل بالمصلي، قال النووي‏:‏ وبه قال أبو حنيفة والجمهور، وحمله الشافعي على الثوب المنفصل‏.‏
انتهى‏.‏
وأيد البيهقي هذا الحمل بما رواه الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ فيأخذ أحدنا الحصى في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه ‏"‏ قال‏:‏ فلو جاز السجود على شيء متصل به لما احتاجوا إلى تبريد الحصى مع طول الأمر فيه‏.‏
وتعقب باحتمال أن يكون الذي كان يبرد الحصى لم يكن في ثوبه فضلة يسجد عليها مع بقاء سترته له‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ يحتاج من استدل به على الجواز إلى أمرين‏:‏ أحدهما أن لفظ ‏"‏ ثوبه ‏"‏ دال على المتصل به، إما من حيث اللفظ وهو تعقيب السجود بالبسط يعني كما في رواية مسلم، وإما من خارج اللفظ وهو قلة الثياب عندهم‏.‏
وعلى تقدير أن يكون كذلك - وهو الأمر الثاني - يحتاج إلى ثبوت كونه متناولا لمحل النزاع، وهو أن يكون مما يتحرك بحركة المصلي، وليس في الحديث ما يدل عليه‏.‏
والله أعلم‏.‏
وفيه جواز العمل القليل في الصلاة، ومراعاة الخشوع فيها، لأن الظاهر أن صنيعهم ذلك لإزالة التشويش العارض من حرارة الأرض‏.‏
وفيه تقديم الظهر في أول الوقت، وظاهر الأحاديث الوارد في الأمر بالإبراد كما سيأتي في المواقيت يعارضه، فمن قال الإبراد رخصة فلا إشكال، ومن قال سنة فإما أن يقول التقديم المذكور رخصة، وإما أن يقول منسوخ بالأمر بالإبراد‏.‏
وأحسن منهما أن يقال‏:‏ إن شدة الحر قد توجد مع الإبراد فيحتاج إلى السجود على الثوب أو إلى تبريد الحصى لأنه قد يستمر حره بعد الإبراد، وتكون فائدة الإبراد وجود ظل يمشي فيه إلى المسجد أو يصلي فيه في المسجد، أشار إلى هذا الجمع القرطبي ثم ابن دقيق العيد، وهو أولى من دعوى تعارض الحديثين‏.‏
وفيه أن قول الصحابي ‏"‏ كنا نفعل كذا ‏"‏ من قبيل المرفوع لاتفاق الشيخين على تخريج هذا الحديث في صحيحيهما بل ومعظم المصنفين، لكن قد يقال إن في هذا زيادة على مجرد الصيغة لكونه في الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان يرى فيها من خلفه كما يرى من أمامه فيكون تقريره فيه مأخوذا من هذه الطريق لا من مجرد صيغة ‏"‏ كنا نفعل‏"‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في النعال‏)‏ بكسر النون جمع نعل، وهي معروفة‏.‏
ومناسبته لما قبله من جهة جواز تغطية بعض أعضاء السجود‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْلَمَةَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ الْأَزْدِيُّ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ قَالَ نَعَمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصلي في نعليه‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ هو محمول على ما إذا لم يكن فيهما نجاسة، ثم هي من الرخص كما قال ابن دقيق العيد لا من المستحبات، لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة، وهو وإن كان من ملابس الزينة إلا أن ملامسته الأرض التي تكثر فيها النجاسات قد تقصر عن هذه الرتبة، وإذا تعارضت مراعاة مصلحة التحسين ومراعاة إزالة النجاسة قدمت الثانية لأنها من باب دفع المفاسد، والأخرى من باب جلب المصالح‏.‏
قال‏:‏ إلا أن يرد دليل بإلحاقة بما يتجمل به فيرجع إليه ويترك هذا النظر‏.‏
قلت‏:‏ قد روى أبو داود والحاكم من حديث شداد بن أوس مرفوعا ‏"‏ خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم ‏"‏ فيكون استحباب ذلك من جهة قصد المخالفة المذكورة‏.‏
وورد في كون الصلاة في النعال من الزينة المأمور بأخذها في الآية حديث ضعيف جدا أورده ابن عدي في الكامل وابن مردوية في تفسيره من حديث أبي هريرة والعقيلي من حديث أنس‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:26 PM   #190
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ فِي الْخِفَافِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في الخفاف‏)‏ يحتمل أنه أراد الإشارة بإيراد هذه الترجمة هنا إلى حديث شداد ابن أوس المذكور لجمعه بين الأمرين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ رَأَيْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى فَسُئِلَ فَقَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ مِثْلَ هَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ لِأَنَّ جَرِيرًا كَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ أَسْلَمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت إبراهيم‏)‏ هو النخعي، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين كوفيون إبراهيم وشيخه والراوي عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قام فصلى‏)‏ ، ظاهر في أنه صلى في خفيه لأنه لو نزعهما بعد المسح لوجب غسل رجليه، ولو غسلهما لنقل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فسئل‏)‏ ، وللطبراني من طريق جعفر بن الحارث عن الأعمش أن السائل له عن ذلك هو همام المذكور، وله من طريق زائدة عن الأعمش ‏"‏ فعاب عليه ذلك رجل من القوم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال إبراهيم فكان يعجبهم‏)‏ زاد مسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش ‏"‏ كان يعجبهم هذا الحديث ‏"‏ ومن طريق عيسى بن يونس عنه ‏"‏ فكان أصحاب عبد الله بن مسعود يعجبهم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من آخر من أسلم‏)‏ ولمسلم ‏"‏ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة ‏"‏ ولأبي داود من طريق أبي زرعة بن عمرو بن جرير في هذه القصة ‏"‏ قالوا إنما كان ذلك - أي مسح النبي صلى الله عليه وسلم على الخفين - قبل نزول المائدة، فقال جرير‏:‏ ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة ‏"‏ وعند الطبراني من رواية محمد ابن سيرين عن جرير ‏"‏ إن ذلك كان في حجة الوداع ‏"‏ وروى الترمذي من طريق شهر بن حوشب قال‏:‏ رأيت جرير بن عبد الله فذكر نحو حديث الباب، قال ‏"‏ فقلت له أقبل المائدة أم بعدها‏؟‏ قال‏:‏ ما أسلمت إلا بعد المائدة ‏"‏ قال الترمذي هذا حديث مفسر، لأن بعض من أنكر المسح على الخفين تأول أن مسح النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل نزول آية الوضوء التي في المائدة فيكون منسوخا، فذكر جرير في حديثه أنه رأه يمسح بعد نزول المائدة، فكان أصحاب ابن مسعود يعجبهم حديث جرير لأن فيه ردا على أصحاب التأويل المذكور‏.‏
وذكر بعض المحققين أن إحدى القراءتين في آية الوضوء - وهي قراءة الخفض - دالة على المسح على الخفين، وقد تقدمت سائر مباحثه في كتاب الوضوء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ وَضَّأْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَصَلَّى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق بن نصر‏)‏ هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر، نسب إلى جده، والإسناد كله كوفيون غيره‏.‏
وفيه أيضا ثلاثة من التابعين‏:‏ الأعمش وشيخه مسلم وهو أبو الضحى ومسروق، وتردد الكرماني في أن مسلما هل هو أبو الضحى أو البطين قصور، فقد جزم الحفاظ بأنه أبو الضحى، وقد تقدم الكلام على فوائد حديث المغيرة حيث أورده المصنف تاما في كتاب الوضوء‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا لَمْ يُتِمَّ السُّجُودَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يتم للسجود‏)‏ كذا وقع عند أكثر الرواة هذه الترجمة وحديث حذيفة فيها والترجمة التي بعدها وحديث ابن بحينة فيها موصولا ومعلقا، ووقعتا عند الأصيلي قبل ‏"‏ باب الصلاة في النعال ‏"‏ ولم يقع عند المستملي شيء من ذلك وهو الصواب، لأن جميع ذلك سيأتي في مكانه اللائق به، وهو أبواب صفة الصلاة‏.‏
ولولا أنه ليس من عادة المصنف إعادة الترجمة وحديثها معا لكان يمكن أن يقال مناسبة الترجمة الأولى لأبواب ستر العورة الإشارة إلى أن من ترك شرطا لا تصح صلاته كمن ترك ركنا‏.‏
ومناسبة الترجمة الثانية الإشارة إلى أن المجافاة في السجود لا تستلزم عدم ستر العورة فلا تكون مبطلة للصلاة، وفي الجملة إعادة هاتين الترجمتين هنا وفي أبواب السجود الحمل فيه عندي على النساخ بدليل سلامة رواية المستملي من ذلك وهو أحفظهم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب يُبْدِي ضَبْعَيْهِ وَيُجَافِي فِي السُّجُودِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يبدي ضبعيه الخ‏)‏ تقدم القول فيه قبل كما ترى‏.‏
‏(‏خاتمة‏)‏ اشتملت أبواب ستر العورة وما قبلها من ذكر ابتداء فرض الصلاة من الأحاديث المرفوعة على تسعة وثلاثين حديثا، فإن أضفت إليها حديثي الترجمتين المذكورتين صارت أحدا وأربعين حديثا، المكرر منها فيها وفيما تقدم خمسة عشر حديثا، وفيها من المعلقات أربعة عشر حديثا، وإن أضفت إليها المعلق في الترجمة الثانية صارت خمسة عشر حديثا، عشرة منها أو أحد عشر مكررة، وأربعة لا توجد فيه إلا معلقة وهي حديث سلمة بن الأكوع يزره ولو بشوكة، وأحاديث ابن عباس وجرهد وابن جحش في الفخذ، وافقه مسلم على جميعها سوى هذه الأربعة وسوى حديث أنس في قرام لعائشة وحديث عكرمة عن أبي هريرة في الأمر بمخالفة طرفي الثوب، وفيه من الآثار الموقوفة أحد عشر أثرا كلها معلقة إلا أثر عمر ‏"‏ إذا وسع الله عليكم فوسعوا على أنفسكم ‏"‏ فإنه موصول‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:26 PM   #191
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب فَضْلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ
قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل استقبال القبلة‏.‏
يستقبل بأطراف رجليه القبلة - قاله أبو حميد‏)‏ يعني الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني في صفة صلاته كما سيأتي بعد موصولا من حديثه، والمراد بأطراف رجليه رءوس أصابعها، وأراد بذكره هنا بيان مشروعية الاستقبال بجميع ما يمكن من الأعضاء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمَهْدِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمرو بن عباس‏)‏ بالموحدة ثم المهملة، وميمون بن سياه بكسر المهملة وتخفيف التحتانية ثم هاء منونة ويجوز ترك صرفه، وهو فارسي معرب معناه الأسود، وقيل عربي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذمة الله‏)‏ أي أمانته وعهده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا تخفروا‏)‏ بالضم من الرباعي، أي لا تغدروا، يقال أخفرت إذا غدرت، وخفرت إذا حميت، ويقال إن الهمزة في أخفرت للإزالة، أي تركت حمايته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلا تخفروا الله في ذمته‏)‏ أي ولا رسوله، وحذف لدلالة السياق عليه، أو لاستلزام المذكور المحذوف، وقد أخذ بمفهومه من ذهب إلى قتل تارك الصلاة، وله موضع غير هذا‏.‏
وفي الحديث تعظيم شأن القبلة، وذكر الاستقبال بعد الصلاة للتنويه به، وإلا فهو داخل في الصلاة لكونه من شروطها‏.‏
وفيه أن أمور الناس محمولة على الظاهر، فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا وَصَلَّوْا صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ قَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ سَأَلَ مَيْمُونُ بْنُ سِيَاهٍ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا يُحَرِّمُ دَمَ الْعَبْدِ وَمَالَهُ فَقَالَ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَصَلَّى صَلَاتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا نعيم‏)‏ هو ابن حماد الخزاعي، ووقع في رواية حماد بن شاكر عن البخاري ‏"‏ قال نعيم ابن حماد ‏"‏ وفي رواية كريمة والأصيلي ‏"‏ قال ابن المبارك ‏"‏ بغير ذكر نعيم، وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج، وقد وقع لنا من طريق نعيم موصولا في سنن الدارقطني، وتابعه حماد بن موسى وسعيد بن يعقوب وغيرهما عن ابن المبارك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يقولوا لا إله إلا الله‏)‏ اقتصر عليها ولم يذكر الرسالة وهي مرادة كما تقول قرأت الحمد وتريد السورة كلها، وقيل أول الحديث ورد في حق من جحد التوحيد فإذا أقر به صار كالموحد من أهل الكتاب يحتاج إلى الإيمان بما جاء به الرسول، فلهذا عطف الأفعال المذكورة عليها فقال ‏"‏ وصلوا صلاتنا الخ ‏"‏ والصلاة الشرعية متضمنة للشهادة بالرسالة، وحكمة الاقتصار على ما ذكر من الأفعال أن من يقر بالتوحيد من أهل الكتاب وإن صلوا واستقبلوا وذبحوا لكنهم لا يصلون مثل صلاتنا ولا يستقبلون قبلتنا، ومنهم من يذبح لغير الله، ومنهم من لا يأكل ذبيحتنا، ولهذا قال في الرواية الأخرى ‏"‏ وأكل ذبيحتنا ‏"‏ والاطلاع على حال المرء في صلاته وأكله يمكن بسرعة في أول يوم، بخلاف غير ذلك من أمور الدين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقد حرمت‏)‏ فتح أوله وضم الراء، ولم أره في شيء من الروايات بالتشديد، وقد تقدمت سائر مباحثه في ‏"‏ باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة ‏"‏ من كتاب الإيمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال علي بن عبد الله‏)‏ و ابن المديني، وفائدة إيراد هذا الإسناد تقوية رواية ميمون بن سياه لمتابعة حميد له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وما يحرم‏)‏ بالتشديد هو معطوف على شيء محذوف، كأنه سأل عن شيء قبل هذا وعن هذا، والواو استئنافية وسقطت من رواية الأصيلي وكريمة، ولما لم يكن في قول حميد ‏"‏ سأل ميمون أنسا ‏"‏ التصريح بكونه حضر ذلك عقبه بطريق يحيى بن أيوب التي فيها تصريح حميد بأن أنسا حدثهم لئلا يظن أنه دلسه، ولتصريحه أيضا بالرفع، وإن كان للأخرى حكمة‏.‏
وقد روينا طريق يحيى بن أيوب موصولة في الإيمان لمحمد بن نصر ولابن منده وغيرهما من طريق ابن أبي مريم المذكور‏.‏
وأعل الإسماعيلي طريق حميد المذكورة فقال‏:‏ الحديث حديث ميمون، وحميد إنما سمعه منه، واستدل على ذلك برواية معاذ بن معاذ عن حميد عن ميمون قال‏:‏ سألت أنسا، قال وحديث يحيى بن أيوب لا يحتج به - يعني في التصريح بالتحديث - قال‏:‏ لأن عادة المصريين والشاميين ذكر الخبر فيما يروونه‏.‏
قلت هذا التعليل مردود، ولو فتح هذا الباب، لم يوثق برواية مدلس أصلا ولو صرح بالسماع، والعمل على خلافه‏.‏
ورواية معاذ لا دليل فيها على أن حميدا لم يسمعه من أنس لأنه لا مانع أن يسمعه من أنس ثم يستثبت فيه من ميمون - لعلمه بأنه كان السائل عن ذلك - فكان حقيقا بضبطه فكان حميد تارة يحدث به عن أنس لأجل العلو، وتارة عن ميمون لكونه ثبته فيه، وقد جرت عادة حميد بهذا يقول ‏"‏ حدثني أنس وثبتني فيه ثابت ‏"‏ وكذا وقع لغير حميد‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قِبْلَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّأْمِ وَالْمَشْرِقِ لَيْسَ فِي الْمَشْرِقِ وَلَا فِي الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق‏)‏ نقل عياض أن رواية الأكثر ضم قاف المشرق فيكون معطوفا على باب، ويحتاج إلى تقدير محذوف، والذي في روايتنا بالخفض، ووجه السهيلي رواية الضم بأن الحامل على ذلك كون حكم المشرق في القبلة مخالفا لحكم المدينة، بخلاف الشام فإنه موافق‏.‏
وأجاب ابن رشيد بأن المراد بيان حكم القبلة من حيث هو سواء توافقت البلاد أم اختلفت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة‏)‏ هذه جملة مستأنفة من تفقه المصنف، وقد نوزع في ذلك لأنه يحمل الأمر في قوله ‏"‏ شرقوا أو غربوا ‏"‏ على عمومه، وإنما هو مخصوص بالمخاطبين وهم أهل المدينة، ويلحق بهم من كان على مثل سمتهم ممن إذا استقبل المشرق أو المغرب لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها، أما من كان في المشرق فقبلته في جهة المغرب وكذلك عكسه، وهذا معقول لا يخفى مثله على البخاري فيتعين تأويل كلامه بأن يكون مراده‏:‏ ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة، أي لأهل المدينة والشام، ولعل هذا هو السر في تخصيصه المدينة والشام بالذكر‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ لم يذكر البخاري مغرب الأرض اكتفاء بذكر المشرق، إذ العلة مشتركة، ولأن المشرق أكثر الأرض المعمورة، ولأن بلاد الإسلام في جهة مغرب الشمس قليلة‏.‏
انتهى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ فَقَدِمْنَا الشَّأْمَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن الزهري‏)‏ يعني بالإسناد المذكور، والمراد أن سفيان حدث به عليا مرتين‏:‏ مرة صرح بتحديث الزهري له وفيه عنعنة عطاء، ومرة أتى بالعنعنة عن الزهري وبتصريح عطاء بالسماع‏.‏
وادعى بعضهم أن الرواية الثانية معلقة، وليس كذلك على ما قررته‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ قال في الأول عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الثاني سمعت أبا أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الثاني أقوى لأن السماع أقوى من العنعنة والعنعنة أقوى من ‏"‏ أن ‏"‏ لكن فيه ضعف من جهة التعليق حيث قال ‏"‏ وعن الزهري ‏"‏ انتهى، وفي دعواه ضعف ‏"‏ أن ‏"‏ بالنسبة إلي ‏"‏ عن ‏"‏ نظر، فكأنه قلد في ذلك نقل ابن الصلاح عن أحمد ويعقوب بن شيبة، وقد بين شيخنا في شرحه منظومته وهم ابن الصلاح في ذلك وأن حكمهما واحد، إلا أنه يستثنى من التعبير بأن ما إذا أضاف إليها قصة ما أدركها الراوي، وأما جزمه بكون السند الثاني معلقا فهو بحسب الظاهر وإلا فحمله على ما قبله ممكن، وقد رويناها في مسند إسحاق بن راهويه قال‏:‏ حدثنا سفيان‏.‏
فذكر مثل سياقها سواء، فعلى هذا فلا ضعف فيه أصلا‏.‏
والله أعلم‏.‏
وقد تقدمت فوائد المتن في أوائل كتاب الطهارة‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:28 PM   #192
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله تعالى‏:‏ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى‏)‏ وقع في روايتنا ‏"‏ واتخذوا ‏"‏ بكسر الخاء على الأمر وهي إحدى القراءتين، والأخرى بالفتح على الخبر، والأمر دال على الوجوب، لكن انعقد الإجماع على جواز الصلاة إلى جميع جهات الكعبة فدل على عدم التخصيص، وهذا بناء على أن المراد بمقام إبراهيم الحجر الذي فيه أثر قدميه وهو موجود إلى الآن‏.‏
وقال مجاهد‏:‏ المراد بمقام إبراهيم الحرم كله، والأول أصح، وقد ثبت دليله عند مسلم من حديث جابر، وسيأتي عند المصنف أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مصلى‏)‏ أي قبلة قاله الحسن البصري وغيره، وبه يتم الاستدلال‏.‏
وقال مجاهد‏:‏ أي مدعى يدعي عنده، ولا يصح حمله على مكان الصلاة لأنه لا يصلي فيه بل عنده، ويترجح قول الحسن بأنه جار على المعنى الشرعي، واستدل المصنف على عدم التخصيص أيضا بصلاته صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة، فلو تعين استقبال المقام لما صحت هناك لأنه كان حينئذ غير مستقبله، وهذا هو السر في إيراد حديث ابن عمر عن بلال في هذا الباب، وقد روى الأزرقي في ‏"‏ أخبار مكة ‏"‏ بأسانيد صحيحة أن المقام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن، حتى جاء سيل في خلافة عمر فاحتمله حتى وجد بأسفل مكة، فأتى به فربط إلى أستار الكعبة حتى قدم عمر فاستثبت في أمره حتى تحقق موضعه الأول فأعاده إليه وبنى حوله فاستقر ثم إلى الآن‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ الْعُمْرَةَ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَا يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏طاف بالبيت للعمرة‏)‏ كذا للأكثر، وللمستملي والحموي ‏"‏ طاف بالبيت لعمرة ‏"‏ بحذف اللام من قوله ‏"‏ للعمرة ‏"‏ ولا بد من تقديرها ليصح الكلام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أيأتي امرأته‏)‏ أي هل حل من إحرامه حتى يجوز له الجماع وغيره من محرمات الإحرام‏؟‏ وخص إتيان المرأة بالذكر لأنه أعظم المحرمات في الإحرام، وأجابهم ابن عمر بالإشارة إلى وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما في أمر المناسك، لقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏خذوا عني مناسككم ‏"‏ وأجابهم جابر بصريح النهي، وعليه أكثر الفقهاء، وخالف فيه ابن عباس فأجاز للمعتمر التحلل بعد الطواف وقبل السعي، وسيأتي بسط ذلك في موضعه من كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
والمناسب للترجمة من هذا الحديث قوله ‏"‏ وصلى خلف المقام ركعتين ‏"‏ وقد يشعر بحمل الأمر في قوله ‏"‏ واتخذوا ‏"‏ على تخصيص ذلك بركعتي الطواف، وقد ذهب جماعة إلى وجوب ذلك خلف المقام كما سيأتي في مكانه في الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سَيْفٍ يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا قَالَ أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فَأَقْبَلْتُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ وَأَجِدُ بِلَالًا قَائِمًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَسَأَلْتُ بِلَالًا فَقُلْتُ أَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَعْبَةِ قَالَ نَعَمْ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إِذَا دَخَلْتَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سيف‏)‏ هو ابن سليمان أو ابن أبي سليمان المكي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أتى ابن عمر‏)‏ لم أقف على اسم الذي أخبره بذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأجد‏)‏ بعد قوله‏:‏ ‏(‏فأقبلت‏)‏ وكان المناسب للسياق أن يقول ووجدت، وكأنه عدل عن الماضي إلى المضارع استحضارا لتلك الصورة حتى كأن المخاطب يشاهدها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قائما بين البابين‏)‏ أي المصراعين وحمله الكرماني تجويزا على حقيقة التثنية وقال‏:‏ أراد بالباب الثاني الذي لم تفتحه قريش حين بنت الكعبة باعتبار ما كان، أو كان إخبار الراوي بذلك بعد أن فتحه ابن الزبير، وهذا يلزم منه أن يكون ابن عمر وجد بلالا في وسط الكعبة، وفيه بعد‏.‏
وفي رواية الحموي ‏"‏ بين الناس ‏"‏ بنون وسين مهملة وهي أوضح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال نعم ركعتين‏)‏ أي صلى ركعتين، وقد استشكل الإسماعيلي وغيره هذا مع أن المشهور عن ابن عمر من طريق نافع وغيره عنه أنه قال ‏"‏ ونسيت أن أسأله كم صلى ‏"‏ قال فدل على أنه أخبره بالكيفية وهي تعيين الموقف في الكعبة، ولم يخبره بالكمية، ونسى هو أن يسأله عنها، والجواب عن ذلك أن يقال‏:‏ يحتمل أن ابن عمر اعتمد في قوله في هذه الرواية ركعتين على القدر المتحقق له، وذلك أن بلالا أثبت له أنه صلى ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل في النهار بأقل من ركعتين، فكانت الركعتان متحققا وقوعهما لما عرف بالاستقراء من عادته‏.‏
فعلى هذا فقوله ‏"‏ ركعتين ‏"‏ من كلام ابن عمر لا من كلام بلال‏.‏
وقد وجدت ما يؤيد هذا ويستفاد منه جمعا آخر بين الحديثين، وهو ما أخرجه عمر بن شبة في ‏"‏ كتاب مكة ‏"‏ من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر في هذا الحديث ‏"‏ فاستقبلني بلال فقلت‏:‏ ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم هاهنا‏؟‏ فأشار بيده أي صلى ركعتين بالسبابة والوسطى؛ فعلى هذا فيحمل قوله ‏"‏ نسيت أن أسأله كم صلى ‏"‏ على أنه لم يسأله لفظا ولم يجبه لفظا، وإنما استفاد منه صلاة الركعتين بإشارته لا بنطقه‏.‏
وأما قوله في الرواية الأخرى ‏"‏ ونسيت أن أسأله كم صلى ‏"‏ فيحمل على أن مراده أنه لم يتحقق هل زاد على ركعتين أو لا‏.‏
وأما قول بعض المتأخرين‏:‏ يجمع بين الحديثين بأن ابن عمر نسى أن يسأل بلالا ثم لقيه مرة أخرى فسأله، ففيه نظر من وجهين‏:‏ أحدهما أن الذي يظهر أن القصة - وهي سؤال ابن عمر عن صلاته في الكعبة - لم تتعدد، لأنه أتى في السؤال بالفاء المعقبة في الروايتين معا، فقال في هذه فأقبلت ثم قال فسألت بلالا‏.‏
وقال في الأخرى فبدرت فسألت بلالا، فدل على أن السؤال عن ذلك كان واحدا في وقت واحد‏.‏
ثانيهما أن راوي قول ابن عمر ‏"‏ ونسيت ‏"‏ هو نافع مولاه ويبعد مع طول ملازمته له إلى وقت موته أن يستمر على حكاية النسيان ولا يتعرض لحكاية الذكر أصلا‏.‏
والله أعلم‏.‏
وأما ما نقله عياض أن قوله ‏"‏ ركعتين ‏"‏ غلط من يحيى بن سعيد القطان لأن ابن عمر قد قال ‏"‏ نسيت أن أسأله كم صلى ‏"‏ قال‏:‏ وإنما دخل الوهم عليه من ذكر الركعتين بعد، فهو كلام مردود، والمغلط هو الغالط، فإنه ذكر الركعتين قبل وبعد فلم يهم من موضع إلى موضع، ولم ينفرد يحيى بن سعيد بذلك حتى يغلط، فقد تابعه أبو نعيم عند البخاري والنسائي، وأبو عاصم عند ابن خزيمة، وعمر بن علي عند الإسماعيلي، وعبد الله بن نمير عند أحمد كلهم عن سيف، ولم ينفرد به سيف أيضا فقد تابعه عليه خصيف عن مجاهد عند أحمد، ولم ينفرد به مجاهد عن ابن عمر فقد تابعه عليه ابن أبي مليكة عند أحمد والنسائي، وعمرو بن دينار عند أحمد أيضا باختصار، ومن حديث عثمان ابن أبي طلحة عند أحمد والطبراني بإسناد قوي، ومن حديث أبي هريرة عند البزار، ومن حديث عبد الرحمن ابن صفوان قال ‏"‏ فلما خرج سألت من كان معه فقالوا‏:‏ صلى ركعتين عند السارية الوسطى ‏"‏ أخرجه الطبراني بإسناد صحيح، ومن حديث شيبة بن عثمان قال ‏"‏ لقد صلى ركعتين عند العمودين ‏"‏ أخرجه الطبراني بإسناد جيد، فالعجب من الإقدام على تغليط جبل من جبال الحفظ بقول من خفي عليه وجه الجمع بين الحديثين فقال بغير علم، ولو سكت لسلم‏.‏
والله الموفق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في وجه الكعبة‏)‏ أي مواجه باب الكعبة‏.‏
قال الكرماني‏:‏ الظاهر من الترجمة أنه مقام إبراهيم - أي أنه كان عند الباب - قلت‏:‏ قدمنا أنه خلاف المنقول عن أهل العلم بذلك، وقدمنا أيضا مناسبة الحديث للترجمة من غير هذه الحيثية، وهي أن استقبال المقام غير واجب، ونقل عن ابن عباس كما رواه الطبراني وغيره أنه قال‏:‏ ما أحب أن أصلي في الكعبة، من صلى فيها فقد ترك شيئا منها خلفه، وهذا هو السر أيضا في إيراد حديث ابن عباس في هذا الباب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي قُبُلِ الْكَعْبَةِ وَقَالَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إسحاق بن نصر‏)‏ كذا وقع منسوبا في جميع الروايات التي وقفت عليها، وبذلك جزم الإسماعيلي وأبو نعيم وابن مسعود وغيرهم، وذكر أبو العباس الطرقي في الأطراف له أن البخاري أخرجه عن إسحاق غير منسوب، وأخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق شيخ إسحاق بن نصر فيه بإسناده هذا فجعله من رواية ابن عباس عن أسامة بن زيد، وكذلك رواه مسلم من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج وهو الأرجح، وسيأتي وجه التوفيق بين رواية بلال المثبتة لصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة وبين هذه الرواية النافية في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في قبل الكعبة‏)‏ بضم القاف والموحدة وقد تسكن أي مقابلها أو ما استقبلك منها وهو وجهها، وهذا موافق لرواية ابن عمر السالفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هذه القبلة‏)‏ الإشارة إلى الكعبة، قيل المراد بذلك تقرير حكم الانتقال عن بيت المقدس، وقيل المراد أن حكم من شاهد البيت وجوب مواجهة عينه جزما بخلاف الغائب، وقيل المراد أن الذي أمرتم باستقباله ليس هو الحرم كله ولا مكة ولا المسجد الذي حول الكعبة بل الكعبة نفسها، أو الإشارة إلى وجه الكعبة أي هذا موقف الإمام، ويؤيده ما رواه البزار من حديث عبد الله بن حبشي الخثعمي قال ‏"‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى باب الكعبة وهو يقول‏:‏ أيها الناس، إن الباب قبلة البيت ‏"‏ وهو محمول على الندب لقيام الإجماع على جواز استقبال البيت من جميع جهاته‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:29 PM   #193
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَكَبِّرْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التوجه نحو القبلة حيث كان‏)‏ أي حيث وجد الشخص في سفر أو حضر، والمراد بذلك في صلاة الفريضة كما يتبين ذلك في الحديث الثاني في الباب وهو حديث جابر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو هريرة‏)‏ هذا طرف من حديثه في قصة المسيء صلاته، وقد ساقه المصنف بهذا اللفظ في كتاب الاستئذان‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ وَهُمْ الْيَهُودُ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ فَتَحَرَّفَ الْقَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن البراء‏)‏ تقدم في ‏"‏ باب الصلاة من الإيمان ‏"‏ من كتاب الإيمان بيان من رواه عن أبي إسحاق مصرحا بتحديث البراء له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة‏)‏ جاء بيان ذلك فيما أخرجه الطبري وغيره من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال‏:‏ لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة - واليهود أكثر أهلها - يستقبلون بيت المقدس أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها سبعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم، فكان يدعو وينظر إلى السماء، فنزلت‏.‏
ومن طريق مجاهد قال‏:‏ إنما كان يحب أن يتحول إلى الكعبة لأن اليهود قالوا‏:‏ يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا، فنزلت‏.‏
وظاهر حديث ابن عباس هذا أن استقبال بيت المقدس إنما وقع بعد الهجرة إلى المدينة، لكن أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه ‏"‏ والجمع بينهما ممكن بأن يكون أمر صلى الله عليه وسلم لما هاجر أن يستمر على الصلاة لبيت المقدس‏.‏
وأخرج الطبراني من طريق ابن جريج قال‏:‏ صلى النبي صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة، ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة فصلى ثلاث حجج، ثم هاجر فصلى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا، ثم وجهه الله إلى الكعبة‏.‏
فقوله في حديث ابن عباس الأول ‏"‏ أمره الله ‏"‏ يرد قول من قال إنه صلى إلى بيت المقدس باجتهاد‏.‏
وقد أخرجه الطبري عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف، وعن أبي العالية أنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس يتألف أهل الكتاب، وهذا لا ينفي أن يكون بتوقيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نحو بيت المقدس‏)‏ أي بالمدينة قد تقدم في ‏"‏ باب الصلاة من الإيمان ‏"‏ في كتاب الإيمان تحرير المدة المذكورة وأنها ستة عشر شهرا وأيام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يوجه‏)‏ بفتح الجيم أي يؤمر بالتوجه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجال‏)‏ كذا في رواية المستملي والحموي‏.‏
وفي رواية غيرهما ‏"‏ رجل ‏"‏ وهو المشهور، وقد تقدم في الإيمان أن اسمه عباد بن بشر، وتحتاج رواية المستملي إلى تقدير محذوف في قوله ‏"‏ ثم خرج ‏"‏ أي بعض أولئك الرجال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في صلاة العصر نحو بيت المقدس‏)‏ وللكشميهني ‏"‏ في صلاة العصر يصلون نحو بيت المقدس ‏"‏ وفيه إفصاح بالمراد‏.‏
ووقع في تفسير ابن أبي حاتم من طريق ثويلة بنت أسلم ‏"‏ صليت الظهر - أو العصر - في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد إيليا فصلينا سجدتين - أي ركعتين - ثم جاءنا من يخبرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام‏"‏‏.‏
واختلفت الرواية في الصلاة التي تحولت القبلة عندها، وكذا في المسجد فظاهر حديث البراء هذا أنها الظهر، وذكر محمد بن سعد في الطبقات قال‏:‏ يقال إنه صلى ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين، ثم أمر أن يتوجه إلى المسجد الحرام، فاستدار إليه ودار معه المسلمون‏.‏
ويقال زار النبي صلى الله عليه وسلم أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة فصنعت له طعاما وحانت الطهر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه ركعتين، ثم أمر فاستدار إلى الكعبة واستقبل الميزاب فسمي ‏"‏ مسجد القبلتين‏"‏، قال ابن سعد قال الواقدي‏:‏ هذا أثبت عندنا‏.‏
وأخرج ابن أبي داود بسند ضعيف عن عمارة بن روبية قال ‏"‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي حين صرفت القبلة، فدار ودرنا معه في ركعتين‏"‏‏.‏
وأخرج البزار من حيث أنس ‏"‏ انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيت المقدس وهو يصلي الظهر بوجهه إلى الكعبة‏"‏، وللطبراني نحوه من وجه آخر عن أنس، وفي كل منهما ضعف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏)‏ أي الرجل ‏(‏هو يشهد‏)‏ يعني بذلك نفسه، وهو على سبيل التجريد، ويحتمل أن يكون الراوي نقل كلامه بالمعنى، ويؤيده الرواية المتقدمة في الإيمان بلفظ ‏"‏ أشهد ‏"‏ وقد تقدمت مباحثه هناك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لَا أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور‏)‏ هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو ابن يزيد النخعي، وأخطأ من قال إنه غيره‏.‏
وهذه الترجمة من أصح الأسانيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال إبراهيم‏)‏ أي الراوي المذكور ‏(‏لا أدري زاد أو نقص‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد أن إبراهيم شك في سبب سجود السهو المذكور هل كان لأجل الزيادة أو النقصان، لكن سيأتي في الباب الذي بعده من رواية الحكم عن إبراهيم بإسناده هذا أنه صلى خمسا، وهو يقتضي الجزم بالزيادة، فلعله شك لما حدث منصورا وتيقن لما حدث الحكم‏.‏
وقد تابع الحكم على ذلك حماد بن أبي سليمان وطلحة ابن مصرف وغيرهما، وعين في رواية الحكم أيضا وحماد أنها الظهر، ووقع للطبراني من رواية طلحة بن مصرف عن إبراهيم أنها العصر، وما في الصحيح أصح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أحدث‏)‏ بفتحات ومعناه السؤال عن حدوث شيء من الوحي يوجب تغيير حكم الصلاة عما عهدوه، ودل استفهامهم عن ذلك على جواز النسخ عندهم وأنهم كانوا يتوقعونه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال وما ذاك‏)‏ فيه إشعار بأنه لم يكن عنده شعور مما وقع منه من الزيادة، وفيه دليل على جواز وقوع السهو من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الأفعال‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهو قول عامة العلماء والنظار، وشذت طائفة فقالوا‏:‏ لا يجوز على النبي السهو، وهذا الحديث يرد عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم فيه ‏"‏ أنسى كما تنسون ‏"‏ ولقوله ‏"‏ فإذا نسيت فذكروني ‏"‏ أي بالتسبيح ونحوه‏.‏
وفي قوله‏:‏ ‏(‏لو حدث شيء في الصلاة لنبأتكم به‏)‏ دليل على عدم تأخير البيان عن وقت الحاجة‏.‏
ومناسبة الحديث للترجمة من قوله‏:‏ ‏(‏فثنى رجله‏)‏ وللكشميهني والأصيلي ‏"‏ رجليه ‏"‏ بالتثنية، ‏(‏واستقبل القبلة‏)‏ فدل على عدم ترك الاستقبال في كل حال من أحوال الصلاة، واستدل به على رجوع الإمام إلى قول المأمومين، لكن يحتمل أن يكون تذكر عند ذلك أو علم بالوحي أو أن سؤالهم أحدث عنده شكا فسجد لوجود الشك الذي طرأ لا لمجرد قولهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليتحر الصواب‏)‏ بالحاء المهملة والراء المشددة أي فليقصد، والمراد البناء على اليقين كما سيأتي واضحا مع بقية مباحثه في أبواب السهو إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ وَمَنْ لَمْ يَرَ الْإِعَادَةَ عَلَى مَنْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ
وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ ثُمَّ أَتَمَّ مَا بَقِيَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في القبلة‏)‏ أي غير ما تقدم ‏(‏ومن لم ير الإعادة على من سها فصلى إلى غير القبلة‏)‏ وأصل هذه المسألة في المجتهد في القبلة إذا تبين خطؤه، فروى ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب وعطاء والشعبي وغيرهم أنهم قالوا‏:‏ لا تجب الإعادة، وهو قول الكوفيين‏.‏
وعن الزهري ومالك وغيرهما تجب في الوقت لا بعده، وعن الشافعي يعيد إذا تيقن الخطأ مطلقا‏.‏
وفي الترمذي من حديث عامر بن ربيعة ما يوافق قول الأولين، لكن قال‏:‏ ليس إسناده بذاك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقد سلم النبي صلى الله عليه وسلم الخ‏)‏ هو طرف من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وهو موصول في الصحيحين من طرق، لكن قوله ‏"‏ وأقبل على الناس ‏"‏ ليس هو في الصحيحين بهذا اللفظ موصولا، لكنه في الموطأ من طريق أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة‏.‏
ووهم ابن التين تبعا لابن بطال حيث جزم بأنه طرف من حديث ابن مسعود الماضي، لأن حديث ابن مسعود ليس في شيء من طرقه أنه سلم من ركعتين‏.‏
ومناسبة هذا التعليق للترجمة من جهة أن بناءه على الصلاة دال على أنه في حال استدباره القبلة كان في حكم المصلى، ويؤخذ منه أن من ترك الاستقبال ساهيا لا تبطل صلاته‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَآيَةُ الْحِجَابِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ و حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا بِهَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس قال‏:‏ قال عمر‏)‏ هو من رواية صحابي عن صحابي، لكنه صغير عن كبير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وافقت ربي في ثلاث‏)‏ أي وقائع، والمعنى وافقني ربي فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه، أو أشار به إلى حدوث رأيه وقدم الحكم، وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة عليها، لأنه حصلت له الموافقة في أشياء غير هذه من مشهورها قصة أسارى بدر وقصة الصلاة على المنافقين، وهما في الصحيح، وصحح الترمذي من حديث ابن عمر أنه قال ‏"‏ ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال فيه عمر إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر ‏"‏ وهذا دال على كثرة موافقته، وأكثر ما وقفنا منها بالتعيين على خمسة عشر لكن ذلك بحسب المنقول، وقد تقدم الكلام على مقام إبراهيم، وسيأتي الكلام على مسألة الحجاب في تفسير سورة الأحزاب، وعلى مسألة التخيير في تفسير سورة التحريم، وقوله في هذه الرواية ‏"‏ واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن‏:‏ عسى ربه الخ ‏"‏ وذكر فيه من وجه آخر عن حميد في تفسير سورة البقرة زيادة يأتي التنبيه عليها في باب عشرة النساء في أواخر النكاح‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ كان اللائق إيراد هذا الحديث في الباب الماضي وهو قوله‏:‏ ‏(‏واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى‏)‏ والجواب أنه عدل عنه إلى حديث ابن عمر للتنصيص فيه على وقوع ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف حديث عمر هذا فليس فيه التصريح بذلك، وأما مناسبته للترجمة فأجاب الكرماني بأن المراد من الترجمة ما جاء في القبلة وما يتعلق بها، فأما على قول من فسر مقام إبراهيم بالكعبة فظاهر، أو بالحرم كله فمن في قوله‏:‏ ‏(‏من مقام إبراهيم‏)‏ للتبعيض، ومصلى أي قبلة، أو بالحجر الذي وقف عليه إبراهيم وهو الأظهر فيكون تعلقه بالمتعلق بالقبلة لا بنفس القبلة‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ الذي يظهر لي أن تعلق الحديث بالترجمة الإشارة إلى موضع الاجتهاد في القبلة، لأن عمر اجتهد في أن اختار أن يكون المصلى إلى مقام إبراهيم الذي هو في وجه الكعبة فاختار إحدى جهات القبلة بالاجتهاد، وحصلت موافقته على ذلك فدل على تصويب اجتهاد المجتهد إذا بذل وسعه ولا يخفى ما فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن أبي مريم‏)‏ في رواية كريمة ‏"‏ حدثنا ابن أبي مريم‏"‏، وفائدة إيراد هذا الإسناد ما فيه من التصريح بسماع حميد من أنس فأمن من تدليسه، و قوله‏:‏ ‏(‏بهذا‏)‏ أي إسنادا ومتنا، فهو من رواية أنس عن عمر لا من رواية أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وفائدة التعليق المذكور تصريح حميد بسماعه له من أنس، وقد تعقبه بعضهم بأن يحيى بن أيوب لم يحتج به البخاري وإن خرج له في المتابعات‏.‏
وأقول‏:‏ وهذا من جملة المتابعات، ولم ينفرد يحيى بن أيوب بالتصريح المذكور فقد أخرجه الإسماعيلي من رواية يوسف القاضي عن أبي الربيع الزهراني عن هشيم أخبرنا حميد حدثنا أنس‏.‏
والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏بينا الناس بقباء‏)‏ بالمد والصرف وهو الأشهر، ويجوز فيه القصر وعدم الصرف وهو يذكر ويؤنث‏:‏ موضع معروف ظاهر المدينة، والمراد هنا مسجد أهل قباء ففيه مجاز الحذف، واللام في الناس للعهد الذهني والمراد أهل قباء ومن حضر معهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في صلاة الصبح‏)‏ ولمسلم ‏"‏ في صلاة الغداة ‏"‏ وهو أحد أسمائها، وقد نقل بعضهم كراهية تسميتها بذلك‏.‏
وهذا فيه مغايرة لحديث البراء المتقدم فإن فيه أنهم كانوا في صلاة العصر، والجواب أن لا منافاة بين الخبرين‏.‏
لأن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة وهم بنو حارثة وذلك في حديث البراء، والآتي إليهم بذلك عباد بن بشر أو ابن نهيك كما تقدم، ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء وذلك في حديث ابن عمر، ولم يسم الآتي بذلك إليهم، وإن كان ابن طاهر وغيره نقلوا أنه عباد بن بشر ففيه نظر، لأن ذلك إنما ورد في حق بني حارثة في صلاة العصر، فإن كان ما نقلوا محفوظا فيحتمل أن يكون عباد أتى بني حارثة أولا في وقت العصر ثم توجه إلى أهل قباء فأعلمهم بذلك في وقت الصبح‏.‏
ومما يدل على تعددهما أن مسلما روى من حديث أنس ‏"‏ أن رجلا من بني سلمة مر وهم ركوع في صلاة الفجر ‏"‏ فهذا موافق لرواية ابن عمر في تعيين الصلاة، وبنو سلمة غير بني حارثة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قد أنزل عليه الليلة قرآن‏)‏ فيه إطلاق الليلة على بعض اليوم الماضي والليلة التي تليه مجازا، والتنكير في قوله ‏"‏ قرآن ‏"‏ لإرادة البعضية، والمراد قوله‏:‏ ‏(‏قد نرى تقلب وجهك في السماء‏)‏ الآيات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقد أمر‏)‏ فيه أن ما يؤمر به النبي صلى الله عليه وسلم يلزم أمته، وأن أفعاله يتأسى بها كأقواله حتى يقوم دليل الخصوص‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاستقبلوها‏)‏ بفتح الموحدة للأكثر أي فتحولوا إلى جهة الكعبة، وفاعل ‏"‏ استقبلوها ‏"‏ المخاطبون بذلك وهم أهل قباء‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏وكانت وجوههم الخ‏)‏ تفسير من الراوي للتحول المذكور، ويحتمل أن يكون فاعل استقبلوها النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، وضمير ‏"‏ وجوههم ‏"‏ لهم أو لأهل قباء على الاحتمالين‏.‏
وفي رواية الأصيلي فاستقبلوها بكسر الموحدة بصيغة الأمر، ويأتي في ضمير وجوههم الاحتمالان المذكوران، وعوده إلى أهل قباء أظهر، ويرجح رواية الكسر أنه عند المصنف في التفسير من رواية سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار في هذا الحديث بلفظ ‏"‏ وقد أمر أن يستقبل الكعبة، ألا فاستقبلوها ‏"‏ فدخول حرف الاستفتاح يشعر بأن الذي بعده أمر لا أنه بقية الخبر الذي قبله، والله أعلم‏.‏
ووقع بيان كيفية التحول في حديث ثويلة بنت أسلم عند ابن أبي حاتم وقد ذكرت بعضه قريبا وقالت فيه ‏"‏ فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء، فصلينا السجدتين الباقيتين إلى البيت الحرام‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ وتصويره أن الإمام تحول من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد، لأن من استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس، وهو لو دار كما هو في مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف، ولما تحول الإمام تحولت الرجال حتى صاروا خلفه وتحولت النساء حتى صرن خلف الرجال، وهذا يستدعي عملا كثيرا في الصلاة فيحتمل أن يكون ذلك وقع قبل تحريم العمل الكثير كما كان قبل تحريم الكلام، ويحتمل أن يكون اغتفر العمل المذكور من أجل المصلحة المذكورة، أو لم تتوال الخطا عند التحويل بل وقعت مفرقة‏.‏
والله أعلم‏.‏
وفي هذا الحديث أن حكم الناسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه، لأن أهل قباء لم يؤمروا بالإعادة مع كون الأمر باستقبال الكعبة وقع قبل صلاتهم تلك بصلوات‏.‏
واستنبط منه الطحاوي أن من لم تبلغه الدعوة ولم يمكنه استعلام ذلك فالفرض غير لازم له‏.‏
وفيه جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم لما تمادوا في الصلاة ولم يقطعوها دل على أنه رجح عندهم التمادي والتحول على القطع والاستئناف، ولا يكون ذلك إلا عن اجتهاد، كذا قيل، وفيه نظر لاحتمال أن يكون عندهم في ذلك نص سابق‏.‏
لأنه صلى الله عليه وسلم كان مترقبا التحول المذكور فلا مانع أن يعلمهم ما صنعوا من التمادي والتحول‏.‏
وفيه قبول خبر الواحد ووجوب العمل به ونسخ ما تقرر بطريق العلم به، لأن صلاتهم إلى بيت المقدس كانت عندهم بطريق القطع لمشاهدتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهته، ووقع تحولهم عنها إلى جهة الكعبة بخبر هذا الواحد، وأجيب بأن الخبر المذكور احتفت به قرائن ومقدمات أفادت القطع عندهم بصدق ذلك المخبر فلم ينسخ عندهم ما يفيد العلم إلا بما يفيد العلم، وقيل‏:‏ كان النسخ بخبر الواحد جائزا في زمنه صلى الله عليه وسلم مطلقا وإنما منع بعده، ويحتاج إلى دليل‏.‏
وفيه جواز تعليم من ليس في الصلاة من هو فيها، وأن استماع المصلي لكلام من ليس في الصلاة لا يفسد صلاته‏.‏
وقد تقدم الكلام على تعيين الوقت الذي حولت فيه القبلة في الكلام على حديث البراء في كتاب الإيمان، ووجه تعلق حديث ابن عمر بترجمة الباب أن دلالته على الجزء الأول منها من قوله ‏"‏ أمر أن يستقبل الكعبة ‏"‏ وعلى الجزء الثاني من حيث أنهم صلوا في أول تلك الصلاة إلى القبلة المنسوخة جاهلين بوجوب التحول عنها وأجزأت عنهم مع ذلك ولم يؤمروا بالإعادة فيكون حكم الساهي كذلك، لكن يمكن أن يفرق بينهما بأن الجاهل مستصحب للحكم الأول مغتفر في حقه ما لا يغتفر في حق الساهي لأنه إنما يكون عن حكم استقر عنده وعرفه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ خَمْسًا فَقَالُوا أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْتَ خَمْسًا فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله‏)‏ يعني ابن مسعود‏.‏
‏(‏قال‏:‏ صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمسا‏)‏ تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبله، وتعلقه بالترجمة من قوله‏:‏ ‏(‏قال وما ذاك‏)‏ أي ما سبب هذا السؤال‏؟‏ وكان في تلك الحالة غير مستقبل القبلة سهوا كما يظهر في الرواية الماضية من قوله ‏"‏ فثنى رجله واستقبل القبلة‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:30 PM   #194
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب حَكِّ الْبُزَاقِ بِالْيَدِ مِنْ الْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب حك البزاق باليد من المسجد‏)‏ أي سواء كان بآلة أم لا‏.‏
ونازع الإسماعيلي في ذلك فقال‏:‏ قوله ‏"‏ فحكه بيده ‏"‏ أي تولى ذلك بنفسه لا أنه باشر بيده النخامة، ويؤيد ذلك الحديث الآخر أنه ‏"‏ حكها بعرجون ‏"‏ ا ه‏.‏
والمصنف مشى على ما يحتمله اللفظ، مع أنه لا مانع في القصة من التعدد، وحديث العرجون رواه أبو داود من حديث جابر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن حميد عن أنس‏)‏ كذا في جميع ما وقفت عليه من الطرق بالعنعنة، ولكن أخرجه عبد الرزاق فصرح بسماع حميد من أنس فأمن تدليسه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نخامة‏)‏ قيل هي ما يخرج من الصدر، وقيل النخاعة بالعين من الصدر، وبالميم من الرأس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في القبلة‏)‏ أي الحائط الذي من جهة القبلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى رؤي‏)‏ أي شوهد في وجهه أثر المشقة، وللنسائي ‏"‏ فغضب حتى أحمر وجهه ‏"‏ وللمصنف في الأدب من حديث ابن عمر ‏"‏ فتغيظ على أهل المسجد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا قام في صلاته‏)‏ أي بعد شروعه فيها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو أن ربه‏)‏ كذا للأكثر بالشك كما سيأتي في الرواية الأخرى بعد خمسة أبواب‏.‏
وللمستملي والحموي ‏"‏ وأن ربه ‏"‏ بواو العطف، والمراد بالمناجاة من قبل العبد حقيقة النجوى ومن قبل الرب لازم ذلك فيكون مجازا، والمعنى إقباله عليه بالرحمة والرضوان، وأما قوله‏:‏ ‏(‏أو إن ربه بينه وبين القبلة‏)‏ وكذا في الحديث الذي بعده ‏"‏ فإن الله قبل وجهه ‏"‏ فقال الخطابي‏:‏ معناه أن توجهه إلى القبلة مفض بالقصد منه إلى ربه فصار في التقدير‏:‏ فإن مقصوده بينه وبين قبلته‏.‏
وقيل هو على حذف مضاف أي عظمة الله أو ثواب الله‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ هو كلام خرج على التعظيم لشأن القبلة‏.‏
وقد نزع به بعض المعتزلة القائلين بأن الله في كل مكان، وهو جهل واضح، لأن في الحديث أنه يبزق تحت قدمه، وفيه نقض ما أصلوه، وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته ومهما تؤول به هذا جاز أن يتأول به ذاك والله أعلم‏.‏
وهذا التعليل يدل على أن البزاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أم لا ولا سيما من المصلى فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهية البزاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم‏.‏
وفي صحيحي ابن خزيمة وابن حبان من حديث حذيفة مرفوعا ‏"‏ من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه ‏"‏ وفي رواية لابن خزيمة من حديث ابن عمر مرفوعا ‏"‏ يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه ‏"‏ ولأبي داود وابن حبان من حديث السائب بن خلاد ‏"‏ أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة، فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا يصلي لكم ‏"‏ الحديث، وفيه أنه قال له ‏"‏ إنك آذيت الله ورسوله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قبل قبلته‏)‏ بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة قبلته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو تحت قدمه‏)‏ أي اليسرى كما في حديث أبي هريرة في الباب الذي بعده، وزاد أيضا من طريق همام عن أبي هريرة ‏"‏ فيدفنها ‏"‏ كما سيأتي ذلك بعد أربعة أبواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم أخذ طرف ردائه الخ‏)‏ فيه البيان بالفعل ليكون أوقع في نفس السامع، وظاهر قوله‏:‏ ‏(‏أو يفعل هكذا‏)‏ نه مخير بين ما ذكر، لكن سيأتي بعد أربعة أبواب أن المصنف حمل هذا الأخير على ما إذا بدره البزاق، فأو - على هذا - في الحديث للتنويع‏.‏
والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى
الشرح‏:‏
قوله في حديث ابن عمر ‏(‏رأى بصاقا في جدار القبلة‏)‏ وفي رواية المستملي ‏"‏ في جدار المسجد ‏"‏ وللمصنف في أواخر الصلاة من طريق أيوب عن نافع ‏"‏ في قبلة المسجد ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ ثم نزل فحكها بيده ‏"‏ وهو مطابق للترجمة وفيه إشعار بأنه كان في حال الخطبة‏.‏
وصرح الإسماعيلي بذلك في روايته من طريق شيخ البخاري فيه وزاد فيه أيضا ‏"‏ قال وأحسبه دعا بزعفران فلطخه به ‏"‏ زاد عبد الرزاق عن معمر عن أيوب ‏"‏ فلذلك صنع الزعفران في المساجد‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ مُخَاطًا أَوْ بُصَاقًا أَوْ نُخَامَةً فَحَكَّهُ
الشرح‏:‏
قوله في حديث عائشة ‏(‏رأى في جدار القبلة مخاطا أو بصاقا أو نخامة فحكه‏)‏ كذا هو في الموطأ بالشك، وللإسماعيلي من طريق معن عن مالك ‏"‏ أو نخاعا ‏"‏ بدل مخاطا وهو أشبه، وقد تقدم الفرق بين النخاعة والنخامة‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب حَكِّ الْمُخَاطِ بِالْحَصَى مِنْ الْمَسْجِدِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنْ وَطِئْتَ عَلَى قَذَرٍ رَطْبٍ فَاغْسِلْهُ وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَلَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب حك المخاط بالحصى من المسجد‏)‏ وجه المغايرة بين هذه الترجمة والتي قبلها من طريق الغالب، وذلك أن المخاط غالبا يكون له جرم لزج فيحتاج في نزعه إلى معالجة، والبصاق لا يكون له ذلك فيمكن نزعه بغير آلة إلا إن خالطه بلغم فيلتحق بالمخاط، هذا الذي يظهر من مراده‏.‏
قوله ‏(‏وقال ابن عباس‏)‏ هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح وقال في آخره ‏"‏ وإن كان ناسيا لم يضره ‏"‏ ومطابقته للترجمة الإشارة إلى أن العلة العظمى في النهي احترام القبلة، لا مجرد التأذي بالبزاق ونحوه، فإنه وإن كان علة فيه أيضا لكن احترام القبلة فيه آكد، فلهذا لم يفرق فيه بين رطب ويابس، بخلاف ما علة النهي فيه مجرد الاستقذار فلا يضر وطئ اليابس منه‏.‏
والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَكَّهَا فَقَالَ إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَخَّمَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتناول حصاة‏)‏ هذا موضع الترجمة، ولا فرق في المعنى بين النخامة والمخاط، فلذلك استدل بأحدهما على الآخر‏.‏
قول ‏(‏فحكها‏)‏ وللكشميهني ‏"‏ فحتها ‏"‏ بمثناة من فوق، وهما بمعنى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا عن يمينه‏)‏ يأتي الكلام عليه قريبا‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا يَبْصُقْ عَنْ يَمِينِهِ فِي الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يبصق عن يمينه في الصلاة‏)‏ أورد فيه الحديث الذي قبله من طريق أخرى عن ابن شهاب، ثم حديث أنس من طريق قتادة عنه مختصرا من روايته عن حفص بن عمر، وليس فيهما تقييد ذلك بحالة الصلاة‏.‏
نعم هو مقيد بذلك في رواية آدم الآتية في الباب الذي يليه، وكذا في حديث أبي هريرة التقييد بذلك في رواية همام الآتية بعد، فجرى المصنف في ذلك على عادته في التمسك بما ورد في بعض طرق الحديث الذي يستدل به وإن لم يكن ذلك في سياق حديث الباب، وكأنه جنح إلى أن المطلق في الروايتين محمول على المقيد فيهما، وهو ساكت عن حكم ذلك خارج الصلاة‏.‏
وقد جزم النووي بالمنع في كل حالة داخل الصلاة وخارجها سواء كان في المسجد أم غيره، وقد نقل عن مالك أنه قال‏:‏ لا بأس به، يعني خارج الصلاة‏.‏
ويشهد للمنع ما رواه عبد الرزاق وغيره عن ابن مسعود أنه كره أن يبصق عن يمينه وليس في صلاة‏.‏
وعن معاذ بن جبل قال‏:‏ ما بصقت عن يميني منذ أسلمت‏.‏
وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقا‏.‏
وكأن الذي خصه بحالة الصلاة أخذه من علة النهي المذكورة في رواية همام عن أبي هريرة حيث قال ‏"‏ فإن عن يمينه ملكا ‏"‏ هذا إذا قلنا إن المراد بالملك غير الكاتب والحافظ، فيظهر حينئذ اختصاصه بحالة الصلاة‏.‏
وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
وقال القاضي عياض‏:‏ النهي عن البصاق عن اليمين في الصلاة إنما هو مع إمكان غيره، فإن تعذر فله ذلك، قلت‏:‏ لا يظهر وجود التعذر مع وجود الثوب الذي هو لابسه، وقد أرشده الشارع إلى التفل فيه كما تقدم‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ إن كان عن يساره أحد فلا يبزق في واحد من الجهتين، لكن تحت قدمة أو ثوبه‏.‏
قلت‏:‏ وفي حديث طارق المحاربي عند أبي داود ما يرشد لذلك، فإنه قال فيه‏:‏ أو تلقاء شمالك إن كان فارغا‏.‏
وإلا فهكذا، وبزق تحت رجله ودلك‏.‏
ولعبد الرزاق من طريق عطاء عن أبي هريرة نحوه، ولو كان تحت رجله مثلا شيء مبسوط أو نحوه تعين الثوب، ولو فقد الثوب مثلا فلعل بلعه أولى من ارتكاب المنهى عنه‏.‏
والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخذ المصنف كون حكم النخامة والبصاق واحدا من أنه صلى الله عليه وسلم رأى النخامة فقال ‏"‏ لا يبزقن ‏"‏ فدل على تساويهما‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:31 PM   #195
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةبَاب لِيَبْزُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى
الحديث
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ
الشرح‏:‏
غير موجود‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَحَكَّهَا بِحَصَاةٍ ثُمَّ نَهَى أَنْ يَبْزُقَ الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى وَعَنْ الزُّهْرِيِّ سَمِعَ حُمَيْدًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي‏)‏ زاد الأصيلي ‏"‏ ابن عبد الله ‏"‏ وهو ابن المديني، والمتن هو الذي مضى من وجهين آخرين عن ابن شهاب وهو الزهري، ولم يذكر سفيان - وهو ابن عيينة - فيه أبا هريرة، كذا في الروايات كلها، لكن وقع في رواية ابن عساكر ‏"‏ عن أبي هريرة ‏"‏ بدل أبي سعيد، وهو وهم، وكأن الحامل له على ذلك أنه رأى في آخره ‏"‏ وعن الزهري سمع حميدا عن أبي سعيد ‏"‏ فظن أنه عنده عن أبي هريرة وأبي سعيد معا، لكنه فرقهما‏.‏
وليس كذلك، وإنما أراد المصنف أن يبين أن سفيان رواه مرة بالعنعنة ومرة صرح بسماع الزهري من حميد، ووهم بعض الشراح في زعمه أن قوله ‏"‏ وعن الزهري ‏"‏ معلق بل هو موصول وقد تقدمت له نظائر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولكن عن يساره أو تحت قدمه‏)‏ كذا للأكثر، وهو المطابق للترجمة‏.‏
وفي رواية أبي الوقت ‏"‏ وتحت قدمه ‏"‏ بالواو‏.‏
ووقع عند مسلم من طريق أبي رافع عن أبي هريرة ‏"‏ ولكن عن يساره تحت قدمه ‏"‏ بحذف ‏"‏ أو‏"‏، وكذا للمصنف من حديث أنس في أواخر الصلاة، والرواية التي فيها ‏"‏ أو ‏"‏ أعم لكونها تشمل ما تحت القدم وغير ذلك‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب كَفَّارَةِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كفارة البزاق في المسجد‏)‏ أورد فيه حديث البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها من حديث أنس بإسناده الماضي في الباب قبله سواء، ولمسلم ‏"‏ التفل ‏"‏ بدل البزاق، والتفل بالمثناة من فوق أخف من البزاق، والنفث بمثلثة آخره أخف منه، قال القاضي عياض‏:‏ إنما يكون خطيئة إذا لم يدفنه، وأما من أراد دفنه فلا‏.‏
ورده النووي فقال‏:‏ هو خلاف صريح الحديث‏.‏
قلت‏:‏ وحاصل النزاع أن هنا عمومين تعارضا، وهما قوله ‏"‏ البزاق في المسجد خطيئة ‏"‏ وقوله ‏"‏ وليبصق عن يساره أو تحت قدمه ‏"‏ فالنووي يجعل الأول عاما ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد، والقاضي بخلافه يجعل الثاني عاما ويخص الأول بمن لم يرد دفنها وقد وافق القاضي جماعة منهم ابن مكي في ‏"‏ التنقيب ‏"‏ والقرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏ وغيرهما‏.‏
ويشهد لهم ما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا قال ‏"‏ من تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه‏"‏‏.‏
وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضا والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعا قال ‏"‏ من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة، وإن دفنه فحسنة ‏"‏ فلم يجعله سيئة إلا بقيد عدم الدفن‏.‏
ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعا قال ‏"‏ ووجدت في مساوي أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ فلم يثبت لها حكم السيئة لمجرد إيقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة‏.‏
انتهى‏.‏
وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح ‏"‏ أنه تنخم في المسجد ليلة فنسى أن يدفنها حتى رجع إلى منزله، فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها، ثم قال‏:‏ الحمد لله الذي لم يكتب على خطيئة الليلة ‏"‏ فدل على أن الخطيئة تختص بمن تركها لا بمن دفنها‏.‏
وعلة النهي ترشد إليه، وهي تأذي المؤمن بها‏.‏
ومما يدل على أن عمومه مخصوص جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف، وعند أبي داود من حديث عبد الله بن الشخير ‏"‏ أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله ‏"‏ إسناده صحيح، وأصله في مسلم‏.‏
والظاهر أن ذلك كان في المسجد، فيؤيد ما تقدم‏.‏
وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كان لم يتمكن من الخروج من المسجد، والمنع على ما إذا لم يكن له عذر، وهو تفصيل حسن‏.‏
والله أعلم‏.‏
وينبغي أن يفصل أيضا بين من بدأ بمعالجة الدفن قبل الفعل كمن حفر أولا ثم بصق وأورى، وبين من بصق أولا بنية أن يدفن مثلا، فيجرى فيه الخلاف بخلاف الذي قبله، لأنه إذا كان المكفر إثم إبرازها هو دفنها فكيف يأثم من دفنها ابتداء‏؟‏ وقال النووي‏:‏ قوله ‏"‏ كفارتها دفنها ‏"‏ قال الجمهور يدفنها في تراب المسجد أو رمله أو حصبائه‏.‏
وحكى الروياني أن المراد بدفنها إخراجها من المسجد أصلا‏.‏
قلت‏:‏ الذي قاله الروياني يجري على ما يقول النووي من المنع مطلقا، وقد عرف ما فيه‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله ‏"‏ في المسجد ‏"‏ ظرف للفعل فلا يشترط كون الفاعل فيه، حتى لو بصق من هو خارج المسجد فيه تناوله النهي‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب دَفْنِ النُّخَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب دفن النخامة في المسجد‏)‏ أي جواز ذلك، وأورد فيه حديث أبي هريرة من طريق همام عنه بلفظ ‏"‏ إذا قام أحدكم إلى الصلاة ‏"‏ ثم قال في آخره ‏"‏ فيدفنها ‏"‏ فأشعر قوله في الترجمة في المسجد بأنه فهم من قوله ‏"‏ إلى الصلاة ‏"‏ أن ذلك يختص بالمسجد، لكن اللفظ أعم من ذلك‏.‏
وقيل‏:‏ إنما ترجم الذي قبله بالكفارة وهذا بالدفن إشعارا بالتفرقة بين المتعمد بلا حاجة - وهو الذي أثبت عليه الخطيئة - وبين من غلبته النخامة وهو الذي أذن له في الدفن أو ما يقوم مقامه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإنما يناجي‏)‏ للكشميهني ‏"‏ فإنه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما دام في مصلاه‏)‏ يقتضى تخصيص المنع بما إذا كان في الصلاة، لكن التعليل المتقدم بأذى المسلم يقتضي المنع في جدار المسجد مطلقا ولو لم يكن في صلاة، فيجمع بأن يقال‏:‏ كونه في الصلاة أشد إثما مطلقا، وكونه في جدار القبلة أشد إثما من كونه في غيرها من جدر المسجد، فهي مراتب متفاوتة مع الاشتراك في المنع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن عن يمينه ملكا‏)‏ تقدم أن ظاهره اختصاصه بحالة الصلاة، فإن قلنا‏:‏ المراد بالملك الكاتب فقد استشكل اختصاصه بالمنع مع أن عن يساره ملكا آخر، وأجيب باحتمال اختصاص ذلك بملك اليمين تشريفا له وتكريما، هكذا قاله جماعة من القدماء ولا يخفى ما فيه‏.‏
وأجاب بعض المتأخرين بأن الصلاة أم الحسنات البدنية فلا دخل لكاتب السيئات فيها، ويشهد له ما رواه ابن أبي شيبة من حديث حذيفة موقوفا في هذا الحديث قال ‏"‏ ولا عن يمينه، فإن عن يمينه كاتب الحسنات‏"‏‏.‏
وفي الطبراني من حديث أبي أمامة في هذا الحديث ‏"‏ فإنه يقوم بين يدي الله وملكه عن يمينه وقرينه عن يساره ‏"‏ ا ه‏.‏
فالتفل حينئذ إنما يقع على القرين وهو الشيطان، ولعل ملك اليسار حينئذ يكون بحيث لا يصيبه شيء من ذلك، أو أنه يتحول في الصلاة إلى اليمين‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيدفنها‏)‏ قال ابن أبي جمرة‏:‏ لم يقل يغطيها لأن التغطية يستمر الضرر بها إذ لا يأمن أن يجلس غيره عليها فتؤذيه، بخلاف الدفن فإنه يفهم منه التعميق في باطن الأرض‏.‏
وقال النووي في الرياض‏:‏ المراد بدفنها ما إذا كان المسجد ترابيا أو رمليا، فأما إذا كان مبلطا مثلا فدلكها عليه بشيء مثلا فليس ذلك بدفن بل زيادة في التقذير‏.‏
قلت‏:‏ لكن إذا لم يبق لها أثر البتة فلا مانع، وعليه يحمل قوله في حديث عبد الله ابن الشخير المتقدم ‏"‏ ثم دلكه بنعله ‏"‏ وكذا قوله في حديث طارق عند أبي داود ‏"‏ وبزق تحت رجله ودلك‏"‏‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قال القفال في فتاويه‏:‏ هذا الحديث محمول على ما يخرج من الفم أو ينزل من الرأس، أما ما يخرج من الصدر فهو نجس فلا يدفن في المسجد ا ه‏.‏
وهذا على اختياره، لكن يظهر التفصيل فيما إذا كان طرفا من قيء، وكذا إذا خالط البزاق دم‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا بَدَرَهُ الْبُزَاقُ فَلْيَأْخُذْ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا بدره البزاق‏)‏ أنكر السروجي قوله ‏"‏ بدره ‏"‏ وقال‏:‏ المعروف في اللغة بدرت إليه وبادرته، وأجيب بأنه يستعمل في المغالبة فيقال‏:‏ بادرت كذا فبدرني أي سبقني، واستشكل آخرون التقييد في الترجمة بالمبادرة، مع أنه لا ذكر لها في الحديث الذي ساقه، وكأنه أشار إلى ما في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما رواه مسلم من حديث جابر بلفظ ‏"‏ وليبصق عن يساره وتحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا ثم طوى بعضه على بعض ‏"‏ ولابن أبي شيبة وأبي داود من حديث أبي سعيد نحوه وفسره في رواية أبي داود ‏"‏ بأن يتفل في ثوبه ثم يرد بعضه على بعض ‏"‏ والحديثان صحيحان لكنهما ليسا على شرط البخاري، فأشار إليهما بأن حمل الأحاديث التي لا تفصيل فيها على ما فصل فيهما‏.‏
والله أعلم‏.‏
وقد تقدم الكلام على حديث أنس قبل خمسة أبواب، وقوله هنا ‏"‏ ورؤي منه ‏"‏ بضم الراء بعدها واو مهموزة، أي من النبي صلى الله عليه وسلم و ‏"‏ كراهيته ‏"‏ بالرفع أي ذلك الفعل، وقوله ‏"‏أو رؤي ‏"‏ شك من الراوي وقوله ‏"‏ وشدته ‏"‏ بالرفع عطفا على كراهيته ويجوز الجر عطفا على قوله ‏"‏ لذلك‏"‏‏.‏
وفي الأحاديث المذكورة من الفوائد - غير ما تقدم - الندب إلى إزالة ما يستقذر أو يتنزه عنه من المسجد، وتفقد الإمام أحوال المساجد وتعظيمها وصيانتها، وأن للمصلي أن يبصق وهو في الصلاة ولا تفسد صلاته، وأن النفخ والتنحنح في الصلاة جائزان لأن النخامة لا بد أن يقع معها شيء من نفخ أو تنحنح، ومحله ما إذا لم يفحش ولم يقصد صاحبه العبث ولم يبن منه مسمى كلام وأقله حرفان أو حرف ممدود، واستدل به المصنف على جواز النفخ في الصلاة كما سيأتي في أواخر كتاب الصلاة، والجمهور على ذلك، لكن بالشرط المذكور قبل‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ إن كان النفخ يسمع فهو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة، واستدلوا له بحديث عن أم سلمة عند النسائي وبأثر عن ابن عباس عند ابن أبي شيبة‏.‏
وفيها أن البصاق طاهر، وكذا النخامة والمخاط خلافا لمن يقول‏:‏ كل ما تستقذره النفس حرام، ويستفاد منه أن التحسين والتقبيح إنما هو بالشرع، فإن جهة اليمين مفضلة على اليسار، وأن اليد مفضلة على القدم‏.‏
وفيها الحث على الاستكثار من الحسنات وإن كان صاحبها مليا لكونه صلى الله عليه وسلم باشر الحك بنفسه، وهو دال على عظم تواضعه، زاده الله تشريفا وتعظيما صلى الله عليه وسلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:32 PM   #196
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب عِظَةِ الْإِمَامِ النَّاسَ فِي إِتْمَامِ الصَّلَاةِ وَذِكْرِ الْقِبْلَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب عظة الإمام الناس‏)‏ بالنصب على المفعولية، وقوله ‏"‏في إتمام الصلاة ‏"‏ أي بسبب ترك إتمام الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وذكر القبلة‏)‏ بالجر عطفا على عظة، وأورده للإشعار بمناسبة هذا الباب لما قبله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏هل ترون قبلتي‏)‏ هو استفهام إنكار لما يلزم منه، أي أنتم تظنون أني لا أرى فعلكم لكون قبلتي في هذه الجهة لأن من استقبل شيئا استدبر ما وراءه، لكن بين النبي صلى الله عليه وسلم أن رؤيته لا تختص بجهة واحدة‏.‏
وقد اختلف في معنى ذلك فقيل‏:‏ المراد بها العلم إما بأن يوحى إليه كيفية فعلهم وإما أن يلهم، وفيه نظر، لأن العلم لو كان مرادا لم يقيده بقوله من وراء ظهري‏.‏
وقيل المراد أنه يرى من عن يمينه ومن عن يساره ممن تدركه عينه مع التفات يسير في النادر، ويوصف من هو هناك بأنه وراء ظهره، وهذا ظاهر التكلف، وفيه عدول عن الظاهر بلا موجب‏.‏
والصواب المختار أنه محمول على ظاهره، وأن هذا الإبصار إدراك حقيقي خاص به صلى الله عليه وسلم انخرقت له فيه العادة، وعلى هذا عمل المصنف فأخرج هذا الحديث في علامات النبوة، وكذا نقل عن الإمام أحمد وغيره‏.‏
ثم ذلك الإدراك يجوز أن يكون برؤية عينه انخرقت له العادة فيه أيضا فكان يرى بها من غير مقابلة، لأن الحق عند أهل السنة أن الرؤية لا يشترط لها عقلا عضو مخصوص ولا مقابلة ولا قرب، وإنما تلك أمور عادية يجوز حصول الإدراك مع عدمها عقلا، ولذلك حكموا بجواز رؤية الله تعالى في الدار الآخرة خلافا لأهل البدع لوقوفهم مع العادة‏.‏
وقيل كانت له عين خلف ظهره يرى بها من وراءه دائما، وقيل كان بين كتفيه عينان مثل سم الخياط يبصر بهما لا يحجبهما ثوب ولا غيره، وقيل‏:‏ بل كانت صورهم تنطبع في حائط قبلته كما تنطبع في المرآة فيرى أمثلتهم فيها فيشاهد أفعالهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا خشوعكم‏)‏ أي في جميع الأركان، ويحتمل أن يريد به السجود لأن فيه غاية الخشوع، وقد صرح بالسجود في رواية لمسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إني لأراكم‏)‏ بفتح الهمزة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الرُّكُوعِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَائِي كَمَا أَرَاكُمْ
الشرح‏:‏
قوله في حديث أنس ‏(‏صلى لنا‏)‏ أي لأجلنا‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏صلاة‏)‏ بالتنكير للإبهام‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏ثم رقي‏)‏ بكسر القاف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال في الصلاة‏)‏ أي في شأن الصلاة، أو هو متعلق بقوله بعد ‏(‏إني لأراكم‏)‏ عند من يجيز تقدم الظرف‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏وفي الركوع‏)‏ فرده بالذكر وإن كان داخلا في الصلاة اهتماما به إما لكون التقصير فيه كان أكثر، أو لأنه أعظم الأركان بدليل أن المسبوق يدرك الركعة بتمامها بإدراك الركوع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كما أراكم‏)‏ يعني من أمامي‏.‏
وصرح به في رواية أخرى كما سيأتي‏.‏
ولمسلم ‏"‏ إني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي ‏"‏ وفيه دليل على المختار أن المراد بالرؤية الإبصار، وظاهر الحديث أن ذلك يختص بحالة الصلاة، ويحتمل أن يكون ذلك واقعا في جميع أحواله، وقد نقل ذلك عن مجاهد‏.‏
وحكى بقي بن مخلد أنه صلى الله عليه وسلم كان يبصر في الظلمة كما يبصر في الضوء‏.‏
وفي الحديث الحث على الخشوع في الصلاة والمحافظة على إتمام أركانها وأبعاضها، وأنه ينبغي للإمام أن ينبه الناس على ما يتعلق بأحوال الصلاة، ولا سيما إن رأى منهم ما يخالف الأولى‏.‏
وسأذكر حكم الخشوع في أبواب صفة الصلاة حيث ترجم به المصنف مع بقية الكلام عليه إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:33 PM   #197
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب هَلْ يُقَالُ مَسْجِدُ بَنِي فُلَانٍ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب هل يقال مسجد بني فلان‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر في المسابقة، وفيه قول ابن عمر ‏"‏ إلى مسجد بني زريق ‏"‏ وزريق بتقديم الزاي مصغرا، ويستفاد منه جواز إضافة المساجد إلى بانيها أو المصلى فيها، ويلتحق به جواز إضافة أعمال البر إلى أربابها، وإنما أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام لينبه على أن فيه احتمالا إذ يحتمل أن يكون ذلك قد علمه النبي صلى الله عليه وسلم بأن تكون هذه الإضافة وقعت في زمنه، ويحتمل أن يكون ذلك مما حدث بعده، والأول أظهر والجمهور على الجواز، والمخالف في ذلك إبراهيم النخعي فيما رواه ابن أبي شيبة عنه أنه كان يكره أن يقول مسجد بني فلان ويقول مصلى بني فلان لقوله تعالى ‏(‏وأن المساجد لله‏)‏ ، وجوابه أن الإضافة في مثل هذا إضافة تمييز لا ملك‏.‏
وسيأتي الكلام على فوائد المتن في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الحفياء بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها ياء أخيرة ممدودة، والأمد الغاية‏.‏
واللام في قوله ‏"‏ الثنية ‏"‏ للعهد من ثنية الوداع‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْقِسْمَةِ وَتَعْلِيقِ الْقِنْوِ فِي الْمَسْجِدِ
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الْقِنْوُ الْعِذْقُ وَالِاثْنَانِ قِنْوَانِ وَالْجَمَاعَةُ أَيْضًا قِنْوَانٌ مِثْلَ صِنْوٍ وَصِنْوَانٍ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ يَعْنِي ابْنَ طَهْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَالٍ مِنْ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ انْثُرُوهُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْ فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ قَالَ لَا قَالَ فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ قَالَ لَا فَنَثَرَ مِنْهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَيَّ قَالَ لَا قَالَ فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ قَالَ لَا فَنَثَرَ مِنْهُ ثُمَّ احْتَمَلَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى كَاهِلِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ فَمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب القسمة‏)‏ أي جوازها، والقنو بكسر القاف وسكون النون فسره في الأصل في روايتنا بالعذق، وهو بكسر العين المهملة وسكون الذال المعجمة، وهو العرجون بما فيه‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏الاثنان قنوان‏)‏ أي بكسر النون و قوله‏:‏ ‏(‏مثل صنو وصنوان‏)‏ أهمل الثالثة اكتفاء بظهورها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال إبراهيم يعني ابن طهمان‏)‏ كذا في روايتنا وهو صواب، وأهمل في غيرها‏.‏
وقال الإسماعيلي‏:‏ ذكره البخاري عن إبراهيم وهو ابن طهمان فيما أحسب بغير إسناد‏.‏
يعني تعليقا‏.‏
قلت‏:‏ وقد وصله أبو نعيم في مستخرجه والحاكم في مستدركه من طريق أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان، وقد أخرج البخاري بهذا الإسناد إلى إبراهيم بن طهمان عدة أحاديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد العزيز بن صهيب‏)‏ كذا في روايتنا، وفي غيرها ‏"‏ عن عبد العزيز ‏"‏ غير منسوب، فقال المزي في الأطراف‏:‏ قيل إنه عبد العزيز بن رفيع، وليس بشيء، ولم يذكر البخاري في الباب حديثا في تعليق القنو، فقال ابن بطال‏:‏ أغفله‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ أنسيه‏.‏
وليس كما قالا، بل أخذه من جواز وضع المال في المسجد بجامع أن كلا منهما وضع لأخذ المحتاجين منه‏.‏
وأشار بذلك إلى ما رواه النسائي من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال ‏"‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده عصا وقد علق رجل قنا حشف فجعل يطعن في ذلك القنو ويقول‏:‏ لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب من هذا ‏"‏ وليس هو على شرطه وإن كان إسناده قويا، فكيف يقال إنه أغفله‏؟‏ وفي الباب أيضا حديث آخر أخرجه ثابت في الدلائل بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل حائط بقنو يعلق في المسجد ‏"‏ يعني للمساكين‏.‏
وفي رواية له ‏"‏ وكان عليها معاذ بن جبل ‏"‏ أي على حفظها أو على قسمتها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بمال من البحرين‏)‏ روى ابن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال مرسلا أنه كان مائة ألف، وأنه أرسل به العلاء بن الحضرمي من خراج البحرين، قال‏:‏ وهو أول خراج حمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وعند المصنف في المغازي من حديث عمرو بن عوف ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي وبعث أبا عبيدة بن الجراح إليهم، فقدم أبو عبيدة بمال فسمعت الأنصار بقدومه ‏"‏ الحديث‏.‏
فيستفاد منه تعيين الآتي بالمال، لكن في الردة للواقدي أن رسول العلاء بن الحضرمي بالمال هو العلاء بن حارثة الثقفي، فلعله كان رفيق أبي عبيدة‏.‏
وأما حديث جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ لو قد جاء مال البحرين أعطيتك ‏"‏ وفيه ‏"‏ فلم يقدم مال البحرين حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث، فهو صحيح كما سيأتي عند المصنف، وليس معارضا لما تقدم بل المراد أنه لم يقدم في السنة التي مات فيها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان مال خراج أو جزية فكان يقدم من سنة إلى سنة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال انثروه‏)‏ أي صبوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفاديت عقيلا‏)‏ أي ابن أبي طالب وكان أسر مع عمه العباس في غزوة بدر، و قوله‏:‏ ‏(‏فحثا‏)‏ بمهملة ثم مثلثة مفتوحة، والضمير في ثوبه يعود على العباس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقله‏)‏ بضم أوله من الإقلال وهو الرفع والحمل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مر بعضهم‏)‏ بضم الميم وسكون الراء‏.‏
وفي رواية ‏"‏ اؤمر ‏"‏ بالهمزة، و قوله‏:‏ ‏(‏يرفعه‏)‏ الجزم لأنه جواب الأمر، ويجوز الرفع أي فهو يرفعه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على كاهله‏)‏ أي بين كتفيه‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏يتبعه‏)‏ بضم أوله من الاتباع، و ‏(‏عجبا‏)‏ بالفتح‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏وثم منها درهم‏)‏ بفتح المثلثة أي هناك‏.‏
وفي هذا الحديث بيان كرم النبي صلى الله عليه وسلم وعدم التفاته إلى المال قل أو كثر، وأن الإمام ينبغي له أن يفرق مال المصالح في مستحقيها ولا يؤخره، وسيأتي الكلام على فوائد هذا الحديث في كتاب الجهاد في باب فداء المشركين حيث ذكره المصنف فيه مختصرا إن شاء الله تعالى‏.‏
وموضع الحاجة منه هنا جواز وضع ما يشترك المسلمون فيه من صدقة ونحوها في المسجد، ومحله ما إذا لم يمنع مما وضع له المسجد من الصلاة وغيرها مما بني المسجد لأجله، ونحو وضع هذا المال وضع مال زكاة الفطر، ويستفاد منه جواز وضع ما يعم نفعه في المسجد كالماء لشرب من يعطش، ويحتمل التفرقة بين ما يوضع للتفرقة وبين ما يوضع للخزن فيمنع الثاني دون الأول، وبالله التوفيق‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ دَعَا لِطَعَامٍ فِي الْمَسْجِدِ وَمَنْ أَجَابَ فِيهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من دعا لطعام في المسجد ومن أجاب منه‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ ومن أجاب إليه‏"‏‏.‏
أورد فيه حديث أنس مختصرا، وأورد عليه أنه مناسب لأحد شقي الترجمة وهو الثاني، ويجاب بأن قوله ‏"‏ في المسجد ‏"‏ متعلق بقوله ‏"‏ دعا ‏"‏ لا بقوله ‏"‏ طعام ‏"‏ فالمناسبة ظاهرة، والغرض منه أن مثل ذلك من الأمور المباحة ليس من اللغو الذي يمنع في المساجد‏.‏
و ‏"‏ من ‏"‏ في قوله ‏"‏ منه ‏"‏ ابتدائية والضمير يعود على المسجد، وعلى رواية الكشميهني يعود على الطعام، وللكشميهني ‏"‏ قال لمن معه ‏"‏ بدل لمن حوله‏.‏
وفي الحديث جواز الدعاء إلى الطعام وإن لم يكن وليمة، واستدعاء الكثير إلى الطعام القليل، وأن المدعو إذا علم من الداعي أنه لا يكره أن يحضر معه غيره فلا بأس بإحضاره معه‏.‏
وسيأتي بقية الكلام على هذا الحديث إن شاء الله تعالى حيث أورده المصنف تاما في علامات النبوة‏.‏
‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْقَضَاءِ وَاللِّعَانِ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب القضاء واللعان في المسجد‏)‏ هو من عطف الخاص على العام‏.‏
وسقط قوله ‏"‏ بين الرجال والنساء ‏"‏ من رواية المستملي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ ابن موسى ‏"‏ وكذا نسبه ابن السكن، وأخطأ من قال هو ابن جعفر، وسيأتي الكلام على ما يتعلق بحديث سهل بن سعد المذكور وتسمية من أبهم فيه في كتاب اللعان إن شاء الله تعالى‏.‏
ويأتي ذكر الاختلاف في جواز القضاء في المسجد في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:34 PM   #198
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا دَخَلَ بَيْتًا يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ أَوْ حَيْثُ أُمِرَ وَلَا يَتَجَسَّسُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا دخل بيتا‏)‏ أي لغيره ‏(‏يصلي حيث شاء أو حيث أمر‏؟‏‏)‏ قيل مراده الاستفهام، لكن حذفت أداته، أي هل يتوقف على إذن صاحب المنزل أو يكفيه الإذن العام في الدخول‏؟‏ فأو على هذا ليست للشك‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏ولا يتجسس‏)‏ بطناه بالجيم، وقيل إنه روي بالحاء المهملة، وهو متعلق بالشق الثاني قال المهلب‏:‏ دل حديث الباب على إلغاء حكم الشق الأول لاستئذانه صلى الله عليه وسلم صاحب المنزل أين يصلي‏؟‏ وقال المازري‏:‏ معنى قوله ‏"‏ حيث شاء ‏"‏ أي من الموضع الذي أذن له فيه‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ إنما أراد البخاري أن المسألة موضع نظر، فهل يصلي من دعي حيث شاء لأن الإذن في الدخول عام في أجزاء المكان، فأينما جلس أو صلى تناوله الإذن‏؟‏ أو يحتاج إلى أن يستأذن في تعيين مكان صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك‏؟‏ الظاهر الأول‏.‏
وإنما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه دعي ليتبرك صاحب البيت بمكان صلاته فسأله ليصلي في البقعة التي يحب تخصيصها بذلك‏.‏
وأما من صلى لنفسه فهو على عموم الإذن‏.‏
قلت‏:‏ إلا أن يخص صاحب المنزل ذلك العموم فيختص‏.‏
والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ بَيْتِكَ قَالَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن شهاب‏)‏ صرح أبو داود الطيالسي في مسنده بسماع إبراهيم بن سعد له من ابن شهاب قوله‏:‏ ‏(‏عن محمود بن الربيع‏)‏ وللصنف في ‏"‏ باب النوافل جماعة ‏"‏ كما سيأتي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن شهاب قال ‏"‏ أخبرني محمود‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عتبان‏)‏ زاد يعقوب المذكور في روايته قصة محمود في عقله المحبة كما تقدم من وجه آخر في كتاب العلم، وصرح يعقوب أيضا بسماع محمود من عتبان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أتاه في منزله‏)‏ اختصره المصنف هنا وساقه من رواية يعقوب المذكور تاما كما أورده من طريق عقيل في الباب الآتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أصلي من بيتك‏)‏ كذا للأكثر، وكذا في رواية يعقوب وللمستملي هنا ‏"‏ أن أصلي لك ‏"‏ وللكشميهني ‏"‏ في بيتك ‏"‏‏:‏ وسيأتي الكلام على الحديث في الباب الذي بعده‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ وَصَلَّى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فِي مَسْجِدِهِ فِي دَارِهِ جَمَاعَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب المساجد‏)‏ أي اتخاذ المساجد ‏(‏في البيوت‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وصلى البراء بن عازب في مسجد في داره جماعة‏)‏ وللكشميهني ‏"‏ في جماعة ‏"‏ وهذا الأثر أورد ابن أبي شيبة معناه في قصة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي فَإِذَا كَانَتْ الْأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ عِتْبَانُ فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ قَالَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيْتِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ فَقُمْنَا فَصَفَّنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ قَالَ وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ قَالَ فَآبَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ أَوِ ابْنُ الدُّخْشُنِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُلْ ذَلِكَ أَلَا تَرَاهُ قَدْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيَّ وَهُوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ فَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن عتبان بن مالك‏)‏ أي الخزرجي السالمي من بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، هو بكسر العين ويجوز ضمها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنه أتى‏)‏ في رواية ثابت عن أنس عن عتبان عند مسلم أنه بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه ذلك، فيحتمل أن يكون نسب إتيان رسوله إلى نفسه مجازا، ويحتمل أن يكون أتاه مرة وبعث إليه أخرى إما متقاضيا وإما مذكرا‏.‏
وفي الطبراني من طريق أبي أويس عن ابن شهاب بسنده أنه ‏"‏ قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم جمعة‏:‏ لو أتيتني يا رسول الله ‏"‏ وفيه أنه أتاه يوم السبت، وظاهره أن مخاطبة عتبان بذلك كانت حقيقية لا مجازا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قد أنكرت بصري‏)‏ كذا ذكره جمهور أصحاب ابن شهاب كما للمصنف من طريق إبراهيم ابن سعد ومعمر، ولمسلم من طريق يونس، وللطبراني من طريق الربيدي والأوزاعي، وله من طريق أبي أويس ‏"‏ لما ساء بصري ‏"‏ وللإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن نمر ‏"‏ جعل بصري يكل ‏"‏ ولمسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت ‏"‏ أصابني في بصري بعض الشيء ‏"‏ وكل ذلك ظاهر في أنه لم يكن بلغ العمى إذ ذاك، لكن أخرجه المصنف في باب الرخصة في المطر من طريق مالك عن ابن شهاب فقال فيه ‏"‏ إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنها تكون الظلمة والسيل، وأنا رجل ضرير البصر ‏"‏ الحديث‏.‏
وقد قيل‏:‏ إن رواية مالك هذه معارضة لغيره، وليست عندي كذلك، بل قول محمود ‏"‏ إن عتبان كان يؤم قومه وهو أعمى ‏"‏ أي حين لقيه محمود وسمع منه الحديث، لا حين سؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
ويبينه قوله في رواية يعقوب ‏"‏ فجئت إلى عتبان وهو شيخ أعمى يؤم قومه‏"‏‏.‏
وأما قوله ‏"‏ وأنا رجل ضرير البصر ‏"‏ أي أصابني فيه ضر كقوله ‏"‏ أنكرت بصري‏"‏‏.‏
ويؤيد هذا الحمل قوله في رواية ابن ماجه من طريق إبراهيم بن سعد أيضا ‏"‏ لما أنكرت من بصري ‏"‏ وقوله في رواية مسلم ‏"‏ أصابني في بصري بعض الشيء ‏"‏ فإنه ظاهر في أنه لم يكمل عماه، لكن رواية مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت بلفظ ‏"‏ أنه عمي فأرسل ‏"‏ وقد جمع ابن خزيمة بين رواية مالك وغيره من أصحاب ابن شهاب فقال‏:‏ قوله‏.‏
‏"‏ أنكرت بصري ‏"‏ هذا اللفظ يطلق على من في بصره سوء وإن كان يبصر بصرا ما، وعلى من صار أعمى لا يبصر شيئا‏.‏
انتهى‏.‏
والأولى أن يقال‏:‏ أطلق عليه عمى لقربه منه ومشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده في حال الصحة، وبهذا تأتلف الروايات‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أصلي لقومي‏)‏ أي لأجلهم، والمراد أنه كان يؤمهم، وصرح بذلك أبو داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سال الوادي‏)‏ أي سال الماء في الوادي، فهو من إطلاق المحل على الحال، وللطبراني من طريق الزبيدي ‏"‏ وأن الأمطار حين تكون يمنعني سيل الوادي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بيني وبينهم‏)‏ وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ يسيل الوادي الذي بين مسكني وبين مسجد قومي فيحول بيني وبين الصلاة معهم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأصلي بهم‏)‏ بالنصب عطفا على ‏"‏ آتي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وددت‏)‏ بكسر الدال الأولى أي تمنيت‏.‏
وحكى القزاز جواز فتح الدال في الماضي والواو في المصدر، والمشهور في المصدر الضم وحكي فيه أيضا الفتح فهو مثلث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتصلي‏)‏ بسكون الياء ويجوز النصب لوقوع الفاء بعد التمني، وكذا قوله‏:‏ ‏(‏فأتخذه‏)‏ بالرفع ويجوز النصب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سأفعل إن شاء الله‏)‏ هو هنا للتعليق لا لمحض التبرك، كذا قيل ويجوز أن يكون للتبرك لاحتمال اطلاعه صلى الله عليه وسلم بالوحي على الجزم بأن ذلك سيقع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عتبان‏)‏ ظاهر هذا السياق أن الحديث من أوله إلى هنا من رواية محمود بن الربيع بغير واسطة، ومن هنا إلى آخره من روايته عن عتبان صاحب القصة‏.‏
وقد يقال‏:‏ القدر الأول مرسل لأن محمودا يصغر عن حضور ذلك، لكن وقع التصريح في أوله بالتحديث بين عتبان ومحمود من رواية الأوزاعي عن ابن شهاب عند أبي عوانة، وكذا وقع تصريحه بالسماع عند المصنف من طريق معمر ومن طريق إبراهيم بن سعد كما ذكرناه في الباب الماضي، فيحمل قوله ‏"‏ قال عتبان ‏"‏ على أن محمودا أعاد اسم شيخه اهتماما بذلك لطول الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فغدا على‏)‏ زاد الإسماعيلي ‏"‏ بالغد‏"‏، وللطبراني من طريق أبي أويس أن السؤال وقع يوم الجمعة، والتوجه إليه وقع يوم السبت كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأبو بكر‏)‏ لم يذكر جمهور الرواة عن ابن شهاب غيره، حتى أن في رواية الأوزاعي ‏"‏ فاستأذنا فأذنت لهما ‏"‏ لكن في رواية أبي أويس ‏"‏ ومعه أبو بكر وعمر ‏"‏ ولمسلم من طريق أنس عن عتبان ‏"‏ فأتاني ومن شاء الله من أصحابه ‏"‏ وللطبراني من وجه آخر عن أنس ‏"‏ في نفر من أصحابه ‏"‏ فيحتمل الجمع بأن أبا بكر صحبه وحده في ابتداء التوجه ثم عند الدخول أو قبله اجتمع عمر وغيره من الصحابة فدخلوا معه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلم يجلس حين دخل‏)‏ ، وللكشميهني ‏"‏ حتى دخل ‏"‏ قال عياض‏:‏ زعم بعضهم أنها غلط، وليس كذلك، بل المعنى فلم يجلس في الدار ولا غيرها حتى دخل البيت مبادرا إلى ما جاء بسببه‏.‏
وفي رواية يعقوب عند المصنف وكذا عند الطيالسي ‏"‏ فلما دخل لم يجلس حتى قال أين تحب ‏"‏ وكذا للإسماعيلي من وجه آخر، وهي أبين في المراد، لأن جلوسه إنما وقع بعد صلاته بخلاف ما وقع منه في بيت مليكة حيث جلس فأكل ثم صلى، لأنه هناك دعي إلى الطعام فبدأ به، وهنا دعي إلى الصلاة فبدأ بها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أصلي من بيتك‏)‏ كذا للأكثر والجمهور من رواة الزهري، ووقع عند الكشميهني وحده ‏"‏ في بيتك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحبسناه‏)‏ أي منعناه من الرجوع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خزيرة‏)‏ بخاء معجمة مفتوحة بعدها زاي مكسورة ثم ياء تحتانية ثم راء ثم هاء نوع من الأطعمة قال ابن قتيبة‏:‏ تصنع من لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير فإذا نضج ذر عليه الدقيق، وإن لم يكن فيه لحم فهو عصيدة‏.‏
وكذا ذكر يعقوب نحوه وزاد ‏"‏ من لحم بات ليلة ‏"‏ قال‏:‏ وقيل هي حساء من دقيق فيه دسم، وحكي في الجمهرة نحوه، وحكى الأزهري عن أبي الهيثم أن الخزيرة من النخالة، وكذا حكاه المصنف في كتاب الأطعمة عن النضر بن شميل، قال عياض‏:‏ المراد بالنخالة دقيق لم يغربل‏.‏
قلت‏:‏ ويؤيد هذا التفسير قوله في رواية الأوزاعي عند مسلم ‏"‏ على جشيشة ‏"‏ بجيم ومعجمتين، قال أهل اللغة‏:‏ هي أن تطحن الحنطة قليلا ثم يلقى فيها شحم أو غيره، وفي المطالع‏:‏ أنها رويت في الصحيحين بحاء وراءين مهملات‏.‏
وحكى المصنف في الأطعمة عن النضر أيضا أنها - أي التي بمهملات - تصنع من اللبن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فثاب في البيت رجال‏)‏ بمثلثة وبعد الألف موحدة، أي اجتمعوا بعد أن تفرقوا‏.‏
قال الخليل‏:‏ المثابة مجتمع الناس بعد افتراقهم، ومنه قيل للبيت مثابة‏.‏
وقال صاحب المحكم‏:‏ يقال ثاب إذا رجع وثاب إذا أقبل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من أهل الدار‏)‏ أي المحلة، كقوله ‏"‏ خير دور الأنصار دار بني النجار ‏"‏ أي محلتهم، والمراد أهلها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال قائل منهم‏)‏ لم يسم هذا المبتدئ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مالك بن الدخيشن‏)‏ بضم الدال المهملة وفتح الخاء المعجمة وسكون الياء التحتانية بعدها شين معجمة مكسورة ثم نون قوله‏:‏ ‏(‏أو ابن الدخشن‏)‏ بضم الدال والشين وسكون الخاء بينهما وحكي كسر أوله، والشك فيه من الراوي هل هو مصغر أو مكبر‏.‏
وفي رواية المستملي هنا في الثانية بالميم بدل النون، وعند المصنف في المحاربين من رواية معمر ‏"‏ الدخشن ‏"‏ بالنون مكبرا من غير شك، وكذا لمسلم من طريق يونس، وله من طريق معمر بالشك، ونقل الطبراني عن أحمد بن صالح أن الصواب ‏"‏ الدخشم ‏"‏ بالميم وهي رواية الطيالسي، وكذا لمسلم من طريق ثابت عن أنس عن عتبان، والطبراني من طريق النضر بن أنس عن أبيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال بعضهم‏)‏ قيل هو عتبان راوي الحديث، قال ابن عبد البر في التمهيد‏:‏ الرجل الذي سار النبي صلى الله عليه وسلم في قتل رجل من المنافقين هو عتبان، والمنافق المشار إليه هو مالك بن الدخشم‏.‏
ثم ساق حديث عتبان المذكور في هذا الباب، وليس فيه دليل على ما ادعاه من أن الذي ساره هو عتبان‏.‏
وأغرب بعض المتأخرين فنقل عن ابن عبد البر أن الذي قال في هذا الحديث ‏"‏ ذلك منافق ‏"‏ هو عتبان أخذا من كلامه هذا، وليس فيه تصريح بذلك‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ لم يختلف في شهود مالك بدرا وهو الذي أسر سهيل بن عمرو، ثم ساق بإسناد حسن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن تكلم فيه ‏"‏ أليس قد شهد بدرا‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ وفي المغازي لابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مالكا هذا ومعن ابن عدي فحرقا مسجد الضرار، فدل على أنه بريء مما اتهم به من النفاق، أو كان قد أقلع عن ذلك، أو النفاق الذي اتهم به ليس نفاق الكفر إنما أنكر الصحابة عليه تودده للمنافقين، ولعل له عذرا في ذلك كما وقع لحاطب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ألا تراه قد قال لا إله إلا الله‏)‏ وللطيالسي ‏"‏ أما يقول ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ أليس يشهد ‏"‏ وكأنهم فهموا من هذا الاستفهام أن لا جزم بذلك‏.‏
ولولا ذلك لم يقولوا في جوابه ‏"‏ إنه ليقول ذلك وما هو في قلبه ‏"‏ كما وقع عند مسلم من طريق أنس عن عتبان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإنا نرى وجهه‏)‏ أي توجهه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونصيحته إلى المنافقين‏)‏ قال الكرماني‏:‏ يقال نصحت له لا إليه ثم قال‏:‏ قد ضمن معنى الانتهاء، كذا قال، والظاهر أن قوله ‏"‏ إلى المنافقين ‏"‏ متعلق بقوله ‏"‏ وجهه ‏"‏ فهو الذي يتعدى بإلى، وأما متعلق نصيحته فمحذوف للعلم به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن شهاب‏)‏ أي بالإسناد الماضي، ووهم من قال إنه معلق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم سألت‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ بعد ذلك ‏"‏ والحصين بمهملتين لجميعهم إلا للقابسي فضبطه بالضاد المعجمة وغلطوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من سراتهم‏)‏ بفتح المهملة أي خيارهم، وهو جمع سري، قال أبو عبيد‏:‏ هو المرتفع القدر من سرو الرجل يسرو إذا كان رفيع القدر، وأصله من السراة وهو أرفع المواضع من ظهر الدابة، وقيل هو رأسها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصدقه بذلك‏)‏ يحتمل أن يكون الحصين سمعه أيضا من عتبان، ويحتمل أن يكون حمله عن صحابي آخر، وليس للحصين ولا لعتبان في الصحيحين سوى هذا الحديث‏.‏
وقد أخرجه البخاري في أكثر من عشرة مواضع مطولا ومختصرا، وقد سمعه من عتبان أيضا أنس بن مالك كما أخرجه مسلم، وسمعه أبو بكر بن أنس مع أبيه من عتبان أخرجه الطبراني، وسيأتي في ‏"‏ باب النوافل جماعة ‏"‏ أن أبا أيوب الأنصاري سمع محمود بن الربيع يحدث به عن عتبان فأنكره لما يقتضيه ظاهره من أن النار محرمة على جميع الموحدين، وأحاديث الشفاعة دالة على أن بعضهم يعذب، لكن للعلماء أجوبه عن ذلك‏:‏ منها ما رواه مسلم عن ابن شهاب أنه قال عقب حديث الباب ‏"‏ ثم نزلت بعد ذلك فرائض وأمور نرى أن الأمر قد انتهى إليها، فمن استطاع أن لا يغتر فلا يغتر ‏"‏ وفي كلامه نظر لأن الصلوات الخمس نزل فرضها قبل هذه الواقعة قطعا، وظاهره يقتضي أن تاركها لا يعذب إذا كان موحدا‏.‏
وقيل المراد أن من قالها مخلصا لا يترك الفرائض لأن الإخلاص يحمل على أداء اللازم‏.‏
وتعقب بمنع الملازمة‏.‏
وقيل المراد تحريم التخليد أو تحريم دخول النار المعدة للكافرين لا الطبقة المعدة للعصاة، وقيل المراد تحريم دخول النار بشرط حصول قبول العمل الصالح والتجاوز عن السيئ والله أعلم‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد‏:‏ إمامة الأعمى، وإخبار المرء عن نفسه بما فيه من عاهة ولا يكون من الشكوى، وأنه كان في المدينة مساجد للجماعة سوى مسجده صلى الله عليه وسلم والتخلف عن الجماعة في المطر والظلمة ونحو ذلك، واتخاذ موضع معين للصلاة‏.‏
وأما النهي عن إيطان موضع معين من المسجد ففيه حديث رواه أبو داود، وهو محمول على ما إذا استلزم رياء ونحوه‏.‏
وفيه تسوية الصفوف وأن عموم النهي عن إمامة الزائر من زاره مخصوص بما إذا كان الزائر هو الإمام الأعظم فلا يكره، وكذا من أذن له صاحب المنزل‏.‏
وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو وطئها، ويستفاد منه أن من دعي من الصالحين ليتبرك به أنه يجيب إذا أمن الفتنة‏.‏
ويحتمل أن يكون عتبان إنما طلب بذلك الوقوف على جهة القبلة بالقطع، وفيه إجابة الفاضل دعوة المفضول، والتبرك بالمشيئة والوفاء بالوعد، واستصحاب الزائر بعض أصحابه إذا علم أن المستدعي لا يكره ذلك، والاستئذان على الداعي في بيته وإن تقدم منه طلب الحضور، وأن اتخاذ مكان في البيت للصلاة لا يستلزم وقفيته ولو أطلق عليه اسم المسجد، وفيه اجتماع أهل المحلة على الإمام أو العالم إذا ورد منزل بعضهم ليستفيدوا منه ويتبركوا به والتنبيه على من يظن به الفساد في الدين عند الإمام على جهة النصيحة ولا يعد ذلك غيبة، وأن على الإمام أن يتثبت في ذلك ويحمل الأمر فيه على الوجه الجميل، وفيه افتقاد من غاب عن الجماعة بلا عذر، وأنه لا يكفي في الإيمان النطق من غير اعتقاد، وأنه لا يخلد في النار من مات على التوحيد وترجم عليه البخاري غير ترجمة الباب والذي قبله الرخصة في الصلاة في الرحال عند المطر وصلاة النوافل جماعة وسلام المأموم حين يسلم الإمام وأن رد السلام على الإمام لا يجب، وأن الإمام إذا زار قوما أمهم، وشهود عتبان بدرا وأكل الخزيرة، وأن العمل الذي يبتغى به وجه الله تعالى ينجي صاحبه إذا قبله الله تعالى، وأن من نسب من يظهر الإسلام إلى النفاق ونحوه بقرينة تقوم عنده لا يكفر بذلك ولا يفسق بل يعذر بالتأويل‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:35 PM   #199
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب التَّيَمُّنِ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى فَإِذَا خَرَجَ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التيمن‏)‏ أي البداءة باليمين ‏(‏في دخول المسجد وغيره‏)‏ بالخفض عطفا على الدخول، ويجوز أن يعطف على المسجد لكن الأول أفيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر‏)‏ أي في دخول المسجد، ولم أره موصولا عنه، لكن في المستدرك للحاكم من طريق معاوية بن قرة عن أنس أنه كان يقول ‏"‏ من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى ‏"‏ والصحيح أن قول الصحابي ‏"‏ من السنة كذا ‏"‏ محمول على الرفع، لكن لما لم يكن حديث أنس على شرط المصنف أشار إليه بأثر ابن عمر، وعموم حديث عائشة يدل على البداءة باليمين في الخروج من المسجد أيضا، ويحتمل أن يقال‏:‏ في قولها ‏"‏ ما استطاع ‏"‏ احتراز عما لا يستطاع فيه التيمن شرعا كدخول الخلاء والخروج من المسجد، وكذا تعاطي الأشياء المستقذرة باليمين كالاستنجاء والتمخط‏.‏
وعلمت عائشة رضي الله عنها حبه صلى الله عليه وسلم لما ذكرت إما بإخباره لها بذلك، وإما بالقرائن‏.‏
وقد تقدمت بقية مباحث حديثها هذا في ‏"‏ باب التيمن في الوضوء والغسل‏"‏‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الْجَاهِلِيَّةِ وَيُتَّخَذُ مَكَانُهَا مَسَاجِدَ
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ وَمَا يُكْرَهُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْقُبُورِ وَرَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ الْقَبْرَ الْقَبْرَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية‏)‏ أي دون غيرها من قبور الأنبياء وأتباعهم لما في ذلك من الإهانة لهم، بخلاف المشركين فإنهم لا حرمة لهم‏.‏
وأما قوله ‏"‏ لقول النبي صلى الله عليه وسلم الخ ‏"‏ فوجه التعليل أن الوعيد على ذلك يتناول من اتخذ قبورهم مساجد تعظيما ومغالاة كما صنع أهل الجاهلية وجرهم ذلك إلى عبادتهم، ويتناول من اتخذ أمكنة قبورهم مساجد بأن تنبش وترمى عظامهم، فهذا يختص بالأنبياء ويلتحق بهم أتباعهم، وأما الكفرة فإنه لا حرج في نبش قبورهم، إذ لا حرج في إهانتهم‏.‏
ولا يلزم من اتخاذ المساجد في أمكنتها تعظيم، فعرف بذلك أن لا تعارض بين فعله صلى الله عليه وسلم في نبش قبور المشركين واتخاذ مسجده مكانها وبين لعنه صلى الله عليه وسلم من اتخذ قبور الأنبياء مساجد لما تبين من الفرق، والمتن الذي أشار إليه وصله في باب الوفاة في أواخر المغازي من طريق هلال عن عروة عن عائشة بهذا اللفظ وفيه قصة، ووصله في الجنائز من طريق أخرى عن هلال وزاد فيه ‏"‏ والنصارى‏"‏، وذكره في عدة مواضع من طريق أخرى بالزيادة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وما يكره من الصلاة في القبور‏)‏ يتناول ما إذا وقعت الصلاة على القبر أو إلى القبر أو بين القبرين‏.‏
وفي ذلك حديث رواه مسلم من طريق أبي مرثد الغنوي مرفوعا ‏"‏ لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها أو عليها‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ وليس هو على شرط البخاري فأشار إليه في الترجمة، وأورد معه أثر عمر الدال على أن النهي عن ذلك لا يقتضي فساد الصلاة، والأثر المذكور عن عمر رويناه موصولا في كتاب الصلاة لأبي نعيم شيخ البخاري ولفظه ‏"‏ بينما أنس يصلي إلى قبر ناداه عمر‏:‏ القبر القبر، فظن أنه يعني القمر، فلما رأى أنه يعني القبر جاز القبر وصلى ‏"‏ وله طرق أخرى بينتها في ‏"‏ تعليق التعليق ‏"‏ منها من طريق حميد عن أنس نحوه وزاد فيه ‏"‏ فقال بعض من يليني إنما يعني القبر فتنحيت عنه ‏"‏ وقوله ‏"‏ القبر القبر ‏"‏ بالنصب فيهما على التحذير‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏ولم يأمره بالإعادة‏)‏ استنبطه من تمادي أنس على الصلاة، ولو كان ذلك يقتضي فسادها لقطعها واستأنف‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى‏)‏ و القطان ‏(‏عن هشام‏)‏ هو ابن عروة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عائشة‏)‏ في رواية الإسماعيلي من هذا الوجه ‏"‏ أخبرتني عائشة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أم حبيبة‏)‏ أي رملة بنت أبي سفيان الأموية ‏(‏وأم سلمة‏)‏ أي هند بنت أبي أمية المخزومية وهما من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكانتا ممن هاجر إلى الحبشة كما سيأتي في موضعه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذكرتا‏)‏ كذا لأكثر الرواة، وللمستملي والحموي ‏"‏ ذكرا ‏"‏ بالتذكير وهو مشكل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رأينها‏)‏ أي هما ومن كان معهما، وللكشميهني والأصيلي ‏"‏ رأتاها ‏"‏ وسيأتي للمصنف قريبا في ‏"‏ باب الصلاة في البيعة ‏"‏ من طريق عبدة عن هشام أن تلك الكنيسة كانت تسمى مارية بكسر الراء وتخفيف الياء التحتانية، وله في الجنائز من طريق مالك عن هشام نحوه، وزاد في أوله ‏"‏ لما اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ومن طريق هلال عن عروة بلفظ ‏"‏ قال في مرضه الذي مات فيه ‏"‏ ولمسلم من حديث جندب أنه صلى الله عليه وسلم قال نحو ذلك قبل أن يتوفى بخمس وزاد فيه ‏"‏ فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
وفائدة التنصيص على زمن النهي الإشارة إلى أنه من الأمر المحكم الذي لم ينسخ لكونه صدر في آخر حياته صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن أولئك‏)‏ بكسر الكاف ويجوز فتحها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فمات‏)‏ عطف على قوله ‏"‏ كان ‏"‏ وقوله ‏"‏ بنوا ‏"‏ جواب ‏"‏ إذا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وصوروا فيه تلك الصور‏)‏ وللمستملي ‏"‏ تيك الصور ‏"‏ بالياء التحتانية بدل اللام، وفي الكاف فيها وفي أولئك ما في أولئك الماضية، وإنما فعل ذلك أوائلهم ليتأنسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم، ثم خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافكم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك‏.‏
وفي الحديث دليل على تحريم التصوير، وحمل بعضهم الوعيد على من كان في ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان، وأما الآن فلا‏.‏
وقد أطنب ابن دقيق العيد في رد ذلك كما سيأتي في كتاب اللباس‏.‏
وقال البيضاوي‏:‏ لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثانا لعنهم ومنع المسلمين عن مثل ذلك، فأما من اتخذ مسجدا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد وفي الحديث جواز حكاية ما يشاهده المؤمن من العجائب، ووجوب بيان حكم ذلك على العالم به، وذم فاعل المحرمات، وأن الاعتبار في الأحكام بالشرع لا بالعقل‏.‏
وفيه كراهية الصلاة في المقابر سواء كانت بجنب القبر أو عليه أو إليه، وسيأتي بيان ذلك قريبا، ويأتي حديث أنس في بناء المسجد مبسوطا في كتاب الهجرة، وإسناده كلهم بصريون‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا قَالُوا لَا وَاللَّهِ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ فَقَالَ أَنَسٌ فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ وَفِيهِ خَرِبٌ وَفِيهِ نَخْلٌ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ
الشرح‏:‏
قوله فيه ‏"‏ فأقام فيهم أربعا وعشرين ‏"‏ كذا للمستملي والحموي، وللباقين ‏"‏ أربع عشرة ‏"‏ وهو الصواب من هذا الوجه، وكذا رواه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري وفيه ‏"‏ وقد اختلف فيه أهل السير ‏"‏ كما سيأتي‏.‏
وقوله ‏"‏وأرسل إلى بني النجار ‏"‏ هم أخوال عبد المطلب لأن أمه سلمى منهم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم النزول عندهم لما تحول من قباء، والنجار بطن من الخزرج واسمه تيم اللات ابن ثعلبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏متقلدين السيوف‏)‏ منصوب على الحال‏.‏
وفي رواية كريمة ‏"‏ متقلدي السيوف ‏"‏ بحذف النون، والسيوف مجرورة بالإضافة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأبو بكر ردفه‏)‏ كأن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه تشريفا له وتنويها بقدره، وإلا فقد كان لأبي بكر ناقة هاجر عليها كما سيأتي بيانه في الهجرة‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏وملأ بني النجار حوله‏)‏ أي جماعتهم، وكأنهم مشوا معه أدبا‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏حتى ألقى‏)‏ أي ألقى رحله، والفناء الناحية المتسعة أمام الدار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنه أمر‏)‏ الفتح على البناء للفاعل، وقيل روي بالضم على البناء للمفعول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثامنوني‏)‏ بالمثلثة‏:‏ اذكروا لي ثمنه لأذكر لكم الثمن الذي اختاره، قال ذلك على سبيل المساومة، فكأنه قال ساوموني في الثمن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا نطلب ثمنه إلا إلى الله‏)‏ تقديره لا نطلب الثمن، لكن الأمر فيه إلى الله، أو ‏"‏ إلى ‏"‏ بمعنى من، وكذا عند الإسماعيلي ‏"‏ لا نطلب ثمنه إلا من الله ‏"‏ وزاد ابن ماجه ‏"‏ أبدا‏"‏‏.‏
وظاهر الحديث أنهم لم يأخذوا منه ثمنا‏.‏
وخالف في ذلك أهل السير كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكان فيه‏)‏ أي في الحائط الذي بني في مكانه المسجد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وفيه خرب‏)‏ قال ابن الجوزي‏:‏ المعروف فيه فتح الخاء المعجمة وكسر الراء بعدها موحدة جمع خربة ككلم وكلمة‏.‏
قلت‏:‏ وكذا ضبط في سنن أبي داود، وحكى الخطابي أيضا كسر أوله وفتح ثانيه جمع خربة كعنب وعنبة، وللكشميهني ‏"‏ حرث ‏"‏ بفتح الحاء المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة، وقد بين أبو داود أن رواية عبد الوارث بالمعجمة والموحدة ورواية حماد بن سلمة عن أبي التياح بالمهملة والمثلثة، فعلى هذا فرواية الكشميهني وهم، لأن البخاري إنما أخرجه من رواية عبد الوارث، وذكر الخطابي فيه ضبطا آخر، وفيه بحث سيأتي مع بقية ما فيه في كتاب الهجرة إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله في آخره ‏(‏فاغفر للأنصار‏)‏ كذا للأكثر، وللمستملي والحموي ‏"‏ فاغفر الأنصار ‏"‏ بحذف اللام، ويوجه بأنه ضمن اغفر معنى استر، وقد رواه أبو داود عن مسدد بلفظ ‏"‏ فانصر الأنصار‏"‏‏.‏
وفي الحديث جواز التصرف في المقبرة المملوكة بالهبة والبيع، وجواز نبش القبور الدارسة إذا لم تكن محترمة، وجواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها وإخراج ما فيها، وجواز بناء المساجد في أماكنها، قيل وفيه جواز قطع الأشجار المثمرة للحاجة أخذا من قوله ‏"‏ وأمر بالنخل فقطع ‏"‏ وفيه نظر لاحتمال أن يكون ذلك مما لا يثمر إما بأن يكون ذكورا وإما أن يكون طرأ عليه ما قطع ثمرته‏.‏
وسيأتي صفة هيئة بناء المسجد من حديث ابن عمر وغيره قريبا‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-27-2013, 12:36 PM   #200
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في مرابض الغنم‏)‏ أي أماكنها، وهو بالموحدة والضاد المعجمة جمع مربض بكسر الميم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ ثُمَّ سَمِعْتُهُ بَعْدُ يَقُولُ كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ
الشرح‏:‏
حديث أنس طرف من الحديث الذي قبله، لكن بين هناك أنه كان يحب الصلاة حيث أدركته - أي حيث دخل وقتها - سواء كان في مرابض الغنم أو غيرها، وبين هناك أن ذلك كان قبل أن يبنى المسجد، ثم بعد بناء المسجد صار لا يحب الصلاة في غيره إلا لضرورة‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ هذا الحديث حجة على الشافعي في قوله بنجاسة أبوال الغنم وأبعارها، لأن مرابض الغنم لا تسلم من ذلك‏.‏
وتعقب بأن الأصل الطهارة وعدم السلامة منها غالب، وإذا تعارض الأصل والغالب قدم الأصل‏.‏
وقد تقدم مزيد بحث فيه في كتاب الطهارة في باب أبوال الإبل‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ القائل ‏"‏ ثم سمعته بعد يقول ‏"‏ هو شعبة يعني أنه سمع شيخه يزيد فيه القيد المذكور بعد أن سمعه منه بدونه، ومفهوم الزيادة أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في مرابض الغنم بعد بناء المسجد، لكن قد ثبت إذنه في ذلك كما تقدم في كتاب الطهارة‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ فِي مَوَاضِعِ الْإِبِلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في مواضع الإبل‏)‏ كأنه يشير إلى أن الأحاديث الواردة في التفرقة بين الإبل والغنم ليست على شرطه، لكن لها طرق قوية‏:‏ منها حديث جابر بن سمرة عند مسلم، وحديث البراء بن عازب عند أبي داود، وحديث أبي هريرة عند الترمذي، وحديث عبد الله بن مغفل عند النسائي، وحديث سبرة بن معبد عن ابن ماجه، وفي معظمها التعبير ‏"‏ بمعاطن الإبل‏"‏‏.‏
ووقع في حديث جابر بن سمرة والبراء ‏"‏ مبارك الإبل‏"‏، ومثله في حديث سليك عند الطبراني، وفي حديث سبرة وكذا في حديث أبي هريرة عند الترمذي ‏"‏ أعطان الإبل ‏"‏ وفي حديث أسيد بن حضير عند الطبراني ‏"‏ مناخ الإبل ‏"‏ وفي حديث عبد الله ابن عمرو عند أحمد ‏"‏ مرابد الإبل‏"‏، فعبر المصنف بالمواضع لأنها أشمل، والمعاطن أخص من المواضع لأن المعاطن مواضع إقامتها عند الماء خاصة‏.‏
وقد ذهب بعضهم إلى أن النهي خاص بالمعاطن دون غيرها من الأماكن التي تكون فيها الإبل، وقيل هو مأواها مطلقا نقله صاحب المغني عن أحمد، وقد نازع الإسماعيلي المصنف في استدلاله بحديث ابن عمر المذكور بأنه لا يلزم من الصلاة إلى البعير وجعله سترة عدم كراهية الصلاة في مبركه، وأجيب بأن مراده الإشارة إلى ما ذكر من علة النهي عن ذلك وهي كونها من الشياطين كما في حديث عبد الله بن مغفل فإنها خلقت من الشياطين، ونحوه في حديث البراء، كأنه يقول‏:‏ لو كان ذلك مانعا من صحة الصلاة لامتنع مثله في جعلها أمام المصلي، وكذلك صلاة راكبها، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي النافلة وهو على بعيره كما سيأتي في أبواب الوتر، وفرق بعضهم بين الواحد منها وبين كونها مجتمعة لما طبعت عليه من النفار المفضي إلى تشويش قلب المصلي، بخلاف الصلاة على المركوب منها أو إلى جهة واحد معقول، وسيأتي بقية الكلام على حديث ابن عمر في أبواب سترة المصلي إن شاء الله تعالى‏.‏
وقيل علة النهي في التفرقة بين الإبل والغنم بأن عادة أصحاب الإبل التغوط بقربها فتنجس أعطانها وعادة أصحاب الغنم تركه، حكاه الطحاوي عن شريك واستبعده، وغلط أيضا من قال إن ذلك بسبب ما يكون في معاطنها من أبوالها وأرواثها لأن مرابض الغنم تشركها في ذلك‏.‏
وقال‏:‏ إن النظر يقتضي عدم التفرقة بين الإبل والغنم في الصلاة وغيرها كما هو مذهب أصحابه‏.‏
وتعقب بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة المصرحة بالتفرقة فهو قياس فاسد الاعتبار، وإذا ثبت الخبر بطلت معارضته بالقياس اتفاقا، لكن جمع بعض الأئمة بين عموم قوله ‏"‏ جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ‏"‏ وبين أحاديث الباب بحملها على كراهة التنزيه وهذا أولى‏.‏
والله أعلم‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ وقع في مسند أحمد من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم ولا يصلي في مرابض الإبل والبقر، وسنده ضعيف، فلو ثبت لأفاد أن حكم البقر حكم الإبل، بخلاف ما ذكره ابن المنذر أن البقر في ذلك كالغنم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ صَلَّى وَقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أَوْ نَارٌ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يُعْبَدُ فَأَرَادَ بِهِ اللَّهَ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ وَأَنَا أُصَلِّي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى وقدامه تنور‏)‏ النصب على الظرف، ‏(‏التنور‏)‏ بفتح المثناة وتشديد النون المضمومة‏:‏ ما توقد فيه النار للخبز وغيره، وهو في الأكثر يكون حفيرة في الأرض، وربما كان على وجه الأرض، ووهم من خصه بالأول‏.‏
قيل هو معرب، وقيل هو عربي توافقت عليه الألسنة، وإنما خصه بالذكر مع كونه ذكر النار بعده اهتماما به لأن عبدة النار من المجوس لا يعبدونها إلا إذا كانت متوقدة بالجمر كالتي في التنور، وأشار به إلى ما ورد عن ابن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور وقال‏:‏ هو بيت نار، أخرجه ابن أبي شيبة‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏أو شيء‏)‏ من العام بعد الخاص، فتدخل فيه الشمس مثلا والأصنام والتماثيل، والمراد أن يكون ذلك بين المصلي وبين القبلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الزهري‏)‏ هو طرف من حديث طويل يأتي موصولا في ‏"‏ باب وقت الظهر ‏"‏ وقد تقدم طرف منه في كتاب العلم وسيأتي باللفظ الذي ذكره هنا في كتاب التوحيد، وحديث ابن عباس يأتي الكلام عليه بتمامه في صلاة الكسوف، فقد ذكره بتمامه هناك بهذا الإسناد، وتقدم أيضا طرف منه في كتاب الإيمان، وقد نازعه الإسماعيلي في الترجمة فقال‏:‏ ليس ما أرى الله نبيه من النار بمنزلة نار معبودة لقوم يتوجه المصلي إليها‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ لا حجة فيه على الترجمة لأنه لم يفعل ذلك مختارا، وإنما عرض عليه ذلك للمعنى الذي أراده الله من تنبيه العباد‏.‏
وتعقب بأن الاختيار وعدمه في ذلك سواء منه، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل، فدل على أن مثله جائز‏.‏
وتفرقة الإسماعيلي بين القصد وعدمه وإن كانت ظاهرة لكن الجامع بين الترجمة والحديث وجود نار بين المصلي وبين قبلته في الجملة‏.‏
وأحسن من هذا عندي أن يقال‏:‏ لم يفصح المصنف في الترجمة بكراهة ولا غيرها، فيحتمل أن يكون مراده التفرقة بين من بقي ذلك بينه وبين قبلته وهو قادر على إزالته أو انحرافه عنه، وبين من لا يقدر على ذلك فلا يكره في حق الثاني، وهو المطابق لحديثي الباب، ويكره في حق الأول كما سيأتي التصريح بذلك عن ابن عباس في التماثيل، وكما روى ابن أبي شيبة عن ابن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور أو إلى بيت نار، ونازعه أيضا من المتأخرين القاضي السروجي في شرح الهداية فقال‏:‏ لا دلالة في هذا الحديث على عدم الكراهة لأنه صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ أريت النار ‏"‏ ولا يلزم أن تكون أمامه متوجها إليها، بل يجوز أن تكون عن يمينه أو عن يساره أو غير ذلك‏.‏
قال‏:‏ ويحتمل أن يكون ذلك وقع له قبل شروعه في الصلاة‏.‏
انتهى‏.‏
وكأن البخاري رحمه الله كوشف بهذا الاعتراض فعجل بالجواب عنه حيث صدر الباب بالمعلق عن أنس، ففيه ‏"‏ عرضت على النار وأنا أصلي ‏"‏ وأما كونه رآها أمامه فسياق حديث ابن عباس يقتضيه، ففيه أنهم قالوا له بعد أن انصرف ‏"‏ يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت ‏"‏ أي تأخرت إلى خلف، وفي جوابه أن ذلك بسبب كونه أري النار‏.‏
وفي حديث أنس المعلق هنا عنده في كتاب التوحيد موصولا ‏"‏ لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي ‏"‏ وهذا يدفع جواب من فرق بين القريب من المصلي والبعيد‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقَابِرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كراهية الصلاة في المقابر‏)‏ استنبط من قوله في الحديث ‏"‏ ولا تتخذوها قبورا ‏"‏ أن القبور ليست بمحل للعبادة فتكون الصلاة فيها مكروهة، وكأنه أشار إلى أن ما رواه أبو داود والترمذي في ذلك ليس على شرطه، وهو حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا ‏"‏ الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ‏"‏ رجاله ثقات، لكن اختلف في وصله وإرساله، وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وابن حبان‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من صلاتكم‏)‏ قال القرطبي ‏"‏ من ‏"‏ للتبعيض، والمراد النوافل بدليل ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعا ‏"‏ إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته‏"‏، قلت‏:‏ وليس فيه ما ينفي الاحتمال‏.‏
وقد حكى عياض عن بعضهم أن معناه‏:‏ اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهن‏.‏
وهذا وإن كان محتملا لكن الأول هو الراجح‏.‏
وقد بالغ الشيخ محيي الدين فقال‏:‏ لا يجوز حمله على الفريضة، وقد نازع الإسماعيلي المصنف أيضا في هذه الترجمة فقال‏:‏ الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر‏.‏
قلت‏:‏ قد ورد بلفظ ‏"‏ المقابر ‏"‏ كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ ‏"‏ لا تجعلوا بيوتكم مقابر ‏"‏ وقال ابن التين‏:‏ تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر، وتأوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت إذ الموتى لا يصلون، كأنه قال‏:‏ ‏"‏ لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم، وهي القبور‏"‏‏.‏
قال‏:‏ فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك‏.‏
قلت‏:‏ إن أراد أنه لا يؤخذ منه بطريق المنطوق فمسلم، وإن أراد نفي ذلك مطلقا فلا، فقد قدمنا وجه استنباطه‏.‏
وقال في النهاية تبعا للمطالع‏:‏ إن تأويل البخاري مرجوح، والأولى قول من قال‏:‏ معناه إن الميت لا يصلى في قبره‏.‏
وقد نقل ابن المنذر عن أكثر أهل العلم أنهم استدلوا بهذا الحديث على أن المقبرة ليست بموضع الصلاة، وكذا قال البغوي في شرح السنة والخطابي‏.‏
وقال أيضا‏:‏ يحتمل أن المراد لا تجعلوا بيوتكم وطنا للنوم فقط لا تصلون فيها فإن النوم أخو الموت والميت لا يصلي‏.‏
وقال التوربشتي‏:‏ حاصل ما يحتمله أربعة معان، فذكر الثلاثة الماضية ورابعها‏:‏ يحتمل أن يكون المراد أن من لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر‏.‏
قلت‏:‏ ويؤيده ما رواه مسلم ‏"‏ مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت‏"‏‏.‏
قال الخطابي‏:‏ وأما من تأوله على النهي عن دفن الموتى في البيوت فليس بشيء، فقد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته الذي كان يسكنه أيام حياته، قلت‏:‏ ما ادعى أنه تأويل هو ظاهر لفظ الحديث ولا سيما أن جعل النهي حكما منفصلا عن الأمر‏.‏
وما استدل به على رده تعقبه الكرماني فقال‏:‏ لعل ذلك من خصائصه‏.‏
وقد روي أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون‏.‏
قلت‏:‏ هذا الحديث رواه ابن ماجه مع حديث ابن عباس عن أبي بكر مرفوعا ‏"‏ ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض ‏"‏ وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف، وله طريق أخرى مرسلة ذكرها البيهقي في الدلائل، وروى الترمذي في الشمائل والنسائي في الكبرى من طريق سالم بن عبيد الأشجعي الصحابي عن أبي بكر الصديق أنه قيل له ‏"‏ فأين يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ في المكان الذي قبض الله فيه روحه، فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب ‏"‏ إسناده صحيح لكنه موقوف‏.‏
والذي قبله أصرح في المقصود‏.‏
وإذا حمل دفنه في بيته على الاختصاص لم يبعد نهي غيره عن ذلك، بل هو متجه، لأن استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر فتصير الصلاة فيها مكروهة، ولفظ حديث أبي هريرة عند مسلم أصرح من حديث الباب وهو قوله ‏"‏ لا تجعلوا بيوتكم مقابر ‏"‏ فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقا‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
كاتب الموضوع حسن الخليفه احمد مشاركات 538 المشاهدات 70132  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:22 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
::×:: هذا المُنتدى لا يمثل الموقع الرسمي للطريقة الختمية بل هُو تجمُّع فكري وثقافي لشباب الختمية::×::

تصميم: صبري طه