القبول يا رب - شباب الطريقة الختمية بدائرة ود ابراهيم بأم بدة

مجموعة مدائح ختمية.. شباب الطريقة الختمية بمسجد السيد علي الميرغني ببحري


غير مسجل أهلاً ومرحباً بكم

العودة   منتديات الختمية > الأقسام العامة > مكتبة الميرغني الإليكترونية

مكتبة الميرغني الإليكترونية خاصة بجميع مؤلفات السادة المراغنة

فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه

مكتبة الميرغني الإليكترونية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-21-2013, 04:06 PM   #22
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب لَا يَحِلُّ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ
وَقَالَ أَبُو شُرَيْحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْفِكُ بِهَا دَمًا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏باب لا يحل القتال بمكة‏)‏ هكذا ترجم بلفظ القتال، وهو الواقع في حديث الباب، ووقع عند مسلم في رواية كذلك، وفي أخرى بلفظ ‏"‏ القتل ‏"‏ بدل القتال، وللعلماء في كل منهما اختلاف سنذكره‏.‏
قوله ‏(‏وقال أبو شريح الخ‏)‏ تقدم موصولا قبل باب، ووجه الاستدلال به لتحريم القتال من جهة أن القتال يفضي إلى القتل، فقد ورد تحريم سفك الدم بها بلفظ النكرة في سياق النفي فيعم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا قَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ قَالَ قَالَ إِلَّا الْإِذْخِرَ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏عن مجاهد عن طاوس‏)‏ كذا رواه منصور موصولا، وخالفه الأعمش فرواه عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أخرجه سعيد بن منصور عن أبي معاوية عنه، وأخرجه أيضا عن سفيان عن داود بن شابور عن مجاهد مرسلا، ومنصور ثقة حافظ فالحكم لوصله‏.‏
قوله ‏(‏يوم افتتح مكة‏)‏ هو ظرف للقول المذكور‏.‏
قوله ‏(‏لا هجرة‏)‏ أي بعد الفتح، وأفصح بذلك في رواية علي بن المديني عن جرير في كتاب الجهاد قوله ‏(‏ولكن جهاد ونية‏)‏ المعنى أن وجوب الهجرة من مكة انقطع بفتحها إذ صارت دار إسلام، ولكن بقي وجوب الجهاد على حاله عند الاحتياج إليه، وفسره بقوله‏:‏ ‏(‏فإذا استنفرتم فانفروا‏)‏ أي إذا دعيتم إلى الغزو فأجيبوا‏.‏
قال الطيبي‏:‏ قوله ‏"‏ ولكن جهاد ‏"‏ عطف على مدخول ‏"‏ لا هجرة ‏"‏ أي الهجرة إما فرارا من الكفار وإما إلى الجهاد وإما إلى نحو طلب العلم، وقد انقطعت الأولى فاغتنموا الأخيرتين، وتضمن الحديث بشارة من النبي صلى الله عليه وسلم بأن مكة تستمر دار إسلام، وسيأتي البحث في ذلك مستوفي في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن هذا بلد حرم‏)‏ الفاء جواب بشرط محذوف تقديره إذا علمتم ذلك فاعلموا أن هذا بلد حرام، وكأن وجه المناسبة أنه لما كان نصب القتال عليه حراما كان التنفير يقع منه لا إليه، ولما روى مسلم هذا الحديث عن إسحاق عن جرير فصل الكلام الأول من الثاني بقوله ‏"‏ وقال يوم الفتح إن الله حرم الخ ‏"‏ فجعله حديثا آخر مستقلا، وهو مقتضى صنيع من اقتصر على الكلام الأول كعلي بن المديني عن جرير كما سيأتي في الجهاد‏.‏
قوله ‏(‏حرمه الله‏)‏ سبق مشروحا في حديث أبي شريح، ووقع في رواية غير الكشميهني ‏"‏ حرم الله ‏"‏ بحذف الهاء‏.‏
قوله ‏(‏وهو حرام بحرمة الله‏)‏ أي بتحريمه، وقيل الحرمة الحق أى حرام بالحق المانع من تحليله، واستدل به على تحريم القتل والقتال بالحرم، فأما القتل فنقل بعضهم الاتفاق على جواز إقامة حد القتل فيها على من أوقعه فيها، وخص الخلاف بمن قتل في الحل ثم لجأ إلى الحرم، وممن نقل الإجماع على ذلك ابن الجوزي، واحتج بعضهم بقتل ابن خطل بها، ولا حجة فيه لأن ذلك كان في الوقت الذي أحلت فيه للنبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم، وزعم ابن حزم أن مقتضى قول ابن عمر وابن عباس وغيرهما أنه لا يجوز القتل فيها مطلقا، ونقل التفصيل عن مجاهد وعطاء‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يقتل في الحرم حتى يخرج إلى الحل باختياره، لكن لا يجالس ولا يكلم، ويوعظ ويذكر حتى يخرج‏.‏
وقال أبو يوسف‏:‏ يخرج مضطرا إلى الحل، وفعله ابن الزبير، وروى ابن أبي شيبة من طريق طاوس عن ابن عباس ‏"‏ من أصاب حدا ثم دخل الحرم لم يجالس ولم يبايع ‏"‏ وعن مالك والشافعي‏:‏ يجوز إقامة الحد مطلقا فيها، لأن العاصي هتك حرمة نفسه فأبطل ما جعل الله له من الأمن، وأما القتال فقال الماوردي‏:‏ من خصائص مكة أن لا يحارب أهلها، فلو بغوا على أهل العدل فإن أمكن ردهم بغير قتال لم يجز، وإن لم يمكن إلا بالقتال فقال الجمهور يقاتلون لأن قتال البغاة من حقوق الله تعالى فلا يجوز إضاعتها‏.‏
وقال آخرون‏:‏ لا يجوز قتالهم بل يضيق عليهم إلى أن يرجعوا إلى الطاعة‏.‏
قال النووي‏:‏ والأول نص عليه الشافعي، وأجاب أصحابه عن الحديث بحمله على تحريم نصب القتال بما يعم أذاه كالمنجنيق، بخلاف ما لو تحصن الكفار في بلد فإنه يجوز قتالهم على كل وجه‏.‏
وعن الشافعي قول آخر بالتحريم اختاره القفال وجزم به في ‏"‏ شرح التلخيص ‏"‏ وقال به جماعة من علماء الشافعية والمالكية‏.‏
قال الطبري‏:‏ من أتي حدا في الحل واستجار بالحرم فللإمام إلجاؤه إلى الخروج منه، وليس للإمام أن ينصب عليه الحرب بل يحاصره ويضيق عليه حتى يذعن للطاعة، لقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ‏"‏ فعلم أنها لا تحل لأحد بعده بالمعنى الذي حلت له به وهو محاربة أهلها والقتل فيها‏.‏
ومال ابن العربي إلى هذا‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ قد أكد النبي التحريم بقوله ‏"‏ حرمه الله ‏"‏ ثم قال ‏"‏ فهو حرام بحرمة الله ‏"‏ ثم قال ‏"‏ ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ‏"‏ وكان إذا أراد التأكيد ذكر الشيء ثلاثا‏.‏
قال فهذا نص لا يحتمل التأويل‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ ظاهر الحديث يقتضي تخصيصه صلى الله عليه وسلم بالقتال لاعتذاره عما أبيح له من ذلك مع أن أهل مكة كانوا إذ ذاك مستحقين للقتال والقتل لصدهم عن المسجد الحرام وإخراجهم أهله منه وكفرهم، وهذا الذي فهمه أبو شريح كما تقدم‏.‏
وقال به غير واحد من أهل العلم‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ يتأكد القول بالتحريم بأن الحديث دال على أن المأذون للنبي صلى الله عليه وسلم فيه لم يؤذن لغيره فيه، والذي وقع له إنما هو مطلق القتال لا القتال الخاص بما يعم كالمنجنيق فكيف يسوغ التأويل المذكور‏؟‏ وأيضا فسياق الحديث يدل على أن التحريم لإظهار حرمة البقعة بتحريم سفك الدماء فيها، وذلك لا يختص بما يستأصل، واستدل به على اشتراط الإحرام على من دخل الحرم‏.‏
قال القرطبي‏:‏ معنى قوله حرمه الله أي يحرم على غير المحرم دخوله حتى يحرم، ويجرى هذا مجرى قوله تعالى ‏(‏حرمت عليكم أمهاتكم‏)‏ أي وطؤهن، و ‏(‏حرمت عليكم الميتة‏)‏ أي أكلها، فعرف الاستعمال يدل على تعيين المحذوف‏.‏
قال‏:‏ وقد دل على صحة هذا المعنى اعتذاره عن دخوله مكة غير محرم مقاتلا بقوله ‏"‏ لم تحل لي إلا ساعة من نهار ‏"‏ الحديث‏.‏
قال‏:‏ وبهذا أخذ مالك والشافعي في أحد قوليهما ومن تبعهما في ذلك فقالوا‏:‏ لا يجوز لأحد أن يدخل مكة إلا محرما، إلا إذا كان ممن يكتر التكرار‏.‏
قلت‏:‏ وسيأتي بسط القول في ذلك بعد سبعة أبواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنه لا يحل القتال‏)‏ الهاء في ‏"‏ أنه ‏"‏ ضمير الشأن، ووقع في رواية الكشميهني ‏"‏ لم يحل ‏"‏ بلفظ ‏"‏ لم ‏"‏ بدل ‏"‏ لا ‏"‏ وهي أشبه لقوله قبلي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يعضد شوكه‏)‏ تقدم البحث فيه في حديث أبي شريح‏.‏
قوله ‏(‏ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها‏)‏ سيأتي البحث فيه في كتاب اللقطة إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله ‏(‏ولا يختلي خلاها‏)‏ بالخاء المعجمة، والخلا مقصور، وذكر ابن التين أنه وقع في رواية القابسي بالمد وهو الرطب من النبات واختلاؤه قطعه واحتشاشه، واستدل به على تحريم رعيه لكونه أشد من الاحتشاش، وبه قال مالك والكوفيون واختاره الطبري‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ لا بأس بالرعي لمصلحة البهائم وهو عمل الناس، بخلاف الاحتشاش فإنه المنهي عنه فلا يتعدى ذلك إلى غيره‏.‏
وفي تخصيص التحريم بالرطب إشارة إلى جواز رعي اليابس واختلائه، وهو أصح الوجهين للشافعية لأن النبت اليابس كالصيد الميت‏.‏
قال ابن قدامة‏:‏ لكن في استثناء الإذخر إشارة إلى تحريم اليابس من الحشيش، ويدل عليه أن في بعض طرق حديث أبى هريرة ‏"‏ ولا يحتش حشيشها ‏"‏ قال وأجمعوا على إباحة أخذ ما استنبته الناس في الحرم من بقل وزرع ومشموم فلا بأس برعيه واختلائه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال العباس‏)‏ أي ابن عبد المطلب كما وقع مبينا في المغازي من وجه آخر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا الإذخر‏)‏ يجوز فيه الرفع والنصب، أما الرفع فعلى البدل مما قبله، وأما النصب فلكونه استثناء واقعا بعد النفي‏.‏
وقال ابن مالك‏:‏ المختار النصب لكون الاستثئناء وقع متراخيا عن المستثني منه فبعدت المشاكلة بالبدلية، ولكون الاستثناء أيضا عرض في آخر الكلام ولم يكن مقصودا‏.‏
والإذخر‏:‏ نبت معروف عند أهل مكة طيب الريح له أصل مندفن وقضبان دقاق ينبت في السهل والحزن، وبالمغرب صنف منه فيما قاله ابن البيطار، قال‏:‏ والذي بمكة أجوده، وأهل مكة يسقفون به البيوت بين الخشب ويسدون به الخلل بين اللبنات في القبور ويستعملونه بدلا من الحلفاء في الوقود، ولهذا قال العباس ‏"‏ فإنه لقينهم ‏"‏ وهو بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون أي الحداد‏.‏
وقال الطبري‏:‏ القين عند العرب كل ذي صناعة يعالجها بنفسه، ووقع في رواية المغازي ‏"‏ فإنه لا بد منه للقين والبيوت ‏"‏ وفي الرواية التي في الباب قبله ‏"‏ فإنه لصاغتنا وقبورنا ‏"‏ ووقع في مرسل مجاهد عند عمر بن شبة الجمع بين الثلاثة، ووقع عنده أيضا ‏"‏ فقال العباس‏:‏ يا رسول الله، إن أهل مكة لا صبر لهم عن الإذخر لقينهم وبيوتهم ‏"‏ وهذا يدل على أن الاستثناء في حديث الباب لم يرد به أن يستثني هو وإنما أراد به أن يلقن النبي صلى الله عليه وسلم الاستثناء، وقوله صلى الله عليه وسلم في جوابه ‏"‏ إلا الإذخر ‏"‏ هو استثناء بعض من كل لدخول الإذخر في عموم ما يختلي‏.‏
واستدل به على جواز النسخ قبل الفعل وليس بواضح، وعلى جواز الفصل بين المستثني والمستثنى منه، ومذهب الجمهور اشتراط الاتصال إما لفظا إما حكما لجواز الفصل بالتنفس مثلا، وقد اشتهر عن ابن عباس الجواز مطلقا، ويمكن أن يحتج له بظاهر هذه القصة‏.‏
وأجابوا عن ذلك بأن هذا الاستثناء في حكم المتصل لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد أن يقول إلا الإذخر فشغله العباس بكلامه فوصل كلامه بكلام نفسه فقال‏:‏ إلا الإذخر، وقد قال ابن مالك‏:‏ يجوز الفصل مع إضمار الاستثناء متصلا بالمستثني منه، واختلفوا هل كان قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إلا الإذخر ‏"‏ باجتهاد أو وحي‏؟‏ وقيل كان الله فوض له الحكم في هذه المسألة مطلقا، وقيل أوحى إليه قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء شيء من ذلك فأجب سؤاله‏.‏
وقال الطبري‏:‏ ساغ للعباس أن يستثنى الإذخر لأنه احتمل عنده أن يكون المراد بتحريم مكة تحريم القتال دون ما ذكر من تحريم الاختلاء فإنه من تحريم الرسول باجتهاده فساغ له أن يسأله استثناء الإذخر، وهذا مبني على أن الرسول كان له أن يجتهد في الأحكام، وليس ما قاله بلازم بل في تقريره صلى الله عليه وسلم للعباس على ذلك دليل على جواز تخصيص العام، وحكى ابن بطال عن المهلب أن الاستثناء هنا للضرورة كتحليل أكل الميتة عند الضرورة، وقد بين العباس ذلك بأن الإذخر لا غنى لأهل مكة عنه‏.‏
وتعقبه ابن المنير بأن الذي يباح للضرورة يشترط حصولها فيه، فلو كان الإذخر مثل الميتة لامتنع استعماله إلا فيمن تحققت ضرورته إليه، والإجماع على أنه مباح مطلقا بغير قيد الضرورة‏.‏
انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون مراد المهلب بأن أصل إباحته كانت للضرورة وسببها، لا أنه يريد أنه مقيد بها‏.‏
قال ابن المنير‏:‏ والحق أن سؤال العباس كان على معنى الضراعة، وترخيص النبي صلى الله عليه وسلم كان تبليغا عن الله إما بطريق الإلهام أو بطريق الوحي، ومن ادعى أن نزول الوحي يحتاج إلى أمد متسع فقد وهم‏.‏
وفي الحديث بيان خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكر في الحديث، وجواز مراجعة العالم في المصالح الشرعية، والمبادرة إلى ذلك في المجامع والمشاهد، وعظيم منزلة العباس عند النبي صلى الله عليه وسلم، وعنايته بأمر مكة لكونه كان بها أصله ومنشؤه، وفيه رفع وجوب الهجرة عن مكة إلى المدينة، وإبقاء حكمها من بلاد الكفر إلى يوم القيامة، وأن الجهاد يشترط أن يقصد به الإخلاص ووجوب النفير مع الأئمة‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ
وَكَوَى ابْنُ عُمَرَ ابْنَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَيَتَدَاوَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الحجامة للمحرم‏)‏ أي هل يمنع منها أو تباح له مطلقا أو للضرورة‏؟‏ والمراد في ذلك كله المحجوم لا الحاجم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكوى ابن عمر ابنه وهو محرم‏)‏ هذا الابن اسمه واقد، وصل ذلك سعيد بن منصور من طريق مجاهد قال ‏"‏ أصاب واقد بن عبد الله بن عمر برسام في الطريق وهو متوجه إلى مكة فكواه ابن عمر ‏"‏ فأبان أن ذلك كان للضرورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويتداوى ما لم يكن فيه طيب‏)‏ هذا من تتمة الترجمة، وليس في أثر ابن عمر كما ترى‏.‏
وأما قول الكرماني‏:‏ فاعل ‏"‏ يتداوى ‏"‏ إما المحرم وإما ابن عمر فكلام من لم يقف على أثر ابن عمر، وقد سبق في أوائل الحج في ‏"‏ باب الطيب عند الإحرام ‏"‏ قول ابن عباس ‏"‏ ويتداوى بما يأكل ‏"‏ وهو موافق لهذا، والجامع بين هذا وبين الحجامة عموم التداوي‏.‏
وروى الطبري من طريق الحسن قال ‏"‏ إن أصاب المحرم شجة فلا بأس بأن يأخذ ما حولها من الشعر ثم يداويها بما ليس فيه طيب‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ لَنَا عَمْرٌو أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ حَدَّثَنِي طَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال لنا عمرو أول شيء‏)‏ أي أول مرة، في رواية الحميدي عن سفيان ‏"‏ حدثنا عمرو وهو ابن دينار ‏"‏ أخرجه أبو نعيم وأبو عوانة من طريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم سمعته‏)‏ هو مقول سفيان والضمير لعمرو، وكذا قوله ‏"‏ فقلت لعله سمعه ‏"‏ وقد بين ذلك الحميدي عن سفيان فقال‏:‏ حدثنا بهذا الحديث عمرو مرتين فذكره، لكن قال‏:‏ فلا أدري أسمعه منهما أو كانت إحدى الروايتين وهما، زاد أبو عوانة‏:‏ قال سفيان‏:‏ ذكر لي أنه سمعه منهما جميعا‏.‏
وأخرجه ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عن ابن عيينة نحو رواية علي بن عبد الله وقال في آخره‏:‏ فظننت أنه رواه عنهما جميعا‏.‏
وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق سليمان بن أيوب عن سفيان قال عن عمرو عن عطاء فذكره‏.‏
قال‏:‏ ثم حدثنا عمرو عن طاوس به، فقلت لعمرو‏:‏ إنما كنت حدثتنا عن عطاء، قال‏:‏ اسكت يا صبي، لم أغلط، كلاهما حدثني‏.‏
قلت‏:‏ فإن كان هذا محفوظا فلعل سفيان تردد في كون عمرو سمعه منهما لما خشي من كون ذلك صدر منه حالة الغضب، على أنه قد حدث به فجمعهما‏.‏
قال أحمد في مسنده‏:‏ حدثنا سفيان قال‏:‏ قال عمرو أولا فحفظناه‏:‏ قال طاوس عن ابن عباس فذكره‏.‏
فقال أحمد‏:‏ وقد حدثنا به سفيان فقال‏:‏ قال عمرو عن عطاء وطاوس عن ابن عباس‏.‏
قلت‏:‏ وكذا جمعهما عن سفيان مسدد عند المصنف في الطب، وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو خيثمة وإسحاق بن راهويه عند مسلم، وقتيبة عند الترمذي والنسائي‏.‏
وتابع سفيان على روايته له عن عمرو لكن عن طاوس وحده زكريا بن إسحاق، أخرجه أحمد وأبو عوانة وابن خزيمة والحاكم، وله أصل عن عطاء أيضا، أخرجه أحمد والنسائي من طريق الليث عن أبي الزبير، ومن طريق ابن جريج كلاهما عنه‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ زعم الكرماني أن مراد البخاري بالسياق المذكور أن عمرا حدث به سفيان أولا عن عطاء عن ابن عباس بغير واسطة، ثم حدثه به ثانيا عن عطاء بواسطة طاوس‏.‏
قلت‏:‏ وهو كلام من لم يقف على طريق مسدد التي في الكتاب الذي شرح فيه فضلا عن بقية الطرق التي ذكرناها، ولا تعرف مع ذلك لعطاء عن طاوس رواية أصلا، والله المستعان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو محرم‏)‏ زاد ابن جريج عن عطاء ‏"‏ صائم ‏"‏ ‏(‏بلحي جمل‏)‏ وزاد زكريا ‏"‏ على رأسه ‏"‏ وستأتي رواية عكرمة في الصوم، وهذه الزيادات موافقة لحديث ابن بحينة ثاني حديثي الباب دون ذكر الصيام‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِلَحْيِ جَمَلٍ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن علقمة بن أبي علقمة‏)‏ في رواية النسائي من طريق محمد بن خالد عن سليمان ‏"‏ أخبرني علقمة ‏"‏ واسم أبي علقمة بلال، وهو مدني تابعي صغير سمع أنسا، وهو علقمة بن أم علقمة واسمها مرجانة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن الأعرج عن ابن بحينة‏)‏ في رواية المصنف في الطب عن إسماعيل - وهو ابن أبي أويس - عن سليمان عن علقمة أنه سمع عبد الرحمن الأعرج أنه سمع عبد الله بن بحينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بلحي جمل‏)‏ بفتح اللام وحكى كسرها وسكون المهملة وبفتح الجيم والميم‏:‏ موضع بطريق مكة‏.‏
وقد وقع مبينا في رواية إسماعيل المذكورة ‏"‏ بلحي حمل من طريق مكة ‏"‏ ذكر البكري في معجمه في رسم العقيق قال‏:‏ هي بئر جمل التي ورد ذكرها في حديث أبي جهم، يعني الماضي في التيمم‏.‏
وقال غيره‏:‏ هي عقبة الجحفة على سبعة أميال من السقيا‏.‏
ووقع في رواية أبي ذر ‏"‏ بلحي جمل ‏"‏ بصيغة التثنية، ولغيره بالإفراد‏.‏
ووهم من ظنه فكي الجمل الحيوان المعروف وأنه كان آلة الحجم، وجزم الحازمي وغيره بأن ذلك كان في حجة الوداع، وسيأتي البحث في أنه هل كان صائما في كتاب الصيام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في وسط‏)‏ بفتح المهملة أي متوسطه، وهو ما فوق اليافوخ فيما بين أعلى القرنين‏.‏
قال الليث‏:‏ كانت هذه الحجامة في فأس الرأس، وأما التي في أعلاه فلا لأنها ربما أعمت، وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب الطب إن شاء الله تعالى‏.‏
قال النووي‏:‏ إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن تضمنت قطع شعر فهي حرام لقطع الشعر، وإن لم تتضمنه جازت عند الجمهور، وكرهها مالك‏.‏
وعن الحسن فيها الفدية وإن لم يقطع شعرا‏.‏
وإن كان لضرورة جاز قطع الشعر وتجب الفدية‏.‏
وخص أهل الظاهر الفدية بشعر الرأس‏.‏
قال الداودي‏:‏ إذا أمكن مسك المحاجم بغير حلق لم يجز الحلق‏.‏
واستدل بهذا الحديث على جواز الفصد وبط الجرح والدمل وقطع العرق وقلع الضرس وغير ذلك من وجوه التداوي إذا لم يكن في ذلك ارتكاب ما نهى عنه المحرم من تناول الطيب وقطع الشعر، ولا فدية عليه في شيء من ذلك، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب تَزْوِيجِ الْمُحْرِمِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب تزويج المحرم‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس في تزويج ميمونة، وظاهر صنيعه أنه لم يثبت عنده النهي عن ذلك، ولا أن ذلك من الخصائص، وقد ترجم في النكاح ‏"‏ باب نكاح المحرم ‏"‏ ولم يزد على إيراد هذا الحديث، ومراده بالنكاح التزويج للإجماع على إفساد الحج والعمرة بالجماع‏.‏
وقد اختلف في تزويج ميمونة، فالمشهور عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم، وصح نحوه عن عائشة وأبي هريرة، وجاء عن ميمونة نفسها أنه كان حلالا، وعن أبي رافع مثله وأنه كان الرسول إليها، وسيأتي الكلام على ذلك مستوفي في ‏"‏ باب عمرة القضاء ‏"‏ من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏
اختلف العلماء في هذه المسألة، فالجمهور على المنع لحديث عثمان ‏"‏ لا ينكح المحرم ولا ينكح ‏"‏ أخرجه مسلم، وأجابوا عن حديث ميمونة بأنه اختلف في الواقعة كيف كانت ولا تقوم بها الحجة، ولأنها تحتمل الخصوصية، فكان الحديث في النهي عن ذلك أولى بأن يؤخذ به‏.‏
وقال عطاء وعكرمة وأهل الكوفة‏:‏ يجوز للمحرم أن يتزوج كما يجوز له أن يشتري الجارية للوطء، وتعقب بأنه قياس في معارضة السنة فلا يعتبر به‏.‏
وأما تأويلهم حديث عثمان بأن المراد به الوطء فمتعقب بالتصريح فيه بقوله ‏"‏ ولا ينكح ‏"‏ بضم أوله، وبقوله فيه ‏"‏ ولا يخطب‏"‏‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا يُنْهَى مِنْ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَا تَلْبَسْ الْمُحْرِمَةُ ثَوْبًا بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما ينهى‏)‏ أي عنه ‏(‏من الطيب للمحرم والمحرمة‏)‏ أي أنهما في ذلك سواء، ولم يختلف العلماء في ذلك، وإنما اختلفوا في أشياء هل تعد طيبا أو لا‏؟‏ والحكمة في منع المحرم من الطيب أنه من دواعي الجماع ومقدماته التي تفسد الإحرام، وبأنه ينافي حال المحرم فإن المحرم أشعث أغبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت عائشة‏:‏ لا تلبس المحرمة ثوبا بورس أو زعفران‏)‏ وصله البيهقي من طريق معاذ عن عائشة قالت ‏"‏ المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبا مسه ورس أو زعفران، ولا تبرقع ولا تلثم، وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت ‏"‏ وقد تقدم في أوائل الباب أن المرأة كالرجل في منع الطيب إجماعا‏.‏
وروى أحمد وأبو داود والحاكم أصل حديث الباب من طريق ابن إسحاق حدثني نافع عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب ‏"‏ ثم أورد المصنف حديث ابن عمر ‏"‏ قام رجل فقال‏:‏ يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس‏؟‏ ‏"‏ الحديث‏.‏
وقد تقدم في أوائل الحج مع سائر مباحثه في ‏"‏ باب ما يلبس المحرم من الثياب ‏"‏ وزاد فيه هنا ‏"‏ ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين ‏"‏ وذكر الاختلاف في رفع هذه الزيادة ووقفها، وسأبين ما في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا الْبَرَانِسَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلَانِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلَا الْوَرْسُ وَلَا تَنْتَقِبْ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ تَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ وَجُوَيْرِيَةُ وَابْنُ إِسْحَاقَ فِي النِّقَابِ وَالْقُفَّازَيْنِ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَلَا وَرْسٌ وَكَانَ يَقُولُ لَا تَتَنَقَّبْ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبَسْ الْقُفَّازَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا تَتَنَقَّبْ الْمُحْرِمَةُ وَتَابَعَهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه موسى بن عقبة‏)‏ وصله النسائي من طريق عبد الله بن المبارك عنه عن نافع في آخر الزيادة المذكورة قبل‏.‏
قوله ‏(‏وإسماعيل بن إبراهيم‏)‏ أي ابن عقبة، وهو ابن أخي موسى المذكور قبله، وقد رويناه من طريقه موصولا في ‏"‏ فوائد علي بن محمد المصري ‏"‏ من رواية السلفي عن الثقفي عن ابن بشران عنه عن يوسف بن يزيد عن يعقوب بن أبي عباد عن إسماعيل عن نافع به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجويرية‏)‏ أى ابن أسماء، وصله أبو يعلى عن عبد الله بن محمد بن أسماء عنه عن نافع وفيه الزيادة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وابن إسحاق‏)‏ وصله أحمد وغيره كما تقدم في أول الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في النقاب والقفازين‏)‏ أي في ذكرهما في الحديث المرفوع‏.‏
والقفاز بضم القاف وتشديد الفاء وبعد الألف زاي‏:‏ ما تلبسه المرأة في يدها فيغطي أصابعها وكفيها عند معاناة الشيء كغزل ونحوه، وهو لليد كالخف للرجل‏.‏
والنقاب الخمار الذي يشد على الأنف أو تحت المحاجر، وظاهره اختصاص ذلك بالمرأة، ولكن الرجل في القفاز مثلها لكونه في معنى الخف فإن كلا منهما محيط بجزء من البدن، وأما النقاب فلا يحرم على الرجل من جهة الإحرام لأنه لا يحرم عليه تغطية وجهه على الراجح كما سيأتي الكلام عليه في حديث ابن عباس في هذا الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبيد الله‏)‏ يعني ابن عمر العمري ‏(‏ولا ورس‏)‏ وكان يقول ‏"‏ لا تتنقب المحرمة ولا تلبس القفازين ‏"‏ يعني أن عبيد الله المذكور خالف المذكورين قبل في رواية هذا الحديث عن نافع فوافقهم على رفعه إلى قوله ‏"‏ زعفران ولا ورس ‏"‏ وفصل بقية الحديث فجعله من قول ابن عمر‏.‏
وهذا التعليق عن عبيد الله وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن محمد بن بشر وحماد بن مسعدة وابن خزيمة من طريق بشر ابن المفضل ثلاثتهم عن عبيد الله بن عمر عن نافع فساق الحديث إلى قوله ‏"‏ ولا ورس ‏"‏ قالا‏:‏ وكان عبد الله - يعني ابن عمر - يقول ‏"‏ ولا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين ‏"‏ ورواه يحيى القطان عند النسائي وحفص ابن غياث عند الدار قطني كلاهما عن عبيد الله فاقتصر على المتفق على رفعه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال مالك الخ‏)‏ هو في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ كما قال، والغرض أن مالكا اقتصر على الموقوف فقط، وفي ذلك تقوية لرواية عبيد الله وظهر الإدراج في رواية غيره‏.‏
وقد استشكل ابن دقيق العيد الحكم بالإدراج في هذا الحديث لورود النهي عن النقاب والقفاز مفردا مرفوعا وللابتداء بالنهي عنهما في رواية ابن إسحاق المرفوعة المقدم ذكرها وقال في ‏"‏ الاقتراح ‏"‏‏:‏ دعوى الإدراج في أول المتن ضعيفة‏.‏
وأجيب بأن الثقات إذا اختلفوا وكان مع أحدهم زيادة قدمت ولا سيما إن كان حافظا ولا سيما إن كان أحفظ، والأمر هنا كذلك فإن عبيد الله بن عمر في نافع أحفظ من جميع من خالفه وفد فصل المرفوع من الموقوف، وأما الذي اقتصر على الموقوف فرفعه فقد شذ بذلك وهو ضعيف، وأما الذي ابتدأ في المرفوع بالموقوف فإنه من التصرف في الرواية بالمعنى، وكأنه رأى أشياء متعاطفة فقدم وأخر لجواز ذلك عنده، ومع الذي فصل زيادة علم فهو أولى، أشار إلى ذلك شيخنا في شرح الترمذي‏"‏‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ فإن قلت فلم قال بلفظ ‏"‏ قال ‏"‏ وثانيا بلفظ‏.‏
‏"‏ كان يقول ‏"‏‏؟‏ قلت لعله قال ذلك مرة وهذا كان بقوله دائما مكررا، والفرق بين المرويين إما من جهة حذف المرأة وإما من جهة أن الأول بلفظ ‏"‏ لا تتنقب ‏"‏ من التفعل والثاني من الافتعال، وإما من جهة أن الثاني بضم الباء على سبيل النفي لا غير والأول بالضم والكسر نفيا ونهيا‏.‏
انتهى كلامه ولا يخفى تكلفه‏.‏
قوله ‏(‏وتابعه ليث بن أبي سليم‏)‏ أي تابع مالكا في وقفه، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة من طريق فضيل بن غزوان عن نافع موقوفا علي ابن عمر‏.‏
ومعنى قوله ‏"‏ ولا تنتقب ‏"‏ أي لا تستر وجهها كما تقدم‏.‏
واختلف العلماء في ذلك فمنعه الجمهور وأجازه الحنفية وهو رواية عند الشافعية والمالكية، ولم يختلفوا في منعها من ستر وجهها وكفيها بما سوى النقاب والقفازين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ فَقَتَلَتْهُ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن منصور‏)‏ هو ابن المعتمر، والحكم هو ابن عتيبة‏.‏
قوله ‏(‏وقصت‏)‏ بفتح القاف والصاد المهملة تقدم تفسيره في ‏"‏ باب كفن المحرم ‏"‏ ويأتي في ‏"‏ باب المحرم يموت بعرفة ‏"‏ بيان اختلاف في هذه اللفظة، والمراد هنا قوله ‏"‏ ولا تقربوه طينا ‏"‏ وهي بتشديد الراء، وسيأتي قريبا بلفظ ‏"‏ ولا تحنطوه ‏"‏ وهو من الحنوط بالمهملة والنون وهو الطيب الذي يصنع للميت‏.‏
وقوله ‏(‏يبعث ملبيا‏)‏ أي على هيئته التي مات عليها‏.‏
واستدل بذلك على بقاء إحرامه خلافا للمالكية والحنفية، وقد تمسكوا من هذا الحديث بلفظة اختلف في ثبوتها وهي قوله ‏"‏ ولا تخمروا وجهه ‏"‏ فقالوا‏:‏ لا يجوز للمحرم تغطية وجهه، مع أنهم لا يقولون بظاهر هذا الحديث فيمن مات محرما، وأما الجمهور فأخذوا بظاهر الحديث وقالوا‏:‏ إن في ثبوت ذكر الوجه مقالا، وتردد ابن المنذر في صحة‏.‏
وقال البيهقي‏:‏ ذكر الوجه غريب وهو وهم من بعض رواته، وفي كل ذلك نظر فإن الحديث ظاهره الصحة ولفظه عند مسلم من طريق إسرائيل عن منصور وأبي الزبير كلاهما سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكر الحديث‏.‏
قال منصور ‏"‏ ولا تغطوا وجهه ‏"‏ وقال أبو الزبير ‏"‏ ولا تكشفوا وجهه ‏"‏ وأخرجه النسائي من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير بلفظ ‏"‏ ولا تخمروا وجهه ولا رأسه ‏"‏ وأخرجه مسلم أيضا من حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير بلفظ ‏"‏ ولا يمس طيبا خارج رأسه ‏"‏ قال شعبة‏:‏ ثم حدثني به بعد ذلك فقال ‏"‏ خارج رأسه ووجهه ‏"‏ انتهى‏.‏
وهذه الرواية تتعلق بالتطيب لا بالكشف والتغطية، وشعبة احفظ من كل من روى هذا الحديث، فلعل بعض رواته انتقل ذهنه من التطيب إلى التغطية‏.‏
وقال أهل الظاهر‏:‏ يجوز للمحرم الحي تغطية وجهه ولا يجوز للمحرم الذي يموت عملا بالظاهر في الموضعين‏.‏
وقال آخرون‏:‏ هي واقعة عين لا عموم فيها لأنه علل ذلك بقوله ‏"‏ لأنه يبعث يوم القيامة ملبيا ‏"‏ وهذا الأمر لا يتحقق وجوده في غيره فيكون خاصا بدلك الرجل؛ ولو استمر بقاؤه على إحرامه لأمر بقضاء مناسكه، وسيأتي ترجمة المصنف بنفي‏.‏
وقال أبو الحسن بن القصار‏:‏ لو أريد تعميم الحكم في كل محرم لقال ‏"‏ فإن المحرم ‏"‏ كما جاء ‏"‏ أن الشهيد يبعث وجرحه يثعب دما‏"‏، وأجيب بأن الحديث ظاهر في أن العلة في الأمر المذكور كونه كان في النسك وهي عامة في كل محرم، والأصل أن كل ما ثبت لواحد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت لغيره حتى يتضح التخصيص‏.‏
واختلف في الصائم بموت هل يبطل صومه بالموت حتى يجب قضاء صوم ذلك اليوم عنه أو لا يبطل‏؟‏ وقال النووي‏:‏ يتأول هذا الحديث على أن النهي عن تغطية وجهه ليس لكون المحرم لا يجوز تغطية وجهه بل هو صيانة للرأس، فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطي رأسه ا ه‏.‏
وروى سعيد بن منصور من طريق عطاء قال‏:‏ يغطي المحرم من وجهه ما دون الحاجبين أي من أعلى‏.‏
وفي رواية‏:‏ ما دون عينيه‏.‏
وكأنه أراد مزيد الاحتياط لكشف الرأس، والله أعلم‏.‏
‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ كان وقوع المحرم المذكور عند الصخرات من عرفة‏.‏
وفي الحديث إطلاق الواقف على الراكب، واستحباب دوام التلبية في الإحرام، وأنها لا تنقطع بالتوجه لعرفة، وجواز غسل المحرم بالسدر ونحوه مما لا يعد طيبا‏.‏
وحكى المزني عن الشافعي أنه استدل على جواز قطع سدر الحرم بهذا الحديث لقوله فيه ‏"‏ واغسلوه بماء وسدر ‏"‏ والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم أقف في شيء من طرق هذا الحديث على تسمية المحرم المذكور، وقد وهم بعض المتأخرين فزعم أن اسمه واقد بن عبد الله وعزاه لابن قتيبة في ترجمة عمر من كتاب المغازي، وسبب الوهم أن ابن قتيبة لما ذكر ترجمة عمر ذكر أولاده ومنهم عبد الله بن عمر، ثم ذكر أولاد عبد الله بن عمر فذكر فيهم واقد بن عبد الله بن عمر فقال‏:‏ وقع عن بعيره وهو محرم فهلك، فظن هذا المتأخر أن لواقد بن عبد الله ابن عمر صحبة وأنه صاحب القصة التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كما ظن فإن واقدا المذكور لا صحبة له فإن أمه صفية بنت أبي عبيد إنما تزوجها أبوه في خلافة أبيه عمر واختلف في صحبتها، وذكرها العجلي وغيره في التابعين، ووجدت في الصحابة واقد بن عبد الله آخر لكن لم أر في شيء من الأخبار أنه وقع عن بعيره فهلك، بل ذكر غير واحد منهم ابن سعد أنه مات في خلافة عمر، فبطل تفسير المبهم بأنه واقد بن عبد الله من كل وجه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الِاغْتِسَالِ لِلْمُحْرِمِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَدْخُلُ الْمُحْرِمُ الْحَمَّامَ وَلَمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ بِالْحَكِّ بَأْسًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الاغتسال للمحرم‏)‏ أي ترفها وتنظفا وتطهرا من الجنابة، قال ابن المنذر‏:‏ أجمعوا على أن للمحرم أن يغتسل من الجنابة، واختلفوا فيما عدا ذلك‏.‏
وكأن المصنف أشار إلى ما روى عن مالك أنه كره للمحرم أن يغطي رأسه في الماء، وروى في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن نافع أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من احتلام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس يدخل المحرم الحمام‏)‏ وصله الدار قطني والبيهقي من طريق أيوب عن عكرمة عنه قال‏:‏ المحرم يدخل الحمام، وينزع ضرسه، وإذا انكسر ظفره طرحه ويقول‏:‏ أميطوا عنكم الأذى فإن الله لا يصنع بأذاكم شيئا‏.‏
وروى البيهقي من وجه آخر عن ابن عباس أنه دخل حماما بالجحفة وهو محرم وقال‏:‏ إن الله لا يعبأ بأوساخكم شيئا‏.‏
وروى ابن أبي شيبة كراهة ذلك عن الحسن وعطاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم ير ابن عمر وعائشة بالحك بأسا‏)‏ أما أثر ابن عمر فوصله البيهقي من طريق أبي مجلز قال ‏"‏ رأيت ابن عمر يحك رأسه وهو محرم، ففطنت له فإذا هو يحك بأطراف أنامله‏"‏‏.‏
وأما أثر عائشة فوصله مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه واسمها مرجانه ‏"‏ سمعت عائشة تسأل عن المحرم أيحك جسده‏؟‏ قال نعم وليشدد‏.‏
وقالت عائشة‏:‏ لو ربطت يداي ولم أجد إلا أن أحك برجلي لحككت ‏"‏ ا ه‏.‏
ومناسبة أثر ابن عمر وعائشة للترجمة بجامع ما بين الغسل والحك من إزالة الأذى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ وَقَالَ الْمِسْوَرُ لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْتُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ أَسْأَلُكَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ اصْبُبْ فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن زيد بن أسلم عن إبراهيم‏)‏ كذا في جميع الموطآت، وأغرب يحيى بن يحيى الأندلسي فأدخل بين زيد وإبراهيم نافعا‏.‏
قال ابن عبد البر وذلك معدود من خطئه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن إبراهيم‏)‏ في رواية ابن عيينة عن زيد ‏"‏ أخبرني إبراهيم ‏"‏ أخرجه أحمد وإسحاق والحميدي في مسانيدهم عنه‏.‏
وفي رواية ابن جريج عند أحمد عن زيد بن أسلم ‏"‏ أن إبراهيم بن عبد الله بن حنين مولى ابن عباس أخبره ‏"‏ كذا قال ‏"‏ مولى ابن عباس ‏"‏ وقد اختلف في ذلك والمشهور أن حنينا كان مولى للعباس وهبه له النبي صلى الله عليه وسلم فأولاده موال له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن ابن عباس‏)‏ في رواية ابن جريج عند أبي عوانة كنت مع ابن عباس والمسور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالأبواء‏)‏ أي وهما نازلان بها‏.‏
وفي رواية ابن عيينة ‏"‏ بالعرج ‏"‏ وهو بفتح أوله وإسكان ثانيه‏:‏ قرية جامعة قريبة من الأبواء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى أبي أيوب‏)‏ زاد ابن جريج فقال ‏"‏ قل له يقرأ عليك السلام ابن أخيك عبد الله بن عباس ويسألك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين القرنين‏)‏ أي قوني البئر، وكذا هو لبعض رواة الموطأ، وكذا في رواية ابن عيينة، وهما العودان - أي العمودان - المنتصبان لأجل عود البكرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أرسلني إليك عبد الله بن عباس يسألك كيف كان الخ‏)‏ قال ابن عبد البر‏:‏ الظاهر أن ابن عباس كان عنده في ذلك نص عن النبي صلى الله عليه وسلم أخذه عن أبي أيوب أو غيره، ولهذا قال عبد الله بن حنين لأبي أيوب‏:‏ يسألك كيف كان يغسل رأسه‏؟‏ ولم يقل هل كان يغسل رأسه أو لا على حسب ما وقع فيه اختلاف بين المسور وابن عباس‏.‏
قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون عبد الله بن حنين تصرف في السؤال لفطنته، كأنه لما قال له سله هل يغتسل المحرم أو لا‏؟‏ فجاء فوجده يغتسل، فهم من ذلك أنه يغتسل، فأحب أن لا يرجع إلا بفائدة فسأله عن كيفية الغسل، وكأنه خص الرأس بالسؤال لأنها موضع الإشكال في هذه المسألة لأنها محل الشعر الذي يخشى انتتافه بخلاف بقية البدن غالبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فطأطاه‏)‏ أي أزاله عن رأسه‏.‏
وفي رواية ابن عيينة ‏"‏ جمع ثيابه إلى صدره حتى نظرت إليه ‏"‏ وفي رواية ابن جريج ‏"‏ حتى رأيت رأسه ووجهه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لإنسان‏)‏ لم أقف على اسمه، ثم قال أي أبو أيوب ‏"‏ هكذا رأيته - أي النبي صلى الله عليه وسلم - يفعل ‏"‏ زاد ابن عيينة ‏"‏ فرجعت إليهما فأخبرتهما، فقال المسور لابن عباس‏:‏ لا أماريك أبدا ‏"‏ أي لا أجادلك‏.‏
وأصل المراء استخراج ما عند الإنسان، يقال أمرى فلان فلانا إذا استخرج ما عنده‏.‏
قاله ابن الأنباري، وأطلق ذلك في المجادلة لأن كلا من المتجادلين يستخرج ما عند الآخر من الحجة‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد مناظرة الصحابة في الأحكام، ورجوعهم إلى النصوص، وقبولهم لخبر الواحد ولو كان تابعيا، وأن قول بعضهم ليس بحجة على بعض‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ لو كان معنى الاقتداء في قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أصحابي كالنجوم ‏"‏ يراد به الفتوى لما احتاج ابن عباس إلى إقامة البينة على دعواه بل كان يقول للمسور أنا نجم وأنت تجم فبأينا اقتدي من بعدنا كفاه، ولكن معناه كما قال المزني وغيره من أهل النظر أنه في النقل، لأن جميعهم عدول‏.‏
وفيه اعتراف للفاضل بفضله، وإنصاف الصحابة بعضهم بعضا، وفيه استتار الغاسل عند الغسل، والاستعانة في الطهارة، وجواز الكلام والسلام حالة الطهارة، وجواز غسل المحرم وتشريبه شعره بالماء ودلكه بيده إذا أمن تناثره، واستدل به القرطبي على وجوب الدلك في الغسل قال‏:‏ لأن الغسل لو كان يتم بدونه لكان المحرم أحق بأن يجوز له تركه، ولا يخفى ما فيه‏.‏
واستدل به على أن تخليل شعر الحية في الوضوء باق على استحبابه، خلافا لمن قال يكره كالمتولي من الشافعية خشية انتتاف الشعر، لأن في الحديث ‏"‏ ثم حرك رأسه بيده ‏"‏ ولا فرق بين شعر الرأس واللحية إلا أن يقال إن شعر الرأس أصلب، والتحقيق أنه خلاف الأولى في حق بعض دون بعض، قاله السبكي الكبير، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)
كاتب الموضوع حسن الخليفه احمد مشاركات 538 المشاهدات 70055  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:52 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
::×:: هذا المُنتدى لا يمثل الموقع الرسمي للطريقة الختمية بل هُو تجمُّع فكري وثقافي لشباب الختمية::×::

تصميم: صبري طه