12-02-2012, 03:58 PM
|
#40
|
|
رد: كتاب الدرر فى اختصار المغازى والسير للامام الحافظ ابن عبد البر رضى الله عنه
باب ذكر وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
رَوَى وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَزِينٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللِّهِ وَالْفَتْحُ السُّورَةُ كُلُّهَا، عَلِمَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، وَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَالَ: يَقُولُ لَهُ: اعْلَمْ أَنَّكَ سَتَمُوتُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ: لِلَّهِ دَرُّكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، إِعْجَابًا بِقَوْلِهِ، وَقَدْ كَانَ سَأَلَ عَنْهَا غَيْرَهُ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ، ثُمَّ لَمَّا دَنَتْ وَفَاتُهُ أَخَذَهُ وَجَعُهُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَخَرَجَ إِلَى أَهْلِ أُحُدٍ فَصَلَّى عَلَيْهِمْ صَلاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا يَشْكُو فِي عِلَّتِهِ الصُّدَاعُ، فَيَقُولُ: «وَارَأْسَاهُ»، ثُمَّ لَمَّا اشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَأَذِنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَمُرِّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ إِلَى أَنْ مَاتَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ: «مَا زِلْتُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُهُ بِخَيْبَرَ، مَا زَالَتْ تِلْكَ الأَكْلَةُ تُعَاوِدُنِي، فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي»، وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَظَنُّوا أَنَّ بِهِ ذَاتَ الْجَنْبِ فَلَدُّوهُ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ الَّذِي أَشَارَ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَفَاقَ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَأَمَرَ بِالْقَصَاصِ فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَاسْتَثْنَى الْعَبَّاسَ بِرَأْيِهِ، فَلُدَّ كُلُّ مَنْ حَضَرَ فِي الْبَيْتِ إِلا الْعَبَّاسَ، وَأَوْصَاهُمْ فِي مَرَضِهِ بِثَلاثٍ: أَنْ يُجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوٍ مِمَّا كَانَ يُجِيزُهُمْ بِهِ، وَأَنْ لا يَتْرُكُوا فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَيْنِ، قَالَ: أَخْرِجُوا مِنْهَا الْمُشْرِكِينَ، وَاللهَ اللهَ فِي الصَّلاةِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: «لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، وَقَالَ لَهُمْ: هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا، فَاخْتَلَفُوا، وَتَنَازَعُوا، وَاخْتَصَمُوا، فَقَالَ: قُومُوا عَنِّي، فَإِنَّهُ لا يَنْبَغِي عِنْدِي تَنَازُعٌ» وَكَانَ عُمَرُ الْقَائِلَ حِينَئِذٍ: قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ وَجَعُهُ وَرُبَّمَا صَحَّ، وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ الْكِتَابَ لاخْتِلافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ، وَسَارَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا: «إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَعْرِضُ عَلَيَّ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَرَضَهُ عَلَيَّ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَمَا أَظُنُّ إِلا أَنِّي مَيِّتٌ مِنْ مَرَضِي هَذَا» فَبَكَتْ، فَقَالَ لَهَا: «مَا يَسُرُّكِ أَنَّكِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَا عَدَا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ؟» فَضَحِكَتْ، وَكَانَ يَقُولُ فِي صِحَّتِهِ: «مَا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ»، رَوَتْهُ عَائِشَةُ، قَالَتْ: فَلَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ جَعَلَ يَقُولُ: «مَعَ الرَّفِيقِ الأَعْلَى، مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا»، وَقَالَ حِينَ عَجَزَ عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» وَخَرَجَ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ مَرَضِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ تَخُطُّ رِجْلاهُ فِي الأَرْضِ، يَحْمِلُهُ رَجُلانِ: أَحَدُهُمَا عَلِيٌّ، وَالآخَرُ الْعَبَّاسُ، وَقِيلَ: الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ فِي مَرَضِهِ: «هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ»، فَأُجْلِسُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ بِيَدِهِ أَنْ حَسْبُكُمْ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى بِهِمْ، وقد أوضحنا معاني صلاته في مرضه بالناس مع أبي بكر، ومكان المقدم منهما، وما يصح في ذلك عندنا في كتاب التمهيد، وبالله توفيقنا، وَأَصْبَحَ النَّاسُ يَوْمًا يَسْأَلُونَ عَلِيًّا وَالْعَبَّاسَ عَنْ حَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِ اشْتَدَّتْ بِهِ الْحَالُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَصْبَحَ بِخَيْرٍ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: مَا الَّذِي تَقُولُ؟ وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ فِي وَجْهِهِ مِنَ الْمَوْتِ مَا لَمْ أَزَلْ أَعْرِفُهُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا عَلِيُّ اذْهَبْ بِنَا نَسْأَلْهُ فِيمَنْ يَكُونُ هَذَا الأَمْرُ بَعْدَهُ، فَكَرِهَ عَلِيٌّ ذَلِكَ فَلَمْ يَسْأَلاهُ، وَاشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ فَجَعَلَ يَقُولُ: «لا إِلَهَ إِلا اللهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٍ، الرَّفِيقَ الأَعْلَى»، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى مَاتَ، وَمَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ بِلا اخْتِلافٍ، قِيلَ فِي وَقْتِ دُخُولِهِ الْمَدِينَةَ فِي هِجْرَتِهِ حِينَ اشْتَدَّ الضُّحَى فِي صَدْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشَرَةَ، لِتَمَامِ عَشْرِ سِنِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ، وَقِيلَ: بَلْ دُفِنَ لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ، وَلَمْ يَحْضُرْ غُسْلَهُ وَلا تَكْفِينَهُ إِلا أَهْلُ بَيْتِهِ، غَسَّلَهُ عَلِيٌّ، وَكَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَالْعَبَّاسُ يُعِينُهُمْ، وَحَضَرَهُمْ شَقْرَانُ مَوْلاهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ كِتَابِ الصَّحَابَةِ سُؤَالَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَلَمْ يُصَدِّقْ عُمَرُ بِمَوْتِهِ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ مَاتَ، وَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَخَطَبَ وَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ، وَاللهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى رَبِّهِ كَمَا ذَهَبَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَدْ غَابَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ، وَاللهِ لَيَرْجِعَنَّ رَسُولُ اللهِ كَمَا رَجَعَ مُوسَى، فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ، زَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ مَاتَ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بَيْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُشِفَ لَهُ عَنْ وَجْهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ وَأَيْقَنَ بِمَوْتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَوَجَدَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، فَأَبَى عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، فَأَبَى، فَتَنَحَّى عَنْهُ وَقَامَ خَطِيبًا، فَانْصَرَفَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، ثُمَّ تَلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} الآيَةَ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَلَمَّا سَمِعْتُهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ عَرَفْتُ مَا وَقَعْتُ فِيهِ، وَكَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْهَا قَبْلُ، ثُمَّ اجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَبَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ بَايَعُوهُ بَيْعَةً أُخْرَى مِنَ الْغَدِ عَلَى مَلإٍ مِنْهُمْ وَرِضًا، فَكَشَفَ اللهُ بِهِ الْكُرْبَةَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَقَامَ بِهِ الدِّينُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. تم بحمد الله تعالى تعالى وتوفيقه كتاب الدرر فى اختصار المغازى والسير لسيدى الامام الحافظ ابن عبد البر رضى الله عنه اللهم بصر به بصيرتنا واهدنا به الى الحق والى الصراط المستقيم اللهم اغفر لمؤلفه وناشره وكاتبه ومن نظر اليه وانفعنا ببركاته وامدنا بامداداته فى كل وقت وحين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
|
|
|