القبول يا رب - شباب الطريقة الختمية بدائرة ود ابراهيم بأم بدة

مجموعة مدائح ختمية.. شباب الطريقة الختمية بمسجد السيد علي الميرغني ببحري


غير مسجل أهلاً ومرحباً بكم

العودة   منتديات الختمية > الأقسام العامة > مكتبة الميرغني الإليكترونية

مكتبة الميرغني الإليكترونية خاصة بجميع مؤلفات السادة المراغنة

فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه

مكتبة الميرغني الإليكترونية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-28-2013, 06:11 PM   #401
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب صَلَاةِ الْكُسُوفِ جَمَاعَةً
وَصَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ لَهُمْ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ وَجَمَعَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة الكسوف جماعة‏)‏ أي وإن لم يحضر الإمام الراتب فيؤم لهم بعضهم وبه قال الجمهور وعن الثوري إن لم يحضر الإمام صلوا فرادى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وصلى لهم ابن عباس في صفة زمزم‏)‏ وصله الشافعي وسعيد بن منصور جميعا عن سفيان ابن عيينة عن سليمان الأحول سمعت طاوسا يقول ‏"‏ كسفت الشمس فصلى بنا ابن عباس في صفة زمزم ست ركعات في أربع سجدات ‏"‏ وهذا موقوف صحيح، إلا أن ابن عيينة خولف فيه رواه ابن جريج عن سليمان فقال ‏"‏ ركعتين في كل ركعة أربع ركعات ‏"‏ أخرجه عبد الرزاق عنه، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة عن غندر عن ابن جريج، لكن قال ‏"‏ سجدات ‏"‏ بدل ركعات، وهو وهم من غندر‏.‏
وروى عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال ‏"‏ رأيت ابن عباس صلى على ظهر زمزم في كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركعتين‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في صفة زمزم‏)‏ كذا للأكثر بضم الصاد المهملة وتشديد الفاء وهي معروفة‏.‏
وقال الأزهري‏:‏ الصفة موضع بهو مظلل‏.‏
وفي نسخة الصغاني بضاد معجمة مفتوحة ومكسورة وهي جانب النهر ولا معنى لها هنا إلا بطريق التجوز‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجمع علي بن عبد الله بن عباس‏)‏ لم أقف على أثره هذا موصولا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وصلى ابن عمرو‏)‏ يحتمل أن يكون بقية أثر على المذكور، وقد أخرج ابن أبي شيبة معناه عن ابن عمر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ انْخَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا وَلَوْ أَصَبْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا وَأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس‏)‏ كذا في الموطأ وفي جميع من أخرجه من طريق مالك، ووقع في رواية اللؤلؤي في سنن أبي داود ‏"‏ عن أبي هريرة ‏"‏ بدل ابن عباس وهو غلط قوله‏:‏ ‏(‏ثم سجد‏)‏ أي سجدتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول‏)‏ فيه أن الركعة الثانية أقصر من الأولى، وسيأتي ذلك في باب مفرد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالوا يا رسول الله‏)‏ في حديث جابر عند أحمد بإسناد حسن ‏"‏ فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب شيئا صنعته في الصلاة لم تكن تصنعه ‏"‏ فذكر نحو حديث ابن عباس، إلا أن في حديث جابر أن ذلك كان في الظهر أو العصر، فإن كان محفوظا فهي قصة أخرى، ولعلها القصة التي حكاها أنس وذكر أنها وقعت في صلاة الظهر، وقد تقدم سياقه في ‏"‏ باب وقت الظهر إذا زالت الشمس ‏"‏ من كتاب المواقيت، لكن فيه ‏"‏ عرضت علي الجنة والنار في عرض هذا الحائط حسب ‏"‏ وأما حديث جابر فهو شبيه بسياق ابن عباس في ذكر العنقود وذكر النساء، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رأيناك تناولت‏)‏ كذا للأكثر بصيغة الماضي‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ تناول ‏"‏ بصيغة المضارع بضم اللام وبحذف إحدى التاءين وأصله تتناول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم رأيناك كعكعت‏)‏ في رواية الكشميهني تكعكعت بزيادة تاء في أوله ومعناه تأخرت، يقال كع الرجل إذا نكص على عقبيه، قال الخطابي‏:‏ أصله تكععت فاستثقلوا اجتماع ثلاث عينات فأبدلوا من إحداها حرفا مكررا‏.‏
ووقع في رواية مسلم ‏"‏ ثم رأيناك كففت ‏"‏ بفاءين خفيفتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا‏)‏ ظاهره أنها رؤية عين فمنهم من حمله على أن الحجب كشفت له دونها فرآها على حقيقتها وطويت المسافة بينهما حتى أمكنه أن يتناول منها، وهذا أشبه بظاهر هذا الخبر، ويؤيده حديث أسماء الماضي في أوائل صفة الصلاة بلفظ ‏"‏ دنت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطف من قطافها ‏"‏ ومنهم من حمله على أنها مثلت له في الحائط كما تنطبع الصورة في المرآة فرأى جميع ما فيها، ويؤيده حديث أنس الآتي في التوحيد ‏"‏ لقد عرضت على الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ لقد مثلت ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ لقد صورت ‏"‏ ولا يرد على هذا أن الانطباع إنما هو في الأجسام الثقيلة لأنا نقول هو شرط عادي فيجوز أن تنخرق العادة خصوصا للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذه قصة أخرى وقعت في صلاة الظهر ولا مانع أن يرى الجنة والنار مرتين بل مرارا على صور مختلفة‏.‏
وأبعد من قال‏:‏ إن المراد بالرؤية رؤية العلم‏.‏
قال القرطبي‏:‏ لا إحالة في إبقاء هذه الأمور على ظواهرها لا سيما على مذهب أهل السنة في أن الجنة والنار قد خلقتا ووجدتا، فيرجع إلى أن الله تعالى خلق لنبيه صلى الله عليه وسلم إدراكا خاصا به أدرك به الجنة والنار على حقيقتهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولو أصبته‏)‏ في رواية مسلم ولو أخذته، واستشكل مع قوله ‏"‏ تناولت ‏"‏ وأجيب بحمل التناول على تكلف الأخذ لا حقيقة الأخذ، وقيل المراد تناولت لنفسي ولو أخذته لكم حكاه الكرماني وليس يجيد وقيل‏:‏ المراد بقوله تناولت أي وضعت يدي عليه بحيث كنت قادرا على تحويله لكن لم يقدر لي قطفه، ولو أصبته أي لو تمكنت من قطفه‏.‏
ويدل عليه قوله في حديث عقبة بن عامر عند ابن خزيمة ‏"‏ أهوى بيده ليتناول شيئا ‏"‏ وللمصنف في حديث أسماء في أوائل الصلاة ‏"‏ حتى لو اجترأت عليها ‏"‏ وكأنه لم يؤذن له في ذلك فلم يجترئ عليه، وقيل الإرادة مقدرة، أي أردت أن أتناول ثم لم أفعل ويؤيده حديث جابر عند مسلم ‏"‏ ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه، ثم بدا لي أن آخذ لا أفعل ‏"‏ ومثله للمصنف من حديث عائشة كما سيأتي في آخر الصلاة بلفظ ‏"‏ حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم ‏"‏ ولعبد الرزاق من طريق مرسلة ‏"‏ أردت أن آخذ منها قطفا لأريكموه فلم يقدر ‏"‏ ولأحمد من حديث جابر ‏"‏ فحيل بيني وبينه ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ لم يأخذ العنقود لأنه من طعام الجنة وهو لا يفنى، والدنيا فانية لا يجوز أن يؤكل فيها ما لا يفنى‏.‏
وقيل لأنه لو رآه الناس لكان من إيمانهم بالشهادة لا بالغيب فيخشى أن يقع رفع التوبة فلا ينفع نفسا إيمانها‏.‏
وقيل‏:‏ لأن الجنة جزاء الأعمال، والجزاء بها لا يقع إلا في الآخرة‏.‏
وحكى ابن العربي في ‏"‏ قانون التأويل ‏"‏ عن بعض شيوخه أنه قال‏:‏ معنى قوله ‏"‏ لأكلتم منه الخ ‏"‏ أن يخلق في نفس الآكل مثل الذي أكل دائما بحيث لا يغيب عن ذوقه‏.‏
وتعقب بأنه رأى فلسفي مبني على أن دار الآخرة لا حقائق لها وإنما هي أمثال، والحق أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وإذا قطعت خلقت في الحال، فلا مانع أن يخلق الله مثل ذلك في الدنيا إذا شاء، والفرق بين الدارين في وجوب الدوام وجوازه‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ بين سعيد بن منصور في روايته من وجه آخر عن زيد بن أسلم أن التناول المذكور كان حين قيامه الثاني من الركعة الثانية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأريت النار‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ ورأيت ‏"‏ ووقع في رواية عبد الرزاق المذكورة أن رؤيته النار كانت قبل رؤيته الجنة وذلك أنه قال فيه ‏"‏ عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم النار فتأخر عن مصلاه حتى أن الناس ليركب بعضهم بعضا، وإذا رجع عرضت عليه الجنة فذهب يمشي حتى وقف في مصلاه ‏"‏ ولمسلم من حديث جابر ‏"‏ لقد جيء بالنار حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها ‏"‏ وفيه ‏"‏ ثم جيء بالجنة وذلك حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه‏"‏، وفي حديث سمرة عند ابن خزيمة ‏"‏ لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لاقون في دنياكم وآخرتكم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع‏)‏ المراد باليوم الوقت الذي هو فيه، أي لم أر منظرا مثل منظر رأيته اليوم، فحذف المرئي وأدخل التشبيه على اليوم لبشاعة ما رأى فيه وبعده عن المنظر المألوف، وقيل‏:‏ الكاف اسم والتقدير ما رأيت مثل منظر هذا اليوم منظرا‏.‏
ووقع في رواية المستملي والحموي ‏"‏ فلم أنظر كاليوم قط أفظع‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورأيت أكثر أهلها النساء‏)‏ هذا يفسر وقت الرؤية في قوله لهن في خطبة العيد ‏"‏ تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار ‏"‏ وقد مضى ذلك في حديث أبي سعيد في كتاب الحيض، وقد تقدم في العيد الإلمام بتسمية القائل ‏"‏ أيكفرن‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يكفرن بالله‏؟‏ قال يكفرن العشير‏)‏ كذا للجمهور عن مالك، وكذا أخرجه مسلم من رواية حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم، ووقع في موطأ يحيى بن يحيى الأندلسي قال ‏"‏ ويكفرن العشير ‏"‏ بزيادة واو، واتفقوا على أن زيادة الواو غلط منه، فإن كان المراد من تغليطه كونه خالف غيره من الرواة فهو كذلك، وأطاق على الشذوذ غلطا، وإن كان المراد من تغليطه فساد المعنى فليس كذلك لأن الجواب طابق السؤال وزاد، وذلك أنه أطلق لفظ النساء فعم المؤمنة منهن والكافرة، فلما قيل ‏"‏ يكفرن بالله ‏"‏ فأجاب ‏"‏ ويكفرن العشير الخ ‏"‏ وكأنه قال‏:‏ نعم يقع منهن الكفر بالله وغيره، لأن منهن من يكفر بالله ومنهن من يكفر الإحسان‏.‏
وقال ابن عبد البر وجه رواية يحيى أن يكون الجواب لم يقع على وفق سؤال السائل، لإحاطة العلم بأن من النساء يكفر بالله فلم يحتج إلى جوابه لأن المقصود في الحديث خلافه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يكفرن العشير‏)‏ قال الكرماني‏:‏ لم يعد كفر العشير بالباء كما عدى الكفر بالله لأن كفر العشير لا يتضمن معنى الاعتراف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويكفرن الإحسان‏)‏ كأنه بيان لقوله ‏"‏ يكفرن العشير ‏"‏ لأن المقصود كفر إحسان العشير لا كفر ذاته، وتقدم تفسير العشير في كتاب الإيمان، والمراد بكفر الإحسان تغطيته أو جحده، ويدل عليه آخر الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله‏)‏ بيان للتغطية المذكورة، و ‏"‏ لو ‏"‏ هنا شرطية لا امتناعية‏.‏
قال الكرماني‏:‏ ويحتمل أن تكون امتناعية بأن يكون الحكم ثابتا على النقيضين والطرف المسكوت عنه أولى من المذكور، والدهر منصوب على الظرفية، والمراد منه مدة عمر الرجل أو الزمان كله مبالغة في كفرانهن، وليس المراد بقوله ‏"‏ أحسنت ‏"‏ مخاطبة رجل بعينه، بل كل من يتأتى منه أن يكون مخاطبا، فهو خاص لفظا عام معنى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شيئا‏)‏ التنوين فيه للتقليل أي شيئا قليلا لا يوافق غرضها من أي نوع كان، ووقع في حديث جابر ما يدل على أن المرئي في النار من النساء من اتصف بصفات ذميمة ذكرت ولفظه ‏"‏ وأكثر من رأيت فيها من النساء اللاتي إن ائتمن أفشين، وإن سئلن بخلن، وإن سألن ألحفن، وإن أعطين لم يشكرن ‏"‏ الحديث وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم المبادرة إلى الطاعة عند رؤية ما يحذر منه واستدفاع البلاء بذكر الله وأنواع طاعته، ومعجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه من نصح أمته، وتعليمهم ما ينفعهم وتحذيرهم مما يضرهم، ومراجعة المتعلم للعالم فيما لا يدركه فهمه، وجواز الاستفهام عن علة الحكم، وبيان العالم ما يحتاج إليه تلميذه، وتحريم كفران الحقوق‏.‏
ووجوب شكر المنعم‏.‏
وفيه أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان اليوم، وجواز إطلاق الكفر على ما لا يخرج من الملة‏.‏
وتعذيب أهل التوحيد على المعاصي، وجواز العمل في الصلاة إذا لم يكثر‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس
قديم 07-28-2013, 06:12 PM   #402
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب صَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْكُسُوفِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى رد قول من منع ذلك وقال‏:‏ يصلين فرادى، وهو منقول عن الثوري وبعض الكوفيين‏.‏
وفي المدونة‏:‏ تصلي المرأة في بيتها وتخرج المتجالة‏.‏
وعن الشافعي يخرج الجميع إلا من كانت بارعة الجمال‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ روي عن مالك أن الكسوف إنما يخاطب به من يخاطب بالجمعة، والمشهور عنه خلاف ذلك وهو إلحاق المصلي في حقهن بحكم المسجد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا قَالَتْ أَتَيْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي فَقُلْتُ مَا لِلنَّاسِ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَتْ سُبْحَانَ اللَّهِ فَقُلْتُ آيَةٌ فَأَشَارَتْ أَيْ نَعَمْ قَالَتْ فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي الْغَشْيُ فَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي الْمَاءَ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوْ الْمُوقِنُ لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا فَيُقَالُ لَهُ نَمْ صَالِحًا فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوْ الْمُرْتَابُ لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أسماء بنت أبي بكر‏)‏ هي جدة فاطمة وهشام لأبويهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأشارت أي نعم‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ أن نعم ‏"‏ بنون بدل التحتانية، وقد تقدمت فوائده في ‏"‏ باب من أجاب الفتيا بالإشارة ‏"‏ من كتاب العلم وفي ‏"‏ باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل ‏"‏ من كتاب الطهارة، ويأتي الكلام على ما يتعلق بالقبر في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ استدل به ابن بطال على جواز خروج النساء إلى المسجد لصلاة الكسوف، وفيه نظر لأن أسماء إنما صلت في حجرة عائشة، لكن يمكنه أن يتمسك بما ورد في بعض طرقه أن نساء غير أسماء كن بعيدات عنها، فعلى هذا فقد كن في مؤخر المسجد كما جرت عادتهن في سائر الصلوات‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ أَحَبَّ الْعَتَاقَةَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أحب العتاقة‏)‏ بفتح العين المهملة ‏(‏في كسوف الشمس‏)‏ قيده اتباعا للسبب الذي ورد فيه، لأن أسماء إنما روت قصة كسوف الشمس - وهذا طرف منه - إما أن يكون هشام حدث به هكذا فسمعه منه زائدة، أو يكون زائدة اختصره، والأول أرجح فسيأتي في كتاب العتق من طريق عثام ابن علي عن هشام بلفظ ‏"‏ كنا نؤمر عند الخسوف بالعتاقة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا رَبِيعُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ لَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقد أمر‏)‏ في رواية معاوية بن عمرو عن زائدة عند الإسماعيلي ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم‏"‏‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب صَلَاةِ الْكُسُوفِ فِي الْمَسْجِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة الكسوف في المسجد‏)‏ أورد فيه حديث عائشة من رواية عمرة عنها وقد تقدم قبل أربعة أبواب من هذا الوجه، ولم يقع فيه التصريح بكونها في المسجد، لكنه يؤخذ من قولها فيه ‏"‏ فمر بين ظهراني الحجر ‏"‏ لأن الحجر بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت لاصقة بالمسجد، وقد وقع التصريح بذلك في رواية سليمان بن بلال عن يحيى سعيد عن عمرة عند مسلم ولفظه ‏"‏ فخرجت في نسوة بين ظهراني الحجر في المسجد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم من مركبه حتى أتى إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه ‏"‏ الحديث، والمركب الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه بسبب موت ابنه إبراهيم كما تقدم في الباب الأول، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم أتى المسجد ولم يصلها ظاهرا، وصح أن السنة في صلاة الكسوف أن تصلى في المسجد، ولولا ذلك لكانت صلاتها في الصحراء أجدر برؤية الانجلاء، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ
رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ وَالْمُغِيرَةُ وَأَبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته‏)‏ تقدم الكلام على ذلك مبسوطا في الباب الأول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه أبو بكرة والمغيرة‏)‏ تقدم حديثهما فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأبو موسى‏)‏ سيأتي حديثه في الباب الذي يليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وابن عباس‏)‏ تقدم حديثه قبل ثلاثة أبواب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وابن عمر‏)‏ تقدم حديثه في الباب الأول، وقد ذكر المصنف في الباب أيضا حديث أبي مسعود وفيه ذلك، وقد تقدم في الباب الأول أيضا من وجه آخر، وكذا حديث عائشة، وفي الباب مما لم يذكره عن جابر عند مسلم وعن عبد الله بن عمرو والنعمان بن بشير وقبيصة وأبي هريرة كلها عند النسائي وغيره، وعن ابن مسعود وسمرة بن جندب ومحمود بن لبيد كلها عند أحمد وغيره، وعن عقبة بن عامر وبلال عند الطبراني وغيره، فهذه عدة طرق غالبها على شرط الصحة، وهي تفيد القطع عند من اطلع عليها من أهل الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال، فيحب تكذيب من زعم أن الكسوف علامة على موت أحد أو حياة أحد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ وَهِيَ دُونَ قِرَاءَتِهِ الْأُولَى ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ دُونَ رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُرِيهِمَا عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏معمر عن الزهري وهشام‏)‏ ساقه على لفظ الزهري، وقد تقدمت رواية هشام مفردة في الباب الثاني، وتقدم الكلام عليه هناك‏.‏
وبين عبد الرزاق عن معمر أن في رواية هشام من الزيادة ‏"‏ فتصدقوا ‏"‏ وقد تقدم ذلك أيضا‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-28-2013, 06:13 PM   #403
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الذِّكْرِ فِي الْكُسُوفِ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الذكر في الكسوف رواه ابن عباس‏)‏ أي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم حديثه بلفظ ‏"‏ فاذكروا الله‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ وَقَالَ هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا‏)‏ بكسر الزاي صفة مشبهة، ويجوز الفتح على أنه مصدر بمعنى الصفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يخشى أن تكون الساعة‏)‏ بالضم على أن كان تامة أي يخشى أن تحضر الساعة، أو ناقصة والساعة اسمها والخبر محذوف، أو العكس‏.‏
قيل وفيه جواز الإخبار بما يوجبه الظن من شاهد الحال، لأن سبب الفزع يخفى عن المشاهد لصورة الفزع فيحتمل أن يكون الفزع لغير ما ذكر، فعلى هذا فيشكل هذا الحديث من حيث أن للساعة مقدمات كثيرة لم تكن وقعت كفتح البلاد واستخلاف الخلفاء وخروج الخوارج‏.‏
ثم الأشراط كطلوع الشمس من مغربها والدابة والدجال والدخان وغير ذلك‏.‏
ويجاب عن هذا باحتمال أن تكون قصة الكسوف وقعت قبل إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العلامات، أو لعله خشي أن يكون ذلك بعض المقدمات، أو أن الراوي ظن أن الخشية لذلك وكانت لغيره كعقوبة تحدث كما كان يخشى عند هبوب الريح‏.‏
هذا حاصل ما ذكره النووي تبعا لغيره، وزاد بعضهم أن المراد بالساعة غير يوم القيامة، أي الساعة التي جعلت علامة على أمر من الأمور، كموته صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك، وفي الأول نظر لأن قصة الكسوف متأخرة جدا، فقد تقدم أن موت إبراهيم كان في العاشرة كما اتفق عليه أهل الأخبار، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من الأشراط والحوادث قبل ذلك‏.‏
وأما الثالث فتحسين الظن بالصحابي يقتضي أنه لا يجزم بذلك إلا بتوقيف‏.‏
وأما الرابع فلا يخفى بعده‏.‏
وأقربها الثاني فلعله خشي أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط كطلوع الشمس من مغربها، ولا يستحيل أن يتخلل بين الكسوف والطلوع المذكور أشياء مما ذكر وتقع متتالية بعضها إثر بعض مع استحضار قوله تعالى ‏(‏وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب‏)‏ ، ثم ظهر لي أنه يحتمل أن يخرج على مسألة دخول النسخ في الأخبار فإذا قيل بجواز ذلك زال الإشكال‏.‏
وقيل لعله قدر وقوع الممكن لولا ما أعلمه الله تعالى بأنه لا يقع قبل الأشراط تعظيما منه لأمر الكسوف ليتبين لمن يقع له من أمته ذلك كيف يخشى ويفزع لا سيما إذا وقع لهم ذلك بعد حصول الأشراط أو أكثرها‏.‏
وقيل لعل حالة استحضار إمكان القدرة غلبت على استحضار ما تقدم من الشروط لاحتمال أن تكون تلك الأشراط كانت مشروطة بشرط لم يتقدم ذكره فيقع المخوف بغير أشراط لفقد الشرط، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هذه الآيات التي يرسل الله‏)‏ ثم قال ‏(‏ولكن يخوف الله بها عباده‏)‏ موافق لقوله تعالى ‏(‏وما نرسل بالآيات إلا تخويفا‏)‏ وموافق لما تقدم تقريره في الباب الأول، واستدل بذلك على أن الأمر بالمبادرة إلى الذكر والدعاء والاستغفار وغير ذلك لا يختص بالكسوفين لأن الآيات أعم من ذلك، وقد تقدم القول في ذلك في أواخر الاستسقاء‏.‏
ولم يقع في هذه الرواية ذكر الصلاة، فلا حجة فيه لمن استحبها عند كل آية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى ذكر الله‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ إلى ذكره ‏"‏ والضمير يعود على الله في قوله ‏"‏ يخوف الله بها عباده‏"‏، وفيه الندب إلى الاستغفار عند الكسوف وغيره لأنه مما يدفع به البلاء‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الدُّعَاءِ فِي الْخُسُوفِ
قَالَهُ أَبُو مُوسَى وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الدعاء في الكسوف‏)‏ في رواية كريمة وأبي الوقت ‏"‏ في الخسوف‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قاله أبو موسى وعائشة‏)‏ يشير إلى حديث أبي موسى الذي قبله، وأما حديث عائشة فوقع الأمر فيه بالدعاء من طريق هشام عن أبيه وهو في الباب الثاني، وورد الأمر بالدعاء أيضا من حديث أبي بكرة وغيره، ومنهم من حمل الذكر والدعاء على الصلاة لكونهما من أجزائها، والأول أولى لأنه جمع بينهما في حديث أبي بكرة حيث قال ‏"‏ فصلوا وادعوا‏"‏، ووقع في حديث ابن عباس عند سعيد ابن منصور ‏"‏ فاذكروا الله وكبروه وسبحوه وهللوه ‏"‏ وهو من عطف الخاص على العام، وقد تقدم الكلام على حديث المغيرة في الباب الأول‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ الْإِمَامِ فِي خُطْبَةِ الْكُسُوفِ أَمَّا بَعْدُ
وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الإمام في خطبة الكسوف‏:‏ أما بعد‏)‏ ذكر فيه حديث أسماء مختصرا معلقا فقال ‏"‏ وقال أبو أسامة‏"‏، وقد تقدم مطولا من هذا الوجه في كتاب الجمعة، ووقع فيه هنا في رواية أبي علي ابن السكن وهم نبه عليه أبي علي الجياني وذلك أنه أدخل - بين هشام وفاطمة بنت المنذر - عروة بن الزبير والصواب حذفه‏.‏
قلت‏:‏ لعله كان عنده ‏"‏ هشام بن عروة بن الزبير ‏"‏ فتصحفت ‏"‏ ابن ‏"‏ فصارت ‏"‏ عن ‏"‏ وذلك من الناسخ، وإلا فابن السكن من الحفاظ الكبار‏.‏
وفيه تأييد لمن استحب لصلاة الكسوف خطبة كما تقدم في بابه‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-28-2013, 06:13 PM   #404
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة في كسوف القمر‏)‏ أورد فيه حديث أبي بكرة من وجهين مختصرا ومطولا، واعترض عليه بأن المختصر ليس فيه ذكر القمر لا بالتنصيص ولا بالاحتمال، والجواب أنه أراد أن يبين أن المختصر بعض الحديث المطول، وأما المطول فيؤخذ المقصود من قوله ‏"‏ وإذا كان ذلك فصلوا ‏"‏ بعد قوله ‏"‏ أن الشمس والقمر ‏"‏ وقد وقع في بعض طرقه ما هو أصرح من ذلك، فعند ابن حبان من طريق نوح بن قيس عن يونس بن عبيد في هذا الحديث ‏"‏ فإذا رأيتم شيئا من ذلك ‏"‏ وعنده في حديث عبد الله ابن عمرو ‏"‏ فإذا انكسف أحدهما ‏"‏ وقد تقدم حديث أبي مسعود بلفظ ‏"‏ كسوف أيهما انكسف ‏"‏ وفي ذلك رد على من قال لا تندب الجماعة في كسوف القمر، وفرق بوجود المشقة في الليل غالبا دون النهار ووقع عند ابن حبان من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف القمر ولفظه من طريق النضر بن شميل عن أشعث بإسناده في هذا الحديث ‏"‏ صلى في كسوف الشمس والقمر ركعتين مثل صلاتكم‏"‏، وأخرجه الدار قطني أيضا، وفي هذا رد على من أطلق كابن رشيد أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل فيه، ومنهم من أول قوله ‏"‏ صلى ‏"‏ أي أمر بالصلاة، جمعا بين الروايتين‏.‏
وقال صاحب الهدى‏:‏ لم ينقل أنه صلى في كسوف القمر في جماعة، لكن حكى ابن حبان في السيرة له ‏"‏ أن القمر خسف في السنة الخامسة فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الكسوف وكانت أول صلاة كسوف في الإسلام‏"‏، وهذا إن ثبت انتفى التأويل المذكور، وقد جزم به مغلطاي في سيرته المختصرة وتبعه شيخنا في نظمها‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ حكى ابن التين أنه وقع في رواية الأصيلي في حديث أبي بكرة هذا ‏"‏ انكسف القمر ‏"‏ بدل الشمس، وهذا تغيير لا معنى له، وكأنه عسرت عليه مطابقة الحديث للترجمة فظن أن لفظه مغير فغيره هو إلى ما ظنه صوابا وليس كذلك‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الرَّكْعَةُ الْأُولَى فِي الْكُسُوفِ أَطْوَلُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الركعة الأولى في الكسوف أطول‏)‏ كذا وقع هنا للحموي وللكشميهني، ووقع بدله للمستملي ‏"‏ باب صب المرأة على رأسها الماء إذا أطال الإمام القيام في الركعة الأولى ‏"‏ قال ابن رشيد وقع في هذا الموضع تخليط من الرواة، وحديث عائشة المذكور مطابق للترجمة الأولى قطعا، وأما الثانية فحقها أن تذكر في موضع آخر، وكأن المصنف ترجم بها وأخلى بياضا ليذكر لها حديثا أو طريقا كما جرت عادته فلم يحصل غرضه فضم بعض الكتابة إلى بعض فنشأ هذا، والأليق بها حديث أسماء المذكور قبل سبعة أبواب فهو نص فيه‏.‏
انتهى‏.‏
ويؤيد ما ذكره ما وقع في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري فإنه ذكر ‏"‏ باب صب المرأة ‏"‏ أولا وقال في الحاشية‏:‏ ليس فيه حديث، ثم ذكر ‏"‏ باب الركعة الأولى أطول ‏"‏ وأورد فيه حديث عائشة، وكذا صنع الإسماعيلي في مستخرجه‏.‏
فعلى هذا فالذي وقع من صنيع شيوخ أبي ذر من اقتصار بعضهم على إحدى الترجمتين ليس بجيد، أما من اقتصر على الأولى وهو المستملي فخطأ محض، إذ لا تعلق لها بحديث عائشة، وأما الآخران فمن حيث أنهما حذفا الترجمة أصلا، وكأنهما استشكلاها فحذفاها، ولهذا حذفت من رواية كريمة أيضا عن الكشميهني، وكذا من رواية الأكثر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي سَجْدَتَيْنِ الْأَوَّلُ الْأَوَّلُ أَطْوَلُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو أحمد‏)‏ هو الزبيري، وسفيان هو الثوري، وهذا المتن طرف من الحديث الطويل الماضي في ‏"‏ باب صلاة الكسوف في المسجد ‏"‏ وكأنه مختصر منه بالمعنى فإنه قال فيه ‏"‏ ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ‏"‏ وقال في هذا ‏"‏ أربع ركعات في سجدتين الأولى أطول ‏"‏ وقد رواه الإسماعيلي بلفظ ‏"‏ الأولى فالأولى أطول ‏"‏ وفيه دليل لمن قال‏:‏ إن القيام الأول من الركعة الثانية يكون دون القيام الثاني من الركعة الأولى، وقد قال ابن بطال‏:‏ إنه لا خلاف أن الركعة الأولى بقيامها وركوعيها تكون أطول من الركعة الثانية بقيامها وركوعيها‏.‏
وقال النووي‏:‏ اتفقوا على أن القيام الثاني وركوعه فيهما أقصر من القيام الأول وركوعه فيهما، واختلفوا في القيام الأول من الثانية وركوعه هل هما أقصر من القيام الثاني من الأولى وركوعه أو يكونان سواء‏؟‏ قيل‏:‏ وسبب هذا الخلاف فهم معنى قوله ‏"‏ وهو دون القيام الأول ‏"‏ هل المراد به الأول من الثانية أو يرجع إلى الجميع فيكون كل قيام دون الذي قبله‏.‏
ورواية الإسماعيلي تعين هذا الثاني، ويرجحه أيضا أنه لو كان المراد من قوله ‏"‏ القيام الأول ‏"‏ أول قيام من الأولى فقط لكان القيام الثاني والثالث مسكوتا عن مقدارهما، فالأول أكثر فائدة، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْكُسُوفِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجهر بالقراءة في الكسوف‏)‏ أي سواء كان للشمس أو القمر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ نَمِرٍ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ كَبَّرَ فَرَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ثُمَّ يُعَاوِدُ الْقِرَاءَةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ مُنَادِيًا بُ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ مِثْلَهُ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَقُلْتُ مَا صَنَعَ أَخُوكَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَا صَلَّى إِلَّا رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْحِ إِذْ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ قَالَ أَجَلْ إِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ تَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي الْجَهْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا ابن نمر‏)‏ بفتح النون وكسر الميم، اسمه عبد الرحمن، وهو دمشقي وثقه دحيم والذهلي وابن البرقي وآخرون، وضعفه ابن معين لأنه لم يرو عنه غير الوليد وليس له في الصحيحين غير هذا الحديث، وقد تابعه عليه الأوزاعي وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته‏)‏ استدل به على الجهر فيها بالنهار، وحمله جماعة ممن لم ير بذلك على كسوف القمر، وليس بجيد لأن الإسماعيلي روى هذا الحديث من وجه آخر عن الوليد بلفظ ‏"‏ كسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكر الحديث، وكذا رواية الأوزاعي التي بعده صريحة في الشمس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الأوزاعي وغيره سمعت الزهري الخ‏)‏ وصله مسلم عن محمد بن مهران عن الوليد ابن مسلم حدثنا الأوزاعي وغيره فذكره، وأعاد الإسناد إلى الوليد قال‏:‏ أخبرنا عبد الرحمن بن نمر فذكره، وزاد فيه مسلم طريق كثير بن عباس عن أخيه ولم يذكر قصة عبد الله بن الزبير، واستدل بعضهم على ضعف رواية عبد الرحمن بن نمر في الجهر بأن الأوزاعي لم يذكره في روايته الجهر، وهذا ضعيف لأن من ذكر حجة على من لم يذكر، لا سيما والذي لم يذكره لم يتعرض لنفيه، وقد ثبت الجهر في رواية الأوزاعي عند أبي داود والحاكم من طريق الوليد بن مزيد عنه، ووافقه سليمان بن كثير وغيره كما ترى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أجل‏)‏ أي نعم وزنا ومعنى‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ من أجل ‏"‏ بسكون الجيم، وعلى الأول فقوله ‏"‏ أنه أخطأ ‏"‏ بكسر همزة إنه وعلى الثاني بفتحها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه سليمان بن كثير وسفيان بن حسين عن الزهري في الجهر‏)‏ يعني بإسناده المذكور، ورواية سليمان وصلها أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عنه بلفظ ‏"‏ خسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكبر ثم كبر الناس ثم قرأ فجهر بالقراءة ‏"‏ الحديث، ورويناه في مسند أبي داود الطيالسي عن سليمان بن كثير بهذا الإسناد مختصرا ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة الكسوف ‏"‏ وأما رواية سفيان بن حسين فوصلها الترمذي والطحاوي بلفظ ‏"‏ صلى صلاة الكسوف وجهر بالقراءة فيها ‏"‏ وقد تابعهم على ذكر الجهر عن الزهري عقيل عند الطحاوي وإسحاق ابن راشد عند الدار قطني، وهذه طرق يعضد بعضها بعضا يفيد مجموعها الجزم بذلك فلا معنى لتعليل من أعله بتضعيف سفيان بن حسين وغيره، فلو لم يرد في ذلك إلا رواية الأوزاعي لكانت كافية، وقد ورد الجهر فيها عن على مرفوعا وموقوفا أخرجه ابن خزيمة وغيره‏.‏
وقال به صاحبا أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهما من محدثي الشافعية وابن العربي من المالكية‏.‏
وقال الطبري‏:‏ يخير بين الجهر والإسرار‏.‏
وقال الأئمة الثلاثة‏:‏ يسر في الشمس ويجهر في القمر، واحتج الشافعي بقول ابن عباس ‏"‏ قرأ نحوا من سورة البقرة ‏"‏ لأنه لو جهر لم يحتج إلى تقدير، وتعقب باحتمال أن يكون بعيدا منه، لكن ذكر الشافعي تعليقا عن ابن عباس أنه صلى بجنب النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف فلم يسمع منه حرفا، ووصله البيهقي من ثلاثة طرق أسانيدها واهية، وعلى تقدير صحتها فمثبت الجهر معه قدر زائدة فالأخذ به أولى، وإن ثبت العدد فيكون فعل ذلك لبيان الجواز، وهكذا الجواب عن حديث سمرة عند ابن خزيمة والترمذي ‏"‏ لم يسمع له صوتا ‏"‏ وأنه إن ثبت لا يدل على نفي الجهر، قال ابن العربي‏:‏ الجهر عندي أولى لأنها صلاة جامعة ينادي لها ويخطب فأشبهت العيد والاستسقاء، والله أعلم‏.‏
‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب الكسوف على أربعين حديثا نصفها موصول ونصفها معلق، المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وثلاثون، والخالص ثمانية‏.‏
وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي بكرة، وحديث أسماء في العتاقة، ورواية عمرة عن عائشة الأولى أطول لكنه أخرج أصله‏.‏
وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين خمسة آثار فيها أثر عبد الله بن الزبير، وفيها أثر عروة في تخطئته، وهما موصولان‏.‏
الحديث‏:‏
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَبْوَابُ سُجُودِ الْقُرْآنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أبواب سجود القرآن‏)‏ كذا للمستملي، ولغيره ‏"‏ باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها ‏"‏ أي سنة سجود التلاوة، وللأصيلي ‏"‏ وسنته‏"‏‏.‏
وسيأتي ذكر من قال بوجوبها في آخر الأبواب‏.‏
وسقطت البسملة لأبي ذر‏.‏
وقد أجمع العلماء على أنه يسجد وفي عشرة مواضع وهي متوالية إلا ثانية الحج و ‏"‏ص‏"‏، وأضاف مالك ‏"‏ص‏"‏ فقط، والشافعي في القديم ثانية الحج فقط، وفي الجديد هي وما في المفصل وهو قول عطاء، وعن أحمد مثله في رواية، وفي أخرى مشهورة زيادة ‏"‏ص‏"‏ وهو قول الليث وإسحاق وابن وهب وابن حبيب من المالكية وابن المنذر وابن سريج من الشافعية، وعن أبي حنيفة مثله لكن نفي ثانية الحج وهو قول داود، ووراء ذلك أقوال أخرى منها عن عطاء الخراساني الجميع إلا ثانية الحج والانشقاق، وقيل بإسقاطهما وإسقاط ‏"‏ص‏"‏ أيضا، وقيل الجميع مشروع ولكن العزائم الأعراف وسبحان وثلاث المفصل روي عن ابن مسعود، وعن ابن عباس الم تنزيل وحم تنزيل والنجم واقرأ، وعن سعيد بن جبير مثله بإسقاط اقرأ، وعن عبيد بن عمير مثله لكن بإسقاط النجم وإثبات الأعراف وسبحان، وعن علي ما ورد الأمر فيه بالسجود عزيمة، وقيل يشرع السجود عند كل لفظ وقع فيه الأمر بالسجود أو الحث عليه والثناء على فاعله أو سيق مساق المدح وهذا يبلغ عددا كثيرا وقد أشار إليه أبو محمد بن الخشاب في قصيدته الإلغازية‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-28-2013, 06:14 PM   #405
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةمَا جَاءَ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ وَسُنَّتِهَا
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْأَسْوَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجْمَ بِمَكَّةَ فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ غَيْرَ شَيْخٍ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ يَكْفِينِي هَذَا فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت الأسود‏)‏ هو ابن يزيد، وعبد الله هو ابن مسعود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وسجد من معه غير شيخ‏)‏ سماه في تفسير سورة النجم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق‏:‏ أمية بن خلف، ووقع في سيرة ابن إسحاق أنه الوليد بن المغيرة، وفيه نظر لأنه لم يقتل، وفي تفسير سنيد‏:‏ الوليد بن المغيرة أو عتبة بن ربيعة بالشك وفيه نظر لما أخرجه الطبراني من حديث مخرمة بن نوفل قال ‏"‏ لما أظهر النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام أسلم أهل مكة حتى إنه كان ليقرأ السجدة فيسجدون فلا يقدر بعضهم أن يسجد من الزحام، حتى قدم رؤساء قريش الوليد بن المغيرة وأبو جهل، وغيرهما وكانوا بالطائف فرجعوا وقالوا‏:‏ تدعون دين آبائكم ‏"‏ لكن في ثبوت هذا نظر، لقول أبي سفيان في الحديث الطويل‏:‏ ‏"‏ إنه لم يرتد أحد ممن أسلم ‏"‏ ويمكن أن يجمع بأن النفي مقيد بمن ارتد سخطا لا بسبب مراعاة خاطر رؤسائه‏.‏
وروى الطبري من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير أن الذي رفع التراب فسجد عليه هو سعيد بن العاص ابن أمية أبو أحيحة وتبعه النحاس، وذكر أبو حيان شيخ شيوخنا في تفسيره أنه أبو لهب ولم يذكر مستنده، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن أبي هريرة ‏"‏ سجدوا في النجم إلا رجلين من قريش أرادا بذلك الشهرة‏"‏‏.‏
وللنسائي من حديث المطلب بن أبي وداعة قال ‏"‏ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم النجم، فسجد وسجد من معه، فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد ‏"‏ ولم يكن المطلب يومئذ أسلم‏.‏
ومهما ثبت من ذلك فلعل ابن مسعود لم يره أو خص واحدا بذكره لاختصاصه بأخذ الكف من التراب دون غيره‏.‏
وأفاد المصنف في رواية إسرائيل أن النجم أول سورة أنزلت فيها سجدة، وهذا هو السر في بداءة المصنف في هذه الأبواب بهذا الحديث، واستشكل بأن ‏(‏اقرأ باسم ربك‏)‏ أول السور نزولا وفيها أيضا سجدة فهي سابقة على النجم، وأجيب بأن السابق من اقرأ أوائلها، وأما بقيتها فنزل بعد ذلك‏.‏
بدليل قصة أبي جهل في نهيه للنبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، أو الأولية مقيدة بشيء محذوف بينته رواية زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عند ابن مردويه بلفظ ‏"‏ أن أول سورة استعلن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجم ‏"‏ وله من رواية عبد الكبير صلى الله عليه وسلم بن دينار عن أبي إسحاق ‏"‏ أول سورة تلاها على المشركين ‏"‏ فذكره، فيجمع بين الروايات الثلاث بأن المراد أول سورة فيها سجدة تلاها جهرا على المشركين‏.‏
وسيأتي بقية الكلام عليه في تفسير سورة النجم إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب سَجْدَةِ تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سجدة تنزيل السجدة‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ اجمعوا على السجود فيها، وإنما اختلفوا في السجود بها في الصلاة‏.‏
انتهى‏.‏
وقد تقدم الكلام على ذلك وعلى حديث أبي هريرة المذكور في الباب في كتاب الجمعة مستوفى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب سَجْدَةِ ‏"‏ص‏"‏
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سجدة ‏"‏ص‏"‏‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس ‏"‏ ص ليس من عزائم السجود ‏"‏ يعني السجود في ‏"‏ص‏"‏ إلى آخره، والمراد بالعزائم ما وردت العزيمة على فعله كصيغة الأمر مثلا بناء على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب، وقد روى ابن المنذر وغيره عن علي بن أبي طالب بإسناد حسن‏:‏ أن العزائم حم والنجم واقرأ والم تنزيل‏.‏
وكذا ثبت عن ابن عباس في الثلاثة الأخر، وقيل‏:‏ الأعراف وسبحان وحم والم، أخرجه ابن أبي شيبة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو النُّعْمَانِ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ ‏"‏ص‏"‏ لَيْسَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِيهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها‏)‏ وقع في تفسير ‏"‏ص‏"‏ عند المصنف من طريق مجاهد قال ‏"‏ سألت ابن عباس من أين سجدت في ص‏؟‏ ‏"‏ ولابن خزيمة من هذا الوجه ‏"‏ من أين أخذت سجدة ص ‏"‏ ثم اتفقا فقال ‏(‏ومن ذريته داود وسليمان‏)‏ إلى قوله‏:‏ ‏(‏فبهداهم اقتده‏)‏ ففي هذا أنه استنبط مشروعية السجود فيها من الآية، وفي الأول أنه أخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تعارض بينهما لاحتمال أن يكون استفاده من الطريقين‏.‏
وقد وقع في أحاديث الأنبياء من طريق مجاهد في آخره ‏"‏ فقال ابن عباس‏:‏ نبيكم ممن أمر أن يقتدي بهم ‏"‏ فاستنبط وجه سجود النبي صلى الله عليه وسلم فيها من الآية، وسبب ذلك كون السجدة التي في ‏"‏ص‏"‏ إنما وردت بلفظ الركوع فلولا التوقيف ما ظهر أن فيها سجدة‏.‏
وفي النسائي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا ‏"‏ سجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكرا ‏"‏ فاستدل الشافعي بقوله ‏"‏ شكرا ‏"‏ على أنه لا يسجد فيها في الصلاة لأن سجود الشاكر لا يشرع داخل الصلاة‏.‏
ولأبي داود وابن خزيمة والحاكم من حديث أبي سعيد ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ وهو على المنبر ‏"‏ص‏"‏، فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، ثم قرأها في يوم آخر فتهيأ الناس للسجود فقال‏:‏ ‏"‏ إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم تهيأتم فنزل وسجد وسجدوا معه ‏"‏ فهذا السياق يشعر بأن السجود فيها لم يؤكد كما أكد في غيرها، واستدل بعض الحنفية من مشروعية السجود عند قوله‏:‏ ‏(‏وخر راكعا وأناب‏)‏ بأن الركوع عندها ينوب عن السجود، فإن شاء المصلي ركع بها وإن شاء سجد، ثم طرده في جميع سجدات التلاوة، وبه قال ابن مسعود‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب سَجْدَةِ النَّجْمِ
قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سجدة النجم قاله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يأتي موصولا في الذي يليه‏.‏
والكلام على حديث ابن مسعود يأتي في التفسير إن شاء الله تعالى‏.‏
واستدل به على أن من وضع جبهته على كفه ونحوه لا يعد ساجدا حتى يضعها بالأرض، وفيه نظر‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب سُجُودِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكُ نَجَسٌ لَيْسَ لَهُ وُضُوءٌ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سجود المسلمين مع المشركين، والمشرك نجس ليس له وضوء‏)‏ قال ابن التين‏:‏ روينا قوله ‏"‏ نجس بفتح النون والجيم ويجوز كسرها‏.‏
وقال الفراء تسكن الجيم إذا ذكرت اتباعا في قولهم‏:‏ رجس نجس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر يسجد على غير وضوء‏)‏ كذا للأكثر‏.‏
وفي رواية الأصيلي بحذف ‏"‏ غير‏"‏‏.‏
والأول أولى، فقد روى ابن أبي شيبة من طريق عبيد بن الحسن عن رجل زعم أنه كنفسه عن سعيد بن جبير قال ‏"‏ كان ابن عمر ينزل عن راحلته فيهريق الماء ثم يركب فيقرأ السجدة فيسجد وما يتوضأ ‏"‏ وأما ما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن الليث عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر ‏"‏ فيجمع بينهما بأنه أراد بقوله طاهر الطهارة الكبرى، أو الثاني على حالة الاختيار والأول على الضرورة‏.‏
وقد اعترض ابن بطال على هذه الترجمة فقال‏:‏ إن أراد البخاري الاحتجاج لابن عمر بسجود المشركين فلا حجة فيه لأن سجودهم لم يكن على وجه العبادة، وإنما كان لما ألقى الشيطان إلى آخر كلامه، قال‏:‏ وإن أراد الرد على ابن عمر بقوله ‏"‏ والمشرك نجس ‏"‏ فهو أشبه بالصواب‏.‏
وأجاب ابن رشيد بأن مقصود البخاري تأكيد مشروعية السجود، لأن المشرك قد أقر على السجود، وسمى الصحابي فعله سجودا مع عدم أهليته، فالمتأهل لذلك أحرى بأن يسجد على كل حالة‏.‏
ويؤيده أن في حديث ابن مسعود أن الذي ما سجد عوقب بأن قتل كافرا فلعل جميع من وفق للسجود يومئذ ختم له بالحسنى فأسلم لبركة السجود‏.‏
قال‏:‏ ويحتمل أن يجمع بين الترجمة وأثر ابن عمر بأنه يبعد في العادة أن يكون جميع من حضر من المسلمين كانوا عند قراءة الآية على وضوء، لأنهم لم يتأهبوا لذلك، وإذا كان كذلك فمن بادر منهم إلى السجود خوف الفوات بلا وضوء وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك استدل بذلك على جواز السجود بلا وضوء عند وجود المشقة بالوضوء، ويؤيده أن لفظ المتن ‏"‏ وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس ‏"‏ فسوى ابن عباس في نسبة السجود بين الجميع، وفيهم من لا يصح منه الوضوء فيلزم أن يصح السجود ممن كان بوضوء وممن لم يكن بوضوء، والله أعلم‏.‏
والقصة التي أشار إليها سيحصل لنا إلمام بشيء منها في تفسير سورة الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ لم يوافق ابن عمر أحد على جواز السجود بلا وضوء إلا الشعبي أخرجه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح، وأخرجه أيضا بسند حسن عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرأ السجدة ثم يسلم صلى الله عليه وسلم وهو على غير وضوء إلى غير القبلة وهو يمشي يومئ إيماء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سجد بالنجم‏)‏ زاد الطبراني في الأوسط من هذا الوجه ‏"‏ بمكة ‏"‏ فأفاد اتحاد قصة ابن عباس وابن مسعود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والجن‏)‏ كأن ابن عباس استند في ذلك إلى إخبار النبي صلى الله عليه وسلم إما مشافهة له وإما بواسطة، لأنه لم يحضر القصة لصغره‏.‏
وأيضا فهو من الأمور التي لا يطلع الإنسان عليها إلا بتوقيف وتجويز أنه كشف له عن ذلك بعيد لأنه لم يحضرها قطعا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورواه إبراهيم بن طهمان عن أيوب‏)‏ يأتي الكلام عليه في تفسير سورة النجم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَسْجُدْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قرأ السجدة ولم يسجد‏)‏ يشير بذلك إلى الرد على من احتج بحديث الباب على أن المفصل لا سجود فيه كالمالكية، أو أن النجم بخصوصهما لا سجود فيها كأبي ثور، لأن ترك السجود فيها في هذه الحالة لا يدل على تركه مطبقا، لاحتمال أن يكون السبب في الترك إذ ذاك إما لكونه كان بلا وضوء أو لكون الوقت كان وقت كراهة أو لكون القارئ كان لم يسجد كما سيأتي تقريره بعد باب، أو ترك حينئذ لبيان الجواز، وهذا أرجح الاحتمالات وبه جزم الشافعي، لأنه لو كان واجبا لأمره بالسجود ولو بعد ذلك‏.‏
وأما ما رواه أبو داود وغيره من طريق مطر الوراق عن عكرمة عن ابن عباس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة ‏"‏ فقد ضعفه أهل العلم بالحديث لضعف في بعض رواته واختلاف في إسناده‏.‏
وعلى تقدير ثبوته، فرواية من أثبت ذلك أرجح إذ المثبت مقدم على النافي، فسيأتي في الباب الذي يليه ثبوت السجود في ‏(‏إذا السماء انشقت‏)‏ وروى البزار والدار قطني من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في سورة النجم وسجدنا معه ‏"‏ الحديث رجاله ثقات، وروى ابن مردويه في التفسير بإسناد حسن عن العلاء بن عبد الرحمن وعن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه رأى أبا هريرة سجد في خاتمة النجم فسأله فقال‏:‏ إنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة‏.‏
وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن الأسود ابن يزيد عن عمرو أنه سجد في ‏(‏إذا السماء انشقت‏)‏ ومن طريق نافع ابن عمر أنه سجد فيها، وفي هذا رد على من زعم أن عمل أهل المدينة استمر على ترك السجود في المفصل‏.‏
ويحتمل أن يكون المنفي المواظبة على ذلك لأن المفصل تكثر قرأته في الصلاة فترك السجود فيه كثيرا لئلا تختلط الصلاة على من لم يفقه، أشار إلى هذه العلة مالك في قوله بترك السجود في المفصل أصلا وقال ابن القصار‏:‏ الأمر بالسجود في النجم ينصرف إلى الصلاة، ورد بفعله صلى الله عليه وسلم كما تقدم قبل‏.‏
وزعم بعضهم أن عمل أهل المدينة استمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم على ترك السجود فيها، وفيه نظر لما رواه الطبري بإسناد صحيح عن عبد الرحمن ابن أبزي عن عمر أنه قرأ النجم في الصلاة فسجد فيها ثم قام فقرأ ‏(‏إذا زلزلت‏)‏ ، ومن طريق إسحاق بن سويد عن نافع عن ابن عمر أنه سجد في النجم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ ابْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يزيد بن خصيفة‏)‏ بالخاء المعجمة والصاد المهملة مصغر، وهو يزيد بن عبد الله بن خصيفة نسب إلى جده، وشيخه ابن قسيط هو يزيد بن عبد الله بن قسيط المذكور في الإسناد الثاني، ورجال الإسنادين معا مدنيون غير شيخي البخاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنه سأل زيد بن ثابت فزعم‏)‏ حذف المسئول عنه، وظاهر السياق يوهم أن المسئول عنه السجود في النجم وليس كذلك، وقد بينه مسلم عن علي بن حجر وغيره عن إسماعيل بن جعفر بهذا الإسناد قال ‏"‏ سألت زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام، فقال‏:‏ لا قراءة مع الإمام في شيء، وزعم أنه قرأ النجم ‏"‏ الحديث‏.‏
فحذف المصنف الموقوف لأنه ليس من غرضه في هذا المكان ولأنه يخالف زيد بن ثابت في ترك القراءة خلف الإمام وفاقا لمن أوجبها من كبار الصحابة تبعا للحديث الصحيح الدال على ذلك كما تقدم في صفة الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فزعم‏)‏ أراد أخبر، والزعم يطلق على المحقق قليلا كهذا وعلى المشكوك كثيرا، قد تكرر ذلك، ومن شواهده قول الشاعر‏:‏ على الله أرزاق العباد كما زعم‏.‏
ويحتمل أن يكون زعم في هذا الشعر بمعنى ضمن ومنه الزعيم غارم أي الضامن‏.‏
واستنبط بعضهم من حديث زيد بن ثابت أن القارئ إذا تلا على الشيخ لا يندب له سجود التلاوة ما لم يسجد الشيخ أدبا مع الشيخ وفيه نظر‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ اتفق ابن أبي ذئب ويزيد بن خصيفة على هذا الإسناد على ابن قسيط، وخالفهما أبو صخر فرواه عن ابن قسيط عن خارجة بن زيد عن أبيه أخرجه أبو داود والطبراني فإن كان محفوظا حمل على أن لابن قسيط فيه شيخين، وزاد أبو صخر في روايته ‏"‏ وصليت خلف عمر بن عبد العزيز وأبي بكر ابن حزم فلم يسجدا فيها‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-28-2013, 06:14 PM   #406
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




اب سَجْدَةِ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سجدة إذا السماء انشقت‏)‏ أورد فيه حديث أبي هريرة في السجود فيها‏.‏
وهشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏
وقوله فسجد بها في رواية الكشميهني فيها والباء للظرف‏.‏
وقول أبي سلمة لم أرك تسجد قيل هو استفهام إنكار من أبي سلمة يشعر بأن العمل استمر على خلاف ذلك ولذلك أنكره أبو رافع كما سيأتي بعد ثلاثة أبواب، وهذا فيه نظر، وعلى التنزل فيمكن أن يتمسك به من لا يرى السجود بها في الصلاة، أما تركها مطلقا فلا‏.‏
ويدل على بطلان المدعي أن أبا سلمة وأبا رافع لم ينازعا أبا هريرة بعد أن أعلمهما بالسنة في هذه المسألة ولا احتجا عليه بالعمل على خلاف ذلك‏.‏
قال ابن عبد البر‏:‏ وأي عمل يدعي مع مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده‏؟‏ ‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ سَجَدَ لِسُجُودِ الْقَارِئِ
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِتَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ وَهُوَ غُلَامٌ فَقَرَأَ عَلَيْهِ سَجْدَةً فَقَالَ اسْجُدْ فَإِنَّكَ إِمَامُنَا فِيهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من سجد سجود القارئ‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ أجمعوا على أن القارئ إذا سجد لزم المستمع أن يسجد كذا أطلق، وسيأتي بعد باب قول من جعل ذلك مشروطا بقصد الاستماع‏.‏
وفي الترجمة إشارة إلى أن القارئ إذا لم يسجد لم يسجد السامع‏.‏
ويتأيد بما سأذكره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن مسعود لتميم بن حذلم‏)‏ بفتح المهملة واللام بينهما معجمة ساكنة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إمامنا‏)‏ زاد الحموي ‏"‏ فيها ‏"‏ وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور من رواية مغيرة عن إبراهيم قال‏:‏ قال تميم بن حذلم‏:‏ قرأت القرآن على عبد الله وأنا غلام، فمررت بسجدة فقال عبد الله‏:‏ أنت إمامنا فيها‏.‏
وقد روى مرفوعا أخرجه ابن أبي شيبة من رواية ابن عجلان عن زيد بن أسلم، أن غلاما قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم السجدة، فانتظر الغلام النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد، فلما لم يسجد قال‏:‏ يا رسول الله أليس في هذه السجدة سجود‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ بلى، ولكنك كنت إمامنا فيها، ولو سجدت لسجدنا ‏"‏ رجاله ثقات إلا أنه مرسل‏.‏
وقد روى عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال‏:‏ بلغني، فذكر نحوه‏.‏
أخرجه البيهقي من رواية ابن وهب عن هشام بن سعد وحفص بن ميسرة معا عن زيد بن أسلم به‏.‏
وجوز الشافعي أن يكون القارئ المذكور هو زيد بن ثابت، لأنه يحكي أنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسجد، ولأن عطاء بن يسار روى الحديثين المذكورين‏.‏
انتهى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضِعَ جَبْهَتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان، وسيأتي الكلام على المتن في الباب الأخير‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب ازْدِحَامِ النَّاسِ إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ السَّجْدَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ازدحام الناس إذا قرأ الإمام السجدة‏)‏ أي لضيق المكان وكثرة الساجدين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ فَنَزْدَحِمُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا لِجَبْهَتِهِ مَوْضِعًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا بشر بن آدم‏)‏ هو الضرير البغدادي، بصري الأصل، ليس له في البخاري إلا هذا الموضع الواحد‏.‏
وفي طبقته بشر بن آدم بن يزيد بصري أيضا وهو ابن بنت أزهر السمان، وفي كل منهما مقال‏.‏
ورجح ابن عدي أن شيخ البخاري هنا هو ابن بنت أزهر، وعلى كل تقدير فلم يخرج له إلا في المتابعات، فسيأتي من طريق أخرى بعد باب ويأتي الكلام عليه‏.‏
ووافقه على هذه الرواية عن علي بن مسهر سويد بن سعيد، أخرجه الإسماعيلي‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ رَأَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِبْ السُّجُودَ
وَقِيلَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الرَّجُلُ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَجْلِسْ لَهَا قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ قَعَدَ لَهَا كَأَنَّهُ لَا يُوجِبُهُ عَلَيْهِ وَقَالَ سَلْمَانُ مَا لِهَذَا غَدَوْنَا وَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ اسْتَمَعَهَا وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لَا يَسْجُدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا فَإِذَا سَجَدْتَ وَأَنْتَ فِي حَضَرٍ فَاسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَإِنْ كُنْتَ رَاكِبًا فَلَا عَلَيْكَ حَيْثُ كَانَ وَجْهُكَ وَكَانَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ لَا يَسْجُدُ لِسُجُودِ الْقَاصِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من رأى أن الله لم يوجب السجود‏)‏ أي وحمل الأمر في قوله اسجدوا على الندب أو على أن المراد به سجود الصلاة أو في الصلاة المكتوبة على الوجوب وفي سجود التلاوة على الندب، على قاعدة الشافعي ومن تابعه في حمل المشترك على معنييه‏.‏
ومن الأدلة على أن سجود التلاوة ليس بواجب ما أشار إليه الطحاوي من أن الآيات التي في سجود التلاوة منها ما هو بصيغة الخبر ومنها ما هو بصيغة الأمر، وقد وقع الخلاف في التي بصيغة الأمر هل فيها سجود أو لا، وهي ثانية الحج وخاتمة النجم واقرأ، فلو كان سجود التلاوة واجبا لكان ما ورد بصيغة الأمر أولى أن يتفق على السجود فيه مما ورد بصيغة الخبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقيل لعمران بن حصين‏)‏ وصله ابن أبي شيبة بمعناه من طريق مطرف قال ‏"‏ سألت عمران ابن حصين عن الرجل لا يدري أسمع السجدة أو لا‏؟‏ فقال‏:‏ وسمعها أو لا فماذا‏؟‏‏"‏‏.‏
وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن مطرف ‏"‏ أن عمران مر بقاص فقرأ القاص السجدة فمضى عمران ولم يسجد معه‏"‏‏.‏
إسنادهما صحيح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال سلمان‏)‏ هو الفارسي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما لهذا غدونا‏)‏ هو طرف من أثر وصله عبد الرزاق من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال ‏"‏ مر سلمان على قوم قعود، فقرؤوا السجدة فسجدوا، فقيل له، فقال‏:‏ ليس لهذا غدونا ‏"‏ وإسناده صحيح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عثمان‏:‏ إنما السجدة على من استمعها‏)‏ وصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب ‏"‏ أن عثمان مر بقاص فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان، فقال عثمان‏:‏ إنما السجود على من استمع، ثم مضى ولم يسجد ‏"‏ ورواه ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب بلفظ ‏"‏ إنما السجدة على من سمعها ‏"‏ مختصرا، وروى ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ قال عثمان ‏"‏ إنما السجدة على من جلس لها واستمع ‏"‏ والطريقان صحيحان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الزهري الخ‏)‏ وصله عبد الله بن وهب عن يونس عنه بتمامه، وقوله فيه ‏"‏ لا يسجد إلا أن يكون طاهرا ‏"‏ قيل ليس بدال على عدم الوجوب، لأن المدعي يقول‏:‏ علق فعل السجود من القارئ والسامع على شرط وهو وجود الطهارة، فحيث وجد الشرط لزم؛ لكن موضع الترجمة من هذا الأثر قوله ‏"‏ فإن كنت راكبا فلا عليك حيث كان وجهك ‏"‏ لأن هذا دليل النفل، والواجب لا يؤدى على الدابة في الأمن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان السائب بن يزيد لا يسجد لسجود القاص‏)‏ بالصاد المهملة الثقيلة‏:‏ الذي يقص على الناس الأخبار والمواعظ، ولم أقف على هذا الأثر موصولا‏.‏
ومناسبة هذه الآثار للترجمة ظاهرة، لأن الذين يزعمون أن سجود التلاوة واجب لم يفرقوا بين قارئ ومستمع، قال صاحب الهداية من الحنفية‏:‏ السجدة في هذه المواضع - أي مواضع سجود التلاوة - سوى ثانية الحج واجبة على التالي والسامع، سواء قصد سماع القرآن أو لم يقصد ا ه‏.‏
وفرق بعض العلماء بين السامع والمستمع بما دلت عليه هذه الآثار‏.‏
وقال الشافعي في البويطي‏:‏ لا أؤكده على السامع كما أؤكده على المستمع‏.‏
وأقوى الأدلة على نفي الوجوب حديث عمر المذكور في هذا الباب صلى الله عليه وسلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ التَّيْمِيِّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَبِيعَةُ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ عَمَّا حَضَرَ رَبِيعَةُ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ حَتَّى إِذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَزَادَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة‏)‏ هو أخو محمد صلى الله عليه وسلم، وعثمان بن عبد الرحمن التيمي وثقه أبو حاتم، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، ولأبيه صحبة ورواية، وهو ابن عثمان بن عبيد الله ابن أخي طلحة بن عبيد الله أحد العشرة، وربيعة بن عبد الله بن الهدير هو عم أبي بكر بن المنذر بن عبد الله ابن الهدير الراوي عنه، والهدير بلفظ التصغير، ذكر ابن سعد أن ربيعة ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس له أيضا في البخاري غير هذا الحديث الواحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عما حضر ربيعة من عمر‏)‏ متعلق بقوله ‏"‏ أخبرني ‏"‏ أي أخبرني راويا عن عثمان عن ربيعة عن قصة حضوره مجلس عمر‏.‏
ووقع عند الإسماعيلي من طريق حجاج عن ابن جريج ‏"‏ أخبرني أبو بكر ابن أبي مليكة أن عبد الرحمن بن عثمان التيمي أخبره عن ربيعة بن عبد الله أنه حضر عمر ‏"‏ فذكره ا ه‏.‏
وقوله ‏"‏عبد الرحمن بن عثمان ‏"‏ مقلوب والصواب ما تقدم، وكذا أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قرأ‏)‏ أي أنه قرأ يوم الجمعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنا نمر بالسجود‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ إنما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن لم يسجد فلا أثم عليه‏)‏ ظاهر في عدم الوجوب قوله‏:‏ ‏(‏ولم يسجد عمر‏)‏ فيه توكيد لبيان جواز ترك السجود بغير ضرورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وزاد نافع‏)‏ هو مقول ابن جريج، والخبر متصل بالإسناد الأول، وقد بين ذلك عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج ‏"‏ أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة ‏"‏ فذكره وقال في آخره ‏"‏ قال ابن جريج‏:‏ وزادني نافع عن ابن عمر أنه قال‏:‏ لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء ‏"‏ وكذلك رواه الإسماعيلي والبيهقي وغيرهما من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج فذكر الإسناد الأول، قال وقال حجاج قال ابن جريج وزاد نافع فذكره، وفي هذا رد على الحميدي في زعمه أن هذا معلق، وكذا علم عليه المزي علامة التعليق، وهو وهم، وله شاهد من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عمر لكنه منقطع بين عروة وعمر‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله في رواية عبد الرزاق ‏"‏ أنه قال ‏"‏ الضمير يعود على عمر، أشار إلى ذلك الترمذي في جامعه حيث نسب ذلك إلى عمر في هذه القصة بصيغة الجزم، واستدل بقوله ‏"‏ لم يفرض ‏"‏ على عدم وجوب سجود التلاوة، وأجاب بعض الحنفية على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب بأن نفي الفرض لا يستلزم نفي الوجوب‏.‏
وتعقب بأنه اصطلاح لهم حادث، وما كان الصحابة يفرقون بينهما، ويغني عن هذا قول عمر ‏"‏ ومن لم يسجد فلا إثم عليه ‏"‏ كما سيأتي تقريره‏.‏
واستدل بقوله ‏"‏ إلا أن نشاء ‏"‏ على أن المرء مخير في السجود فيكون ليس بواجب‏.‏
وأجاب من أوجبه بأن المعنى إلا أن نشاء قراءتها فيجب ولا يخفى بعده، ويرده تصريح عمر بقوله ‏"‏ ومن لم يسجد فلا إثم عليه ‏"‏ فإن انتفاء الإثم عمن ترك الفعل مختارا يدل على عدم وجوبه، استدل به على أن من شرع في السجود وجب عليه إتمامه، وأجيب بأنه استثناء منقطع، والمعنى لكن ذلك موكول إلى مشيئة المرء بدليل إطلاقه ‏"‏ ومن لم يسجد فلا إثم عليه ‏"‏ وفي الحديث من الفوائد أن للخطيب أن يقرأ القرآن في الخطبة، وأنه إذا مر بآية ينزل إلى الأرض ليسجد بها إذا لم يتمكن من السجود فوق المنبر، وأن ذلك لا يقطع الخطبة‏.‏
ووجه ذلك فعل عمر حضور الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم، وعن مالك يمر في خطبته ولا يسجد، وهذا الأثر وارد عليه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ بِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قرأ السجدة في الصلاة فسجد بها‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى من كره قراءة السجدة في الصلاة المفروضة، وهو منقول عن مالك، وعنه كراهته في السرية دون الجهرية وهو قول بعض الحنفية أيضا وغيرهم، وحديث أبي هريرة المحتج به في الباب تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب الجهر في العشاء ‏"‏ وبينا فيه أن في رواية أبي الأشعث عن معمر التصريح بأن سجود النبي صلى الله عليه وسلم فيها كان داخل الصلاة، وكذا في رواية يزيد بن هارون عن سليمان التيمي في صحيح أبي عوانة وغيره، وفيه حجة على من كره ذلك‏.‏
وقد تقدم النقل عمن زعم أنه لا سجود في ‏(‏إذا السماء انشقت‏)‏ ولا غيرها من المفصل، وأن العمل استمر عليه بدليل إنكار أبي رافع، وكذا أنكره أبو سلمة، وبينا أن النقل عن علماء المدينة بخلاف ذلك كعمر وابن عمر وغيرهما من الصحابة والتابعين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي بَكْرٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فَسَجَدَ فَقُلْتُ مَا هَذِهِ قَالَ سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني بكر‏)‏ هو ابن عبد الله المزني‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-28-2013, 06:15 PM   #407
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا لِلسُّجُودِ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الزِّحَامِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم يجد موضعا للسجود مع الإمام من الزحام‏)‏ أي ماذا يفعل‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ لم أجد هذه المسالة إلا في سجود الفريضة، واختلف السلف، فقال عمر‏:‏ يسجد على ظهر أخيه وبه قال الكوفيون وأحمد وإسحاق‏.‏
وقال عطاء والزهري‏:‏ يؤخر حتى يرفعوا وبه قال مالك والجمهور، وإذا كان هذا في سجود الفريضة فيجرى مثله في سجود التلاوة، وظاهر صنيع البخاري أنه يذهب إلى أنه يسجد بقدر استطاعته ولو على ظهر أخيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ السُّورَةَ الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِمَوْضِعِ جَبْهَتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة التي فيها السجدة‏)‏ زاد على بن مسهر في روايته عن عبيد الله ‏"‏ ونحن عنده ‏"‏ وقد مضى قبل بباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيسجد فنسجد‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ معه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لموضع جبهته‏)‏ يعني من الزحام، زاد مسلم في رواية له ‏"‏ في غير وقت صلاة ‏"‏ ولم يذكر ابن عمر ما كانوا يصنعون حينئذ، ولذلك وقع الاختلاف كما مضى، ووقع في الطبراني من طريق مصعب ابن ثابت عن نافع في هذا الحديث أن ذلك كان بمكة لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم النجم، وزاد فيه ‏"‏ حتى سجد الرجل على ظهر الرجل ‏"‏ وهو يؤيد ما فهمناه عن المصنف‏.‏
والذي يظهر أن هذا الكلام وقع من ابن عمر على سبيل المبالغة في أنه لم يبق أحد إلا سجد، وسياق حديث الباب مشعر بأن ذلك وقع مرارا، فيحتمل أن تكون رواية الطبراني بينت مبدأ ذلك، ويؤيده ما رواه الطبراني أيضا من رواية المسور بن مخرمة عن أبيه قال ‏"‏ أظهر أهل مكة الإسلام يعني في أول الأمر - حتى إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقرأ السجدة فيسجد وما يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام، حتى قدم رؤساء أهل مكة وكانوا بالطائف فرجعوهم الإسلام ‏"‏ واستدل به البخاري على السجود لسجود القارئ كما مضى وعلى الازدحام على ذلك‏.‏
‏(‏خاتمة‏)‏ اشتملت أبواب السجود على خمسة عشر حديثا، اثنان منها معلقان، المكرر منها فيه وفيما مضى تسعة أحاديث، والخالص ستة وافقه مسلم على تخريجها سوى حديثي ابن عباس في ‏"‏ص‏"‏ وفي النجم، وحديث عمر في التخيير في السجود‏.‏
وفيه من الآثار عن الصحابة وغيرهم سبعة آثار، والله أعلم بالصواب‏.‏
الحديث‏:‏
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَبْوَابُ تَقْصِيرِ الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أبواب التقصير‏)‏ ثبتت هذه الترجمة للمستملى‏.‏
وفي رواية أبي الوقت ‏"‏ أبواب تقصير الصلاة‏"‏، وثبتت البسملة في رواية كريمة والأصيلي‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا جَاءَ فِي التَّقْصِيرِ وَكَمْ يُقِيمُ حَتَّى يَقْصُرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في التقصير‏)‏ تقول‏:‏ قصرت الصلاة بفتحتين مخففا قصرا، وقصرتها بالتشديد تقصيرا، وأقصرتها إقصارا، والأول أشهر في الاستعمال‏.‏
والمراد به تخفيف الرباعية إلى ركعتين‏.‏
ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أن لا تقصير في صلاة الصبح ولا في صلاة المغرب‏.‏
وقال النووي‏:‏ ذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل سفر مباح‏.‏
وذهب بعض السلف إلى أنه يشترط في القصر الخوف في السفر، وبعضهم كونه سفر حج أو عمرة أو جهاد، وبعضهم كونه سفر طاعة، وعن أبي حنيفة والثوري في كل سفر سواء كان طاعة أو معصية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكم يقيم حتى يقصر‏)‏ في هذه الترجمة إشكال لأن الإقامة ليست سببا للقصر، ولا القصر غاية للإقامة، قاله الكرماني وأجاب بأن عدد الأيام المذكورة سبب لمعرفة جواز القصر فيها ومنع الزيادة عليها، وأجاب غيره بأن المعنى وكم أقامته المغياة بالقصر‏؟‏ وحاصله كم يقيم مقصر‏؟‏ وقيل المراد كم يقصر حتى يقيم‏؟‏ أي حتى يسمى مقيما فانقلب اللفظ، أو حتى هنا بمعنى حين أي كم يقيم حين يقصر‏؟‏ وقيل فاعل يقيم هو المسافر، والمراد إقامته في بلد ما غايتها التي إذا حصلت يقصر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ وَحُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عاصم‏)‏ هو ابن سليمان، وحصين بالضم هو ابن عبد الرحمن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تسعة عشر‏)‏ أي يوما بليلته، زاد في المغازي من وجه آخر عن عاصم وحده ‏"‏ بمكة‏"‏، وكذا رواه ابن المنذر من طريق عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة، وأخرجه أبو داود من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ سبعة عشر ‏"‏ بتقديم السين، وكذا أخرجه من طريق حفص بن غياث عن عاصم قال وقال عباد ابن منصور عن عكرمة ‏"‏ تسع عشرة ‏"‏ كذا ذكرها معلقة، وقد وصلها البيهقي‏.‏
ولأبي داود أيضا من حديث عمران بن حصين ‏"‏ غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ‏"‏ وله من طريق ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس ‏"‏ أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح خمسة عشر يقصر الصلاة ‏"‏ وجمع البيهقي بين هذا الاختلاف بأن من قال تسع عشرة عد يومي الدخول والخروج، ومن قال سبع عشرة حذفهما، ومن قال ثماني عشرة عد أحدهما‏.‏
وأما رواية ‏"‏ خمسة عشر ‏"‏ فضعفها النووي في الخلاصة، وليس يجيد لأن رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق فقد أخرجها النسائي من رواية عراك مالك عن عبيد الله كذلك، وإذا ثبت أنها صحيحة فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبعة عشر فحذف منها يومي الدخول والخروج فذكر أنها خمسة عشر، واقتضى ذلك أن رواية تسعة عشر أرجح الروايات، وبهذا أخذ إسحاق بن راهويه، ويرجحها أيضا أنها أكثر ما وردت به الروايات الصحيحة، وأخذ الثوري وأهل الكوفة برواية خمسة عشر لكونها أقل ما ورد، فيحمل ما زاد على أنه وقع اتفاقا‏.‏
وأخذ الشافعي بحديث عمران بن حصين لكن محله عنده فيمن لم يزمع الإقامة، فإنه إذا مضت عليه المدة المذكورة وجب عليه الإتمام، فإن أزمع الإقامة في أول الحال على أربعة أيام أتم، على خلاف بين أصحابه في دخول يومي الدخول والخروج فيها أو لا، وحجته حديث أنس الذي يليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنحن إذا سافرنا تسع عشر قصرنا، وإن زدنا أتممنا‏)‏ ظاهره أن السفر إذا زاد على تسعة عشر لزم الإتمام وليس ذلك المراد، وقد صرح أبو يعلى عن شيبان عن أبي عوانة في هذا الحديث بالمراد ولفظه ‏"‏ إذا سافرنا فأقمنا في موضع تسعة عشر ‏"‏ ويؤيده صدر الحديث وهو قوله ‏"‏ أقام ‏"‏ وللترمذي من وجه آخر عن عاصم ‏"‏ فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلينا أربعا‏"‏‏.‏
قوله في حديث أنس ‏"‏ خرجنا من المدينة ‏"‏ في رواية شعبة عن يحيى بن أبي إسحاق عند مسلم ‏"‏ إلى الحج‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ قُلْتُ أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا قَالَ أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكان يصلي ركعتين ركعتين‏)‏ في رواية البيهقي من طريق علي بن عاصم عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس ‏"‏ إلا في المغرب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أقمنا بها عشرا‏)‏ لا يعارض ذلك حديث ابن عباس المذكور، لأن حديث ابن عباس كان في فتح مكة وحديث أنس في حجة الوداع، وسيأتي بعد باب من حديث ابن عباس ‏"‏ قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة ‏"‏ الحديث، ولا شك أنه خرج من مكة صبح الرابع عشر فتكون مدة الإقامة بمكة وضواحيها عشرة أيام بلياليها كما قال أنس، وتكون مدة إقامته بمكة أربعة أيام سواء لأنه خرج منها في اليوم الثامن فصلى الظهر بمنى، ومن ثم قال الشافعي‏:‏ إن المسافر إذا أقام ببلدة قصر أربعة أيام‏.‏
وقال أحمد‏:‏ إحدى وعشرين صلاة‏.‏
وأما قول ابن رشيد‏:‏ أراد البخاري أن يبين أن حديث أنس داخل في حديث ابن عباس لأن إقامة عشر داخل في إقامة تسع عشرة - فأشار بذلك إلى أن الأخذ بالزائد متعين - ففيه نظر لأن ذلك إنما يجيء على اتحاد القصتين، والحق أنهما مختلفان، فالمدة التي في حديث ابن عباس يسوغ الاستدلال بها على من لم ينو الإقامة بل كان مترددا متى يتهيأ له فراغ حاجته يرحل، والمدة التي في حديث ابن أنس يستدل بها على من نوى الإقامة لأنه صلى الله عليه وسلم في أيام الحج كان جازما بالإقامة تلك المدة، ووجه الدلالة‏.‏
حديث ابن عباس لما كان الأصل في المقيم الإتمام فلما لم يجيء عنه صلى الله عليه وسلم أنه أقام في حال السفر أكثر من تلك المدة جعلها غاية للقصر، وقد اختلف العلماء في ذلك على أقوال كثيرة كما سيأتي، وفيه أن الإقامة في أثناء السفر تسمى إقامة، وإطلاق اسم البلد على ما جاورها وقرب منها لأن منى وعرفة ليسا من مكة، أما عرفة فلأنها خارج الحرم فليست من مكة قطعا، وأما منى ففيها احتمال، والظاهر إنها ليست من مكة إلا إن قلنا إن اسم مكة يشمل جميع الحرم، قال أحمد بن حنبل‏:‏ ليس لحديث أنس وجه إلا أنه حسب أيام إقامته صلى الله عليه وسلم في حجته منذ دخل مكة إلى أن خرج منها لا وجه له إلا هذا‏.‏
وقال المحب الطبري‏:‏ أطلق على ذلك إقامة بمكة لأن هذه المواضع مواضع النسك وهي في حكم التابع لمكة لأنها المقصود بالأصالة لا يتجه سوى ذلك كما قال الإمام أحمد والله أعلم‏.‏
وزعم الطحاوي أن الشافعي لم يسبق إلى أن المسافر يصير بنية إقامته أربعة أيام مقيما، وقد قال أحمد نحو ما قال الشافعي، وهي رواية عن مالك‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ بِمِنًى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة بمنى‏)‏ أي في أيام الرمي، ولم يذكر المصنف حكم المسألة لقوة الخلاف فيها، وخص، منى بالذكر لأنها المحل الذي وقع فيها ذلك قديما‏.‏
واختلف السلف في المقيم بمنى هل يقصر أو يتم، بناء على أن القصر بها للسفر أو للنسك‏؟‏ واختار الثاني مالك، وتعقبه الطحاوي بأنه لو كان كذلك لكان أهل منى يتمون ولا قائل بذلك‏.‏
وقال بعض المالكية‏:‏ لو لم يجز لأهل مكة القصر بمنى لقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أتموا، وليس بين مكة ومنى مسافة القصر، فدل على أنهم قصروا للنسك‏.‏
وأجيب بأن الترمذي روى من حديث عمران بن حصين ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة ركعتين ويقول‏:‏ يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر ‏"‏ وكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى استغناء بما تقدم بمكة‏.‏
قلت‏:‏ وهذا ضعيف، لأن الحديث من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، ولو صح فالقصة كانت في الفتح، وقصة منى في حجة الوداع، وكان لا بد من بيان ذلك لبعد العهد‏.‏
ولا يخفى أن أصل البحث مبني على تسليم أن المسافة التي بين مكة ومنى لا يقصر فيها، وهو من محال الخلاف كما سيأتي بعد باب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بمنى‏)‏ زاد مسلم في رواية سالم عن أبيه ‏"‏ بمنى وغيره‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم أتمها‏)‏ في رواية أبي أسامة عن عبيد الله عند مسلم ‏"‏ ثم إن عثمان صلى أربعا فكان ابن عمر إذا صلى من الإمام صلى أربعا وإذا صلى وحده صلى ركعتين ‏"‏ وسيأتي ذكر السبب في إتمام عثمان بمنى في ‏"‏ باب يقصر إذا خرج من موضعه‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنَ مَا كَانَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنبأنا أبو إسحاق‏)‏ كذا هو بلفظ الإنباء، وهو في عرف المتقدمين بمعنى الإخبار والتحديث وهذا منه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت حارثة بن وهب‏)‏ زاد البرقاني في مستخرجه ‏"‏ رجلا من خزاعة ‏"‏ أخرجه من طريق أبي الوليد شيخ البخاري فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏آمن‏)‏ أفعل تفضيل من الأمن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما كان‏)‏ في رواية الكشميهني والحموي ‏"‏ كانت ‏"‏ أي حالة كونها آمن أوقاته‏.‏
وفي رواية مسلم ‏"‏ والناس أكثر ما كانوا ‏"‏ قوله شاهد من حديث ابن عباس عند الترمذي وصححه النسائي بلفظ، خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا الله، يصلي ركعتين ‏"‏ قال الطيبي‏:‏ ما مصدرية، ومعناه الجمع، لأن ما أضيف إليه أفعل يكون جمعا، والمعنى صلى بنا والحال أنا أكثر أكواننا في سائر الأوقات أمنا‏.‏
وسيأتي في ‏"‏ باب الصلاة بمنى ‏"‏ من كتاب الحج عن آدم عن شعبة بلفظ ‏"‏ عن أبي إسحاق ‏"‏ وقال في روايته ‏"‏ ونحن أكثر ما كنا قط وآمنه ‏"‏ وكلمة قط متعلقة بمحذوف تقديره ونحن ما كنا أكثر منا في ذلك الوقت ولا أكثر أمنا‏.‏
وهذا يستدرك به علي ابن مالك حيث قال‏:‏ استعمال قط غير مسبوقة بالنفي مما يخفى على كثير من النحويين، وقد جاء في هذا الحديث بدون النفي‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ قوله ‏"‏ وآمنه ‏"‏ بالرفع ويجوز النصب بأن يكون فعلا ماضيا وفاعله الله وضمير المفعول النبي صلى الله عليه وسلم، والتقدير وآمن الله نبيه حينئذ‏.‏
ولا يخفى بعد هذا الإعراب‏.‏
وفيه رد على من زعم أن القصر مختص بالخوف، والذي قال ذلك تمسك بقوله تعالى ‏(‏وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا‏)‏ ولم يأخذ الجمهور بهذا المفهوم، فقيل لأن شرط مفهوم المخالفة أن لا يكون خرج مخرج الغالب، وقيل هو من الأشياء التي شرع الحكم فيها بسبب ثم زال السبب وبقي الحكم كالرمل، وقيل المراد بالقصر في الآية قصر الصلاة في الخوف إلى ركعة، وفيه نظر لما رواه مسلم من طريق يعلى بن أمية وله صحبة أنه سأل عمر عن قصر الصلاة في السفر فقال إنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ‏"‏ صدقة تصدق الله بها عليكم ‏"‏ فهذا ظاهر في أن الصحابة فهموا من ذلك قصر الصلاة في السفر مطلقا لا قصرها في الخوف خاصة‏.‏
وفي جواب عمر إشارة إلى القول الثاني‏.‏
وروى السراج من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي حنظلة وهو الحذاء لا يعرف اسمه‏.‏
قال‏:‏ سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر فقال‏:‏ ركعتان، فقلت إن الله عز وجل قال ‏"‏ إن خفتم ‏"‏ ونحن آمنون، فقال‏:‏ سنة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وهذا يرجح القول الثاني أيضا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ الْأَعْمَشِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إبراهيم‏)‏ هو النخعي لا التيمي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلى بنا عثمان بمنى أربع ركعات‏)‏ كان ذلك بعد رجوعه من أعمال الحج في حال إقامته بمنى للرمي كما سيأتي ذلك في رواية عباد بن عبد الله الزبير في قصة معاوية بعد بابين‏.‏قوله‏:‏ ‏(‏فقيل ذلك‏)‏ في رواية أبي ذر والأصيلي ‏"‏ فقيل في ذلك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاسترجع‏)‏ أي فقال‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومع عمر ركعتين‏)‏ زاد الثوري عن الأعمش ثم تفرقت بكم الطرق، أخرجه المصنف في الحج من طريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليت حظي من أربع ركعات ركعتان‏)‏ لم يقل الأصيلي ركعات، ومن للبدلية مثل قوله تعالى ‏(‏أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة‏)‏ وهذا يدل على أنه كان يرى الإتمام جائزا وإلا لما كان له حظ من الأربع ولا من غيرها فإنها كانت تكون فاسدة كلها، وإنما استرجح ابن مسعود لما وقع عنده من مخالفة الأولى‏.‏
ويؤيده ما روى أبو داود ‏"‏ أن ابن مسعود صلى أربعا، فقيل له‏:‏ عبت على عثمان ثم صليت أربعا‏.‏
فقال‏:‏ الخلاف شر ‏"‏ وفي رواية البيهقي ‏"‏ إني لأكره الخلاف ‏"‏ ولأحمد من حديث أبي ذر مثل الأول، وهذا يدل على أنه لم يكن يعتقد أن القصر واجب كما قال الحنفية ووافقهم القاضي إسماعيل من المالكية وهي رواية عن مالك وعن أحمد‏.‏
قال ابن قدامة‏:‏ المشهور عن أحمد أنه على الاختيار والقصر عنده أفضل، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين، واحتج الشافعي على عدم الوجوب بأن المسافر إذا دخل في صلاة المقيم صلى أربعا باتفاقهم، ولو كان فرضه القصر لم يأتم مسافر بمقيم‏.‏
وقال الطحاوي‏:‏ لما كان الفرض لا بد لمن هو عليه أن يأتي به ولا يتخير في الإتيان ببعضه وكان التخيير مختصا بالتطوع دل على أن المصلي لا يتخير في الاثنتين والأربع‏.‏
وتعقبه ابن بطال بأنا وجدنا واجبا يتخير بين الإتيان بجميعه أو ببعضه وهو الإقامة بمنى ا ه‏.‏
ونقل الداودي عن ابن مسعود أنه كان يرى القصر فرضا، وفيه نظر لما ذكرته، ولو كان كذلك لما تعمد ترك الفرض حيث صلى أربعا وقال إن الخلاف شر، ويظهر أثر الخلاف فيما إذا قام إلى الثالثة عمدا فصلاته عند الجمهور صحيحة، وعند الحنفية فاسدة ما لم يكن جلس للتشهد، وسيأتي ذكر السبب في إتمام عثمان بعد بابين إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-28-2013, 06:16 PM   #408
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب كَمْ أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في حجته‏)‏ أي من يوم قدومه إلى أن خرج منها، وقد تقدم بيان ذلك في الكلام على حديث أنس في الباب الذي قبله‏.‏
والمقصود بهذه الترجمة بيان ما تقدم من أن المحقق فيه نية الإقامة هي مدة المقام بمكة قبل الخروج إلى منى ثم إلى عرفة وهي أربعة أيام ملفقة لأنه قدم في الرابع وخرج في الثامن فصلى بها إحدى وعشرين صلاة من أول ظهر الرابع إلى آخر ظهر الثامن صلى الله عليه وسلم، وقيل أراد مدة إقامته إلى أن توجه إلى المدينة وهي عشرة كما في حديث أنس، وإن كان لم يصرح في حديث ابن عباس بغايتها فإنها تعرف من الواقع، فإن بين دخوله وخروجه يوم النفر الثاني من منى إلى الأبطح عشرة أيام سواء‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إِلَّا مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ تَابَعَهُ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي العالية البراء‏)‏ هو بتشديد الراء، كان يبري النبل، واسمه زياد وقيل غير ذلك، وهو غير أبي العالية الرياحي، وقد اشتركا في الرواية عن أبي عباس، وسيأتي الكلام على هذا الحديث وعلى متابعة عطاء عن جابر في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب في كم يقصر الصلاة‏)‏ يريد بيان المسافة التي إذا أراد المسافر الوصول إليها ساغ له القصر ولا يسوغ له في أقل منها، وهي من المواضع التي انتشر فيها الخلاف جدا، فحكى ابن المنذر وغيره فيها نحو من عشرين قولا، فأقل ما قيل في ذلك يوم وليلة، وأكثره ما دام غائبا عن بلده‏.‏
وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام، وأورد ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وسمي النبي صلى الله عليه وسلم يوما وليلة سفرا‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ السفر يوما وليلة ‏"‏ وفي كل منهما تجوز، والمعنى سمي مدة اليوم والليلة سفرا، وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة المذكور عنده في الباب، وقد تعقب بأن في بعض طرقه ‏"‏ ثلاثة أيام ‏"‏ كما أورده هو من حديث ابن عمر، وفي بعضها ‏"‏ يوم وليلة ‏"‏ وفي بعضها ‏"‏ يوم ‏"‏ وفي بعضها ‏"‏ ليلة ‏"‏ وفي بعضها ‏"‏ بريد ‏"‏ فإن حمل اليوم المطلق أو الليلة المطلقة على الكامل أي يوم بليلته أو ليلة بيومها قل الاختلاف واندرج في الثلاث فيكون أقل المسافة يوما وليلة، لكن يعكر عليه رواية ‏"‏ بريد ‏"‏ ويجاب عنه بما سيأتي قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر وابن عباس الخ‏)‏ ، وصله ابن المنذر من رواية يزيد بن أبي حبيب عن عطاء ابن أبي رباح ‏"‏ أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك ‏"‏ وروى السراج من طريق عمرو بن دينار عن ابن عمر نحوه، وروى الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن سالم ‏"‏ أن ابن عمر ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة ‏"‏ قال مالك وبينها وبين المدينة أربعة برد، رواه عبد الرزاق عن مالك هذا فقال‏:‏ بين المدينة وذات النصب ثمانية عشر ميلا‏.‏
وفي الموطأ عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه ‏"‏ كان يقصر في مسيرة اليوم التام ‏"‏ ومن طريق عطاء ‏"‏ أن ابن عباس سئل‏:‏ أنقصر الصلاة إلى عرفة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
ولكن إلى عسفان أو إلى جدة أو الطائف ‏"‏ وقد روي عن ابن عباس مرفوعا أخرجه الدار قطني وابن أبي شيبة من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه وعطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان ‏"‏ وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد الوهاب، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال ‏"‏ لا تقصروا الصلاة إلا في اليوم، ولا تقصر فيما دون اليوم‏"‏، ولابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عنه قال ‏"‏ تقصر الصلاة في مسيرة يوم وليلة ‏"‏ ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن مسافة أربعة برد يمكن سيرها في يوم وليلة، وأما حديث ابن عمر الدال على اعتبار الثلاث فإما أن يجمع بينه وبين اختياره بأن المسافة واحدة ولكن السير يختلف، أو أن الحديث المرفوع ما سيق لأجل بيان مسافة القصر، بل لنهي المرأة عن الخروج وحدها، ولذلك اختلفت الألفاظ في ذلك‏.‏
ويؤيد ذلك أن الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان، فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة مثلا في يوم تام لتعلق بها النهي، بخلاف المسافر فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلا في يومين لم يقصر فافترقا‏.‏
والله أعلم‏.‏
وأقل ما ورد في ذلك لفظ ‏"‏ بريد ‏"‏ إن كانت محفوظة وسنذكرها في آخر هذا الباب، وعلى هذا ففي تمسك الحنفية بحديث ابن عمر على أن أقل مسافة القصر ثلاثة أيام إشكال، ولا سيما على قاعدتهم بأن الاعتبار بما رأى الصحابي لا بما روى، فلو كان الحديث عنده لبيان أقل مسافة القصر لما خالفه وقصر في مسيرة اليوم التام‏.‏
وقد اختلف عن ابن عمر في تحديد ذلك اختلافا غير ما ذكر، فروى عبد الرزاق عن ابن جريج ‏"‏ أخبرني نافع أن ابن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال له بخيبر ‏"‏ وبين المدينة وخيبر ستة وتسعون ميلا‏.‏
وروى وكيع من وجه آخر عن ابن عمر أنه قال ‏"‏ يقصر من المدينة إلى السويداء ‏"‏ وبينهما اثنان وسبعون ميلا‏.‏
وروى عبد الرزاق عن مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه ‏"‏ سافر إلى ريم فقصر الصلاة ‏"‏ قال عبد الرزاق‏:‏ وهي على ثلاثين ميلا من المدينة‏.‏
وروى ابن أبي شيبة عن وكيع عن مسعر عن محارب ‏"‏ سمعت ابن عمر يقول‏:‏ إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر ‏"‏ وقال الثوري‏:‏ سمعت جبلة بن سحيم عن ابن عمر يقول ‏"‏ لو خرجت ميلا قصرت الصلاة ‏"‏ إسناد كل منهما صحيح‏.‏
وهذه أقوال مغايرة جدا‏.‏
فالله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهي‏)‏ أي الأربعة برد ‏(‏ستة عشر فرسخا‏)‏ ذكر الفراء أن الفرسخ فارسي معرب، وهو ثلاثة أميال، والميل من الأرض منتهى مد البصر لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وبذلك جزم الجوهري‏.‏
وقيل حده أن ينظر إلى الشخص في أرض مسطحة فلا يدري أهو رجل أو امرأة أو هو ذاهب أو آت قال النووي الميل ستة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعا معترضة معتدلة والإصبع ست شعيرات معترضة معتدلة ا ه‏.‏
وهذا الذي قاله هو الأشهر، ومنهم من عبر عن ذلك باثني عشر ألف قدم بقدم الإنسان، وقيل هو أربعة آلاف ذراع، وقيل بل ثلاثة آلاف ذراع نقله صاحب البيان، وقيل وخمسمائة صحيحه ابن عبد البر‏.‏
وقيل هو ألفا ذراع، ومنهم من عبر عن ذلك بألف خطوة للجمل، ثم إن الذراع الذي ذكر النووي تحديده قد حرره غيره بذراع الحديد المستعمل الآن في مصر والحجاز في هذا الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن، فعلى هذا فالميل بذراع الحديد على القول المشهور خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعا، وهذه فائدة نفيسة قل من نبه عليها‏.‏
وحكى النووي أن أهل الظاهر ذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال، وكأنهم احتجوا في ذلك بما رواه مسلم وأبو داود من حديث أنس قال ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال - أو فراسخ - قصر الصلاة ‏"‏ وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التي يبتدأ مها القصر لا غاية السفر، ولا يخفى بعد هذا الحمل، أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال ‏"‏ سألت أنسا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة - يعني من البصرة - فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع، فقال أنس فذكر الحديث، فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدأ القصر منه‏.‏
ثم إن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منها، ورده القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ، فإن الثلاثة أميال مدرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطا، وقد روى ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن ابن حرملة قال ‏"‏ قلت لسعيد بن المسيب‏:‏ أأقصر الصلاة وأفطر في بريد من المدينة‏؟‏ قال‏:‏ نعم ‏"‏ والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ اختلف في معنى الفرسخ، فقيل السكون ذكره ابن سيده، وقيل السعة، وقيل المكان الذي لا فرجة فيه، وقيل الشيء الطويل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ قال أبو علي الجياني حيث قال البخاري ‏"‏ حدثنا إسحاق ‏"‏ فهو إما ابن راهويه، وإما ابن نصر السعدي، وإما ابن منصور الكوسج، لأن الثلاثة أخرج عنهم عن أبي أسامة‏.‏
قلت‏:‏ لكن إسحاق هنا هو ابن راهويه، لأنه ساق هذا الحديث في مسنده بهذه الألفاظ سندا ومتنا، ومن عادته الإتيان بهذه العبارة دون الأخيرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثكم عبيد الله‏)‏ هو ابن عمر العمري، واستدل به على أنه لا يشترط في صحة التحمل قول الشيخ ‏"‏ نعم ‏"‏ في جواب من قال له حدثكم فلان بكذا، وفيه نظر لأن في مسند إسحاق في آخره فأقر به أبو أسامة وقال‏:‏ نعم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا تسافر المرأة ثلاثة أيام‏)‏ في رواية مسلم من طريق الضحاك بن عثمان عن نافع ‏"‏ مسيرة ثلاث ليال ‏"‏ والجمع بينهما أن المراد ثلاثة أيام بلياليها أو ثلاث ليال بأيامها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا مع ذي محرم‏)‏ في رواية أبي ذر والأصيلي ‏"‏ إلا معها ذو محرم ‏"‏ والمحرم بفتح الميم الحرام والمراد به من لا يحل له نكاحها‏.‏
ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم وأبي داود ‏"‏ إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها ‏"‏ أخرجاه من طريق الأعمش عن أبي صالح عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ تَابَعَهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه أحمد‏)‏ هو ابن محمد المروزي أحد شيوخ البخاري، ووهم من زعم أنه أحمد بن حنبل لأنه لم يسمع من عبد الله بن المبارك، ونقل الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ عن يحيى القطان قال‏:‏ ما أنكرت على عبيد الله بن عمر إلا هذا الحديث‏.‏
ورواه أخوه عبد الله موقوفا‏.‏
قلت‏:‏ وعبد الله ضعيف، وقد تابع عبيد الله الضحاك كما تقدم فاعتمده البخاري لذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ تَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَسُهَيْلٌ وَمَالِكٌ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر‏)‏ مفهومه أن النهي المذكور يختص بالمؤمنات، فتخرج الكافرات كتابية كانت أو حربية، وقد قال به بعض أهل العلم‏.‏
وأجيب بأن الإيمان هو الذي يستمر للمتصف به خطاب الشارع فينتفع به وينقاد له، فلذلك قيد به، أو أن الوصف ذكر لتأكيد التحريم ولم يقصد به إخراج مما سواه‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة‏)‏ أي محرم، واستدل به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم، وهو إجماع في غير الحج والعمرة والخروج من دار الشرك، ومنهم من جعل ذلك من شرائط الحج كما سيأتي البحث فيه في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال شيخنا ابن الملقن تبعا لشيخه مغلطاي‏:‏ الهاء في قوله ‏"‏ مسيرة يوم وليلة ‏"‏ للمرة الواحدة، والتقدير أن تسافر مرة واحدة مخصوصة بيوم وليلة، ولا سلف له في هذا الإعراب، ومسيرة إنما هي مصدر سار كقوله سيرا مثل عاش معيشة وعيشا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه يحيى بن أبي كثير وسهيل ومالك عن المقبري‏)‏ يعني سعيدا ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ يعني لم يقولوا ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ فعلى هذا فهي متابعة في المتن لا في الإسناد، على أنه قد اختلف على سهيل وعلى مالك فيه، وكأن الرواية التي جزم بها المصنف أرجح عنده عنهم، ورجح الدار قطني أنه عن سعيد عن أبي هريرة ليس فيه ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ كما رواه معظم رواة الموطأ، لكن الزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظا، وقد وافق ابن أبي ذئب على قوله ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ الليث بن سعد عند أبي داود، والليث وابن أبي ذئب من أثبت الناس في سعيد، فأما رواية يحيى فأخرجها أحمد عن الحسن بن موسى عن شيبان النحوي عنه ولم أجد عنه فيه اختلافا إلا أن لفظة ‏"‏ أن تسافر يوما إلا مع ذي محرم ‏"‏ ويحمل قوله يوما على أن المراد به اليوم بليلته فيوافق رواية ابن أبي ذئب، وأما رواية سهيل فذكر ابن عبد البر أنه اضطرب في إسنادها ومتنها، وأخرجه ابن خزيمة من طريق خالد الواسطي وحماد بن سلمة، وأخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم من طريق جرير كلاهما عن سهيل بن أبي صالح عن سعيد عن أبي هريرة كما علقه البخاري، إلا أن جريرا قال في روايته ‏"‏ بريدا ‏"‏ بدل يوما‏.‏
وقال بشر بن المفضل عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أبدل سعيدا بأبي صالح، وخالف في اللفظ أيضا فقال ‏"‏ تسافر ثلاثا ‏"‏ أخرجه مسلم، ويحتمل أن يكون الحديثان معا عند سهيل، ومن ثم صحح ابن حبان الطريقين عنه، لكن المحفوظ عن أبي صالح عن أبي سعيد كما تقدمت الإشارة إليه‏.‏
وأما رواية مالك فهي في الموطأ كما قال البخاري، وأخرجها مسلم وأبو داود وغيرهما، وهو المشهور عنه‏.‏
ورواها بشر بن عمر الزهراني عنه فقال ‏"‏ عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ‏"‏ أخرجه أبو داود والترمذي وأبو عوانة وابن خزيمة من طريقه‏.‏
وقال ابن خزيمة‏:‏ إنه تفرد به عن مالك، وفيه نظر لأن الدار قطني أخرجه في ‏"‏ الغرائب ‏"‏ من رواية إسحاق بن محمد الفروي عن مالك كذلك، وأخرجه الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم عن مالك، والمحفوظ عن مالك ليس فيه قوله ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-28-2013, 06:17 PM   #409
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب يَقْصُرُ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ
وَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَصَرَ وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ هَذِهِ الْكُوفَةُ قَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يقصر إذا خرج من موضعه‏)‏ يعني إذا قصد سفرا تقصر في مثله الصلاة، وهي من المسائل المختلف فيها أيضا‏.‏
قال ابن المنذر أجمعوا على أن لمن يريد السفر أن يقصر إذا خرج عن جميع بيوت القرية التي يخرج منها، واختلفوا فيما قبل الخروج عن البيوت‏:‏ فذهب الجمهور إلى أنه لا بد من مفارقة جميع البيوت‏.‏
وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين ولو كان في منزله‏.‏
ومنهم من قال‏:‏ إذا ركب قصر إن شاء، ورجح ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على أنه يقصر إذا فارق البيوت، واختلفوا فيما قبل ذلك، فعليه الإتمام على أصل ما كان عليه حتى يثبت أن له القصر، قال‏:‏ ولا أعلم النبي صلى الله عليه وسلم قصر في شيء من أسفاره إلا بعد خروجه عن المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وخرج علي فقصر وهو يرى البيوت، فلما رجع قيل له‏:‏ هذه الكوفة، قال لا، حتى ندخل‏)‏ وصله الحاكم من رواية الثوري عن وقاء بن إياس وهو بكسر الواو وبعدها قاف ثم مدة عن علي بن ربيعة قال ‏"‏ خرجنا مع علي بن أبي طالب فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت، ثم رجعنا فقصرنا الصلاة ونحن نرى البيوت ‏"‏ وأخرجه البيهقي من طريق يزيد بن هارون عن وقاء بن إياس بلفظ ‏"‏ خرجنا مع علي متوجهين هاهنا - وأشار بيده إلى الشام - فصلى ركعتين ركعتين، حتى إذا رجعنا ونظرنا إلى الكوفة حضرت الصلاة قالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين هذه الكوفة، أتم الصلاة‏.‏
قال‏:‏ لا، حتى ندخلها ‏"‏ وفهم ابن بطال من قوله في التعليق ‏"‏ لا، حتى ندخلها ‏"‏ أنه امتنع من الصلاة حتى يدخل الكوفة، قال لأنه لو صلى فقصر ساغ له ذلك، لكنه اختار أن يتم لاتساع الوقت ا ه‏.‏
وقد تبين من سياق أثر على أن الأمر على خلاف ما فهمه ابن بطال، وأن المراد بقوله ‏"‏ هذه الكوفة ‏"‏ أي فأتم الصلاة، فقال ‏"‏ لا، حتى ندخلها ‏"‏ أي لا نزال نقصر حتى ندخلها، فإنا ما لم ندخلها في حكم المسافرين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّيْتُ الظُّهْرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ
الشرح‏:‏
‏(‏صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ والعصر بذي الحليفة ركعتين ‏"‏ وهي ثابتة في رواية مسلم، وكذا في رواية أبي قلابة عن أنس عند المصنف في الحج، واستدل به على استباحة قصر الصلاة في السفر القصير لأن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال، وتعقب بأن ذا الحليفة لم تكن منتهى السفر وإنما خرج إليها حيث كان قاصدا إلى مكة فاتفق نزوله بها وكانت أول صلاة حضرت بها العصر فقصرها واستمر يقصر إلى أن رجع، ومناسبة أثر على الحديث أنس ثم لحديث عائشة أن حديث علي دال على أن القصر يشرع بفراق الحضر، وكونه صلى الله عليه وسلم لم يقصر حتى رأى ذا الحليفة إنما هو لكونه أول منزل نزله ولم يحضر قبله وقت صلاة، ويؤيده حديث عائشة ففيه تعليق الحكم بالسفر والحضر، فحيث وجد السفر شرع القصر، وحيث وجد الحضر شرع الإتمام‏.‏
واستدل به على أن من أراد السفر لا يقصر حتى يبرز من البلد خلافا لمن قال من السلف يقصر ولو في بيته، وفيه حجة على مجاهد في قوله‏:‏ لا يقصر حتى يدخل الليل‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ الصَّلَاةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ قَالَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ
الشرح‏:‏
‏(‏الصلاة أول ما فرضت‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ الصلوات ‏"‏ بصيغة الجمع، وأول بالرفع على أنه بدل من الصلاة أو مبتدأ ثان، ويجوز النصب على أنه ظرف أي في أول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ركعتين‏)‏ في رواية كريمة ‏"‏ ركعتين ركعتين‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأقرت صلاة السفر‏)‏ تقدم الكلام عليه في أول الصلاة، واستدل بقوله ‏"‏ فرضت ركعتين ‏"‏ على أن صلاة المسافر لا تجوز إلا مقصورة، ورد بأنه معارض بقوله تعالى ‏(‏فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة‏)‏ ولأنه دال على أن الأصل الإتمام، ومنهم من حمل قول عائشة ‏"‏ فرضت ‏"‏ أي قدرت‏.‏
وقال الطبري‏:‏ معناه أن المسافر إذا اختار القصر فهو فرضه، ومن أدل دليل على تعين تأويل حديث عائشة هذا كونها كانت تتم في السفر، ولذلك أورده الزهري عن عروة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتأولت ما تأول عثمان‏)‏ هذا فيه رد على من زعم أن عثمان إنما أتم لكونه تأهل بمكة، أو لأنه أمير المؤمنين وكل موضع له دار، أو لأنه عزم على الإقامة بمكة، أو لأنه استجد له أرضا بمنى، أو لأنه كان يسبق الناس إلى مكة، لأن جميع ذلك منتف في حق عائشة وأكثره لا دليل عليه بل هي ظنون ممن قالها، ويرد الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بزوجاته وقصر، والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك، والثالث أن الإقامة بمكة على المهاجرين حرام كما سيأتي تقريره في الكلام حديث على حديث العلاء بن الحضرمي في كتاب المغازي، والرابع والخامس لم ينقلا فلا يكفي التخرص في ذلك، والأول وإن كان نقل وأخرجه أحمد والبيهقي من حديث عثمان وأنه لما صلى بمنى أربع ركعات أنكر الناس عليه فقال‏:‏ إني تأهلت بمكة لما قدمت وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ من تأهل ببلدة فإنه يصلي صلاة مقيم ‏"‏ فهذا الحدث لا يصح لأنه منقطع، وفي رواته من لا يحتج به، ويرده قول عروة‏:‏ إن عائشة تأولت ما تأول عثمان، ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلا‏.‏
فدل على وهن ذلك الخبر‏.‏
ثم ظهر لي أنه يمكن أن يكون مراد عروة بقوله ‏"‏ كما تأول عثمان ‏"‏ التشبيه بعثمان في الإتمام بتأويل لا اتحاد تأويلهما، ويقويه أن الأسباب اختلفت في تأويل عثمان فتكاثرت، بخلاف تأويل عائشة‏.‏
وقد أخرج ابن جرير في تفسير سورة النساء ‏"‏ إن عائشة كانت تصلي في السفر أربعا، فإذا احتجوا عليها تقول‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حرب وكان يخاف، فهل تخافون أنتم ‏"‏‏؟‏ وقد قيل في تأويل عائشة إنما أتمت في سفرها إلى البصرة إلى قتال علي والقصر عندها إنما يكون في سفر طاعة، وهذان القولان باطلان لا سيما الثاني، ولعل قول عائشة هذا هو السبب في حديث حارثة بن وهب الماضي قبل ببابين والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصا بمن كان شاخصا سائرا، وأما من أقام في مكان في أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم، والحجة فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال‏:‏ لما قدم علينا معاوية حاجا صلى بنا الظهر ركعتين بمكة، ثم انصرف إلى دار الندوة، فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا‏:‏ لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة‏.‏
قال‏:‏ وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء أربعا أربعا، ثم إذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ الوجه الصحيح في ذلك أن عثمان وعائشة كانا يريان أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصر لأنه أخذ بالأيسر من ذلك على أمته، فأخذا لأنفسهما بالشدة ا ه‏.‏
وهذا رجحه جماعة من آخرهم القرطبي، لكن الوجه الذي قبله أولى لتصريح الراوي بالسبب، وأما ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن عثمان إنما أتم الصلاة لأنه نوى الإقامة بعد الحج فهو مرسل، وفيه نظر لأن الإقامة بمكة على المهاجرين حرام كما سيأتي في الكلام على حديث العلاء بن الحضرمي في المغازي، وصح عن عثمان أنه كان لا يودع النساء إلا على ظهر راحلته، ويسرع الخروج خشية أن يرجع في هجرته‏.‏
وثبت عن عثمان أنه قال لما حاصروه - وقال له المغيرة‏:‏ اركب رواحلك إلى مكة - قال‏:‏ لن أفارق دار هجرتي‏.‏
ومع هذا النظر في رواية معمر عن الزهري فقد روى أيوب عن الزهري ما يخالفه، فروى الطحاوي وغيره من هذا الوجه عن الزهري قال‏:‏ إنما صلى عثمان بمنى أربعا لأن الأعراب كانوا كثروا في ذلك العام فأحب أن يعلمهم أن الصلاة أربع، وروى البيهقي من طريق عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عثمان أنه أتم بمنى ثم خطب فقال‏:‏ إن القصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ولكنه حدث طغام - يعني بفتح الطاء والمعجمة - فخفت أن يستنوا‏.‏
وعن ابن جريح أن أعرابيا ناداه في منى‏:‏ يا أمير المؤمنين ما زلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين‏.‏
وهذه طرق يقوي بعضها بعضا، ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الإتمام، وليس بمعارض للوجه الذي اخترته بل يقويه من حيث أن حالة الإقامة في أثناء السفر أقرب إلى قياس الإقامة المطلقة عليها بخلاف السائر، وهذا ما أدى إليه اجتهاد عثمان‏.‏
وأما عائشة فقد جاء عنها سبب الإتمام صريحا، وهو فيما أخرجه البيهقي من طريق هشام بن عروة عن أبيه ‏"‏ أنها كانت تصلى في السفر أربعا، فقلت لها‏:‏ لو صليت ركعتين، فقالت‏:‏ يا ابن أختي إنه لا يشق علي ‏"‏ إسناده صحيح، وهو دال على أنها تأولت أن القصر رخصة، وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل‏.‏
ويدل على اختيار الجمهور ما رواه أبو يعلى والطبراني بإسناد جيد عن أبي هريرة أنه سافر مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فكلم كان يصلي ركعتين من حين يخرج من المدينة إلى مكة حتى يرجع إلى المدينة في السير وفي المقام بمكة‏.‏
قال الكرماني ما ملخصه‏:‏ تمسك الحنفية بحديث عائشة في أن الفرض في السفر أن يصلي الرباعية ركعتين، وتعقب بأنه لو كان على ظاهره لما أتمت عائشة، وعندهم العبرة بما رأى الراوي إذا عارض ما روى‏.‏
ثم ظاهر الحديث مخالف لظاهر القرآن لأنه يدل على أنها فرضت في الأصل ركعتين واستمرت في السفر، وظاهر القرآن أنها كانت أربعا فنقصت ثم إن قولها ‏"‏ الصلاة ‏"‏ تعم الخمس، وهو مخصوص بخروج المغرب مطلقا والصبح بعدم الزيادة فيها في الحضر قال‏:‏ والعام إذا خص ضعفت دلالته حتى اختلف في بقاء الاحتجاج به‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا فِي السَّفَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يصلي المغرب ثلاثا في السفر‏)‏ أي ولا يدخل القصر فيها، ونقل ابن المنذر وغيره فيه الإجماع وأراد المصنف أن الأحاديث المطلقة في قول الراوي ‏"‏ كان يصلي في السفر ركعتين ‏"‏ محمولة على المقيدة بأن المغرب بخلاف ذلك، وروى أحمد من طريق ثمامة بن شرحبيل قال ‏"‏ خرجت إلى ابن عمر فقلت‏:‏ ما صلاة المسافر‏؟‏ قال ركعتين ركعتين، إلا صلاة المغرب ثلاثا‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ قَالَ سَالِمٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَالِمٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ قَالَ سَالِمٌ وَأَخَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْمَغْرِبَ وَكَانَ اسْتُصْرِخَ عَلَى امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ فَقُلْتُ لَهُ الصَّلَاةَ فَقَالَ سِرْ فَقُلْتُ الصَّلَاةَ فَقَالَ سِرْ حَتَّى سَارَ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ الْعِشَاءَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَلَا يُسَبِّحُ بَعْدَ الْعِشَاءِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا أعجله السير في السفر‏)‏ يخرج ما إذا أعجله السير في الحضر، كأن يكون خارج البلد في بستان مثلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وزاد الليث حدثني يونس‏)‏ وصله الإسماعيلي بطوله عن القاسم بن زكريا عن ابن زنجويه عن إبراهيم بن هانئ عن الرمادي كلاهما عن أبي صالح عن الليث به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأخر ابن عمر المغرب وكان استصرخ على صفية بنت أبي عبيد‏)‏ هي أخت المختار الثقفي، وقوله استصرخ بالضم أي استغيث بصوت مرتفع، وهو من الصراخ بالخاء المعجمة، والمصرخ المغيث قال الله تعالى ‏(‏ما أنا بمصرخكم‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقلت له الصلاة‏)‏ بالنصب على الإغراء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قلت له الصلاة‏)‏ فيه ما كانوا عليه من مراعاة أوقات العبادة‏.‏
وفي قوله ‏"‏ سر ‏"‏ جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ظاهر سياق المؤلف أن جميع ما بعد قوله ‏"‏ زاد الليث ‏"‏ ليس داخلا في رواية شعيب، وليس كذلك فإنه أخرج رواية شعيب بعد ثمانية أبواب وفيها أكثر من ذلك، وإنما الزيادة في قصة صفية وصنيع ابن عمر خاصة، وفي التصريح بقوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى سار ميلين أو ثلاثة‏)‏ أخرجه المصنف في ‏"‏ باب السرعة في السير ‏"‏ من كتاب الجهاد من رواية أسلم مولى عمر قال ‏"‏ كنت مع عبد الله بن عمر بطريق مكة فبلغه عن صفية بنت أبي عبيد شدة وجع، فأسرع السير حتى إذا كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعتمة جمع بينهما ‏"‏ فأفادت هذه الرواية تعيين السفر المذكور ووقت انتهاء السير والتصريح بالجمع بين الصلاتين، وأفاد النسائي في رواية أنها كتبت إليه تعلمه بذلك، ولمسلم نحوه من رواية نافع عن ابن عمر‏.‏
وفي رواية لأبي داود من هذا الوجه ‏"‏ فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم نزل فصلى الصلاتين جميعا ‏"‏ وللنسائي من هذا الوجه ‏"‏ حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب ثم أقام العشاء وقد توارى الشفق فصلى بنا ‏"‏ فهذا محمول على أنها قصة أخرى، ويدل عليه أن في أوله ‏"‏ خرجت مع ابن عمر في سفر يريد أرضا له ‏"‏ وفي الأول أن ذلك كان بعد رجوعه من مكة، فدل على التعدد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الله‏)‏ أي ابن عمر ‏(‏رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير‏)‏ يؤخذ منه تقييد جواز التأخير بمن كان على ظهر سير، وسيأتي الكلام عليه بعد ستة أبواب قوله‏:‏ ‏(‏يقيم المغرب‏)‏ كذا للحموي والأكثر بالقاف، وهي موافقة للرواية الآتية، وللمستملى والكشميهني ‏"‏ يعتم ‏"‏ بعين مهملة ساكنة بعدها مثناة فوقانية مكسورة أي يدل في العتمة، ولكريمة ‏"‏ يؤخر‏"‏، وفي الباب عن عمران بن حصين قال ‏"‏ ما سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صلى ركعتين، إلا المغرب صححه الترمذي، وعن علي ‏"‏ صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة السفر ركعتين إلا المغرب ثلاثا ‏"‏ أخرجه البزار، وفيه أيضا عن خزيمة بن ثابت وجابر وغيرهما وعن عائشة كما تقدم في أول الصلاة‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-28-2013, 06:18 PM   #410
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب صَلَاةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّابَّةِ وَحَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة التطوع من الدابة‏)‏ في رواية كريمة وأبي الوقت ‏"‏ على الدواب ‏"‏ بصيغة الجمع، قال ابن رشيد‏:‏ أورد فيه الصلاة على الراحلة فيمكن أن يكون ترجم بأعم ليلحق الحكم بالقياس، ويمكن أن يستفاد ذلك من إطلاق حديث جابر المذكور في الباب ا ه‏.‏
وقد تقدم في أبواب الوتر قول الزين ابن المنير‏:‏ إنه ترجم بالدابة تنبيها على أن فرق بينها وبين البعير في الحكم إلى آخر كلامه، وأشرنا هناك إلى ما ورد هنا بعد باب بلفظ ‏"‏ الدابة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الأعلى‏)‏ هو ابن عبد الأعلى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه‏)‏ هو العنزي بفتح المهملة والنون بعدها زاي حليف آل الخطاب، كان من المهاجربن الأولين، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الجنائز وآخر علقه في الصيام‏.‏
وفي رواية عقيل عن ابن شهاب الآتية بعد باب أن عامر بن ربيعة أخبره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصلي على راحلته‏)‏ بين في رواية عقيل أن ذلك في غير المكتوبة، وسيأتي بعد باب، وكذا لمسلم من رواية يونس عن ابن شهاب بلفظ ‏"‏ السبحة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حيث توجهت به‏)‏ هو أعم من قول جابر ‏"‏ في غير القبلة ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ قوله ‏"‏ حيث توجهت به ‏"‏ مفهومه أنه يجلس عليها على هيئته التي يركبها عليها ويستقبل بوجهه ما استقبلته الراحلة، فتقديره يصلي على راحلته التي له حيث توجهت به، فعلى هذا يتعلق قوله ‏"‏ توجهت به ‏"‏ بقوله ‏"‏ يصلي‏"‏، ويحتمل أن يتعلق بقوله ‏"‏ على راحلته‏"‏، لكن يؤيد الأول الرواية الآتية يعني رواية عقيل عن ابن شهاب بلفظ ‏"‏ وهو على الراحلة يسبح قبل أي وجه توجهت‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وَهُوَ رَاكِبٌ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا شيبان‏)‏ هو النحوي، ويحيى هو ابن أبي كثير، ومحمد بن عبد الرحمن هو ابن ثوبان كما سنبينه بعد باب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو راكب‏)‏ في الرواية الآتية ‏"‏ على راحلته نحو المشرق ‏"‏ وزاد ‏"‏ وإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة‏"‏‏.‏
وبين في المغازي من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة عن جابر أن ذلك كان في غزوة أنمار، وكان أرضهم قبل المشرق لمن يخرج من المدينة، فتكون القبلة على يسار القاصد إليهم‏.‏
وزاد الترمذي من طريق أبي الزبير عن جابر بلفظ ‏"‏ فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق السجود أخفض من الركوع‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان ابن عمر يصلي على راحلته‏)‏ يعني في السفر، وصرح به في حديث الباب الذي بعده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويوتر عليها‏)‏ لا يعارض ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير ‏"‏ أن ابن عمر كان يصلي على الراحلة تطوعا، فإذا أراد أن يوتر نزل فأوتر على الأرض ‏"‏ لأنه محمول على أنه فعل كلا من الأمرين، ويؤيد رواية الباب ما تقدم في أبواب الوتر أنه أنكر على سعيد بن يسار نزوله الأرض ليوتر، وإنما أنكر عليه - مع كونه كان يفعله - لأنه أراد أن يبين له أن النزول بحتم، ويحتمل أن يتنزل فعل ابن عمر على حالين‏:‏ فحيث أوتر على الراحلة كان مجدا في السير، وحيث نزل فأوتر على الأرض كان بخلاف ذلك‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْإِيمَاءِ عَلَى الدَّابَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإيماء على الدابة‏)‏ أي للركوع والسجود لمن لم يتمكن من ذلك، وبهذا قال الجمهور، وروى أشهب عن مالك أن الذي يصلي على الدابة لا يسجد بل يومئ‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ يُومِئُ وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا عبد العزيز‏)‏ تقدم هذا الحديث في أبواب الوتر ‏"‏ باب الوتر في السفر ‏"‏ عن موسى هذا عن جويرية بن أسماء، فكأن لموسى فيه شيخين، فإن الراوي عن ابن عمر في ذلك مغاير لهذا، وزاد في رواية جويرية ‏"‏ يومئ إيماء إلا الفرائض ‏"‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ الحديث يدل على الإيماء مطلقا في الركوع والسجود معا، والفقهاء قالوا‏:‏ يكون الإيماء في السجود أخفض من الركوع ليكون البدل على وفق الأصل، وليس في لفظ الحديث ما يثبته ولا ينفيه‏.‏
قلت‏:‏ إلا أنه وقع في حديث جابر عند الترمذي كما تقدم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب يَنْزِلُ لِلْمَكْتُوبَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ينزل للمكتوبة‏)‏ أي لأجلها، قال ابن بطال‏:‏ أجمع العلماء على اشتراط ذلك، وأنه لا يجوز لأحد أن يصلي الفريضة على الدابة من غير عذر، حاشا ما ذكر في صلاة شدة الخوف وذكر فيه حديث عامر ربيعه وقد تقدم قريبا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُسَبِّحُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ قَالَ سَالِمٌ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُسَافِرٌ مَا يُبَالِي حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏يسبح‏)‏ أي يصلي النافلة، وقد تكرر في الحديث كثيرا، وسيأتي قريبا حديث عائشة ‏"‏ سبحة الضحى ‏"‏ والتسبيح حقيقة في قول سبحان الله، فإذا أطلق على الصلاة فهو من باب إطلاق اسم البعض على الكل، أو لأن المصلي منزه لله سبحانه وتعالى بإخلاص العبادة، والتسبيح التنزيه فيكون من باب الملازمة وأما اختصاص ذلك بالنافلة فهو عرف شرعي والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث‏)‏ وصله الإسماعيلي بالإسنادين المذكورين قبل بباين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبانَ قَالَ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏
قال الملهب‏:‏ هذه الأحاديث تخص قوله تعالى ‏(‏وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره‏)‏ وتبين أن قوله تعالى ‏(‏فأينما تولوا فثم وجه الله‏)‏ في النافلة، وقد أخذ بمضمون هذه الأحاديث فقهاء الأمصار، إلا أن أحمد وأبا ثور كانا يستحبان أن يستقبل القبلة بالتكبير حال ابتداء الصلاة، والحجة لذلك حديث الجارود بن أبي سبرة عن أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يتطوع في السير استقبل بناقته القبلة ثم صلى حيث وجهت ركابه أخرجه أبو داود وأحمد والدار قطني، واختلفوا في الصلاة على الدواب في السفر الذي لا تقصر فيه الصلاة فذهب الجمهور إلى جواز ذلك في كل سفر، غير مالك فخصه بالسفر الذي تقصر فيه الصلاة، قال الطبري‏:‏ لا أعلم أحدا وافقه على ذلك‏.‏
قلت‏:‏ ولم يتفق على ذلك عنه، وحجته أن هذه الأحاديث إنما وردت في أسفاره صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عنه أنه سافر سفرا قصيرا فصنع ذلك، وحجة الجمهور مطلق الأخبار في ذلك، واحتج الطبري للجمهور من طريق النظر أن الله تعالى جعل التيمم رخصة للمريض والمسافر، وقد أجمعوا على أن من كان خارج المصر على ميل أو أقل ونيته العود إلى منزله لا إلى سفر آخر ولم يجد ماء أنه يجوز له التيمم‏.‏
وقال‏:‏ فكما جاز له التيمم في هذا القدر جاز له النفل على الدابة لاشتراكهما في الرخصة ا ه وكأن السر فيما ذكر تيسير تحصيل النوافل على العباد وتكثيرها تعظيما لأجورهم رحمة من الله بهم‏.‏
وقد طرد أبو يوسف ومن وافقه التوسعة في ذلك فجوزه في الحضر أيضا‏.‏
وقال به من الشافعية أبو سعيد الإصطخري، واستدل بقوله ‏"‏ حيث كان وجهه ‏"‏ على أن جهة الطريق تكون بدلا عن القبلة حتى لا يجوز الانحراف عنها عامدا قاصدا لغير حاجة المسير إلا إن كان سائرا في غير جهة القبلة فانحرف إلى جهة القبلة فإن ذلك لا يضره على الصحيح، واستدل به على أن الوتر غير واجب عليه صلى الله عليه وسلم لإيقاعه إياه على الراحلة كما تقدم البحث فيه في ‏"‏ باب الوتر في السفر ‏"‏ من أبواب الوتر، واستنبط من دليل التنفل للراكب جواز التنفل للماشي، ومنعه مالك من أنه أجازه لراكب السفينة‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-28-2013, 06:19 PM   #411
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب صَلَاةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْحِمَارِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة التطوع على الحمار‏)‏ قال ابن رشيد مقصوده أنه لا يشترط في التطوع على الدابة أن تكون الدابة طاهرة الفضلات، بل الباب في المركوبات واحد بشرط أن لا يماس النجاسة‏.‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ يؤخذ من هذا الحديث طهارة عرق الحمار، لأن ملابسته مع التحرز منه متعذر لا سيما إذا طال الزمان في ركوبه واحتمل العرق‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَبَّانُ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ اسْتَقْبَلْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ قَدِمَ مِنْ الشَّأْمِ فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الْجَانِبِ يَعْنِي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ فَقُلْتُ رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ لَمْ أَفْعَلْهُ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حبان‏)‏ بفتح المهملة وبالموحدة هو ابن هلال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏استقبلنا أنس بن مالك‏)‏ بسكون اللام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حين قدم من الشام‏)‏ كان أنس قد توجه إلى الشام يشكو من الحجاج، وقد ذكرت طرفا من ذلك في أوائل كتاب الصلاة، ووقع في رواية مسلم ‏"‏ حين قدم الشام ‏"‏ وغلطوه لأن أنس بن سيرين إنما تلقاه لما رجع من الشام فخرج ابن سيرين من البصرة ليتلقاه، ويمكن توجيهه بأن يكون المراد بقوله حين قدم الشام مجرد ذكر الوقت الذي وقع له فيه ذلك كما تقول فعلت كذا لما حججت، قال النووي‏:‏ رواية مسلم صحيحة ومعناه تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلقيناه بعين التمر‏)‏ هو موضع بطريق العراق مما يلي الشام وكانت به وقعة شهيرة في آخر خلافة أبي بكر بين خالد بن الوليد والأعاجم، ووجد بها غلمانا من العرب كانوا رهنا تحت يد كسرى منهم جد الكلبي المفسر وحمران مولى عثمان وسيرين مولى أنس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رأيتك تصلي لغير القبلة‏)‏ فيه إشعار بأنه لم ينكر الصلاة على الحمار ولا غير ذلك من هيئة أنس في ذلك، وإنما أنكر عدم استقبال القبلة فقط، وفي قول أنس ‏"‏ لولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ‏"‏ يعني ترك استقبال القبلة للمتنفل على الدابة، وهل يؤخذ منه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمار‏؟‏ فيه احتمال، وقد نازع في ذلك الإسماعيلي فقال‏:‏ خبر أنس إنما هو في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم راكبا تطوعا لغير القبلة، فإفراد الترجمة في الحمار من جهة السنة لا وجه له عندي ا ه‏.‏
وقد روى السراج من طريق يحيى بن سعيد عن أنس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو ذاهب إلى خيبر إسناده حسن، وله شاهد عند مسلم من طريق عمرو بن يحيى المازني عن سعيد بن يسار عن ابن عمر ‏"‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر ‏"‏ فهذا يرجح الاحتمال الذي أشار إليه البخاري‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ لم يبين في هذه الرواية كيفية صلاة أنس، وذكره في الموطأ عن يحيى بن سعيد قال ‏"‏ رأيت أنسا وهو يصلي على حمار وهو متوجه إلى غير القبلة يركع ويسجد إيماء من غير أن يضع جبهته على شيء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورواه إبراهيم بن طهمان عن حجاج‏)‏ يعني ابن حجاج الباهلي، ولم يسق المصنف المتن ولا وقفنا عليه موصولا من طريق إبراهيم، نعم وقع عند السراج من طريق عمرو بن عامر عن الحجاج ابن الحجاج بلفظ ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على ناقته حيث توجهت به ‏"‏ فعلى هذا كأن أنسا قاس الصلاة على الراحلة بالصلاة على الحمار، وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما مضى أن من صلى على موضع فيه نجاسة لا يباشرها بشيء منه أن صلاته صحيحة، لأن الدابة لا تخلو من نجاسة ولو على منفذها وفيه الرجوع إلى أفعاله كالرجوع إلى أقواله من غير عرضة للاعتراض عليه‏.‏
وفيه تلقى المسافر، وسؤال التلميذ شيخه عن مستند فعله والجواب بالدليل، وفيه التلطف في السؤال، والعمل بالإشارة لقوله ‏"‏ من ذا الجانب‏"‏‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ فِي السَّفَرِ دُبُرَ الصَّلَاةِ وَقَبْلَهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة‏)‏ زاد الحموي في روايته ‏"‏ وقبلها ‏"‏ والأرجح رواية الأكثر لما سيأتي في الباب الذي بعده، وقد تقدم شيء من مباحث هذا الباب في أبواب الوتر، والمقصود هنا بيان أن مطلق قول ابن عمر ‏"‏ صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أره يسبح في السفر ‏"‏ أي يتنفل الرواتب التي قبل الفريضة وبعدها، وذلك مستفاد من قوله في الرواية الثانية ‏"‏ وكان لا يزيد في السفر على ركعتين ‏"‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهذا اللفظ يحتمل أن يريد أن لا يزيد في عدد ركعات الفرض فيكون كناية عن نفي الإتمام، والمراد به الإخبار عن المداومة على القصر، ويحتمل أن يريد لا يزيد نفلا، ويمكن أن يريد ما هو أعم من ذلك‏.‏
قلت‏:‏ ويدل على هذا الثاني رواية مسلم من الوجه الثاني الذي أخرجه المصنف ولفظه‏:‏ ‏"‏ صحبت ابن عمر في طريق مكة فصلى لنا الظهر ركعتين، ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة فرأى ناسا قياما فقال‏:‏ ما يصنع هؤلاء‏؟‏ قلت‏:‏ يسبحون‏.‏
قال‏:‏ لو كنت مسبحا لأتممت ‏"‏ فذكر المرفوع كما ساقه المصنف قال النووي‏:‏ أجابوا عن قول ابن عمر هذا بأن الفريضة محتمة، فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها، وأما النافلة فهي إلى خيرة المصلي، فطريق الرفق به أن تكون مشروعة ويخير فيها ا ه‏.‏
وتعقب بأن مراد ابن عمر بقوله ‏"‏ لو كنت مسبحا لأتممت ‏"‏ يعني أنه لو كان مخيرا بين الإتمام وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحب إليه، لكنه فهم من القصر التخفيف، فلذلك كان لا يصلي الراتبة ولا يتم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ حَدَّثَهُ قَالَ سَافَرَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ صَحِبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَرَهُ يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عمر بن محمد‏)‏ هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر، وحفص هو ابن عاصم أي ابن عمر ابن الخطاب، ويحيى شيخ مسدد هو القطان‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عِيسَى بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأبا بكر‏)‏ معطوف على قوله ‏"‏ صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعمر وعثمان‏)‏ أي أنه ‏(‏كذلك‏)‏ صحبهم، وكانوا لا يزيدون في السفر على ركعتين، وفي ذكر عثمان إشكال لأنه كان في آخر أمره يتم الصلاة كما تقدم تقريبا، فيحمل على الغالب‏.‏
أو المراد به أنه كان لا يتنفل في أول أمره ولا في آخره، وأنه إنما كان يتم إذا كان نازلا، وأما إذا كان سائرا فيقصر، فلذلك قيده في هذه الرواية بالسفر، وهذا أولى لما تقدم تقريره في الكلام على تأويل عثمان‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ تَطَوَّعَ فِي السَّفَرِ فِي غَيْرِ دُبُرِ الصَّلَوَاتِ وَقَبْلَهَا
وَرَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من تطوع في السفر في غير دبر الصلاة‏)‏ هذا مشعر بأن نفي التطوع في السفر محمول على ما بعد الصلاة خاصة فلا يتناول ما قبلها ولا ما لا تعلق له بها من النوافل المطلقة كالتهجد والوتر والضحى وغير ذلك، والفرق بين ما قبلها وما بعدها أن التطوع قبلها لا يظن أنه منها لأنه ينفصل عنها بالإقامة وانتظار الإمام غالبا ونحو ذلك، بخلاف ما بعدها فإنه في الغالب يتصل بها فقد يظن أنه منها‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ نقل النووي تبعا لغيره أن العلماء اختلفوا في التنفل في السفر على ثلاثة أقوال‏:‏ المنع مطلقا، والجواز مطلقا، والفرق بين الرواتب والمطلقة، وهو مذهب ابن عمر كما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن مجاهد قال ‏"‏ صحبت ابن عمر من المدينة إلى مكة، وكان يصلي تطوعا على دابته حيثما توجهت به، فإذا كانت الفريضة نزل فصلى‏"‏‏.‏
وأغفلوا قولا رابعا وهو الفرق بين الليل والنهار في المطلقة، وخامسا وهو ما فرغنا من تقريره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وركع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر ركعتي الفجر‏)‏ قلت‏:‏ ورد ذلك في حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم عن صلاة الصبح ففيه ‏"‏ ثم صلى ركعتين قبل الصبح ثم صلى الصبح كما كان يصلي ‏"‏ وله من حديث أبي هريرة في هذه القصة أيضا ‏"‏ ثم دعا بماء فتوضأ ثم صلى سجدتين - أي ركعتين - ثم أقيمت الصلاة فصلى صلاة الغداة ‏"‏ الحديث‏.‏
ولابن خزيمة والدار قطني من طريق سعيد بن المسيب عن بلال في هذه القصة ‏"‏ فأمر بلالا فأذن، ثم توضأ فصلوا ركعتين، ثم صلوا الغداة ‏"‏ ونحوه للدار قطني من طريق الحسن عن عمران بن حصين، قال صاحب الهدى‏:‏ لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها في السفر، إلا ما كان من سنة الفجر‏.‏
قلت‏:‏ ويرد على إطلاقه ما رواه أبو داود والترمذي من حديث البراء بن عازب قال ‏"‏ سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفرا فلم أره ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر ‏"‏ وكأنه لم يثبت عنده، لكن الترمذي استغربه ونقل عن البخاري أنه رآه حسنا، وقد حمله بعض العلماء على سنة الزوال لا على الراتبة قبل الظهر، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ مَا أَخْبَرَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ ذَكَرَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بَيْتِهَا فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فَمَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلَاةً أَخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى السُّبْحَةَ بِاللَّيْلِ فِي السَّفَرِ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى غير أم هانئ‏)‏ هذا لا يدل على نفي الوقوع، لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى إنما نفى ذلك عن نفسه، وأما قول ابن بطال‏:‏ لا حجة في قول ابن أبي ليلى، وترد عليه الأحاديث الواردة في أنه صلى الضحى وأمر بها، ثم ذكر منها جملة، فلا يرد على ابن أبي ليلى شيء منها، وسيأتي الكلام على صلاة الضحى في باب مفرد في أبواب التطوع، والمقصود هنا أنه صلى الله عليه وسلم صلاها يوم فتح مكة، وقد تقدم في حديث ابن عباس أنه كان حينئذ يقصر الصلاة المكتوبة، وكان حكمه حكم المسافر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث حدثني يونس‏)‏ قد تقدم قبل ببابين موصولا من رواية الليث عن عقيل، ولكن لفظ الروايتين مختلف، ورواية يونس هذه وصلها الذهلي في الزهريات عن أبي صالح عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏يومئ برأسه‏)‏ هو تفسير لقوله ‏"‏ يسبح ‏"‏ أي يصلي إيماء، وقد تقدم في ‏"‏ باب الإيماء على الدابة ‏"‏ من وجه آخر عن ابن عمر، لكن هناك ذكره موقوفا ثم عقبه بالمرفوع، وهذا ذكر مرفوعا ثم عقبه بالموقوف، وفائدة ذلك مع أن الحجة قائمة بالمرفوع أن يبين أن العمل استمر على ذلك ولم يتطرق إليه نسخ ولا معارض ولا راجح، وقد اشتملت أحاديث الباب على أنواع ما يتطوع به سوى الراتبة التي بعد المكتوبة، فالأول لما قبل المكتوبة، والثاني لما له وقت مخصوص من النوافل كالضحى، والثالث لصلاة الليل، والرابع لمطلق النوافل‏.‏
وقد جمع ابن بطال بين ما اختلف عن ابن عمر في ذلك بأنه كان يمنع التنفل على الأرض ويقول به على الدابة‏.‏
وقال النووي تبعا لغيره‏:‏ لعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر، أو لعله تركها في بعض الأوقات لبيان الجواز ا ه‏.‏
وما جمعنا به تبعا للبخاري فيما يظهر أظهر، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء‏)‏ أورد فيه ثلاثة أحاديث‏:‏ حديث ابن عمر وهو مقيد بما إذا جد السير، وحديث ابن عباس وهو مقيد بما إذا كان سائرا، وحديث أنس وهو مطلق‏.‏
واستعمل المصنف الترجمة مطلقة إشارة إلى العمل بالمطلق لأن المقيد فرد من أفراده، وكأنه رأى جواز الجمع بالسفر سواء كان سائرا أم لا، وسواء كان سيره مجدا أم لا، وهذا مما وقع فيه الاختلاف بين أهل العلم، فقال بالإطلاق كثير من الصحابة والتابعين ومن الفقهاء الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأشهب‏.‏
وقال قوم‏:‏ لا يجوز الجمع مطلقا إلا بعرفة ومزدلفة وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه، ووقع عند النووي أن الصاحبين خالفه شيخهما، ورد عليه السروجي في شرح الهداية وهو أعرف بمذهبه، وسيأتي الكلام على الجمع بعرفة في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏
وأجابوا عما ورد من الأخبار في ذلك بأن الذي وقع جمع صوري، وهو أنه أخر المغرب مثلا إلى آخر وقتها وعجل العشاء في أول وقتها‏.‏
وتعقبه الخطابي وغيره بأن الجمع رخصة، فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقا من الإتيان بكل صلاة في وقتها، لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلا عن العامة‏.‏
ومن الدليل على أن الجمع رخصة قول ابن عباس ‏"‏ أراد أن لا يحرج أمته ‏"‏ أخرجه مسلم، وأيضا فإن الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين كما سيأتي في الباب الذي يليه، وذلك هو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع، ومما يرد الحمل على الجمع الصوري جمع التقديم الآتي ذكره بعد باب، وقيل يختص الجمع بمن يجد في السير‏.‏
قاله الليث، وهو القول المشهور عن مالك، وقيل يختص بالمسافر دون النازل وهو قول ابن حبيب، وقيل يختص بمن له عذر حكى عن الأوزاعي، وقيل يجوز جمع التأخير دون التقديم وهو مروي عن مالك وأحمد واختاره ابن حزم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أورد المصنف في أبواب التقصير أبواب الجمع لأنه تقصير بالنسبة إلى الزمان، ثم أبواب صلاة المعذور قاعدا لأنه تقصير بالنسبة إلى بعض صور الأفعال، ويجمع الجميع الرخصة للمعذور‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَعَنْ حُسَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ وَتَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ وَحَرْبٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ حَفْصٍ عَنْ أَنَسٍ جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله في حديث ابن عمر ‏(‏جد به السير‏)‏ أي اشتد‏.‏
قاله صاحب المحكم‏.‏
وقال عياض‏:‏ جد به السير أسرع، كذا قال‏:‏ وكأنه نسب الإسراع إلى السير توسعا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال إبراهيم بن طهمان‏)‏ وصله البيهقي من طريق محمد بن عبدوس عن أحمد بن حفص النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم المذكور بسنده المذكور ابن عباس بلفظه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على ظهر سير‏)‏ كذا للأكثر بالإضافة‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ على ظهر ‏"‏ بالتنوين ‏"‏ يسير ‏"‏ بلفظ المضارع بتحتانية مفتوحة في أوله، قال الطيبي‏:‏ الظهر في قوله ‏"‏ ظهر سير ‏"‏ للتأكيد كقوله الصدقة عن ظهر غنى، ولفظ الظهر يقع في مثل هذا اتساعا للكلام كأن السير كان مستندا إلى ظهر قوي من المطى مثلا‏.‏
وقال غيره‏:‏ حصل للسير ظهر لأن الراكب ما دام سائرا فكأنه راكب ظهر‏.‏
قلت‏:‏ وفيه جناس التحريف بين الظهر والظهر، واستدل به على جواز جمع التأخير، وأما جمع التقديم فسيأتي الكلام عليه بعد باب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن حسين‏)‏ هو معطوف على الذي قبله والتقدير‏:‏ وقال إبراهيم ابن طهمان عن حسين عن يحيى عن حفص، وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج، ويحتمل أن يكون علقه عن حسين لا بقيد من رواية إبراهيم بن طهمان عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه على بن المبارك وحرب‏)‏ أي ابن شداد ‏(‏عن يحيى‏)‏ هو ابن أبي كثير ‏(‏عن حفص‏)‏ أي تابعا حسينا فأما متابعة علي بن المبارك فوصلها أبو نعيم في المستخرج من طريق عثمان بن عمر بن فارس عنه، وأما متابعة حرب فوصلها المصنف في آخر الباب الذي بعده، وقد تابعهم معمر عند أحمد وأبان بن يزيد عند الطحاوي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-28-2013, 06:19 PM   #412
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




اب هَلْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ إِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء‏)‏ ‏؟‏ قال ابن رشيد‏:‏ ليس في حديثي الباب تنصيص على الأذان، لكن في حديث ابن عمر منهما ‏"‏ يقيم المغرب فيصليها ‏"‏ ولم يرد بالإقامة نفس الأذان وإنما أراد يقيم للمغرب، فعلى هذا فكأن مراده بالترجمة‏:‏ هل يؤذن أو يقتصر على الإقامة، وجعل حديث أنس مفسرا بحديث ابن عمر، لأن في حديث ابن عمر حكما زائدا ا ه‏.‏
ولعل المصنف أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق حديث ابن عمر، ففي الدار قطني من طريق عمر بن محمد بن زيد عن نافع عن ابن عمر في قصة جمعه المغرب والعشاء ‏"‏ فنزل فأقام الصلاة، وكان لا ينادي بشيء من الصلاة في السفر، فقام فجمع بين المغرب والعشاء ثم رفع ‏"‏ الحديث‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ لعل الزاوي لما أطلق لفظ الصلاة استفيد منه أن المراد بها التامة بأركانها وشرائطها وسننها ومن جملتها الأذان والإقامة، وسبقه ابن بطال إلى نحو ذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ قَالَ سَالِمٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ وَيُقِيمُ الْمَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ الْعِشَاءَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَلَا يُسَبِّحُ بَيْنَهُمَا بِرَكْعَةٍ وَلَا بَعْدَ الْعِشَاءِ بِسَجْدَةٍ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏يؤخر صلاة المغرب‏)‏ لم يعين غاية التأخير، وبينه مسلم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بأنه بعد أن يغيب الشفق‏.‏
وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن أيوب وموسى بن عقبة عن نافع ‏"‏ فأخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوى من الليل ‏"‏ وللمصنف في الجهاد من طريق أسلم مولى عمر عن ابن عمر في هذه القصة ‏"‏ حتى كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعشاء جمعا بينهما ‏"‏ ولأبي داود من طريق ربيعة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر في هذه القصة ‏"‏ فصار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم نزل فصلى الصلاتين جمعا ‏"‏ وجاءت عن ابن عمر روايات أخرى ‏"‏ أنه صلى المغرب في آخر الشفق، ثم أقام الصلاة وقد توارى الشفق، فصلى العشاء ‏"‏ أخرجه أبو داود من طريق عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر عن نافع، ولا تعارض بينه وبين ما سبق لأنه كان في واقعة أخرى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قلما يلبث حتى يقيم العشاء‏)‏ فيه إثبات للبث قليل، وذلك نحو ما وقع في الجمع بمزدلفة من إناخة الرواحل، ويدل عليه ما تقدم من الطرق التي فيها جمع بينهما وصلاهما جميعا، وفيه حجة على من حمل أحاديث الجمع على الجمع الصوري، قال إمام الحرمين‏:‏ ثبت في الجمع أحاديث نصوص لا يتطرق إليها تأويل، ودليله من حيث المعنى الاستنباط من الجمع بعرفة ومزدلفة، فإن سببه احتياج الحاج إليه لاشتغالهم بمناسكهم، وهذا المعنى موجود في كل الأسفار ولم تتقيد الرخص كالقصر والفطر بالنسك، إلى أن قال‏:‏ ولا يخفى على منصف أن الجمع أرفق من القصر، فإن القائم إلى الصلاة لا يشق عليه ركعتان يضمهما إلى ركعتيه، ورفق الجمع واضح لمشقة النزول على المسافر، واحتج به من قال باختصاص الجمع لمن جد به السير، وسيأتي ذلك في الباب الذي بعده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا حَرْبٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج، ومال أبو علي الجياني إلى أنه إسحاق بن منصور، وقد تقدم الكلام على حديث أنس في الباب الذي قبله‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى الْعَصْرِ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ
فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس‏)‏ في هذا إشارة إلى أن جمع التأخير عند المصنف يختص بمن ارتحل قبل أن يدخل وقت الظهر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ يشير إلى حديثه الماضي قبل باب، فإنه قيد الجمع فيه بما إذا كان على ظهر السير، ولا قائل بأنه يصليهما وهو راكب فتعين أن المراد به جمع التأخير، ويؤيده رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده من طريق مقسم عن ابن عباس ففيها التصريح بذلك وإن كان في إسناده مقال، لكنه يصلح للمتابعة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَسَّانُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حسان الواسطي‏)‏ هو ابن عبد الله بن سهل الكندي المصري، كان أبوه واسطيا فقدم مصر فولد بها حسان المذكور واستمر بها إلى أن مات‏.‏قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا المفضل بن فضالة‏)‏ بفتح الفاء بعدها معجمة خفيفة، من ثقات المصريين‏.‏
وفي الرواة حسان الواسطي آخر لكنه حسان بن حسان يروي عن شعبة وغيره ضعفه الدار قطني، ووهم بعض الناس فزعم أنه شيخ البخاري هنا وليس كذلك فإنه ليست له رواية عن المصريين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تزيغ‏)‏ بزاي ومعجمة أي تميل، وزاغت مالت، وذلك إذا قام الفيء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يجمع بينهما‏)‏ أي في وقت العصر‏.‏
وفي رواية قتيبة عن المفضل في الباب الذي بعده ‏"‏ ثم نزل فجمع بينهما ‏"‏ ولمسلم من رواية جابر بن إسماعيل عن عقيل ‏"‏ يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق‏"‏، وله من رواية شبابة عن عقيل‏:‏ ‏"‏ حتى يدخل أول وقت العصر، ثم يجمع بينهما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا زاغت‏)‏ أي قبل أن يرتحل كما سيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ مَا زَاغَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا ارتحل بعدما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب‏)‏ أورد فيه حديث أنس المذكور قبله وفيه ‏"‏ فإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب ‏"‏ كذا فيه الظهر فقط، وهو المحفوظ عن عقيل في الكتب المشهورة، ومقتضاه أنه كان لا يجمع ين الصلاتين إلا في وقت الثانية منهما، وبه احتج من أبي جمع التقديم كما تقدم، ولكن روى إسحاق بن راهويه هذا الحديث عن شبابة فقال ‏"‏ كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي، وأعل بتفرد إسحاق بذلك عن شبابة ثم تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق، وليس ذلك بقادح فإنهما إمامان حافظان‏.‏
وقد وقع نظيره في ‏"‏ الأربعين ‏"‏ للحاكم قال ‏"‏ حدثنا محمد بن يعقوب هو الأصم حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني هو أحد شيوخ مسلم قال حدثنا محمد بن عبد الله الواسطي ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب ‏"‏ قال الحافظ صلاح الدين العلائي‏:‏ هكذا وجدته بعد التتبع في نسخ كثيرة من الأربعين بزيادة العصر، وسند هذه الزيادة جيد‏.‏
انتهى‏.‏
قلت‏:‏ وهي متابعة قوية لرواية إسحاق بن راهويه إن كانت ثابتة، لكن في ثبوتها نظر، لأن البيهقي أخرج هذا الحديث عن الحاكم بهذا الإسناد مقرونا برواية أبي داود عن قتيبة وقال‏:‏ إن لفظهما سواء، إلا أن في رواية قتيبة ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وفي رواية حسان ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ والمشهور في جمع التقديم ما أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وابن حبان من طريق الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطويل عن من معاذ بن جبل، وقد أعله جماعة من أئمة الحديث بتفرد قتيبة عن الليث، وأشار البخاري إلى أن بعض الضعفاء أدخله على قتيبة، حكاه الحاكم في ‏"‏ علوم الحديث‏"‏، وله طريق أخرى عن معاذ بن جبل أخرجها أبو داود من رواية هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل، وهشام مختلف فيه وقد خالفه الحفاظ من أصحاب أبي الزبير كمالك والثوري وقرة بن خالد وغيرهم فلم يذكروا في روايتهم جمع التقدم، وورد في جمع التقديم حديث آخر عن ابن عباس أخرجه أحمد وذكره أبو داود تعليقا والترمذي في بعض الروايات عنه وفي إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف، لكن له شواهد من طريق حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس لا أعلمه إلا مرفوعا ‏"‏ أنه كان إذا نزل منزلا في السفر فأعجبه أقام فيه حتى يجمع بين الظهر والعصر ثم يرتحل، فإذا لم يتهيأ له المنزل مد في السير فسار حتى ينزل فيجمع بين الظهر والعصر ‏"‏ أخرجه البيهقي ورجاله ثقات، إلا أنه مشكوك في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف‏.‏
وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر مجزوما بوقفه على ابن عباس ولفظه ‏"‏ إذا كنتم سائرين ‏"‏ فذكر نحوه‏.‏
وفي حديث أنس استحباب التفرقة في حال الجمع بين ما إذا كان سائرا أو نازلا، وقد استدل به على اختصاص الجمع بمن جد به السير، لكن وقع التصريح في حديث معاذ بن جبل في الموطأ ولفظه ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة في غزوة تبوك، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جمعا‏"‏‏.‏
قال الشافعي في ‏"‏ الأم‏"‏‏.‏
قوله ‏"‏دخل ثم خرج ‏"‏ لا يكون إلا وهو نازل، فللمسافر أن يجمع نازلا ومسافرا‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ في هذا أوضح دليل على الرد على من قال لا يجمع إلا من جد به السير، وهو قاطع للالتباس‏.‏
انتهى‏.‏
وحكى عياض أن بعضهم أول قوله ‏"‏ ثم دخل ‏"‏ أي في الطريق مسافرا ‏"‏ ثم خرج ‏"‏ أي عن الطريق للصلاة، ثم استبعده، ولا شك في بعده، وكأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز، وكان أكثر عادته ما دل عليه حديث أنس والله أعلم‏.‏
ومن ثم قال الشافعية‏:‏ ترك الجمع أفضل وعن مالك رواية أنه مكروه، وفي هذه الأحاديث تخصيص لحديث الأوقات التي بينها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وبينها النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حيث قال في آخرها ‏"‏ الوقت ما بين هذين ‏"‏ وقد تقدمت الإشارة إليه في المواقيت ‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ تقدم الكلام على الجمع بين الصلاتين بعذر المطر أو المرض أو الحاجة في الحضر في المواقيت في ‏"‏ باب وقت الظهر ‏"‏ وفي ‏"‏ باب وقت المغرب‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-28-2013, 06:20 PM   #413
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب صَلَاةِ الْقَاعِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة القاعد‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ أطلق الترجمة، فيحتمل أن يريد صلاة القاعد العذر إماما كان أو مأموما أو منفردا‏.‏
ويؤيده أن أحادث الباب دالة على التقييد بالعذر ويحتمل أن يريد مطلقا لعذر ولغير عذر ليبين أن ذلك جائز، إلا ما دل الإجماع على منعه وهو صلاة الفريضة للصحيح قاعدا ا ه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو شاك‏)‏ بالتنوين مخففا من الشكاية، وقد تقدم الكلام عليه موضحا في أبواب الإمامة، وكذا على حديث أنس، وفيه بيان سبب الشكاية وهما في صلاة الفرض بلا خلاف، وأما حديث عمران ففيه احتمال سنذكره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَكَانَ مَبْسُورًا قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا فَقَالَ إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا حسين‏)‏ هو المعلم كما صرح به في الباب الذي بعده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عمران بن حصين‏)‏ في رواية عفان عن عبد الوارث حدثنا عمران أخرجه الإسماعيلي، وفيه غنية عن تكلف ابن حبان إقامة الدليل على أن ابن بريدة عاصر عمران‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأخبرنا إسحاق‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وزاد إسحاق ‏"‏ والمراد به على الحالين إسحاق بن منصور شيخه في الإسناد الذي قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت أبي‏)‏ هو عبد الوارث سعيد التنوري، وهذه الطريق أنزل من التي قبلها، وكذا من التي بعدها بدرجة، لكن استفيد منها تصريح ابن بريدة بقوله حدثني عمران‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان مبسورا‏)‏ بسكون الموحدة بعدها مهملة أي كانت به بواسير كما صرح به بعد باب، والبواسير جمع باسور يقال بالموحدة وبالنون، أو الذي بالموحدة ورم في باطن المقعدة والذي بالنون قرحة فاسدة لا تقبل البرء ما دام فيها ذلك الفساد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن صلاة الرجل قاعدا‏)‏ قال الخطابي‏:‏ كنت تأولت هذا الحديث على أن المراد به صلاة التطوع - يعني للقادر - لكن قوله ‏"‏ من صلى نائما ‏"‏ يفسده، لأن المضطجع لا يصلي التطوع كما يفعل القاعد، لأني لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في ذلك، قال‏:‏ فإن صحت هذه اللفظة ولم يكن بعض الرواة أدرجها قياسا منه للمضطجع على القاعد كما يتطوع المسافر على راحلته فالتطوع للقادر على القعود مضطجعا جائز بهذا الحديث‏.‏
قال‏:‏ وفي القياس المتقدم نظر، لأن القعود شكل من أشكال الصلاة بخلاف الاضطجاع‏.‏
قال‏:‏ وقد رأيت الآن أن المراد بحديث عمران المريض المفترض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة، فجعل أجر القاعد على النصف من أجر القائم ترغيبا له في القيام جواز قعوده‏.‏
انتهى‏.‏
وهو حمل متجه، ويؤيده صنيع البخاري حيث أدخل في الباب حديث عائشة وأنس وهما صلاة المفترض قطعا، وكأنه أراد أن تكون الترجمة شاملة لأحكام المصلي قاعدا، ويتلقى ذلك من الأحاديث التي أوردها في الباب، فمن صلى فرضا قاعدا وكان يشق عليه القيام أجزأه وكان هو ومن صلى قائما سواء كما دل عليه حديث أنس وعائشة، فلو تحامل هذا المعذور وتكلف القيام ولو شق عليه كان أفضل لمزيد أجر تكلف القيام، فلا يمتنع أن يكون أجره على ذلك نظير أجره على أصل الصلاة، فيصح أن أجر القاعد على النصف من أجر القائم، ومن صلى النفل قاعدا مع القدرة على القيام أجزأه وكان أجره على النصف من أجر القائم بغير إشكال‏.‏
وأما قول الباجي إن الحديث في المفترض والمتنفل معا فإن أراد بالمفترض ما قررناه فذاك، وإلا فقد أبى ذلك أكثر العلماء‏.‏
وحكى ابن التين وغيره عن أبي عبيد وابن الماجشون وإسماعيل القاضي وابن شعبان والإسماعيلي والداودي وغيرهم أنهم حملوا حديث عمران على المتنفل، وكذا نقله الترمذي عن الثوري قال‏:‏ وأما المعذور إذا صلى جالسا فله مثل أجر القائم‏.‏
ثم قال‏:‏ وفي هذا الحديث ما يشهد له، يشير إلى ما أخرجه البخاري في الجهاد من حديث أبي موسى رفعه ‏"‏ إذا مرض العبد أو سافر كتب له صالح ما كان يعمل صلى الله عليه وسلم وهو صحيح مقيم‏"‏، ولهذا الحديث شواهد كثيرة سيأتي ذكرها في الكلام عليه إن شاء الله تعالى‏.‏
ويؤيد ذلك قاعدة تغليب فضل الله تعالى وقبول عذر من له عذر، والله أعلم‏.‏
ولا يلزم من اقتصار العلماء المذكورين في حمل الحديث المذكور على صلاة النافلة أن لا ترد الصورة التي ذكرها الخطابي، وقد ورد في الحديث ما يشهد لها، فعند أحمد من طريق ابن جريج عن ابن شهاب عن أنس قال ‏"‏ قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي محمة، فحمى الناس، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد والناس يصلون من قعود فقال‏:‏ صلاة القاعد نصف صلاة القائم ‏"‏ رجاله ثقات‏.‏
وعند النسائي متابع له من وجه آخر وهو وارد في المعذور فيحمل على من تكلف القيام مع مشقته عليه كما بحثه الخطابي‏.‏
وأما نفي الخطابي جواز التنفل مضطجعا فقد تبعه ابن بطال على ذلك وزاد‏:‏ لكن الخلاف ثابت، فقد نقله الترمذي بإسناده إلى الحسن البصري قال‏:‏ إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائما وجالسا ومضطجعا‏.‏
وقال به جماعة من أهل العلم، وأحد الوجهين للشافعية، وصححه المتأخرون، وحكاه عياض وجها عند المالكية أيضا، وهو اختيار الأبهري منهم واحتج بهذا الحديث‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ سؤال عمران عن الرجل خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، بل الرجل والمرأة في ذلك سواء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ومن صلى قاعدا‏)‏ يستثنى من عمومه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن صلاته قاعدا لا ينقص أجرها عن صلاته قائما، لحديث عبد الله بن عمرو قال ‏"‏ بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ صلاة الرجل قاعد على نصف الصلاة، فأتيته فوجدته يصلي جالسا فوضع يدي على رأسي، فقال‏:‏ مالك يا عبد الله‏؟‏ فأخبرته‏.‏
فقال‏:‏ أجل، ولكني لست كأحد منكم ‏"‏ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏
وهذا ينبني على أن المتكلم داخل في عموم خطابه وهو الصحيح، وقد عد الشافعية في خصائصه صلى الله عليه وسلم هذه المسألة‏.‏
وقال عياض في الكلام على تنفله صلى الله عليه وسلم قاعدا‏:‏ قد علله في حديث عبد الله بن عمرو بقوله ‏"‏ لست كأحد منكم ‏"‏ فيكون هذا مما خص به‏.‏
قال‏:‏ ولعله أشار بذلك إلى من لا عذر له، فكأنه قال‏:‏ إني ذو عذر‏.‏
وقد رد النووي هذا الاحتمال قال‏:‏ وهو ضعيف أو باطل‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ لم يبين كيفية القعود، فيؤخذ من إطلاقه جوازه على أي صفة شاء المصلي، وهو قضية كلام الشافعي في البويطي، وقد اختلف في الأفضل فعن الأئمة الثلاثة يصلي متربعا، وقيل يجلس مفترشا وهو موافق لقول الشافعي في مختصر المزني وصححه الرافعي ومن تبعه، وقيل متوركا وفي كل منها أحاديث، وسيأتي الكلام على قوله ‏"‏ نائما ‏"‏ في الباب الذي يليه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب صَلَاةِ الْقَاعِدِ بِالْإِيمَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة القاعد بالإيماء‏)‏ أورد فيه حديث عمران بن حصين أيضا، وليس فيه ذكر الإيماء، وإنما فيه مثل ما في الذي قبله ‏"‏ ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ مطابقة الحديث للترجمة من جهة أن من صلى على جنب فقد احتاج إلى الإيماء‏.‏
انتهى‏.‏
وليس ذلك بلازم‏.‏
نعم يمكن أن يكون البخاري يختار جواز ذلك، ومستنده ترك التفصيل فيه من الشارع، وهو أحد الوجهين للشافعية وعليه شرح الكرماني‏.‏
والأصح عند المتأخرين أنه لا يجوز للقادر الإيماء للركوع والسجود، وإن جاز التنفل مضطجعا، بل لا بد من الإتيان بالركوع والسجود حقيقة وقد اعترضه الإسماعيلي فقال‏:‏ ترجم بالإيماء ولم يقع في الحديث إلا ذكر النوم فكأنه صحف قوله ‏"‏ نائما ‏"‏ يعني بنون على اسم الفاعل من النوم فظنه بإيماء يعني بموحدة مصدر أومأ، فلهذا ترجم بذلك‏.‏
انتهى‏.‏
ولم يصب في ظنه أن البخاري صحفه، فقد وقع في رواية كريمة وغيرها عقب حديث الباب‏:‏ قال أبو عبد الله - يعني البخاري - قوله ‏"‏ نائما ‏"‏ عندي أي مضطجعا، فكأن البخاري كوشف بذلك‏.‏
وهذا التفسير قد وقع مثله في رواية عفان عن عب الوارث في هذا الحديث، قال عبد الوارث‏:‏ النائم المضطجع، أخرجه الإسماعيلي، قال الإسماعيلي‏:‏ معنى قوله نائما أي على جنب ا ه‏.‏
وقد وقع في رواية الأصيلي على التصحيف أيضا حكاه ابن رشيد، ووجهه بأن معناه من صلى قاعدا أومأ بالركوع والسجود، وهذا موافق للمشهور عند المالكية أنه يجوز له الإيماء إذا صلى نفلا قاعدا مع القدرة على الركوع والسجود، وهو الذي يتبين من اختيار البخاري‏.‏
وعلى رواية الأصيلي شرح ابن بطال وأنكر على النسائي ترجمته على هذا الحديث فضل صلاة القاعد على النائم، وادعى أن النسائي صحفه قال‏:‏ وغلطه فيه ظاهر لأنه ثبت الأمر للمصلي إذا وقع عليه النوم أن يقطع الصلاة، وعلل ذلك بأنه لعله يستغفر فيسب نفسه، قال‏:‏ فكيف يأمره بقطع الصلاة ثم يثبت أن له عليها نصف أجر القاعد ا ه‏.‏
وما تقدم من التعقب على الإسماعيلي يرد عليه قال شيخنا في شرح الترمذي بعد أن حكى كلام ابن بطال‏:‏ لعله هو الذي صحف، وإنما ألجأه إلى ذلك حمل قوله ‏"‏ نائما ‏"‏ على النوم الحقيقي الذي أمر المصلي إذا وجده بقطع الصلاة، وليس ذلك المراد هنا إنما المراد الاضطجاع كما تقدم تقريره، وقد ترجم النسائي ‏"‏ فضل صلاة القاعد على النائم ‏"‏ والصواب من الرواية نائما بالنون على اسم الفاعل من النوم والمراد به الاضطجاع كما تقدم، ومن قال غير ذلك فهو الذي صحف، والذي غرهم ترجمة البخاري وعسر توجيهها عليهم، ولله الحمد على ما وهب‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-28-2013, 06:21 PM   #414
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا لَمْ يُطِقْ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبٍ
وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يطق‏)‏ أي الإنسان الصلاة في حال القعود صلى على جنبه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء إذا لم يقدر‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ إن لم يقدر الخ ‏"‏ وهذا الأثر وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء بمعناه، ومطابقته للترجمة من جهة أن الجامع بينهما أن العاجز عن أداء فرض ينتقل إلى فرض دونه ولا يترك، وهو حجة على من زعم أن العاجز عن القعود في الصلاة تسقط عنه الصلاة، وقد حكاه الغزالي عن أبي حنيفة، وتعقب بأنه لا يوجد في كتب الحنفية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ الْمُكْتِبُ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، وسقط ذكره من رواية أبي زيد المروزي ولا بد منه فإن عبدان لم يسمع من إبراهيم بن طهمان، والحسين المكتب هو ابن ذكوان المعلم الذي سبق في الباب قبله، قال الترمذي‏:‏ لا نعلم أحدا روى هذا عن حسين إلا إبراهيم، وروى أبو أسامة وعيسى بن يونس وغيرهما عن حسين على اللفظ السابق، ا ه‏.‏
ولا يؤخذ من ذلك تضعيف رواية إبراهيم كما فهمه ابن العربي تبعا لابن بطال ورد على الترمذي بأن رواية إبراهيم توافق الأصول ورواية غيرهما تخالفها فتكون رواية إبراهيم أرجح، لأن ذلك راجع إلى الترجيح من حيث المعنى لا من حيث الإسناد، وإلا فاتفاق الأكثر على شيء يقتضي أن رواية من خالفهم تكون شاذة، والحق أن الروايتين صحيحتان كما صنع البخاري، وكل منهما مشتملة على حكم غير الحكم الذي اشتملت عليه الأخرى والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الصلاة‏)‏ المراد عن صلاة المريض، بدليل قوله في أوله ‏"‏ كانت بي بواسير ‏"‏ وفي رواية وكيع عن إبراهيم بن طهمان ‏"‏ سألت عن صلاة المريض ‏"‏ أخرجه الترمذي وغيره‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال الخطابي لعل هذا الكلام كان جواب فتيا استفتاها عمران، وإلا فليست علة البواسير بمانعة من القيام في الصلاة على ما فيها من الأذى ا ه‏.‏
ولا مانع من أن يسأل عن حكم ما لم يعلمه لاحتمال أن يحتاج إليه فيما بعد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن لم تستطع‏)‏ استدل به من قال لا ينتقل المريض إلى القعود إلا بعد عدم القدرة على القيام، وقد حكاه عياض عن الشافعي، وعن مالك وأحمد وإسحاق لا يشترط العدم بل وجود المشقة، والمعروف عند الشافعية أن المراد بنفي الاستطاعة وجود المشقة الشديدة بالقيام، أو خوف زيارة المرض، أو الهلاك، ولا يكتفى بأدنى مشقة‏.‏
ومن المشقة الشديدة دوران الرأس في حق راكب السفينة وخوف الغرق لو صلى قائما فيها، وهل يعد في عدم الاستطاعة من كان كامنا في الجهاد ولو صلى قائما لرآه العدو فتجوز له الصلاة قاعدا أو لا‏؟‏ فيه وجهان للشافعية الأصح الجواز، لكن يقضى صلى الله عليه وسلم لكونه عذرا نادرا‏.‏
واستدل به على تساوي عدم الاستطاعة في القيام والقعود في الانتقال خلافا لمن فرق بينهما كإمام الحرمين، ويدل للجمهور أيضا حديث ابن عباس عند الطبراني بلفظ ‏"‏ يصلي قائما، فإن نالته مشقة فجالسا، فإن نالته مشقة صلى نائما ‏"‏ الحديث، فاعتبر في الحالين وجود المشقة ولم يفرق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فعلى جنب‏)‏ في حديث علي عند الدار قطني على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه ‏"‏ وهو حجة للجمهور في الانتقال من القعود إلى الصلاة على الجنب، وعن الحنفية وبعض الشافعية يستلقي على ظهره ويجعل رجليه إلى القبلة‏.‏
ووقع في حديث علي صلى الله عليه وسلم أن حالة الاستلقاء تكون عند العجز عن حالة الاضطجاع، واستدل به من قال لا ينتقل المريض بعد عجزه عن الاستلقاء إلى حالة أخرى كالإشارة بالرأس ثم الإيماء بالطرف ثم إجراء القرآن والذكر على اللسان ثم على القلب لكون جميع ذلك لم يذكر في الحديث، وهو قول الحنفية والمالكية وبعض الشافعية‏.‏
وقال بعض الشافعية بالترتيب المذكور وجعلوا مناط الصلاة حصول العقل فحيث كان حاضر العقل لا يسقط عند التكليف بها فيأتي بما يستطيعه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ‏"‏ هكذا استدل به الغزالي، وتعقبه الرافعي بأن الخبر أمر بالإتيان بما يشتمل عليه المأمور، والقعود لا يشتمل على القيام وكذا ما بعده إلى آخر ما ذكر، وأجاب عنه ابن الصلاح بأنا لا نقول إن الآتي بالقعود آت بما استطاعه من القيام مثلا، ولكنا نقول‏:‏ يكون آتيا بما استطاعه من الصلاة، لأن المذكورات أنواع لجنس الصلاة بعضها أدنى من بعض، فإذا عجز عن الأعلى وأتى بالأدنى كان آتيا بما استطاع من الصلاة‏.‏
وتعقب بأن كون هذه المذكورات من الصلاة فرع لمشروعية الصلاة بها وهو محل النزاع‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قال ابن المنير في الحاشية‏:‏ اتفق لبعض شيوخنا فرع غريب في النقل كثير في الوقوع، وهو أن يعجز المريض عن التذكر ويقدر على الفعل فألهمه الله أن يتخذ من يلقنه فكان يقول‏:‏ أحرم بالصلاة، قل الله أكبر، اقرأ الفاتحة، قل الله أكبر للركوع إلى آخر الصلاة، يلقنه ذلك تلقينا وهو يفعل جميع ما يقول له بالنطق أو بالإيماء رحمه الله‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا صَلَّى قَاعِدًا ثُمَّ صَحَّ أَوْ وَجَدَ خِفَّةً تَمَّمَ مَا بَقِيَ
وَقَالَ الْحَسَنُ إِنْ شَاءَ الْمَرِيضُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَائِمًا وَرَكْعَتَيْنِ قَاعِدًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا صلى قاعدا ثم صح أو وجد خفة تمم ما بقي‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أتم ما بقي ‏"‏ أي لا يستأنف بل يبني عليه إتيانا بالوجه الأتم من القيام ونحوه، وفي هذه الترجمة إشارة إلى الرد على من قال‏:‏ من افتتح الفريضة قاعدا لعجزه عن القيام ثم أطلق القيام وجب عليه الاستئناف، وهو محكي عن محمد ابن الحسن، وخفي ذلك على ابن المنير حتى قال‏:‏ أراد البخاري بهذه الترجمة رفع خيال من تخيل أن الصلاة لا تتبعض فيجب الاستئناف على من صلى قاعدا ثم استطاع القيام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن إن شاء المريض‏)‏ أي في الفريضة ‏(‏صلى ركعتين قائما‏)‏ وهذا الأثر وصله ابن شيبة بمعناه، ووصله الترمذي أيضا بلفظ آخر، وتعقبه ابن التين بأنه لا وجه للمشيئة هنا لأن القيام لا يسقط عمن قدر عليه، إلا إن كان يريد بقوله ‏"‏ إن شاء ‏"‏ أي بكلفة كثيرة ا ه‏.‏
ويظهر أن مراده أن من افتتح الصلاة قاعدا ثم استطاع القيام كان له إتمامها قائما إن شاء بأن يبنى على ما صلى، وإن شاء استأنفها، فاقتضى ذلك جواز البناء وهو قول الجمهور‏.‏
ثم أورد المصنف حديث عائشة من رواية مالك بإسنادين له أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قاعدا، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثلاثين أو أربعين آية قائما ثم ركع‏.‏
وزاد في الطريق الثانية منهما أنه كان يفعل ذلك في الركعة الثانية، وفي الأولى منهما تقييد ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة الليل قاعدا إلا بعد أن أسن، وسيأتي في أثناء صلاة الليل من هذا الوجه بلفظ حتى إذا كبر‏.‏
وفي رواية عثمان بن أبي سليمان عن أبي سلمة عن عائشة ‏"‏ لم يمت حتى كان أكثر صلاته جالسا‏"‏، وفي حديث حفصة ‏"‏ ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في سبحته جالسا حتى إذا كان قبل موته بعام وكان يصلي في سبحته جالسا ‏"‏ الحديث أخرجهما مسلم، قال ابن التين‏:‏ قيدت عائشة ذلك بصلاة الليل لتخرج الفريضة، وبقولها ‏"‏ حتى أسن ‏"‏ لنعلم أنه إنما فعل ذلك إبقاء على نفسه ليستديم الصلاة، وأفادت أنه كان يديم القيام وأنه كان لا يجلس عما يطيقه من ذلك‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ هذه الترجمة تتعلق بالفريضة، وحديث عائشة يتعلق بالنافلة‏.‏
ووجه استنباطه أنه لما جاز في النافلة القعود لغير علة مانعة من القيام وكان عليه الصلاة والسلام يقوم فيها قبل الركوع كانت الفريضة التي لا يجوز القعود فيها إلا بعدم القدرة على القيام أولى ا ه‏.‏
والذي يظهر لي أن الترجمة ليست مختصة بالفريضة، بل قوله ‏"‏ ثم صح ‏"‏ يتعلق بالفريضة‏.‏
وقوله ‏"‏أو وجد خفة ‏"‏ يتعلق بالنافلة، وهذا الشق مطابق للحديث، ويؤخذ ما يتعلق بالشق الآخر بالقياس عليه، والجامع بينهما جواز إيقاع بعض الصلاة قاعدا وبعضها قائما، ودل حديث عائشة على جواز القعود في أثناء صلاة النافلة لمن افتتحها قائما كما يباح له أن يفتتحها قاعدا ثم يقوم، إذ لا فرق بين الحالتين، ولا سيما مع وقوع ذلك منه صلى الله عليه وسلم في الركعة الثانية خلافا لمن أبى ذلك، واستدل به على أن من افتتح صلاته مضطجعا ثم استطاع الجلوس أو القيام أتمها على ما أدت إليه حاله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا فَيَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ سَجَدَ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ نَظَرَ فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا بقي من قراءته‏)‏ فيه إشارة إلى أن الذي كان يقرؤه قبل أن يقوم أكثر، لأن البقية تطلق في الغالب على الأقل‏.‏
وفي هذا الحديث أنه لا يشترط لمن افتتح النافلة قاعدا أن يركع قاعدا، أو قائما أن يركع قائما وسيأتي البحث في ذلك في ‏"‏ باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل ‏"‏ من أبواب التهجد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا قضى صلاته نظر الخ‏)‏ يأتي الكلام عليه في أبواب التطوع في الكلام على ركعتي الفجر إن شاء الله تعالى‏.‏
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب التقصير وما معه من الأحاديث المرفوعة على اثنين وخمسين حديثا، المعلق منها ستة عشر حديثا والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وثلاثون والبقية موصولة، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث ابن عباس في قدر الإقامة بمكة، وحديث جابر في التطوع راكبا إلى غير القبلة، وحديث أنس في الجمع بين المغرب والعشاء، وحديث عمران في صلاة القاعد‏.‏
وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة فمن بعدهم ستة آثار والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-28-2013, 06:23 PM   #415
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى وَالْمُدُنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الجمعة في القرى والمدن‏)‏ في هذه الترجمة إشارة إلى خلاف من خص الجمعة بالمدن دون القرى، وهو مروي عن الحنفية‏.‏
وأسنده ابن أبي شيبة عن حذيفة وعلى وغيرهما وعن عمر أنه كتب إلى أهل البحرين أن جمعوا حيثما كنتم‏.‏
وهذا يشمل المدن والقرى‏.‏
أخرجه ابن أبي شيبة أيضا من طريق أبي رافع عن أبي هريرة عن عمر، وصححه ابن خزيمة‏.‏
وروى البيهقي من طريق الوليد بن مسلم سألت الليث ابن سعد فقال‏:‏ كل مدينة أو قرية فيها جماعة أمروا بالجمعة، فإن أهل مصر وسواحلها كانوا يجمعون الجمعة على عهد عمر وعثمان بأمرهما وفيهما رجال من الصحابة‏.‏
وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعيب عليهم، فلما اختلف الصحابة وجب الرجوع إلى المرفوع صلى الله عليه وسلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى مِنْ الْبَحْرَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ كذا رواه الحفاظ من أصحاب إبراهيم بن طهمان عنه، وخالفهم المعافى ابن عمران فقال‏:‏ عن ابن طهمان عن محمد بن زياد عن أبي هريرة، أخرجه النسائي، وهو خطأ من المعافى، ومن ثم تكلم محمد بن عبد الله بن عمار في إبراهيم بن طهمان ولا ذنب له فيه كما قاله صالح جزرة، وإنما الخطأ في إسناده من المعافى‏.‏
ويحتمل أن يكون لإبراهيم فيه إسنادان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن أول جمعة جمعت‏)‏ زاد وكيع عن ابن طهمان ‏"‏ في الإسلام ‏"‏ أخرجه أبو داود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعد جمعة‏)‏ زاد المصنف في أواخر المغازي ‏"‏ جمعت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية وكيع ‏"‏ بالمدينة ‏"‏ ووقع في رواية المعافى المذكورة ‏"‏ بمكة ‏"‏ وهو خطأ بلا مرية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بجواثى‏)‏ بضم الجيم وتخفيف الواو وقد تهمز ثم مثلثة خفيفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من البحرين‏)‏ في رواية وكيع ‏"‏ قرية من قرى البحرين ‏"‏ وفي أخرى عنه ‏"‏ من قرى عبد القيس ‏"‏ وكذا للإسماعيلي من رواية محمد بن أبي حفصة عن ابن طهمان، وبه يتم مراد الترجمة‏.‏
ووجه الدلالة منه أن الظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي، ولأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن كما استدل جابر وأبو سعيد على جواز العزل بأنهم فعلوه والقرآن ينزل فلم ينهوا عنه‏.‏
وحكى الجوهري والزمخشري وابن الأثير أن جوائي اسم حصن بالبحرين، وهذا لا ينافي كونها قرية‏.‏
وحكى ابن التين صلى الله عليه وسلم عن أبي الحسن اللخمي أنها مدينة، وما ثبت في نفس الحديث من كونها قرية أصح مع احتمال أن تكون في الأول قرية ثم صارت مدينة، وفيه إشعار بتقدم إسلام عبد القيس على غيرهم من أهل القرى، وهو كذلك كما قررته في أواخر كتاب الإيمان‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ يُونُسُ كَتَبَ رُزَيْقُ بْنُ حُكَيْمٍ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِوَادِي الْقُرَى هَلْ تَرَى أَنْ أُجَمِّعَ وَرُزَيْقٌ عَامِلٌ عَلَى أَرْضٍ يَعْمَلُهَا وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ وَرُزَيْقٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَيْلَةَ فَكَتَبَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَنَا أَسْمَعُ يَأْمُرُهُ أَنْ يُجَمِّعَ يُخْبِرُهُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد الأيلي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كلكم راع وزاد الليث الخ‏)‏ فيه إشارة إلى أن رواية الليث متفقة مع ابن المبارك إلا في القصة فإنها مختصة برواية الليث، ورواية الليث معلقة، وقد وصلها الذهلي عن أبي صالح كاتب الليث عنه، وقد ساق المصنف رواية ابن المبارك بهذا الإسناد في كتاب الوصايا فلم يخالف رواية الليث إلا في إعادة قوله في آخره ‏"‏ وكلكم راع الخ‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكتب رزيق بن حكيم‏)‏ هو بتقديم الراء على الزاي، والتصغير في اسمه واسم أبيه في روايتنا، وهذا هو المشهور في غيرها، وقيل بتقديم الزاي وبالتصغير فيه دون أبيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أجمع‏)‏ أي أصلي بمن معي الجمعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على أرض يعملها‏)‏ أي يزرع فيها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورزيق يومئذ على أيلة‏)‏ بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام بلدة معروفة في طريق الشام بين المدينة ومصر على ساحل القلزم، وكان رزيق أميرا عليها من قبل عمر بن عبد العزيز، والذي يظهر أن الأرض التي كان يزرعها من أعمال أيلة، ولم يسأل عن أيلة نفسها لأنها كانت مدينة كبيرة ذات قلعة وهي الآن خراب ينزل بها الحاج المصري والغزي صلى الله عليه وسلم وبعض آثارها ظاهر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنا أسمع‏)‏ هو قول يونس، والجملة حالية، وقوله ‏"‏يأمره ‏"‏ حالة أخرى، وقوله ‏"‏يخبره ‏"‏ حال من فاعل يأمره، والمكتوب هو الحديث، والمسموع المأمور به قاله الكرماني‏.‏
والذي يظهر أن المكتوب هو عين المسموع، وهو الأمر والحديث معا‏.‏
وفي قوله ‏"‏ كتب ‏"‏ تجوز كأن ابن شهاب أملاه على كاتبه فسمعه يونس منه، ويحتمل أن يكون الزهري كتبه بخطه وقرأه بلفظه فيكون فيه حذف تقديره فكتب ابن شهاب وقرأه وأنا أسمع، ووجه ما احتج به على التجميع من قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏كلكم راع ‏"‏ أن على من كان أميرا إقامة الأحكام الشرعية - والجمعة منها - وكان رزيق عاملا على الطائفة التي ذكرها، وكان عليه أن يراعي حقوقهم ومن جملتها إقامة الجمعة‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ في هذه القصة إيماء إلى أن الجمعة تنعقد بغير إذن من السلطان إذا كان في القوم من يقوم بمصالحهم‏.‏
وفيه إقامة الجمعة في القرى خلافا لمن شرط لها المدن، فإن قيل؛ قوله ‏"‏ كلكم راع ‏"‏ يعم جميع الناس فيدخل فيه المرعي أيضا، فالجواب أنه مرعي باعتبار، راع باعتبار، حتى ولو لم يكن له أحد كان راعيا لجوارحه وحواسه، لأنه يجب عليه أن يقوم بحق الله وحق عباده، وسيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله فيه ‏(‏قال وحسبت أن قد قال‏)‏ جزم الكرماني بأن فاعل ‏"‏ قال ‏"‏ هنا هو يونس، وفيه نظر، والذي يظهر أنه سالم، ثم ظهر لي أنه ابن عمر‏.‏
وسيأتي في كتاب الاستقراض بيان ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
وقد رواه الليث أيضا عن نافع عن ابن عمر بدون هذه الزيادة، أخرجه مسلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب هَلْ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْجُمُعَةَ غُسْلٌ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِنَّمَا الْغُسْلُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم‏)‏ تقدم التنبيه على ما تضمنته هذه الترجمة في ‏"‏ باب فضل الغسل ‏"‏ ويدخل في قوله ‏"‏ وغيرهم ‏"‏ العبد والمسافر والمعذور، وكأنه استعمل الاستفهام في الترجمة للاحتمال الواقع في حديث أبي هريرة ‏"‏ حق على كل مسلم أن يغتسل ‏"‏ فإنه شامل للجميع، والتقييد في حديث ابن عمر بمن حاء منكم يخرج من لم يجيء، والتقييد في حديث أبي سعيد بالمحتلم يخرج الصبيان، والتقييد في النهي عن منع النساء المساجد بالليل يخرج الجمعة‏.‏
وعرف بهذا وجه إيراد هذه الأحاديث في هذه الترجمة، وقد تقدم الكلام على أكثرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة‏)‏ وصله البيهقي بإسناد صحيح عنه وزاد ‏"‏ والجمعة على من يأتي أهله ‏"‏ ومعنى هذه الزيادة أن الجمعة تجب عنده على من يمكنه الرجوع إلى موضعه قبل دخول الليل، فمن كان فوق هذه المسافة لا تجب عليه عنده‏.‏
وسيأتي البحث فيه بعد باب‏.‏
وقد تقرر أن الآثار التي يوردها البخاري في التراجم تدل على اختيار ما تضمنته عنده، فهذا مصير منه إلى أن الغسل للجمعة لا يشرع إلا لمن وجبت عليه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ رَوَاهُ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَقٌّ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا
الشرح‏:‏
قوله في حديث أبي هريرة ‏(‏فسكت ثم قال‏:‏ حق على كل مسلم الخ‏)‏ فاعل ‏"‏ سكت ‏"‏ هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أورده المصنف في ذكر بني إسرائيل من وجه آخر عن وهيب بهذا الإسناد دون قوله ‏"‏ فسكت ثم قال ‏"‏ ويؤكد كونه مرفوعا رواية مجاهد عن طاوس المقتصرة على الحديث الثاني، ولهذه النكتة أورده بعده فقال ‏"‏ رواه أبان بن صالح الخ ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم من وجه آخر عن وهيب مقتصرا، وهذا التعليق عن مجاهد قد وصله البيهقي من طريق سعيد بن أبي هلال عن أبان المذكور، وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن طاوس وصرح فيه بسماعه له من أبي هريرة، أخرجه من طريق عمرو بن دينار عن طاوس وزاد فيه ‏"‏ ويمس طيبا إن كان لأهله ‏"‏ واستدل بقوله ‏"‏ لله على كل مسلم حق ‏"‏ للقائل بالوجوب، وقد تقدم البحث فيه‏.‏


حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-28-2013, 06:24 PM   #416
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب هَلْ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْجُمُعَةَ غُسْلٌ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِنَّمَا الْغُسْلُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم‏)‏ تقدم التنبيه على ما تضمنته هذه الترجمة في ‏"‏ باب فضل الغسل ‏"‏ ويدخل في قوله ‏"‏ وغيرهم ‏"‏ العبد والمسافر والمعذور، وكأنه استعمل الاستفهام في الترجمة للاحتمال الواقع في حديث أبي هريرة ‏"‏ حق على كل مسلم أن يغتسل ‏"‏ فإنه شامل للجميع، والتقييد في حديث ابن عمر بمن حاء منكم يخرج من لم يجيء، والتقييد في حديث أبي سعيد بالمحتلم يخرج الصبيان، والتقييد في النهي عن منع النساء المساجد بالليل يخرج الجمعة‏.‏
وعرف بهذا وجه إيراد هذه الأحاديث في هذه الترجمة، وقد تقدم الكلام على أكثرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عمر إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة‏)‏ وصله البيهقي بإسناد صحيح عنه وزاد ‏"‏ والجمعة على من يأتي أهله ‏"‏ ومعنى هذه الزيادة أن الجمعة تجب عنده على من يمكنه الرجوع إلى موضعه قبل دخول الليل، فمن كان فوق هذه المسافة لا تجب عليه عنده‏.‏
وسيأتي البحث فيه بعد باب‏.‏
وقد تقرر أن الآثار التي يوردها البخاري في التراجم تدل على اختيار ما تضمنته عنده، فهذا مصير منه إلى أن الغسل للجمعة لا يشرع إلا لمن وجبت عليه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ رَوَاهُ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَقٌّ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا
الشرح‏:‏
قوله في حديث أبي هريرة ‏(‏فسكت ثم قال‏:‏ حق على كل مسلم الخ‏)‏ فاعل ‏"‏ سكت ‏"‏ هو النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أورده المصنف في ذكر بني إسرائيل من وجه آخر عن وهيب بهذا الإسناد دون قوله ‏"‏ فسكت ثم قال ‏"‏ ويؤكد كونه مرفوعا رواية مجاهد عن طاوس المقتصرة على الحديث الثاني، ولهذه النكتة أورده بعده فقال ‏"‏ رواه أبان بن صالح الخ ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم من وجه آخر عن وهيب مقتصرا، وهذا التعليق عن مجاهد قد وصله البيهقي من طريق سعيد بن أبي هلال عن أبان المذكور، وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن طاوس وصرح فيه بسماعه له من أبي هريرة، أخرجه من طريق عمرو بن دينار عن طاوس وزاد فيه ‏"‏ ويمس طيبا إن كان لأهله ‏"‏ واستدل بقوله ‏"‏ لله على كل مسلم حق ‏"‏ للقائل بالوجوب، وقد تقدم البحث فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في كل سبعة أيام يوما‏)‏ هكذا أبهم في هذه الطريق، وقد عينه جابر في حديثه عند النسائي بلفظ ‏"‏ الغسل واجب على كل مسلم في أسبوع يوما وهو يوم الجمعة ‏"‏ وصححه ابن خزيمة‏.‏
ولسعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة من حديث البراء بن عازب مرفوعا نحوه ولفظه ‏"‏ إن من الحق على المسلم أن يغتسل يوم الجمعة ‏"‏ الحديث، ونحوه للطحاوي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من الصحابة أنصاري مرفوعا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَتْ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهَا لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ قَالَتْ وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي قَالَ يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ
الشرح‏:‏
قوله في رواية نافع عن ابن عمر ‏(‏قال كانت امرأة لعمر‏)‏ هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل أخت سعيد بن زيد أحد العشرة مما سماها الزهري فيما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه قال ‏"‏ كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل عند عمر بن الخطاب، وكانت تشهد الصلاة في المسجد، وكان عمر يقول لها‏:‏ والله إنك لتعلمين أني ما أحب هذا‏.‏
قالت‏:‏ والله لا أنتهي حتى تنهاني‏.‏قال‏:‏ فلقد طعن عمرو وإنها لفي المسجد ‏"‏ كذا ذكره مرسلا، ووصله عبد الأعلى عن معمر بذكر سالم بن عبد الله عن أبيه، لكن أبهم المرأة‏.‏
أخرجه أحمد عنه، وسماها أحمد من وجه آخر عن سالم قال ‏"‏ كان عمر رجلا غيورا وكان إذا خرج إلى الصلاة اتبعته عاتكة بنت زيد ‏"‏ الحديث، وهو مرسل أيضا، وعرف من هذا أن قوله في حديث الباب ‏"‏ فقيل لها لم تخرجين الخ ‏"‏ أن قائل ذلك كله هو عمر بن الخطاب، ولا مانع أن يعبر عن نفسه بقوله‏:‏ ‏"‏ إن عمر الخ ‏"‏ فيكون من باب التجريد أو الالتفات، وعلى هذا فالحديث من مسند عمر كما صرح به في رواية سالم المرسلة، ويحتمل أن تكون المخاطبة دارت بينها وبين ابن عمر أيضا لأن الحديث مشهور من روايته، ولا مانع أن يعبر عن نفسه بقيل لها الخ، وهذا مقتضى ما صنع الحميدي وأصحاب الأطراف، فإنهم أخرجوا هذا الحديث من هذا الوجه في مسند ابن عمر، وقد تقدم الكلام على فوائده مستوفى قبيل كتاب الجمعة‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال الإسماعيلي‏:‏ أورد البخاري حديث مجاهد عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد ‏"‏ وأراد بذلك أن الإذن إنما وقع لهن بالليل فلا تدخل فيه الجمعة‏.‏
قال‏:‏ ورواية أبي أسامة التي أوردها بعد ذلك تدل على خلاف ذلك، يعني قوله فيها ‏"‏ لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ‏"‏ انتهى‏.‏
والذي يظهر أنه جنح إلى أن هذا المطلق يحمل على ذلك المقيد‏.‏
والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الرُّخْصَةِ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْجُمُعَةَ فِي الْمَطَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر‏)‏ ضبط في روايتنا بكسر إن وهي الشرطية، ويحضر بفتح أوله أي الرجل‏.‏
وضبطه الكرماني بفتح أن ويحضر بلفظ المبني للمفعول، وهو متجه أيضا‏.‏
وأورد المصنف هنا حديث ابن عباس من رواية إسماعيل وهو المعروف بابن علية، وهو مناسب لما ترجم له، وبه قال الجمهور ومنهم من فرق بين قليل المطر وكثيره‏.‏
وعن مالك‏:‏ لا يرخص في تركها بالمطر‏.‏
وحديث ابن عباس هذا حجة في الجواز‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ الظاهر أن ابن عباس لا يرخص في ترك الجمعة، وأما قوله ‏"‏ صلوا في بيوتكم ‏"‏ فإشارة منه إلى العصر، فرخص لهم في ترك الجماعة فيها، وأما الجمعة فقد جمعهم لها فالظاهر أنه جمع بهم فيها‏.‏
قال‏:‏ ويحتمل أن يكون جمعهم للجمعة ليعلمهم بالرخصة في تركها في مثل ذلك ليعملوا به في المستقبل‏.‏
انتهى‏.‏
والذي يظهر أنه لم يجمعهم، وإنما أراد بقوله صلوا في بيوتكم مخاطبة من لم يحضر وتعليم من حضر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قُلْ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا قَالَ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي إِنَّ الْجُمْعَةَ عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الجمعة عزمة‏)‏ استشكله الإسماعيلي فقال‏:‏ لا أخا له صحيحا، فإن أكثر الروايات بلفظ ‏"‏ إنما عزمة ‏"‏ أي كلمة المؤذن وهي ‏"‏ حي على الصلاة ‏"‏ لأنها دعاء إلى الصلاة تقتضي لسامعه الإجابة، ولو كان معنى الجمعة عزمة لكانت العزيمة لا تزول بترك بقية الأذان‏.‏
انتهى‏.‏
والذي يظهر أنه لم يترك بقية الأذان، وإنما أبدل قوله ‏"‏ حي على الصلاة ‏"‏ بقوله ‏"‏ صلوا في بيوتكم ‏"‏ والمراد بقوله ‏"‏ إن الجمعة عزمة ‏"‏ أي فلو تركت المؤذن يقول حي على الصلاة لبادر من سمعه إلى المجيء في المطر فيشق عليهم فأمرته أن يقول صلوا في بيوتكم لتعلموا أن المطر من الأعذار التي تصير العزيمة رخصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والدحض‏)‏ بفتح الدال المهملة وسكون الحاء المهملة - ويجوز فتحها - وآخره ضاد معجمة هو الزلق، وحكى ابن التين أن في رواية القابسي بالراء بدل الدال وهو الغسل، قال‏:‏ ولا معنى له هنا إلا إن حمل على أن الأرض حين أصابها المطر كالمغتسل والجامع بينهما الزلق‏.‏
وقد تقدمت بقية مباحث الحديث في أبواب الأذان‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في السياق عن عبد الله بن الحارث ابن عم محمد بن سيربن، وأنكره الدمياطي فقال‏:‏ كان زوج بنت سيرين فهو صهر ابن سيربن لا ابن عمه‏.‏
قلت‏:‏ ما المانع أن يكون بين سيرين والحارث أخوة من رضاع ونحوه، فلا ينبغي تغليط الرواية الصحيحة مع وجود الاحتمال المقبول‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى الْجُمُعَةُ
وَعَلَى مَنْ تَجِبُ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَقَالَ عَطَاءٌ إِذَا كُنْتَ فِي قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تَشْهَدَهَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ تَسْمَعْهُ وَكَانَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَصْرِهِ أَحْيَانًا يُجَمِّعُ وَأَحْيَانًا لَا يُجَمِّعُ وَهُوَ بِالزَّاوِيَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أين تؤتي الجمعة، وعلى من تجب‏؟‏ لقول الله تعالى‏:‏ إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله‏)‏ يعني أن الآية ليست صريحة في وجوب بيان الحكم المذكور، فلذلك أتى في الترجعة بصيغة الاستفهام‏.‏
والذي ذهب إليه الجمهور أنها تجب على من سمع النداء أو كان في قوة السامع سواء كان داخل البلد أو خارجه، ومحله كما صرح به الشافعي ما إذا كان المنادي صيتا والأصوات هادئة والرجل سميعا‏.‏
وفي السنن لأبي داود من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا ‏"‏ إنما الجمعة على من سمع النداء ‏"‏ وقال‏:‏ إنه اختلف في رفعه ووقفه‏.‏
وأخرجه الدار قطني من وجه آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لابن أم مكتوم ‏"‏ أتسمع النداء‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فأجب ‏"‏ وقد تقدم في صلاة الجماعة ذكر من احتج به على وجوبها، فيكون في الجمعة أولى لثبوت الأمر بالسعي إليها‏.‏
وأما حديث ‏"‏ الجمعة على من آواه الليل إلى أهله ‏"‏ فأخرجه الترمذي، ونقل عن أحمد أنه لم يره شيئا‏.‏
وقال لمن ذكره‏:‏ استغفر ربك‏.‏
وقد تقدم قبل بباب من قول ابن عمر نحوه، والمعنى أنها تجب على من يمكنه الرجوع إلى أهله قبل دخول الليل، واستشكل بأنه يلزم منه أنه يجب السعي من أول النهار وهو بخلاف الآية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء الخ‏)‏ وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه، وقوله ‏"‏سمعت النداء أو لم تسمعه، يعني إذا كنت داخل البلد، وبهذا صرح أحمد، ونقل النووي أنه لا خلاف فيه، وزاد عبد الرزاق في هذا الأثر عن ابن جريح أيضا قلت لعطاء‏:‏ ما القرية الجامعة‏؟‏ قال‏:‏ ذات الجماعة والأمير والقاضي والدور المجتمعة الآخذ بعضها ببعض مثل جدة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان أنس - إلى قوله - لا يجمع‏)‏ وصله مسدد في مسنده الكبير عن أبي عوانة عن حميد بهذا‏.‏
وقوله ‏"‏يجمع ‏"‏ أي يصلي بمن معه الجمعة، أو يشهد الجمعة بجامع البصرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو‏)‏ أي القصر، والزاوية موضع ظاهر البصرة معروف كانت فيه وقعة كبيرة بين الحجاج وابن الأشعث‏.‏
قال أبو عبيد البكري‏:‏ هو بكسر الواو موضع دان من البصرة‏.‏
وقوله ‏"‏على فرسخين ‏"‏ أي من البصرة‏.‏
وهذا وصله ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أنس أنه كان يشهد الجمعة من الزاوية وهي على فرسخين من البصرة، وهذا يرد على من زعم أن الزاوية موضع بالمدينة النبوية كان فيه قصر لأنس على فرسخين منها ويرجح الاحتمال الثاني، وعرف بهذا أن التعليق المذكور ملفق من أثرين، ولا يعارض ذلك ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن ثابت قال ‏"‏ كان أنس يكون في أرضه وبينه وبين البصرة ثلاثة أميال فيشهد الجمعة بالبصرة ‏"‏ لكون الثلاثة أميال فرسخا واحدا لأنه يجمع بأن الأرض المذكورة غير القصر، وبأن أنسا كان يرى التجميع حتما إن كان على فرسخ ولا يراه حتما إذا كان أكثر من ذلك، ولهذا لم يقع في رواية ثابت التخيير في رواية حميد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالْعَوَالِيِّ فَيَأْتُونَ فِي الْغُبَارِ يُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ وَالْعَرَقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُمْ الْعَرَقُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهُوَ عِنْدِي
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏.‏
‏(‏حدثنا أحمد بن صالح‏)‏ كذا في رواية أبي ذر، ووافقه ابن السكن، وعن غيرهما ‏"‏ حدثنا أحمد ‏"‏ غير منسوب، وجزم أبو نعيم في المستخرج بأنه ابن عيسى، والأول أصوب وفي هذا الإسناد لطيفة، وهو أن فيه ثلاثة دون عبيد الله بن أبي جعفر من أهل مصر وثلاثة فوقه من أهل المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ينتابون الجمعة‏)‏ أي يحضرونها نوبا، والانتياب افتعال من النوبة‏.‏
وفي رواية ‏"‏ يتناوبون‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والعوالي‏)‏ تقدم تفسيرها في المواقيت وأنها على أربعة أميال فصاعدا من المدينة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيأتون في الغبار فيصيبهم الغبار‏)‏ كذا وقع للأكثر، وعند القابسي ‏"‏ فيأتون في العباء ‏"‏ بفتح المهملة والمد وهو أصوب، وكذا هو عند مسلم والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن وهب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنسان منهم‏)‏ لم أقف على اسمه، وللإسماعيلي ‏"‏ ناس منهم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا‏)‏ لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب، أو للشرط والجواب محذوف تقديره لكان حسنا‏.‏
وقد وقع في حديث ابن عباس عند أبي داود أن هذا كان مبدأ الأمر بالغسل للجمعة، ولأبي عوانة من حديث ابن عمر نحوه، وصرح في آخره بأنه صلى الله عليه وسلم قال حينئذ ‏"‏ من جاء منكم الجمعة فليغتسل ‏"‏ وقد استدلت به عمرة على أن غسل الجمعة شرع للتنظيف لأجل الصلاة كما سيأتي في الباب الذي بعده، فعلى هذا فمعنى قوله ‏"‏ ليومكم هذا ‏"‏ أي في يومكم هذا‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا رفق العالم بالمتعلم، واستحباب التنظيف لمجالسة أهل الخير، واجتناب أذى المسلم بكل طريق، وحرص الصحابة على امتثال الأمر ولو شق عليهم‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ فيه رد على الكوفيين حيث لم يوجبوا الجمعة على من كان خارج المصر، كذا قال‏.‏
وفيه نظر لأنه لو كان واجبا على أهل العوالي ما تناوبوا ولكانوا يحضرون جميعا، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-30-2013, 11:56 PM   #417
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




كتاب الجنائز

*2*كتاب الجنائز

*3*باب مَا جَاءَ فِي الْجَنَائِزِ

وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلَّا لَهُ أَسْنَانٌ فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ وَإِلَّا لَمْ يُفْتَحْ لَكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الجنائز‏)‏ كذا للأصيلي وأبي الوقت، والبسملة من الأصل، ولكريمة ‏"‏ باب في الجنائز ‏"‏ وكذا لأبي ذر لكن بحذف ‏"‏ باب ‏"‏ والجنائز بفتح الجيم لا غير جمع جنازة بالفتح والكسر لغتان، قال ابن قتيبة وجماعة‏:‏ الكسر أفصح، وقيل بالكسر للنعش وبالفتح للميت‏.‏

وقالوا لا يقال نعش إلا إذا كان عليه الميت‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أورد المصنف وغيره كتاب الجنائز بين الصلاة والزكاة لتعلقها بهما، ولأن الذي يفعل بالميت من غسل وتكفين وغير ذلك أهمه الصلاة عليه لما فيها من فائدة الدعاء له بالنجاة من العذاب ولا سيما عذاب القبر الذي سيدفن فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله‏)‏ قيل أشار بهذا إلى ما رواه أبو داود والحاكم من طريق كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ بن جبل قال‏:‏ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ‏"‏ قال الزين بن المنير‏:‏ حذف المصنف جواب ‏"‏ من ‏"‏ من الترجمة مراعاة لتأويل وهب بن منبه فأبقاه إما ليوافقه أو ليبقي الخبر على ظاهره‏.‏

وقد روى ابن أبي حاتم في ترجمة أبي زرعة‏:‏ أنه لما احتضر أرادوا تلقينه، فتذكروا حديث معاذ، فحدثهم به أبو زرعة بإسناده، وخرجت روحه في آخر قول لا إله إلا الله‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ كأن المصنف لم يثبت عنده في التلقين شيء على شرطه فاكتفى بما دل عليه، وقد أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة من وجه آخر بلفظ ‏"‏ لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ‏"‏ وعن أبي سعيد كذلك، قال الزين بن المنير‏:‏ هذا الخبر يتناول بلفظه من قالها فبغته الموت، أو طالت حياته لكن لم يتكلم بشيء غيرها، ويخرج بمفهومه من تكلم لكن استصحب حكمها من غير تجديد نطق بها، فإن عمل أعمالا سيئة كان في المشيئة، وإن عمل أعمالا صالحة فقضية سعة رحمة الله أن لا فرق بين الإسلام النطقي والحكمي المستصحب والله أعلم‏.‏

انتهى‏.‏

وحكى الترمذي عن عبد الله بن المبارك أنه لقن عند الموت فأكثر عليه فقال‏:‏ إذا قلت مرة فأنا على ذلك ما لم أتكلم بكلام‏.‏

وهذا يدل على أنه كان يرى التفرقة في هذا المقام‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقيل لوهب بن منبه‏:‏ أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله إلخ‏)‏ يجوز نصب مفتاح على أنه خبر مقدم ورفعه على أنه مبتدأ، كأن القائل أشار إلى ما ذكر ابن إسحاق في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل العلاء بن الحضرمي قال له ‏"‏ إذا سئلت عن مفتاح الجنة فقل‏:‏ مفتاحها لا إله إلا الله ‏"‏ وروي عن معاذ بن جبل مرفوعا نحوه أخرجه البيهقي في الشعب وزاد ‏"‏ ولكن مفتاح بلا أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك ‏"‏ وهذه الزيادة نظير ما أجاب به وهب، فيحتمل أن تكون مدرجة في حديث معاذ‏.‏

وأما أثر وهب فوصله المصنف في التاريخ وأبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن سعيد بن رمانة بضم الراء وتشديد الميم وبعد الألف نون قال‏:‏ أخبرني أبي قال قيل لوهب بن منبه فذكره‏.‏

والمراد بقوله لا إله إلا الله في هذا الحديث وغيره كلمتا الشهادة، فلا يرد إشكال ترك ذكر الرسالة‏.‏

قال الزين بن المنير‏:‏ قول لا إله إلا الله لقب جرى على النطق بالشهادتين شرعا‏.‏

وأما قول وهب فمراده بالأسنان التزام الطاعة فلا يرد إشكال موافقة الخوارج وغيرهم أن أهل الكبائر لا يدخلون الجنة‏.‏

وأما قوله ‏"‏ لم يفتح له ‏"‏ فكأن مراده لم يفتح له فتحا تاما، أو لم يفتح له في أولي الأمر، وهذا بالنسبة إلى الغالب، وإلا فالحق أنهم في مشيئة الله تعالى‏.‏

وقد أخرج سعيد بن منصور بسند حسن عن وهب بن منبه قريبا من كلامه هذا في التهليل ولفظه ‏"‏ عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه مثل الداعي بلا عمل مثل الرامي بلا وتر ‏"‏ قال الداودي‏:‏ قول وهب محمول على التشديد، ولعله لم يبلغه حديث أبي ذر، أي حديث الباب‏.‏

والحق أن من قال لا إله إلا الله مخلصا أتي بمفتاح وله أسنان، لكن من خلط ذلك بالكبائر حتى مات مصرا عليها لم تكن أسنانه قوية، فربما طال علاجه‏.‏

وقال ابن رشيد‏:‏ يحتمل أن يكون مراد البخاري الإشارة إلى أن من قال لا إله إلا الله مخلصا عند الموت كان ذلك مسقطا لما تقدم له، والإخلاص يستلزم التوبة والندم، ويكون النطق علما على ذلك‏.‏

وأدخل حديث أبي ذر ليبين أنه لا بد من الاعتقاد، ولهذا قال عقب حديث أبي ذر في كتاب اللباس‏:‏ قال أبو عبد الله‏:‏ هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم‏.‏

ومعنى قول وهب إن جئت بمفتاح له أسنان جياد فهو من باب حذف النعت إذا دل عليه السياق لأن مسمى المفتاح لا يعقل إلا بالأسنان وإلا فهو عود أو حديدة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الْأَحْدَبُ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَأَخْبَرَنِي أَوْ قَالَ بَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتاني آت‏)‏ سماه في التوحيد من طريق شعبة عن واصل ‏"‏ جبريل ‏"‏ وجزم بقوله ‏"‏ فبشرني ‏"‏ وزاد الإسماعيلي من طريق مهدي في أوله قصة قال ‏"‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له، فلما كان في بعض الليل تنحى فلبث طويلا، ثم أتانا فقال ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

وأورده المصنف في اللباس من طريق أبي الأسود عن أبي ذر قال ‏"‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ ‏"‏ فدل على أنها رؤيا منام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أمتي‏)‏ أي من أمة الإجابة، ويحتمل أن يكون أعم من ذلك أي أمة الدعوة وهو متجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يشرك بالله شيئا‏)‏ أورده المصنف في اللباس بلفظ ‏"‏ ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك ‏"‏ الحديث‏.‏

إنما لم يورده المصنف هنا جريا على عادته في إيثار الخفي على الجلي، وذلك أن نفي الشرك يستلزم إثبات التوحيد، ويشهد له استنباط عبد الله بن مسعود في ثاني حديثي الباب من مفهوم قوله ‏"‏ من مات يشرك بالله دخل النار ‏"‏ وقال القرطبي‏:‏ معنى نفي الشرك أن لا يتخذ مع الله شريكا في الإلهية، لكن هذا القول صار بحكم العرف عبارة عن الإيمان الشرعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلت وإن زنى أو سرق‏)‏ قد يتبادر إلى الذهن أن القائل ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم والمقول له الملك الذي بشره به، وليس كذلك، بل القائل هو أبو ذر والمقول له هو النبي صلى الله عليه وسلم كما بينه المؤلف في اللباس‏.‏

وللترمذي ‏"‏ قال أبو ذر يا رسول الله ‏"‏ ويمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله مستوضحا وأبو ذر قاله مستبعدا، وقد جمع بينهما في الرقاق من طريق زيد بن وهب عن أبي ذر‏.‏

قال الزين بن المنير‏:‏ حديث أبي ذر من أحاديث الرجاء التي أفضى الاتكال عليها ببعض الجهلة إلى الإقدام على الموبقات، وليس هو على ظاهره فإن القواعد استقرت على أن حقوق الآدميين لا تسقط بمجرد الموت على الإيمان، ولكن لا يلزم من عدم سقوطها أن لا يتكفل الله بها عمن يريد أن يدخله الجنة، ومن ثم رد صلى الله عليه وسلم على أبي ذر استبعاده‏.‏

ويحتمل أن يكون المراد بقوله ‏"‏ دخل الجنة ‏"‏ أي صار إليها إما ابتداء من أول الحال وإما بعد أن يقع ما يقع من العذاب، نسأل الله العفو والعافية‏.‏

وفي هذا الحديث ‏"‏ من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من الدهر، أصابه قبل ذلك ما أصابه ‏"‏ وسيأتي بيان حاله في كتاب الرقاق‏.‏

وفي الحديث أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار، وأن الكبائر لا تسلب اسم الإيمان، وأن غير الموحدين لا يدخلون الجنة‏.‏

والحكمة في الاقتصار على الزنا والسرقة الإشارة إلى جنس حق الله تعالى وحق العباد، وكأن أبا ذر استحضر قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ‏"‏ لأن ظاهره معارض لظاهر هذا الخبر، لكن الجمع بينهما على قواعد أهل السنة بحمل هذا على الإيمان الكامل ويحمل حديث الباب على عدم التخليد في النار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على رغم أنف أبي ذر‏)‏ بفتح الراء وسكون المعجمة ويقال بضمها وكسرها، وهو مصدر رغم بفتح الغين وكسرها مأخوذ من الرغم وهو التراب، وكأنه دعا عليه بأن يلصق أنفه بالتراب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ وَقُلْتُ أَنَا مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عمر بن حفص‏)‏ أي ابن غياث، وشقيق هو أبو وائل، وعبد الله هو ابن مسعود، وكلهم كوفيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من مات يشرك بالله‏)‏ في رواية أبي حمزة عن الأعمش في تفسير البقرة ‏"‏ من مات وهو يدعو من دون الله ندا ‏"‏ وفي أوله ‏"‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت أنا أخرى‏"‏، ولم تختلف الروايات في الصحيحين في أن المرفوع الوعيد والموقوف الوعد‏.‏

وزعم الحميدي في ‏"‏ الجمع ‏"‏ وتبعه مغلطاي في شرحه ومن أخذ عنه أن في رواية مسلم من طريق وكيع وابن نمير بالعكس بلفظ ‏"‏ من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، وقلت أنا من مات يشرك بالله شيئا دخل النار ‏"‏ وكأن سبب الوهم في ذلك ما وقع عند أبي عوانة والإسماعيلي من طريق وكيع بالعكس، لكن بين الإسماعيلي أن المحفوظ عن وكيع كما في البخاري، قال‏:‏ وإنما المحفوظ أن الذي قلبه أبو عوانة وحده وبذلك جزم ابن خزيمة في صحيحه، والصواب رواية الجماعة، وكذلك أخرجه أحمد من طريق عاصم وابن خزيمة من طريق يسار وابن حبان من طريق المغيرة كلهم عن شقيق، وهذا هو الذي يقتضيه النظر لأن جانب الوعيد ثابت بالقرآن وجاءت السنة على وفقه فلا يحتاج إلى استنباط، بخلاف جانب الوعد فإنه في محل البحث إذ لا يصح حمله على ظاهره كما تقدم‏.‏

وكأن ابن مسعود لم يبلغه حديث جابر الذي أخرجه مسلم بلفظ ‏"‏ قيل‏:‏ يا رسول الله ما الموجبتان‏؟‏ قال‏:‏ من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار ‏"‏ وقال النووي‏:‏ الجيد أن يقال سمع ابن مسعود اللفظتين من النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه في وقت حفظ إحداهما وتيقنها ولم يحفظ الأخرى فرفع المحفوظة وضم الأخرى إليها، وفي وقت بالعكس، قال‏:‏ فهذا جمع بين روايتي ابن مسعود وموافقته لرواية غيره في رفع اللفظتين انتهى‏.‏

وهذا الذي قال محتمل بلا شك، لكن فيه بعد مع اتحاد مخرج الحديث، فلو تعدد مخرجه إلى ابن مسعود لكان احتمالا قريبا مع أنه يستغرب من انفراد راو من الرواة بذلك دون رفقته وشيخهم ومن فوقه، فنسبة السهو إلى شخص ليس بمعصوم أولى من هذا التعسف‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ حكى الخطيب في ‏"‏ المدرج ‏"‏ أن أحمد بن عبد الجبار رواه عن أبي بكر بن عياش عن عاصم مرفوعا كله وأنه وهم في ذلك، وفي حديث ابن مسعود دلالة على أنه كان يقول بدليل الخطاب، ويحتمل أن يكون أثر ابن مسعود أخذه من ضرورة انحصار الجزاء في الجنة والنار، وفيه إطلاق الكلمة على الكلام الكثير وسيأتي البحث فيه في الأيمان والنذور‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 12:00 AM   #418
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*باب الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الأمر باتباع الجنائز‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يفصح بحكمه لأن قوله ‏"‏ أمرنا ‏"‏ أعم من أن يكون للوجوب أو للندب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَشْعَثِ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَخَاتَمِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالْقَسِّيِّ وَالْإِسْتَبْرَقِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الأشعث‏)‏ هو ابن أبي الشعثاء المحاربي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن البراء بن عازب‏)‏ أورده في المظالم عن سعيد بن الربيع عن شعبة عن الأشعث فقال فيه ‏"‏ سمعت البراء بن عازب‏"‏، ولمسلم من طريق زهير بن معاوية عن الأشعث عن معاوية بن سويد قال ‏"‏ دخلت على البراء بن عازب فسمعته يقول ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع‏)‏ أما المأمورات فسنذكر شرحها في كتابي الأدب واللباس، والذي يتعلق منها بهذا الباب اتباع الجنائز‏.‏

وأما المنهيات فمحل شرحها كتاب اللباس وسيأتي الكلام عليها فيه، وسقط من المنهيات في هذا الباب واحدة سهوا إما من المصنف أو من شيخه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَرَوَاهُ سَلَامَةُ بْنُ رَوْحٍ عَنْ عُقَيْلٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ كذا في جميع الروايات غير منسوب‏.‏

وقال الكلاباذي‏:‏ هو الذهلي، وعمرو بن أبي سلمة هو التنيسي وقد ضعفه ابن معين بسبب أن في حديثه عن الأوزاعي مناولة وإجازة، لكن بين أحمد بن صالح المصري أنه كان يقول فيما سمعه ‏"‏ حدثنا ‏"‏ ولا يقول ذلك فيما لم يسمعه، وعلى هذا فقد عنعن هذا الحديث فدل على أنه لم يسمعه، والجواب عن البخاري أنه يعتمد على المناولة ويحتج بها، وقصارى هذا الحديث أن يكون منها، وقد قواه بالمتابعة التي ذكرها عقبة، ولم ينفرد به عمرو، ومع ذلك فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم وغيره عن الأوزاعي، وكأن البخاري اختار طريق عمرو لوقوع التصريح فيها بالإخبار بين الأوزاعي والزهري، ومتابعة عبد الرزاق التي ذكرها وصلها مسلم وقال في آخره‏:‏ كان معمر يرسل هذا الحديث وأسنده مرة عن ابن المسيب عن أبي هريرة‏.‏

وقد وقع لي معلقا في جزء الذهلي ‏"‏ قال أخبرنا عبد الرزاق ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

وأما رواية سلامة وهو بتخفيف اللام وهو ابن أخي عقيل فأظنها في الزهريات للذهلي، وله نسخة عن عمه عن الزهري، ويقال إنه كان يرويها من كتاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حق المسلم على المسلم خمس‏)‏ في رواية مسلم من طريق عبد الرزاق ‏"‏ خمس تجب للمسلم على المسلم ‏"‏ وله من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ‏"‏ حق المسلم على المسلم ست ‏"‏ وزاد ‏"‏ وإذا استنصحك فانصح له ‏"‏ وقد تبين أن معنى ‏"‏ الحق ‏"‏ هنا الوجوب خلافا لقول ابن بطال‏:‏ المراد حق الحرمة والصحبة، والظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رد السلام‏)‏ يأتي الكلام على أحكامه في الاستئذان، وعيادة المريض يأتي الكلام عليها في المرضى، وإجابة الداعي يأتي الكلام عليها في الوليمة، وتشميت العاطس يأتي الكلام عليه في الأدب‏.‏

وأما اتباع الجنائز فسيأتي الكلام عليه في ‏"‏ باب فضل اتباع الجنائز ‏"‏ في وسط كتاب الجنائز، والمقصود هنا إثبات مشروعيته فلا تكرار‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 12:01 AM   #419
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ إِذَا أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه‏)‏ أي لف فيها، قال ابن رشيد‏:‏ موقع هذه الترجمة من الفقه أن الموت لما كان سبب تغيير محاسن الحي التي عهد عليها - ولذلك أمر بتغميضه وتغطيته - كان ذلك مظنة للمنع من كشفه حتى قال النخعي‏:‏ ينبغي أن لا يطلع عليه إلا الغاسل له ومن يليه، فترجم البخاري على جواز ذلك، ثم أورد فيه ثلاثة أحاديث‏:‏ أولها حديث عائشة في دخول أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن مات، وسيأتي مستوفى في باب الوفاة آخر المغازي، ومطابقته للترجمة واضحة كما سنبينه، وأشد ما فيه إشكالا قول أبي بكر لا يجمع الله عليك موتتين، وعنه أجوبة‏:‏ فقيل هو على حقيقته وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيحيا فيقطع أيدي رجال، لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعهما على غيره كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف، وكالذي مر على قرية، وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها‏.‏

وقيل أراد لا يموت موتة أخرى في القبر كغيره إذ يحيا ليسأل ثم يموت، وهذا جواب الداودي، وقيل لا يجمع الله موت نفسك وموت شريعتك‏.‏

وقيل كنى بالموت الثاني عن الكرب، أي لا نلقى بعد كرب هذا الموت كربا آخر‏.‏

ثانيها حديث أم العلاء الأنصارية في قصة عثمان بن مظعون وسيأتي بأتم من هذا السياق في ‏"‏ باب القرعة ‏"‏ آخر الشهادات، وفي التعبير‏.‏

ثالثها حديث جابر في موت أبيه وسيأتي في كتاب الجهاد‏.‏

ودلالة الأول والثالث مشكلة لأن أبا بكر إنما دخل قبل الغسل فضلا عن التكفين وعمر ينكر حينئذ أن يكون مات، ولأن جابرا كشف الثوب عن وجه أبيه قبل تكفينه‏.‏

وقد يقال في الجواب عن الأول‏:‏ إن الذي وقع دخول أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى أي مغطى، فيؤخذ منه أن الدخول على الميت يمتنع إلا إن كان مدرجا في أكفانه أو في حكم المدرج لئلا يطلع منه على ما يكره الاطلاع عليه‏.‏

وقال الزين بن المنير ما محصله‏:‏ كان أبو بكر عالما بأنه صلى الله عليه وسلم لا يزال مصونا عن كل أذى فساغ له الدخول من غير تنقيب عن الحال، وليس ذلك لغيره‏.‏

وأما الجواب عن حديث جابر فأجاب ابن المنير أيضا بأن ثياب الشهيد التي قتل فيها هي أكفانه فهو كالمدرج، ويمكن أن يقال نهيهم له عن كشف وجهه يدل على المنع من الاقتراب من الميت، ولكن يتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم لم ينهه، ويجاب بأن عدم نهيهم عن نهيه يدل على تقرير نهيهم، فتبين أن الدخول الثابت في الأحاديث الثلاثة كان في حالة الإدراج أو في حالة تقوم مقامها‏.‏

قال ابن رشيد‏:‏ المعنى الذي في الحديثين من كشف الميت بعد تسجيته مساو لحاله بعد تكفينه والله أعلم‏.‏

وفي هذه الأحاديث جواز تقبيل الميت تعظيما وتبركا وجواز التفدية بالآباء والأمهات، وقد يقال هي لفظة اعتادت العرب أن تقولها ولا تقصد معناها الحقيقي إذ حقيقة التفدية بعد الموت لا تتصور، وجواز البكاء على الميت، وسيأتي مبسوطا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمْ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ اجْلِسْ فَأَبَى فَقَالَ اجْلِسْ فَأَبَى فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إِلَى الشَّاكِرِينَ وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلَّا يَتْلُوهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، ومعمر هو ابن راشد، ويونس هو ابن يزيد، والسنح بضم المهملة وسكون النون بعدها حاء مهملة منازل بني الحارث بن الخزرج وكان أبو بكر متزوجا فيهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتيمم‏)‏ أي قصد‏.‏

وبرد حبرة بكسر المهملة وفتح الموحدة بوزن عنبة، ويجوز فيه التنوين على الوصف، وعدمه على الإضافة، وهي نوع من برود اليمن مخططة غالية الثمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقبله‏)‏ أي بين عينيه‏.‏

وقد ترجم عليه النسائي وأورده صريحا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏التي كتب الله‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ التي كتب ‏"‏ بضم أوله على البناء للمجهول‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ بَايَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ فَقَالَ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي قَالَتْ فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ مِثْلَهُ وَقَالَ نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ مَا يُفْعَلُ بِهِ وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمَعْمَرٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه اقتسم‏)‏ الهاء ضمير الشأن واقتسم بضم المثناة، والمعنى أن الأنصار اقترعوا على سكنى المهاجرين لما دخلوا عليهم المدينة‏.‏

وقولها ‏(‏فطار لنا‏)‏ أي وقع في سهمنا، وذكره بعض المغاربة بالصاد ‏"‏ فصار لنا ‏"‏ وهو صحيح من حيث المعنى إن ثبتت الرواية‏.‏

وقولها ‏(‏أبا السائب‏)‏ تعني عثمان المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما يفعل بي‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ به ‏"‏ وهو غلط منه، فإن المحفوظ في رواية الليث هذا، ولذلك عقبه المصنف برواية نافع بن يزيد عن عقيل التي لفظها ‏"‏ ما يفعل به ‏"‏ وعلق منها هذا القدر فقط إشارة إلى أن باقي الحديث لم يختلف فيه، ورواية نافع المذكورة وصلها الإسماعيلي، وأما متابعة شعيب فستأتي في أواخر الشهادات موصولة، وأما متابعة عمرو بن دينار فوصلها ابن أبي عمر في مسنده عن ابن عيينة عنه، وأما متابعة معمر فوصلها المصنف في التعبير من طريق ابن المبارك عنه، وقد وصلها عبد الرزاق عن معمر أيضا‏.‏

ورويناها في مسند عبد بن حميد ‏(‏ن 452‏)‏ قال أخبرنا عبد الرزاق ولفظه ‏"‏ فوالله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم ‏"‏ وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك موافقة لقوله تعالى في سورة الأحقاف ‏(‏قل ما كنت بدعا من الرسل، وما أدري ما يفعل بي ولا بكم‏)‏ وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى ‏(‏ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏)‏ لأن الأحقاف مكية، وسورة الفتح مدنية بلا خلاف فيهما، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ أنا أول من يدخل الجنة ‏"‏ وغير ذلك من الأخبار الصريحة في معناه، فيحتمل أن يحمل الإثبات في ذلك على العلم المجمل، والنفي على الإحاطة من حيث التفصيل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْهَانِي فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبْكِينَ أَوْ لَا تَبْكِينَ مَا زَالَتْ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏وينهوني‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وينهونني ‏"‏ وهو أوجه، وفاطمة عمة جابر وهي شقيقة أبيه عبد الله بن عمرو، و ‏"‏ أو ‏"‏ في قوله ‏"‏ تبكين أو لا تبكين ‏"‏ للتخيير، ومعناه أنه مكرم بصنيع الملائكة وتزاحمهم عليه لصعودهم بروحه، ويحتمل أن يكون شكا من الراوي، وسيأتي البحث فيه في كتاب الجهاد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه ابن جريج إلخ‏)‏ وصله مسلم من طريق عبد الرزاق عنه، وأوله ‏"‏ جاء قومي بأبي قتيلا يوم أحد‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 12:02 AM   #420
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ إِذَا أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه‏)‏ أي لف فيها، قال ابن رشيد‏:‏ موقع هذه الترجمة من الفقه أن الموت لما كان سبب تغيير محاسن الحي التي عهد عليها - ولذلك أمر بتغميضه وتغطيته - كان ذلك مظنة للمنع من كشفه حتى قال النخعي‏:‏ ينبغي أن لا يطلع عليه إلا الغاسل له ومن يليه، فترجم البخاري على جواز ذلك، ثم أورد فيه ثلاثة أحاديث‏:‏ أولها حديث عائشة في دخول أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن مات، وسيأتي مستوفى في باب الوفاة آخر المغازي، ومطابقته للترجمة واضحة كما سنبينه، وأشد ما فيه إشكالا قول أبي بكر لا يجمع الله عليك موتتين، وعنه أجوبة‏:‏ فقيل هو على حقيقته وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيحيا فيقطع أيدي رجال، لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعهما على غيره كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف، وكالذي مر على قرية، وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها‏.‏

وقيل أراد لا يموت موتة أخرى في القبر كغيره إذ يحيا ليسأل ثم يموت، وهذا جواب الداودي، وقيل لا يجمع الله موت نفسك وموت شريعتك‏.‏

وقيل كنى بالموت الثاني عن الكرب، أي لا نلقى بعد كرب هذا الموت كربا آخر‏.‏

ثانيها حديث أم العلاء الأنصارية في قصة عثمان بن مظعون وسيأتي بأتم من هذا السياق في ‏"‏ باب القرعة ‏"‏ آخر الشهادات، وفي التعبير‏.‏

ثالثها حديث جابر في موت أبيه وسيأتي في كتاب الجهاد‏.‏

ودلالة الأول والثالث مشكلة لأن أبا بكر إنما دخل قبل الغسل فضلا عن التكفين وعمر ينكر حينئذ أن يكون مات، ولأن جابرا كشف الثوب عن وجه أبيه قبل تكفينه‏.‏

وقد يقال في الجواب عن الأول‏:‏ إن الذي وقع دخول أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى أي مغطى، فيؤخذ منه أن الدخول على الميت يمتنع إلا إن كان مدرجا في أكفانه أو في حكم المدرج لئلا يطلع منه على ما يكره الاطلاع عليه‏.‏

وقال الزين بن المنير ما محصله‏:‏ كان أبو بكر عالما بأنه صلى الله عليه وسلم لا يزال مصونا عن كل أذى فساغ له الدخول من غير تنقيب عن الحال، وليس ذلك لغيره‏.‏

وأما الجواب عن حديث جابر فأجاب ابن المنير أيضا بأن ثياب الشهيد التي قتل فيها هي أكفانه فهو كالمدرج، ويمكن أن يقال نهيهم له عن كشف وجهه يدل على المنع من الاقتراب من الميت، ولكن يتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم لم ينهه، ويجاب بأن عدم نهيهم عن نهيه يدل على تقرير نهيهم، فتبين أن الدخول الثابت في الأحاديث الثلاثة كان في حالة الإدراج أو في حالة تقوم مقامها‏.‏

قال ابن رشيد‏:‏ المعنى الذي في الحديثين من كشف الميت بعد تسجيته مساو لحاله بعد تكفينه والله أعلم‏.‏

وفي هذه الأحاديث جواز تقبيل الميت تعظيما وتبركا وجواز التفدية بالآباء والأمهات، وقد يقال هي لفظة اعتادت العرب أن تقولها ولا تقصد معناها الحقيقي إذ حقيقة التفدية بعد الموت لا تتصور، وجواز البكاء على الميت، وسيأتي مبسوطا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمْ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ اجْلِسْ فَأَبَى فَقَالَ اجْلِسْ فَأَبَى فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَقَالَ أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إِلَى الشَّاكِرِينَ وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلَّا يَتْلُوهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، ومعمر هو ابن راشد، ويونس هو ابن يزيد، والسنح بضم المهملة وسكون النون بعدها حاء مهملة منازل بني الحارث بن الخزرج وكان أبو بكر متزوجا فيهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتيمم‏)‏ أي قصد‏.‏

وبرد حبرة بكسر المهملة وفتح الموحدة بوزن عنبة، ويجوز فيه التنوين على الوصف، وعدمه على الإضافة، وهي نوع من برود اليمن مخططة غالية الثمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقبله‏)‏ أي بين عينيه‏.‏

وقد ترجم عليه النسائي وأورده صريحا‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏التي كتب الله‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ التي كتب ‏"‏ بضم أوله على البناء للمجهول‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ بَايَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ فَقَالَ أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي قَالَتْ فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ مِثْلَهُ وَقَالَ نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ مَا يُفْعَلُ بِهِ وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمَعْمَرٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه اقتسم‏)‏ الهاء ضمير الشأن واقتسم بضم المثناة، والمعنى أن الأنصار اقترعوا على سكنى المهاجرين لما دخلوا عليهم المدينة‏.‏

وقولها ‏(‏فطار لنا‏)‏ أي وقع في سهمنا، وذكره بعض المغاربة بالصاد ‏"‏ فصار لنا ‏"‏ وهو صحيح من حيث المعنى إن ثبتت الرواية‏.‏

وقولها ‏(‏أبا السائب‏)‏ تعني عثمان المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما يفعل بي‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ به ‏"‏ وهو غلط منه، فإن المحفوظ في رواية الليث هذا، ولذلك عقبه المصنف برواية نافع بن يزيد عن عقيل التي لفظها ‏"‏ ما يفعل به ‏"‏ وعلق منها هذا القدر فقط إشارة إلى أن باقي الحديث لم يختلف فيه، ورواية نافع المذكورة وصلها الإسماعيلي، وأما متابعة شعيب فستأتي في أواخر الشهادات موصولة، وأما متابعة عمرو بن دينار فوصلها ابن أبي عمر في مسنده عن ابن عيينة عنه، وأما متابعة معمر فوصلها المصنف في التعبير من طريق ابن المبارك عنه، وقد وصلها عبد الرزاق عن معمر أيضا‏.‏

ورويناها في مسند عبد بن حميد ‏(‏ن 452‏)‏ قال أخبرنا عبد الرزاق ولفظه ‏"‏ فوالله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم ‏"‏ وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك موافقة لقوله تعالى في سورة الأحقاف ‏(‏قل ما كنت بدعا من الرسل، وما أدري ما يفعل بي ولا بكم‏)‏ وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى ‏(‏ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏)‏ لأن الأحقاف مكية، وسورة الفتح مدنية بلا خلاف فيهما، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ أنا أول من يدخل الجنة ‏"‏ وغير ذلك من الأخبار الصريحة في معناه، فيحتمل أن يحمل الإثبات في ذلك على العلم المجمل، والنفي على الإحاطة من حيث التفصيل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْهَانِي فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبْكِينَ أَوْ لَا تَبْكِينَ مَا زَالَتْ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏وينهوني‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وينهونني ‏"‏ وهو أوجه، وفاطمة عمة جابر وهي شقيقة أبيه عبد الله بن عمرو، و ‏"‏ أو ‏"‏ في قوله ‏"‏ تبكين أو لا تبكين ‏"‏ للتخيير، ومعناه أنه مكرم بصنيع الملائكة وتزاحمهم عليه لصعودهم بروحه، ويحتمل أن يكون شكا من الراوي، وسيأتي البحث فيه في كتاب الجهاد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه ابن جريج إلخ‏)‏ وصله مسلم من طريق عبد الرزاق عنه، وأوله ‏"‏ جاء قومي بأبي قتيلا يوم أحد‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 12:04 AM   #421
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب الرَّجُلِ يَنْعَى إِلَى أَهْل الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه‏)‏ كذا في أكثر الروايات، ووقع للكشميهني بحذف الموحدة‏.‏

وفي رواية الأصيلي بحذف ‏"‏ أهل ‏"‏ فعلى الرواية المشهورة يكون المفعول محذوفا والضمير في قوله ‏"‏ بنفسه ‏"‏ للراجل الذي ينعى الميت إلى أهل الميت بنفسه‏.‏

وقال الزين بن المنير‏:‏ الضمير للميت لأن الذي ينكر عادة هو نعي الناس لما يدخل على القلب من هول الموت انتهى، والأول أولى، وأشار المهلب إلى أن في الترجمة خللا قال‏:‏ والصواب الرجل ينعى إلى الناس الميت بنفسه كذا قال، ولم يصنع شيئا إلا أنه أبدل لفظ الأهل بالناس، وأثبت المفعول المحذوف، ولعله كان ثابتا في الأصل فسقط أو حذف عمدا لدلالة الكلام عليه، أو لفظ ‏"‏ ينعى ‏"‏ بضم أوله، والمراد بالرجل الميت والضمير حينئذ له كما قال الزين بن المنير، ويستقيم عليه رواية الكشميهني‏.‏

وأما التفكير بالأهل فلا خلل فيه لأن مراده به ما هو أعم من القرابة وهو أخوة الدين، وهو أولى من التعبير بالناس لأنه يخرج من ليس له به أهلية كالكفار، وأما رواية الأصيلي فقال ابن رشيد إنها فاسدة، قال‏:‏ وفائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعا كله، وإنما نهي عما كان أهل الجاهلية يصنعونه فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق‏.‏

وقال ابن المرابط‏:‏ مراده أن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله، لكن في تلك المفسدة مصالح جمة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته وتهيئة أمره والصلاة عليه والدعاء له والاستغفار وتنفيذ وصاياه وما يترتب على ذلك من الأحكام‏.‏

وأما نعي الجاهلية فقال سعيد بن منصور ‏"‏ أخبرنا ابن علية عن ابن عون قال قلت لإبراهيم‏:‏ أكانوا يكرهون النعي‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال ابن عون‏:‏ كانوا إذا توفي الرجل ركب رجل دابة ثم صاح في الناس‏:‏ أنعي فلانا ‏"‏ وبه إلى ابن عون قال‏:‏ قال ابن سيرين‏:‏ لا أعلم بأسا أن يؤذن الرجل صديقه وحميمه‏.‏

وحاصله أن محض الإعلام بذلك لا يكره، فإن زاد على ذلك فلا، وقد كان بعض السلف يشدد في ذلك حتى ‏"‏ كان حذيفة إذا مات له الميت يقول‏:‏ لا تؤذنوا به أحدا، إني أخاف أن يكون نعيا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين ينهى عن النعي ‏"‏ أخرجه الترمذي وابن ماجه بإسناد حسن، قال ابن العربي‏:‏ يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات، الأولى إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذا سنة، الثانية دعوة الحفل للمفاخرة فهذه تكره، الثالثة الإعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم‏.‏

ثم ذكر المصنف في الباب حديثين‏:‏ أحدهما حديث أبي هريرة في الصلاة على النجاشي وسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الجنائز، ثانيهما حديث أنس في قصة قتل الأمراء بمؤتة وسيأتي الكلام عليه في المغازي‏.‏

وورد في علامات النبوة بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا ‏"‏ الحديث، قال الزين بن المنير‏:‏ وجه دخول قصة الأمراء في الترجمة أن نعيهم كان لأقاربهم وللمسلمين الذين هم أهلهم من جهة الدين، ووجه دخول قصة النجاشي كونه كان غريبا في ديار قومه فكان للمسلمين من حيث الإسلام أخا فكانوا أخص به من قرابته‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون بعض أقرباء النجاشي كان بالمدينة حينئذ ممن قدم مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة كذي مخمر ابن أخي النجاشي فيستوي الحديثان في إعلام أهل كل منهما حقيقة ومجازا‏.‏

*3*باب الْإِذْنِ بِالْجَنَازَةِ

وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا آذَنْتُمُونِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الإذن بالجنازة‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ ضبطناه بكسر الهمزة وسكون المعجمة، وضبطه ابن المرابط بمد الهمزة وكسر الذال على وزن الفاعل‏.‏

قلت‏:‏ والأول أوجه، والمعنى الإعلام بالجنازة إذا انتهى أمرها ليصلى عليها‏.‏

قيل‏:‏ هذه الترجمة تغاير التي قبلها من جهة أن المراد بها الإعلام بالنفس وبالغير، قال الزين بن المنير‏:‏ هي مرتبة على التي قبلها لأن النعي إعلام من لم يتقدم له علم بالميت، والإذن إعلام من علم بتهيئة أمره وهو حسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو رافع عن أبي هريرة قال‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم ألا كنتم آذنتموني‏)‏ هذا طرف من حديث تقدم الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب كنس المسجد ‏"‏ ومناسبته للترجمة واضحة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَاتَ إِنْسَانٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَمَاتَ بِاللَّيْلِ فَدَفَنُوهُ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرُوهُ فَقَالَ مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي قَالُوا كَانَ اللَّيْلُ فَكَرِهْنَا وَكَانَتْ ظُلْمَةٌ أَنْ نَشُقَّ عَلَيْكَ فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني محمد‏)‏ هو ابن سلام كما جزم به أبو علي بن السكن في روايته عن الفربري، وأبو معاوية هو الضرير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مات إنسان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده‏)‏ وقع في شرح الشيخ سراج الدين عمر بن الملقن أنه الميت المذكور في حديث أبي هريرة الذي كان يقم المسجد، وهو وهم منه لتغاير القصتين، فقد تقدم أن الصحيح في الأول أنها امرأة وأنها أم محجن، وأما هذا فهو رجل واسمه طلحة بن البراء بن عمير البلوي حليف الأنصار روى حديثه أبو داود مختصرا والطبراني من طريق عروة بن سعيد الأنصاري عن أبيه عن حسين بن وحوح الأنصاري وهو بمهملتين بوزن جعفر ‏"‏ أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال‏.‏

إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا ‏"‏ فلم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بني سالم بن عوف حتى توفي، وكان قال لأهله لما دخل الليل‏:‏ إذا مت فادفنوني ولا تدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخاف عليه يهودا أن يصاب بسببي، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبح فجاء حتى وقف على قبره فصف الناس معه، ثم رفع يديه فقال‏:‏ اللهم الق طلحة يضحك إليك وتضحك إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان الليل‏)‏ بالرفع، وكذا قوله ‏"‏ وكانت ظلمة ‏"‏ فكان فيهما تامة، وسيأتي الكلام على حكم الصلاة على القبر في ‏"‏ باب صفوف الصبيان مع الرجال على الجنازة ‏"‏ مع بقية الكلام على هذا الحديث‏.‏

*3*باب فَضْلِ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ فَاحْتَسَبَ

وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل من مات له ولد فاحتسب‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ عبر المصنف بالفضل ليجمع بين مختلف الأحاديث الثلاثة التي أوردها، لأن في الأول دخول الجنة، وفي الثاني الحجب عن النار، وفي الثالث تقييد الولوج بتحلة القسم، وفي كل منها ثبوت الفضل لمن وقع له ذلك‏.‏

ويجمع بينها بأن يقال‏:‏ الدخول لا يستلزم الحجب ففي ذكر الحجب فائدة زائدة لأنها تستلزم الدخول من أول وهلة، وأما الثالث فالمراد بالولوج الورود وهو المرور على النار كما سيأتي البحث فيه عند قوله ‏"‏ إلا تحلة القسم ‏"‏ والمار عليها على أقسام‏:‏ منهم من لا يسمع حسيسها وهم الذين سبقت لهم الحسنى من الله كما في القرآن، فلا تنافي مع هذا بين الولوج والحجب، وعبر بقوله ‏"‏ ولد ‏"‏ ليتناول الواحد فصاعدا وإن كان حديث الباب قد قيد بثلاثة أو اثنتين، لكن وقع في بعض طرقه ذكر الواحد ففي حديث جابر بن سمرة مرفوعا ‏"‏ من دفن ثلاثة فصبر عليهم واحتسب وجبت له الجنة، فقالت أم أيمن‏:‏ أو اثنين‏؟‏ فقال‏:‏ أو اثنين‏.‏

فقالت‏:‏ وواحد‏؟‏ فسكت ثم قال‏:‏ وواحد ‏"‏ أخرجه الطبراني في الأوسط‏.‏

وحديث ابن مسعود مرفوعا ‏"‏ من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حصنا حصينا من النار‏.‏

قال أبو ذر‏:‏ قدمت اثنين، قال‏:‏ واثنين‏.‏

قال أبي بن كعب‏:‏ قدمت واحدا، قال‏:‏ وواحدا ‏"‏ أخرجه الترمذي وقال‏:‏ غريب، وعنده من حديث ابن عباس رفعه ‏"‏ من كان له فرطان من أمتي أدخله الله الجنة‏.‏

فقالت عائشة‏:‏ فمن كان له فرط‏؟‏ قال‏:‏ ومن كان له فرط ‏"‏ الحديث‏.‏

وليس في شيء من هذه الطرق ما يصلح للاحتجاج، بل وقع في رواية شريك التي علق المصنف إسنادها كما سيأتي ولم يسأله عن الواحد، وروى النسائي وابن حبان من طريق حفص بن عبيد الله عن أنس أن المرأة التي قالت واثنان قالت بعد ذلك يا ليتني قلت وواحد‏.‏

وروى أحمد من طريق محمود بن لبيد عن جابر رفعه ‏"‏ من مات له ثلاث من الولد فاحتسبهم دخل الجنة‏.‏

قلنا‏:‏ يا رسول الله واثنان‏؟‏ قال محمود قلت لجابر أراكم لو قلتم وواحد لقال وواحد، قال‏:‏ وأنا أظن ذلك ‏"‏ وهذه الأحاديث الثلاثة أصح من تلك الثلاثة، لكن روى المصنف من حديث أبي هريرة كما سيأتي في الرقاق مرفوعا ‏"‏ يقول الله عز وجل‏:‏ ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة ‏"‏ وهذا يدخل فيه الواحد فما فوقه، وهو أصح ما ورد في ذلك، وقوله ‏"‏فاحتسب ‏"‏ أي صبر راضيا بقضاء الله راجيا فضله، ولم يقع التقييد بذلك أيضا في أحاديث الباب، وكأنه أشار إلى ما وقع في بعض طرقه أيضا كما في حديث جابر بن سمرة المذكور قبل، وكذا في حديث جابر بن عبد الله‏.‏

وفي رواية ابن حبان والنسائي من طريق حفص بن عبيد الله بن أنس عن أنس رفعه ‏"‏ من احتسب من صلبه ثلاثة دخل الجنة ‏"‏ الحديث، ولمسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا ‏"‏ لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبهم إلا دخلت الجنة ‏"‏ الحديث، ولأحمد والطبراني من حديث عقبة بن عامر رفعه ‏"‏ من أعطى ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله وجبت له الجنة ‏"‏ وفي الموطأ عن أبي النضر السلمي رفعه ‏"‏ لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا جنة من النار ‏"‏ الحديث‏.‏

وقد عرف من القواعد الشرعية أن الثواب لا يترتب إلا على النية، فلا بد من قيد الاحتساب، والأحاديث المطلقة محمولة على المقيدة، ولكن أشار الإسماعيلي إلى اعتراض لفظي فقال‏:‏ يقال في البالغ احتسب وفي الصغير افترط انتهى‏.‏

وبذلك قال الكثير من أهل اللغة، لكن لا يلزم من كون ذلك هو الأصل أن لا يستعمل هذا موضع هذا، بل ذكر ابن دريد وغيره احتسب فلان بكذا طلب أجرا عند الله، وهذا أعم من أن يكون لكبير أو صغير، وقد ثبت ذلك في الأحاديث التي ذكرناها وهي حجة في صحة هذا الاستعمال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله عز وجل وبشر الصابرين‏)‏ في رواية كريمة والأصيلي ‏"‏ وقال الله ‏"‏ وأراد بذلك الآية التي في البقرة وقد وصف فيها الصابرون بقوله تعالى ‏(‏الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون‏)‏ فكأن المصنف أراد تقييد ما أطلق في الحديث بهذه الآية الدالة على ترك القلق والجزع، ولفظ ‏"‏ المصيبة ‏"‏ قي الآية وإن كان عاما لكنه يتناول المصيبة بالولد فهو من أفراده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلَاثٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا عبد العزيز‏)‏ هو ابن صهيب وصرح به في رواية ابن ماجه والإسماعيلي من هذا الوجه، والإسناد كله بصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما من الناس من مسلم‏)‏ قيده به ليخرج الكافر، ومن الأولى بيانية والثانية زائدة، وسقطت من في رواية ابن علية عن عبد العزيز كما سيأتي في أواخر الجنائز، و ‏"‏ مسلم ‏"‏ اسم ما والاستثناء وما معه الخبر، والحديث ظاهر في اختصاص ذلك بالمسلم لكن هل يحصل ذلك لمن مات له أولاد في الكفر ثم أسلم‏؟‏ فيه نظر، ويدل على عدم ذلك حديث أبي ثعلبة الأشجعي قال ‏"‏ قلت يا رسول الله مات لي ولدان، قال‏:‏ من مات له ولدان في الإسلام أدخله الله الجنة ‏"‏ أخرجه أحمد والطبراني، وعن عمرو بن عبسة مرفوعا ‏"‏ من مات له ثلاثة أولاد في الإسلام فماتوا قبل أن يبلغوا أدخله الله الجنة ‏"‏ أخرجه أحمد أيضا‏.‏

وأخرج أيضا عن رجاء الأسلمية قالت ‏"‏ جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ يا رسول الله ادع الله لي في ابن لي بالبركة فإنه قد توفي له ثلاثة، فقال‏:‏ أمنذ أسلمت‏؟‏ قالت‏:‏ نعم‏"‏‏.‏

فذكر الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يتوفى له‏)‏ بضم أوله ووقع في رواية ابن ماجه المذكورة ‏"‏ ما من مسلمين يتوفى لهما ‏"‏ والظاهر أن المراد من ولده الرجل حقيقة، ويدل عليه رواية النسائي المذكورة من طريق حفص عن أنس ففيها ‏"‏ ثلاثة من صلبه‏"‏، وكذا حديث عقبة بن عامر، وهل يدخل في الأولاد أولاد الأولاد‏؟‏ محل بحث، والذي يظهر أن أولاد الصلب يدخلون ولا سيما عند فقد الوسائط بينهم وبين الأب، وفي التقيد بكونهم من صلبه ما يدل على إخراج أولاد البنات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثة‏)‏ كذا للأكثر وهو الموجود في غير البخاري ووقع في رواية الأصيلي وكريمة ‏"‏ ثلاث ‏"‏ بحذف الهاء وهو جائز لكون المميز محذوفا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يبلغوا الحنث‏)‏ كذا للجميع بكسر المهملة وسكون النون بعدها مثلثة، وحكى ابن قرقول عن الداودي أنه ضبطه بفتح المعجمة والموحدة وفسره بأن المراد لم يبلغوا أن يعملوا المعاصي، قال ولم يذكره كذلك غيره، والمحفوظ الأول، والمعنى لم يبلغوا الحلم فتكتب عليهم الآثام‏.‏

قال الخليل‏:‏ بلغ الغلام الحنث إذا جرى عليه القلم، والحنث الذنب قال الله تعالى ‏(‏وكانوا يصرون على الحنث العظيم‏)‏ وقيل المراد بلغ إلى زمان يؤاخذ بيمينه إذا حنث‏.‏

وقال الراغب‏:‏ عبر بالحنث عن البلوغ لما كان الإنسان يؤاخذ بما يرتكبه فيه بخلاف ما قبله، وخص الإثم بالذكر لأنه الذي يحصل بالبلوغ لأن الصبي قد يثاب، وخص الصغير بذلك لأن الشفقة عليه أعظم والحب له أشد والرحمة له أوفر، وعلى هذا فمن بلع الحنث لا يحصل لمن فقده ما ذكر من هذا الثواب وإن كان في فقد الولد أجر في الجملة، وبهذا صرح كثير من العلماء، وفرقوا بين البالغ وغيره بأنه يتصور منه العقوق المقتضى لعدم الرحمة بخلاف الصغير فإنه لا يتصور منه ذلك إذ ليس بمخاطب‏.‏

وقال الزين بن المنير‏:‏ بل يدخل الكبير في ذلك من طريق الفحوي لأنه إذا ثبت ذلك في الطفل الذي هو كل على أبويه فكيف لا يثبت في الكبير الذي بلغ معه السعي ووصل له منه النفع وتوجه إليه الخطاب بالحقوق‏؟‏ قال‏:‏ ولعل هذا هو السر في إلغاء البخاري التقييد بذلك في الترجمة‏.‏

انتهى‏.‏

ويقوي الأول قوله في بقية الحديث ‏"‏ بفضل رحمته إياهم ‏"‏ لأن الرحمة للصغار أكثر لعدم حصول الإثم منهم، وهل يلتحق بالصغار من بلغ مجنونا مثلا واستمر على ذلك فمات‏؟‏ فيه نظر لأن كونهم لا إثم عليهم يقتضي الإلحاق، وكون الامتحان بهم يخف بموتهم يقتضي عدمه، ولم يقع التقييد في طرق الحديث بشده الحب ولا عدمه، وكان القياس يقتضي ذلك لما يوجد من كراهة بعض الناس لولده وتبرمه منه ولا سيما من كان ضيق الحال، لكن لما كان الولد مظنة المحبة والشفقة نيط به الحكم وإن تخلف في بعض الأفراد‏.‏

قوله ‏(‏إلا أدخله الله الجنة‏)‏ في حديث عتبة بن عبد الله السلمي عند ابن ماجه بإسناد حسن نحو حديث الباب لكن فيه ‏"‏ إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل ‏"‏ وهذا زائد على مطلق دخول الجنة، ويشهد له ما رواه النسائي بإسناد صحيح من حديث معاوية بن قرة عن أبيه مرفوعا في أثناء حديث ‏"‏ ما يسرك أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته عنده يسعى يفتح لك‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏بفضل رحمته إياهم‏)‏ أي بفضل رحمة الله للأولاد‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ قيل إن الضمير في رحمته للأب لكونه كان يرحمهم في الدنيا فيجازى بالرحمة في الآخرة والأول أولى، ويؤيده أن في رواية ابن ماجه من هذا الوجه ‏"‏ بفضل رحمة الله إياهم ‏"‏ وللنسائي من حديث أبي ذر ‏"‏ إلا غفر الله لهما بفضل رحمته ‏"‏ وللطبراني وابن حبان من حديث الحارث بن أقيش وهو بقاف ومعجمة مصغر مرفوعا ‏"‏ ما من مسلمين يموت لهما أربعة أولاد إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته ‏"‏ وكذا في حديث عمرو بن عبسة كما سنذكره قريبا‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ الظاهر أن المراد بقوله ‏"‏ إياهم ‏"‏ جنس المسلم الذي مات أولاده لا الأولاد، أي بفضل رحمة الله لمن مات لهم، قال وساغ الجمع لكونه نكرة في سياق النفي فتعمم انتهى‏.‏

وهذا الذي زعم أنه ظاهر ليس بظاهر، بل في غير هذا الطريق ما يدل على أن الضمير للأولاد، ففي حديث عمرو بن عبسة عند الطبراني ‏"‏ إلا أدخله الله برحمته هو وإياهم الجنة ‏"‏ وفي حديث أبي ثعلبة الأشجعي المقدم ذكره ‏"‏ أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم ‏"‏ قاله بعد قوله ‏"‏ من مات له ولدان ‏"‏ فوضح بذلك أن الضمير في قوله ‏"‏ إياهم ‏"‏ للأولاد لا للآباء والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا فَوَعَظَهُنَّ وَقَالَ أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَ لَهَا ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ كَانُوا حِجَابًا مِنْ النَّارِ قَالَتْ امْرَأَةٌ وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ وَقَالَ شَرِيكٌ عَنْ ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الرحمن ابن الأصبهاني‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ أخبرنا ‏"‏ واسم والد عبد الرحمن المذكور عبد الله، قال البخاري في التاريخ‏:‏ إن أصله من أصبهان لما فتحها أبو موسى‏.‏

وقال غيره كان عبد الله يتجر إلى أصبهان فقيل له الأصبهاني، ولا منافاة بين القولين فيما يظهر لي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ذكوان‏)‏ هو أبو صالح السمان المذكور في الإسناد المعلق الذي يليه، وقد تقدم في العلم من رواية ابن الأصبهاني أيضا عن أبي حازم عن أبي هريرة، فتحصل له روايته عن شيخين، ولشيخه أبي صالح روايته عن شيخين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اجعل لنا يوما‏)‏ تقدم في العلم بأتم من هذا السياق مع الكلام منه على ما لا يتكرر هنا إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله ‏(‏أيما امرأة‏)‏ إنما خص المرأة بالذكر لأن الخطاب حينئذ كان للنساء وليس له مفهوم لما في بقية الطرق‏.‏

قوله ‏(‏ثلاثة‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ ثلاث ‏"‏ وقد تقدم توجيهه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من الولد‏)‏ بفتحتين وهو يشمل الذكر والأنثى والمفرد والجمع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كانوا‏)‏ في رواية المستملي والحموي ‏"‏ كن ‏"‏ بضم الكاف وتشديد النون، وكأنه أنث باعتبار النفس أو النسمة‏.‏

وفي رواية أبي الوقت ‏"‏ إلا كانوا لها حجابا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت امرأة‏)‏ هي أم سليم الأنصارية والدة أنس بن مالك كما رواه الطبراني بإسناد جيد عنها قالت ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده‏:‏ ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة لم يبلغوا الحلم إلا أدخله الجنة بفضل رحمته إياهم، فقلت‏:‏ واثنان‏؟‏ قال‏:‏ واثنان ‏"‏ وأخرجه أحمد لكن الحديث دون القصة، ووقع لأم مبشر الأنصارية أيضا السؤال عن ذلك، فروى الطبراني أيضا من طريق ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم مبشر فقال‏:‏ يا أم مبشر، من مات له ثلاثة من الولد دخل الجنة‏.‏

فقلت‏:‏ يا رسول الله واثنان‏؟‏ فسكت ثم قال‏:‏ نعم واثنان ‏"‏ وقد تقدم من حديث جابر بن سمرة أن أم أيمن ممن سأل عن ذلك ومن حديث ابن عباس أن عائشة أيضا منهن، وحكى ابن بشكوال أن أم هانئ أيضا سألت عن ذلك، ويحتمل أن يكون كل منهن سأل عن ذلك في ذلك المجلس، وأما تعدد القصة ففيه بعد لأنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الاثنين بعد ذكر الثلاثة وأجاب بأن الاثنين كذلك فالظاهر أنه كان أوحي إليه ذلك في الحال، وبذلك جزم ابن بطال وغيره، وإذا كان كذلك كان الاقتصار على الثلاثة بعد ذلك مستبعدا جدا لأن مفهومه يخرج الاثنين اللذين ثبت لهما ذلك الحكم بالوحي بناء على القول بمفهوم العدد وهو معتبر هنا كما سيأتي البحث فيه، نعم قد تقدم في حديث جابر بن عبد الله أنه ممن سأل عن ذلك، وروى الحاكم والبزار من حديث بريدة أن عمر سأل عن ذلك أيضا ولفظه ‏"‏ ما من امرئ ولا امرأة يموت له ثلاثة أولاد إلا أدخله الله الجنة‏.‏

فقال عمر‏:‏ يا رسول الله واثنان‏؟‏ قال‏:‏ واثنان‏"‏‏.‏

قال الحاكم صحيح الإسناد، وهذا لا بعد في تعدده لأن خطاب النساء بذلك لا يستلزم علم الرجال به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واثنان‏)‏ قال ابن التين تبعا لعياض‏:‏ هذا يدل على أن مفهوم العدد ليس بحجة لأن الصحابية من أهل اللسان ولم تعتبره إذ لو اعتبرته لانتفى الحكم عندها عما عدا الثلاثة لكنها جوزت لك فسألته، كذا قال والظاهر أنها اعتبرت مفهوم العدد إذ لو لم تعتبره لم تسأل، والتحقيق أن دلالة مفهوم العدد ليست يقينية إنما هي محتملة ومن ثم وقع السؤال عن ذلك‏.‏

قال القرطبي‏:‏ وإنما خصمت الثلاثة بالذكر لأنها أول مراتب الكثرة فبعظم المصيبة يكثر الأجر، فأما إذا زاد عليها فقد يخف أمر المصيبة لأنها تصير كالعادة كما قيل‏:‏ روعت بالبين حتى ما أراع له‏.‏

انتهى‏.‏

وهذا مصير منه إلى انحصار الأجر المذكور في الثلاثة ثم في الاثنين بخلاف الأربعة والخمسة، وهو جمود شديد، فإن من مات له أربعة فقد مات له ثلاثة ضرورة لأنهم إن ماتوا دفعة واحدة فقد مات له ثلاثة وزيادة، ولا خفاء بأن المصيبة بذلك أشد، وإن ماتوا واحدا بعد واحد فإن الأجر يحصل له عند موت الثالث بمقتضى وعد الصادق، فيلزم على قول القرطبي أنه إن مات له الرابع أن يرتفع عنه ذلك الأجر مع تجدد المصيبة وكفى بهذا فسادا، والحق أن تناول الخبر الأربعة فما فوقها من باب أولى وأحرى، ويؤيد ذلك أنهم لم يسألوا عن الأربعة ولا ما فوقها لأنه كالمعلوم عندهم إذ المصيبة إذا كثرت كان الأجر أعظم والله أعلم‏.‏

وقال القرطبي أيضا‏:‏ يحتمل أن يفترق الحال في ذلك بافتراق حال المصاب من زيادة رقة القلب وشدة الحب ونحو ذلك، وقد قدمنا الجواب عن ذلك‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله ‏"‏ واثنان ‏"‏ أي وإذا مات اثنان ما الحكم‏؟‏ فقال ‏"‏ واثنان ‏"‏ أي وإذا مات اثنان فالحكم كذلك‏.‏

ووقع في رواية مسلم من هذا الوجه ‏"‏ واثنين بالنصب ‏"‏ أي وما حكم اثنين‏.‏

وفي رواية سهل المتقدم ذكرها أو اثنان، وهو ظاهر في التسوية بين حكم الثلاثة والاثنين، وقد تقدم النقل عن ابن بطال أنه محمول على أنه أوحى إليه بذلك في الحال، ولا بعد أن ينزل عليه الوحي في أسرع من طرفة عين، ويحتمل أن يكون كان العلم عنده بذلك حاصلا لكنه أشفق عليهم أن يتكلوا لأن موت الاثنين غالبا أكثر من موت الثلاثة ما وقع في حديث معاذ وغيره في الشهادة بالتوحيد، ثم لما سئل عن ذلك لم يكن بد من الجواب والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال شريك إلخ‏)‏ وصله ابن أبي شيبة عنه بلفظ ‏"‏ حدثنا عبد الرحمن ابن الأصبهاني قال‏:‏ أتاني أبو صالح يعزيني عن ابن لي فأخذ يحدث عن أبي سعيد وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ما من امرأة تدفن ثلاثة أفراط إلا كانوا لها حجابا من النار‏.‏

فقالت امرأة‏:‏ يا رسول الله قدمت اثنين، قال‏:‏ واثنين ‏"‏ ولم تسأله عن الواحد‏.‏

قال أبو هريرة ‏"‏ من لم يبلغ الحنث ‏"‏ وهذا السياق ظاهره أن هذه الزيادة عن أبي هريرة موقوفة، ويحتمل أن يكون المراد أن أبا هريرة وأبا سعيد اتفقا على السياق المرفوع، وزاد أبو هريرة في حديثه هذا القيد وهو مرفوع أيضا، وقد تهدم في العلم من طريق أخرى عن شعبة بالإسناد الأول وقال في آخره ‏"‏ وعن ابن الأصبهاني سمعت أبا حازم عن أبي هريرة وقال‏:‏ ثلاثة لم يبلغوا الحنث ‏"‏ وهذه الزيادة في حديث أبي سعيد من رواية شريك وفي حفظه نطر، لكنها ثابتة عند مسلم من رواية شعبة عن ابن الأصبهاني‏.‏

وقوله ‏"‏ولم تسأله عن الواحد ‏"‏ تقدم ما يتعلق به في أول الباب ويأتي مزيد لذلك في ‏"‏ باب ثناء الناس على الميت ‏"‏ في أواخر كتاب الجنائز، ويأتي زيادة على ذلك في كتاب الرقاق في الكلام على الحديث الذي فيه موت الصبي وأن الصبي يتناول الولد الواحد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي‏)‏ هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد‏)‏ وقع في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ للمزي هنا ‏"‏ لم يبلغوا الحنث ‏"‏ وليست في رواية ابن عينة عند البخاري ولا مسلم وإنما هي في متن الطريق الآخر، وفائدة إيراد هذه الطريق الأخيرة عن أبي هريرة أيضا ما في سياقها من العموم في قوله ‏"‏ لا يموت لمسلم إلخ ‏"‏ لشموله النساء والرجال، بخلاف روايته الماضية فإنها مقيدة بالنساء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيلج النار‏)‏ بالنصب لأن الفعل المضارع ينصب بعد النفي بتقدير أن، لكن حكى الطيبي أن شرطه أن يكون بين ما قبل الفاء وما بعدها سببية ولا سببية هنا إذ لا يجوز أن يكون موت الأولاد ولا عدمه سببا لولوج من ولدهم النار، قال‏:‏ وإنما الفاء بمعنى الواو التي للجمع وتقريره لا يجتمع لمسلم موت ثلاثة من ولده وولوجه النار، لا محيد عن ذلك إن كانت الرواية بالنصب، وهذا قد تلقاه جماعة عن الطيبي وأقروه عليه، وفيه نظر لأن السببية حاصلة بالنظر إلى الإسناء لأن الاستثناء بعد النفي إثبات، فكأن المعنى أن تخفيف الولوج مسبب عن موت الأولاد، وهو ظاهر لأن الولوج عام وتخفيفه يقع بأمور منها موت الأولاد بشرطه، وما ادعاه من أن الفاء بمعنى الواو التي للجمع فيه نظر، ووجدت في شرح المشارق للشيخ أكمل الدين المعنى أن الفعل الثاني لم يحصل عقب الأول فكأنه نفي وقوعهما بصفة أن يكون الثاني عقب الأول لأن المقصود نفي الولوج عقب الموت، قال الطيبي‏:‏ وإن كانت الرواية بالرفع فمعناه لا يوجد ولوج النار عقب موت الأولاد إلا مقدارا يسيرا انتهى‏.‏

ووقع في رواية مالك عن الزهري كما سيأتي في الأيمان والنذور بلفظ ‏"‏ لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار إلا تحلة القسم ‏"‏ وقوله تمسه بالرفع جزما والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا تحلة القسم‏)‏ بفتح المثناة وكسر المهملة وتشديد اللام أي ما ينحل به القسم وهو اليمين وهو مصدر حلل اليمين أي كفرها يقال حلل تحليلا وتحلة وتحلا بغير هاء والثالث شاذ‏.‏

وقال أهل اللغة يقال فعلته تحلة القسم أي قدر ما حللت به يميني ولم أبالغ‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ حللت القسم تحلة أي أبررتها‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ اختلف في المراد بهذا القسم فقيل هو معين وقيل غير معين‏.‏

فالجمهور على الأول، وقيل لم يعن به قسم بعينه وإنما معناه التقليل لأمر ورودها وهذا اللفظ يستعمل في هذا تقول‏:‏ لا ينام هذا إلا لتحليل الألية، وتقول ما ضربته إلا تحليلا إذا لم تبالغ في الضرب أي قدرا يصيبه منه مكروه‏.‏

وقيل‏:‏ الاستثناء بمعنى الواو أي لا تمسه النار قليلا ولا كثيرا ولا تحلة القسم، وقد جوز الفراء والأخفش مجيء إلا بمعنى الواو وجعلوا منه قوله تعالى ‏(‏لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم‏)‏ والأول قول الجمهور وبه جزم أبو عبيد وغيره‏.‏

وقالوا‏:‏ المراد به قوله تعالى ‏(‏وإن منكم إلا واردها‏)‏ قال الخطابي‏:‏ معناه لا يدخل النار ليعاقب بها ولكنه يدخلها مجتازا ولا يكون ذلك الجواز إلا قدر ما يحلل به الرجل يمينه، ويدل على ذلك ما وقع عند عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في آخر هذا الحديث ‏"‏ إلا تحلة القسم ‏"‏ يعني الورود‏.‏

وفي سنن سعيد بن منصور عن سفيان بن عيينة في آخره‏:‏ ثم قرأ سفيان ‏(‏وإن منكم إلا واردها‏)‏ ومن طريق زمعة بن صالح عن الزهري في آخره‏:‏ قيل وما تحلة القسم‏؟‏ قال‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وإن منكم إلا واردها‏)‏ وكذا وقع في رواية كريمة في الأصل، قال أبو عبد الله ‏(‏وإن منكم إلا واردها‏)‏ وكذا حكاه عبد الملك بن حبيب عن مالك في تفسير هذا الحديث، وورد نحوه من طريق أخرى في هذا الحديث رواه الطبراني من حديث عبد الرحمن بن بشر الأنصاري مرفوعا ‏"‏ من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم يرد النار إلا عابر سبيل ‏"‏ يعني الجواز على الصراط، وجاء مثله من حديث آخر أخرجه الطبراني من حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه مرفوعا ‏"‏ من حرس وراء المسلمين في سبيل الله متطوعا لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم فإن الله عز وجل قال ‏(‏وإن منكم إلا واردها‏)‏ ‏"‏ واختلف في موضع القسم من الآية فقيل هو مقدر أي والله إن منكم، وقيل معطوف على القسم الماضي في قوله تعالى ‏(‏فوربك لنحشرنهم‏)‏ أي وربك إن منكم، وقيل هو مستفاد من قوله تعالى ‏(‏حتما مقضيا‏)‏ أي قسما واجبا كذا رواه الطبراني وغيره من طريق مرة عن ابن مسعود ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد ومن طريق سعيد عن قتادة في تفسير هذه الآية‏.‏

وقال الطيبي يحتمل أن يكون المراد بالقسم ما دل على القطع والبت من السياق، فإن قوله ‏(‏كان على ربك‏)‏ تذييل وتقرير لقوله ‏(‏وإن منكم‏)‏ فهذا بمنزلة القسم بل أبلغ لمجيء الاستثناء بالنفي والإثبات، واختلف السلف في المراد بالورود في الآية، فقيل هو الدخول روى عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار أخبرني من سمع من ابن عباس فذكره، وروى أحمد والنسائي والحاكم من حديث جابر مرفوعا ‏"‏ الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلاما‏"‏، وروى الترمذي وابن أبي حاتم من طريق السدي سمعت مرة يحدث عن عبد الله بن مسعود قال يردونها أو يلجونها ثم يصدرون عنها بأعمالهم، قال عبد الرحمن ابن مهدي قلت لشعبة‏:‏ إن إسرائيل يرفعه، قال‏:‏ صدق وعمدا أدعه‏.‏

ثم رواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل مرفوعا، وقيل المراد بالورود الممر عليها رواه الطبري وغيره من طريق بشر بن سعيد عن أبي هريرة، ومن طريق أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود، ومن طريق معمر وسعيد عن قتادة، ومن طريق كعب الأحبار وزاد ‏"‏ يستوون كلهم على متنها، ثم ينادي مناد أمسكي أصحابك ودعي أصحابي، فيخرج المؤمنون ندية أبدانهم‏"‏، وهذان القولان أصح ما ورد في ذلك ولا تنافي بينهما، لأن من عبر بالدخول تجوز به عن المرور، ووجهه أن المار عليها فوق الصراط في معنى من دخلها، لكن تختلف أحوال المارة باختلاف أعمالهم فأعلاهم درجة من يمر كلمع البرق كما سيأتي تفصيل ذلك عند شرح حديث الشفاعة في الرقاق إن شاء الله تعالى، ويؤيد صحة هذا التأويل ما رواه مسلم من حديث أم مبشر ‏"‏ إن حفصة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم لما قال‏:‏ لا يدخل أحد شهد الحديبية النار‏:‏ أليس الله يقول ‏(‏وإن منكم إلا واردها‏)‏ فقال لها‏:‏ أليس الله تعالى يقول ‏(‏ثم ننجي الذين اتقوا‏)‏ الآية ‏"‏ وفي هذا بيان ضعف قول من قال الورود مختص بالكفار ومن قال معنى الورود الدنو منها ومن قال معناه الإشراف عليها ومن قال معن ورودها ما يصيب المؤمن في الدنيا من الحمى، على أن هذا الأخير ليس ببعيد ولا ينافيه بقية الأحاديث والله أعلم‏.‏

وفي حديث الباب من الفوائد غير ما تقدم أن أولاد المسلمين في الجنة لأنه يبعد أن الله يغفر للآباء بفضل رحمته للأبناء ولا يرحم الأبناء قاله المهلب‏.‏

وكون أولاد المسلمين في الجنة قاله الجمهور ووقفت طائفة قليلة وسيأتي البحث في ذلك في أواخر كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى، وفيه أن من حلف أن لا يفعل كذا ثم فعل منه شيئا ولو قل برت يمينه خلافا لمالك قاله عياض وغيره‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 12:05 AM   #422
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ اصْبِرِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الرجل للمرأة عند القبر‏:‏ اصبري‏)‏ قال الزين بن المنير ما محصله‏:‏ عبر بقوله رجل ليوضح أن ذلك لا يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعبر بالقول دون الموعظة ونحوها لكون ذلك الأمر يقع على القدر المشترك من الوعظ وغيره، واقتصر على ذكر الصبر دون التقوى لأنه المتيسر حينئذ المناسب لما هي فيه‏.‏

قال‏:‏ وموضع الترجمة من الفقه جواز مخاطبة الرجال النساء في مثل ذلك بما هو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو موعظة أو تعزية وأن ذلك لا يختص بعجوز دون شابة لما يترتب عليه من المصالح الدينية والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا آدم‏)‏ سيأتي هذا الحديث بهذا الإسناد بعينه أتم من هذا في ‏"‏ باب زيارة القبور ‏"‏ بعد زياد على عشرين بابا، وسيأتي الكلام عليه هناك مستوفي إن شاء الله تعالى‏.‏

ومناسبة هذه الترجمة لما قبلها لجامع ما بينهما من مخاطبة الرجل المرأة بالموعظة، لأن في الأول جواز مخاطبتها بما يرغبها في الأجر إذا احتسبت مصيبتها، وفي هذا مخاطبتها بما يرهبها من الإثم لما تضمنه الحديث من الإشارة إلى أن عدم الصبر ينافي التقوى‏.‏

والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 12:07 AM   #423
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب غُسْلِ الْمَيِّتِ وَوُضُوئِهِ بِالْمَاءِ وَالسَّدْرِ

وَحَنَّطَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَلَهُ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا وَقَالَ سَعِيدٌ لَوْ كَانَ نَجِسًا مَا مَسِسْتُهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غسل الميت ووضوئه‏)‏ أي بيان حكمه، وقد نقل النووي الإجماع على أن غسل الميت فرض كفاية، وهو ذهول شديد، فإن الخلاف مشهور لمالكية حتى أن القرطبي رجح في شرح مسلم أنه سنة، ولكن الجمهور على وجوبه‏.‏

وقد رد ابن العربي على من لم يقل بذلك، وقد توارد به القول والعمل، وغسل الطاهر المطهر فكيف بمن سواه‏.‏

وأما قوله ‏(‏ووضوئه‏)‏ فقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ ترجم بالوضوء ولم يأت له بحديث فيحتمل أن يريد انتزاع الوضوء من الغسل لأنه منزل على المعهود من الأغسال كغسل الجنابة، أو أراد وضوء الغاسل أي لا يلزمه وضوء، ولهذا ساق أثر ابن عمر انتهى‏.‏

وفي عود الضمير على الغسل ولم يتقدم له ذكر بعد إلا أن يقال تقدير الترجمة باب غسل الحي الميت لأن الميت لا يتولى ذلك بنفسه فيعود الضمير على المحذوف فيتجه، والذي يظهر أنه أشار كعادته إلى ما ورد في بعض طرق الحديث فسيأتي قريبا في حديث أم عطية أيضا ‏"‏ ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها‏"‏، فكأنه أراد أن الوضوء لم يرد الأمر به مجردا وإنما ورد البداءة بأعضاء الوضوء كما يشرع في غسل الجنابة، أو أراد أن الاقتصار على الوضوء لا يجزئ لورود الأمر بالغسل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالماء والسدر‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ جعلهما معا آلة لغسل الميت، وهو مطابق لحديث الباب، لأن قوله بماء وسدر يتعلق بقوله اغسلنها وظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل، وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير، لأن الماء المضاف لا يتطهر به انتهى‏.‏

وقد يمنع لزوم كون الماء يصير مضافا بذلك، لاحتمال أن لا يغير السدر وصف الماء بأن يمعك بالسدر ثم يغسل بالماء في كل مرة فإن لفظ الخبر لا يأبى ذلك‏.‏

وقال القرطي‏:‏ يجعل السدر في ماء ويخضخض إلى أن تخرج رغوته ويدلك به جسده ثم يصب عليه الماء القراح، فهذه غسلة‏.‏

وحكى ابن المنذر أن قوما قالوا‏:‏ تطرح ورقات السدر في الماء أي لئلا يمازج الماء فيتغير وصفه المطلق‏.‏

وحكي عن أحمد أنه أنكر ذلك وقال‏:‏ يغسل في كل مرة بالماء والسدر‏.‏

وأعلى ما ورد في ذلك ما رواه أبو داود من طريق قتادة عن ابن سيرين أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطية فيغسل بالماء والسدر مرتين والثالثة بالماء والكافور‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ كان يقال كان ابن سيرين من أعلم التابعين بذلك‏.‏

وقال ابن العربي من قال الأولى بالماء القراح والثانية بالماء والسدر أو العكس والثالثة بالماء والكافور فليس هو في لفظ الحديث ا ه‏.‏

وكأن قائله أراد أن تقع إحدى الغسلات بالماء الصرف المطلق لأنه المطهر في الحقيقة، وأما المضاف فلا‏.‏

وتمسك بظاهر الحديث ابن شعبان وابن الفرضي وغيرهما من المالكية فقالوا‏:‏ غسل الميت إنما هو للتنظيف فيجزئ بالماء المضاف كماء الورد ونحوه، قالوا وإنما يكره من جهة السرف، والمشهور عند الجمهور أنه غسل تعبدي يشترط فيه ما يشترط في بقية الأغسال الواجبة والمندوبة‏.‏

وقيل‏:‏ شرع احتياطا لاحتمال أن يكون عليه جنابة، وفيه نظر لأن لازمه أن لا يشرع غسل من هو دون البلوغ وهو خلاف الإجماع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحنط ابن عمر ابنا لسعيد بن زيد وحمله وصلى ولم يتوضأ‏)‏ حنط بفتح المهملة والنون الثقيلة أي طيبه بالحنوط وهو كل شيء يخلط من الطيب للميت خاصة، وقد وصله مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر حنط ابنا لسعيد بن زيد وحمله ثم دخل المسجد فصلى ولم يتوضأ انتهى‏.‏

والابن المذكور اسمه عبد الرحمن، كذلك رويناه في نسخة أبي الجهم العلاء بن موسى عن الليث عن نافع أنه رأى عبد الله بن عمر حنط عبد الرحمن بن سعيد بن زيد فذكره‏.‏

قيل‏:‏ تعلق هذا الأثر وما بعده بالترجمة من جهة أن المصنف يرى أن المؤمن لا ينجس بالموت وأن غسله إنما هو للتعبد لأنه لو كان نجسا لم يطهره الماء والسدر ولا الماء وحده، ولو كان نجسا ما مسه ابن عمر ولغسل ما مسه من أعضائه، وكأنه أشار إلى تضعيف ما رواه أبو داود من طريق عمرو بن عمير عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ ‏"‏ رواته ثقات إلا عمرو بن عمير فليس بمعروف، وروى الترمذي وابن حبان من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة نحوه، وهو معلول لأن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه‏:‏ الصواب عن أبي هريرة موقوف‏.‏

وقال أبو داود بعد تخريجه‏:‏ هذا منسوخ، ولم يبين ناسخه‏.‏

وقال الذهلي فيما حكاه الحاكم في تاريخه‏:‏ ليس فيمن غسل ميتا فليغتسل حديث ثابت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس رضي الله عنهما إلخ‏)‏ وصله سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ لا تنجسوا موتاكم فإن المؤمن ليس ينجس حيا ولا ميتا ‏"‏ إسناده صحيح، وقد روي مرفوعا أخرجه الدارقطني عن رواية عبد الرحمن بن يحيى المخزومي عن سفيان، وكذلك أخرجه الحاكم من طريق أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة عن سفيان، والذي في مصنف ابن أبي شيبة عن سفيان موقوف كما رواه سعيد بن منصور، وروى الحاكم نحوه مرفوعا أيضا من طريق عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله ‏"‏لا تنجسوا موتاكم ‏"‏ أي لا تقولوا إنهم نجس، وقوله ينجس بفتح الجيم‏.‏

قوله ‏(‏وقال سعد لو كان نجسا ما مسسته‏)‏ وقع في رواية الأصيلي وأبي الوقت ‏"‏ وقال سعيد ‏"‏ بزيادة ياء والأول أولى وهو سعد بن أبي وقاص كذلك أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عائشة بنت سعد قالت ‏"‏ أوذن سعد - تعني أباها - بجنازة سعيد بن زيد بن عمرو وهو بالعقيق فجاءه فغسله وكفنه وحنطه، ثم أتى داره فاغتسل ثم قال‏:‏ لم أغتسل من غسله، ولو كان نجسا ما مسسته، ولكني اغتسلت من الحر ‏"‏ وقد وجدت عن سعيد بن المسيب شيئا من ذلك أخرجه سمويه في فوائده من طريق أبي واقد المدني قال‏:‏ قال سعيد بن المسيب لو علمت أنه نجس لم أمسه‏.‏

وفي أثر سعد من الفوائد أنه ينبغي للعالم إذا عمل عملا يخشى أن يلتبس على من رآه أن يعلمهم بحقيقة الأمر لئلا يحملوه على غير محمله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ المؤمن لا ينجس‏)‏ هذا طرف من حديث لأبي هريرة تقدم موصولا في ‏"‏ باب الجنب يمشي في السوق ‏"‏ من كتاب الغسل، ووجه الاستدلال به أن صفة الإيمان لا تسلب بالموت وإذا كانت باقية فهو غير نجس، وقد بين ذلك حديث ابن عباس المذكور قبل، ووقع في نسخة الصغاني هنا ‏"‏ قال أبو عبد الله‏:‏ النجس القذر ‏"‏ انتهى‏.‏

وأبو عبد الله هو البخاري‏.‏

وأراد بذلك نفي هذا الوصف وهو النجس عن المسلم حقيقة ومجازا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ تَعْنِي إِزَارَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن أيوب عن محمد بن سيرين‏)‏ في رواية ابن جريج عن أيوب سمعت ابن سيرين، وسيأتي في ‏"‏ باب كيف الإشعار ‏"‏ وقد رواه أيوب أيضا عن حفصة بنت سيرين كما سيأتي بعد أبواب، ومدار حديث أم عطية على محمد وحفصة ابني سيرين، وحفظت منه حفصة ما لم يحفظه محمد كما سيأتي مبينا‏.‏

قال ابن المنذر ليس في أحاديث الغسل للميت أعلى من حديث أم عطية وعليه عول الأئمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أم عطية الأنصارية‏)‏ في رواية ابن جريج المذكورة ‏"‏ جاءت أم عطية امرأة من الأنصار اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت البصرة تبادر ابنا لها فلم تدركه ‏"‏ وهذا الابن ما عرفت اسمه وكأنه كان غازيا، فقدم البصرة فبلع أم عطية وهي بالمدينة قدومه وهو مريض فرحلت إليه فمات قبل أن تلقاه وسيأتي في الإحداد ما يدل على أن قدومها كان بعد موته بيوم أو يومين، وقد تقدم في المقدمة أن اسمها نسيبة بنون ومهملة وموحدة‏.‏

والمشهور فيها التصغير‏.‏

وقيل بفتح أوله وقع ذلك في رواية أبي ذر عن السرخسي وكذا ضبطه الأصيلي عن يحيى بن معين وطاهر بن عبد العزيز في السيرة الهشامية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين توفيت ابنته‏)‏ في رواية الثقفي عن أيوب وهي التي تلي هذه وكذا في رواية ابن جريج ‏"‏ دخل علينا ونحن نغسل بنته ‏"‏ ويجمع بينهما بأن المراد أنه دخل حين شرع النسوة في الغسل، وعند النسائي أن مجيئهن إليها كان بأمره، ولفظه من رواية هشام بن حسان عن حفصة ‏"‏ ماتت إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا فقال اغسلنها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابنته‏)‏ لم تقع في شيء من رواية البخاري مسماة، والمشهور أنها زينب زوج أبي العاصي بن الربيع والدة أمامة التي تقدم ذكرها في الصلاة، وهي أكبر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت وفاتها فيما حكاه الطبري في الذيل في أول سنة ثمان، وقد وردت مسماة في هذا عند مسلم من طريق عاصم الأحول عن حفصة عن أم عطية قالت ‏"‏ لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله‏:‏ اغسلنها ‏"‏ فذكر الحديث، ولم أرها في شيء من الطرق عن حفصة ولا عن محمد مسماة إلا في رواية عاصم هذه، وقد خولف في ذلك فحكى ابن التين عن الداودي الشارح أنه جزم بأن البنت المذكورة أم كلثوم زوج عثمان ولم يذكر مستنده، وتعقبه المنذري بأن أم كلثوم توفيت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر فلم يشهدها، وهو غلط منه فإن التي توفيت حينئذ رقية، وعزاه النووي تبعا لعياض لبعض أهل السير، وهو قصور شديد فقد أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب ولفظه ‏"‏ دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم ‏"‏ وهذا الإسناد على شرط الشيخين، وفيه نظر سيأتي في ‏"‏ باب كيف الإشعار ‏"‏ وكذا وقع في ‏"‏ المبهمات ‏"‏ لابن بشكوال من طريق الأوزاعي عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت ‏"‏ كنت فيمن غسل أم كلثوم ‏"‏ الحديث، وقرأت بخط مغلطاي‏:‏ زعم الترمذي أنها أم كلثوم وفيه نظر‏.‏

كذا قال، ولم أر في الترمذي شيئا من ذلك‏.‏

وقد روى الدولابي في الذرية الطاهرة من طريق أبي الرجال عن عمرة أن أم عطية كانت ممن غسل أم كلثوم ابنة النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيمكن دعوى ترجيح ذلك لمجيئه من طرق متعددة، ويمكن الجمع بأن تكون حضرتهما جميعا، فقد جزم ابن عبد البر رحمه الله في ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات، ووقع لي من تسمية النسوة اللاتي حضرن معها ثلاث غيرها، ففي الذرية الطاهرة أيضا من طريق أسماء بنت عميس أنها كانت ممن غسلها قالت‏:‏ ومعنا صفية بنت عبد المطلب‏.‏

ولأبي داود من حديث ليلى بنت قانف بقاف ونون وفاء الثقفية قالت‏:‏ كنت فيمن غسلها‏.‏

وروى الطبراني من حديث أم سليم شيئا يومئ إلى أنها حضرت ذلك أيضا، وسيأتي بعد خمسة أبواب قول ابن سيرين‏:‏ ولا أدري أي بناته‏.‏

وهذا يدل على أن تسميتها في رواية ابن ماجه وغيره ممن دون ابن سيرين والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اغسلنها‏)‏ قال ابن بزيزة‏:‏ استدل به على وجوب غسل الميت، وهو مبني على أن قوله فيما بعد ‏"‏ إن رأيتن ذلك ‏"‏ هل يرجع إلى الغسل أو العدد، والثاني أرجح، فثبت المدعي‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ لكن قوله ثلاثا ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء، فيتوقف الاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد لأن قوله ‏"‏ ثلاثا ‏"‏ غير مستقل بنفسه فلا بد أن يكون داخلا تحت صيغة الأمر فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل، والندب بالنسبة إلى الإيتار انتهى‏.‏

وقواعد الشافعية لا تأبى ذلك‏.‏

ومن ثم ذهب الكوفيون وأهل الطاهر والمزني إلى إيجاب الثلاث وقالوا‏:‏ إن خرج منه شيء بعد ذلك يغسل موضعه ولا يعاد غسل الميت، وهو مخالف لظاهر الحديث‏.‏

وجاء عن الحسن مثله أخرجه عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال ‏"‏ يغسل ثلاثا فإن خرج منه شيء بعد فخمسا، فإن خرج منه شيء غسل سبعا ‏"‏ قال هشام وقال الحسن ‏"‏ يغسل ثلاثا، فإن خرج منه شيء غسل ما خرج ولم يزد على الثلاث‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثا أو خمسا‏)‏ في رواية هشام بن حسان عن حفصة ‏"‏ غسلنها وترا ثلاثا أو خمسا ‏"‏ و ‏"‏ أو ‏"‏ هنا للترتيب لا للتخيير، قال النووي‏:‏ المراد اغسلنها وترا وليكن ثلاثا فإن احتجن إلى زيادة فخمسا، وحاصله أن الإيتار مطلوب والثلاث مستحبة، فإن حصل الإنقاء بها لم يشرع ما فوقها وإلا زيد وترا حتى يحصل الإنقاء، والواجب من ذلك مرة واحدة عامة للبدن انتهى‏.‏

وقد سبق بحث ابن دقيق العيد في ذلك‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ في قوله ‏"‏ أو خمسا ‏"‏ إشارة إلى أن المشروع هو الإيتار لأنه نقلهن من الثلاث إلى الخمس وسكت عن الأربع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو أكثر من ذلك‏)‏ بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث، في رواية أيوب عن حفصة كما في الباب الذي يليه ‏"‏ ثلاثا أو خمسا أو سبعا ‏"‏ ولم أر في شيء من الروايات بعد قوله سبعا التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية لأبي داود، وأما ما سواها فإما ‏"‏ أو سبعا ‏"‏ وإما ‏"‏ أو أكثر من ذلك ‏"‏ فيحتمل تفسير قوله أو أكثر من ذلك بالسبع، وبه قال أحمد، فكره الزيادة على السبع‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ لا أعلم أحدا قال بمجاوزة السبع، وساق من طريق قتادة أن ابن سيرين كان يأخذ الغسل عن أم عطية ثلاثا وإلا فخمسا وإلا فأكثر، قال‏:‏ فرأينا أن أكثر من ذلك سبع‏.‏

وقال الماوردي‏:‏ الزيادة على السبع سرف‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ بلغني أن جسد الميت يسترخي بالماء فلا أحب الزيادة على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن رأيتن ذلك‏)‏ معناه التفويض إلى اجتهادهن بحسب الحاجة لا التشهي‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ إنما فوض الرأي ليهن بالشرط المذكور وهو الإيتار، وحكى ابن التين عن بعضهم قال‏:‏ يحتمل قوله ‏"‏ إن رأيتن ‏"‏ أن يرجع إلى الأعداد المذكورة، ويحتمل أن يكون معناه إن رأيتن أن تفعلن ذلك وإلا فالإنقاء يكفي‏.‏

قوله‏.‏

‏(‏بماء وسدر‏)‏ قال ابن العربي‏:‏ هذا أصل في جواز التطهر بالماء المضاف إذا لم يسلب الماء الإطلاق انتهى‏.‏

وهو مبني على الصحيح أن غسل الميت للتطهير كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور‏)‏ هو شك من الراوي أي اللفظتين قال، والأول محمول على الثاني لأنه نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه، وجزم في الرواية التي تلي هذه بالشق الأول، وكذا في رواية ابن جريج، وظاهره جعل الكافور في الماء وبه قال الجمهور‏.‏

وقال النخعي والكوفيون‏:‏ إنما يجعل في الحنوط أي بعد إنهاء الغسل والتجفيف، قيل الحكمة في الكافور مع كونه يطيب رائحة الموضع لأجل من يحضر من الملائكة وغيرهم أن فيه تجفيفا وتبريدا وقوة نفوذ وخاصية في تصليب بدن الميت وطرد الهوام عنه وردع ما يتحلل من الفضلات ومنع إسراع الفساد إليه، وهو أقوى الأراييح الطيبة في ذلك، وهذا هو السر في جعله في الأخيرة إذ لو كان في الأولى مثلا لأذهبه الماء، وهل يقوم المسك مثلا مقام الكافور‏؟‏ إن نظر إلى مجرد التطيب فنعم، وإلا فلا، وقد يقال إذا عدم الكافور قام غيره مقامه ولو بخاصية واحدة مثلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا فرغتن فآذنني‏)‏ أي أعلمنني‏.‏

قوله‏.‏

‏(‏فلما فرغنا‏)‏ كذا للأكثر بصيغة الخطاب من الحاضر، وللأصيلي ‏"‏ فلما فرغن ‏"‏ بصيغة الغائب‏.‏

قوله ‏(‏حقوه‏)‏ بفتح المهملة - ويجوز كسرها وهي لغة هذيل - بعدها قاف ساكنة، والمراد به هنا الإزار كما وقع مفسرا في آخر هذه الرواية، والحقو في الأصل معقد الإزار، وأطلق على الإزار مجازا، وسيأتي بعد ثلاثة أبواب من رواية ابن عون عن محمد بن سيرين بلفظ ‏"‏ فنزع من حقوه إزاره ‏"‏ والحقو في هذا على حقيقته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أشعرنها إياه‏)‏ أي اجعلنه شعارها أي الثوب الذي يلي جسدها، وسيأتي الكلام على صفته في باب مفرد، قيل الحكمة في تأخير الإزار معه إلى أن يفرغن من الغسل ولم يناولهن إياه أولا ليكون قريب العهد من جسده الكريم حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل، وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين وفيه جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل، وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 12:09 AM   #424
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب غُسْلِ الْمَيِّتِ وَوُضُوئِهِ بِالْمَاءِ وَالسَّدْرِ

وَحَنَّطَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَلَهُ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا وَقَالَ سَعِيدٌ لَوْ كَانَ نَجِسًا مَا مَسِسْتُهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غسل الميت ووضوئه‏)‏ أي بيان حكمه، وقد نقل النووي الإجماع على أن غسل الميت فرض كفاية، وهو ذهول شديد، فإن الخلاف مشهور لمالكية حتى أن القرطبي رجح في شرح مسلم أنه سنة، ولكن الجمهور على وجوبه‏.‏

وقد رد ابن العربي على من لم يقل بذلك، وقد توارد به القول والعمل، وغسل الطاهر المطهر فكيف بمن سواه‏.‏

وأما قوله ‏(‏ووضوئه‏)‏ فقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ ترجم بالوضوء ولم يأت له بحديث فيحتمل أن يريد انتزاع الوضوء من الغسل لأنه منزل على المعهود من الأغسال كغسل الجنابة، أو أراد وضوء الغاسل أي لا يلزمه وضوء، ولهذا ساق أثر ابن عمر انتهى‏.‏

وفي عود الضمير على الغسل ولم يتقدم له ذكر بعد إلا أن يقال تقدير الترجمة باب غسل الحي الميت لأن الميت لا يتولى ذلك بنفسه فيعود الضمير على المحذوف فيتجه، والذي يظهر أنه أشار كعادته إلى ما ورد في بعض طرق الحديث فسيأتي قريبا في حديث أم عطية أيضا ‏"‏ ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها‏"‏، فكأنه أراد أن الوضوء لم يرد الأمر به مجردا وإنما ورد البداءة بأعضاء الوضوء كما يشرع في غسل الجنابة، أو أراد أن الاقتصار على الوضوء لا يجزئ لورود الأمر بالغسل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالماء والسدر‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ جعلهما معا آلة لغسل الميت، وهو مطابق لحديث الباب، لأن قوله بماء وسدر يتعلق بقوله اغسلنها وظاهره أن السدر يخلط في كل مرة من مرات الغسل، وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف لا للتطهير، لأن الماء المضاف لا يتطهر به انتهى‏.‏

وقد يمنع لزوم كون الماء يصير مضافا بذلك، لاحتمال أن لا يغير السدر وصف الماء بأن يمعك بالسدر ثم يغسل بالماء في كل مرة فإن لفظ الخبر لا يأبى ذلك‏.‏

وقال القرطي‏:‏ يجعل السدر في ماء ويخضخض إلى أن تخرج رغوته ويدلك به جسده ثم يصب عليه الماء القراح، فهذه غسلة‏.‏

وحكى ابن المنذر أن قوما قالوا‏:‏ تطرح ورقات السدر في الماء أي لئلا يمازج الماء فيتغير وصفه المطلق‏.‏

وحكي عن أحمد أنه أنكر ذلك وقال‏:‏ يغسل في كل مرة بالماء والسدر‏.‏

وأعلى ما ورد في ذلك ما رواه أبو داود من طريق قتادة عن ابن سيرين أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطية فيغسل بالماء والسدر مرتين والثالثة بالماء والكافور‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ كان يقال كان ابن سيرين من أعلم التابعين بذلك‏.‏

وقال ابن العربي من قال الأولى بالماء القراح والثانية بالماء والسدر أو العكس والثالثة بالماء والكافور فليس هو في لفظ الحديث ا ه‏.‏

وكأن قائله أراد أن تقع إحدى الغسلات بالماء الصرف المطلق لأنه المطهر في الحقيقة، وأما المضاف فلا‏.‏

وتمسك بظاهر الحديث ابن شعبان وابن الفرضي وغيرهما من المالكية فقالوا‏:‏ غسل الميت إنما هو للتنظيف فيجزئ بالماء المضاف كماء الورد ونحوه، قالوا وإنما يكره من جهة السرف، والمشهور عند الجمهور أنه غسل تعبدي يشترط فيه ما يشترط في بقية الأغسال الواجبة والمندوبة‏.‏

وقيل‏:‏ شرع احتياطا لاحتمال أن يكون عليه جنابة، وفيه نظر لأن لازمه أن لا يشرع غسل من هو دون البلوغ وهو خلاف الإجماع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحنط ابن عمر ابنا لسعيد بن زيد وحمله وصلى ولم يتوضأ‏)‏ حنط بفتح المهملة والنون الثقيلة أي طيبه بالحنوط وهو كل شيء يخلط من الطيب للميت خاصة، وقد وصله مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر حنط ابنا لسعيد بن زيد وحمله ثم دخل المسجد فصلى ولم يتوضأ انتهى‏.‏

والابن المذكور اسمه عبد الرحمن، كذلك رويناه في نسخة أبي الجهم العلاء بن موسى عن الليث عن نافع أنه رأى عبد الله بن عمر حنط عبد الرحمن بن سعيد بن زيد فذكره‏.‏

قيل‏:‏ تعلق هذا الأثر وما بعده بالترجمة من جهة أن المصنف يرى أن المؤمن لا ينجس بالموت وأن غسله إنما هو للتعبد لأنه لو كان نجسا لم يطهره الماء والسدر ولا الماء وحده، ولو كان نجسا ما مسه ابن عمر ولغسل ما مسه من أعضائه، وكأنه أشار إلى تضعيف ما رواه أبو داود من طريق عمرو بن عمير عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ ‏"‏ رواته ثقات إلا عمرو بن عمير فليس بمعروف، وروى الترمذي وابن حبان من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة نحوه، وهو معلول لأن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه‏:‏ الصواب عن أبي هريرة موقوف‏.‏

وقال أبو داود بعد تخريجه‏:‏ هذا منسوخ، ولم يبين ناسخه‏.‏

وقال الذهلي فيما حكاه الحاكم في تاريخه‏:‏ ليس فيمن غسل ميتا فليغتسل حديث ثابت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس رضي الله عنهما إلخ‏)‏ وصله سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ لا تنجسوا موتاكم فإن المؤمن ليس ينجس حيا ولا ميتا ‏"‏ إسناده صحيح، وقد روي مرفوعا أخرجه الدارقطني عن رواية عبد الرحمن بن يحيى المخزومي عن سفيان، وكذلك أخرجه الحاكم من طريق أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة عن سفيان، والذي في مصنف ابن أبي شيبة عن سفيان موقوف كما رواه سعيد بن منصور، وروى الحاكم نحوه مرفوعا أيضا من طريق عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله ‏"‏لا تنجسوا موتاكم ‏"‏ أي لا تقولوا إنهم نجس، وقوله ينجس بفتح الجيم‏.‏

قوله ‏(‏وقال سعد لو كان نجسا ما مسسته‏)‏ وقع في رواية الأصيلي وأبي الوقت ‏"‏ وقال سعيد ‏"‏ بزيادة ياء والأول أولى وهو سعد بن أبي وقاص كذلك أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عائشة بنت سعد قالت ‏"‏ أوذن سعد - تعني أباها - بجنازة سعيد بن زيد بن عمرو وهو بالعقيق فجاءه فغسله وكفنه وحنطه، ثم أتى داره فاغتسل ثم قال‏:‏ لم أغتسل من غسله، ولو كان نجسا ما مسسته، ولكني اغتسلت من الحر ‏"‏ وقد وجدت عن سعيد بن المسيب شيئا من ذلك أخرجه سمويه في فوائده من طريق أبي واقد المدني قال‏:‏ قال سعيد بن المسيب لو علمت أنه نجس لم أمسه‏.‏

وفي أثر سعد من الفوائد أنه ينبغي للعالم إذا عمل عملا يخشى أن يلتبس على من رآه أن يعلمهم بحقيقة الأمر لئلا يحملوه على غير محمله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ المؤمن لا ينجس‏)‏ هذا طرف من حديث لأبي هريرة تقدم موصولا في ‏"‏ باب الجنب يمشي في السوق ‏"‏ من كتاب الغسل، ووجه الاستدلال به أن صفة الإيمان لا تسلب بالموت وإذا كانت باقية فهو غير نجس، وقد بين ذلك حديث ابن عباس المذكور قبل، ووقع في نسخة الصغاني هنا ‏"‏ قال أبو عبد الله‏:‏ النجس القذر ‏"‏ انتهى‏.‏

وأبو عبد الله هو البخاري‏.‏

وأراد بذلك نفي هذا الوصف وهو النجس عن المسلم حقيقة ومجازا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ تَعْنِي إِزَارَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن أيوب عن محمد بن سيرين‏)‏ في رواية ابن جريج عن أيوب سمعت ابن سيرين، وسيأتي في ‏"‏ باب كيف الإشعار ‏"‏ وقد رواه أيوب أيضا عن حفصة بنت سيرين كما سيأتي بعد أبواب، ومدار حديث أم عطية على محمد وحفصة ابني سيرين، وحفظت منه حفصة ما لم يحفظه محمد كما سيأتي مبينا‏.‏

قال ابن المنذر ليس في أحاديث الغسل للميت أعلى من حديث أم عطية وعليه عول الأئمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أم عطية الأنصارية‏)‏ في رواية ابن جريج المذكورة ‏"‏ جاءت أم عطية امرأة من الأنصار اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت البصرة تبادر ابنا لها فلم تدركه ‏"‏ وهذا الابن ما عرفت اسمه وكأنه كان غازيا، فقدم البصرة فبلع أم عطية وهي بالمدينة قدومه وهو مريض فرحلت إليه فمات قبل أن تلقاه وسيأتي في الإحداد ما يدل على أن قدومها كان بعد موته بيوم أو يومين، وقد تقدم في المقدمة أن اسمها نسيبة بنون ومهملة وموحدة‏.‏

والمشهور فيها التصغير‏.‏

وقيل بفتح أوله وقع ذلك في رواية أبي ذر عن السرخسي وكذا ضبطه الأصيلي عن يحيى بن معين وطاهر بن عبد العزيز في السيرة الهشامية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين توفيت ابنته‏)‏ في رواية الثقفي عن أيوب وهي التي تلي هذه وكذا في رواية ابن جريج ‏"‏ دخل علينا ونحن نغسل بنته ‏"‏ ويجمع بينهما بأن المراد أنه دخل حين شرع النسوة في الغسل، وعند النسائي أن مجيئهن إليها كان بأمره، ولفظه من رواية هشام بن حسان عن حفصة ‏"‏ ماتت إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلينا فقال اغسلنها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابنته‏)‏ لم تقع في شيء من رواية البخاري مسماة، والمشهور أنها زينب زوج أبي العاصي بن الربيع والدة أمامة التي تقدم ذكرها في الصلاة، وهي أكبر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت وفاتها فيما حكاه الطبري في الذيل في أول سنة ثمان، وقد وردت مسماة في هذا عند مسلم من طريق عاصم الأحول عن حفصة عن أم عطية قالت ‏"‏ لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله‏:‏ اغسلنها ‏"‏ فذكر الحديث، ولم أرها في شيء من الطرق عن حفصة ولا عن محمد مسماة إلا في رواية عاصم هذه، وقد خولف في ذلك فحكى ابن التين عن الداودي الشارح أنه جزم بأن البنت المذكورة أم كلثوم زوج عثمان ولم يذكر مستنده، وتعقبه المنذري بأن أم كلثوم توفيت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر فلم يشهدها، وهو غلط منه فإن التي توفيت حينئذ رقية، وعزاه النووي تبعا لعياض لبعض أهل السير، وهو قصور شديد فقد أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب ولفظه ‏"‏ دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم ‏"‏ وهذا الإسناد على شرط الشيخين، وفيه نظر سيأتي في ‏"‏ باب كيف الإشعار ‏"‏ وكذا وقع في ‏"‏ المبهمات ‏"‏ لابن بشكوال من طريق الأوزاعي عن محمد بن سيرين عن أم عطية قالت ‏"‏ كنت فيمن غسل أم كلثوم ‏"‏ الحديث، وقرأت بخط مغلطاي‏:‏ زعم الترمذي أنها أم كلثوم وفيه نظر‏.‏

كذا قال، ولم أر في الترمذي شيئا من ذلك‏.‏

وقد روى الدولابي في الذرية الطاهرة من طريق أبي الرجال عن عمرة أن أم عطية كانت ممن غسل أم كلثوم ابنة النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيمكن دعوى ترجيح ذلك لمجيئه من طرق متعددة، ويمكن الجمع بأن تكون حضرتهما جميعا، فقد جزم ابن عبد البر رحمه الله في ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات، ووقع لي من تسمية النسوة اللاتي حضرن معها ثلاث غيرها، ففي الذرية الطاهرة أيضا من طريق أسماء بنت عميس أنها كانت ممن غسلها قالت‏:‏ ومعنا صفية بنت عبد المطلب‏.‏

ولأبي داود من حديث ليلى بنت قانف بقاف ونون وفاء الثقفية قالت‏:‏ كنت فيمن غسلها‏.‏

وروى الطبراني من حديث أم سليم شيئا يومئ إلى أنها حضرت ذلك أيضا، وسيأتي بعد خمسة أبواب قول ابن سيرين‏:‏ ولا أدري أي بناته‏.‏

وهذا يدل على أن تسميتها في رواية ابن ماجه وغيره ممن دون ابن سيرين والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اغسلنها‏)‏ قال ابن بزيزة‏:‏ استدل به على وجوب غسل الميت، وهو مبني على أن قوله فيما بعد ‏"‏ إن رأيتن ذلك ‏"‏ هل يرجع إلى الغسل أو العدد، والثاني أرجح، فثبت المدعي‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ لكن قوله ثلاثا ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء، فيتوقف الاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد لأن قوله ‏"‏ ثلاثا ‏"‏ غير مستقل بنفسه فلا بد أن يكون داخلا تحت صيغة الأمر فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل، والندب بالنسبة إلى الإيتار انتهى‏.‏

وقواعد الشافعية لا تأبى ذلك‏.‏

ومن ثم ذهب الكوفيون وأهل الطاهر والمزني إلى إيجاب الثلاث وقالوا‏:‏ إن خرج منه شيء بعد ذلك يغسل موضعه ولا يعاد غسل الميت، وهو مخالف لظاهر الحديث‏.‏

وجاء عن الحسن مثله أخرجه عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال ‏"‏ يغسل ثلاثا فإن خرج منه شيء بعد فخمسا، فإن خرج منه شيء غسل سبعا ‏"‏ قال هشام وقال الحسن ‏"‏ يغسل ثلاثا، فإن خرج منه شيء غسل ما خرج ولم يزد على الثلاث‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثا أو خمسا‏)‏ في رواية هشام بن حسان عن حفصة ‏"‏ غسلنها وترا ثلاثا أو خمسا ‏"‏ و ‏"‏ أو ‏"‏ هنا للترتيب لا للتخيير، قال النووي‏:‏ المراد اغسلنها وترا وليكن ثلاثا فإن احتجن إلى زيادة فخمسا، وحاصله أن الإيتار مطلوب والثلاث مستحبة، فإن حصل الإنقاء بها لم يشرع ما فوقها وإلا زيد وترا حتى يحصل الإنقاء، والواجب من ذلك مرة واحدة عامة للبدن انتهى‏.‏

وقد سبق بحث ابن دقيق العيد في ذلك‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ في قوله ‏"‏ أو خمسا ‏"‏ إشارة إلى أن المشروع هو الإيتار لأنه نقلهن من الثلاث إلى الخمس وسكت عن الأربع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو أكثر من ذلك‏)‏ بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث، في رواية أيوب عن حفصة كما في الباب الذي يليه ‏"‏ ثلاثا أو خمسا أو سبعا ‏"‏ ولم أر في شيء من الروايات بعد قوله سبعا التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية لأبي داود، وأما ما سواها فإما ‏"‏ أو سبعا ‏"‏ وإما ‏"‏ أو أكثر من ذلك ‏"‏ فيحتمل تفسير قوله أو أكثر من ذلك بالسبع، وبه قال أحمد، فكره الزيادة على السبع‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ لا أعلم أحدا قال بمجاوزة السبع، وساق من طريق قتادة أن ابن سيرين كان يأخذ الغسل عن أم عطية ثلاثا وإلا فخمسا وإلا فأكثر، قال‏:‏ فرأينا أن أكثر من ذلك سبع‏.‏

وقال الماوردي‏:‏ الزيادة على السبع سرف‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ بلغني أن جسد الميت يسترخي بالماء فلا أحب الزيادة على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن رأيتن ذلك‏)‏ معناه التفويض إلى اجتهادهن بحسب الحاجة لا التشهي‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ إنما فوض الرأي ليهن بالشرط المذكور وهو الإيتار، وحكى ابن التين عن بعضهم قال‏:‏ يحتمل قوله ‏"‏ إن رأيتن ‏"‏ أن يرجع إلى الأعداد المذكورة، ويحتمل أن يكون معناه إن رأيتن أن تفعلن ذلك وإلا فالإنقاء يكفي‏.‏

قوله‏.‏

‏(‏بماء وسدر‏)‏ قال ابن العربي‏:‏ هذا أصل في جواز التطهر بالماء المضاف إذا لم يسلب الماء الإطلاق انتهى‏.‏

وهو مبني على الصحيح أن غسل الميت للتطهير كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور‏)‏ هو شك من الراوي أي اللفظتين قال، والأول محمول على الثاني لأنه نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه، وجزم في الرواية التي تلي هذه بالشق الأول، وكذا في رواية ابن جريج، وظاهره جعل الكافور في الماء وبه قال الجمهور‏.‏

وقال النخعي والكوفيون‏:‏ إنما يجعل في الحنوط أي بعد إنهاء الغسل والتجفيف، قيل الحكمة في الكافور مع كونه يطيب رائحة الموضع لأجل من يحضر من الملائكة وغيرهم أن فيه تجفيفا وتبريدا وقوة نفوذ وخاصية في تصليب بدن الميت وطرد الهوام عنه وردع ما يتحلل من الفضلات ومنع إسراع الفساد إليه، وهو أقوى الأراييح الطيبة في ذلك، وهذا هو السر في جعله في الأخيرة إذ لو كان في الأولى مثلا لأذهبه الماء، وهل يقوم المسك مثلا مقام الكافور‏؟‏ إن نظر إلى مجرد التطيب فنعم، وإلا فلا، وقد يقال إذا عدم الكافور قام غيره مقامه ولو بخاصية واحدة مثلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا فرغتن فآذنني‏)‏ أي أعلمنني‏.‏

قوله‏.‏

‏(‏فلما فرغنا‏)‏ كذا للأكثر بصيغة الخطاب من الحاضر، وللأصيلي ‏"‏ فلما فرغن ‏"‏ بصيغة الغائب‏.‏

قوله ‏(‏حقوه‏)‏ بفتح المهملة - ويجوز كسرها وهي لغة هذيل - بعدها قاف ساكنة، والمراد به هنا الإزار كما وقع مفسرا في آخر هذه الرواية، والحقو في الأصل معقد الإزار، وأطلق على الإزار مجازا، وسيأتي بعد ثلاثة أبواب من رواية ابن عون عن محمد بن سيرين بلفظ ‏"‏ فنزع من حقوه إزاره ‏"‏ والحقو في هذا على حقيقته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أشعرنها إياه‏)‏ أي اجعلنه شعارها أي الثوب الذي يلي جسدها، وسيأتي الكلام على صفته في باب مفرد، قيل الحكمة في تأخير الإزار معه إلى أن يفرغن من الغسل ولم يناولهن إياه أولا ليكون قريب العهد من جسده الكريم حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل، وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين وفيه جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل، وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 12:12 AM   #425
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُغْسَلَ وِتْرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يستحب أن يغسل وترا‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ يحتمل أن تكون ‏"‏ ما ‏"‏ مصدرية أو موصولة، والثاني أظهر‏.‏

كذا قال وفيه نظر، لأنه لو كان المراد ذلك لوقع التعبير بمن التي لمن يعقل‏.‏

ثم أورد المصنف فيه حديث أم عطية أيضا من رواية أيوب عن محمد وليس فيه التصريح بالوتر، ومن رواية أيوب قال حدثتني حفصة وفيه ذلك، وقد تقدم الكلام فيه قبل‏.‏

ومحمد شيخه لم ينسب في أكثر الروايات، وقع عند الأصيلي حدثنا محمد بن المثنى‏.‏

وقال الجياني‏:‏ يحتمل أن يكون محمد بن سلام‏.‏

وأخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن الوليد وهو البسري عن عبد الوهاب وهو من شيوخ البخاري أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ فَقَالَ أَيُّوبُ وَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُحَمَّدٍ وَكَانَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ اغْسِلْنَهَا وِتْرًا وَكَانَ فِيهِ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا وَكَانَ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ ابْدَءُوا بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا وَكَانَ فِيهِ أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ وَمَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال أيوب‏)‏ كذا للأكثر بالفاء وهو بالإسناد المذكور، ووقع عند الأصيلي وقال بالواو فربما ظن معلقا وليس كذلك‏.‏

وقد رواه الإسماعيلي بالإسنادين معا موصولا وسيأتي الكلام على ما في رواية حفصة من الزيادة فيما بعد‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ وترا ثلاثا أو خمسا ‏"‏ استدل به على أن أقل الوتر ثلاث، ولا دلالة فيه لأنه سيق مساق البيان للمراد إذ لو أطلق لتناول الواحدة فما فوقها‏.‏

*3*باب يُبْدَأُ بِمَيَامِنِ الْمَيِّتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يبدأ بميامن الميت‏)‏ أي عند غسله، وكأنه أطلق في الترجمة ليشعر بأن غير الغسل يلحق به قياسا عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَسْلِ ابْنَتِهِ ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا خالد‏)‏ هو الحذاء، وحفصة هي بنت سيرين‏.‏

قوله‏.‏

‏(‏في غسل ابنته‏)‏ في رواية هشيم عن خالد عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أمرها أن تغسل ابنته قال لها‏.‏

فذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها‏)‏ ليس بين الأمرين تناف لإمكان البداءة بمواضع الوضوء وبالميامن معا، قال الزين بن المنير‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏ ابدأن بميامنها ‏"‏ أي في الغسلات التي لا وضوء فيها ‏(‏ومواضع الوضوء منها‏)‏ أي في الغسلة المتصلة بالوضوء‏.‏

وكأن المصنف أشار بذلك إلى مخالفة أبي قلابة في قوله ‏"‏ يبدأ بالرأس ثم باللحية ‏"‏ قال‏:‏ والحكمة في الأمر بالوضوء تجديد أثر سمة المؤمنين في ظهور أثر الغرة والتحجيل‏.‏

*3*باب مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْ الْمَيِّتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مواضع الوضوء من الميت‏)‏ أي يستحب البداءة بها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَمَّا غَسَّلْنَا بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَنَا وَنَحْنُ نَغْسِلُهَا ابْدَءُوا بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابدؤوا‏)‏ كذا للأكثر وللكشميهني ‏"‏ ابدأن ‏"‏ وهو الوجه لأنه خطاب للنسوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومواضع الوضوء‏)‏ زاد أبو ذر ‏"‏ منها ‏"‏ واستدل به على استحباب المضمضة والاستنشاق في غسل الميت خلافا للحنفية، بل قالوا‏:‏ لا يستحب وضوؤه أصلا، وإذا قلنا باستحبابه فهل يكون وضوءا حقيقيا بحيث يعاد غسل تلك لأعضاء في الغسل أو جزءا من الغسل بدئت به هذه الأعضاء تشريفا‏؟‏ الثاني أظهر من سياق الحديث، والبداءة بالميامن وبمواضع الوضوء مما زادته حفصة في روايتها عن أم عطية على أخيها محمد، وكذا المشط والضفر كما سيأتي‏.‏

*3*باب هَلْ تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي إِزَارِ الرَّجُلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب هل تكفن المرأة في إزار الرجل‏)‏ أورد فيه حديث أم عطية أيضا‏.‏

وشاهد الترجمة قوله فيه ‏"‏ فأعطاها إزاره ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ أشار بقوله ‏"‏ هل ‏"‏ إلى تردد عنده في المسألة، فكأنه أومأ إلى احتمال اختصاص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن المعنى الموجود فيه من البركة ونحوها قد لا يكون في غيره ولا سيما مع قرب عهده بعرقه الكريم، ولكن الأظهر الجواز، وقد نقل ابن بطال الاتفاق على ذلك، لكن لا يلزم من ذلك التعقب على البخاري لأنه إنما ترجم بالنظر إلى سياق الحديث وهو قابل للاحتمال‏.‏

وقال الزين بن المنير نحوه وزاد احتمال الاختصاص بالمحرم أم بمن يكون في مثل إزار النبي صلى الله عليه وسلم وجسده من تحقق النظافة وعدم نفرة الزوج وغيرته أن تلبس زوجته لباس غيره‏.‏

*3*باب يُجْعَلُ الْكَافُورُ فِي آخِرِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يجعل الكافور في الأخيرة‏)‏ أي في الغسلة الأخيرة، قال الزين بن المنير‏:‏ لم يعين حكم ذلك لاحتمال صيغة ‏"‏ اجعلن ‏"‏ للوجوب والندب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي قَالَتْ فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِنَحْوِهِ وَقَالَتْ إِنَّهُ قَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ قَالَتْ حَفْصَةُ قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَجَعَلْنَا رَأْسَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن أيوب‏)‏ هو معطوف على الإسناد الأول، وقد تقدم الكلام عليه فيما قبل‏.‏

واختلف في هيئة جعله في الغسلة الأخيرة فقيل‏:‏ يجعل في ماء ويصب عليه في آخر غسلة وهو ظاهر الحديث، وقيل‏:‏ إذا كما غسله طيب بالكافور قبل التكفين‏.‏

ومد ورد في رواية النسائي بلفظ ‏"‏ واجعلن في آخر ذلك كافورا‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قيل ما مناسبة إدخال هذه الترجمة - وهي متعلقة بالغسل - بين ترجمتين متعلقتين بالكفن‏؟‏ أجاب الزين بن المنير بأن العرف تقديم ما يحتاج إليه الميت قبل الشروع في الغسل أو قبل الفراغ منه ليتيسر غسله‏.‏

ومن جملة ذلك الحنوط انتهى ملخصا‏.‏

ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى خلاف من قال إن الكافور يختص بالحنوط ولا يجعل في الماء وهو عن الأوزاعي وبعض الحنفية، أو يجعل في الماء وهو قول الجمهور كما تقدم قريبا‏.‏

ولفظة ‏"‏ الأخيرة ‏"‏ صفة موصوف فيحتمل أن يكون التقدير الغسلة وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون الخرقة التي تلي الجسد‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 12:18 AM   #426
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب نَقْضِ شَعَرِ الْمَرْأَةِ

وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ لَا بَأْسَ أَنْ يُنْقَضَ شَعَرُ الْمَيِّتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب نقض شعر المرأة‏)‏ أي الميتة قبل الغسل، والتقييد بالمرأة خرج مخرج الغالب أو الأكثر، وإلا فالرجل إذا كان له شعر ينقض لأجل التنظيف وليبلغ الماء البشرة، وذهب من منعه إلى أنه قد يفضي إلى انتتاف شعره، وأجاب من أثبته بأنه يضم إلى ما انتثر منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن سيرين إلخ‏)‏ وصله سعيد بن منصور من طريق أيوب عنه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَيُّوبُ وَسَمِعْتُ حَفْصَةَ بِنْتَ سِيرِينَ قَالَتْ حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُنَّ جَعَلْنَ رَأْسَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ نَقَضْنَهُ ثُمَّ غَسَلْنَهُ ثُمَّ جَعَلْنَهُ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد‏)‏ كذا للأكثر غير منسوب، ونسبه أبو علي بن شبويه عن الفربري ‏"‏ أحمد بن صالح‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أيوب‏)‏ في رواية الإسماعيلي من طريق حرملة عن ابن وهب عن ابن جريج ‏"‏ أن أيوب بن أبي تميمة أخبره‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وسمعت‏)‏ هو معطوف على محذوف تقديره سمعت كذا وسمعت حفصة، وسيأتي بيانه في الباب الذي بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنهن جعلن رأس بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة قرون نقضنه ثم غسلنه‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ قالت نقضته ‏"‏ والظاهر أن القائلة أم عطية، ولعبد الرزاق عن معمر عن أيوب في هذا الحديث ‏"‏ فقلت نقضته فغسلته فجعلته ثلاثة قرون قالت نعم ‏"‏ والمراد بالرأس شعر الرأس فهو من مجاز المجاورة، وفائدة النقض تبليغ الماء البشرة وتنظيف الشعر من الأوساخ‏.‏

ولمسلم من رواية أيوب عن حفصة عن أم عطية ‏"‏ مشطناها ثلاثة قرون ‏"‏ وهو بتخفيف المعجمة أي سرحناها بالمشط، وفيه حجة للشافعي ومن وافقه على استحباب تسريح الشعر، واعتل من كرهه بتقطيع الشعر، والرفق يؤمن معه ذلك‏.‏

*3*باب كَيْفَ الْإِشْعَارُ لِلْمَيِّتِ

وَقَالَ الْحَسَنُ الْخِرْقَةُ الْخَامِسَةُ تَشُدُّ بِهَا الْفَخِذَيْنِ وَالْوَرِكَيْنِ تَحْتَ الدِّرْعِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب كيف الإشعار للميت‏)‏ أورد فيه حديث أم عطية أيضا، وإنما أفرد له هذه الترجمة لقوله في هذا السياق ‏"‏ وزعم أن الإشعار الففنها فيه ‏"‏ وفيه اختصار والتقدير وزعم أن معنى قوله أشعرنها إياها الففنها، وهو ظاهر اللفظ، لأن الشعار ما يلي الجسد من الثياب‏.‏

والقائل في هذه الرواية ‏"‏ وزعم ‏"‏ هو أيوب‏.‏

وذكر ابن بطال أنه ابن سيرين، والأول أولى، ومد بينه عبد الرزاق في روايته عن ابن جريج قال ‏"‏ قلت لأيوب قوله أشعرنها تؤزر به‏؟‏ قال‏:‏ ما أراه إلا قال الففنها فيه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن الخرقة الخامسة إلخ‏)‏ هذا يدل على أن أول الكلام أن المرأة تكفن في خمسة أثواب‏.‏

وقد وصله ابن أبي شيبة نحوه‏.‏

وروى الجوزقي من طريق إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن هشام عن حفصة عن أم عطية قالت ‏"‏ فكفناها في خمسة أثواب وخمرناها كما يخمر الحي ‏"‏ وهذه الزيادة صحيحة الإسناد، وقول الحسن في الخرقة الخامسة قال به زفر‏.‏

وقالت طائفة‏:‏ تشد على صدرها لتضم أكفانها، وكأن المصنف أشار إلى موافقة قول زفر‏:‏ ولا يكره القميص للمرأة على الراجح عند الشافعية والحنابلة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ سِيرِينَ يَقُولُ جَاءَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ اللَّاتِي بَايَعْنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَتْ الْبَصْرَةَ تُبَادِرُ ابْنًا لَهَا فَلَمْ تُدْرِكْهُ فَحَدَّثَتْنَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي قَالَتْ فَلَمَّا فَرَغْنَا أَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَدْرِي أَيُّ بَنَاتِهِ وَزَعَمَ أَنَّ الْإِشْعَارَ الْفُفْنَهَا فِيهِ وَكَذَلِكَ كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَأْمُرُ بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُشْعَرَ وَلَا تُؤْزَرَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا أحمد‏)‏ كذا للأكثر غير منسوب‏.‏

وقال أبو علي بن شبويه في روايته ‏"‏ حدثنا أحمد يعني ابن صالح‏"‏‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قوله ‏"‏ ولا أدري أي بناته ‏"‏ هو مقول أيوب، وفيه دليل على أنه لم يسمع تسميتها من حفصة، وقد تقدم قريبا من وجه آخر عنه أنها أم كلثوم‏.‏

*3*باب هَلْ يُجْعَلُ شَعَرُ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يجعل شعر المرأة ثلاثة قرون‏)‏ أي ضفائر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أُمِّ الْهُذَيْلِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ ضَفَرْنَا شَعَرَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْنِي ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَقَالَ وَكِيعٌ قَالَ سُفْيَانُ نَاصِيَتَهَا وَقَرْنَيْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري، وهشام هو ابن حسان، وأم الهذيل هي حفصة بنت سيرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ضفرنا‏)‏ بضاد ساقطة وفاء خفيفة ‏(‏شعر بنت النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ تعني ثلاثة قرون‏.‏

وقال وكيع قال سفيان‏)‏ أي بهذا الإسناد ‏(‏ناصيتها وقرنيها‏)‏ أي جانبي رأسها، ورواية وكيع وصلها الإسماعيلي بهذه الزيادة وزاد ‏"‏ ثم ألقيناه خلفها ‏"‏ وسيأتي الكلام على هذه الزيادة في الباب الذي يليه‏.‏

واستدل به على ضفر شعر الميت خلافا لمن منعه، فقال ابن القاسم‏:‏ لا أعرف الضفر بل يكف وعن الأوزاعي والحنفية‏:‏ يرسل شعر المرأة خلفها وعلى وجهها مفرقا‏.‏

قال القرطبي‏:‏ وكأن سبب الخلاف أن الذي فعلته أم عطية هل استندت فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعا، أو هو شيء رأته ففعلته استحسانا‏؟‏ كلا الأمرين محتمل، لكن الأصل أن لا يفعل في الميت شيء من جنس القرب إلا بإذن من الشرع محقق ولم يرد ذلك مرفوعا، كذا قال‏.‏

وقال النووي الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره له‏.‏

قلت‏:‏ وقد رواه سعيد بن منصور بلفظ الأمر من رواية هشام عن حفصة عن أم عطية قالت ‏"‏ قال لنا رسول الله‏:‏ اغسلنها وترا واجعلن شعرها ضفائر ‏"‏ وقال ابن حبان في صحيحه‏:‏ ذكر البيان بأن أم عطية إنما مشطت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم بأمره لا من تلقاء نفسها ثم أخرج من طريق حماد عن أيوب قال‏:‏ قالت حفصة عن أم عطية اغسلنها ثلاثة أو خمسا أو سبعا واجعلن لها ثلاثة قرون‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قوله‏:‏ ‏"‏ ثلاثة قرون ‏"‏ مع قوله‏:‏ ‏"‏ ناصيتها وقرنيها ‏"‏ لا تضاد بينهما، لأن المراد بالثلاثة قرون الضفائر، والمراد بالقرنين الجانبان‏.‏

*3*باب يُلْقَى شَعَرُ الْمَرْأَةِ خَلْفَهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب يلقى شعر المرأة خلفها‏)‏ في رواية الأصيلي وأبي الوقت ‏"‏ يجعل ‏"‏ وزاد الحموي ‏"‏ ثلاثة قرون ‏"‏ ثم أورد المصنف حديث أم عطية من رواية هشام بن حسان عن حفصة وفيه ‏"‏ فضفرنا شعرها ثلاثة قرون فألقيناها خلفها ‏"‏ أخرجه مسدد عن يحيى بن سعيد، وقد أخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن يحيى بلفظ ‏"‏ ومشطناها ‏"‏ وقد تقدم ذلك من رواية الثوري عن هشام أيضا، وعند عبد الرزاق من طريق أيوب عن حفصة ‏"‏ ضفرنا رأسها ثلاثة قرون ناصيتها وقرنيها وألقيناه إلى خلفها ‏"‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ فيه استحباب تسريح المرأة وتضفيرها، وزاد بعض الشافعية أن تجعل الثلاث خلف ظهرها، وأورد فيه حديثا غريبا، كذا قال وهو مما يتعجب منه مع كون الزيادة في صحيح البخاري، وقد توبع راويها عليها كما تراه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ قَالَ حَدَّثَتْنَا حَفْصَةُ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا بِالسِّدْرِ وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَضَفَرْنَا شَعَرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا

الشرح‏:‏

في هذا الحديث من الفوائد - غير ما تقدم في هذه التراجم العشر - تعليم الإمام من لا علم له بالأمر الذي يقع فيه، وتفويضه إليه إذا كان أهلا لذلك بعد أن ينبهه على علة الحكم‏.‏

واستدل به على أن الغسل من غسل الميت ليس بواجب لأنه موضع تعليم ولم يأمر به، وفيه نظر لاحتمال أن يكون شرع بعد هذه الواقعة‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ لا أعلم أحدا قال بوجوبه‏.‏

وكأنه ما درى أن الشافعي علق القول به على صحة الحديث، والخلاف فيه ثابت عند المالكية وصار إليه بعض الشافعية أيضا‏.‏

وقال ابن بزيزة‏:‏ الظاهر أنه مستحب، والحكمة فيه تتعلق بالميت، لأن الغاسل إذا علم أنه سيغتسل لم يتحفظ من شيء يصيبه من أثر الغسل فيبالغ في تنظيف الميت وهو مطمئن، ويحتمل أن يتعلق بالغاسل ليكون عند فراغه على يقين من طهارة جسده مما لعله أن يكون أصابه من رشاش ونحوه انتهى واستدل به بعض الحنفية على أن الزوج لا يتولى غسل زوجته، لأن زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم كان حاضرا وأمر النبي صلى الله عليه وسلم النسوة بغسل ابنته دون الزوج، وتعقب بأنه يتوقف على صحة دعوى أنه كان حاضرا، وعلى تقدير تسليمه فيحتاج إلى ثبوت أنه لم يكن به مانع من ذلك ولا آثر النسوة على نفسه، وعلى تسليمه فغاية ما فيه أن يستدل به على أن النسوة أولى منه لا على منعه من ذلك لو أراده‏.‏

والله أعلم بالصواب‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 12:21 AM   #427
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب الثِّيَابِ الْبِيضِ لِلْكَفَنِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الثياب البيض للكفن‏)‏ أورد فيه حديث عائشة ‏"‏ كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض ‏"‏ الحديث، وتقرير الاستدلال به أن الله لم يكن ليختار لنبيه إلا الأفضل، وكأن المصنف لم يثبت على شرطه الحديث الصريح في الباب وهو ما رواه أصحاب السنن من حديث ابن عباس بلفظ ‏"‏ البسوا ثياب البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم ‏"‏ صححه الترمذي والحاكم، وله شاهد من حديث سمرة بن جندب أخرجوه وإسناده صحيح أيضا، وحكى بعض من صنف في الخلاف عن الحنفية أن المستحب عندهم أن يكون في أحدها ثوب حبرة، وكأنهم أخذوا بما روي أنه عليه الصلاة والسلام كفن في ثوبين وبرد حبرة أخرجه أبو داود من حديث جابر وإسناده حسن، لكن روى مسلم والترمذي من حديث عائشة أنهم نزعوها عنه، قال الترمذي‏:‏ وتكفينه في ثلاثة أثواب بيض أصح ما ورد في كفنه‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة ‏"‏ لف في برد حبرة جفف فيه ثم نوع عنه ‏"‏ يمكن أن يستدل لهم بعموم حديث أنس ‏"‏ كان أحب اللباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبرة ‏"‏ أخرجه الشيخان، وسيأتي في اللباس‏.‏

والحبرة بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة ما كان من البرود مخططا‏.‏

*3*باب الْكَفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الكفن في ثوبين‏)‏ كأنه أشار إلى أن الثلاث في حديث عائشة ليست شرطا في الصحة، وإنما هو مستحب وهو قول الجمهور‏.‏

واختلف فيما إذا شح بعض الورثة بالثاني أو الثالث، والمرجح أنه لا يلتفت إليه‏.‏

وأما الواحد الساتر لجميع البدن فلا بد منه بالاتفاق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ أَوْ قَالَ فَأَوْقَصَتْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حماد‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ ابن زيد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بينما رجل‏)‏ لم أقف على تسميته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واقف‏)‏ استدل به على إطلاق لفظ الواقف على الراكب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعرفة‏)‏ سيأتي بعد باب من وجه آخر ‏"‏ ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوقصته، أو قال فأوقصته‏)‏ شك من الراوي، والمعروف عند أهل اللغة الأول والذي بالهمز شاذ، والوقص كسر العنق، ويحتمل أن يكون فاعل وقصته الوقعة أو الراحلة بأن تكون أصابته بعد أن وقع والأول أظهر‏.‏

وقال الكرماني فوقصته أي راحلته فإن كان الكسر حصل بسبب الوقوع فهو مجاز، وإن حصل من الراحلة بعد الوقوع فحقيقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكفنوه في ثوبين‏)‏ استدل به على إبدال ثياب المحرم وليس بشيء لأنه سيأتي في الحج بلفظ ‏"‏ في ثوبيه ‏"‏ وللنسائي من طريق يونس بن نافع عن عمرو بن دينار ‏"‏ في ثوبيه اللذين أحرم فيهما ‏"‏ وقال المحب الطبري‏:‏ إنما لم يزده ثوبا ثالثا تكرمة له كما في الشهيد حيث قال ‏"‏ زملوهم بدمائهم ‏"‏ واستدل به على أن الإحرام لا ينقطع بالموت كما سيأتي بعد باب، وعلى ترك النيابة في الحج لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحدا أن يكمل عن هذا المحرم أفعال الحج وفيه نظر لا يخفى‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ وفيه أن من شرع في عمل طاعة ثم حال بينه وبين إتمامه الموت رجي له أن الله يكتبه في الآخرة من أهل ذلك العمل‏.‏

*3*باب الْحَنُوطِ لِلْمَيِّتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الحنوط للميت‏)‏ أي غير المحرم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَأَقْصَعَتْهُ أَوْ قَالَ فَأَقْعَصَتْهُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس المذكور في الباب ورد عن شيخ آخر، وشاهد الترجمة قوله ‏"‏ ولا تحنطوه ‏"‏ ثم علل بأنه يبعث ملبيا، فدل على أن سبب النهي أنه كان محرما، فإذا انتفت العلة انتفى النهي، وكأن الحنوط للميت كان مقررا عندهم‏.‏

وكذا قوله ‏"‏ لا تخمروا رأسه ‏"‏ أي لا تغطوه، قال البيهقي‏:‏ فيه دليل على أن غير المحرم يحنط كما يخمر رأسه، وأن النهي إنما وقع لأجل الإحرام خلافا لمن قال من المالكية غيرهم إن الإحرام ينقطع بالموت فيصنع بالميت ما يصنع بالحي، قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهو مقتضى القياس، لكن الحديث بعد أن ثبت يقدم على القياس، وقد قال بعض المالكية‏:‏ إثبات الحنوط في هذا الخبر بطريق المفهوم من منع الحنوط للمحرم، ولكنها واقعة حال يتطرق الاحتمال إلى منطوقها فلا يستدل بمفهومها‏.‏

وقال بعض الحنفية‏:‏ هذا الحديث ليس عاما بلفظه لأنه في شخص معين، ولا بمعناه لأنه لم يقل يبعث ملبيا لأنه محرم فلا يتعدى حكمه إلى غيره إلا بدليل منفصل‏.‏

وقال ابن بزيزة‏:‏ وأجاب بعض أصحابنا عن هذا الحديث بأن هذا مخصوص بذلك الرجل لأن إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه يبعث ملبيا شهادة بأن حجه قبل، وذلك غير محقق لغيره، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن هذه العلة إنما ثبتت لأجل الإحرام فتعم كل محرم، وأما القبول وعدمه فأمر مغيب‏.‏

واعتل بعضهم بقوله تعالى ‏(‏وأن ليس للإنسان إلا ما سعى‏)‏ وبقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث ‏"‏ وليس هذا منها فينبغي أن ينقطع عمله بالموت، وأجيب بأن تكفينه في ثوبي إحرامه وتبقيته على هيئة إحرامه من عمل الحي بعده كغسله والصلاة عليه فلا معنى لما ذكروه‏.‏

وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ وقد قال صلى الله عليه وسلم في الشهداء ‏"‏ زملوهم بدمائهم ‏"‏ مع قوله ‏"‏ والله أعلم بمن يكلم في سبيله ‏"‏ فعمم الحكم في الظاهر بناء على ظاهر السبب فينبغي أن يعمم الحكم في كل محرم، وبين المجاهد والمحرم جامع لأن كلا منهما في سبيل الله‏.‏

وقد اعتذر الداودي عن مالك فقال‏:‏ لم يبلغه هذا الحديث، وأورد بعضهم أنه لو كان إحرامه باقيا لوجب أن يكمل به المناسك ولا قائل به‏.‏

وأجيب بأن ذلك ورد على خلافه الأصل فيقتصر به على مورد النص ولا سيما وقد وضح، أن الحكمة في ذلك استبقاء شعار الإحرام كاستبقاء دم الشهيد‏.‏

*3*باب كَيْفَ يُكَفَّنُ الْمُحْرِمُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كيف يكفن المحرم‏)‏ سقطت هذه الترجمة للأصيلي وثبتت لغيره وهو أوجه‏.‏

وأورد المصنف فيها حديث ابن عباس المذكور من طريقين، ففي الأول ‏"‏ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ‏"‏ كذا للمستملي وللباقين ‏"‏ ملبدا ‏"‏ بدال بدل التحتانية، والتلبيد جمع الشعر بصمغ أو غيره ليخف شعثه، وكانت عادتهم في الإحرام أن يصنعوا ذلك‏.‏

وقد أنكر عياض هذه الرواية وقال‏:‏ ليس للتلبيد معنى، وسيأتي في الحج بلفظ ‏"‏ يهل ‏"‏ ورواه النسائي بلفظ ‏"‏ فإنه يبعث يوم القيامة محرما ‏"‏ لكن ليس قوله ملبدا فاسد المعنى بل توجيهه ظاهر‏.‏

قوله في الرواية الأخرى ‏(‏كان رجل واقفا‏)‏ كذا لأبي ذر وللباقين ‏"‏ واقف ‏"‏ على أنه صفة لرجل، وكان تامة أي حصل رجل واقف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَجُلًا وَقَصَهُ بَعِيرُهُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تُمِسُّوهُ طِيبًا وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏ولا تمسوه‏)‏ بضم أوله وكسر الميم من أمس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو وَأَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ كَانَ رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ فَوَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ قَالَ أَيُّوبُ فَوَقَصَتْهُ وَقَالَ عَمْرٌو فَأَقْصَعَتْهُ فَمَاتَ فَقَالَ اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَيُّوبُ يُلَبِّي وَقَالَ عَمْرٌو مُلَبِّيًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأقصعته‏)‏ أي هشمته يقال أقصع القملة إذا هشمها، وقيل هو خاص بكسر العظم، ولو سلم فلا مانع أن يستعار لكسر الرقبة‏.‏

وفي رواية الكشميهني بتقديم العين على الصاد، والقعص القتل في الحال ومنه قعاص الغنم وهو موتها‏.‏

قال الزين بن المنير‏:‏ تضمنت هذه الترجمة الاستفهام عن الكيفية مع أنها مبينة، لكنها لما كانت تحتمل أن تكون خاصة بذلك الرجل، وأن تكون عامة لكل محرم، آثر المصنف الاستفهام‏.‏

قلت‏:‏ والذي يظهر أن المراد بقوله ‏"‏ كيف يكفن ‏"‏ أي كيفية التكفين ولم يرد الاستفهام، وكيف يظن به أنه متردد فيه وقد جزم قبل ذلك بأنه عام في حق كل أحد حيث ترجم بجواز التكفين في ثوبين‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ في حديث ابن عباس إباحة غسل المحرم الحي بالسدر خلافا لمن كرهه له، وأن الوتر في الكفن ليس بشرط في الصحة، وأن الكفن من رأس المال لأمره صلى الله عليه وسلم بتكفينه في ثوبيه ولم يستفصل هل عليه دين يستغرق أم لا‏.‏

وفيه استحباب تكفين المحرم في ثياب إحرامه، وأن إحرامه باق، وأنه لا يكفن في المخيط‏.‏

وفيه التعليل بالفاء لقوله فإنه، وفيه التكفين في الثياب الملبوسة، وفيه استحباب دوام التلبية إلى أن ينتهي الإحرام، وأن الإحرام يتعلق بالرأس لا بالوجه، وسيأتي الكلام على ما وقع في مسلم بلفظ ‏"‏ ولا تخمروا وجهه ‏"‏ في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏

وأغرب القرطبي فحكى عن الشافعي أن المحرم لا يصلي عليه، وليس ذلك بمعروف عنه‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ يحتمل اقتصاره له على التكفين في ثوبيه لكونه مات فيهما وهو متلبس بتلك العبادة الفاضلة، ويحتمل أنه لم يجد له غيرهما‏.‏

*3*باب الْكَفَنِ فِي الْقَمِيصِ الَّذِي يُكَفُّ أَوْ لَا يُكَفُّ وَمَنْ كُفِّنَ بِغَيْرِ قَمِيصٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف‏)‏ قال ابن التين‏:‏ ضبط بعضهم يكف بضم أوله وفتح الكاف وبعضهم بالعكس، والفاء مشدودة فيهما‏.‏

وضبطه بعضهم بفتح أوله وسكون الكاف وتخفيف الفاء وكسرها، والأول أشبه بالمعنى‏.‏

وتعقبه ابن رشيد بأن الثاني هو الصواب قال‏:‏ وكذا وقع في نسخة حاتم الطرابلسي، وكذا رأيته في أصل أبي القاسم بن الورد، قال‏:‏ والذي يظهر لي أن البخاري لحظ قوله تعالى ‏(‏استغفر لهم أو لا تستغفر لهم‏)‏ أي أن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله بن أبي قميصه سواء كان يكف عنه العذاب أو لا يكف استصلاحا للقلوب المؤلفة، فكأنه يقول يؤخذ من هذا التبرك بآثار الصالحين سواء علمنا أنه مؤثر في حال الميت أو لا‏.‏

قال‏:‏ ولا يصح أن يراد به سواء كان الثوب مكفوف الأطراف أو غير مكفوف لأن ذلك وصف لا أثر له، قال‏:‏ وأما الضبط الثالث فهو لحن إذ لا موجب لحذف الياء الثانية فيه انتهى‏.‏

وقد جزم المهلب بأنه الصواب، وأن الياء سقطت من الكاتب غلطا، قال ابن بطال‏:‏ والمراد طويلا كان القميص سابغا أو قصيرا فإنه يجوز أن يكفن فيه، كذا قال، ووجهه بعضهم بأن عبد الله كان مفرط الطول كما سيأتي في ذكر السبب في إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم له قميصه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم معتدل الخلق، وقد أعطاه مع ذلك قميصه ليكفن فيه ولم يلتفت إلى كونه ساترا لجميع بدنه أو لا‏.‏

وتعقب بأن حديث جابر دال على أنه كفن في غيره فلا تنتهض الحجة بذلك‏.‏

وأما قول ابن رشيد إن المكفوف الأطراف لا أثر له فغير مسلم، بل المتبادر إلى الذهن أنه مراد البخاري كما فهمه ابن التين، والمعنى أن التكفين في القميص ليس ممتنعا سواء كان مكفوف الأطراف أو غير مكفوف، أو المراد بالكف تزريره دفعا لقول من يدعي أن القميص لا يسوغ إلا إذا كانت أطرافه غير مكفوفة أو كان غير مزرر ليشبه الرداء، وأشار بذلك إلى الرد على من خالف في ذلك، وإلى أن التكفين في غير قميص مستحب، ولا يكره التكفين في القميص‏.‏

وفي الخلافيات للبيهقي من طريق ابن عون قال‏:‏ كان محمد بن سيرين يستحب أن يكون قميص الميت كقميص الحي مكففا مزررا، وسيأتي الكلام على حديث عبد الله بن عمر في قصة عبد الله بن أبي في تفسير براءة إن شاء الله تعالى، ونذكر فيه جواب الإشكال الواقع في قول عمر‏:‏ أليس الله قد نهاك أن تصلي على المنافقين‏؟‏ مع أن نزول قوله تعالى ‏(‏ولا تصل على أحد منهم مات أبدا‏)‏ كان بعد ذلك كما سيأتي في سياق حديث الباب حيث قال‏:‏ فنزلت ‏(‏ولا تصل‏)‏ ، ومحصل الجواب أن عمر فهم من قوله ‏(‏فلن يغفر الله لهم‏)‏ منع الصلاة عليهم، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن لا منع، وأن الرجاء لم ينقطع بعد‏.‏

ثم إن ظاهر قوله في حديث جابر ‏"‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعدما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه وألبسه قميصه ‏"‏ مخالف لقوله في حديث ابن عمر ‏"‏ لما مات عبد الله بن أبي جاء ابنه فقال‏:‏ يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه، فأعطاه قميصه وقال‏:‏ آذني أصلي عليه، فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر ‏"‏ الحديث‏.‏

وقد جمع بينهما بأن معنى قوله في حديث ابن عمر ‏"‏ فأعطاه ‏"‏ أي أنعم له بذلك، فأطلق على العدة اسم العطية مجازا لتحقيق وقوعها‏.‏

وكذا قوله في حديث جابر ‏"‏ بعد ما دفن عبد الله بن أبي ‏"‏ أي دلي في حفرته، وكأن أهل عبد الله بن أبي خشوا على النبي صلى الله عليه وسلم المشقة في حضوره فبادروا إلى تجهيزه قبل وصول النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وصل وجدهم قد دلوه في حفرته فأمر بإخراجه إنجازا لوعده في تكفينه في القميص والصلاة عليه والله أعلم‏.‏

وقيل‏:‏ أعطاه صلى الله عليه وسلم أحد قميصيه أولا، ثم لما حضر أعطاه الثاني بسؤال ولده‏.‏

وفي ‏"‏ الإكليل ‏"‏ للحاكم ما يؤيد ذلك‏.‏

وقيل‏:‏ ليس في حديث جابر دلالة على أنه ألبسه قميصه بعد إخراجه من القبر، لأن لفظه ‏"‏ فوضعه على ركبتيه وألبسه قميصه ‏"‏ والواو لا ترتب فلعله أراد أن يذكر ما وقع في الجملة من إكرامه له من غير إرادة ترتيب، وسيأتي في الجهاد ذكر السبب في إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم قميصه لعبد الله بن أبي، وبقية القصة في التفسير وأن اسم ابنه المذكور عبد الله كاسم أبيه إن شاء الله تعالى‏.‏

واستنبط منه الإسماعيلي جواز طلب أثار أهل الخير منهم للتبرك بها وإن كان السائل غنيا‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 12:24 AM   #428
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب الْكَفَنِ بِغَيْرِ قَمِيصٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الكفن بغير قميص‏)‏ ثبتت هذه الترجمة للأكثر وسقطت للمستملي، ولكنه ضمنها الترجمة التي قبلها فقال بعد قوله أو لا يكف ‏"‏ ومن كفن بغير قميص ‏"‏ والخلاف في هذه المسألة بين الحنفية وغيرهم في الاستحباب وعدمه، والثاني عن الجمهور، وعن بعض الحنفية يستحب القميص دون العمامة‏.‏

وأجاب بعض من خالف بأن قولها ليس فيها قميص ولا عمامة يحتمل نفي وجودهما جملة، ويحتمل أن يكون المراد نفي المعدود أي الثلاثة خارجة عن القميص والعمامة والأول أظهر‏.‏

وقال بعض الحنفية‏:‏ معناه ليس فيها قميص أي جديد، وقيل ليس فيها القميص الذي غسل فيه، أو ليس فيها قميص مكفوف الأطراف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كُفِّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابِ سُحُولٍ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏.‏

‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سحول‏)‏ بضم المهملتين وآخره لام أي بيض، وهو جمع سحل، والثوب الأبيض النقي لا يكون إلا من قطن، وقد تقدم في ‏"‏ باب الثياب البيض للكفن ‏"‏ بلفظ ‏"‏ يمانية بيض سحولية في كرسف ‏"‏ وعن ابن وهب‏:‏ السحول القطن، وفيه نظر، وهو بضم أوله ويروى بفتحه نسبة إلى سحول قرية باليمن‏.‏

وقال الأزهري‏:‏ بالفتح المدينة، وبالضم الثياب‏.‏

وقيل النسب إلى القرية بالضم، وأما بالفتح فنسبة إلى القصار لأنه يسحل الثياب أي ينقيها، والكرسف بضم الكاف والمهملة بينهما راء ساكنة هو القطن، ووقع في رواية للبيهقي ‏"‏ سحولية جدد‏"‏

*3*باب الْكَفَنِ بِلَا عِمَامَةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الكفن بلا عمامة‏)‏ كذا للأكثر، وللمستملي ‏"‏ الكفن في الثياب البيض ‏"‏ والأول أولى لئلا تتكرر الترجمة بغير فائدة، وقد تقدم ما في هذا النفي في الباب الذي قبله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثة أثواب‏)‏ في طبقات ابن سعد عن الشعبي ‏"‏ إزار ورداء ولفافة‏"‏‏.‏

*3*باب الْكَفَنُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ

وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَقَتَادَةُ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ الْحَنُوطُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ يُبْدَأُ بِالْكَفَنِ ثُمَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ بِالْوَصِيَّةِ وَقَالَ سُفْيَانُ أَجْرُ الْقَبْرِ وَالْغَسْلِ هُوَ مِنْ الْكَفَنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الكفن من جميع المال‏)‏ أي من رأس المال، وكأن المصنف راعى لفظ حديث مرفوع ورد بهذا اللفظ أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث علي وإسناده ضعيف، وذكره ابن أبي حاتم في العلل من حديث جابر، وحكى عن أبيه أنه منكر، قال ابن المنذر‏:‏ قال بذلك جميع أهل العلم إلا رواية شاذة عن خلاس بن عمرو قال ‏"‏ الكفن من الثلث ‏"‏ وعن طاوس قال ‏"‏ من الثلث إن كان قليلا ‏"‏ قلت‏:‏ أخرجهما عبد الرزاق، وقد يرد على هذا الإطلاق ما استثناه الشافعية وغيرهم من الزكاة وسائر ما يتعلق بعين المال فإنه يقدم على الكفن وغيره من مؤنة تجهيزه كما لو كانت التركة شيئا مرهونا أو عبدا جانيا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبه قال عطاء والزهري وعمرو بن دينار وقتادة‏.‏

وقال عمرو بن دينار‏:‏ الحنوط من جميع المال‏)‏ أما قول عطاء فوصله الدارمي من طريق ابن المبارك عن ابن جريج عنه قال ‏"‏ الحنوط والكفن من رأس المال‏"‏، وأما قول الزهري وقتادة فقال عبد الرزاق ‏"‏ أخبرنا معمر عن الزهري وقتادة قالا‏:‏ الكفن من جميع المال ‏"‏ وأما قول عمرو بن دينار فقال عبد الرزاق ‏"‏ عن ابن جريج عن عطاء‏:‏ الكفن والحنوط من رأس المال ‏"‏ قال ‏"‏ وقاله عمرو بن دينار ‏"‏ وقوله ‏"‏ وقال إبراهيم ‏"‏ - يعني النخعي - يبدأ بالكفن ثم بالدين ثم بالوصية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال سفيان‏)‏ أي الثوري إلخ وصله الدارمي من قول النخعي كذلك دون قول سفيان، ومن طريق أخرى عن النخعي بلفظ ‏"‏ الكفن من جميع المال ‏"‏ وصله عبد الرزاق عن سفيان أي الثوري عن عبيدة بن معتب عن إبراهيم قال ‏"‏ فقلت لسفيان‏:‏ فأجر القبر والغسل‏؟‏ قال‏:‏ هو من الكفن ‏"‏ أي أجر حفر القبر وأجر الغاسل من حكم الكفن في أنه من رأس المال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أُتِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمًا بِطَعَامِهِ فَقَالَ قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ وَقُتِلَ حَمْزَةُ أَوْ رَجُلٌ آخَرُ خَيْرٌ مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن محمد المكي‏)‏ هو الأزرقي على الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سعد‏)‏ أي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فإبراهيم بن سعد في هذا الإسناد راو عن أبيه عن جده عن جد أبيه، وسيأتي سياقه في الباب الذي يليه أصرح اتصالا من هذا‏.‏

ويأتي الكلام على فوائده مستوفي في ‏"‏ باب غزوة أحد ‏"‏ من كتاب المغازي، وشاهد الترجمة منه قوله في الحديث ‏"‏ فلم يوجد له ‏"‏ لأن ظاهره أنه لم يوجد ما يملكه إلا البرد المذكور، ووقع في رواية الأكثر ‏"‏ إلا برده ‏"‏ بالضمير العائد عليه‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ إلا بردة ‏"‏ بلفظ واحدة البرود، وسيأتي حديث خباب في الباب الذي بعده بلفظ ‏"‏ ولم يترك إلا نمرة ‏"‏ واختلف فيما إذا كان عليه دين مستغرق هل يكون كفنه ساترا لجميع بدنه أو للعورة فقط‏؟‏ المرجح الأول، ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه لا يجزئ ثوب واحد يصف ما تحته من البدن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو رجل آخر‏)‏ لم أقف على اسمه، ولم يقع في أكثر الروايات إلا بذكر حمزة ومصعب فقط، وكدا أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق منصور بن أبي مزاحم عن إبراهيم بن سعد‏.‏

قال الزين بن المنير‏:‏ يستفاد من قصة عبد الرحمن إيثار الفقر على الغني وإيثار التخلي للعبادة على تعاطي الاكتساب، فلذلك امتنع من تناول ذلك الطعام مع أنه كان صائما‏.‏

*3*باب إِذَا لَمْ يُوجَدْ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يوجد إلا ثوب واحد‏)‏ أي اقتصر عليه ولا ينتظر بدفنه ارتقاب شيء آخر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ وَأُرَاهُ قَالَ وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنْ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ أَوْ قَالَ أُعْطِينَا مِنْ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ

الشرح‏:‏

قول عبد الرحمن بن عوف ‏"‏ وهو خير مني ‏"‏ دلالة على تواضعه‏.‏

وفيه إشارة إلى تعظيم فضل من قتل في المشاهد الفاضلة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد في هذا الطريق ‏"‏ إن غطى رأسه بدت رجلاه ‏"‏ وهو موافق لما في الرواية التي في الباب الذي يليه‏.‏

وروى الحاكم في المستدرك من حديث أنس أن حمزة أيضا كفن كذلك‏.‏

*3*باب إِذَا لَمْ يَجِدْ كَفَنًا إِلَّا مَا يُوَارِي رَأْسَهُ أَوْ قَدَمَيْهِ غَطَّى رَأْسَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يجد كفنا إلا ما يواري رأسه أو قدميه‏)‏ أي رأسه مع بقية جسده إلا قدميه أو العكس، كأنه قال‏:‏ ما يواري جسده إلا رأسه، أو جسده إلا قدميه، وذلك بين من حديث الباب حيث قال ‏"‏ خرجت رجلاه ‏"‏ ولو كان المراد أنه يغطي رأسه فقط دون سائر جسده لكان تغطية العورة أولى‏.‏

ويستفاد منه أنه إذا لم يوجد ساتر البتة أنه يغطي جميعه بإذخر، فإن لم يوجد فبما تيسر من نبات الأرض، وسيأتي في كتاب الحج قول العباس ‏"‏ إلا الإذخر فإنه بيوتنا وقبورنا ‏"‏ فكأنها كانت عادة لهم استعماله في القبور، قال المهلب‏:‏ وإنما استحب لهم النبي صلى الله عليه وسلم التكفين في تلك الثياب التي ليست سابغة لأنهم قتلوا فيها انتهى‏.‏

وفي هذا الجزم نظر، بل الظاهر أنه لم يجد لهم غيرها كما هو مقتضى الترجمة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا شَقِيقٌ حَدَّثَنَا خَبَّابٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلَّا بُرْدَةً إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ الْإِذْخِرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا شقيق‏)‏ هو ابن سلمة أبو وائل، وخباب بمعجمة وموحدتين الأولى مثقلة هو ابن الأرت، والإسناد كله كوفيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يأكل من أجره شيئا‏)‏ كناية عن الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح، وكأن المراد بالأجر ثمرته، فليس مقصورا على أجر الآخرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أينعت‏)‏ بفتح الهمزة وسكون التحتانية وفتح النون أي نضجت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهو يهد بها‏)‏ بفتح أوله وكسر المهملة أي يجتنيها، وضبطه النووي بضم الدال، وحكى ابن التين تثليثها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما نكفنه به‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ به ‏"‏ من رواية غير أبي ذر، وسيأتي بقية الكلام على فوائده في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَنْ اسْتَعَدَّ الْكَفَنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من استعد الكفن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه‏)‏ ضبط في روايتنا بفتح الكاف على البناء للمجهول وحكي الكسر على أن فاعل الإنكار النبي صلى الله عليه وسلم، وحكى الزين بن المنير عن بعض الروايات فلم ينكره بهاء بدل عليه وهو بمعني الرواية التي بالكسر، وإنما قيد الترجمة بذلك ليشير إلى أن الإنكار الذي وقع من الصحابة كان على الصحابي في طلب البردة فلما أخبرهم بعذره لم ينكروا ذلك عليه، فيستفاد منه جواز تحصيل ما لا بد للميت منه من كفن ونحوه في حال حياته، وهل يلتحق بذلك حفر القبر‏؟‏ فيه بحث سيأتي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ قَالُوا الشَّمْلَةُ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ فَقَالَ اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا قَالَ الْقَوْمُ مَا أَحْسَنْتَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ قَالَ إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي قَالَ سَهْلٌ فَكَانَتْ كَفَنَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن امرأة‏)‏ لم أقف على اسمها‏.‏

قوله ‏(‏فيها حاشيتها‏)‏ قال الداودي يعني إنها لم تقطع من ثوب فتكون بلا حاشية‏.‏

وقال غيره حاشية الثوب هدبه فكأنه قال إنها جديدة لم يقطع هدبها ولم تلبس بعد‏.‏

وقال القزاز‏:‏ حاشيتا الثوب ناحيتاه اللتان في طرفهما الهدب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتدرون‏)‏ هو مقول سهل بن سعد بينه أبو غسان عن أبي حازم كما أخرجه المصنف في الأدب ولفظه ‏"‏ فقال سهل للقوم أتدرون ما البردة‏؟‏ قالوا‏:‏ الشملة‏"‏‏.‏

انتهى‏.‏

وفي تفسير البردة بالشملة تجوز لأن البردة كساء والشملة ما يشتمل به فهي أعم، لكن لما كان أكثر اشتمالهم بها أطلقوا عليها اسمها‏.‏

قوله ‏(‏فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها‏)‏ كأنهم عرفوا ذلك بقرينة حال أو تقدم قول صريح‏.‏

قوله ‏(‏فخرج إلينا وإنها إزاره‏)‏ في رواية ابن ماجه عن هشام بن عمار عن عبد العزيز ‏"‏ فخرج إلينا فيها ‏"‏ وفي رواية هشام بن سعد عن أبي حازم عند الطبراني ‏"‏ فاتزر بها ثم خرج‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فحسنها فلان فقال اكسنيها ما أحسنها‏)‏ كذا في جميع الروايات هنا بالمهملتين من التحسين‏.‏

وللمصنف في اللباس من طريق يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم ‏"‏ فجسها ‏"‏ بالجيم بغير نون وكذا للطبراني والإسماعيلي من طريق أخرى عن أبي حازم، وقوله ‏"‏فلان ‏"‏ أفاد المحب الطبري في الأحكام له أنه عبد الرحمن بن عوف، وعزاه للطبراني ولم أره في المعجم الكبير لا في مسند سهل ولا عبد الرحمن، ونقله شيخنا ابن الملقن عن المحب في شرح العمدة، وكذا قال لنا شيخنا الحافظ أبو الحسن الهيتمي إنه وقف عليه، لكن لم يستحضر مكانه، ووقع لشيخنا ابن الملقن في ‏"‏ شرح التنبيه ‏"‏ أنه سهل بن سعد وهو غلط فكأنه التبس على شيخنا اسم القائل باسم الراوي، نعم أخرج الطبراني الحديث المذكور عن أحمد بن عبد الرحمن بن يسار عن قتيبة بن سعيد عن يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل وقال في آخره ‏"‏ قال قتيبة هو سعد بن أبي وقاص ‏"‏ انتهى، وقد أخرجه البخاري في اللباس والنسائي في الزينة عن قتيبة ولم يذكرا عنه ذلك، وقد رواه ابن ماجة بسنده المتقدم وقال فيه ‏"‏ فجاء فلان رجل سماه يومئذ ‏"‏ وهو دال على أن الراوي كان ربما سماه‏.‏

ووقع في رواية أخرى للطبراني من طريق زمعة بن صالح عن أبي حازم أن السائل المذكور أعرابي، فلو لم يكن زمعة ضعيفا لانتفى أن يكون هو عبد الرحمن بن عوف أو سعد بن أبي وقاص، أو يقال تعددت القصة على ما فيه من بعد والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أحسنها‏)‏ بنصب النون وما للتعجب‏.‏

وفي رواية ابن ماجه والطبراني من هذا الوجه قال نعم فلما دخل طواها وأرسل بها إليه، وهو للمصنف في اللباس من طريق يعقوب بن عبد الرحمن بلفظ ‏"‏ فقال نعم فجلس ما شاء الله في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال القوم ما أحسنت‏)‏ ما نافية، وقد وقعت تسمية المعاتب له من الصحابة في طريق هشام بن سعد المذكورة ولفظه قال سهل فقلت للرجل لم سألته وقد رأيت حاجته إليها‏؟‏ فقال‏:‏ رأيت ما رأيتم، ولكن أردت أن أخبأها حتى أكفن فيها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه لا يرد‏)‏ كذا وقع هنا بحذف المفعول، وثبت في رواية ابن ماجه بلفظ ‏"‏ لا يرد سائلا ‏"‏ ونحوه في رواية يعقوب في البيوع‏.‏

وفي رواية أبي غسان في الأدب لا يسأل شيئا فيمنعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما سألته لألبسها‏)‏ في رواية أبي غسان ‏"‏ فقال رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وأفاد الطبراني في رواية زمعة بن صالح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يصنع له غيرها فمات قبل أن تفرغ‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وسعة جوده وقبوله الهدية، واستنبط منه المهلب جواز ترك مكافأة الفقير على هديته، وليس ذلك بظاهر منه فإن المكافأة كانت عادة النبي صلى الله عليه وسلم مستمرة فلا يلزم من السكوت عنها هنا أن لا يكون فعلها، بل ليس في سياق هذا الحديث الجزم بكون ذلك كان هدية فيحتمل أن تكون عرضتها عليه ليشتريها منها، قال‏:‏ وفيه جواز الاعتماد على القرائن ولو تجردت لقولهم ‏"‏ فأخذها محتاجا إليها ‏"‏ وفيه نظر لاحتمال أن يكون سبق لهم منه قول يدل على ذلك كما تقدم‏.‏

قال‏:‏ وفيه الترغيب في المصنوع بالنسبة إلى صانعه إذا كان ماهرا، ويحتمل أن تكون أرادت بنسبته إليها إزالة ما يخشى من التدليس‏.‏

وفيه جواز استحسان الإنسان ما يراه على غيره من الملابس وغيرها إما ليعرفه قدرها وأما ليعرض له بطلبه منه حيث يسوغ له ذلك‏.‏

وفيه مشروعية الإنكار عند مخالفة الأدب ظاهرا وإن لم يبلغ المنكر درجة التحريم‏.‏

وفيه التبرك بآثار الصالحين وقال ابن بطال‏.‏

فيه جواز إعداد الشيء قبل وقت الحاجة إليه، قال‏:‏ وقد حفر جماعة من الصالحين قبورهم قبل الموت‏.‏

وتعقبه الزين بن المنير بأن ذلك لم يقع من أحد من الصحابة، قال‏:‏ ولو كان مستحبا لكثر فيهم‏.‏

وقال بعض الشافعية‏:‏ ينبغي لمن استعد شيئا من ذلك أن يجتهد في تحصيله من جهة يثق بحلها أو من أثر من يعتقد فيه الصلاح والبركة‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 12:27 AM   #429
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الْجَنَائِزَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب اتباع النساء الجنازة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ فصل المصنف بين هذه الترجمة وبين فضل اتباع الجنائز بتراجم كثيرة تشعر بالتفرقة بين النساء‏.‏

والرجال، وأن الفضل الثابت في ذلك يختص بالرجال دون النساء لأن النهي يقتضي التحريم أو الكراهة، والفضل يدل على الاستحباب، ولا يجتمعان‏.‏

وأطلق الحكم هنا لما يتطرق إليه من الاحتمال، ومن ثم اختلف العلماء في ذلك‏.‏

ولا يخفى أن محل النزاع إنما هو حيث تؤمن المفسدة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أُمِّ الْهُذَيْلِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري وأم الهذيل هي حفصة بنت سيرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهينا‏)‏ تقدم في الحيض من رواية هشام بن حسان عن حفصة عنها بلفظ ‏"‏ كنا نهينا عن اتباع الجنائز ‏"‏ ورواه يزيد بن أبي حكيم عن الثوري بإسناد هذا الباب بلفظ ‏"‏ نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي وفيه رد على من قال‏:‏ لا حجة في هذا الحديث لأنه لم يسم الناهي فيه، لما رواه الشيخان وغيرهما أن كل ما ورد بهذه الصيغة كان مرفوعا وهو الأصح عند غيرهما من المحدثين، ويؤيد رواية الإسماعيلي ما رواه الطبراني من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية عن جدته أم عطية قالت ‏"‏ لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جمع النساء في بيت ثم بعث إلينا عمر فقال‏:‏ إني رسول رسول الله إليكن، بعثني إليكن لأبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا ‏"‏ الحديث، وفي آخره ‏"‏ وأمرنا أن نخرج في العيد العواتق، ونهانا أن نخرج في جنازة ‏"‏ وهذا يدل على أن رواية أم عطية الأولى من مرسل الصحابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يعزم علينا‏)‏ أي ولم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات، فكأنها قالت‏:‏ كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ ظاهر سياق أم عطية أن النهي نهي تنزيه، وبه قال جمهور أهل العلم، ومال مالك إلى الجواز وهو قول أهل المدينة‏.‏

ويدل على الجواز ما رواه ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة فرأى عمر امرأة فصاح بها فقال ‏"‏ دعها يا عمر ‏"‏ الحديث‏.‏

وأخرجه ابن ماجه والنسائي من هذا الوجه، ومن طريق أخرى عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سلمة بن الأزرق عن أبي هريرة ورجاله ثقات‏.‏

وقال المهلب‏:‏ في حديث أم عطية دلالة على أن النهي من الشارع على درجات‏.‏

وقال الداودي‏:‏ قولها ‏"‏ نهينا عن اتباع الجنائز ‏"‏ أي إلى أن نصل إلى القبور، وقوله ‏"‏ولم يعزم علينا ‏"‏ أي أن لا نأتي أهل الميت فنعزيهم ونترحم على ميتهم من غير أن نتبع جنازته انتهى‏.‏

وفي أخذ هذا التفصيل من هذا السياق نظر، نعم هو في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى فاطمة مقبلة فقال‏:‏ من أين جئت‏؟‏ فقالت‏:‏ رحمت على أهل هذا الميت ميتهم‏.‏

فقال‏:‏ لعلك بلغت معهم الكدى‏؟‏ قالت‏:‏ لا ‏"‏ الحديث أخرجه أحمد والحاكم وغيرهما‏.‏

فأنكر عليها بلوغ الكدى، وهو بالضم وتخفيف الدال المقصورة وهي المقادير، ولم ينكر عليها التعزية‏.‏

وقال المحب الطبري‏:‏ يحتمل أن يكون المراد بقولها ‏"‏ ولم يعزم علينا ‏"‏ أي كما عزم على الرجال بترغيبهم في اتباعها بحصول القيراط ونحو ذلك، والأول أظهر‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب إِحْدَادِ الْمَرْأَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب إحداد المرأة على غير زوجها‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ الإحداد بالمهملة امتناع المرأة المتوفى عنها زوجها من الزينة كلها من لباس وطيب وغيرهما وكل ما كان من دواعي الجماع‏.‏

وأباح الشارع للمرأة أن تحد على غير زوجها ثلاثة أيام لما يغلب من لوعة الحزن ويهجم من ألم الوجد، وليس ذلك واجبا لاتفاقهم على أن الزوج لو طالبها بالجماع لم يحل لها منعه من تلك الحال، وسيأتي قي كتاب الطلاق بقية الكلام على مباحث الإحداد‏.‏

وقوله في الترجمة ‏"‏ على غير زوجها ‏"‏ يعم كل ميت غير الزوج سواء كان قريبا أو أجنبيا، ودلالة الحديث له ظاهرة، ولم يقيده في الترجمة بالموت لأنه يختص به عرفا، ولم يبين حكمه لأن الخبر دل على عدم التحريم في الثلاث وأقل ما يقتضيه إثبات المشروعية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ تُوُفِّيَ ابْنٌ لِأُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ دَعَتْ بِصُفْرَةٍ فَتَمَسَّحَتْ بِهِ وَقَالَتْ نُهِينَا أَنْ نُحِدَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ إِلَّا بِزَوْجٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما كان يوم الثالث‏)‏ كذا للأكثر وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، وللمستملي ‏"‏ اليوم الثالث‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏دعت بصفرة‏)‏ سيأتي الكلام عليها قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهينا‏)‏ رواه أيوب عن ابن سيرين بلفظ ‏"‏ أمرنا بأن لا نحد على هالك فوق ثلاث ‏"‏ الحديث أخرجه عبد الرزاق، وللطبراني من طريق قتادة عن ابن سيرين عن أم عطية قالت ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ فذكره معناه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن نحد‏)‏ بضم أوله من الرباعي، ولم يعرف الأصمعي غيره، وحكى غيره فتح أوله وضم ثانيه من الثلاثي يقال حدت المرأة وأحدت بمعنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا بزوج‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ إلا لزوج ‏"‏ باللام، ووقع في العدد من طريقه بلفظ ‏"‏ إلا على زوج ‏"‏ والكل بمعنى السببية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ لَمَّا جَاءَ نَعْيُ أَبِي سُفْيَانَ مِنْ الشَّأْمِ دَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِصُفْرَةٍ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَمَسَحَتْ عَارِضَيْهَا وَذِرَاعَيْهَا وَقَالَتْ إِنِّي كُنْتُ عَنْ هَذَا لَغَنِيَّةً لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن زينب بنت أبي سلمة‏)‏ هي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وصرح في العدد بالإخبار بينها وبين حمد بن نافع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نعي‏)‏ بفتح النون وسكون المهملة وتخفيف الياء - وكسر المهملة وتشديد الياء - هو الخبر بموت الشخص، وأبو سفيان هو ابن حرب بن أمية والد معاوية‏.‏

قوله ‏(‏دعت أم حبيبة‏)‏ هي بنت أبي سفيان المذكور‏.‏

وفي قوله ‏"‏ من الشام ‏"‏ نظر، لأن أبا سفيان مات بالمدينة بلا خلاف بين أهل العلم بالأخبار، والجمهور على أنه مات سنة اثنتين وثلاثين وقيل سنة ثلاث، ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييده بذلك إلا في رواية سفيان بن عيينة هذه وأظنها وهما، وكنت أظن أنه حذف منه لفظ ‏"‏ ابن ‏"‏ لأن الذي جاء نعيه من الشام وأم حبيبة في الحياة هو أخوها يزيد بن أبي سفيان الذي كان أميرا على الشام، لكن رواه المصنف في العدد من طريق مالك ومن طريق سفيان الثوري كلاهما عن عبد الله بن بكر بن حزم عن حميد بن نافع بلفظ ‏"‏ حين توفي عنها أبوها أبو سفيان بن حرب ‏"‏ فظهر أنه لم يسقط منه شيء، ولم يقل فيه واحد منهما من الشام، وكذا أخرجه ابن سعد في ترجمة أم حبيبة من طريق صفية بنت أبي عبيد عنها‏.‏

ثم وجدت الحديث في مسند ابن أبي شيبة قال ‏"‏ حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن حميد بن نافع - ولفظه - جاء نعي أخي أم حبيبة أو حميم لها فدعت بصفرة فلطخت به ذراعيها ‏"‏ وكذا رواه الدارمي عن هاشم بن القاسم عن شعبة لكن بلفظ ‏"‏ إن أخا لأم حبيبة مات أو حميما لها ‏"‏ ورواه أحمد عن حجاج ومحمد بن جعفر جميعا عن شعبة بلفظ ‏"‏ أن حميما لها مات ‏"‏ من غير تردد، وإطلاق الحميم على الأخ أقرب من إطلاقه على الأب، فقوي الظن عند هذا أن تكون القصة تعددت لزينب مع أم حبيبة عند وفاة أخيها يزيد ثم عند وفاة أبيها أبي سفيان لا مانع من ذلك‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بصفرة‏)‏ في رواية مالك المذكورة ‏"‏ بطيب فيه صفرة خلوق ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها ‏"‏ أي بعارضي نفسها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ بِهِ ثُمَّ قَالَتْ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك‏.‏

وساق الحديث هنا من طريق مالك مختصرا، وأورده مطولا من طريقه في العدد كما سيأتي‏.‏

قوله ‏(‏ثم دخلت‏)‏ هو مقول زينب بنت أم سلمة، وهو مصرح به في الرواية التي في العدد وظاهره أن هذه القصة وقعت بعد قصة أم حبيبة، ولا يصح ذلك إلا إن قلنا بالتعدد، ويكون ذلك عقب وفاة يزيد بن أبي سفيان لأن وفاته سنة ثمان عشرة أو تسع عشرة، ولا يصح أن يكون ذلك عند وفاة أبيه لأن زينب بنت جحش ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح المشهور عند أهل العلم بالأخبار، فيحمل على أنها لم ترد ترتيب الوقائع وإنما أرادت ترتيب الأخبار‏.‏

وقد وقع في رواية أبي داود بلفظ ‏"‏ ودخلت ‏"‏ وذلك لا يقتضي الترتيب والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين توفي أخوها‏)‏ لم أتحقق من المراد به، لأن لزينب ثلاثة إخوة‏:‏ عبد الله وعبد يغير إضافة وعبيد الله بالتصغير، فأما الكبير فاستشهد بأحد وكانت زينب إذ ذاك صغيرة جدا لأن أباها أبا سلمة مات بعد بدر وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أمها أم سلمة وهي صغيرة ترضع كما سيأتي في الرضاع أن أمها حلت من عدتها من أبي سلمة بوضع زينب هذه، فانتفى أن يكون هو المراد هنا، وإن كان وقع في كثير من الموطآت بلفظ ‏"‏ حين توفي أخوها عبد الله ‏"‏ كما أخرجه الدارقطني من طريق ابن وهب وغيره عن مالك، وأما عبد بغير إضافة فيعرفه بأبي حميد وكان شاعرا أعمى وعاش إلى خلافة عمر، وقد جزم إسحاق وغيره من أهل العلم بالأخبار بأنه مات بعد أخته زينب بسنة، وروى ابن سعد في ترجمتها في الطبقات من وجهين أن أبا حميد المذكور حضر جنازة زينب مع عمر وحكي عنه مراجعة له بسببها، وإن كان في إسنادهما الواقدي لكن يستشهد به في مثل هذا، فانتفى أن كون هذا الأخير المراد، وأما عبيد الله المصغر فأسلم قديما وهاجر بزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى الحبشة ثم تنصر هناك ومات فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعده أم حبيبة، فهذا يحتمل أن يكون هو المراد لأن زينب بنت أبي سلمة عندما جاء الخبر بوفاة عبيد الله كانت في سن من يضبط، ولا مانع أن يحزن المرء على قريبه الكافر ولا سيما إذا تذكر سوء مصيره‏.‏

ولعل الرواية التي في الموطأ ‏"‏ حين توفي أخوها عبد الله ‏"‏ كانت عبيد الله بالتصغير فلم يضبطها الكاتب والله أعلم‏.‏

ويعكر على هذا قول من قال إن عبيد الله مات بأرض الحبشة فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم حبيبة، فإن ظاهرها أن تزوجها كان بعد موت عبيد الله، وتزويجها وقع وهي بأرض الحبشة وقبل أن تسمع النهي، وأيضا ففي السياق ‏"‏ ثم دخلت على زينب ‏"‏ بعد قولها دخلت على أم حبيبة، وهو ظاهر في أن ذلك كان بعد موت قريب زينب بنت جحش المذكور وهو بعد مجيء أم حبيبة من الحبشة بمدة طويلة، فإن لم يكن هذا الظن هو الواقع احتمل أن يكون أخا لزينب بنت جحش من أمها أو من الرضاعة، أو يرجح ما حكاه ابن عبد البر وغيره من أن زينب بنت أبى سلمة ولدت بأرض الحبشة فإن مقتضى ذلك أن يكون لها عند وفاة عبد الله بن جحش أربع سنين، وما مثلها يضبط في مثلها والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمست به‏)‏ أي شيئا من جسدها، وسيأتي في الطريق التي في العدد بلفظ ‏"‏ فمست منه ‏"‏ وسيأتي فيه لزينب حديث آخر عن أمها أم سلمة في الإحداد أيضا، وسيأتي الكلام على الأحاديث الثلاثة مستوفي إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب زِيَارَةِ الْقُبُورِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب زيارة القبور‏)‏ أي مشروعيتها وكأنه لم يصرح بالحكم لما فيه من الخلاف كما سيأتي، وكأن المصنف لم يثبت على شرطه الأحاديث المصرحة بالجواز، وقد أخرجه مسلم من حديث بريدة وفيه نسخ النهي عن ذلك ولفظه ‏"‏ كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها ‏"‏ وزاد أبو داود والنسائي من حديث أنس ‏"‏ فإنها تذكر الآخرة ‏"‏ وللحاكم من حديثه فيه ‏"‏ وترق القلب وتدمع العين، فلا تقولوا هجرا ‏"‏ أي كلاما فاحشا، وهو بضم الهاء وسكون الجيم وله من حديث ابن مسعود ‏"‏ فإنها تزهد في الدنيا ‏"‏ ولمسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ زوروا القبور فإنها تذكر الموت ‏"‏ قال النووي تبعا للعبدري والحازمي وغيرهما‏:‏ اتفقوا على أن زيارة القبور للرجال جائزة‏.‏

كذا أطلقوا، وفيه نظر لأن ابن أبي شيبة وغيره روى عن ابن سيرين وإبراهيم النخعي والشعبي الكراهة مطلقا حتى قال الشعبي‏:‏ لولا نهي النبي صلى الله عليه وسلم لزرت قبر ابنتي‏.‏

فلعل من أطلق أراد بالاتفاق ما استقر عليه الأمر بعد هؤلاء، وكأن هؤلاء لم يبلغهم الناسخ والله أعلم‏.‏

ومقابل هذا قول ابن حزم‏:‏ إن زيارة القبور واجبة ولو مرة واحدة في العمر لورود الأمر به‏.‏

واختلف في النساء فقيل‏:‏ دخلن في عموم الإذن وهو قول الأكثر، ومحله ما إذا أمنت الفتنة ويؤيد الجواز حديث الباب، وموضع الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر، وتقريره حجة‏.‏

وممن حمل الإذن على عمومه للرجال والنساء عائشة فروى الحاكم من طريق ابن أبي مليكة أنه رآها زارت قبر أخيها عبد الرحمن ‏"‏ فقيل لها‏:‏ أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك‏؟‏ قالت نعم، كان نهي ثم أمر بزيارتها ‏"‏ وقيل الإذن خاص بالرجال ولا يجوز للنساء زيارة القبور، وبه جزم الشيخ أبو إسحاق في ‏"‏ المهذب ‏"‏ واستدل له بحديث عبد الله بن عمرو الذي تقدمت الإشارة إليه في ‏"‏ باب اتباع النساء الجنائز ‏"‏ وبحديث ‏"‏ لعن الله زوارات القبور ‏"‏ أخرجه الترمذي وصححه من حديث أبي هريرة، وله شاهد من حديث ابن عباس ومن حديث حسان بن ثابت‏.‏

واختلف من قال بالكراهة في حقهن هل هي كراهة تحريم أو تنزيه‏؟‏ قال القرطبي‏:‏ هذا اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصفة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج وما ينشأ منهن من الصياح ونحو ذلك، فقد يقال‏:‏ إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي قَالَتْ إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ لَمْ أَعْرِفْكَ فَقَالَ إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بامرأة‏)‏ لم أقف على اسمها ولا اسم صاحب القبر‏.‏

وفي رواية لمسلم ما يشعر بأنه ولدها ولفظه ‏"‏ تبكي على صبي لها ‏"‏ وصرح به في مرسل يحيى بن أبي كثير عند عبد الرزاق ولفظه ‏"‏ قد أصيبت بولدها ‏"‏ وسيأتي في أوائل كتاب الأحكام من طريق أخرى عن شعبة عن ثابت ‏"‏ أن أنسا قال لامرأة من أهله‏:‏ تعرفين فلانة‏؟‏ قالت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم مر بها ‏"‏ فذكر هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال اتقي الله‏)‏ في رواية أبي نعيم في المستخرج ‏"‏ فقال يا أمة الله اتقي الله ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ الظاهر أنه كان في بكائها قدر زائد من نوح أو غيره، ولهذا أمرها بالتقوى‏.‏

قلت‏:‏ يؤيده أن في مرسل يحيى بن أبي كثير المذكور ‏"‏ فسمع منها ما يكره فوقف عليها ‏"‏ وقال الطيبي‏:‏ قوله ‏"‏ اتقي الله ‏"‏ توطئة لقوله ‏"‏ واصبري ‏"‏ كأنه قيل لها خافي غضب الله إن لم تصبري ولا تجزعي ليحصل لك الثواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إليك عني‏)‏ هو من أسماء الأفعال، ومعناها تنح وابعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم تصب بمصيبتي‏)‏ سيأتي في الأحكام من وجه آخر عن شعبة بلفظ ‏"‏ فإنك خلو من مصيبتي ‏"‏ وهو بكسر المعجمة وسكون اللام، ولمسلم ‏"‏ ما تبالي بمصيبتي ‏"‏ ولأبي يعلى من حديث أبي هريرة أنها قالت ‏"‏ يا عبد الله إني أنا الحرى الثكلي، ولو كنت مصابا عذرتني‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم تعرفه‏)‏ جملة حالية أي خاطبته بذلك ولم تعرف أنه رسول الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقيل لها‏)‏ في رواية الأحكام ‏"‏ فمر بها رجل فقال لها‏:‏ إنه رسول الله، فقالت‏:‏ ما عرفته ‏"‏ وفي رواية أبي يعلى المذكورة ‏"‏ قال فهل تعرفينه‏؟‏ قالت‏:‏ لا ‏"‏ وللطبراني في الأوسط من طريق عطية عن أنس أن الذي سألها هو الفضل بن العباس، وزاد مسلم في رواية له ‏"‏ فأخذها مثل الموت ‏"‏ أي من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه صلى الله عليه وسلم خجلا منه ومهابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم تجد عنده بوابين‏)‏ في رواية الأحكام ‏"‏ بوابا ‏"‏ بالإفراد قال الزين بن المنير‏:‏ فائدة هذه الجملة من هذا الخبر بيان عذر هذه المرأة في كونها لم تعرفه، وذلك أنه كان من شأنه أن لا يتخذ بوابا مع قدرته على ذلك تواضعا، وكان من شأنه أنه لا يستتبع الناس وراءه إذا مشى كما جرت عادة الملوك والأكابر، فلذلك اشتبه على المرأة فلم تعرفه مع ما كانت فيه من شاغل الوجد والبكاء‏.‏

وقال الطيبي‏:‏ فائدة هذه الجملة أنه لما قيل لها إنه النبي صلى الله عليه وسلم استشعرت خوفا وهيبة في نفسها فتصورت أنه مثل الملوك له حاجب وبواب يمنع الناس من الوصول إليه، فوجدت الأمر بخلاف ما تصورته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالت‏:‏ لم أعرفك‏)‏ في حديث أبي هريرة ‏"‏ فقالت والله ما عرفتك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما الصبر عند الصدمة الأولى‏)‏ في رواية الأحكام ‏"‏ عند أول صدمة ‏"‏ ونحوه لمسلم، والمعني إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر، وأصل الصدم ضرب الشيء الصلب بمثله فاستعير للمصيبة الواردة على القلب، قال الخطابي‏:‏ المعنى أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة، بخلاف ما بعد ذلك فإنه على الأيام يسلو‏.‏

وحكى الخطابي عن غيره أن المرء لا يؤجر على المصيبة لأنها ليست من صنعه، وإنما يؤجر على حسن تثبته وجميل صبره‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ أراد أن لا يجتمع عليها مصيبة الهلاك وفقد الأجر‏.‏

وقال الطيبي‏:‏ صدر هذا الجواب منه صلى الله عليه وسلم عن قولها لم أعرفك على أسلوب الحكيم كأنه قال لها‏:‏ دعي الاعتذار فإني لا أغضب لغير الله وانظري لنفسك‏.‏

وقال الزين بن المنير‏:‏‏.‏

فائدة جواب المرأة بذلك أنها لما جاءت طائعة لما أمرها به من التقوى والصبر معتذرة عن قولها الصادر عن الحزن بين لها أن حق هذا الصبر أن يكون في أول الحال، فهو الذي يترتب عليه الثواب انتهى‏.‏

ويؤيده أن في رواية أبي هريرة المذكورة ‏"‏ فقالت أنا أصبر، أنا أصبر ‏"‏ وفي مرسل يحيى بن أبي كثير المذكور ‏"‏ فقال اذهبي إليك، فإن الصبر عند الصدمة الأولى ‏"‏ وزاد عبد الرزاق فيه من مرسل الحسن ‏"‏ والعبرة لا يملكها ابن آدم‏"‏‏.‏

وذكر هذا الحديث في زيارة القبور مع احتمال أن تكون المرأة المذكورة تأخرت بعد الدفن عند القبر والزيارة إنما تطلق على من أنشأ إلى القبر قصدا من جهة استواء الحكم في حقها حيث أمرها بالتقوى والصبر لما رأى من جزعها ولم ينكر عليها الخروج من بيتها فدل على أنه جائز، وهو أعم من أن يكون خروجها لتشييع ميتها فأقامت عند القبر بعد الدفن أو أنشأت قصد زيارته بالخروج بسبب الميت‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم ما كان فيه صلى الله عليه وسلم من التواضع والرفق بالجاهل، ومسامحة المصاب وقبول اعتذاره، وملازمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏

وفيه أن القاضي لا ينبغي له أن يتخذ من يحجبه عن حوائج الناس، وأن من أمر بمعروف ينبغي له أن يقبل ولو لم يعرف الآمر‏.‏

وفيه أن الجزع من المنهيات لأمره لها بالتقوى مقرونا بالصبر‏.‏

وفيه الترغيب في احتمال الأذى عند بذل النصيحة ونشر الموعظة، وأن المواجهة بالخطاب إذا لم تصادف المنوي لا أثر لها‏.‏

وبني عليه بعضهم ما إذا قال يا هند أنت طالق فصادف عمرة أن عمرة لا تطلق‏.‏

واستدل به على جواز زيارة القبور سواء كان الزائر رجلا أو امرأة كما تقدم، وسواء كان المزور مسلما أو كافرا، لعدم الاستفصال في ذلك‏.‏

قال النووي‏:‏ وبالجواز قطع الجمهور‏.‏

وقال صاحب الحاوي‏:‏ لا تجوز زيارة قبر الكافر، وهو غلط انتهى‏.‏

وحجة الماوردي قوله تعالى ‏(‏ولا تقم على قبره‏)‏ ، وفي الاستدلال به نظر لا يخفى‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال الزين بن المنير‏:‏ قدم المصنف ترجمة زيارة القبور على غيرها من أحكام تشييع الجنازة وما بعد ذلك مما يتقدم الزيارة لأن الزيارة يتكرر وقوعها فجعلها أصلا ومفتاحا لتلك الأحكام انتهى ملخصا‏.‏

وأشار أيضا إلى أن مناسبة ترجمة زيارة القبور تناسب اتباع النساء الجنائز، فكأنه أراد حصر الأحكام المتعلقة بخروج النساء متوالية‏.‏

والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 09:55 PM   #430
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ فَهُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَهُوَ كَقَوْلِهِ وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ ذُنُوبًا إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَمَا يُرَخَّصُ مِنْ الْبُكَاءِ فِي غَيْرِ نَوْحٍ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يعذب الميت ببعض بكاء أهله إذا كان النوح من سنته‏)‏ هذا تقييد من المصنف لمطلق الحديث وحمل منه لرواية ابن عباس المقيدة بالبعضية على رواية ابن عمر المطلقة كما ساقه في الباب عنهما، وتفسير منه للبعض المبهم في رواية ابن عباس بأنه النوح، ويؤيده أن المحذور بعض البكاء لا جميعه كما سيأتي بيانه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا كان النوح من سنته‏)‏ يوهم أنه بقية الحديث المرفوع، وليس كذلك بل هو كلام المصنف قاله تفقها، وبقية السياق يرشد إلى ذلك، وهذا الذي جزم به هو أحد الأقوال في تأويل الحديث المذكور كما سيأتي بيانه‏.‏
واختلف في ضبط قوله ‏"‏ من سنته ‏"‏ فللأكثر في الموضعين بضم المهملة وتشديد النون أي طريقته وعادته، وضبط بعضهم بفتح المهملة بعدها موحدتان الأولى مفتوحة أي من أجله، قال صاحب المطالع‏:‏ حكي عن أبي الفضل بن ناصر أنه رجح هذا وأنكر الأول فقال‏:‏ وأي سنه للميت‏؟‏ انتهى‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ بل الأول أولى لإشعاره بالعناية بذلك إذ لا يقال من سنته إلا عند غلبة ذلك عليه واشتهاره به‏.‏
قلت‏:‏ وكأن البخاري ألهم هذا الخلاف فأشار إلى ترجيح الأول حيث استشهد بالحديث الذي فيه‏:‏ لأنه أول من سن القتل، فإنه يثبت ما استبعده ابن ناصر بقوله‏:‏ وأي سنة للميت‏؟‏ وأما تعبير المصنف بالنوح فمراده ما كان من البكاء بصياح وعويل، وما يلتحق بذلك من لطم خد وشق جيب وغير ذلك من المنهيات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقول الله تعالى قوا أنفسكم وأهليكم نارا‏)‏ وجه الاستدلال لما ذهب إليه من هذه الآية أن هذا الأمر عام في جهات الوقاية ومن جملتها أن لا يكون الأصل مولعا بأمر منكر لئلا يجري أهله عليه بعده، أو يكون قد عرف أن لأهله عادة بفعل أمر منكر وأهمل نهيهم عنه فيكون لم يق نفسه ولا أهله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ كلكم راع الحديث‏)‏ هو طرف من حديث لابن عمر تقدم موصولا في الجمعة، ووجه الاستدلال منه ما تقدم، لأن من جملة رعايته لهم أن يكون الشر من طريقته فيجري أهله عليه أو يراهم يفعلون الشر فلا ينهاهم عنه فيسأل عن ذلك ويؤاخذ به‏.‏
وقد تعقب استدلال البخاري بهذه الآية والحديث على ما ذهب إليه من حمل حديث الباب عليه لأن الحديث ناطق بأن الميت يعذب ببكاء أهله، والآية والحديث يقتضيان أنه يعذب بسنته فلم يتحد الموردان، والجواب أنه لا مانع في سلوك طريق الجمع من تخصيص بعض العمومات وتقييد بعض المطلقات، فالحديث وإن كان دالا على تعذيب كل ميت بكل بكاء لكن دلت أدلة أخرى على تخصيص ذلك ببعض البكاء كما سيأتي توجيهه وتقييد ذلك بمن كانت تلك سنته أو أهمل النهي عن ذلك، فالمعنى على هذا أن الذي يعذب ببعض بكاء أهله من كان راضيا بذلك بأن تكون تلك طريقته إلخ، ولذلك قال المصنف ‏(‏فإذا لم يكن من سنته‏)‏ أي كمن كان لا شعور عنده بأنهم يفعلون شيئا من ذلك، أو أدى ما عليه بأن نهاهم فهذا لا مؤاخذة عليه بفعل غيره، ومن ثم قال ابن المبارك‏:‏ إذا كان ينهاهم في حياته ففعلوا شيئا من ذلك بعد وفاته لم يكن عليه شيء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فهو كما قالت عائشة‏)‏ أي كما استدلت عائشة بقوله تعالى ‏(‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏)‏ أي ولا تحمل حاملة ذنبا ذنب أخرى عنها، وهذا حمل منه لإنكار عائشة على أنها أنكرت عموم التعذيب لكل ميت بكي عليه‏.‏
وأما قوله ‏(‏وهو كقوله وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء‏)‏ فوقع في رواية أبي ذر وحده ‏"‏ وإن تدع مثقله ذنوبا إلى حملها ‏"‏ وليست ذنوبا في التلاوة وإنما هو في تفسير مجاهد فنقله المصنف عنه، وموقع التشبيه في قوله أن الجملة الأولى دلت على أن النفس المذنبة لا يؤاخذ غيرها بذنبها، فكذلك الثانية دلت على أن النفس المذنبة لا يحمل عنها غيرها شيئا من ذنوبها ولو طلبت ذلك ودعت إليه، ومحل ذلك كله إنما هو في حق من لم يكن له في شيء من ذلك تسبب، وإلا فهو يشاركه كما في قوله تعالى ‏(‏وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم‏)‏ وقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين‏"‏‏.‏
قوله ‏(‏وما يرخص من البكاء في غير نوح‏)‏ هذا معطوف على أول الترجمة وكأنه أشار بذلك إلى حديث عامر بن سعد عن أبي مسعود الأنصاري وقرظة بن كعب قالا ‏"‏ رخص لنا في البكاء عند المصيبة في غير نوح ‏"‏ أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني وصححه الحاكم، لكن ليس إسناده على شرط البخاري فاكتفى بالإشارة إليه واستغنى عنه بأحاديث الباب الدالة على مقتضاه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تقتل نفس ظلما الحديث‏)‏ هو طرف من حديث لابن مسعود وصله المصنف في الديات وغيرها، ووجه الاستدلال به أن القاتل المذكور يشارك من صنع صنيعه لكونه فتح له الباب ونهج له الطريق، فكذلك من كانت طريقته النوح على الميت يكون قد نهج لأهله تلك الطريقة فيؤاخذ على فعله الأول‏.‏
وحاصل ما بحثه المصنف في هذه الترجمة أن الشخص لا يعذب بفعل غيره إلا إذا كان له فيه تسبب، فمن أثبت تعذيب شخص بفعل غيره فمراده هذا، ومن نفاه فمراده ما إذا لم يكن له فيه تسبب أصلا والله أعلم‏.‏
وقد اعترض بعضهم على استدلال البخاري بهذا الحديث لأن ظاهره أن الوزر يختص بالبادئ دون من أتى بعده، فعلى هذا يختص التعذيب بأول من سن النوح على الموتى‏.‏
والجواب أنه ليس في الحديث ما ينفي الإثم عن غير البادئ فيستدل على ذلك بدليل آخر، وإنما أراد المصنف بهذا الحديث الرد على من يقول إن الإنسان لا يعذب إلا بذنب باشره بقوله أو فعله فأراد أن يبين أنه قد يعذب بفعل غيره إذا كان له فيه تسبب‏.‏
وقد اختلف العلماء في مسألة تعذيب الميت بالبكاء عليه فمنهم من حمله على ظاهره وهو بين من قصة عمر مع صهيب كما سيأتي في ثالث أحاديث هذا الباب، ويحتمل أن يكون عمر كان يرى أن المؤاخذة تقع على الميت إذا كان قادرا على النهي ولم يقع منه، فلذلك بادر إلى نهي صهيب، وكذلك نهى حفصة كما رواه مسلم من طريق نافع عن ابن عمر عنه، وممن أخذ بظاهره أيضا عبد الله ابن عمر فروى عبد الرزاق من طريقه أنه شهد جنازة رافع بن خديج فقال لأهله ‏"‏ إن رافعا شيخ كبير لا طاقة له بالعذاب، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ‏"‏ ويقابل قول هؤلاء قول من رد هذا الحديث وعارضه بقوله تعالى ‏(‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏)‏ وممن روي عنه الإنكار مطلقا أبو هريرة كما رواه أبو يعلى من طريق بكر بن عبد الله المزني قال‏:‏ قال أبو هريرة ‏"‏ والله لئن انطلق رجل مجاهد في سبيل الله فاستشهد فعمدت امرأته سفها وجهلا فبكت عليه ليعذبن هذا الشهيد بذنب هذه السفيهة ‏"‏ وإلى هذا جنح جماعة من الشافعية منهم أبو حامد وغيره، ومنهم من أول قوله ‏"‏ ببكاء أهله عليه ‏"‏ على أن الباء للحال، أي أن مبدأ عذاب الميت يقع عند بكاء أهله عليه، وذلك أن شدة بكائهم غالبا إنما تقع عند دفنه، وفي تلك الحالة يسأل ويبتدأ به عذاب القبر، فكأن معنى الحديث أن الميت يعذب حالة بكاء أهله عليه، ولا يلزم من ذلك أن يكون بكاؤهم سبا لتعذيبه حكاه الخطابي، ولا يخفى ما فيه من التكلف‏.‏
ولعل قائله إنما أخذه من قول عائشة ‏"‏ إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليعذب بمعصيته أو بذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن ‏"‏ أخرجه مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها، وعلى هذا يكون خاصا ببعض الموتى‏.‏
ومنهم من أوله على أن الرواي سمع بعض الحديث ولم يسمع بعضه، وأن اللام في الميت لمعهود معين كما جزم به القاضي أبو بكر الباقلاني وغيره، وحجتهم ما سيأتي في رواية عمرة عن عائشة في رابع أحاديث الباب، وقد رواه مسلم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري وزاد في أوله ‏"‏ ذكر لعائشة أن ابن عمر يقول أن الميت ليعذب ببكاء الحي، فقالت عائشة‏:‏ يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية ‏"‏ فذكرت الحديث‏.‏
ومنهم من أوله على أن ذلك مختص بالكافر وأن المؤمن لا يعذب بذنب غيره أصلا، وهو بين من رواية ابن عباس عن عائشة وهو ثالث أحاديث الباب‏.‏
وهذه التأويلات عن عائشة متخالفة، وفيه إشعار بأنها لم ترد الحديث بحديث آخر بل بما استشعرته من معارضه القرآن‏.‏
قال الداودي‏:‏ رواية ابن عباس عن عائشة أثبتت ما نفته عمرة وعروة عنها، إلا أنها خصته بالكافر لأنها أثبتت أن الميت يزداد عذابا ببكاء أهله، فأي فرق بين أن يزداد بفعل غيره أو يعذب ابتداء‏؟‏ وقال القرطبي‏:‏ إنكار عائشة ذلك وحكمها على الراوي بالتخطئة أو النسيان أو على أنه سمع بعضا ولم يسمع بعضا بعيد، لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون وهم جازمون فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح‏.‏
وقد جمع كثير من أهل العلم بين حديثي عمر وعائشة بضروب من الجمع‏:‏ أولها طريقة البخاري كما تقدم توجيهها‏.‏
ثانيها وهو أخص من الذي قبله ما إذا أوصى أهله بذلك وبه قال المزني وإبراهيم الحربي وآخرون من الشافعية وغيرهم حتى قال أبو الليث السمرقندي‏.‏
إنه قول عامة أهل العلم، وكذا نقله النووي عن الجمهور قالوا‏:‏ وكان معروفا للقدماء حتى قال طرفة بن العبد‏:‏ إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا ابنة معبد واعترض بأن التعذيب بسبب الوصية يستحق بمجرد صدور الوصية، والحديث دال على أنه إنما يقع عند وقوع الامتثال‏.‏
والجواب أنه ليس في السياق حصر، فلا يلزم من وقوعه عند الامتثال أنه لا يقع إذا لم يتمثلوا مثلا‏.‏
ثالثها يقع ذلك أيضا لمن أهمل نهي أهله عن ذلك، وهو قول داود وطائفة، ولا يخفى أن محله ما إذا لم يتحقق أنه ليست لهم بذلك عادة، ولا ظن أنهم يفعلون ذلك قال ابن المرابط‏:‏ إذا علم المرء بما جاء في النهي عن النوح وعرف أن أهله من شأنهم يفعلون ذلك ولم يعلمهم بتحريمه ولا زجرهم عن تعاطيه فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه لا بفعل غيره بمجرده‏.‏
رابعها معنى قوله ‏"‏ يعذب ببكاء أهله ‏"‏ أي بنظير ما يبكيه أهله به، وذلك أن الأفعال التي يعددون بها عليه غالبا تكون من الأمور المنهية فهم يمدحونه بها وهو يعذب بصنيعه ذلك وهو عين ما يمدحونه به، وهذا اختيار ابن حزم وطائفة، واستدل له بحديث ابن عمر الآتي بعد عشرة أبواب في قصة موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه ‏"‏ ولكن يعذب بهذا، وأشار إلى لسانه‏"‏‏.‏
قال ابن حزم‏:‏ فصح أن البكاء الذي يعذب به الإنسان ما كان منه باللسان إذ يندبونه برياسته التي جار فيها، وشجاعته التي صرفا في غير طاعة الله، وجوده الذي لم يضعه في الحق، فأهله يبكون عليه بهذه المفاخر وهو يعذب بذلك‏.‏
وقال الإسماعيلي كثر كلام العلماء في هذه المسألة وقال كل مجتهدا على حسب ما قدر له، ومن أحسن ما حضرني وجه لم أرهم ذكروه، وهو أنهم كانوا في الجاهلية يغيرون ويسبون ويقتلون، وكان أحدهم إذا مات بكته باكيته بتلك الأفعال المحرمة، فمعنى الخبر أن الميت يعذب بذلك الذي يبكي عليه أهله به، لأن الميت يندب بأحسن أفعاله، وكانت محاسن أفعالهم ما ذكر، وهي زيادة ذنب من ذنوبه يستحق العذاب عليها‏.‏
خامسها معنى التعذيب توبيخ الملائكة له بما يندبه أهله به كما روى أحمد من حديث أبي موسى مرفوعا ‏"‏ الميت يعذب ببكاء الحي، إذا قالت النائحة‏:‏ واعضداه واناصراه واكاسياه، جبذ الميت وقيل له‏:‏ أنت عضدها، أنت ناصرها، أنت كاسيها ‏"‏‏؟‏ ورواه ابن ماجه ‏"‏ يتعتع به ويقال‏:‏ أنت كذلك ‏"‏‏؟‏ ورواه الترمذي بلفظ ‏"‏ ما من ميت يموت فتقوم نادبته فتقول‏:‏ واجبلاه واسنداه أو شبه ذلك من القول إلا وكل به ملكان يلهزانه، أهكذا كنت ‏"‏‏؟‏ وشاهده ما روى المصنف في المغازي من حديث النعمان بن بشير قال ‏"‏ أغمي على عبد الله بن رواحة، فجعت أخته تبكي وتقول‏:‏ واجبلاه واكذا واكذا، فقال حين أفاق‏:‏ ما قلت شيئا إلا قيل لي أنت كذلك ‏"‏‏؟‏ سادسها معنى التعذيب تألم الميت بما يقع من أهله من النياحة وغيرها، وهذا اختيار أبي جعفر الطبري من المتقدمين، ورجحه ابن المرابط وعياض ومن تبعه ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين، واستشهدوا له بحديث قيلة بنت مخرمة وهي بفتح القاف وسكون التحتانية وأبوها بفتح الميم وسكون المعجمة ثقفية ‏"‏ قلت‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولدته فقاتل معك يوم الربذة ثم أصابته الحمى فمات ونزل علي البكاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفا، وإذا مات استرجع، فوالذي نفس محمد بيده إن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه، فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم ‏"‏ وهذا طرف من حديث طويل حسن الإسناد أخرجه ابن أبي خيثمة وابن أبي شيبة والطبراني وغيرهم‏.‏
وأخرج أبو داود والترمذي أطرافا منه‏.‏
قال الطبري‏:‏ ويؤيد ما قاله أبو هريرة أن أعمال العباد تعرض على أقربائهم من موتاهم، ثم ساقه بإسناد صحيح إليه، وشاهده حديث النعمان بن بشير مرفوعا أخرجه البخاري في تاريخه وصححه الحاكم، قال ابن المرابط‏:‏ حديث قيلة نص في المسألة فلا يعدل عنه‏.‏
واعترضه ابن رشيد بأنه ليس نصا، وإنما هو محتمل، فإن قوله ‏"‏ فيستعبر إليه صويحبه ‏"‏ ليس نصا في أن المراد به الميت، بل يحتمل أن يراد به صاحبه الحي، وأن الميت يعذب حينئذ ببكاء الجماعة عليه، ويحتمل أن يجمع بين هذه التوجيهات فينزل على اختلاف الأشخاص بأن يقال مثلا‏:‏ من كانت طريقته النوح فمشى أهله على طريقته أو بالغ بذلك عذب بصنعه، ومن كان ظالما فندب بأفعاله الجائرة عذب بما ندب به، ومن كان يعرف من أهله النياحة فأهمل نهيهم عنها فإن كان راضيا بذلك التحق بالأول وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ كي أهمل النهي، ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله عن المعصية ثم خالفوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربهم‏.‏
والله تعالى أعلم بالصواب‏.‏
وحكى الكرماني تفصيلا آخر وحسنه وهو التفرقة بين حال البرزخ وحال يوم القيامة، فيحمل قوله تعالى ‏(‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏)‏ على يوم القيامة، وهذا الحديث وما أشبهه على البرزخ‏.‏
ويؤيد ذلك أن مثل ذلك يقع في الدنيا، والإشارة إليه بقوله تعالى ‏(‏واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة‏)‏ فإنها دالة على جواز وقوع التعذيب على الإنسان بما ليس له فيه تسبب، فكذلك يمكن أن يكون الحال في البرزخ بخلاف يوم القيامة والله أعلم‏.‏
ثم أورد المصنف في الباب خمسة أحاديث‏:‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ وَمُحَمَّدٌ قَالَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَرْسَلَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلَامَ وَيَقُولُ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمَعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ قَالَ حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ كَأَنَّهَا شَنٌّ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا فَقَالَ هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبدان ومحمد‏)‏ هو ابن مقاتل، وعبد الله هو ابن المبارك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي عثمان‏)‏ هو النهدي كما صرح به في التوحيد من طريق حماد عن عاصم‏.‏
وفي رواية شعبة في أواخر الطب عن عاصم سمعت أبا عثمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هي زينب كما وقع في رواية أبي معاوية عن عاصم المذكور في مصنف ابن أبي شيبة‏.‏
قوله ‏(‏إن ابنا لي‏)‏ قيل هو علي بن أبي العاص بن الربيع، وهو من زينب كذا كتب الدمياطي بخطه في الحاشية، وفيه نظر لأنه لم يقع مسمى في شيء من طرق هذا الحديث‏.‏
وأيضا فقد ذكر الزبير بن بكار وغيره من أهل العلم بالأخبار أن عليا المذكور عاش حتى ناهز الحلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه على راحلته يوم فتح مكة، ومثل هذا لا يقال في حقه صبي عرفا، وإن جاز من حيث اللغة‏.‏
ووجدت في الأنساب للبلاذري أن عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات وضعه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره وقال ‏"‏ إنما يرحم الله من عباده الرحماء ‏"‏ وفي مسند البزار من حديث أبي هريرة قال ثقل ابن لفاطمة فبعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحو حديث الباب وفيه مراجعة سعد بن عبادة في البكاء، فعلى هذا فالابن المذكور محسن بن علي بن أبي طالب، وقد اتفق أهل العلم بالأخبار أنه مات صغيرا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا أولى أن يفسر به الابن إن ثبت أن القصة كانت لصبي ولم يثبت أن المرسلة زينب، لكن الصواب في حديث الباب أن المرسلة زينب وإن الولد صبية كما ثبت في مسند أحمد عن أبي معاوية بالسند المذكور ولفظه ‏"‏ أتي النبي صلى الله عليه وسلم بأمامة بنت زينب ‏"‏ زاد سعدان بن نصر في الثاني من حديثه عن أبي معاوية بهذا الإسناد ‏"‏ وهي لأبي العاص بن الربيع ونفسها تقعقع كأنها في شن ‏"‏ فذكر حديث الباب، وفيه مراجعة سعد بن عبادة‏.‏
وهكذا أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في معجمه عن سعدان، ووقع في رواية بعضهم أميمة بالتصغير، وهي أمامة المذكورة، فقد اتفق أهل العلم بالنسب أن زينب لم تلد لأبي العاص إلا عليا وأمامة فقط، وقد استشكل ذلك من حيث أن أهل العلم بالأخبار اتفقوا على أن أمامة بنت أبي العاص من زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى تزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة، ثم عاشت عند علي حتى قتل عنها‏.‏
ويجاب بأن المراد بقوله في حديث الباب ‏"‏ أن ابنا لي قبض ‏"‏ أي قارب أن يقبض، ويدل على ذلك أن في رواية حماد ‏"‏ أرسلت تدعوه إلى ابنها في الموت ‏"‏ وفي رواية شعبة ‏"‏ أن ابنتي قد حضرت ‏"‏ وهو عند أبي داود من طريقه أن ابني أو ابنتي، وقد قدمنا أن الصواب قول من قال ابنتي لا ابني، ومؤيده ما رواه الطبراني في ترجمة عبد الرحمن بن عوف في المعجم الكبير من طريق الوليد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال ‏"‏ استعز بأمامة بنت أبي العاص فبعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه تقول له ‏"‏ فذكر نحو حديث أسامة وفيه مراجعة سعد في البكاء وغير ذلك، وقوله في هذه الرواية ‏"‏ استعز ‏"‏ بضم المثناة وكسر المهملة وتشديد الزاي أي اشتد بها المرض وأشرفت على الموت، والذي يظهر أن الله تعالى أكرم نبيه صلى الله عليه وسلم لما سلم لأمر ربه وصبر ابنته ولم يملك مع ذلك عينيه من الرحمة والشفقة بأن عافى الله ابنة ابنته في ذلك الوقت فخلصت من تلك الشدة وعاشت تلك المدة، وهذا ينبغي أن يذكر في دلائل النبوة والله المستعان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقرئ السلام‏)‏ بضم أوله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن لله ما أخذ وله ما أعطى‏)‏ قدم ذكر الأخذ على الإعطاء - وإن كان متأخرا في الواقع - لما يقتضيه المقام، والمعنى أن الذي أراد الله أن يأخذه هو الذي كان أعطاه، فإن أخذه أخذ ما هو له، فلا ينبغي الجزع لأن مستودع الأمانة لا ينبغي له أن يجزع إذا استعيدت منه، ويحتمل أن يكون المراد بالإعطاء إعطاء الحياة لمن بقي بعد الميت، أو ثوابهم على المصيبة، أو ما هو أعم من ذلك‏.‏
و ‏"‏ ما ‏"‏ في الموضعين مصدرية، ويحتمل أن تكون موصولة والعائد محذوف، فعل الأول التقدير لله الأخذ والإعطاء، وعلى الثاني لله الذي أخذه من الأولاد وله ما أعطى منهم، أو ما هو أعم من ذلك كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكل‏)‏ أي من الأخذ والإعطاء - أو من الأنفس - أو ما هو أعم من ذلك، وهي جملة ابتدائية معطوفة على الجملة المؤكدة، ويجوز في كل النصب عطفا على اسم أن فينسحب التأكيد أيضا عليه، ومعنى العندية العلم فهو من مجاز الملازمة، والأجل يطلق على الحد الأخير وعلى مجموع العمر، و قوله ‏(‏مسمى‏)‏ أي معلوم مقدر أو نحو ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولتحتسب‏)‏ أي تنوي بصبرها طلب الثواب من ربها، ليحسب لها ذلك من عملها الصالح قوله ‏(‏فأرسلت إليه تقسم‏)‏ وقع في حديث عبد الرحمن بن عوف أنها راجعته مرتين وأنه إنما قام في ثالث مرة، وكأنها ألحت عليه في ذلك دفعا لما يظنه بعض أهل الجهل أنها ناقصة المكانة عنده، أو ألهمها الله تعالى أن حضور نبيه عندها يدفع عنها ما هي فيه من الألم ببركة دعائه وحضوره، فحقق الله ظنها‏.‏
والظاهر أنه امتنع أولا مبالغة في إظهار التسليم لربه، أو ليبين الجواز في أن من دعي لمثل ذلك لم تجب عليه الإجابة بخلاف الوليمة مثلا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقام ومعه‏)‏ في رواية حماد ‏"‏ فقام وقام معه رجال ‏"‏ وقد سمي منهم غير من ذكر في هذه الرواية عبادة بن الصامت وهو في رواية عبد الواحد في أوائل التوحيد‏.‏
وفي رواية شعبة أن أسامة راوي الحديث كان معهم‏.‏
وفي رواية عبد الرحمن بن عوف أنه كان معهم، ووقع في رواية شعبة في الأيمان والنور وأبي أو أبي كذا فيه بالشك هل قالها بفتح الهمزة وكسر الموحدة وتخفيف الياء أو بضم الهمزة وفتح الموحدة والتشديد، فعلى الأول يكون معهم زيد بن حارثة أيضا لكن الثاني أرجح لأنه ثبت في رواية هذا الباب بلفظ ‏"‏ وأبي بن كعب ‏"‏ والظاهر أن الشك فيه من شعبة لأن ذلك لم يقع في رواية غيره والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرفع‏)‏ كدا هنا بالراء‏.‏
وفي رواية حماد ‏"‏ فدفع ‏"‏ بالدال وبين في رواية شعبة أنه وضع في حجره صلى الله عليه وسلم‏.‏
وفي هذا السياق حذف والتقدير فمشوا إلى أن وصلوا إلى بيتها فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا فرفع، ووقع بعض هذا المحذوف في رواية عبد الواحد ولفظه ‏"‏ فلما دخلنا ناولوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونفسه تقعقع قال‏.‏
حسبت أنه قال كأنها شن‏)‏ كذا في هذه الرواية، وجزم بذلك في رواية حماد ولفظه ‏"‏ ونفسه تقعقع كأنها في شن ‏"‏ والقعقعة حكاية صوت الشيء اليابس إذا حرك، والشن بفتح المعجمة وتشديد النون القربة الخلقة اليابسة، وعلى الرواية الثانية شبه البدن بالجلد اليابس الخلق وحركة الروح فيه بما يطرح في الجلد من حصاة ونحوها‏.‏
وأما الرواية الأولى فكأنه شبه النفس بنفس الجلد وهو أبلغ قي الإشارة إلى شدة الضعف وذلك أظهر في التشبيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ففاضت عيناه‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم وصرح به في رواية شعبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال سعد‏)‏ أي ابن عبادة المذكور، وصرح به في رواية عبد الواحد، ووقع في رواية ابن ماجه من طريق عبد الواحد ‏"‏ فقال عبادة بن الصامت ‏"‏ والصواب ما في الصحيح‏.‏
قوله ‏(‏ما هذا‏)‏ في رواية عبد الواحد ‏"‏ فقال سعد بن عبادة أتبكي ‏"‏ زاد أبو نعيم في المستخرج ‏"‏ وتنهي عن البكاء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال هذه‏)‏ أي الدمعة أثر رحمة، أي أن الذي يفيض من الدمع من حزن القلب بغير تعمد من صاحبه ولا استدعاء لا مؤاخذة عليه، وإنما المنهي عنه الجزع وعدم الصبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإنما يرحم الله من عباده الرحماء‏)‏ في رواية شعبة في أواخر الطب ‏"‏ ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء ‏"‏ ومن في قوله من عباده بيانية، وهي حال من المفعول قدمه فيكون أوقع، والرحماء جمع رحيم وهو من صيغ المبالغة ومقتضاه أن رحمة الله تختص بمن اتصف بالرحمة وتحقق بها بخلاف من فيه أدنى رحمة، لكن ثبت في حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود وغيره ‏"‏ الراحمون يرحمهم الرحمن ‏"‏ والراحمون جمع راحم فيدخل كل من فيه أدنى رحمة، وقد ذكر الحربي مناسبة الإتيان بلفظ الرحماء في حديث الباب بما حاصله أن لفظ الجلالة دال على العظمة، وقد عرف بالاستقراء أنه حيث ورد يكون الكلام مسوقا للتعظيم، فلما ذكر هنا ناسب ذكر من كثرت رحمته وعظمته ليكون الكلام جاريا على نسق التعظيم، بخلاف الحديث الآخر فإن لفظ الرحمن دال على العفو فناسب أن يذكر معه كل ذي رحمة وإن قلت، والله أعلم‏.‏
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم جواز استحضار ذوي الفضل للمحتضر لرجاه بركتهم ودعائهم وجواز القسم عليهم لذلك، وجواز المشي إلى التعزية والعيادة بغير إذن بخلاف الوليمة، وجواز إطلاق اللفظ الموهم لما لم يقع بأنه يقع مبالغة في ذلك لينبعث خاطر المسؤول في المجيء للإجابة إلى ذلك، وفيه استحباب أبرار القسم وأمر صاحب المصيبة بالصبر قبل وقوع الموت ليقع وهو مستشعر بالرضا مقاوما للحزن بالصبر، وإخبار من يستدعي بالأمر الذي يستدعى من أجله، وتقديم السلام على الكلام، وعيادة المريض ولو كان مفضولا أو صبيا صغيرا‏.‏
وفيه أن أهل الفضل لا ينبغي أن يقطعوا الناس عن فضلهم ولو ردوا أول مرة، واستفهام التابع من إمامه عما يشكل عليه مما يتعارض ظاهره، وحسن الأدب في السؤال لتقديمه قوله ‏"‏ يا رسول الله ‏"‏ على الاستفهام‏.‏
وفيه الترغيب في الشفقة على خلق الله والرحمة لهم والترهيب من قساوة القلب وجمود العين، وجواز البكاء من غير نوح ونحوه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ قَالَ فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ قَالَ فَقَالَ هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفْ اللَّيْلَةَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَنَا قَالَ فَانْزِلْ قَالَ فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏حدثنا عبد الله بن محمد‏)‏ هو المسندي، وأبو عامر هو العقدي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن هلال‏)‏ في رواية محمد بن سنان الآتية بعد أبواب ‏"‏ حدثنا هلال‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شهدنا بنتا للنبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هي أم كلثوم زوج عثمان رواه الواقدي عن فليح بن سليمان بهذا الإسناد، وأخرجه ابن سعد في الطبقات في ترجمة أم كلثوم، وكذا الدولابي في الذرية الطاهرة، وكذلك رواه الطبري والطحاوي من هذا الوجه، ورواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس فسماها رقية أخرجه البخاري في التاريخ الأوسط والحاكم في المستدرك، قال البخاري‏:‏ ما أدري ما هذا، فإن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر لم يشهدها‏.‏
قلت‏:‏ وهم حماد في تسميتها فقط، ويؤيد الأول ما رواه ابن سعد أيضا في ترجمة أم كلثوم من طريق عمرة بنت عبد الرحمن قالت‏:‏ نزل في حفرتها أبو طلحة‏.‏
وأغرب الخطابي فقال‏:‏ هذه البنت كانت لبعض بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسبت إليه‏.‏
انتهى ملخصا‏.‏
وكأنه ظن أن الميتة في حديث أنس هي المحتضرة في حديث أسامة، وليس كذلك كما بينته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لم يقارف‏)‏ بقاف وفاء، زاد ابن المبارك عن فليح ‏"‏ أراه يعني الذنب ‏"‏ ذكره المصنف في ‏"‏ باب من يدخل قبر المرأة ‏"‏ تعليقا، ووصله الإسماعيلي، وكذا سريج بن النعمان عن فليح أخرجه أحمد عنه، وقيل معناه لم يجامع تلك الليلة وبه جزم ابن حزم وقال‏:‏ معاذ الله أن يتبجح أبو طلحة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لم يذنب تلك الليلة انتهى‏.‏
ويقويه أن في رواية ثابت المذكورة بلفظ لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة، فتنحى عثمان‏.‏
وحكي عن الطحاوي أنه قال‏:‏ لم يقارف تصحيف، والصواب لم يقاول أي لم ينازع غيره الكلام، لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء وتعقب بأنه تغليط للثقة بغير مستند، وكأنه استبعد أن يقع لعثمان ذلك لحرصه على مراعاة الخاطر الشريف‏.‏
ويجاب عنه باحتمال أن يكون مرض المرأة طال واحتاج عثمان إلى الوقاع، ولم يظن عثمان أنها تموت ملك الليلة، وليس في الخبر ما يقتضي أنه واقع بعد موتها بل ولا حين احتضارها والعلم عند الله تعالى‏.‏
وفي هذا الحديث جواز البكاء كما ترجم له، وإدخال الرجال المرأة قبرها لكونهم أقوى على ذلك من النساء، وإيثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت - ولو كان امرأة - على الأب والزوج، وقيل إنما آثره بذلك لأنها كانت صنعته، وفيه نظر فإن ظاهر السياق أنه صلى الله عليه وسلم اختاره لذلك لكونه لم يقع منه في تلك الليلة جماع، وعلل ذلك بعضهم بأنه حينئذ يأمن من أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة، وحكي عن ابن حبيب أن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة فتلطف صلى الله عليه وسلم في منعه من النزول في قبر زوجته بغير تصريح، ووقع في رواية حماد المذكورة ‏"‏ فلم يدخل عثمان القبر ‏"‏ وفيه جواز الجلوس على شفير القبر عند الدفن، واستدل به على جواز البكاء بعد الموت، وحكى ابن قدامة في المغني عن الشافعي أنه يكره لحديث جبر بن عتيك في الموطأ فإن فيه ‏"‏ فإذا وجب فلا تبكين باكية ‏"‏ يعني إذا مات‏.‏
وهو محمول على الأولوية، والمراد لا ترفع صوتها بالبكاء، ويمكن أن يفرق بين الرجال والنساء في ذلك لأن النساء قد يفضي بهن البكاء إلى ما يحذر من النوح لقلة صبرهن، واستدل به بعضهم على جواز الجلوس عليه مطلقا وفيه نظر، وسيأتي البحث فيه في باب مفرد إن شاء الله تعالى‏.‏
وفيه فضيلة لعثمان لإيثاره الصدق وإن كان عليه فيه غضاضة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَكَّةَ وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا أَوْ قَالَ جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَلَا تَنْهَى عَنْ الْبُكَاءِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَدْ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ ثُمَّ حَدَّثَ قَالَ صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ سَمُرَةٍ فَقَالَ اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلَاءِ الرَّكْبُ قَالَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا صُهَيْبٌ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ادْعُهُ لِي فَرَجَعْتُ إِلَى صُهَيْبٍ فَقُلْتُ ارْتَحِلْ فَالْحَقْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ وَا أَخَاهُ وَا صَاحِبَاهُ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا صُهَيْبُ أَتَبْكِي عَلَيَّ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَقَالَتْ حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عِنْدَ ذَلِكَ وَاللَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَاللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا شَيْئًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بنت لعثمان‏)‏ هي أم أبان كما سيأتي من رواية أيوب‏.‏
قوله‏.‏
‏(‏وإني لجالس بينهما، أو قال جلست إلى أحدهما‏)‏ هذا شك من ابن جريج، ولمسلم من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة قال ‏"‏ كنت جالسا إلى جنب ابن عمر ونحن ننتظر جنازة أم أبان بنت عثمان وعنده عمرو من عثمان، فجاء ابن عباس يقوده قائده فأراه أخبره بمكان ابن عمر فجاء حتى جلس إلى جنبي فكنت بينهما، فإذا صوت من الدار ‏"‏ وفي رواية عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عند الحميدي ‏"‏ فبكى النساء ‏"‏ فظهر السبب في قول ابن عمر لعمرو بن عثمان ما قال، والظاهر أن المكان الذي جلس فيه ابن عباس كان أوفق له من الجلوس بجنب ابن عمر، أو اختار أن لا يقيم ابن أبي مليكة من مكانه ويجلس فيه للنهي عن ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما أصيب عمر‏)‏ يعني بالقتل، وأفاد أيوب في روايته أن ذلك كان عقب الحجة المذكورة ولفظه ‏"‏ فلما قدمنا لم يلبث عمر أن أصيب ‏"‏ وفي رواية عمرو بن دينار ‏"‏ لم يلبث أن طعن‏"‏‏.‏
قوله ‏(‏قال ابن عباس‏:‏ فلما مات عمر‏)‏ هذا صريح في أن حديث عائشة من رواية ابن عباس عنها، ورواية مسلم توهم أنه من رواية ابن أبي مليكة عنها، والقصة كانت بعد موت عائشة لقوله فيها ‏"‏ فجاء ابن عباس يقوده قائده ‏"‏ فإنه إنما عمي في أواخر عمره، ويؤيد كون ابن أبي مليكة لم يحمله عنها أن عند مسلم في أواخر القصة ‏"‏ قال ابن أبي مليكة‏:‏ وحدثني القاسم بن محمد قال لما بلغ عائشة قول ابن عمر قالت‏:‏ إنكم لتحدثونني عن غير كاذبين ولا مكذبين، ولكن السمع يخطئ ‏"‏ وهذا يدل على أن ابن عمر كان قد حدث به مرارا‏.‏
وسيأتي في الحديث الذي بعده أنه حدث بذلك أيضا لما مات رافع بن خديج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ بسكون نون لكن ويجوز تشديدها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حسبكم‏)‏ بسكون السين المهملة أي كافيكم ‏(‏القرآن‏)‏ أي في تأييد ما ذهبت إليه من رد الخبر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عباس عند ذلك‏)‏ أي عند انتهاء حديثه عن عائشة ‏(‏والله هو أضحك وأبكى‏)‏ أي أن العبرة لا يملكها ابن آدم ولا تسبب له فيها فكيف يعاقب عليها فضلا عن الميت‏.‏
وقال الداودي‏:‏ معناه أن الله تعالى أذن في الجميل من البكاء فلا يعذب على ما أذن فيه‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ غرضه تقرير قول عائشة أي أن بكاء الإنسان وضحكه من الله يظهره فيه فلا أثر له في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما قال ابن عمر شيئا‏)‏ قال الطيب وغيره‏:‏ ظهرت لابن عمر الحجة فسكت مذعنا‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ سكوته لا يدل على الإذعان فلعله كره المجادلة في ذلك المقام‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ ليس سكوته لشك طرأ له بعدما صرح برفع الحديث، ولكن احتمل عنده أن يكون الحديث قابلا للتأويل، ولم يتعين له محمل يحمله عليه إذ ذاك أو كان المجلس لا يقبل المماراة ولم تتعين الحاجة إلى ذلك حينئذ‏.‏
ويحتمل أن يكون ابن عمر فهم من استشهاد ابن عباس بالآية قبول روايته لأنها يمكن أن يتمسك بها في أن لله أن يعذب بلا ذنب فيكون بكاء الحي علامة لذلك، أشار إلى ذلك الكرماني‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏عن عبد الله بن أبي بكر‏)‏ أي ابن محمد بن عمرو بن حزم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنما مر‏)‏ كذا أخرجه من طريق مالك مختصرا، وهو في الموطأ بلفظ ‏"‏ ذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول‏:‏ إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه، فقالت عائشة‏:‏ يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما أنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ، إنما مر ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم، وأخرجه أبو عوانة من رواية سفيان عن عبد الله بن أبي بكر كذلك وزاد ‏"‏ أن ابن عمر لما مات رافع قال لهم‏:‏ لا تبكوا عليه فإن بكاء الحي على الميت عذاب على الميت‏.‏
قالت عمرة‏:‏ فسألت عائشة عن ذلك فقالت‏:‏ يرحمه الله إنما مر ‏"‏ فذكر الحديث، ورافع المذكور هو رافع بن خديج كما تقدمت الإشارة إليه في الحديث الأول‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ وَهْوَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ صُهَيْبٌ يَقُولُ وَا أَخَاهُ فَقَالَ عُمَرُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بردة‏)‏ هو ابن أبي موسى الأشعري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما أصيب عمر جعل صهيب يقول وا أخاه‏)‏ أخرجه مسلم من طريق عبد الملك بن عمير عن أبي بردة أتم من هذا السياق وفيه قول عمر ‏"‏ علام تبكي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الميت ليعذب ببكاء الحي‏)‏ الظاهر أن الحي من يقابل الميت، ويحتمل أن يكون المراد به القبيلة وتكون اللام فيه بدل الضمير والتقدير يعذب ببكاء حيه أي قبيلته‏.‏
فيوافق قوله في الرواية الأخرى ‏"‏ ببكاء أهله ‏"‏ وفي رواية مسلم المذكورة ‏"‏ من يبكي عليه يعذب ‏"‏ ولفظها أعم‏.‏
وفيه دلالة على أن الحكم ليس خاصا بالكافر، وعلى أن صهيبا أحد من سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه نسيه حتى ذكره به عمر، وزاد فيه عبد الملك بن عمير عن أبي بردة ‏"‏ فذكرت ذلك لموسى بن طلحة فقال‏:‏ كانت عائشة تقول إنما كان أولئك اليهود ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ أنكر عمر على صهيب بكاءه لرفع صوته بقوله وا أخاه، ففهم منه أن إظهاره لذلك قبل موت عمر يشعر باستصحابه ذلك بعد وفاته أو زيادته عليه فابتدره بالإنكار لذلك والله أعلم‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ إن قيل كيف نهى صهيبا عن البكاء وأقر نساء بني المغيرة على البكاء على خالد كما سيأتي في الباب الذي يليه‏؟‏ فالجواب أنه خشي أن يكون رفعه لصوته من باب ما نهي عنه ولهذا قال في قصة خالد ‏"‏ ما لم يكن نقع أو لقلقة‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 09:56 PM   #431
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا يُكْرَهُ مِنْ النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ
وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ وَالنَّقْعُ التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ وَاللَّقْلَقَةُ الصَّوْتُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يكره من النياحة على الميت‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ ما موصولة ومن لبيان الجنس فالتقدير‏:‏ الذي يكره من جنس البكاء هو النياحة، والمراد بالكراهة كراهة التحريم لما تقدم من الوعيد عليه انتهى‏.‏
ويحتمل أن تكون ما مصدرية ومن تبعيضية والتقدير كراهية بعض النياحة، أشار إلى ذلك ابن المرابط وغيره‏.‏
ونقل ابن قدامة عن أحمد رواية أن بعض النياحة لا تحرم وفيه نظر، وكأنه أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم لم ينه عمة جابر لما ناحت عليه فدل على أن النياحة إنما تحرم إذا انضاف إليها فعل من ضرب خد أو شق جيب، وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن النياحة بعد هذه القصة لأنها كانت بأحد، وقد قال في أحد ‏"‏ لكن حمزة لا بواكي له ‏"‏ ثم نهى عن ذلك وتوعد عليه، وذلك بين فيما أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من طريق أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنساء بني عبد الأشهل يبكين هلكاهن يوم أحد فقال‏:‏ لكن حمزة لا بواكي له‏.‏
فجاء نساء الأنصار يبكين حمزة، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ويحهن، ما انقلبن بعد، مروهن فلينقلبن، ولا يبكين على هالك بعد اليوم ‏"‏ وله شاهد أخرجه عبد الرزاق من طريق عكرمة مرسلا ورجاله ثقات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر‏:‏ دعهن يبكين على أبي سليمان إلخ‏)‏ هذا الأثر وصله المصنف في التاريخ الأوسط من طريق الأعمش عن شقيق قال‏:‏ لما مات خالد بن الوليد اجتمع نسوة بني المغيرة - أي ابن عبد الله بن عمرو بن مخزوم - وهن بنات عم خالد بن الوليد بن المغيرة يبكين عليه، فقيل لعمر‏:‏ أرسل إليهن فانههن، فذكره‏.‏
وأخرجه ابن سعد عن وكيع وغير واحد عن الأعمش‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما لم يكن نقع أو لقلقة‏)‏ بقافين الأولى ساكنة، وقد فسره المصنف بأن النقع التراب أي وضعه على الرأس، واللقلقة الصوت أي المرتفع وهذا قول الفراء، فأما تفسير اللقلقة فمتفق عليه كما قال أبو عبيد في غريب الحديث، وأما النقع فروى سعيد بن منصور عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال‏:‏ النقع الشق أي شق الجيوب، وكذا قال وكيع فيما رواه ابن سعد عنه‏.‏
وقال الكسائي هو صنعة الطعام للمأتم، كأنه ظنه من النقيعة وهي طعام المأتم، والمشهور أن النقيعة طعام القادم من السفر كما سيأتي في آخر الجهاد، وقد أنكره أبو عبيد عليه وقال‏:‏ الذي رأيت عليه أكثر أهل العلم أنه رفع الصوت، يعني بالبكاء‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ هو وضع التراب على الرأس، لأن النقع هو الغبار‏.‏
وقيل‏:‏ هو شق الجيوب وهو قول شمر، وقيل‏:‏ هو صوت لطم الخدود حكاه الأزهري‏.‏
وقال الإسماعيلي معترضا على البخاري‏:‏ النقع لعمري هو الغبار ولكن ليس هذا موضعه، وإنما هو هنا الصوت العالي، واللقلقة ترديد صوت النواحة انتهى‏.‏
ولا مانع من حمله على المعنيين بعد أن فسر المراد بكونه وضع التراب على الرأس لأن ذلك من صنيع أهل المصائب، بل قال ابن الأثير‏:‏ المرجح أنه وضع التراب على الرأس، وأما من فسره بالصوت فيلزم موافقته للقلقة، فحمل اللفظين على معنيين أولى من حملهما على معني واحد، وأجيب بأن بينهما مغايرة من وجه كما تقدم فلا مانع من إرادة ذلك‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ كانت وفاة خالد بن الوليد بالشام سنة إحدى وعشرين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعيد بن عبيد‏)‏ هو الطائي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن ربيعة‏)‏ هو الأسدي، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، والإسناد كله كوفيون، وصرح في رواية مسلم بسماع سعيد من علي ولفظه ‏"‏ حدثنا‏"‏، والمغيرة هو ابن شعبة وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن سعيد بن عبيد وفيه علي بن ربيعة قال ‏"‏ أتيت المسجد والمغيرة أمير الكوفة فقال‏:‏ سمعت ‏"‏ فذكره‏.‏
ورواه أيضا من طريق وكيع عن سعيد بن عبيد ومحمد بن قيس الأسدي كلاهما عن علي بن ربيعة قال ‏"‏ أول من نيح عليه بالكوفة قرظة بن كعب ‏"‏ وفي رواية الترمذي ‏"‏ مات رجل من الأنصار يقال له قرظة بن كعب فنيح عليه، فجاء المغيرة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال‏:‏ ما بال النوح في الإسلام ‏"‏ انتهى‏.‏
وقرظة المذكور بفتح القاف والراء والظاء المشالة أنصاري خزرجي كان أحد من وجهه عمر إلى الكوفة ليفقه الناس، وكان على يده فتح الري، واستخلفه علي على الكوفة، وجزم ابن سعد وغير بأنه مات في خلافته وهو قول مرجوح لما ثبت في صحيح مسلم أن وفاته حيث كان المغيرة بن شعبة أميرا على الكوفة، وكانت إمارة المغيرة على الكوفة من قبل معاوية من سنة إحدى وأربعين إلى أن مات وهو عليها سنة خمسين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن كذبا علي ليس ككذب على أحد‏)‏ أي ‏"‏ غيري‏"‏، ومعناه أن الكذب على الغير قد ألف واستسهل خطبه، وليس الكذب علي بالغا مبلغ ذاك في السهولة وإن كان دونه في السهولة فهو أشد منه في الإثم، وبهذا التقرير يندفع اعتراض من أورد أن الذي تدخل عليه الكاف أعلى والله أعلم‏.‏
وكذا لا يلزم من إثبات الوعيد المذكور على الكذب عليه أن يكون الكذب على غيره مباحا، بل يستدل على تحريم الكذب على غيره بدليل آخر، والفرق بينهما أن الكذب عليه توعد فاعله بجعل النار له مسكنا بخلاف الكذب على غيره، وقد تقدمت بقية مباحث الحديث في كتاب العلم، ويأتي كثير منها في شرح حديث واثلة في أوائل مناقب قريش إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من ينح عليه يعذب‏)‏ ضبطه الأكثر بضم أوله وفتح النون وجزم المهملة على أن من شرطية وتجزم الجواب، ويجوز رفعه على تقدير فإنه يعذب، وروي بكسر النون وسكون التحتانية وفتح المهملة‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ من يناح ‏"‏ على أن ‏"‏ من ‏"‏ موصولة، وقد أخرجه الطبراني عن علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم بلفظ ‏"‏ إذا نيح على الميت عذب بالنياحة عليه ‏"‏ وهو يؤيد الرواية الثانية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بما نيح عليه‏)‏ كذا للجميع بكسر النون، ولبعضهم ما نيح بغير موحدة على أن ما ظرفية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ تَابَعَهُ عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ وَقَالَ آدَمُ عَنْ شُعْبَةَ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد بن المسيب‏)‏ في رواية حدثنا سعيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه عبد الأعلى‏)‏ هو ابن حماد، وسعيد هو ابن أبي عروبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا قتادة‏)‏ يعني عن سعيد بن المسيب إلخ، وقد وصله أبو يعلى في مسنده عن عبد الأعلى بن حماد كذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال آدم عن شعبة‏)‏ يعني بإسناد حديث الباب لكن بغير لفظ المتن وهو قوله ‏"‏ يعذب ببكاء الحي عليه ‏"‏ تفرد آدم بهذا اللفظ، وقد رواه أحمد عن محمد بن جعفر غندر ويحيى بن سعيد القطان وحجاج بن محمد كلهم عن شعبة كالأول، وكذا أخرجه مسلم عن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر، وأخرجه أبو عوانة من طريق أبي النضر وعبد الصمد بن عبد الوارث وأبي زيد الهروي وأسود بن عامر كلهم عن سعيد كذلك، وفي الحديث تقديم من يحدث كلاما يقتضي تصديقه فيما يحدث به فإن المغيرة قدم قبل تحديثه بتحريم النوح أن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد من الكذب على غيره، وأشار إلى أن الوعيد على ذلك يمنعه أن يخبر عنه بما لم يقل‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جِيءَ بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ قَدْ مُثِّلَ بِهِ حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُجِّيَ ثَوْبًا فَذَهَبْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْشِفَ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي ثُمَّ ذَهَبْتُ أَكْشِفُ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُفِعَ فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقَالُوا ابْنَةُ عَمْرٍو أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو قَالَ فَلِمَ تَبْكِي أَوْ لَا تَبْكِي فَمَا زَالَتْ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا في رواية الأصيلي، وسقط من رواية أبي ذر وكريمة، وعلى ثبوته فهو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله كما تقدم تقريره غير مرة، وعلى التقديرين فلا بد له من تعلق بالذي قبله، وقد تقدم توجيهه في أول الترجمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قد مثل به‏)‏ بضم الميم وتشديد المثلثة يقال مثل بالقتيل إذا جدع أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيء من أجزائه‏.‏
والاسم المثلة بضم الميم وسكون المثلثة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سجي ثوبا‏)‏ بضم المهملة وتشديد الجيم الثقيلة أي غطي بثوب قوله‏:‏ ‏(‏ابنة عمرو أو أخت عمرو‏)‏ هذا شك من سفيان، والصواب بنت عمرو وهي فاطمة بنت عمرو، وقد تقدم على الصواب من رواية شعبة عن ابن المنكدر في أوائل الجنائز بلفظ ‏"‏ فذهبت عمتي فاطمة ‏"‏ ووقع في ‏"‏ الأكليل ‏"‏ للحاكم تسميتها هند بنت عمرو، فلعل لها اسمين أو أحدهما اسمها والأخر لقبها أو كانتا جميعا حاضرتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال فلم‏؟‏ تبكي أو لا تبكي‏)‏ هكذا في هذه الرواية بكسر اللام وفتح الميم على أنه استفهام عن غائبة، وأما قوله ‏"‏ أو لا تبكي ‏"‏ فالظاهر أنه شك من الرواي هل استفهم أو نهى، لكن تقدم في أوائل الجنائز من رواية شعبة ‏"‏ تبكي أو لا تبكي ‏"‏ وتقدم شرحه على التخيير، ومحصله أن هذا الجليل القدر الذي تظله الملائكة بأجنحتها لا ينبغي أن يبكي عليه بل يفرح له بما صار إليه‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 09:57 PM   #432
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الْجُيُوبَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ليس منا من شق الجيوب‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ أفرد هذا القدر بترجمة ليشعر بأن النفي الذي حاصله التبري يقع بكل واحد من المذكورات لا بمجموعها‏.‏
قلت‏:‏ ويؤيده رواية لمسلم بلفظ ‏"‏ أو شق الجيوب، أو دعا ‏"‏ إلخ‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ الْيَامِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا زبيد‏)‏ بزاي وموحدة مصغر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اليامي‏)‏ بالتحتانية والميم الخفيفة وفي رواية الكشميهني ‏"‏ الأيامي ‏"‏ بزيادة همزة في أوله‏.‏
والإسناد كله كوفيون، ولسفيان وهو الثوري فيه إسناد آخر سيذكر بعد بابين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليس منا‏)‏ أي من أهل سنتنا وطريقتنا، وليس المراد به إخراجه عن الدين، ولكن فائدة إيراده بهذا اللفظ المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك كما يقول الرجل لولده عند معاتبته‏:‏ لست منك ولست مني، أي ما أنت على طريقتي‏.‏
وقال الزين بن المنير ما ملخصه‏:‏ التأويل الأول يستلزم أن يكون الخبر إنما ورد عن أمر وجودي، وهذا يصان كلام الشارع عن الحمل عليه‏.‏
والأولى أن يقال‏:‏ المراد أن الواقع في ذلك يكون قد تعرض لأن يهجر ويعرض عنه فلا يختلط بجماعة السنة تأديبا له على استصحابه حاله الجاهلية التي قبحها الإسلام، فهذا أولى من الحمل على ما لا يستفاد منه قدر زائد على الفعل الموجود‏.‏
وحكي عن سفيان أنه كان يكره الخوض في تأويله ويقول‏:‏ ينبغي أن يمسك عن ذلك ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر‏.‏
وقيل‏:‏ المعنى ليس على ديننا الكامل، أي أنه خرج من فرع من فروع الدين وإن كان معه أصله، حكاه ابن العربي‏.‏
ويظهر لي أن هذا النفي يفسره التبري الأتي في حديث أبي موسى بعد باب حيث قال ‏"‏ برئ منه النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وأصل البراءة الانفصال من الشيء، وكأنه توعده بأن لا يدخله في شفاعته مثلا‏.‏
وقال المهلب‏:‏ قوله أنا بريء أي من فاعل ما ذكر وقت ذلك الفعل، ولم يرد نفيه عن الإسلام‏.‏
قلت‏:‏ بينهما واسطة تعرف مما تقدم أول الكلام، وهذا يدل على تحريم ما ذكر من شق الجيب وغيره‏.‏
وكأن السبب في ذلك ما تضمنه ذلك من عدم الرضا بالقضاء، فإن وقع التصريح بالاستحلال مع العلم بالتحريم أو التسخط مثلا بما وقع فلا مانع من حمل النفي على الإخراج من الدين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لطم الخدود‏)‏ خص الخد بذلك لكونه الغالب في ذلك، وإلا فضرب بقية الوجه داخل في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وشق الجيوب‏)‏ جمع جيب بالجيم الموحدة وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس، والمراد بشقه إكمال فتحه إلى آخره وهو من علامات التسخط‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ودعا بدعوى الجاهلية‏)‏ في رواية مسلم بدعوى أهل الجاهلية، أي من النياحة ونحوها، وكذا الندبة كقولهم‏:‏ واجبلاه، وكذا الدعاء بالويل والثبور كما سيأتي بعد ثلاثة أبواب‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب رِثَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ سعد بن خولة‏)‏ سعد بالنصب علق المفعولية، وخولة بفتح المعجمة وسكون الواو والرثاء بكسر الراء وبالمثلثة بعدها مدة مدح الميت وذكر محاسنه، وليس هو المراد من الحديث حيث قال الراوي ‏"‏ يرثي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولهذا اعترض الإسماعيلي الترجمة فقال‏:‏ ليس هذا من مراثي الموتى وإنما هو من التوجع، يقال رثيته إذا مدحته بعد موته ورثيت له إذا تحزنت عليه‏.‏
ويمكن أن يكون مراد البخاري هذا بعينه كأنه يقول ما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم فهو من التحزن والتوجع وهو مباح، وليس معارضا لنهيه عن المراثي التي هي ذكر أوصاف الميت المباعثة على تهييج الحزن وتجديد اللوعة، وهذا هو المراد بما أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عيد الله بن أبي أوفى قال ‏"‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي ‏"‏ وهو عند ابن أبي شيبة بلفظ ‏"‏ نهانا أن نتراثى‏"‏، ولا شك أن الجامع بين الأمرين التوجع والتحزن‏.‏
ويؤخذ من هذا التقرير مناسبة إدخال هذه الترجمة في تضاعيف التراجم المتعلقة بحال من يحضر الميت‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ لَا فَقُلْتُ بِالشَّطْرِ فَقَالَ لَا ثُمَّ قَالَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي قَالَ إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً ثُمَّ لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن مات‏)‏ بفتح الهمزة ولا يصح كسرها لأنها تكون شرطية والشرط لما يستقبل وهو قد كان مات، والمعنى أن سعد بن خولة وهو من المهاجرين من مكة إلى المدينة وكانوا يكرهون الإقامة في الأرض التي هاجروا منها وتركوها مع حبهم فيها لله تعالى، فمن ثم خشي سعد بن أبي وقاص أن يموت بها، وتوجع رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن خولة لكونه مات بها، وأفاد أبو داود الطيالسي في روايته لهذا الحديث عن إبراهيم بن سعد عن الزهري أن القاتل يرثي له إلخ هو الزهري، ويؤيده أن هاشم بن هاشم وسعد بن إبراهيم رويا هذا الحديث عن عامر بن سعد فلم يذكرا ذلك فيه، وكذا في رواية عائشة بنت سعد عن أبيها كما سيأتي في كتاب الوصايا مع بقية الكلام عليه وذكر الاختلاف في تسمية البنت المذكورة إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا يُنْهَى مِنْ الْحَلْقِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ
وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُخَيْمِرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَجِعَ أَبُو مُوسَى وَجَعًا شَدِيدًا فَغُشِيَ عَلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِئَ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما ينهى من الحلق عند المصيبة‏)‏ تقدم الكلام على هذا التركيب في ‏"‏ باب ما يكره من النياحة على الميت ‏"‏ وعلى الحكمة في اقتصاره على الحلق دون ما ذكر معه في الباب الذي قبله، وقوله ‏"‏عند المصيبة ‏"‏ مصر للحكم على تلك الحالة ومر واضح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحكم بن موسى‏)‏ هو القنطري بقاف مفتوحة ونون ساكنة، ووقع في رواية أبي الوقت ‏"‏ حدثنا الحكم ‏"‏ وهو وهم فإن الذين جمعوا رجال البخاري في صحيحه أطبقوا على ترك ذكره في شيوخه فدل على أن الصواب رواية الجماعة بصيغة التعليق‏.‏
وقد وصله مسلم في صحيحه فقال ‏"‏ حدثنا الحكم بن موسى ‏"‏ وكذا ابن حبان فقال ‏"‏ أخبرنا أبو يعلى حدثنا الحكم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن جابر‏)‏ هو ابن يزيد بن جابر، نسب إلى جده في هذه الرواية وصرح به في رواية مسلم، ومخيمرة بمعجمة وراء مصغر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجع‏)‏ بكسر الجيم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في حجر امرأة من أهله‏)‏ زاد مسلم ‏"‏ فصاحت ‏"‏ وله من وجه آخر من طريق أبي صخرة عن أبي بردة وغيره ‏"‏ قالوا أغمي على أبي موسى، فأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح برنة ‏"‏ الحديث‏.‏
وللنسائي من طريق يزيد بن أوس عن أم عبد الله امرأة أبي موسى عن أبي موسى فذكر الحديث دون القصة، ولأبي نعيم في المستخرج على مسلم من طريق ربعي قال ‏"‏ أغمي على أبي موسى فصاحت امرأته بنت أبي دومة ‏"‏ فحصلنا على أنها أم عبد الله بنت أبي دومة، وأفاد عمر بن شبة في تاريخ البصرة أن اسمها صفية بنت دمون وأنها والدة أبي بردة بن أبي موسى وأن ذلك وقع حيث كان أبو موسى أميرا على البصرة من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إني بريء‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أنا بريء ‏"‏ وكذا لمسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الصالقة‏)‏ بالصاد المهملة والقاف أي التي ترفع صوتها بالبكاء، ويقال فيه بالسين المهملة بدل الصاد ومنه قوله تعالى ‏(‏سلقوكم بالسنة حداد‏)‏ وعن ابن الأعرابي‏:‏ الصلق ضرب الوجه حكاه صاحب المحكم والأول أشهر، والحالقة التي تحلق رأسها عند المصيبة، والشاقة التي تشق ثوبها، ولفظ أبي صخرة عند مسلم ‏"‏ أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق ‏"‏ أي حلق شعره وسلق صوته - أي رفعه - وخرق ثوبه، وقد تقدم الكلام على المراد بهذه البراءة قبل بباب‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ليس منا من ضرب الخدود‏)‏ وتقدم الكلام عليه قبل بابين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ
الشرح‏:‏
عبد الرحمن المذكور في هذا الإسناد هو ابن مهدي‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا يُنْهَى مِنْ الْوَيْلِ وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما ينهى من الويل ودعوى الجاهلية عند المصيبة‏)‏ تقدم توجيه هذا التركيب، وهذه الترجمة مع حديثها سقطت للكشميهني وثبتت للباقين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ
الشرح‏:‏
حديث ابن مسعود أورده المصنف من وجه آخر وليس فيه ذكر الويل المترجم به، وكأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرقه، ففي حديث أبي أمامة عند ابن ماجه وصححه ابن حبان ‏"‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الخامشة وجهها والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور‏"‏، والظاهر أن ذكرى دعوى الجاهلية بعد ذكر الويل من العام بعد الخاص‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 10:00 PM   #433
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ جَلَسَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن‏)‏ يعرف مبني للمجهول و ‏"‏ من ‏"‏ موصولة والضمير لها، ويحتمل أن يكون لمصدر جلس أي جلوسا يعرف، ولم يفصح المصنف بحكم هذه المسألة ولا التي بعدها حيث ترجم ‏"‏ من لم يظهر حزنه عند المصيبة ‏"‏ لأن كلا منهما قابل للترجيح، أما الأول فلكونه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والثاني من تقريره، وما يباشره بالفعل أرجح غالبا‏.‏
وأما الثاني فلأنه فعل أبلغ في الصبر وأزجر للنفس فيرجح، ويحمل فعله صلى الله عليه وسلم المذكور على بيان الجواز ويكون فعله في حقه قي تلك الحالة أولى‏.‏
وقال الزين بن المنير ما ملخصه‏:‏ موقع هذه الترجمة من الفقه أن الاعتدال في الأحوال هو المسلك الأقوم فمن أصيب بمصيبة عظيمة لا يفرط في الحزن حتى يقع في المحذور من اللطم والشق والنوح وغيرها، ولا يفرط في التجلد حتى يفضي إلى القسوة والاستخفاف بقدر المصاب، فيقتدي به صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة بأن يجلس المصاب جلسة خفيفة بوقار وسكينة تظهر عليه مخايل الحزن ويؤذن بأن المصيبة عظيمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ شَقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ لَمْ يُطِعْنَهُ فَقَالَ انْهَهُنَّ فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ قَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَالَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ فَقُلْتُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ تَتْرُكْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَنَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الوهاب‏)‏ هو ابن عبد المجيد الثقفي ويحيي هو ابن سعيد الأنصاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو بالنصب على المفعولية والفاعل قوله‏:‏ ‏(‏قتل ابن حارثة‏)‏ ، وهو زيد، وأبوه بالمهملة والمثلثة، وجعفر هو ابن أبي طالب، وابن رواحة هو عبد الله، وكان قتلهم في غزوة مؤتة كما تقدم ذكره في رابع باب من كتاب الجنائز، ووقع تسمية الثلاثة في رواية النسائي من طريق معاوية بن صالح عن يحيي بن سعد، وساق مسلم إسناده دون المتن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جلس‏)‏ زاد أبو داود من طريق سليمان بن كثير عن يحيي ‏"‏ في المسجد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يعرف فيه الحزن‏)‏ قال الطيبي‏:‏ كأنه كظم الحزن كظما فظهر منه ما لا بد للجبلة البشرية منه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صائر الباب‏)‏ بالمهملة والتحتانية وقع تفسيره في نفس الحديث شق الباب وهو بفتح الشين المعجمة أي الموضع الذي ينظر منه، ولم يرد بكسر المعجمة أي الناحية إذ ليست مرادة هنا قاله ابن التين‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 10:02 PM   #434
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




قوله‏:‏ ‏(‏اشتكى ابن لأبي طلحة‏)‏ أي مرض، وليس المراد أنه صدرت منه شكوى، لكن لما كان الأصل أن المريض يحصل منه ذلك استعمل في كل مرض لكل مريض‏.‏
والابن المذكور هو أبو عمير الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازحه ويقول له ‏"‏ يا أبا عمير، ما فعل النغير ‏"‏ كما سيأتي في كتاب الأدب، بين ذلك ابن حبان في روايته من طريق عمارة بن زاذان عن ثابت، وزاد من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت في أوله قصة تزويج أم سليم بأبي طلحة بشرط أن يسلم وقال فيه ‏"‏ فحملت فولدت غلاما صبيحا فكان أبو طلحة يحبه حبا شديدا، فعاش حتى تحرك فمرض، فحزن أبو طلحة عليه حزنا شديدا حتى تضعضع، وأبو طلحة يغدو ويروح على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فراح روحة فمات الصبي ‏"‏ فأفادت هذه الرواية تسميه امرأة أبي طلحة، ومعني قوله‏:‏ ‏"‏ وأبو طلحة خارج ‏"‏ أي خارج البيت عند النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر النهار‏.‏
وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ كان لأبي طلحة ولد فتوفي، فأرسلت أم سليم أنسا يدعو أبا طلحة، وأمرته أن لا يخبره بوفاة ابنه، وكان أبو طلحة صائما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هيأت شيئا‏)‏ قال الكرماني‏:‏ أي أعددت طعاما لأبي طلحة وأصلحته، وقيل هيأت حالها وتزينت‏.‏
قلت‏:‏ بل الصواب أن المراد أنها هيأت أمر الصبي بأن غسلته وكفنته كما ورد في بعض طرقه صريحا، ففي رواية أبو داود الطيالسي عن مشايخه عن ثابت ‏"‏ فهيأت الصبي‏"‏‏.‏
وفي رواية حميد عند ابن سعد ‏"‏ فتوفي الغلام فهيأت أم سليم أمره‏"‏‏.‏
وفي رواية عمارة بن زاذان عن ثابت ‏"‏ فهلك الصبي فقامت أم سليم فغسلته وكفنته وحنطته وسجت عليه ثوبا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونحته في جانب البيت‏)‏ أي جعلته في جانب البيت‏.‏
وفي رواية جعفر عن ثابت ‏"‏ فجعلته في مخدعها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هدأت‏)‏ بالهمز أي سكنت و ‏(‏نفسه‏)‏ بسكون الفاء كذا للأكثر، والمعنى أن النفس كانت قلقة منزعجة بعارض المرض فسكنت بالموت، وظن أبو طلحة أن مرادها أنها سكنت بالنوم لوجود العافية‏.‏
وفي رواية أبي ذر ‏"‏ هدأ نفسه ‏"‏ بفتح الفاء أي سكن، لأن المريض يكون نفسه عاليا فإذا زال مرضه سكن، وكذا إذا مات‏.‏
ووقع في رواية أنس بن سيرين ‏"‏ هو أسكن ما كان‏"‏، ونحوه في رواية جعفر عن ثابت‏.‏
وفي رواية معمر عن ثابت ‏"‏ أمسى هادئا ‏"‏ وفي رواية حميد ‏"‏ بخير ما كان‏"‏، ومعانيها متقاربة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأرجو أن يكون قد استراح‏)‏ لم تجزم بذلك على سبيل الأدب، ويحتمل أنها لم تكن علمت أن الطفل لا عذاب عليه ففوضت الأمر إلى الله تعالى، مع وجود رجائها بأنه استراح من نكد الدنيا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وظن أبو طلحة أنها صادقة‏)‏ أي بالنسبة إلى ما فهمه من كلامها، وإلا فهي صادقة بالنسبة إلى ما أرادت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبات‏)‏ أي معها ‏(‏فلما أصبح اغتسل‏)‏ فيه كناية عن الجماع، لأن الغسل إنما يكون في الغالب منه، وقد وقع التصريح بذلك في غير هذه الرواية‏:‏ ففي رواية أنس بن سيرين ‏"‏ فقربت إليه العشاء فتعشى، ثم أصاب منها‏"‏‏.‏
وفي رواية عبد الله ‏"‏ ثم تعرضت له فأصاب منها‏"‏‏.‏
وفي رواية حماد عن ثابت ‏"‏ ثم تطيبت‏"‏، زاد جعفر عن ثابت ‏"‏ فتعرضت له حتى وقع بها ‏"‏ وفي رواية سليمان عن ثابت ‏"‏ ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات‏)‏ زاد سليمان بن المغيرة عن ثابت عند مسلم ‏"‏ فقالت‏:‏ يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوما أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏
قالت‏:‏ فاحتسب ابنك‏.‏
فغضب وقال تركتني حتى تلطخت، ثم أخبرتني بابني‏"‏‏.‏
وفي رواية عبد الله ‏"‏ فقالت‏:‏ يا أبا طلحة، أرأيت قوما أعاروا متاعا ثم بدا لهم فيه فأخذوه فكأنهم وجدوا في أنفسهم ‏"‏ زاد حماد في روايته عن ثابت ‏"‏ فأبوا أن يردوها، فقال أبو طلحة‏:‏ ليس لهم ذلك، أن العارية مؤداة إلى أهلها‏.‏
ثم اتفقا، فقالت‏:‏ إن الله أعارنا فلانا ثم أخذه منا ‏"‏ زاد حماد ‏"‏ فاسترجع‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ لهما في ليلتهما ‏"‏ ووقع في رواية أنس بن سيرين ‏"‏ اللهم بارك لهما ‏"‏ ولا تعارض بينهما فيجمع بأنه دعا بذلك ورجا إجابة دعائه، ولم تختلف الرواة عن ثابت وكذا عن حميد في أنه قال ‏"‏ بارك الله لكما في ليلتكما ‏"‏ وعرف من رواية أنس بن سيرين أن المراد الدعاء وإن كان لفظه لفظ الخبر‏.‏
وفي رواية أنس بن سيرين من الزيادة ‏"‏ فولدت غلاما ‏"‏ وفي رواية عبد الله بن عبد الله ‏"‏ فجاءت بعبد الله بن أبي طلحة ‏"‏ وسيأتي الكلام على قصة تحنيكه وغير ذلك حيث ذكره المصنف في العقيقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان‏)‏ هو ابن عيينة بالإسناد المذكور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل من الأنصار إلخ‏)‏ هو عباية بن رفاعة، لما أخرجه سعيد بن منصور ومسدد وابن سعد والبيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ كلهم من طريق سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة قال ‏"‏ كانت أم أنس تحت أبي طلحة ‏"‏ فذكر القصة شبيهة بسياق ثابت عن أنس‏.‏
وقال في آخره ‏"‏ فولدت له غلاما، قال عباية‏:‏ فلقد رأيت لذلك الغلام سبع بنين كلهم قد ختم القرآن ‏"‏ وأفادت هذه الرواية أن في رواية سفيان تجوزا في ‏"‏ قوله ‏"‏ لهما ‏"‏ لأن ظاهره أنه من ولدهما بغير واسطة، وإنما المراد من أولاد ولدهما المدعو له بالبركة وهو عبد الله بن أبي طلحة‏.‏
ووقع في رواية سفيان ‏"‏ تسعة ‏"‏ وفي هذه ‏"‏ سبعة ‏"‏ فلعل في أحدهما تصحيفا، أو المراد بالسبعة من ختم القرآن كله وبالتسعة من قرأ معظمه، وله من الولد فيما ذكر ابن سعد وغيره من أهل العلم بالأنساب إسحاق وإسماعيل وعبد الله ويعقوب وعمر والقاسم وعمارة وإبراهيم وعمير وزيد ومحمد، وأربع من البنات‏.‏
وفي قصة أم سليم هذه من الفوائد أيضا جواز الأخذ بالشدة وترك الرخصة مع القدرة عليها، والتسلية عن المصائب، وتزين المرأة لزوجها، وتعرضها لطلب الجماع منه، واجتهادها في عمل مصالحه، ومشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورة إليها‏.‏
وشرط جوازها أن لا تبطل حقا لمسلم‏.‏
وكان الحامل لأم سليم على ذلك المبالغة في الصبر والتسليم لأمر الله تعالى ورجاء إخلافه عليها ما فات منها، إذ لو أعلمت أبا طلحة بالأمر في أول الحال تنكد عليه وقته ولم تبلغ الغرض الذي أرادته، فلما علم الله صدق نيتها بلغها مناها وأصلح لها ذريتها‏.‏
وفيه إجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وأن من ترك شيئا عوضه الله خيرا منه، وببان حال أم سليم من التجلد وجودة الرأي وقوة العزم، وسيأتي في الجهاد والمغازي أنها كانت تشهد القتال وتقوم بخدمة المجاهدين إلى غير ذلك مما انفردت به عن معظم النسوة، وسيأتي شرح حديث أبي عمير ما فعل النغير مستوفى في أواخر كتاب الأدب، وفيه بيان ما كان سمي به غير الكنية التي اشتهر بها‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 10:04 PM   #435
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى
وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نِعْمَ الْعِدْلَانِ وَنِعْمَ الْعِلَاوَةُ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصبر عند الصدمة الأولى‏)‏ أي هو المطلوب المبشر عليه بالصلاة والرحمة، ومن هنا تظهر مناسبة إيراد أثر عمر في هذا الباب، وقد تقدم الكلام على المتن المرفوع مستوفى في زيارة القبور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر‏)‏ أي ابن الخطاب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏العدلان‏)‏ بكسر المهملة أي المثلان، و قوله‏:‏ ‏(‏العلاوة‏)‏ بكسرها أيضا أي ما يعلق على البعير بعد تمام الحمل‏.‏
وهذا الأثر وصله الحاكم في المستدرك من طريق جرير عن منصور عن مجاهد عن سعيد بن المسيب عن عمر كما ساقه المصنف وزاد‏:‏ ‏(‏أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة‏)‏ نعم العدلان ‏(‏وأولئك هم المهتدون‏)‏ نعم العلاوة‏.‏
وهكذا أخرجه البيهقي عن الحاكم، وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره من وجه آخر عن منصور من طريق نعيم بن أبي هند عن عمر نحوه، وظهر بهذا مراد عمر بالعدلين وبالعلاوة وأن العدلين الصلاة والرحمة والعلاوة الاهتداء‏.‏
ويؤيده وقوعهما بعد ‏"‏ على ‏"‏ المشعرة بالفوقية المشعرة بالحمل قاله الزين بن المنير‏.‏
وقد روي نحو قول عمر مرفوعا أخرجه الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أعطيت أمتي شيئا لم يعطه أحد من الأمم عند المصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون - إلى قوله - المهتدون‏"‏، قال فأخبر أن المؤمن إذا سلم لأمر الله واسترجع كتب له ثلاث خصال من الخير‏:‏ الصلاة من الله والرحمة، وتحقيق سبل الهدى‏.‏
فأغنى هذا عن التكلف في ذلك كقول المهلب‏:‏ العدلان إنا لله وإنا إليه راجعون والعلاوة الثواب عليهما، وعن قول الكرماني‏:‏ الظاهر أن المراد بالعدلين القول وجزاؤه، أي قول الكلمتين ونوعا الثواب لأنهما متلازمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقوله تعالى ‏(‏واستعنيوا بالصبر والصلاة‏)‏ الآية‏)‏ هو بالجر عطفا على أول الترجمة، والتقدير‏:‏ وباب قوله تعالى، أي تفسيره أو نحو ذلك‏.‏
وقوله وإنها قيل أفرد الصلاة لأن المراد بالصبر الصوم وهو من التروك أو الصبر عن الميت ترك الجزع، والصلاة أفعال وأقوال فلذلك ثقلت على غير الخاشعين، ومن أسرارها أنها تعين على الصبر لما فيها من الذكر والدعاء والخضوع وكلها تضاد حب الرياسة وعدم الانقياد للأوامر والنواهي، وكأن المصنف أراد بإيراد هذه الآية ما جاء عن ابن عباس أنه نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر، فاسترجع ثم تنحى عن الطريق فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ثم قام وهو يقول ‏(‏واستعينوا بالصبر والصلاة‏)‏ الآية، أخرجه الطبري في تفسيره بإسناد حسن، وعن حذيفة قال ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى ‏"‏ أخرجه أبو داود بإسناد حسن أيضا‏.‏
قال الطبري‏:‏ الصبر منع النفس محابها وكفها عن هواها، ولذلك قيل لمن لم يجزع صابر لكفه نفسه، وقيل لرمضان شهر الصبر لكف الصائم نفسه عن المطعم والمشرب‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إنا بك لمحزونون ‏"‏ قال ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ تدمع العين ويحزن القلب‏)‏ سقطت هذه الترجمة والأثر قي رواية الحموي وثبتت للباقين، وحديث ابن عمر كأن المراد به ما أورده المصنف في الباب الذي بعد هذا إلا أن لفظه ‏"‏ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ‏"‏ فيحتمل أن يكون ذكره بالمعنى لأن ترك المؤاخذة بذلك يستلزم وجوده، وأما لفظه فثبت في قصة موت إبراهيم من حديث أنس عند مسلم، وأصله عند المصنف كما في هذا الباب، وعن عبد الرحمن بن عوف عند ابن سعد والطبراني، وأبي هريرة عند ابن حبان والحاكم، وأسماء بنت يزيد عند ابن ماجه، ومحمود بن لبيد عند ابن سعد، والسائب بن يزيد وأبي أمامة عند الطبراني‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا قُرَيْشٌ هُوَ ابْنُ حَيَّانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ رَوَاهُ مُوسَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ المُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني الحسن بن عبد العزيز‏)‏ هو الجروي بفتح الجيم والراء منسوب إلى جروة بفتح الجيم وسكون الراء قرية من قرى تنيس، وكان أبوه أميرها فتزهد الحسن ولم يأخذ من تركة أبيه شيئا، وكان يقال إنه نظير قارون في المال، والحسن المذكور من طبقة البخاري ومات بعده بسنة وليس له عنده سوى هذا الحديث وحديثين آخرين في التفسير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني يحيي بن حسان‏)‏ هو التنيسي أدركه البخاري ولم يلقه لأنه مات قبل أن يدخل مصر، وقد روى عنه الشافعي مع جلالته ومات قبله بمدة، فوقع للحسن نظير ما وقع لشيخه من رواية إمام عظيم الشأن عنه ثم يموت قبله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا قريش هو ابن حيان‏)‏ هو بالقاف والمعجمة وأبوه بالمهملة والتحتانية بصري يكنى أبا بكر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على أبي سيف‏)‏ قال عياض هو البراء بن أوس، وأم سيف زوجته هي أم بردة واسمها خوله بنت المنذر‏.‏
قلت‏:‏ جمع بذلك بين ما وقع في هذا الحديث الصحيح وبين قول الواقدي فيما رواه ابن سعد في الطبقات عنه عن يعقوب بن أبي صعصعة عن عبد الله بن أبي صعصعة قال ‏"‏ لما ولد له إبراهيم تنافست فيه نساء الأنصار أيتهن ترضعه، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن لبيد من بني عدي بن النجار وزوجها البراء بن أوس بن خالد بن الجعد من بني عدي بن النجار أيضا، فكانت ترضعه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه في بني النجار ‏"‏ انتهى‏.‏
وما جمع به غير مستبعد، إلا أنه لم يأت عن أحد من الأئمة التصريح بأن البراء بن أوس يكنى أبا سيف ولا أن أبا سيف يسمى البراء بن أوس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏القين‏)‏ بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون هو الحداد، ويطلق على كل صانع، يقال قان الشيء إذا أصلحه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ظئرا‏)‏ بكسر المعجمة وسكون التحتانية المهموزة بعدها راء أي مرضعا، وأطلق عليه ذلك لأنه كان زوج المرضعة، وأصل الظئر من ظأرت الناقة إذا عطفت على غير ولدها فقيل ذلك للتي ترضع غير ولدها، وأطلق ذلك على زوجها لأنه يشاركها في تربيته غالبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لإبراهيم‏)‏ أي ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع التصريح بذلك في رواية سليمان بن المغيرة المعلقة بعد هذا ولفظه عند مسلم في أوله ‏"‏ ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم، ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته فانتهى إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره وقد امتلأ البيت دخانا، فأحرمت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ يا أبا سيف أمسك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
‏"‏ لمسلم أيضا من طريق عمرو بن سعيد عن أنس ‏"‏ ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة، وكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وأنه ليدخن وكان ظئره قينا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإبراهيم يجود بنفسه‏)‏ أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ماله‏.‏
وفي رواية سليمان ‏"‏ يكيد ‏"‏ قال صاحب المعين أي يسوق بها، وقيل معناه يقارب بها الموت‏.‏
وقال أبو مروان بن سراج ‏"‏ قد يكون من الكيد وهو القيء يقال منه كاد يكيد شبه تقلع نفسه عند الموت بذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تذرفان‏)‏ بذال معجمة وفاء أي يجري دمعهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأنت يا رسول الله‏)‏ ‏؟‏ قال الطيبي‏.‏
فيه معنى التعجب، والواو تستدعي معطوفا عليه أي الناس لا يصبرون على المصيبة وأنت تفعل كفعلهم، كأنه تعجب لذلك منه مع عهده منه أنه يحث على الصبر وينهى عن الجزع، فأجابه بقوله ‏"‏ إنها رحمة ‏"‏ أي الحالة التي شاهدتها مني هي رقة القلب على الولد لا ما توهمت من الجزع انتهى‏.‏
ووقع في حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه ‏"‏ فقلت يا رسول الله تبكي، أو لم تنه عن البكاء ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين‏:‏ صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان قال‏.‏
إنما هذا رحمة ومن لا يرحم لا يرحم‏"‏‏.‏
وفي رواية محمود بن لبيد فقال ‏"‏ إنما أنا بشر‏"‏، وعند عبد الرزاق من مرسل مكحول ‏"‏ إنما أنهى الناس عن النياحة أن يندب الرجل بما ليس فيه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم أتبعها بأخرى‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ ثم أتبعها والله بأخرى ‏"‏ بزيادة القسم، قيل أراد به أنه أتبع الدمعة الأولى بدمعة أخرى، وقيل أتبع الكلمة الأولى المجملة وهي قوله ‏"‏ إنها رحمة ‏"‏ بكلمة أخرى مفصلة وهي قوله ‏"‏ أن العين تدمع ‏"‏ ويؤيد الثاني ما تقدم من طريق عبد الرحمن ومرسل مكحول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن العين تدمع إلخ‏)‏ في حديث عبد الرحمن بن عوف ومحمود بن لبيد ‏"‏ ولا نقول ما يسخط الرب ‏"‏ وزاد في حديث عبد الرحمن في آخره ‏"‏ لولا أنه أمر حق ووعد صدق وسبيل نأتيه، وإن آخرنا سيلحق بأولنا، لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا ‏"‏ ونحوه في حديث أسماء بنت يزيد ومرسل مكحول وزاد في آخره ‏"‏ وفصل رضاعه في الجنة ‏"‏ وفي آخر حديث محمود بن لبيد ‏"‏ وقال أن له مرضعا في الجنة ‏"‏ ومات وهو ابن ثمانية عمر شهرا، وذكر الرضاع وقع في آخر حديث أنس عند مسلم من طريق عمرو بن سعيد عنه، إلا أن ظاهر سياقه الإرسال، فلفظه ‏"‏ قال عمرو فلما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين يكملان رضاعه في الجنة ‏"‏ وسيأتي في أواخر الجنائز حديث البراء ‏"‏ أن لإبراهيم لمرضعا في الجنة‏"‏‏.‏
‏(‏فائدة في وقت وفاة إبراهيم عليه السلام‏)‏ ‏:‏ جزم الواقدي بأنه مات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر‏.‏
وقال ابن حزم‏:‏ مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر، واتفقوا على أنه ولد في ذي الحجة سنة ثمان‏.‏
قال ابن بطال وغيره‏:‏ هذا الحديث يفسر البكاء المباح والحزن الجائز، وهو ما كان بدمع العين ورقة القلب من غير سخط لأمر الله، وهو أبين شيء وقع في هذا المعنى‏.‏
وفيه مشروعية تقبيل الولد وشمه، ومشروعية الرضاع، وعيادة الصغير، والحضور عند المحتضر، ورحمة العيال، وجواز الإخبار عن الحزن وإن كان الكتمان أولى، وفيه وقوع الخطاب للغير وإرادة غيره بذلك، وكل منهما مأخوذ من مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم ولده مع أنه في تلك الحالة لم يكن ممن يفهم الخطاب لوجهين‏:‏ أحدهما صغره، والثاني نزاعه‏.‏
وإنما أراد بالخطاب غيره من الحاضرين إشارة إلى أن ذلك لم يدخل في نهيه السابق‏.‏
وفيه جواز الاعتراض على من خالف فعله ظاهر قوله ليظهر الفرق، وحكى ابن التين قول من قال‏:‏ إن فيه دليلا على تقبيل الميت وشمه، ورده بأن القصة إنما وقعت قبل الموت وهو كما قال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه موسى‏)‏ هو ابن إسماعيل التبوذكي وطريقه هذه وصلها البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من طريق تمتام وهو بمثناتين لقب محمد بن غالب البغدادي الحافظ عنه، وفي سياقه ما ليس في سياق قريش بن حيان، وإنما أراد البخاري أصل الحديث‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 10:06 PM   #436
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْبُكَاءِ عِنْدَ الْمَرِيضِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب البكاء عند المريض‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ من رواية أبي ذر، قال الزين بن المنير‏:‏ ذكر المريض أعم من أن يكون أشرف على الموت أو هو في مبادئ المرض، لكن البكاء عادة إنما يقع عند ظهور العلامات المخوفة كما في قصة سعد بن عبادة في حديث هذا الباب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ أَهْلِهِ فَقَالَ قَدْ قَضَى قَالُوا لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَوْا فَقَالَ أَلَا تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ أَوْ يَرْحَمُ وَإِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَضْرِبُ فِيهِ بِالْعَصَا وَيَرْمِي بِالْحِجَارَةِ وَيَحْثِي بِالتُّرَابِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عمرو‏)‏ هو ابن الحارث المصري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد بن الحارث الأنصاري‏)‏ هو ابن أبي سعيد بن المعلى قاضي المدينة‏.‏
ووقع في رواية مسلم من طريق عمارة بن غزية عن سعيد بن الحارث بن المعلى فكأنه نسب أباه لجده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اشتكى‏)‏ أي ضعف و ‏"‏ شكوى ‏"‏ بغير تنوين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما دخل عليه‏)‏ زاد مسلم في رواية عمارة بن غزية ‏"‏ فاستأخر قومه من حوله حتى دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين معه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في غاشية أهله‏)‏ بمعجمتين أي الذين يغشونه للخدمة وغيرها، وسقط لفظ ‏"‏ أهله ‏"‏ من أكثر الروايات، وعليه شرح الخطابي، فيجوز أن يكون المراد بالغاشية الغشية من الكرب، ويؤيده ما وقع في رواية مسلم في غشيته‏.‏
وقال التوربشتي‏:‏ الغاشية هي الداهية من شر أو من مرض أو من مكروه، والمراد ما يتغشاه من كرب الوجع الذي هو فيه لا الموت، لأنه أفاق من تلك المرضة وعاش بعدها زمانا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما رأى القوم بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا‏)‏ في هذا إشعار بأن هذه القصة كانت بعد قصة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن عبد الرحمن بن عوف كان معهم في هذه ولم يعترضه بمثل ما اعترض به هناك، فدل على أنه تقرر عنده العلم بأن مجرد البكاء بدمع العين من غير زيادة على ذلك لا يضر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال ألا تسمعون‏)‏ لا يحتاج إلى مفعول لأنه جعل كالفعل اللازم، أي ألا توجدون السماع، وفيه إشارة إلى أنه فهم من بعضهم الإنكار، فبين لهم الفرق بين الحالتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الله‏)‏ بكسر الهمزة لأنه ابتداء كلام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يعذب بهذا‏)‏ أي إن قال سوءا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو يرحم‏)‏ إن قال خيرا، ويحتمل أن يكون معنى قوله ‏"‏ أو يرحم ‏"‏ أي إن لم ينفذ الوعيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه‏)‏ أي بخلاف غيره، ونظيره قوله في قصة عبد الله بن ثابت التي أخرجها مالك في الموطأ من حديث جابر بن عتيك، ففيه ‏"‏ فصاح النسوة، فجعل ابن عتيك يسكتهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ دعهن فإذا وجبت قلا تبكين باكية ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان عمر‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور إلى ابن عمر، وسقطت هذه الجملة وكذا التي قبلها من رواية مسلم، ولهذا طن بعض الناس أنهما معلقان‏.‏
وفي حديث ابن عمر من الفوائد استحباب عيادة المريض، وعيادة الفاضل للمفضول، والإمام أتباعه مع أصحابه، وفيه النهي عن المنكر وبيان الوعيد عليه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا يُنْهَى مِنْ النَّوْحِ وَالْبُكَاءِ وَالزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما ينهى من النوح والبكاء والزجر عن ذلك‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ عطف الزجر على النهي للإشارة إلى المؤاخذة الواقعة في الحديث بقوله ‏"‏ فاحث في أفواههن التراب‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ لَمَّا جَاءَ قَتْلُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ شَقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ قَدْ نَهَيْتُهُنَّ وَذَكَرَ أَنَّهُنَّ لَمْ يُطِعْنَهُ فَأَمَرَهُ الثَّانِيَةَ أَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنِي أَوْ غَلَبْنَنَا الشَّكُّ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ فَزَعَمَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ فَقُلْتُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْعَنَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبد الله بن حوشب‏)‏ بمهملة وشين معجمة وزن جعفر ثقة من أهل الطائف نزل الكوفة، ذكر الأصيلي أنه لم يرو عنه غير البخاري، وليس كذلك بل روى عنه أيضا محمد بن مسلم بن وارة الرازي كما ذكره المزي في التهذيب، وعبد الوهاب شيخه هو ابن عبد المجيد الثقفي، وقد تقدم الكلام على حديث عائشة قبل أربعة أبواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ غَيْرَ خَمْسِ نِسْوَةٍ أُمِّ سُلَيْمٍ وَأُمِّ الْعَلَاءِ وَابْنَةِ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةِ مُعَاذٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ ابْنَةِ أَبِي سَبْرَةَ وَامْرَأَةِ مُعَاذٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب‏)‏ هو الحجبي، وحماد هو ابن زيد، ومحمد هو ابن سيرين، والإسناد كله بصريون‏.‏
وقد رواه عارم عن حماد فقال‏:‏ ‏"‏ عن أيوب عن حفصة ‏"‏ بدل محمد أخرجه الطبراني، وله أصل عن حفصة كما سيأتي في الأحكام من طريق عبد الوارث عن أيوب عنها، فكأن حمادا سمعه من أيوب عن كل منهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عند البيعة‏)‏ أي لما بايعهن على الإسلام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فما وفت‏)‏ أي بترك النوح‏.‏
وأم سليم هي بنت ملحان والدة أنس، وأم العلاء تقدم ذكرها في ثالث باب من كتاب الجنائز، وابنة أبي سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة، وأما قوله أو ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ فهو شك من أحد رواته هل ابنة أبي سبرة هي امرأة معاذ أو غيرها، وسيأتي في كتاب الأحكام من رواية حفصة عن أم عطية بالشك أيضا، والذي يظهر لي أن الرواية بواو العطف أصح لأن امرأة معاذ وهو ابن جبل هي أم عمرو بنت خلاد بن عمرو السلمية ذكرها ابن سعد، فعلى هذا فابنة أبي سبرة غيرها‏.‏
ووقع في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ لأبي موسى من طريق حفصة عن أم عطية ‏"‏ وأم معاذ ‏"‏ بدل قوله وامرأة معاذ وكذا في رواية عارم، لكن لفظه ‏"‏ أو أم معاذ بنت أبي سبرة ‏"‏ وفي الطبراني من رواية ابن عون عن ابن سيرين عن أم عطية ‏"‏ فما وفت غير أم سليم وأم كلثوم وامرأة معاذ بن أبي سبرة ‏"‏ كذا فيه والصواب ما في الصحيح امرأة معاذ وبنت أبي سبرة، ولعل بنت أبي سبرة يقال لها أم كلثوم، وإن كانت الرواية التي فيها أم معاذ محفوظة فلعلها أم معاذ بن جبل وهي هند بنت سهل الجهنية ذكرها ابن سعد أيضا، وعرف بمجموع هذه النسوة الخمس وهي أم سليم وأم العلاء وأم كلثوم وأم عمرو وهند - إن كانت الرواية محفوظة - وإلا فيختلج في خاطري أن الخامسة هي أم عطية راوية الحديث‏.‏
ثم وجدت ما يؤيده من طريق عاصم عن حفصة عن أم عطية بلفظ ‏"‏ فما وقت غيري وغير أم سليم ‏"‏ أخرجه الطبراني أيضا‏.‏
ثم وجدت ما يرده وهو ما أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت ‏"‏ كان فيما أخذ علينا أن لا ننوح ‏"‏ الحديث، فزاد في آخره ‏"‏ وكانت لا تعد نفسها لأنها لما كان يوم الحرة لم تزل النساء بها حتى قامت معهن فكانت لا تعد نفسها لذلك ‏"‏ ويجمع بأنها تركت عد نفسها من يوم الحرة‏.‏
قلت‏:‏ يوم الحرة قتل فيه من الأنصار من لا يحصى عدده ونهبت المدينة الشريفة وبذل فيها السيف ثلاثة أيام وكان ذلك في أيام يزيد بن معاوية، وفي حديث أم عطية مصداق ما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنهن ناقصات عقل ودين‏.‏
وفيه فضيلة ظاهرة للنسوة المذكورات، قال عياض‏:‏ معنى الحديث لم يف ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم مع أم عطية في الوقت الذي بايعت فيه النسوة إلا المذكورات، لا أنه لم يترك النياحة من المسلمات غير خمسة‏.‏
وسيأتي الكلام على بقية فوائده في تفسير سورة الممتحنة إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 10:08 PM   #437
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْقِيَامِ لِلْجَنَازَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب القيام للجنازة‏)‏ إي إذا مرت على من ليس معها، وأما قيام من كان معها إلى أن توضع بالأرض فسيأتي في ترجمة مفردة‏.‏
وسنذكر اختلاف العلماء في كل منهما فيما بعد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ قَالَ سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ الْحُمَيْدِيُّ حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى تخلفكم‏)‏ بضم أوله وفتح المعجمة وتشديد اللام المكسورة بعدها فاء أي تترككم وراءها، ونسبة ذلك إليها على سبيل المجاز لأن المراد حاملها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان‏)‏ هذا السياق لفظ الحميدي في مسنده، ويحتمل أن يكون علي بن عبد الله حدث به على السياقين فقال مرة ‏"‏ عن سفيان حدثنا الزهري عن سالم ‏"‏ وقال مرة ‏"‏ قال الزهري أخبرني سالم ‏"‏ والمراد من السياقين أن كلا منهما سمعه من شيخه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏زاد الحميدي‏)‏ يعني عن سفيان بهذا الإسناد، وقد رويناه موصلا في مسنده، وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريقه كذلك، وكذا أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وثلاثة معه أربعتهم عن سفيان بالزيادة إلا أنه في سياقهم بالعنعنة، وفي هذا الإسناد رواية تابعي عن تابعي وصحابي عن صحابي في نسق والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَتَى يَقْعُدُ إِذَا قَامَ لِلْجَنَازَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب متى يقعد إذا قام للجنازة‏)‏ سقط هذا الباب والترجمة من رواية المستملي وثبتت الترجمة دون الباب لرفيقه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ جِنَازَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاشِيًا مَعَهَا فَلْيَقُمْ حَتَّى يُخَلِّفَهَا أَوْ تُخَلِّفَهُ أَوْ تُوضَعَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُخَلِّفَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يخلفها أو تخلفه‏)‏ شك من البخاري، أو من قتيبة حين حدثه به، وقد رواه النسائي عن قتيبة ومسلم عن قتيبة ومحمد بن رمح كلاهما عن الليث فقالا‏:‏ ‏"‏ حتى تخلفه ‏"‏ من غير شك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو توضع من قبل أن تخلفه‏)‏ فيه بيان للمراد من رواية سالم الماضية، وقد أخرجه مسلم من طريق ابن جريج عن نافع بلفظ ‏"‏ إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه إذا كان غير متبعها‏"‏‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَا يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ عَنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ فَإِنْ قَعَدَ أُمِرَ بِالْقِيَامِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال‏)‏ كأنه أشار بهذا إلى ترجيح رواية من روى في حديث الباب ‏"‏ حتى توضع بالأرض ‏"‏ على رواية من روى ‏"‏ حتى توضع في اللحد ‏"‏ وفيه اختلاف على سهيل بن أبي صالح عن أبيه، قال أبو داود‏:‏ ‏"‏ رواه أبو معاوية عن سهيل فقال ‏"‏ حتى توضع في اللحد‏"‏، وخالفه الثوري وهو أحفظ فقال ‏"‏ في الأرض ‏"‏ انتهى، ورواه جرير عن سهيل فقال ‏"‏ حتى توضع ‏"‏ حسب، وزاد ‏"‏ قال سهيل‏:‏ ورأيت أبا صالح لا يجلس حتى توضع عن مناكب الرجال ‏"‏ أخرجه أبو نعيم في المستخرج بهذه الزيادة، وهو في مسلم بدونها، وفي المحيط للحنفية‏:‏ الأفضل أن يهال عليها التراب، وحجتهم رواية أبي معاوية، ورجح الأول عند البخاري بفعل أبي صالح لأنه راوي الخبر أعرف بالمراد منه، ورواية أبي معاوية مرجوحة كما قال أبو داود‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن قعد أمر بالقيام‏)‏ فيه إشارة إلى أن القيام في هذا لا يفوت بالقعود، لأن المراد به تعظيم أمر الموت، وهو لا يفوت بذلك‏.‏
وأما قول المهلب‏:‏ قعود أبي هريرة ومروان يدل على أن القيام ليس بواجب وأنه ليس عليه العمل، فإن أراد أنه ليس بواجب عندهما فظاهر، وإن أراد في نفس الأمر فلا دلالة فيه على ذلك‏.‏
ويدل على الأول ما رواه الحاكم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فساق نحو القصة المذكورة وزاد ‏"‏ إن مروان لما قال له أبو سعيد قم قام، ثم قال له‏:‏ لم أقمتني‏؟‏ فذكر الحديث‏.‏
فقال لأبي هريرة‏:‏ فما منعك أن تخبرني‏؟‏ قال‏:‏ كنت إماما فجلست‏"‏‏.‏
فعرف بهذا أن أبا هريرة لم يكن يراه واجبا، وأن مروان لم يكن يعرف حكم المسألة قبل ذلك، وأنه بادر إلى العمل بها بخبر أبي سعيد‏.‏
وروى الطحاوي من طريق الشعبي عن أبي سعيد قال ‏"‏ مر على مروان بجنازة فلم يقم، فقال له أبو سعيد‏.‏
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت عليه جنازة فقام، فقام مروان ‏"‏ وأظن هذه الرواية مختصرة من القصة‏.‏
وقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال أكثر الصحابة والتابعين باستحبابه كما نقله ابن المنذر، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن، وروى البيهقي من طريق أبي حازم الأشجعي عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما أن القائم مثل الحامل، يعني في الأجر‏.‏
وقال الشعبي والنخعي‏:‏ يكره القعود قبل أن توضع‏.‏
وقال بعض السلف‏:‏ يجب القيام، واحتج له برواية سعيد عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا ‏"‏ ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد جنازة قط فجلس حتى توضع ‏"‏ أخرجه النسائي‏.‏
‏(‏تنبيهان‏)‏ الأول‏:‏ قال الزين بن المنير‏:‏ إنما نوع هذه التراجم مع إمكان جمعها في ترجمة واحدة للإشارة إلى الاعتناء بها وما يختص كل طريق منها بحكمة، ولأن بعض ذلك وقع فيما ليس على شرطه فاكتفى بذكره في الترجمة لصلاحيته للاستدلال‏.‏
‏(‏الثاني‏)‏ ‏:‏ قال ثبت بين حديثي الباب ترجمة لفظها ‏"‏ باب من تبع جنازة ‏"‏ وجد ذلك في نسخة محررة مسموعة، فإن سقطت في غيرها قدم من أثبت على من نفى، قال‏:‏ وإنما لم يستغن عنها بما قبلها لتصريحه في الخبر بأنهما جلسا قبل أن توضع، وأطال في تقرير ذلك وأن ذكرها أولى من حذفها‏.‏
وهو عجيب منه فإن الذي تضمنه الحديث الثاني من الزيادة قد اشتملت عليه الترجمة الأولى، وليس في الترجمة زيادة على ما في الحديثين إلا قوله ‏"‏ عن مناكب الرجال ‏"‏ وقد ذكرت من وقعت في روايته‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسلم‏)‏ هو ابن إبراهيم، وهشام هو الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير، وحديث أبي سعيد هذا أبين سياقا من حديث عامر بن ربيعة، وهو يوضح أن المراد بالغاية المذكورة من كان معها أو مشاهدا لها، وأما من مرت به فليس عليه من القيام إلا قدر ما تمر عليه أو توضع عنده بأن يكون بالمصلى مثلا‏.‏
وروى أحمد من طريق سعيد بن مرجانة عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ من صلى على جنازة ولم يمش معها فليقم حتى تغيب عنه، وإن مشى معها فلا يقعد حتى توضع ‏"‏ وفي هذا السياق بيان لغاية القيام، وأنه لا يختصن بمن مرت به، ولفظ القيام يتناول من كان قاعدا، فأما من كان راكبا فيحتمل أن يقال ينبغي له أن يقف ويكون الوقوف في حقه كالقيام في حق القاعد، واستدل بقوله ‏"‏ فإن لم يكن معها ‏"‏ على أن شهود الجنازة لا يجب على الأعيان‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ قَامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قام لجنازة يهودي‏)‏ أي أو نحوه من أهل الذمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَرَّ بِنَا جَنَازَةٌ فَقَامَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُمْنَا بِهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو الدستوائي و ‏(‏يحيى‏)‏ هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مر بنا‏)‏ بضم الميم على البناء للمجهول‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ مرت ‏"‏ بفتح الميم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقام‏)‏ زاد غير كريمة ‏"‏ لها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقمنا‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ وقمنا ‏"‏ بالواو، وزاد الأصيلي وكريمة ‏"‏ له ‏"‏ والضمير للقيام أي لأجل قيامه، وزاد أبو داود من طريق الأوزاعي عن يحيى ‏"‏ فلما ذهبنا لنحمل قيل إنها جنازة يهودي ‏"‏ زاد البيهقي من طريق أبي قلابة الرقاشي عن معاذ بن فضالة شيخ البخاري فيه ‏"‏ فقال إن الموت فزع ‏"‏ وكذا لمسلم من وجه آخر عن هشام‏.‏
قال القرطبي‏:‏ معناه أن الموت يفزع منه، إشارة إلى استعظامه، ومقصود الحديث أن لا يستمر الإنسان على الغفلة بعد رؤية الموت، لما يشعر ذلك من التساهل بأمر الموت، قمن ثم استوى فيه كون الميت مسلما أو غير مسلم‏.‏
وقال غيره‏:‏ جعل نفس الموت فزعا مبالغة كما يقال رجل عدل، قال البيضاوي‏:‏ هو مصدر جرى مجرى الوصف للمبالغة، وفيه تقدير أي الموت ذو فزع انتهى‏.‏
ويؤيد الثاني رواية أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ إن للموت فزعا ‏"‏ أخرجه ابن ماجه، وعن ابن عباس مثله عند البزار قال‏:‏ وفيه تنبيه على أن تلك الحالة ينبغي لمن رآها أن يقلق من أجلها ويضطرب، ولا يظهر منه عدم الاحتفال والمبالاة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَالَا إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ أَلَيْسَتْ نَفْسًا وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ كُنْتُ مَعَ قَيْسٍ وَسَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ زَكَرِيَّاءُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ وَقَيْسٌ يَقُومَانِ لِلْجَنَازَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فمروا عليهما‏)‏ في رواية المستملي والحموي ‏"‏ عليهم ‏"‏ أي على قيس وهو ابن سعد بن عبادة وسهل وهو ابن حنيف ومن كان حينئذ معهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من أهل الأرض أي من أهل الذمة‏)‏ كذا فيه بلفظ أي التي يفسر بها، وهي رواية الصحيحين وغيرهما، وحكى ابن التين عن الداودي أنه شرحه بلفظ أو التي للشك‏.‏
وقال‏:‏ لم أره لغيره، وقيل لأهل الذمة أهل الأرض لأن المسلمين لما فتحوا البلاد أقروهم على عمل الأرض وحمل الخراج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أليست نفسا‏)‏ هذا لا يعارض التعليل المتقدم حيث قال ‏"‏ إن للموت فزعا ‏"‏ على ما تقدم، وكذا ما أخرجه الحاكم من طريق قتادة عن أنس مرفوعا فقال ‏"‏ إنما قمنا للملائكة‏"‏، ونحوه لأحمد من حديث أبي موسى، ولأحمد وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا ‏"‏ إنما تقومون إعظاما للذي يقبض النفوس ‏"‏ ولفظ ابن حبان ‏"‏ إعظاما لله الذي يقبض الأرواح ‏"‏ فإن ذلك أيضا لا ينافي التعليل السابق، لأن القيام للفزع من الموت فيه تنظيم لأمر الله، وتعظيم للقائمين بأمره في ذلك وهم الملائكة، وأما ما أخرجه أحمد من حديث الحسن بن علي قال ‏"‏ إنما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم أذيا بريح اليهودي ‏"‏ زاد الطبراني من حديث عبد الله بن عياش بالتحتانية والمعجمة ‏"‏ فأذاه ريح بخورها ‏"‏ وللطبراني والبيهقي من وجه آخر عن الحسن ‏"‏ كراهية أن تعلو رأسه ‏"‏ فإن ذلك لا يعارض الأخبار الأولى الصحيحة، أما أولا فلأن أسانيدها لا تقاوم تلك في الصحة، وأما ثانيا فلأن التعليل بذلك راجع إلى ما فهمه الراوي، والتعليل الماضي صريح من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فكأن الراوي لم يسمع التصريح بالتعليل منه فعلل باجتهاده‏.‏
وقد روى ابن أبي شيبة من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت قال ‏"‏ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلعت جنازة، فلما رآها قام وقام أصحابه حتى بعدت، والله ما أدري من شأنها أو من تضايق المكان، وما سألناه عن قيامه ‏"‏ ومقتضى التعليل بقوله ‏"‏ أليست نفسا ‏"‏ أن ذلك يستحب لكل جنازة، وإنما اقتصر في الترجمة على اليهودي وقوفا مع لفظ الحديث، وقد اختلف أهل العلم في أصل المسألة فذهب الشافعي إلى أنه غير واجب فقال‏:‏ هذا إما أن يكون منسوخا أو يكون قام لعلة، وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله، والحجة في الآخر من أمره، والقعود أحب إلي انتهى‏.‏
وأشار بالترك إلى حديث علي ‏"‏ إنه صلى الله عليه وسلم قام للجنازة ثم قعد ‏"‏ أخرجه مسلم، قال البيضاوي‏:‏ يحتمل قول علي ‏"‏ ثم قعد ‏"‏ أي بعد أن جاوزته وبعدت عنه، ويحتمل أن يريد كان يقوم في وقت ثم ترك القيام أصلا، وعلى هذا يكون فعله الأخير قرينة في أن المراد بالأمر الوارد في ذلك الندب، ويحتمل أن يكون نسخا للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر، والأول أرجح لأن احتمال المجاز - يعني في الأمر - أولى من دعوى النسخ انتهى‏.‏
والاحتمال الأول يدفعه ما رواه البيهقي من حديث علي أنه أشار إلى قوم قاموا أن يجلسوا ثم حدثهم الحديث، ومن ثم قال بكراهة القيام جماعة منهم سليم الرازي وغيره من الشافعية‏.‏
وقال ابن حزم‏:‏ قعوده صلى الله عليه وسلم بعد أمره بالقيام يدل على أن الأمر للندب، ولا يجوز أن يكون نسخا لأن النسخ لا يكون إلا بنهي أو بترك معه نهي انتهى‏.‏
وقد ورد معنى النهي من حديث عبادة قال ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم للجنازة، فمر به حبر من اليهود فقال‏:‏ هكذا نفعل، فقال‏:‏ اجلسوا وخالفوهم ‏"‏ أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي، فلو لم يكن إسناده ضعيفا لكان حجة في النسخ‏.‏
وقال عياض‏:‏ ذهب جمع من السلف إلى أن الأمر بالقيام منسوخ بحديث علي، وتعقبه النووي بأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع وهو هنا ممكن قال‏:‏ والمختار أنه مستحب، وبه قال المتولي انتهى‏.‏
وقول صاحب المهذب هو على التخيير كأنه مأخوذ من قول الشافعي المتقدم لما تقضيه صيغة أفعل من الاشتراك، ولكن القعود عنده أولى، وعكسه قول ابن حبيب وابن الماجشون من المالكية‏:‏ كان قعوده صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز، فمن جلس فهو في سعة، ومن قام فله أجر‏.‏
واستدل بحديث الباب على جواز إخراج جنائز أهل الذمة نهارا غير متميزة عن جنائز المسلمين، أشار إلى ذلك الزين بن المنير قال‏:‏ وإلزامهم بمخالفة رسوم المسلمين وقع اجتهادا من الأئمة‏.‏
ويمكن أن يقال إذا ثبت النسخ للقيام تبعه ما عداه، فيحمل على أن ذلك كان عند مشروعية القيام، فلما ترك القيام منع من الإظهار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو حمزة‏)‏ هو السكري، وعمرو هو ابن مرة المذكور في الإسناد الذي قبله، وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق عبدان عن أبي حمزة ولفظه نحو حديث شعبة، إلا أنه قال في روايته‏:‏ فمرت عليهما جنازة فقاما، ولم يقل فيه بالقادسية‏.‏
وأراد المصنف بهذا التعليق بيان سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى لهذا الحديث من سهل وقيس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال زكرياء‏)‏ هو ابن أبي زائدة، وطريقه هذه موصولة عند سعيد بن منصور عن سفيان بن عيينة عنه، وأبو مسعود المذكور فيها هو البدري، ويجمع بين ما وقع فيه من الاختلاف بأن عبد الرحمن بن أبي ليلى ذكر قيسا وسهلا مفردين لكونهما رفعا له الحديث، وذكره مرة أخرى عن قيس وأبي مسعود لكون أبي مسعود لم يرفعه‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 10:09 PM   #438
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب حَمْلِ الرِّجَالِ الْجِنَازَةَ دُونَ النِّسَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب حمل الرجال الجنازة دون النساء‏)‏ قال ابن رشيد‏:‏ ليست الحجة من حديث الباب بظاهرة في منع النساء، لأنه من الحكم المعلق على شرط‏.‏
وليس فيه أن لا يكون الواقع إلا ذلك، لو سلم فهو من مفهوم اللقب‏.‏
ثم أجاب بأن كلام الشارع مهما أمكن حمله على التشريع لا يحمل على مجرد الإخبار عن الواقع، ويؤيده العدول عن المشاكلة في الكلام حيث قال‏:‏ إذا وضعت فاحتملها الرجال، ولم يقل فاحتملت، فلما قطع احتملت عن مشاكلة وضعت دل على قصد تخصيص الرجال بذلك، وأيضا فجواز ذلك للنساء وإن كان يؤخذ بالبراءة الأصلية لكنه معارض بأن في الحمل على الأعناق والأمر بالإسراع مظنة الانكشاف غالبا، وهو مباين‏.‏
للمطلوب منهن من التستر مع ضعف نفوسهن عن مشاهدة الموتى غالبا فكيف بالحمل، مع ما يتوقع من صراخهن عند حمله ووضعه وغير ذلك من وجوه المفاسد انتهى ملخصا‏.‏
وقد ورد ما هو أصرح من هذا في منعهن، ولكنه على غير شرط المصنف، ولعله أشار إليه وهو ما أخرجه أبو يعلى من حديث أنس قال ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فرأى نسوة فقال‏:‏ أتحملنه‏؟‏ قلن‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ أتدفنه‏؟‏ قلن‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ فارجعن مأزورات غير مأجورات‏"‏‏.‏
ونقل النووي في ‏"‏ شرح المهذب ‏"‏ أنه لا خلاف في هذه المسألة بين العلماء، والسبب فيه ما تقدم، ولأن الجنازة لا بد أن يشيعها الرجال فلو حملها النساء لكان ذلك ذريعة إلى اختلاطهن بالرجال فيفضي إلى الفتنة‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ قد عذر الله النساء لضعفهن حيث قال ‏(‏إلا المستضعفين من الرجال والنساء‏)‏ الآية، وتعقبه الزين بن المنير بأن الآية لا تدل على اختصاصهن بالضعف بل على المساواة انتهى‏.‏
والأولى أن ضعف النساء بالنسبة إلى الرجال من الأمور المحسوسة التي لا تحتاج إلى دليل خاص‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ قَدِّمُونِي وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه أنه سمع أبا سعيد‏)‏ لسعيد المقبري فيه إسناد آخر رواه ابن أبي ذئب عنه عن عبد الرحمن بن مهران عن أبي هريرة أخرجه النسائي وابن حبان وقال‏:‏ الطريقان جميعا محفوظان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا وضعت الجنازة‏)‏ في رواية ابن أبي ذئب المذكورة ‏"‏ إذا وضع الميت على السرير ‏"‏ فدل على أن المراد بالجنازة الميت، وقد تقدم أن هذا اللفظ يطلق على الميت وعلى السرير الذي يحمل عليه أيضا، وسيأتي بقية الكلام عليه بعد باب‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب السُّرْعَةِ بِالْجِنَازَةِ
وَقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْتُمْ مُشَيِّعُونَ وَامْشِ بَيْنَ يَدَيْهَا وَخَلْفَهَا وَعَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ شِمَالِهَا وَقَالَ غَيْرُهُ قَرِيبًا مِنْهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب السرعة بالجنازة‏)‏ أي نعد أن تحمل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أنس‏:‏ أنتم مشيعون، فامش‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فامشوا ‏"‏ وأثر أنس هذا وصله عبد الوهاب بن عطاء الخفاف في ‏"‏ كتاب الجنائز ‏"‏ له عن حميد عن أنس بن مالك أنه ‏"‏ سئل عن المشي في الجنازة فقال‏:‏ أمامها وخلفها، وعن يمينها وشمالها، إنما أنتم مشيعون‏"‏‏.‏
ورويناه عاليا في ‏"‏ رباعيات أبي بكر الشافعي ‏"‏ من طريق يزيد بن هرون عن حميد كذلك، وبنحوه أخرجه ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش عن حميد، وأخرجه عبد الرزاق عن أبي جعفر الرازي عن حميد ‏"‏ سمعت العيزار - يعني ابن حريث - سأل أنس بن مالك - يعني عن المشي مع الجنازة - فقال‏:‏ إنما أنت مشيع ‏"‏ فذكر نحوه، فاشتمل على فائدتين‏:‏ تسمية السائل، والتصريح بسماع حميد‏.‏
قال الزين بن المنير‏:‏ مطابقة هذا الأثر للترجمة أن الأثر يتضمن التوسعة على المشيعين وعدم التزامهم جهة معينة، وذلك لما علم من تفاوت أحوالهم في المشي، وقضية الإسراع بالجنازة أن لا يلزموا بمكان واحد يمشون فيه لئلا يشق على بعضهم ممن يضعف في المشي عمن يقوى عليه، ومحصله أن السرعة لا تتفق غالبا إلا مع عدم التزام المشي في جهة معينة فتناسبا، وقد سبق إلى نحو ذلك أبو عبد الله بن المرابط فقال‏:‏ قول أنس ليس من معنى الترجمة إلا من وجه أن الناس في مشيهم متفاوتون‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ ويمكن أن يقال لفظ المشي والتشييع في أثر أنس أعم من الإسراع والبطء، فلعله أراد أن يفسر أثر أنس بالحديث، قال‏:‏ ويمكن أن يكون أراد أن يبين بقول أنس أن المراد بالإسراع ما لا يخرج عن الوقار لمتبعها بالمقدار الذي يصدق عليه به المصاحبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره قريبا منها‏)‏ أي قال غير أنس مثل قول أنس وقيد ذلك بالقرب من الجنازة لأن من بعد عنها يصدق عليه أيضا أنه مشى أمامها وخلفها مثلا، والغير المذكور أظنه عبد الرحمن بن قرط بضم القاف وسكون الراء بعدها مهملة، قال سعيد بن منصور ‏"‏ حدثنا مسكين بن ميمون حدثني عروة بن رويم قال شهد عبد الرحمن بن قرط جنازة، فرأى ناسا تقدموا وآخرين استأخروا، فأمر بالجنازة فوضعت، ثم رماهم بالحجارة حتى اجتمعوا إليه، ثم أمر بها فحملت ثم قال‏:‏ بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها ‏"‏ وعبد الرحمن المذكور صحابي ذكر البخاري ويحيي بن معين أنه كان من أهل الصفة وكان واليا على حمص في زمن عمر، ودل إيراد البخاري لأثر أنس المذكور على اختيار هذا المذهب هو التخيير في المشي مع الجنازة، وهو قول الثوري وبه قال ابن حزم لكن قيده بالماشي اتباعا لما أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم من حديث المغيرة بن شعبة مرفوعا ‏"‏ الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها ‏"‏ وعن النخعي أنه إن كان في الجنازة نساء مشى أمامها وإلا فخلفها، وفي المسألة مذهبان آخران مشهوران‏:‏ فالجمهور على أن المشي أمامها أفضل، وفيه حديث لابن عمر أخرجه أصحاب السنن ورجاله رجال الصحيح إلا أنه اختلف في وصله وإرساله، ويعارضه ما رواه سعيد بن منصور وغيره من طريق عبد الرحمن بن أبزى عن علي قال ‏"‏ المشي خلفها أفضل من المشي أمامها كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ ‏"‏ إسناده حسن، وهو موقوف له حكم المرفوع، لكن حكى الأثرم عن أحمد أنه تكلم في إسناده، وهو قول الأوزاعي وأبي حنيفة ومن تبعهما‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَفِظْنَاهُ مِنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حفظناه من الزهري‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ عن ‏"‏ بدل من، والأول أولى لأنه يقتضي سماعه منه بخلاف رواية المستملي، وقد صرح الحميدي في مسنده بسماع سفيان له من الزهري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد بن المسيب‏)‏ كذا قال سفيان وتابعه معمر وابن أبي حفصة عند مسلم، وخالفهم يونس فقال ‏"‏ عن الزهري حدثني أبو أمامة بن سهل عن أبي هريرة ‏"‏ وهو محمول على أن للزهري فيه شيخين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أسرعوا‏)‏ نقل ابن قدامة أن الأمر فيه للاستحباب بلا خلاف بين العلماء، وشذ ابن حزم فقال بوجوبه، والمراد بالإسراع شدة المشي وعلى ذلك حمله بعض السلف وهو قول الحنفية‏.‏
قال صاحب الهداية‏:‏ ويمشون بها مسرعين دون الخبب، وفي المبسوط‏:‏ ليس فيه شيء مؤقت، غير أن العجلة أحب إلى أبي حنيفة، وعن الشافعي والجمهور المراد بالإسراع ما فوق سجية المشي المعتاد، ويكره الإسراع الشديد‏.‏
ومال عياض إلى نفي الخلاف فقال‏:‏ من استحبه أراد الزيادة على المشي المعتاد، ومن كرهه أراد الإفراط فيه كالرمل‏.‏
والحاصل أنه يستحب الإسراع لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة بالميت أو مشقة على الحامل أو المشيع لئلا ينافي المقصود من النظافة وإدخال المشقة على المسلم، قال القرطبي‏:‏ مقصود الحديث أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن، ولأن التباطؤ ربما أدى إلى التباهي والاختيال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالجنازة‏)‏ أي بحملها إلى قبرها، وقيل المعنى بتجهيزها، فهو أعم من الأول، قال القرطبي‏:‏ والأول أظهر‏.‏
وقال النووي‏:‏ الثاني باطل مردود بقوله في الحديث ‏"‏ تضعونه عن رقابكم‏"‏‏.‏
وتعقبه الفاكهي بأن الحمل على الرقاب قد يعبر به عن المعاني كما تقول حمل فلان على رقبته ذنوبا، فيكون المعنى استريحوا من نظر من لا خير فيه، قال‏:‏ ويؤيده أن الكل لا يحملونه انتهى‏.‏
ويؤيده حديث ابن عمر ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره ‏"‏ أخرجه الطبراني بإسناد حسن، ولأبي داود من حديث حصين بن وحوح مرفوعا ‏"‏ لا ينبغي لجيفة مسلم أن تبقى بين ظهراني أهله ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن تك صالحة‏)‏ أي الجثة المحمولة‏.‏
قال الطيبي‏:‏ جعلت الجنازة عين الميت، وجعلت الجنازة التي هي مكان الميت مقدمة إلى الخير الذي كني به عن عمله الصالح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فخير‏)‏ هو خبر مبتدأ محذوف أي فهو خير، أو مبتدأ خبره محذوف أي فلها خير، أو فهناك خير، ويؤيده رواية مسلم بلفظ ‏"‏ قربتموها إلى الخير ‏"‏ ويأتي في قوله بعد ذلك ‏"‏ فشر ‏"‏ نظير ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تقدمونها إليه‏)‏ الضمير راجع إلى الخير باعتبار الثواب، قال ابن مالك‏:‏ روي ‏"‏ تقدمونه إليها ‏"‏ فأنث الضمير على تأويل الخير بالرحمة أو الحسنى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تضعونه عن رقابكم‏)‏ استدل به على أن حمل الجنازة يختص بالرجال للإتيان فيه بضمير المذكر ولا يخفى ما فيه‏.‏
وفيه استحباب المبادرة إلى دفن الميت، لكن بعد أن يتحقق أنه مات، أما مثل المطعون والمفلوج والمسبوت فينبغي أن لا يسرع بدفنهم حتى يمضي يوم وليلة ليتحقق موتهم، نبه على ذلك ابن بزيزة، ويؤخذ من الحديث ترك صحبة أهل البطالة وغير الصالحين‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 10:11 PM   #439
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ الْمَيِّتِ وَهُوَ عَلَى الْجِنَازَةِ قَدِّمُونِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الميت وهو على الجنازة‏)‏ أي السرير ‏(‏قدموني‏)‏ أي إن كان صالحا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ قَدِّمُونِي وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ لِأَهْلِهَا يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ وَلَوْ سَمِعَ الْإِنْسَانُ لَصَعِقَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا وضعت الجنازة‏)‏ يحتمل أن يريد بالجنازة نفس الميت وبوضعه جعله في السرير، ويحتمل أن يريد السرير والمرد وضعها على الكتف، والأول أولى لقوله بعد ذلك ‏"‏ فإن كانت صالحة قالت ‏"‏ فإن المراد به الميت‏.‏
ويؤيده رواية عبد الرحمن بن مهران عن أبي هريرة المذكور بلفظ ‏"‏ إذا وضع المؤمن على سريره يقول قدموني ‏"‏ الحديث‏.‏
وظاهره أن قائل ذلك هو الجسد المحمول على الأعناق‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ إنما يقول ذلك الروح، ورده ابن المنير بأنه لا مانع أن يرد الله الروح إلى الجسد في تلك الحال ليكون ذلك زيادة في بشرى المؤمن وبؤس الكافر، وكذا قال غيره وزاد‏:‏ ويكون ذلك مجازا باعتبار ما يؤول إليه الحال بعد إدخال القبر وسؤال الملكين‏.‏
قلت‏:‏ وهو بعيد ولا حاجة إلى دعوى إعادة الروح إلى الجسد قبل الدفن لأنه يحتاج إلى دليل، فمن الجائز أن يحدث الله النطق في الميت إذا شاء‏.‏
وكلام ابن بطال فيما يظهر لي أصوب‏.‏
وقال ابن بزيرة‏.‏
قوله في آخر الحديث ‏"‏ يسمع صوتها كل شيء ‏"‏ دال على أن ذلك بلسان القال لا بلسان الحال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن كانت غير ذلك‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ غير صالحة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قالت لأهلها‏)‏ قال الطيبي‏:‏ أي لأجل أهلها إظهارا لوقوعه في الهلكة، وكل من وقع في الهلكة دعا بالويل‏.‏
ومعني النداء يا حزني‏.‏
وأضاف الويل إلى ضمير الغائب حملا على المعنى كراهية أن يضيف الويل إلى نفسه، أو كأنه لما أبصر نفسه غير صالحة نفر عنها وجعلها كأنها غيره‏.‏
ويؤيد الأول أن في رواية أبي هريرة المذكورة ‏"‏ قال يا ويلتاه أين تذهبون بي ‏"‏ فدل على أن ذلك من تصرف الرواة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لصعق‏)‏ أي لغشي عليه من شدة ما يسمعه، وربما أطلق ذلك على الموت، والضمير في يسمعه راجع إلى دعائه بالويل أي يصيح بصوت منكر لو سمعه الإنسان لغشي عليه قال ابن بزيزة‏:‏ هو مختص بالميت الذي هو غير صالح، وأما الصالح فمن شأنه اللطف والرفق في كلامه فلا يناسب الصعق من سماع كلامه انتهى‏:‏ ويحتمل أن يحصل الصعق من سماع كلام الصالح لكونه غير مألوف، وقد روى أبو القاسم بن منده هذا الحديث في ‏"‏ كتاب الأهوال ‏"‏ بلفظ ‏"‏ لو سمعه الإنسان لصعق من المحسن والمسيء ‏"‏ فإن كان المراد به المفعول دل على وجود الصعق عند سماع كلام الصالح أيضا، وقد استشكل هذا مع ما ورد في حديث السؤال في القبر فيضربه ضربة فيصعق صعقة يسمعه كل شيء إلا الثقلين، والجامع بينهما الميت والصعق، والأول استثني فيه الإنس فقط، والثاني استثني فيه الجن والإنس‏.‏
والجواب أن كلام الميت بما ذكر لا يقتضي وجود الصعق - وهو الفزع -إلا من الآدمي لكونه لم يألف سماع كلام الميت، بخلاف الجن في ذلك‏.‏
وأما الصيحة التي يصيحها المضروب فإنها غير مألوفة للإنس والجن جميعا، لكون سببها عذاب الله ولا شيء أشد منه على كل مكلف فاشترك فيه الجن والإنس والله أعلم‏.‏
واستدل به على أن كلام الميت يسمعه كل حيوان ناطق وغير ناطق، لكن قال ابن بطال‏:‏ هو عام أريد به الخصوص، وإن المعني يسمعه من له عقل كالملائكة والجن والإنس، لأن المتكلم روح وإنما يسمع الروح من هو روح مثله‏.‏
وتعقب بمنع الملازمة إذ لا ضرورة إلى التخصيص، بل لا يستثنى إلا الإنسان كما هو ظاهر الخبر، وإنما اختص الإنسان بذلك إبقاء عليه، وبأنه لا مانع من إنطاق الله الجسد بغير روح كما تقدم‏.‏
والله تعالى أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ صَفَّ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً عَلَى الْجِنَازَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من صف صفين أو ثلاثة على الجنازة خلف الإمام‏)‏ أورد فيه حديث جابر في الصلاة على النجاشي وفيه كنت في الصف الثاني أو الثالث، وقد اعترض عليه بأنه لا يلزم من كونه في الصف الثاني أو الثالث أن يكون ذلك منتهى الصفوف، وبأنه ليس في السياق ما يدل على كون الصفوف خلف الإمام‏.‏
والجواب عن الأول أن الأصل عدم الزائد، وقد روى مسلم من طريق أيوب عن أبي الزبير عن جابر قصة الصلاة على النجاشي فقال ‏"‏ فقمنا فصفنا صفين ‏"‏ فعرف بهذا أن من روى عنه كنت في الصف الثاني أو الثالث شك هل كان هنالك صف ثالث أم لا، وبذلك تصح الترجمة‏.‏
وعن الثاني بأنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه صريحا كما سيأتي في هجرة الحبشة من وجه آخر عن قتادة بهذا الإسناد بزيادة ‏"‏ فصفنا وراءه ‏"‏ ووقع في الباب الذي يليه من حديث أبي هريرة بلفظ ‏"‏ فصفوا خلفه ‏"‏ وسنذكر بقية فوائد الحديث فيه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصُّفُوفِ عَلَى الْجِنَازَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصفوف على الجنازة‏)‏ قال الزين بن المنير ما ملخصه‏:‏ إنه أعاد الترجمة لأن الأولى لم يحزم فيها بالزيادة على الصفين‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ أومأ المصنف إلى الرد على عطاء حيث ذهب إلى أنه لا يشرع فيها تسوية الصفوف، يعني كما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج قال‏:‏ قلت لعطاء أحق على الناس أن يسووا صفوفهم على الجنائز كما يسوونها في الصلاة‏؟‏ قال‏:‏ لا، إنما يكبرون ويستغفرون‏.‏
وأشار المصنف بصيغة الجمع إلى ما ورد في استحباب ثلاثة صفوف، وهو ما رواه أبو داود وغيره من حديث مالك بن هبيرة مرفوعا ‏"‏ من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب ‏"‏ حسنه الترمذي وصححه الحاكم وفي رواية له ‏"‏ إلا غفر له ‏"‏ قال الطبري‏:‏ ينبغي لأهل الميت إذا لم يخشوا عليه التغير أن ينتظروا به اجتماع قوم يقوم منهم ثلاثة صفوف لهذا الحديث انتهى‏.‏
وتعقب بعضهم الترجمة بأن أحاديث الباب ليس فيها صلاة على جنازة، وإنما فيها الصلاة على الغائب أو على من في القبر، وأجيب بأن الاصطفاف إذا شرع والجنازة غائبة ففي الحاضرة أولى‏.‏
وأجاب الكرماني بأن المراد بالجنازة في الترجمة الميت سواء كان مدفونا أو غير مدفون، فلا منافاة بين الترجمة والحديث‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نَعَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ النَّجَاشِيَّ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفُّوا خَلْفَهُ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد‏)‏ هو ابن المسيب كذا رواه أصحاب معمر البصريون عنه، وكذا هو في مصنف عبد الرزاق عن معمر، وأخرجه النسائي عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق فقال فيه ‏"‏ عن سعيد وأبي سلمة ‏"‏ وكذا أخرجه ابن حبان من طريق يونس عن الزهري عنهما، وكذا ذكره الدارقطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ من طريق خالد بن مخلد وغيره عن مالك، والمحفوظ عن مالك ليس فيه ذكر أبي سلمة كذا هو في ‏"‏ الموطأ‏"‏، وكذا أخرجه المصنف كما تقدم في أوائل الجنائز، والمحفوظ عن الزهري أن نعي النجاشي والأمر بالاستغفار له عنده عن سعيد وأبي سلمة جميعا‏.‏
وأما قصة الصلاة عليه والتكبير فعنده عن سعيد وحده، كذا فصله عقيل عنه كما سيأتي بعد خمسة أبواب، وكذا يأتي في هجرة الحبشة من طريق صالح بن كيسان عنه، وذكر الدارقطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ الاختلاف فيه وقال‏:‏ إن الصواب ما ذكرناه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نعي النجاشي‏)‏ بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة ثم ياء ثقيلة كياء النسب، وقيل بالتخفيف ورجحه الصغاني، وهو لقب من ملك الحبشة، وحكى المطرزي تشديد الجيم عن بعضهم وخطأه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم تقدم‏)‏ زاد ابن ماجه من طريق عبد الأعلى عن معمر ‏"‏ فخرج وأصحابه إلى البقيع فصفنا خلفه ‏"‏ وقد تقدم في أوائل الجنائز من رواية مالك بلفظ ‏"‏ فخرج بهم إلى المصلى ‏"‏ والمراد بالبقيع بقيع بطحان، أو يكون المراد بالمصلى موضعا معدا للجنائز ببقيع الغرقد غير مصلى العيدين والأول أظهر، وقد تقدم في العيدين أن المصلى كان ببطحان والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَصَفَّهُمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا قُلْتُ مَنْ حَدَّثَكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسلم‏)‏ هو ابن إبراهيم، وحديث ابن عباس المذكور سيأتي الكلام عليه بعد اثني عشر بابا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تُوُفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ الْحَبَشِ فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ قَالَ فَصَفَفْنَا فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَعَهُ صُفُوفٌ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي

الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش‏)‏ بفتح المهملة والموحدة بعدها معجمة، في رواية مسلم من طريق يحيي بن سعيد عن ابن جريج ‏"‏ مات اليوم عبد لله صالح أصحمة ‏"‏ وللمصنف في هجرة الحبشة من طريق ابن عيينة عن ابن جريج ‏"‏ فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة ‏"‏ وسيأتي ضبط هذا الاسم بعد في ‏"‏ باب التكبير على الجنازة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد المستملي في روايته ‏"‏ ونحن صفوف ‏"‏ وبه يصح مقصود الترجمة‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ يؤخذ مقصودها من قوله ‏"‏ فصففنا ‏"‏ لأن الغالب أن الملازمين له صلى الله عليه وسلم كانوا كثيرا، ولا سيما مع أمره لهم بالخروج إلى المصلى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو الزبير عن جابر كنت في الصف الثاني‏)‏ وصله النسائي من طريق شعبة عن أبي الزبير بلفظ ‏"‏ كنت في الصف الثاني يوم صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي ‏"‏ ووهم من نسب وصل هذا التعليق لرواية مسلم، فإنه أخرجه من طريق أيوب عن أبي الزبير وليس فيه مقصود التعليق‏.‏
وفي الحديث دلالة على أن للصفوف على الجنازة تأثيرا ولو كان الجمع كثيرا، لأن الظاهر أن الذين ذلك فقد صفهم، وهذا هو الذي فهمه مالك بن هبيرة الصحابي المقدم ذكره فكان يصف من يحضر الصلاة على الجنازة ثلاثة صفوف سواء قلوا أو كثروا، ويبقى النظر فيما إذا تعددت الصفوف والعدد قليل، أو كان الصف واحدا والعدد كثير أيهما أفضل‏؟‏ وفي قصة النجاشي علم من أعلام النبوة، لأنه صلى الله عليه وسلم أعلمهم بموته في اليوم الذي مات فيه، مع بعد ما بين أرض الحبشة والمدينة‏.‏
واستدل به على منع الصلاة على الميت في المسجد وهو قول الحنفية والمالكية، لكن قال أبو يوسف‏:‏ إن أعد مسجد للصلاة على الموتى لم يكن في الصلاة فيه عليهم بأس‏.‏
قال النووي‏:‏ ولا حجة فيه، لأن الممتنع عند الحنفية إدخال الميت المسجد لا مجرد الصلاة عليه، حتى لو كان الميت خارج المسجد جازت الصلاة عليه لمن هو داخله‏.‏
وقال ابن بزيزة وغيره‏:‏ استدل به بعض المالكية، وهو باطل لأنه ليس فيه صيغة نهي، ولاحتمال أن يكون خرج بهم إلى المصلى لأمر غير المعنى المذكور، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد، فكيف يترك هذا الصريح لأمر محتمل‏؟‏ بل الظاهر أنه إنما خرج بالمسلمين إلى المصلى لقصد تكثير الجمع الذين يصلون عليه، ولإشاعة كونه مات على الإسلام، فقد كان بعض الناس لم يدركونه أسلم، فقد روى ابن أبي حاتم قي التفسير من طريق ثابت والدارقطني في ‏"‏ الأفراد ‏"‏ والبزار من طريق حميد كلاهما عن أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى على النجاشي قال بعض أصحابه‏:‏ صلى على علج من الحبشة، فنزلت ‏(‏وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم‏)‏ الآية ‏"‏ وله شاهد في معجم الطبراني الكبير من حديث وحشي بن حرب وآخر عنده في الأوسط من حديث أبي سعيد وزاد فيه أن الذي طعن بذلك فيه كان منافقا، واستدل به على مشروعية الصلاة على الميت الغائب عن البلد، وبذلك قال الشافعي وأحمد وجمهور السلف، حتى قال ابن حزم‏:‏ لم يأت عن أحد من الصحابة منعه‏.‏
قال الشافعي‏:‏ الصلاة على الميت دعاء له، وهو إذا كان ملففا يصلي عليه فكيف لا يدعى له وهو غائب أو في القبر بذلك الوجه الذي يدعى له به وهو ملفف‏؟‏ وعن الحنفية والمالكية لا يشرع ذلك، وعن بعض أهل العلم إنما يحوز ذلك في اليوم الذي يموت فيه الميت أو ما قرب منه لا ما إذا طالت المدة حكاه ابن عبد البر‏.‏
وقال ابن حبان‏:‏ إنما يحوز ذلك لمن كان في جهة القبلة، فلو كان بلد الميت مستدبر القبلة مثلا لم يحز، قال المحب الطبري‏:‏ لم أر ذلك لغيره وحجته حجة الذي قبله‏:‏ الجمود على قصة النجاشي، وستأتي حكاية مشاركة الخطابي لهم في هذا الجمود‏.‏
وقد اعتذر من لم يقل بالصلاة على الغائب عن قصة النجاشي بأمور‏:‏ منها أنه كان بأرض لم يصل عليه بها أحد، فتعينت الصلاة عليه لذلك، ومن ثم قال الخطابي لا يصلي على الغائب إلا إذا وقع موته بأرض ليس بها من يصلي عليه، واستحسنه الروياني من الشافعية، وبه ترجم أبو داود في السنن ‏"‏ الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك ببلد آخر ‏"‏ وهذا محتمل إلا أنني لم أقف في شيء من الأخبار على أنه لم يصل عليه في بلده أحد، ومن ذلك قول بعضهم‏:‏ كشف له صلى الله عليه وسلم عنه حتى رآه، فتكون صلاته عليه كصلاة الإمام على ميت رآه ولم يره المأمومون ولا خلاف في جوازها‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ هذا يحتاج إلى نقل، ولا يثبت بالاحتمال‏.‏
وتعقبه بعض الحنفية بأن الاحتمال كاف في مثل هذا من جهة المانع، وكأن مستند قائل ذلك ما ذكره الواقدي في أسبابه بغير إسناد عن ابن عباس قال ‏"‏ كشف النبي صلى الله عليه وسلم عن سرير النجاشي حتى رآه وصلى عليه ‏"‏ ولابن حبان من حديث عمران بن حصين ‏"‏ فقام وصفوا خلفه وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه ‏"‏ أخرجه من طريق الأوزاعي عن يحيي بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب عنه، ولأبي عوانة من طريق أبان وغيره عن يحيى ‏"‏ فصلينا خلفه ونحن لا نرى إلا أن الجنازة قدامنا‏"‏‏.‏
ومن الاعتذارات أيضا أن ذلك خاص بالنجاشي لأنه لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى على ميت غائب غيره، قال المهلب‏:‏ وكأنه لم يثبت عنده قصة معاوية الليثي وقد ذكرت في ترجمته في الصحابة أن خبره قوي بالنظر إلى مجموع طرقه، واستند من قال بتخصيص النجاشي لذلك إلى ما تقدم من إرادة إشاعة أنه مات مسلما أو استئلاف قلوب الملوك الذين أسلموا في حياته، قال النووي‏:‏ لو فتح باب هذا الخصوص لا نسد كثير من ظواهر الشرع، مع أنه لو كان شيء مما ذكروه لتوفرت الدواعي على نقله‏.‏
وقال ابن العربي المالكي‏:‏ قال المالكية ليس ذلك إلا لمحمد، قلنا‏:‏ وما عمل به محمد تعمل به أمته، يعني لأن الأصل عدم الخصوصية‏.‏
قالوا‏:‏ طويت له الأرض وأحضرت الجنازة بين يديه، قلنا‏:‏ إن ربنا عليه لقادر وإن نبينا لأهل لذلك، ولكن لا تقولوا إلا ما رويتم، ولا تخترعوا حديثا من عند أنفسكم، ولا تحدثوا إلا بالثابتات ودعوا الضعاف، فإنها سبيل تلاف، إلى ما ليس له تلاف‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ قولهم رفع الحجاب عنه ممنوع، ولئن سلمنا فكان غائبا عن الصحابة الذين صلوا عليه مع النبي صلى الله عليه وسلم قلت‏:‏ وسبق إلى ذلك الشيخ أبو حامد في تعليقه، ويؤيده حديث مجمع بن جارية بالجيم والتحتانية في قصة الصلاة على النجاشي قال ‏"‏ فصففنا خلفه صفين وما نرى شيئا ‏"‏ أخرجه الطبراني، وأصله في ابن ماجه، لكن أجاب بعض الحنفية عن ذلك بما تقدم من أنه يصير كالميت الذي يصلي عليه الإمام وهو يراه ولا يراه المأمومون فإنه جائز اتفاقا‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ أجمع كل من أجاز الصلاة على الغائب أن ذلك يسقط فرض الكفاية، إلا ما حكي عن ابن القطان أحد أصحاب الوجوه من الشافعية أنه قال‏:‏ يجوز ذلك ولا يسقط الفرض، وسيأتي الكلام على الاختلاف في عدد التكبير على الجنازة في باب مفرد‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-31-2013, 10:14 PM   #440
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




باب صُفُوفِ الصِّبْيَانِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْجَنَائِزِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب صفوف الصبيان مع الرجال في الجنائز‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ على الجنائز ‏"‏ أي عند إرادة الصلاة عليها‏.‏
وقد تقدم الجواب عن الترجمة على الجنازة وإرادة الصلاة على القبر في الباب الذي قبله، وتقدم أن الكلام على المتن يأتي مستوفى بعد اثني عشر بابا، وسيأتي بعد ثلاث تراجم ‏"‏ باب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز ‏"‏ وذكر فيه طرفا من حديث ابن عباس المذكور، وكان ابن عباس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم دون البلوغ لأنه شهد حجة الوداع وقد قارب الاحتلام كما تقدم بيان ذلك في كتاب الصلاة‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب سُنَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ وَقَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ وَقَالَ صَلُّوا عَلَى النَّجَاشِيِّ سَمَّاهَا صَلَاةً لَيْسَ فِيهَا رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ وَلَا يُتَكَلَّمُ فِيهَا وَفِيهَا تَكْبِيرٌ وَتَسْلِيمٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُصَلِّي إِلَّا طَاهِرًا وَلَا يُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبِهَا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَقَالَ الْحَسَنُ أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَأَحَقُّهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَى جَنَائِزِهِمْ مَنْ رَضُوهُمْ لِفَرَائِضِهِمْ وَإِذَا أَحْدَثَ يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ عِنْدَ الْجَنَازَةِ يَطْلُبُ الْمَاءَ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَإِذَا انْتَهَى إِلَى الْجَنَازَةِ وَهُمْ يُصَلُّونَ يَدْخُلُ مَعَهمْ بِتَكْبِيرَةٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ يُكَبِّرُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالسَّفَرِ وَالْحَضَرِ أَرْبَعًا وَقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ التَّكْبِيرَةُ الْوَاحِدَةُ اسْتِفْتَاحُ الصَّلَاةِ وَقَالَ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَفِيهِ صُفُوفٌ وَإِمَامٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب سنة الصلاة على الجنازة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ المراد بالسنة ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم فيها، يعني فهو أعم من الواجب والمندوب، ومراده بما ذكره هنا من الآثار والأحاديث أن لها حكم غيرها من الصلوات والشرائط والأركان وليست مجرد دعاء فلا تجزئ بغير طهارة مثلا، وسيأتي بسط ذلك في أواخر الباب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى على الجنازة‏)‏ هذا طرف من حديث سيأتي موصولا بعد باب، وهذا اللفظ عند مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة وعن حديث ثوبان أيضا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال صلوا على صاحبكم‏)‏ هذا طرف من حديث لسلمة بن الأكوع سيأتي موصولا في أوائل الحوالة أوله ‏"‏ كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة فقالوا‏:‏ صل عليها، فقال‏:‏ هل عليه دين ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال صلوا على النجاشي‏)‏ تقدم الكلام عليه قريبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سماها صلاة‏)‏ أي يشترط فيها ما يشترط في الصلاة وإن لم يكن فيها ركوع ولا سجود، فإنه لا يتكلم فيها ويكبر فيها ويسلم منها بالاتفاق، وإن اختلف في عدد التكبير والتسليم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر لا يصلي إلا طاهرا‏)‏ وصله مالك في الموطأ عن نافع بلفظ ‏"‏ إن ابن عمر كان يقول‏:‏ لا يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا يصلي عند طلوع الشمس ولا غروبها‏)‏ وصله سعيد بن منصور من طريق أيوب عن نافع قال ‏"‏ كان ابن عمر إذا سئل عن الجنازة بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر يقول‏:‏ ما صليتا لوقتهما‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ‏"‏ ما ‏"‏ في قوله ما صليتا ظرفية، يدل عليه رواية مالك عن نافع قال ‏"‏ كان ابن عمر يصلي على الجنازة بعد الصبح والعصر إذا صليتا لوقتهما ‏"‏ ومقتضاه أنهما إذا أخرتا إلى وقت الكراهة عنده لا يصلي عليها حينئذ، ويبين ذلك ما رواه مالك أيضا عن محمد بن أبي حرملة ‏"‏ أن ابن عمر قال وقد أتي بجنازة بعد صلاة الصبح بغلس‏:‏ إما أن تصلوا عليها وإما أن تتركوها حتى ترتفع الشمس ‏"‏ فكأن ابن عمر يرى اختصاص الكراهة بما عند طلوع الشمس وعند غروبها لا مطلق ما بين الصلاة وطلوع الشمس أو غروبها‏.‏
وروى ابن أبي شيبة من طريق ميمون بن مهران قال ‏"‏ كان ابن عمر يكره الصلاة على الجنازة إذا طلعت الشمس وحين تغرب ‏"‏ وقد تقدم ذلك عنه واضحا في ‏"‏ باب الصلاة في مسجد قباء ‏"‏ وإلى قول ابن عمر في ذلك ذهب مالك والأوزاعي والكوفيون وأحمد وإسحاق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويرفع يديه‏)‏ وصله البخاري في ‏"‏ كتاب رفع اليدين ‏"‏ و ‏"‏ الأدب المفرد ‏"‏ من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ إنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة ‏"‏ وقد روي مرفوعا أخرجه الطبراني في الأوسط من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر بإسناد ضعيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن إلخ‏)‏ لم أره موصولا، وقوله ‏"‏من رضوه ‏"‏ في رواية الحموي والمستملي ‏"‏ من رضوهم ‏"‏ بصيغة الجمع‏.‏
وفائدة أثر الحسن هذا بيان أنه نقل عن الذين أدركهم وهو جمهور الصحابة أنهم كانوا يلحقون صلاة الجنازة بالصلوات التي يجمع فيها، وقد جاء عن الحسن ‏"‏ أن أحق الناس بالصلاة على الجنازة الأب ثم الابن ‏"‏ أخرجه عبد الرزاق، وهي مسألة اختلاف بين أهل العلم، فروى ابن أبي شيبة عن جماعة منهم سالم والقاسم وطاوس أن إمام الحي أحق‏.‏
وقال علقمة والأسود وآخرون‏:‏ الوالي أحق من الولي، وهو قول مالك وأبي حنيفة والأوزاعي وأحمد وإسحاق وقال أبو يوسف والشافعي‏:‏ الولي أحق من الوالي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا أحدث يوم العيد أو عند الجنازة يطلب الماء ولا يتيمم‏)‏ يحمل أن يكون هذا الكلام معطوفا على أصل الترجمة، ويحتمل أن يكون بقية كلام الحسن، وقد وجدت عن الحسن في هذه المسألة اختلافا، فروى سعيد بن منصور عن حماد بن زيد عن كثير ين شنظير قال ‏"‏ سئل الحسن عن الرجل يكون في الجنازة على غير وضوء فإن ذهب يتوضأ تفوته، قال‏:‏ يتيمم ويصلي ‏"‏ وعن هشيم عن يونس عن الحسن مثله، وروى ابن أبي شيبة عن حفص عن أشعث عن الحسن قال ‏"‏ لا يتيمم ولا يصلي إلا على طهر ‏"‏ وقد ذهب جمع من السلف إلى أنه يجزي لها التيمم لمن خاف فواتها لو تشاغل بالوضوء، وحكاه ابن المنذر عن عطاء وسالم والزهري والنخعي وربيعة والليث والكوفيين، وهي رواية عن أحمد، وفيه حديث مرفوع عن ابن عباس رواه ابن عدي وإسناده ضعيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا انتهى إلى الجنازة يدخل معهم بتكبيرة‏)‏ وجدت هذا الأثر عن الحسن وهو يقوي الاحتمال الثاني، قال ابن أبي شيبة‏:‏ حدثنا معاذ عن أشعث عن الحسن في الرجل ينتهي إلى الجنازة وهم يصلون عليها، قال‏:‏ يدخل معهم بتكبيرة‏.‏
والمخالف في هذا بعض المالكية‏.‏
وفي مختصر ابن الحاجب‏:‏ وفي دخول المسبوق بين التكبيرتين أو انتظار التكبير قولان انتهى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن المسيب إلخ‏)‏ لم أره موصولا عنه، ووجدت معناه بإسناد قوي عن عقبة بن عامر الصحابي أخرجه ابن أبي شيبة عنه موقوفا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أنس التكبيرة الواحدة استفتاح الصلاة‏)‏ وصله سعيد بن منصور عن إسماعيل بن علية عن يحيى بن أبي إسحاق قال قال رزيق بن كريم لأنس بن مالك‏:‏ رجل صلى فكبر ثلاثا، قال أنس‏:‏ أو ليس التكبير ثلاثا‏؟‏ قال‏:‏ يا أبا حمزة التكبير أربع، قال‏:‏ أجل، غير أن واحدة هي استفتاح الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال‏)‏ أي الله سبحانه وتعالى ‏(‏ولا تصل على أحد منهم‏)‏ وهذا معطوف على أصل الترجمة‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏وفيه صفوف وإمام‏)‏ معطوف على قوله ‏"‏ وفيها تكبير وتسليم ‏"‏ قرأت بخط مغلطاي‏:‏ كأن البخاري أراد الرد على مالك، فإن ابن العربي نقل عنه أنه استحب أن يكون المصلون على الجنازة سطرا واحدا، قال‏:‏ ولا أعلم لذلك وجها‏.‏
وقد تقدم حديث مالك بن هبيرة في استحباب الصفوف‏.‏
ثم أورد المصنف حديث ابن عباس في الصلاة على القبر، وسيأتي الكلام عليه قريبا، وموضع الترجمة منه قوله ‏"‏ فأمنا فصففنا خلفه ‏"‏ قال ابن رشيد نقلا عن ابن المرابط وغيره ما محصله‏:‏‏:‏ مراد هذا الباب الرد على من يقول إن الصلاة على الجنازة إنما هي دعاء لها واستغفار فتجوز على غير طهارة، فأول المصنف الرد عليه من جهة التسمية التي سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة، ولو كان الغرض الدعاء وحده لما أخرجهم إلى البقيع، ولدعا في المسجد وأمرهم بالدعاء معه أو التأمين على دعائه، ولما صفهم خلفه كما يصنع في الصلاة المفروضة والمسنونة، وكذا وقوفه في الصلاة وتكبيره في افتتاحها وتسليمه في التحلل منها كل ذلك دال على أنها على الأبدان لا على اللسان وحده، وكذا امتناع الكلام فيها، وإنما لم يكن فيها ركوع ولا سجود لئلا يتوهم بعض الجهلة أنها عبادة للميت فيضل بذلك انتهى‏.‏
ونقل ابن عبد البر الاتفاق على اشتراط الطهارة لها إلا عن الشعبي، قال ووافقه إبراهيم بن علية وهو ممن يرغب عن كثير من قوله‏.‏
ونقل غيره أن ابن جرير الطبري وافقهما على ذلك وهو مذهب شاذ، قال ابن رشيد‏:‏ وفي استدلال البخاري - بالأحاديث التي صدر بها الباب من تسميتها صلاة - لمطلوبه من إثبات شرط الطهارة إشكال، لأنه إن تمسك بالعرف الشرعي عارضه عدم الركوع والسجود، وإن تمسك بالحقيقة اللغوية عارضته الشرائط المذكورة ولم يستو التبادر في الإطلاق فيدعي الاشتراك لتوقف الإطلاق على القيد عند إرادة الجنازة بخلاف ذات الركوع والسجود، فتعين الحمل على المجاز انتهى‏.‏
ولم يستدل البخاري على مطلوبه بمجرد تسميتها صلاة بل بذلك وبما انضم إليه من وجود جميع الشرائط إلا الركوع والسجود، وقد تقدم ذكر الحكمة في حذفهما منها فبقي ما عداهما على الأصل‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ غرض البخاري بيان جواز إطلاق الصلاة على صلاة الجنازة وكونها مشروعة وإن لم يكن فيها ركوع وسجود، فاستدل تارة بإطلاق اسم الصلاة والأمر بها، وتارة بإثبات ما هو من خصائص الصلاة نحو عدم التكلم فيها، وكونها مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، وعدم صحتها بدون الطهارة، وعدم أدائها عند الوقت المكروه وبرفع اليد وإثبات الأحقية بالإمامة، وبوجوب طلب الماء لها، وبكونها ذات صفوف إمام‏.‏
قال‏:‏ وحاصله أن الصلاة لفظ مشترك بين ذات الأركان المخصوصة وبين صلاة الجنازة، وهو حقيقة شرعية فيهما انتهى كلامه‏.‏
وقد قال بذلك غيره‏.‏
ولا يخفى أن بحث ابن رشيد أقوى، ومطلوب المصنف حاصل كما قدمته بدون الدعوى المذكورة بل بإثبات ما مر من خصائصها كما تقدم‏.‏
والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
كاتب الموضوع حسن الخليفه احمد مشاركات 538 المشاهدات 70942  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:40 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
::×:: هذا المُنتدى لا يمثل الموقع الرسمي للطريقة الختمية بل هُو تجمُّع فكري وثقافي لشباب الختمية::×::

تصميم: صبري طه