القبول يا رب - شباب الطريقة الختمية بدائرة ود ابراهيم بأم بدة

مجموعة مدائح ختمية.. شباب الطريقة الختمية بمسجد السيد علي الميرغني ببحري


غير مسجل أهلاً ومرحباً بكم

العودة   منتديات الختمية > الأقسام العامة > مكتبة الميرغني الإليكترونية
التسجيل التعليمات المجموعات التقويم مشاركات اليوم البحث

مكتبة الميرغني الإليكترونية خاصة بجميع مؤلفات السادة المراغنة

فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه

مكتبة الميرغني الإليكترونية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-30-2013, 02:46 PM   #241
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْفَجْرِ رَكْعَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أدرك من الفجر ركعة‏)‏ تقدم الكلام على الحكمة في حذف جواب الشرط من الترجمة في ‏"‏ باب من أدرك من العصر ركعة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ الْأَعْرَجِ يُحَدِّثُونَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏يحدثونه‏)‏ أي يحدثون زيد بن أسلم‏.‏
ورجال الإسناد كلهم مدنيون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقد أدرك الصبح‏)‏ الإدراك الوصول إلى الشيء، فظاهره أنه يكتفي بذلك، وليس ذلك مرادا بالإجماع، فقيل يحمل على أنه أدرك الوقت، فإذا صلى ركعة أخرى فقد كملت صلاته، وهذا قول الجمهور، وقد صرح بذلك في رواية الدراوردي عن زيد بن أسلم أخرجه البيهقي من وجهين ولفظه ‏"‏ من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وركعة بعدما تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة ‏"‏ وأصرح منه رواية أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء - وهو ابن يسار - عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ من صلى ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس فلم يفته العصر‏"‏‏.‏
وقال مثل ذلك في الصبح، وقد تقدمت رواية المصنف في ‏"‏ باب من أدرك من العصر ركعة ‏"‏ من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة وقال فيها ‏"‏ فليتم صلاته‏"‏، وللنسائي من وجه آخر ‏"‏ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها، إلا أنه يقضي ما فاته‏"‏، وللبيهقي من وجه آخر ‏"‏ من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى‏"‏‏.‏
ويؤخذ من هذا الرد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحوها، وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة، وهو مبني على أن الكراهة تتناول الفرض والنفل وهي خلافية مشهورة، قال الترمذي‏:‏ وبهذا يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، وخالف أبو حنيفة فقال‏:‏ من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته، واحتج لذلك بالأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وادعى بعضهم أن أحاديث النهي ناسخة لهذا الحديث، وهي دعوى تحتاج إلى دليل، فإنه لا يصار إلى النسخ بالاحتمال، والجمع بين الحديثين ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما لا سبب له من النوافل، ولا شك أن التخصيص، أولى من ادعاء النسخ، ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركا للوقت، وللفقهاء في ذلك تفاصيل بين أصحاب الأعذار وغيرهم، وبين مدرك الجماعة ومدرك الوقت، وكذا مدرك الجمعة، ومقدار هذه الركعة قدر ما يكبر للإحرام ويقرأ أم القرآن ويركع ويرفع ويسجد سجدتين بشروط كل ذلك‏.‏
وقال الرافعي‏:‏ المعتبر فيها أخف ما يقل عليه أحد، وهذا في حق غير أصحاب الأعذار، أما أصحاب الأعذار - كمن أفاق من إغماء، أو طهرت من حيض أو غير ذلك - فإن بقي من الوقت هذا القدر كانت الصلاة في حقهم أداء‏.‏
وقد قال قوم‏:‏ يكون ما أدرك في الوقت أداء وبعده قضاء، وقيل يكون كذلك لكنه يلتحق بالأداء حكما، والمختار أن الكل أداء وذلك من فضل الله تعالى‏.‏
ونقل بعضهم الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر‏.‏
والله أعلم‏.‏
‏(‏لطيفة‏)‏ أورد المصنف في ‏"‏ باب من أدرك من العصر ‏"‏ طريق أبي سلمة عن أبي هريرة، وفي هذا الباب طريق عطاء بن يسار ومن معه عن أبي هريرة، لأنه قدم في طريق أبي سلمة ذكر العصر، وقدم في هذا ذكر الصبح فناسب أن يذكر في كل منهما ما قدم لما يشعر به التقديم من اهتمام‏.‏
والله الهادي للصواب‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أدرك من الصلاة ركعة‏)‏ هكذا ترجم، وساق الحديث بلفظ ‏"‏ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ‏"‏ وقد رواه مسلم من رواية عبيد الله العمري عن الزهري، وأحال به على حديث مالك، وأخرجه البيهقي وغيره من الوجه الذي أخرجه منه مسلم ولفظه كلفظ ترجمة هذا الباب، قدم قوله ‏"‏ من الصلاة ‏"‏ على قوله ‏"‏ ركعة ‏"‏ وقد وضح لنا بالاستقراء أن جميع ما يقع في تراجم البخاري مما يترجم بلفظ الحديث لا يقع فيه شيء مغاير للفظ الحديث الذي يورده إلا وقد ورد من وجه آخر بذلك اللفظ المغاير، فلله دره ما أكثر اطلاعه‏.‏
والظاهر أن هذا أعم من حديث الباب الماضي قبل عشرة أبواب، ويحتمل أن تكون اللام عهدية فيتحدا، ويؤيده أن كلا منهما من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة، وهذا مطلق وذاك مقيد فيحمل المطلق على المقيد‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ الفرق بينهما أن الأول فيمن أدرك من الوقت قدر ركعة، وهذا فيمن أدرك من الصلاة ركعة، كذا قال‏.‏
وقال بعد ذلك‏:‏ وفي الحديث أن من دخل في الصلاة فصلى ركعة وخرج الوقت كان مدركا لجميعها، وتكون كلها أداء، وهو الصحيح‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا يدل على اتحاد الحديثين عنده لجعلهما متعلقين بالوقت، بخلاف مما قال أولا‏.‏
وقال التيمي‏:‏ معناه من أدرك مع الإمام ركعة فقد أدرك فضل الجماعة‏.‏
وقيل‏:‏ المراد بالصلاة الجمعة، وقيل غير ذلك‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏فقد أدرك الصلاة‏)‏ ليس على ظاهره بالإجماع، لما قدمناه من أنه لا يكون بالركعة الواحدة مدركا لجميع الصلاة بحيث تحصل براءة ذمته من الصلاة، فإذا فيه إضمار تقديره‏:‏ فقد أدرك وقت الصلاة، أو حكم الصلاة، أو نحو ذلك، ويلزمه إتمام بقيتها‏.‏
وقد تقدم بقية مباحثه في الباب الذي قبله‏.‏
ومفهوم التقييد بالركعة أن من أدرك دون الركعة لا يكون مدركا لها، وهو الذي استقر عليه الاتفاق، وكان فيه شذوذ قديم منها إدراك الإمام راكعا يجزئ ولو لم يدرك معه الركوع، وقيل يدرك الركعة ولو رفع الإمام رأسه ما لم يرفع بقية من ائتم به رءوسهم ولو بقي واحد، وعن الثوري وزفر‏:‏ إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه أدرك إن وضع يديه على ركبتيه قبل رفع الإمام، وقيل‏:‏ من أدرك تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع أدرك الركعة، وعن أبي العالية‏:‏ إذا أدرك السجود أكمل بقية الركعة معهم ثم يقوم فيركع فقط وتجزيه‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً  
عزيزنا الزائر لن تتمكن من مشاهدة التوقيع إلاَّ بتسجيل دخولك
قم بتسجيل الدخول أو قم بالتسجيل من هنا
رد مع اقتباس
قديم 03-30-2013, 02:49 PM   #242
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس‏)‏ يعني ما حكمها‏؟‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يثبت حكم النهي، لأن تعين المنهي عنه في هذا الباب مما كثر فيه الاختلاف، وخص الترجمة بالفجر من اشتمال الأحاديث على الفجر والعصر، لأن الصبح هي المذكورة أولا في سائر أحاديث الباب‏.‏
قلت‏:‏ أو لأن العصر ورد فيها كونه صلى الله عليه وسلم صلى بعدها، بخلاف الفجر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَاسٌ بِهَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو ابن أبي عبد الله الدستوائي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي العالية‏)‏ هو الرياحي بالياء التحتانية واسمه رفيع بالتصغير، ووقع مصرحا به عند الإسماعيلي من رواية غندر عن شعبة، وأورد المصنف طريق يحيى وهو القطان عن شعبة عن قتادة سمعت أبا العالية‏.‏
والسر فيها التصريح بسماع قتادة له من أبي العالية وإن كانت طريق هشام أعلى منها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شهد عندي‏)‏ أي أعلمني أو أخبرني، ولم يرد شهادة الحكم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مرضيون‏)‏ أي لا شك في صدقهم ودينهم‏.‏
وفي رواية الإسماعيلي من طريق يزيد بن زريع عن همام ‏"‏ شهد عندي رجال مرضيون فيهم عمر ‏"‏ وله من رواية شعبة ‏"‏ حدثني رجال أحبهم إلى عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ناس بهذا‏)‏ أي بهذا الحديث بمعناه، فإن مسددا رواه ومن طريقه البيهقي ولفظه ‏"‏ حدثني ناس أعجبهم إلى عمر ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ حتى تطلع الشمس ‏"‏ ووقع في الترمذي عنه ‏"‏ سمعت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر، وكان من أحبهم إلي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعد الصبح‏)‏ أي بعد صلاة الصبح لأنه لا جائز أن يكون الحكم فيه معلقا بالوقت، إذ لا بد من أداء الصبح، فتعين التقدير المذكور‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ هذا الحديث معمول به عند فقهاء الأمصار، وخالف بعض المتقدمين وبعض الظاهرية من بعض الوجوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى تشرق‏)‏ بضم أوله من أشرق، يقال أشرقت الشمس ارتفعت وأضاءت، ويؤيده حديث أبي سعيد الآتي في الباب بعده بلفظ ‏"‏ حتى ترتفع الشمس ‏"‏ ويروى بفتح أوله وضم ثالثه بوزن تغرب يقال شرقت الشمس أي طلعت، ويؤيده رواية البيهقي من طريق أخرى عن ابن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ حتى تشرق الشمس أو تطلع ‏"‏ على الشك، وقد ذكرنا أن في رواية مسدد ‏"‏ حتى تطلع الشمس ‏"‏ بغير شك، وكذا هو في حديث أبي هريرة الآتي آخر الباب بلفظ ‏"‏ حتى تطلع الشمس ‏"‏ بالجزم، ويجمع بين الحديثين بأن المراد بالطلوع طلوع مخصوص، أي حتى تطلع مرتفعة‏.‏
قال النووي‏:‏ أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في الأوقات المنهي عنها، واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها، واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة تحية المسجد وسجود التلاوة والشكر وصلاة العيد والكسوف وصلاة الجنازة وقضاء الفائتة، فذهب الشافعي وطائفة إلى جواز ذلك كله بلا كراهة، وذهب أبو حنيفة وآخرون إلى أن ذلك داخل في عموم النهي، واحتج الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر، وهو صريح في قضاء السنة الفائتة فالحاضرة أولى والفريضة المقضية أولى، ويلتحق ما له سبب‏.‏
قلت‏:‏ وما نقله من الإجماع والاتفاق متعقب، فقد حكى غيره عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهي منسوخة، وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر، وبذلك جزم ابن حزم، وعن طائفة أخرى المنع مطلقا في جميع الصلوات، وصح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات، وحكى آخرون الإجماع على جواز صلاة الجنازة في الأوقات المكروهة، وهو متعقب بما سيأتي في بابه، وما ادعاه ابن حزم وغيره من النسخ مستندا إلى حديث ‏"‏ من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى ‏"‏ فدل على إباحة الصلاة في الأوقات المنهية‏.‏
انتهى‏.‏
وقال غيرهم‏:‏ ادعاء التخصيص أولى من ادعاء النسخ فيحمل النهي على ما لا سبب له، ويخص منه ما له سبب صلى الله عليه وسلم جمعا بين الأدلة، والله أعلم‏.‏
وقال البيضاوي‏:‏ اختلفوا في جواز الصلاة بعد الصبح والعصر وعند الطلوع والغروب وعند الاستواء، فذهب داود إلى الجواز مطلقا وكأنه حمل النهي على التنزيه‏.‏
قلت‏:‏ بل المحكي عنه أنه ادعى النسخ كما تقدم، قال‏:‏ وقال الشافعي تجوز الفرائض وما له سبب من النوافل‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ يحرم الجميع سوى عصر يومه، وتحرم المنذورة أيضا‏.‏
وقال مالك‏:‏ تحرم النوافل دون الفرائض، ووافقه أحمد، لكنه استثنى ركعتي الطواف‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يقع لنا تسمية الرجال المرضيين الذين حدثوا ابن عباس بهذا الحديث، وبلغني أن بعض من تكلم على العمدة تجاسر وزعم أنهم المذكورون فيها عند قول مصنفها‏:‏ وفي الباب عن فلان وفلان‏.‏
ولقد أخطأ هذا المتجاسر خطأ بينا فلا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا وَقَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ تَابَعَهُ عَبْدَةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام‏)‏ هو ابن عروة بن الزبير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا تحروا‏)‏ أصله لا تتحروا، فحذفت إحدى التاءين، والمعنى لا تقصدوا‏.‏
واختلف أهل العلم في المراد بذلك، فمنهم من جعله تفسيرا للحديث السابق ومبينا للمراد به فقال‏:‏ لا تكره الصلاة بعد الصبح ولا بعد العصر إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها، وإلى ذلك جنح بعض أهل الظاهر وقواه ابن المنذر واحتج له‏.‏
وقد روى مسلم من طريق طاوس عن عائشة قالت‏:‏ وهم عمر، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها‏.‏
انتهى‏.‏
وسيأتي من قول ابن عمر أيضا ما يدل على ذلك قريبا بعد بابين، وربما قوى ذلك بعضهم بحديث ‏"‏ من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليضف إليها الأخرى ‏"‏ فأمر بالصلاة حينئذ، فدل على أن الكراهة مختصة بمن قصد الصلاة في ذلك الوقت لا من وقع له ذلك اتفاقا، وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر الباب الذي بعده، ومنهم من جعله نهيا مستقلا، وكره الصلاة في تلك الأوقات سواء قصد لها أم لم يقصد، وهو قول الأكثر‏.‏
قال البيهقي‏:‏ إنما قالت ذلك عائشة لأنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر، فحملت نهيه على من قصد ذلك لا على الإطلاق، وقد أجيب عن هذا بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى حينئذ قضاء كما سيأتي، وأما النهي فهو ثابت من طريق جماعة من الصحابة غير عمر رضي الله عنه، فلا اختصاص له بالوهم والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال‏:‏ حدثني ابن عمر‏)‏ هو مقول عروة أيضا، وهو حديث آخر، وقد أفرده الإسماعيلي وذكر أنه وقع له الحديثان معا من رواية على بن مسهر وعيسى بن يونس ومحمد بن بشر ووكيع ومالك ابن سعير ومحاضر كلهم عن هشام، وأنه وقع له الحديث الثاني فقط من رواية عبد الله بن نمير عن هشام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى ترتفع‏)‏ جعل ارتفاعها غاية النهي، وهو يقوى رواية من روى الحديث الماضي بلفظ ‏"‏ حتى تشرق ‏"‏ من الإشراق وهو الارتفاع كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه عبدة‏)‏ يعني ابن سليمان، والضمير يعود على يحيى بن سعيد وهو القطان، يعني تابع يحيى القطان على روايته لهذا الحديث عن هشام، ورواية عبدة هذه موصولة عند المصنف في بدء الخلق، وفيه الحديثان معا وقال فيه ‏"‏ حتى تبرز ‏"‏ بدل ترتفع‏.‏
وقال فيه ‏"‏ لا تحينوا، بالياء التحتانية والنون وزاد فيه ‏"‏ فإنها تطلع بين قرني شيطان ‏"‏ وفيه إشارة إلى علة النهي عن الصلاة في الوقتين المذكورين، وزاد مسلم من حديث عمرو بن عبسة ‏"‏ وحينئذ يسجد لها الكفار ‏"‏ فالنهي حينئذ لترك مشابهة الكفار، وقد اعتبر ذلك الشرع في أشياء كثيرة وفي هذا تعقب على أبي محمد البغوي حيث قال‏:‏ إن النهي عن ذلك لا يدرك معناه، وجعله من قبيل التعبد الذي يجب الإيمان به، وسيأتي الكلام على المراد بقوله ‏"‏ بين قرني الشيطان ‏"‏ في أوائل بدء الخلق إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حاجب الشمس‏)‏ أي طرف قرصها، قال الجوهري‏:‏ حواجب الشمس نواحيها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ صَلَاتَيْنِ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَعَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَعَنْ الِاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَعَنْ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ هو ابن عمر العمري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حفص بن عاصم‏)‏ أي ابن عمر بن الخطاب، وهو جد عبيد الله بن عمر المذكور في هذا الإسناد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن صلاتين‏)‏ محصل ما في الباب أربعة أحاديث‏:‏ الأول والأخير يتعلقان بالفعل، والثاني والثالث يتعلقان بالوقت، وقد تقدم نقل اختلاف العلماء في ذلك‏.‏
وسيأتي الكلام على البيعتين في كتاب البيع، وعلى اللبستين في كتاب اللباس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعد الفجر‏)‏ أي بعد صلاة الفجر كما تقدم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا تُتَحَرَّى الصَّلَاةُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا تتحرى‏)‏ بضم المثناة الفوقانية، والصلاة بالرفع لأنها في مقام الفاعل، أو بفتح المثناة التحتانية، والصلاة بالنصب والفاعل محذوف أي المصلي، وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر في الباب الذي قبله، ولا تنافي بين قوله في الترجمة ‏"‏ قبل الغروب ‏"‏ وبين قوله في الحديث ‏"‏ عند الغروب ‏"‏ لما نذكره قريبا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يتحرى‏)‏ كذا وقع بلفظ الخبر، قال السهيلي‏:‏ يجوز الخبر عن مستقر أمر الشرع، أي لا يكون إلا هذا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيصلي‏)‏ بالنصب، والمراد نفي التحري والصلاة معا، ويجوز الرفع أي لا يتحرى أحدكم الصلاة في وقت كذا فهو يصلي فيه‏.‏
وقال ابن خروف‏:‏ يجوز في ‏"‏ فيصلي ‏"‏ ثلاثة أوجه‏:‏ الجزم على العطف أي لا يتحرى ولا يصلي، والرفع على القطع أي لا يتحرى فهو يصلي، والنصب على جواب النهي والمعنى لا يتحرى مصليا‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ قوله لا يتحرى نفي بمعنى النهي، ويصلي بالنصب لأنه جوابه، كأنه قيل‏:‏ لا يتحرى، فقيل‏:‏ لم‏؟‏ فأجيب‏:‏ خيفة أن يصلي‏.‏
ويحتمل أن يقدر غير ذلك‏.‏
وقد وقع في رواية القعنبي في الموطأ ‏"‏ لا يتحرى أحدكم أن يصلي ‏"‏ ومعناه لا يتحرى الصلاة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ الْجُنْدَعِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن صالح‏)‏ هو ابن كيسان ولم يخرج البخاري لصالح بن أبي الأخضر شيئا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا صلاة‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ وصيغة النفي في ألفاظ الشارع إذا دخلت على فعل كان الأولى حملها على نفي الفعل الشرعي لا الحسي، لأنا لو حملناه على نفي الفعل الحسي لاحتجنا في تصحيحه إلى إضمار، والأصل عدمه‏.‏
وإذا حملناه على الشرعي لم نحتج إلى إضمار، فهذا وجه الأولوية‏.‏
وعلى هذا فهو نفي بمعنى النهي، والتقدير لا تصلوا‏.‏
وحكى أبو الفتح اليعمري عن جماعة من السلف أنهم قالوا‏:‏ إن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر إنما هو إعلام بأنهما لا يتطوع بعدهما، ولم يقصد الوقت بالنهي كما قصد به وقت الطلوع ووقت الغروب، ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ لا تصلوا بعد الصبح ولا بعد العصر، إلا أن تكون الشمس نقية ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ مرتفعة‏"‏، فدل على أن المراد بالبعدية ليس على عمومه، وإنما المراد وقت الطلوع ووقت الغروب ما قاربهما والله أعلم‏.‏
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الصلاة المنهية غير صحيحة، فلازمه أن لا يقصد لها المكلف، إذ العاقل لا يشتغل بما لا فائدة فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد الصبح‏)‏ أي بعد صلاة الصبح، وصرح به مسلم من هذا الوجه في الموضعين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلَاةً لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن أبان‏)‏ هو البلخي، وقيل الواسطي، ولكل من القولين مرجح وكلاهما ثقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن معاوية‏)‏ في رواية الإسماعيلي من طريق معاذ وغيره عن شعبة ‏"‏ خطبنا معاوية ‏"‏ واتفق أصحاب شعبة على أنه من رواية أبي التياح عن حمران، وخالفهم عن بن عمر وأبو داود الطيالسي فقالا ‏"‏ عن أبي التياح عن معبد الجهني عن معاوية ‏"‏ والطريق التي أختارها البخاري أرجح، ويجوز أن يكون لأبي التياح فيه شيخان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصليهما‏)‏ أي الركعتين، وللحموي ‏"‏ يصليها ‏"‏ أي الصلاة‏.‏
وكذا وقع الخلاف بين الرواة في قوله عنها أو عنهما، وكلام معاوية مشعر بأن من خاطبهم كانوا يصلون بعد العصر ركعتين على سبيل التطوع الراتب لها كما يصلي بعد الظهر، وما نفاه من رؤية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لهما قد أثبته غيره، والمثبت مقدم على النافي‏.‏
وسيأتي في الباب الذي بعده قول عائشة ‏"‏ كان لا يصليهما في المسجد ‏"‏ لكن ليس في رواية الإثبات معارضة للأحاديث الواردة في النهي، لأن رواية الإثبات لها سبب كما سيأتي في الباب الذي بعده، فألحق بها ما له سبب وبقي ما عدا ذلك على عمومه، والنهي فيه محمول على ما لا سبب له‏.‏
وأما من يرى عموم النهي ولا يخصه بما له سبب فيحمل إنكار معاوية على من يتطوع ويحمل الفعل على الخصوصية، ولا يخفى رجحان الأول، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبدة‏)‏ هو ابن سليمان، وبقية الإسناد والمتن تقدم بأتم سياق في الباب الذي قبله‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-30-2013, 02:52 PM   #243
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْفَجْرِ رَكْعَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أدرك من الفجر ركعة‏)‏ تقدم الكلام على الحكمة في حذف جواب الشرط من الترجمة في ‏"‏ باب من أدرك من العصر ركعة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ الْأَعْرَجِ يُحَدِّثُونَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏يحدثونه‏)‏ أي يحدثون زيد بن أسلم‏.‏
ورجال الإسناد كلهم مدنيون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقد أدرك الصبح‏)‏ الإدراك الوصول إلى الشيء، فظاهره أنه يكتفي بذلك، وليس ذلك مرادا بالإجماع، فقيل يحمل على أنه أدرك الوقت، فإذا صلى ركعة أخرى فقد كملت صلاته، وهذا قول الجمهور، وقد صرح بذلك في رواية الدراوردي عن زيد بن أسلم أخرجه البيهقي من وجهين ولفظه ‏"‏ من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وركعة بعدما تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة ‏"‏ وأصرح منه رواية أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء - وهو ابن يسار - عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ من صلى ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس فلم يفته العصر‏"‏‏.‏
وقال مثل ذلك في الصبح، وقد تقدمت رواية المصنف في ‏"‏ باب من أدرك من العصر ركعة ‏"‏ من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة وقال فيها ‏"‏ فليتم صلاته‏"‏، وللنسائي من وجه آخر ‏"‏ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها، إلا أنه يقضي ما فاته‏"‏، وللبيهقي من وجه آخر ‏"‏ من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى‏"‏‏.‏
ويؤخذ من هذا الرد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحوها، وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة، وهو مبني على أن الكراهة تتناول الفرض والنفل وهي خلافية مشهورة، قال الترمذي‏:‏ وبهذا يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، وخالف أبو حنيفة فقال‏:‏ من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته، واحتج لذلك بالأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وادعى بعضهم أن أحاديث النهي ناسخة لهذا الحديث، وهي دعوى تحتاج إلى دليل، فإنه لا يصار إلى النسخ بالاحتمال، والجمع بين الحديثين ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما لا سبب له من النوافل، ولا شك أن التخصيص، أولى من ادعاء النسخ، ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركا للوقت، وللفقهاء في ذلك تفاصيل بين أصحاب الأعذار وغيرهم، وبين مدرك الجماعة ومدرك الوقت، وكذا مدرك الجمعة، ومقدار هذه الركعة قدر ما يكبر للإحرام ويقرأ أم القرآن ويركع ويرفع ويسجد سجدتين بشروط كل ذلك‏.‏
وقال الرافعي‏:‏ المعتبر فيها أخف ما يقل عليه أحد، وهذا في حق غير أصحاب الأعذار، أما أصحاب الأعذار - كمن أفاق من إغماء، أو طهرت من حيض أو غير ذلك - فإن بقي من الوقت هذا القدر كانت الصلاة في حقهم أداء‏.‏
وقد قال قوم‏:‏ يكون ما أدرك في الوقت أداء وبعده قضاء، وقيل يكون كذلك لكنه يلتحق بالأداء حكما، والمختار أن الكل أداء وذلك من فضل الله تعالى‏.‏
ونقل بعضهم الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر‏.‏
والله أعلم‏.‏
‏(‏لطيفة‏)‏ أورد المصنف في ‏"‏ باب من أدرك من العصر ‏"‏ طريق أبي سلمة عن أبي هريرة، وفي هذا الباب طريق عطاء بن يسار ومن معه عن أبي هريرة، لأنه قدم في طريق أبي سلمة ذكر العصر، وقدم في هذا ذكر الصبح فناسب أن يذكر في كل منهما ما قدم لما يشعر به التقديم من اهتمام‏.‏
والله الهادي للصواب‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من أدرك من الصلاة ركعة‏)‏ هكذا ترجم، وساق الحديث بلفظ ‏"‏ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ‏"‏ وقد رواه مسلم من رواية عبيد الله العمري عن الزهري، وأحال به على حديث مالك، وأخرجه البيهقي وغيره من الوجه الذي أخرجه منه مسلم ولفظه كلفظ ترجمة هذا الباب، قدم قوله ‏"‏ من الصلاة ‏"‏ على قوله ‏"‏ ركعة ‏"‏ وقد وضح لنا بالاستقراء أن جميع ما يقع في تراجم البخاري مما يترجم بلفظ الحديث لا يقع فيه شيء مغاير للفظ الحديث الذي يورده إلا وقد ورد من وجه آخر بذلك اللفظ المغاير، فلله دره ما أكثر اطلاعه‏.‏
والظاهر أن هذا أعم من حديث الباب الماضي قبل عشرة أبواب، ويحتمل أن تكون اللام عهدية فيتحدا، ويؤيده أن كلا منهما من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة، وهذا مطلق وذاك مقيد فيحمل المطلق على المقيد‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ الفرق بينهما أن الأول فيمن أدرك من الوقت قدر ركعة، وهذا فيمن أدرك من الصلاة ركعة، كذا قال‏.‏
وقال بعد ذلك‏:‏ وفي الحديث أن من دخل في الصلاة فصلى ركعة وخرج الوقت كان مدركا لجميعها، وتكون كلها أداء، وهو الصحيح‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا يدل على اتحاد الحديثين عنده لجعلهما متعلقين بالوقت، بخلاف مما قال أولا‏.‏
وقال التيمي‏:‏ معناه من أدرك مع الإمام ركعة فقد أدرك فضل الجماعة‏.‏
وقيل‏:‏ المراد بالصلاة الجمعة، وقيل غير ذلك‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏فقد أدرك الصلاة‏)‏ ليس على ظاهره بالإجماع، لما قدمناه من أنه لا يكون بالركعة الواحدة مدركا لجميع الصلاة بحيث تحصل براءة ذمته من الصلاة، فإذا فيه إضمار تقديره‏:‏ فقد أدرك وقت الصلاة، أو حكم الصلاة، أو نحو ذلك، ويلزمه إتمام بقيتها‏.‏
وقد تقدم بقية مباحثه في الباب الذي قبله‏.‏
ومفهوم التقييد بالركعة أن من أدرك دون الركعة لا يكون مدركا لها، وهو الذي استقر عليه الاتفاق، وكان فيه شذوذ قديم منها إدراك الإمام راكعا يجزئ ولو لم يدرك معه الركوع، وقيل يدرك الركعة ولو رفع الإمام رأسه ما لم يرفع بقية من ائتم به رءوسهم ولو بقي واحد، وعن الثوري وزفر‏:‏ إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه أدرك إن وضع يديه على ركبتيه قبل رفع الإمام، وقيل‏:‏ من أدرك تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع أدرك الركعة، وعن أبي العالية‏:‏ إذا أدرك السجود أكمل بقية الركعة معهم ثم يقوم فيركع فقط وتجزيه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس‏)‏ يعني ما حكمها‏؟‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يثبت حكم النهي، لأن تعين المنهي عنه في هذا الباب مما كثر فيه الاختلاف، وخص الترجمة بالفجر من اشتمال الأحاديث على الفجر والعصر، لأن الصبح هي المذكورة أولا في سائر أحاديث الباب‏.‏
قلت‏:‏ أو لأن العصر ورد فيها كونه صلى الله عليه وسلم صلى بعدها، بخلاف الفجر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَاسٌ بِهَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو ابن أبي عبد الله الدستوائي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي العالية‏)‏ هو الرياحي بالياء التحتانية واسمه رفيع بالتصغير، ووقع مصرحا به عند الإسماعيلي من رواية غندر عن شعبة، وأورد المصنف طريق يحيى وهو القطان عن شعبة عن قتادة سمعت أبا العالية‏.‏
والسر فيها التصريح بسماع قتادة له من أبي العالية وإن كانت طريق هشام أعلى منها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شهد عندي‏)‏ أي أعلمني أو أخبرني، ولم يرد شهادة الحكم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مرضيون‏)‏ أي لا شك في صدقهم ودينهم‏.‏
وفي رواية الإسماعيلي من طريق يزيد بن زريع عن همام ‏"‏ شهد عندي رجال مرضيون فيهم عمر ‏"‏ وله من رواية شعبة ‏"‏ حدثني رجال أحبهم إلى عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ناس بهذا‏)‏ أي بهذا الحديث بمعناه، فإن مسددا رواه ومن طريقه البيهقي ولفظه ‏"‏ حدثني ناس أعجبهم إلى عمر ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ حتى تطلع الشمس ‏"‏ ووقع في الترمذي عنه ‏"‏ سمعت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر، وكان من أحبهم إلي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعد الصبح‏)‏ أي بعد صلاة الصبح لأنه لا جائز أن يكون الحكم فيه معلقا بالوقت، إذ لا بد من أداء الصبح، فتعين التقدير المذكور‏.‏
قال ابن دقيق العيد‏:‏ هذا الحديث معمول به عند فقهاء الأمصار، وخالف بعض المتقدمين وبعض الظاهرية من بعض الوجوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى تشرق‏)‏ بضم أوله من أشرق، يقال أشرقت الشمس ارتفعت وأضاءت، ويؤيده حديث أبي سعيد الآتي في الباب بعده بلفظ ‏"‏ حتى ترتفع الشمس ‏"‏ ويروى بفتح أوله وضم ثالثه بوزن تغرب يقال شرقت الشمس أي طلعت، ويؤيده رواية البيهقي من طريق أخرى عن ابن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ حتى تشرق الشمس أو تطلع ‏"‏ على الشك، وقد ذكرنا أن في رواية مسدد ‏"‏ حتى تطلع الشمس ‏"‏ بغير شك، وكذا هو في حديث أبي هريرة الآتي آخر الباب بلفظ ‏"‏ حتى تطلع الشمس ‏"‏ بالجزم، ويجمع بين الحديثين بأن المراد بالطلوع طلوع مخصوص، أي حتى تطلع مرتفعة‏.‏
قال النووي‏:‏ أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في الأوقات المنهي عنها، واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها، واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة تحية المسجد وسجود التلاوة والشكر وصلاة العيد والكسوف وصلاة الجنازة وقضاء الفائتة، فذهب الشافعي وطائفة إلى جواز ذلك كله بلا كراهة، وذهب أبو حنيفة وآخرون إلى أن ذلك داخل في عموم النهي، واحتج الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر، وهو صريح في قضاء السنة الفائتة فالحاضرة أولى والفريضة المقضية أولى، ويلتحق ما له سبب‏.‏
قلت‏:‏ وما نقله من الإجماع والاتفاق متعقب، فقد حكى غيره عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهي منسوخة، وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر، وبذلك جزم ابن حزم، وعن طائفة أخرى المنع مطلقا في جميع الصلوات، وصح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات، وحكى آخرون الإجماع على جواز صلاة الجنازة في الأوقات المكروهة، وهو متعقب بما سيأتي في بابه، وما ادعاه ابن حزم وغيره من النسخ مستندا إلى حديث ‏"‏ من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى ‏"‏ فدل على إباحة الصلاة في الأوقات المنهية‏.‏
انتهى‏.‏
وقال غيرهم‏:‏ ادعاء التخصيص أولى من ادعاء النسخ فيحمل النهي على ما لا سبب له، ويخص منه ما له سبب صلى الله عليه وسلم جمعا بين الأدلة، والله أعلم‏.‏
وقال البيضاوي‏:‏ اختلفوا في جواز الصلاة بعد الصبح والعصر وعند الطلوع والغروب وعند الاستواء، فذهب داود إلى الجواز مطلقا وكأنه حمل النهي على التنزيه‏.‏
قلت‏:‏ بل المحكي عنه أنه ادعى النسخ كما تقدم، قال‏:‏ وقال الشافعي تجوز الفرائض وما له سبب من النوافل‏.‏
وقال أبو حنيفة‏:‏ يحرم الجميع سوى عصر يومه، وتحرم المنذورة أيضا‏.‏
وقال مالك‏:‏ تحرم النوافل دون الفرائض، ووافقه أحمد، لكنه استثنى ركعتي الطواف‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يقع لنا تسمية الرجال المرضيين الذين حدثوا ابن عباس بهذا الحديث، وبلغني أن بعض من تكلم على العمدة تجاسر وزعم أنهم المذكورون فيها عند قول مصنفها‏:‏ وفي الباب عن فلان وفلان‏.‏
ولقد أخطأ هذا المتجاسر خطأ بينا فلا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا وَقَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ تَابَعَهُ عَبْدَةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام‏)‏ هو ابن عروة بن الزبير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا تحروا‏)‏ أصله لا تتحروا، فحذفت إحدى التاءين، والمعنى لا تقصدوا‏.‏
واختلف أهل العلم في المراد بذلك، فمنهم من جعله تفسيرا للحديث السابق ومبينا للمراد به فقال‏:‏ لا تكره الصلاة بعد الصبح ولا بعد العصر إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها، وإلى ذلك جنح بعض أهل الظاهر وقواه ابن المنذر واحتج له‏.‏
وقد روى مسلم من طريق طاوس عن عائشة قالت‏:‏ وهم عمر، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها‏.‏
انتهى‏.‏
وسيأتي من قول ابن عمر أيضا ما يدل على ذلك قريبا بعد بابين، وربما قوى ذلك بعضهم بحديث ‏"‏ من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليضف إليها الأخرى ‏"‏ فأمر بالصلاة حينئذ، فدل على أن الكراهة مختصة بمن قصد الصلاة في ذلك الوقت لا من وقع له ذلك اتفاقا، وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر الباب الذي بعده، ومنهم من جعله نهيا مستقلا، وكره الصلاة في تلك الأوقات سواء قصد لها أم لم يقصد، وهو قول الأكثر‏.‏
قال البيهقي‏:‏ إنما قالت ذلك عائشة لأنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر، فحملت نهيه على من قصد ذلك لا على الإطلاق، وقد أجيب عن هذا بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى حينئذ قضاء كما سيأتي، وأما النهي فهو ثابت من طريق جماعة من الصحابة غير عمر رضي الله عنه، فلا اختصاص له بالوهم والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال‏:‏ حدثني ابن عمر‏)‏ هو مقول عروة أيضا، وهو حديث آخر، وقد أفرده الإسماعيلي وذكر أنه وقع له الحديثان معا من رواية على بن مسهر وعيسى بن يونس ومحمد بن بشر ووكيع ومالك ابن سعير ومحاضر كلهم عن هشام، وأنه وقع له الحديث الثاني فقط من رواية عبد الله بن نمير عن هشام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى ترتفع‏)‏ جعل ارتفاعها غاية النهي، وهو يقوى رواية من روى الحديث الماضي بلفظ ‏"‏ حتى تشرق ‏"‏ من الإشراق وهو الارتفاع كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه عبدة‏)‏ يعني ابن سليمان، والضمير يعود على يحيى بن سعيد وهو القطان، يعني تابع يحيى القطان على روايته لهذا الحديث عن هشام، ورواية عبدة هذه موصولة عند المصنف في بدء الخلق، وفيه الحديثان معا وقال فيه ‏"‏ حتى تبرز ‏"‏ بدل ترتفع‏.‏
وقال فيه ‏"‏ لا تحينوا، بالياء التحتانية والنون وزاد فيه ‏"‏ فإنها تطلع بين قرني شيطان ‏"‏ وفيه إشارة إلى علة النهي عن الصلاة في الوقتين المذكورين، وزاد مسلم من حديث عمرو بن عبسة ‏"‏ وحينئذ يسجد لها الكفار ‏"‏ فالنهي حينئذ لترك مشابهة الكفار، وقد اعتبر ذلك الشرع في أشياء كثيرة وفي هذا تعقب على أبي محمد البغوي حيث قال‏:‏ إن النهي عن ذلك لا يدرك معناه، وجعله من قبيل التعبد الذي يجب الإيمان به، وسيأتي الكلام على المراد بقوله ‏"‏ بين قرني الشيطان ‏"‏ في أوائل بدء الخلق إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حاجب الشمس‏)‏ أي طرف قرصها، قال الجوهري‏:‏ حواجب الشمس نواحيها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ صَلَاتَيْنِ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَعَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَعَنْ الِاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَعَنْ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ هو ابن عمر العمري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حفص بن عاصم‏)‏ أي ابن عمر بن الخطاب، وهو جد عبيد الله بن عمر المذكور في هذا الإسناد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن صلاتين‏)‏ محصل ما في الباب أربعة أحاديث‏:‏ الأول والأخير يتعلقان بالفعل، والثاني والثالث يتعلقان بالوقت، وقد تقدم نقل اختلاف العلماء في ذلك‏.‏
وسيأتي الكلام على البيعتين في كتاب البيع، وعلى اللبستين في كتاب اللباس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعد الفجر‏)‏ أي بعد صلاة الفجر كما تقدم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا تُتَحَرَّى الصَّلَاةُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا تتحرى‏)‏ بضم المثناة الفوقانية، والصلاة بالرفع لأنها في مقام الفاعل، أو بفتح المثناة التحتانية، والصلاة بالنصب والفاعل محذوف أي المصلي، وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر في الباب الذي قبله، ولا تنافي بين قوله في الترجمة ‏"‏ قبل الغروب ‏"‏ وبين قوله في الحديث ‏"‏ عند الغروب ‏"‏ لما نذكره قريبا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يتحرى‏)‏ كذا وقع بلفظ الخبر، قال السهيلي‏:‏ يجوز الخبر عن مستقر أمر الشرع، أي لا يكون إلا هذا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيصلي‏)‏ بالنصب، والمراد نفي التحري والصلاة معا، ويجوز الرفع أي لا يتحرى أحدكم الصلاة في وقت كذا فهو يصلي فيه‏.‏
وقال ابن خروف‏:‏ يجوز في ‏"‏ فيصلي ‏"‏ ثلاثة أوجه‏:‏ الجزم على العطف أي لا يتحرى ولا يصلي، والرفع على القطع أي لا يتحرى فهو يصلي، والنصب على جواب النهي والمعنى لا يتحرى مصليا‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ قوله لا يتحرى نفي بمعنى النهي، ويصلي بالنصب لأنه جوابه، كأنه قيل‏:‏ لا يتحرى، فقيل‏:‏ لم‏؟‏ فأجيب‏:‏ خيفة أن يصلي‏.‏
ويحتمل أن يقدر غير ذلك‏.‏
وقد وقع في رواية القعنبي في الموطأ ‏"‏ لا يتحرى أحدكم أن يصلي ‏"‏ ومعناه لا يتحرى الصلاة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ الْجُنْدَعِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن صالح‏)‏ هو ابن كيسان ولم يخرج البخاري لصالح بن أبي الأخضر شيئا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا صلاة‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ وصيغة النفي في ألفاظ الشارع إذا دخلت على فعل كان الأولى حملها على نفي الفعل الشرعي لا الحسي، لأنا لو حملناه على نفي الفعل الحسي لاحتجنا في تصحيحه إلى إضمار، والأصل عدمه‏.‏
وإذا حملناه على الشرعي لم نحتج إلى إضمار، فهذا وجه الأولوية‏.‏
وعلى هذا فهو نفي بمعنى النهي، والتقدير لا تصلوا‏.‏
وحكى أبو الفتح اليعمري عن جماعة من السلف أنهم قالوا‏:‏ إن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر إنما هو إعلام بأنهما لا يتطوع بعدهما، ولم يقصد الوقت بالنهي كما قصد به وقت الطلوع ووقت الغروب، ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ لا تصلوا بعد الصبح ولا بعد العصر، إلا أن تكون الشمس نقية ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ مرتفعة‏"‏، فدل على أن المراد بالبعدية ليس على عمومه، وإنما المراد وقت الطلوع ووقت الغروب ما قاربهما والله أعلم‏.‏
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الصلاة المنهية غير صحيحة، فلازمه أن لا يقصد لها المكلف، إذ العاقل لا يشتغل بما لا فائدة فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد الصبح‏)‏ أي بعد صلاة الصبح، وصرح به مسلم من هذا الوجه في الموضعين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلَاةً لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن أبان‏)‏ هو البلخي، وقيل الواسطي، ولكل من القولين مرجح وكلاهما ثقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن معاوية‏)‏ في رواية الإسماعيلي من طريق معاذ وغيره عن شعبة ‏"‏ خطبنا معاوية ‏"‏ واتفق أصحاب شعبة على أنه من رواية أبي التياح عن حمران، وخالفهم عن بن عمر وأبو داود الطيالسي فقالا ‏"‏ عن أبي التياح عن معبد الجهني عن معاوية ‏"‏ والطريق التي أختارها البخاري أرجح، ويجوز أن يكون لأبي التياح فيه شيخان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصليهما‏)‏ أي الركعتين، وللحموي ‏"‏ يصليها ‏"‏ أي الصلاة‏.‏
وكذا وقع الخلاف بين الرواة في قوله عنها أو عنهما، وكلام معاوية مشعر بأن من خاطبهم كانوا يصلون بعد العصر ركعتين على سبيل التطوع الراتب لها كما يصلي بعد الظهر، وما نفاه من رؤية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لهما قد أثبته غيره، والمثبت مقدم على النافي‏.‏
وسيأتي في الباب الذي بعده قول عائشة ‏"‏ كان لا يصليهما في المسجد ‏"‏ لكن ليس في رواية الإثبات معارضة للأحاديث الواردة في النهي، لأن رواية الإثبات لها سبب كما سيأتي في الباب الذي بعده، فألحق بها ما له سبب وبقي ما عدا ذلك على عمومه، والنهي فيه محمول على ما لا سبب له‏.‏
وأما من يرى عموم النهي ولا يخصه بما له سبب فيحمل إنكار معاوية على من يتطوع ويحمل الفعل على الخصوصية، ولا يخفى رجحان الأول، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبدة‏)‏ هو ابن سليمان، وبقية الإسناد والمتن تقدم بأتم سياق في الباب الذي قبله‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ لَمْ يَكْرَهْ الصَّلَاةَ إِلَّا بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ
رَوَاهُ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر‏)‏ قيل‏:‏ آثر البخاري الترجمة بذكر المذاهب على ذكر الحكم للبراءة من عهدة بت القول في موضع كثر فيه الاختلاف، ومحصل ما ورد من الأخبار في تعيين الأوقات التي تكره فيها الصلاة أنها خمسة‏:‏ عند طلوع الشمس‏.‏
وعند غروبها، وبعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر، وعند الاستواء‏.‏
وترجع بالتحقيق إلى ثلاثة‏:‏ من بعد صلاة الصبح إلى أن ترتفع الشمس، فيدخل فيه الصلاة عند طلوع الشمس، وكذا من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس، ولا يعكر على ذلك أن من لم يصل الصبح مثلا حتى بزغت الشمس يكره له التنفل حينئذ لأن الكلام إنما هو جار على الغالب المعتاد، وأما هذه الصورة النادرة فليست مقصودة‏.‏
وفي الجملة عدها أربعة أجود، وبقي خامس وهو الصلاة وقت استواء الشمس وكأنه لم يصح عند المؤلف على شرطه فترجم على نفيه، وفيه أربعة أحاديث‏:‏ حديث عقبة بن عامر وهو عند مسلم ولفظه ‏"‏ وحين يقوم قائم الظهيرة حتى ترتفع‏"‏، وحديث عمرو بن عبسة وهو عند مسلم أيضا ولفظه ‏"‏ حتى يستقل الظل بالرمح، فإذا أقبل الفيء فصل ‏"‏ وفي لفظ لأبي داود ‏"‏ حتى يعدل الرمح ظله‏"‏، وحديث أبي هريرة وهو عند ابن ماجه والبيهقي ولفظه ‏"‏ حتى تستوي الشمس على رأسك كالرمح، فإذا زالت فصل‏"‏، وحديث الصنابحي وهو في الموطأ ولفظه ‏"‏ ثم إذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها ‏"‏ وفي آخره ‏"‏ ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات ‏"‏ وهو حديث مرسل مع قوة رجاله‏.‏
وفي الباب أحاديث أخر ضعيفة، وبقضية هذه الزيادة قال عمر بن الخطاب فنهى عن الصلاة نصف النهار‏.‏
وعن ابن مسعود قال ‏"‏ كنا ننهى عن ذلك ‏"‏ وعن أبي سعيد المقبري قال ‏"‏ أدركت الناس وهم يتقون ذلك ‏"‏ وهو مذهب الأئمة الثلاثة والجمهور، وخالف مالك فقال‏:‏ ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ وقد روى مالك حديث الصنابحي، فإما أنه لم يصح عنده وإما أنه رده بالعمل الذي ذكره‏.‏
انتهى‏.‏
وقد استثنى الشافعي ومن وافقه من ذلك يوم الجمعة، وحجتهم أنه صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى التبكير يوم الجمعة ورغب في الصلاة إلى خروج الإمام كما سيأتي في بابه، وجعل الغاية خروج الإمام، وهو لا يخرج إلا بعد الزوال، فدل على عدم الكراهة‏.‏
وجاء فيه حديث عن أبي قتادة مرفوعا ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة ‏"‏ في إسناده انقطاع‏.‏
وقد ذكر له البيهقي شواهد ضعيفة إذا ضمت قوى الخبر‏.‏
والله أعلم‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ فرق بعضهم بين حكمة النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح والعصر، وعن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فقال‏:‏ يكره في الحالتين الأوليين، ويحرم في الحالتين الآخريين‏.‏
وممن قال بذلك محمد بن سيرين ومحمد بن جرير الطبري واحتج بما يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى بعد العصر، فدل على أنه لا يحرم، وكأنه يحمل فعله على بيان الجواز‏.‏
وسيأتي ما فيه في الباب الذي بعده‏.‏
وروى عن ابن عمر تحريم الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وإباحتها بعد العصر حتى تصفر، وبه قال ابن حزم واحتج بحديث على أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة، ورواه أبو داود بإسناد صحيح قوي، والمشهور إطلاق الكراهة في الجميع فقيل‏:‏ هي كراهة تحريم وقيل كراهة تنزيه، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه عمر الخ‏)‏ يريد أن أحاديث هؤلاء الأربعة وهي التي تقدم إيرادها في البابين السابقين لبس فيها تعرض للاستواء، لكن لمن قال به أن يقول‏:‏ إنه زيادة من حافظ ثقة فيجب قبولها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أُصَلِّي كَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يُصَلُّونَ لَا أَنْهَى أَحَدًا يُصَلِّي بِلَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ مَا شَاءَ غَيْرَ أَنْ لَا تَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حماد‏)‏ هو ابن زيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أصلي‏)‏ زاد الإسماعيلي في أوله من وجهين عن حماد بن زيد ‏"‏ كان لا يصلي من أول النهار حتى تزول الشمس ويقول أصلي الخ‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن لا تحروا‏)‏ أصله تتحروا أي تقصدوا، وزاد عبد الرزاق في آخر هذا الحديث عن ابن جريج عن نافع ‏"‏ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وقال‏:‏ إنه يطلع قرن الشيطان مع طلوع الشمس‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال بعض العلماء‏:‏ المراد بحصر الكراهة في الأوقات الخمسة إنما هو بالنسبة إلى الأوقات الأصلية وإلا فقد ذكروا أنه يكره التنفل وقت إقامة الصلاة، ووقت صعود الإمام لخطبة الجمعة، وفي حالة الصلاة المكتوبة جماعة لمن لم يصلها‏.‏
وعند المالكية كراهة التنفل بعد الجمعة حتى ينصرف الناس، وعند الحنفية كراهة التنفل قبل صلاة المغرب، وسيأتي ثبوت الأمر به في هذا الجامع الصحيح

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-30-2013, 03:00 PM   #244
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا يُصَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ الْفَوَائِتِ وَنَحْوِهَا
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ شَغَلَنِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يصلي بعد العصر من الفوائت ونحوها‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ ظاهر الترجمة إخراج النافلة المحضة التي لا سبب لها‏.‏
وقال أيضا‏:‏ إن السر في قوله ‏"‏ ونحوها ‏"‏ ليدخل فيه رواتب النوافل وغيرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال كريب‏)‏ يعني مولى ابن عباس ‏(‏عن أم سلمة الخ‏)‏ وهو طرف من حديث أورده المؤلف مطولا في ‏"‏ باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده ‏"‏ قبيل كتاب الجنائز وقال في آخره ‏"‏ أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان‏"‏‏.‏
قوله في حديث عائشة ‏(‏والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله‏)‏ وقولها في الرواية الأخرى‏:‏ ‏(‏ما ترك السجدتين بعد العصر عندي قط‏)‏ وفي الرواية الأخرى ‏(‏لم يكن يدعهما سرا ولا علانية‏)‏ وفي الرواية الأخيرة ‏(‏ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين‏)‏ تمسك بهذه الروايات من أجاز التنفل بعد العصر مطلقا ما لم يقصد الصلاة عند غروب الشمس، وقد تقدم نقل المذاهب في ذلك، وأجاب عنه من أطلق الكراهة بأن فعله هذا يدل على جواز استدراك ما فات من الرواتب من غير كراهة، وأما مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك فهو من خصائصه، والدليل عليه رواية ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أنه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ كان يصلي بعد العصر وينهي عنها، ويواصل وينهي عن الوصال ‏"‏ رواه أبو داود، ورواية أبي سلمة عن عائشة في نحو هذه القصة وفي آخره ‏"‏ وكان إذا صلى صلاة أثبتها ‏"‏ رواه مسلم، قال البيهقي‏:‏ الذي اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة على ذلك لا أصل القضاء، وأما ما روى عن ذكوان عن أم سلمة في هذه القصة أنها قالت ‏"‏ فقلت يا رسول الله أنقضيهما إذا فاتتا‏؟‏ فقال لا‏"‏‏.‏
فهي رواية ضعيفة لا تقوم بها حجة صلى الله عليه وسلم‏.‏
قلت‏:‏ أخرجها الطحاوي واحتج بها على أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم وفيه ما فيه‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ روى الترمذي من طريق جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ‏"‏ إنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر، فصلاهما بعد العصر، ثم لم يعد ‏"‏ قال الترمذي حديث حسن‏.‏
قلت‏:‏ وهو من رواية جرير عن عطاء، وقد سمع منه بعد اختلاطه، وإن صح فهو شاهد لحديث أم سلمة، لكن ظاهر قوله ‏"‏ ثم لم يعد ‏"‏ معارض لحديث عائشة المذكور في هذا الباب، فيحمل النفي على علم الراوي فإنه لم يطلع على ذلك، والمثبت مقدم على النافي‏.‏
وكذا ما رواه النسائي من طريق أبي سلمة عن أم سلمة ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها بعد العصر ركعتين مرة واحدة ‏"‏ الحديث‏.‏
وفي رواية له عنها ‏"‏ لم أره يصليهما قبل ولا بعد ‏"‏ فيجمع بين الحديثين بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصليهما إلا في بيته، فلذلك لم يره ابن عباس ولا أم سلمة، ويشير إلى ذلك قول عائشة في رواية الأولى ‏"‏ وكان لا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ قَالَتْ وَالَّذِي ذَهَبَ بِهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ وَمَا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى ثَقُلَ عَنْ الصَّلَاةِ وَكَانَ يُصَلِّي كَثِيرًا مِنْ صَلَاتِهِ قَاعِدًا تَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا وَلَا يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ يُثَقِّلَ عَلَى أُمَّتِهِ وَكَانَ يُحِبُّ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنه سمع عائشة قالت‏:‏ والذي ذهب به‏)‏ في رواية البيهقي من طريق إسحاق بن الحسن، والإسماعيلي من طريق أبي زرعة كلاهما عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه أنه دخل عليها فسألها عن ركعتين بعد العصر فقالت ‏"‏ والذي ذهب بنفسه ‏"‏ تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزاد فيه أيضا ‏"‏ فقال لها أيمن‏:‏ إن عمر كان ينهي عنهما ويضرب عليهما ‏"‏ فقالت ‏"‏ صدقت، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما ‏"‏ فذكره‏.‏
والخبر بذلك عن عمر أيضا ثابت في رواية كريب عن أم سلمة التي ذكرناها في ‏"‏ باب إذا كلم وهو يصلي ففي أول الخبر عن كريب أن ابن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر أرسلوه إلى عائشة فقالوا‏:‏ اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر وقل لها إنا أخبرنا أنك تصلينهما، وقد بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنهما‏.‏
وقال ابن عباس‏:‏ وقد كنت أضرب الناس مع عمر عليهما، الحديث‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ روى عبد الرزاق من حديث زيد بن خالد سبب ضرب عمر الناس على ذلك فقال عن زيد ابن خالد‏:‏ إن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه، فذكر الحديث وفيه ‏"‏ فقال عمر‏:‏ يا زيد لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما ‏"‏ فلعل عمر كان يرى أن النهي عن الصلاة بعد العصر إنما هو خشية إيقاع الصلاة عند غروب الشمس، وهذا يوافق قول ابن عمر الماضي وما نقلناه عن ابن المنذر وغيره، وقد روى يحيى بن بكير عن الليث عن أبي الأسود عن عروة عن تميم الداري نحو رواية زيد بن خالد وجواب عمر له وفيه ‏"‏ ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيها ‏"‏ وهذا أيضا يدل لما قلناه‏.‏
والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما خفف عنهم‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ ما يخفف عنهم ‏"‏ وسيأتي الكلام على ذلك في أعلام النبوة إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَتْ عَائِشَةُ ابْنَ أُخْتِي مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو ابن عروة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ابن أختي‏)‏ بالنصب على النداء وحرف النداء محذوف وأثبته الإسماعيلي في روايته‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عبد الواحد‏)‏ هو ابن زياد، والشيباني هو أبو إسحاق، وأبو إسحاق المذكور في الإسناد الذي بعده هو السبيعي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يدعهما‏)‏ زاد النسائي ‏"‏ في بيتي‏"‏‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ فهمت عائشة رضي الله عنها من مواظبته صلى الله عليه وسلم على الركعتين بعد العصر أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس مختص بمن قصد الصلاة عن غروب الشمس لا إطلاقه، فلهذا قالت ما تقدم نقله عنها، وكانت تتنفل بعد العصر‏.‏
وقد أخرجه المصنف في الحج من طريق عبد العزيز بن رفيع قال‏:‏ رأيت ابن الزبير يصلي ركعتين بعد العصر ويخبر أن عائشة حدثته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيها إلا صلاهما‏.‏
وكأن ابن الزبير فهم من ذلك ما فهمته خالته عائشة‏.‏
والله أعلم‏.‏
وقد روى النسائي أن معاوية سأل ابن الزبير عن ذلك فرد الحديث إلى أم سلمة، فذكرت أم سلمة قصة الركعتين حيث شغل عنهما فرجع الأمر إلى ما تقدم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ قول عائشة ‏"‏ ما تركهما حتى لقي الله عز وجل ‏"‏ وقولها ‏"‏ لم يكن يدعهما ‏"‏ وقولها ‏"‏ ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين ‏"‏ مرادها من الوقت الذي شغل عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر، ولم ترد أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين من أول ما فرضت الصلوات مثلا إلى آخر عمره، بل في حديث أم سلمة ما يدل على أنه لم يكن يفعلهما قبل الوقت الذي ذكرت أنه قضاهما فيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ رَأَيْتُ الْأَسْوَدَ وَمَسْرُوقًا شَهِدَا عَلَى عَائِشَةَ قَالَتْ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عبد الواحد‏)‏ هو ابن زياد، والشيباني هو أبو إسحاق، وأبو إسحاق المذكور في الإسناد الذي بعده هو السبيعي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يدعهما‏)‏ زاد النسائي ‏"‏ في بيتي‏"‏‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ فهمت عائشة رضي الله عنها من مواظبته صلى الله عليه وسلم على الركعتين بعد العصر أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس مختص بمن قصد الصلاة عن غروب الشمس لا إطلاقه، فلهذا قالت ما تقدم نقله عنها، وكانت تتنفل بعد العصر‏.‏
وقد أخرجه المصنف في الحج من طريق عبد العزيز بن رفيع قال‏:‏ رأيت ابن الزبير يصلي ركعتين بعد العصر ويخبر أن عائشة حدثته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيها إلا صلاهما‏.‏
وكأن ابن الزبير فهم من ذلك ما فهمته خالته عائشة‏.‏
والله أعلم‏.‏
وقد روى النسائي أن معاوية سأل ابن الزبير عن ذلك فرد الحديث إلى أم سلمة، فذكرت أم سلمة قصة الركعتين حيث شغل عنهما فرجع الأمر إلى ما تقدم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ قول عائشة ‏"‏ ما تركهما حتى لقي الله عز وجل ‏"‏ وقولها ‏"‏ لم يكن يدعهما ‏"‏ وقولها ‏"‏ ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين ‏"‏ مرادها من الوقت الذي شغل عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر، ولم ترد أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين من أول ما فرضت الصلوات مثلا إلى آخر عمره، بل في حديث أم سلمة ما يدل على أنه لم يكن يفعلهما قبل الوقت الذي ذكرت أنه قضاهما فيه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب التَّبْكِيرِ بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب التبكير بالصلاة في يوم غيم‏)‏ أورد فيه حديث بريدة الذي تقدم في أوقات العصر في ‏"‏ باب من ترك العصر ‏"‏ قال الإسماعيلي‏:‏ جعل البخاري الترجمة لقول بريدة لا للحديث، وكان حق هذه الترجمة أن يورد فيها الحديث المطابق لها، ثم أورده من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير بلفظ ‏"‏ بكروا بالصلاة في يوم الغيم، فإن من ترك صلاة العصر حبط عمله‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ من عادة البخاري أن يترجم ببعض ما تشتمل عليه ألفاظ الحديث ولو لم يوردها بل ولو لم يكن على شرطه، فلا إيراد عليه‏.‏
وروينا في سنن سعيد بن منصور عن عبد العزيز بن رفيع قال‏:‏ بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ عجلوا صلاة العصر في قوم الغيم ‏"‏ إسناده قوي مع إرساله، وقد تقدم الكلام على المتن في ‏"‏ باب من ترك العصر‏"‏‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ المراد بالتبكير المبادرة إلى الصلاة في أول الوقت، وأصل التبكير فعل الشيء بكرة والبكرة أول النهار، ثم استعمل في فعل الشيء في أول وقته‏.‏
وقيل المراد تعجيل العصر وجمعها مع الظهر، وروى ذلك عن عمر قال ‏"‏ إذا كان يوم غيم فأخروا الظهر وعجلوا العصر‏"‏‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الأذان بعد ذهاب الوقت‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ ذهاب ‏"‏ من رواية المستملي، قال ابن المنير‏:‏ إنما صرح المؤلف بالحكم على خلاف عادته في المختلف فيه لقوة الاستدلال من الخبر على الحكم المذكور‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنْ الصَّلَاةِ قَالَ بِلَالٌ أَنَا أُوقِظُكُمْ فَاضْطَجَعُوا وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَالَ يَا بِلَالُ أَيْنَ مَا قُلْتَ قَالَ مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ يَا بِلَالُ قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فَتَوَضَّأَ فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ قَامَ فَصَلَّى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حصين‏)‏ هو ابن عبد الرحمن الواسطي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة‏)‏ كان ذلك في رجوعه من خيبر، كذا جزم به بعض الشراح معتمدا على ما وقع عند مسلم من حديث أبي هريرة، وفيه نظر، لما بينته في ‏"‏ باب الصعيد الطيب ‏"‏ من كتاب التيمم‏.‏
ولأبي نعيم في المستخرج من هذا الوجه في أوله ‏"‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسير بنا ‏"‏ وزاد مسلم من طريق عبد الله بن رباح عن أبي قتادة في أول الحديث قصة له في مسيره مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنه صلى الله عليه وسلم نعس حتى مال عن راحلته، وأن أبا قتادة دعمه ثلاث مرات، وأنه في الأخيرة مال عن الطريق فنزل في سبعة أنفس فوضع رأسه ثم قال ‏"‏ احفظوا علينا صلاتنا ‏"‏ ولم يذكر ما وقع عند البخاري من قول بعض القوم ‏"‏ لو عرست بنا ‏"‏ ولا قول بلال ‏"‏ أنا أوقظكم ‏"‏ ولم أقف على تسمية هذا السائل‏.‏
والتعريس نزول المسافر لغير إقامة، وأصله نزول آخر الليل‏.‏
وجواب ‏"‏ لو ‏"‏ محذوف تقديره‏:‏ لكان أسهل علينا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنا أوقظكم‏)‏ زاد مسلم في رواية ‏"‏ فمن يوقظنا‏؟‏ قال بلال‏:‏ أنا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فغلبته عيناه‏)‏ في رواية السرخسي ‏"‏ فغلبت ‏"‏ بغير ضمير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ فكان أول من استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يا بلال أين ما قلت‏؟‏‏)‏ أي أين الوفاء بقولك أنا أوقظكم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مثلها‏)‏ أي مثل النومة التي وقعت له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن الله قبض أرواحكم‏)‏ هو كقوله تعالى ‏(‏الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها‏)‏ ولا يلزم من قبض الروح الموت، فالموت انقطاع تعلق الروح بالبدن ظاهرا وباطنا، والنوم انقطاعه عن ظاهره فقط‏.‏
زاد مسلم ‏"‏ أما أنه ليس في النوم تفريط ‏"‏ الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حين شاء‏)‏ حين في الموضعين ليس لوقت واحد، فإن نوم القوم لا يتفق غالبا في وقت واحد بل يتتابعون، فيكون حين الأولى خبرا عن أحيان متعددة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قم فأذن بالناس بالصلاة‏)‏ كذا هو بتشديد ذال أذن وبالموحدة فيهما، وللكشميهني فآذن بالمد وحذف الموحدة من ‏"‏ بالناس‏"‏‏.‏
وآذن معناه أعلم وسيأتي ما فيه بعد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتوضأ‏)‏ زاد أبو نعيم في المستخرج ‏"‏فتوضأ الناس، فلما ارتفعت‏"‏، في رواية المصنف في التوحيد من طريق هشيم عن حصين ‏"‏فقضوا حوائجهم فتوضوا إلى أن طلعت الشمس‏"‏ وهو أبين سياقا، ونحوه لأبي داود من طريق خالد عن حصين، ويستفاد منه أن تأخيره الصلاة إلى أن طلعت الشمس وارتفعت كان بسبب الشغل بقضاء حوائجهم، لا لخروج وقت الكراهة‏.‏
قول ‏(‏وابياضت‏)‏ وزنه إفعال بتشديد اللام مثل إحمار وإبهار، أي صفت‏.‏
وقيل إنما يقال ذلك في كل لون بين لونين، فأما الخالص من البياض مثلا فإنما يقال له أبيض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى‏)‏ زاد أبو داود ‏"‏ بالناس‏"‏‏.‏
وفي الحديث من الفوائد جواز التماس الأتباع ما يتعلق بمصالحهم الدنيوية وغيرها ولكن بصيغة العرض لا بصيغة الاعتراض، وأن على الإمام أن يراعى المصالح الدينية والاحتراز عما يحتمل فوات العبادة عن وقتها بسببه، وجواز التزام الخادم القيام بمراقبة ذلك والاكتفاء في الأمور المهمة بالواحد، وقبول العذر ممن اعتذر بأمر سائغ، وتسويغ المطالبة بالوفاء بالالتزام، وتوجهت المطالبة على بلال بذلك تنبيها له على اجتناب الدعوى والثقة بالنفس وحسن الظن بها لا سيما في مظان الغلبة وسلب الاختيار، وإنما بادر بلال إلى قوله ‏"‏ أنا أوقظكم ‏"‏ اتباعا لعادته في الاستيقاظ في مثل ذلك الوقت لأجل الأذان، وفيه خروج الإمام بنفسه في الغزوات والسرايا، وفيه الرد على منكري القدر وأنه لا واقع في الكون إلا بقدر، وفي الحديث أيضا ما ترجم له وهو الأذان للفائتة، وبه قال الشافعي في القديم وأحمد وأبو ثور وابن المنذر‏.‏

وقال الأوزاعي ومالك والشافعي في الجديد‏:‏ لا يؤذن لها، والمختار عند كثير من أصحابه أن يؤذن لصحة الحديث‏.‏
وحمل الأذان هنا على الإقامة متعقب، لأنه عقب الأذان بالوضوء ثم بارتفاع الشمس، فلو كان المراد به الإقامة لما أخر الصلاة عنها‏.‏
نعم يمكن حمله على المعنى اللغوي وهو محض الإعلام ولا سيما على رواية الكشميهني‏.‏
وقد روى أبو داود وابن المنذر من حديث عمران بن حصين في نحو هذه القصة ‏"‏ فأمر بلالا فأذن فصلينا ركعتين، ثم أمره‏.‏
فأقام فصلى الغداة ‏"‏ وسيأتي الكلام على الحديث الذي احتج به من لم ير التأذين في الباب بعد هذا، وفيه مشروعية الجماعة في الفوائت وسيأتي في الباب الذي بعده أيضا، واستدل به بعض المالكية على عدم قضاء السنة الراتبة لأنه لم يذكر فيه أنهم صلوا ركعتي الفجر، ولا دلالة فيه لأنه لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع، لا سيما وقد ثبت أنه ركعهما في حديث أبي قتادة هذا عند مسلم، وسيأتي في باب مفرد لذلك في أبواب التطوع، واستدل به المهلب على أن الصلاة الوسطى هي الصبح قال‏:‏ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحدا بمراقبة وقت صلاة غيرها، وفيما قاله نظر لا يخفى، قال‏:‏ ويدل على أنها هي المأمور بالمحافظة عليها أنه صلى الله عليه وسلم لم تفته صلاة غيرها لغير عذر شغله عنها ا ه‏.‏
وهو كلام متدافع، فأي عذر أبين من النوم، واستدل به على قبول خبر الواحد، قال ابن بزيزة وليس هو بقاطع فيه لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول بلال بمجرده، بل بعد النظر إلى الفجر لو استيقظ مثلا، وفيه جواز تأخير قضاء الفائتة عن وقت الانتباه مثلا، وقد تقدم ذلك مع بقية فوائده في ‏"‏ باب الصعيد الطيب ‏"‏ من كتاب التيمم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ إنما قال البخاري ‏"‏ بعد ذهاب الوقت ‏"‏ ولم يقل مثلا لمن صلى صلاة فائتة للإشعار بأن إيقاعها كان قرب خروج وقتها لا كالفوائت التي جهل يومها أو شهرها‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ تَغْرُبُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو ابن أبي عبد الله الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن عمر بن الخطاب‏)‏ قد اتفق الرواة على أن هذا الحديث من رواية جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا حجاج بن نصير فإنه رواه عن علي بن المبارك عن يجيى بن أبي كثير فقال فيه ‏"‏ عن جابر عن عمر ‏"‏ فجعله من مسند عمر، تفرد بذلك حجاج وهو ضعيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يوم الخندق‏)‏ سيأتي شرح أمره في كتاب المغازي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعدما غربت الشمس‏)‏ في رواية شيبان عن يحيى عند المصنف ‏"‏ وذلك بعدما أفطر الصائم ‏"‏ والمعنى واحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يسب كفار قريش‏)‏ لأنهم كانوا السبب في تأخيرهم الصلاة عن وقتها، إما المختار كما وقع لعمر، وإما مطلقا كما وقع لغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما كدت‏)‏ قال اليعمري‏:‏ لفظه ‏"‏ كاد ‏"‏ من أفعال المقاربة، فإذا قلت كاد زيد يقوم فهم منها أنه قارب القيام ولم يقم، قال‏:‏ والراجح فيها أن لا تقرن بأن، بخلاف عسى فإن الراجح فيها أن تقرن‏.‏
قال‏:‏ وقد وقع في مسلم في هذا الحديث ‏"‏ حتى كادت الشمس أن تغرب‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ وفي البخاري في ‏"‏ باب غزوة الخندق ‏"‏ أيضا وهو من تصرف الرواة، وهل تسوغ الرواية بالمعنى في مثل هذا أو لا‏؟‏ الظاهر الجواز، لأن المقصود الإخبار عن صلاته العصر كيف وقعت، لا الإخبار عن عمر هل تكلم بالراجحة أو المرجوحة‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-30-2013, 03:01 PM   #245
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




قال‏:‏ وإذا تقرر أن معنى ‏"‏ كاد ‏"‏ المقاربة فقول عمر ‏"‏ ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب ‏"‏ معناه أنه صلى العصر قرب غروب الشمس، لأن نفي الصلاة يقتضي إثباتها، وإثبات الغروب يقتضي نفيه، فتحصل من ذلك لعمر ثبوت الصلاة ولم يثبت الغروب ا ه‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ لا يلزم من هذا السياق وقوع الصلاة في وقت العصر، بل يلزم منه أن لا تقع الصلاة لأنه يقتضي أن كيدودته كانت كيدودتها، قال‏:‏ وحاصله عرفا ما صليت حتى غربت الشمس ا ه‏.‏
ولا يخفى ما بين التقريرين من الفرق، وما ادعاه من العرف ممنوع وكذا العندية، للفرق الذي أوضحه اليعمري من الإثبات والنفي لأن كاد إذا أثبتت نفت وإذا نفت أثبتت كما قال فيها المعري ملغزا‏:‏ إذا نفيت والله أعلم أثبتت وإن أثبتت قامت مقام جحود هذا إلى ما في تعبيره بلفظ كيدودة من الثقل والله الهادي إلى الصواب‏.‏
فإن قيل‏:‏ الظاهر أن عمر كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فكيف اختص بأن أدرك صلاة العصر قبل غروب الشمس بخلاف بقية الصحابة، والنبي صلى الله عليه وسلم معهم‏؟‏ فالجواب أنه يحتمل أن يكون الشغل وقع بالمشركين إلى قرب غروب الشمس، وكان عمر حينئذ متوضئا فبادر فأوقع الصلاة، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه بذلك في الحال التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها قد شرع يتهيأ للصلاة، ولهذا قام عند الإخبار هو وأصحابه إلى الوضوء‏.‏
وقد اختلف في سبب تأخير النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ذلك اليوم، فقيل كان ذلك نسيانا، واستبعد أن يقع ذلك من الجميع‏.‏
ويمكن أن يستدل له بما رواه أحمد من حديث أبي جمعة ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب يوم الأحزاب، فلما سلم قال‏:‏ هل علم رجل منكم أني صليت العصر‏؟‏ قالوا‏:‏ لا يا رسول الله، فصلى العصر ثم صلى المغرب ‏"‏ ا ه‏.‏
وفي صحة هذا الحديث نظر، لأنه مخالف لما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم لعمر ‏"‏ والله ما صليتها ‏"‏ ويمكن الجمع بينهما بتكلف‏.‏
وقيل كان عمدا لكونهم شغلوه فلم يمكنوه من ذلك، وهو أقرب، لا سيما وقد وقع عند أحمد والنسائي من حديث أبي سعيد أن ذلك كان قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف ‏(‏فرجالا أو ركبانا‏)‏ وقد اختلف في هذا الحكم هل نسخ أم لا كما سيأتي في كتاب صلاة الخوف إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بطحان‏)‏ بضم أوله وسكون ثانيه‏:‏ واد بالمدينة، وقيل هو بفتح أوله وكسر ثانيه حكاه أبو عبيد البكري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى العصر‏)‏ وقع في الموطأ من طريق أخرى أن الذي فاتهم الظهر والعصر، وفي حديث أبي سعيد الذي أشرنا إليه الظهر والعصر والمغرب، وأنهم صلوا بعد هوى من الليل وفي حديث ابن مسعود عند الترمذي والنسائي ‏"‏ أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله ‏"‏ وفي قوله ‏"‏ أربع ‏"‏ تجوز لأن العشاء لم تكن فاتت‏.‏
قال اليعمري‏:‏ من الناس من رجح ما في الصحيحين، وصرح بذلك ابن العربي فقال‏:‏ إن الصحيح أن الصلاة التي شغل عنها واحدة وهي العصر‏.‏
قلت‏:‏ ويؤيده حديث علي في مسلم ‏"‏ شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ‏"‏ قال‏:‏ ومنهم من جمع بأن الخندق كانت وقعته أياما فكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيام، قال‏:‏ وهذا أولى‏.‏
قلت‏:‏ ويقربه أن روايتي أبي سعيد وابن مسعود ليس فيهما تعرض لقصة عمر، بل فيهما أن قضاءه للصلاة وقع بعد خروج وقت المغرب‏.‏
وأما رواية حديث الباب ففيها أن ذلك كان عقب غروب الشمس‏.‏
قال الكرماني‏:‏ فإن قلت كيف دل الحديث على الجماعة‏؟‏ قلت‏:‏ إما أنه يحتمل أن في السياق اختصارا، وإما من إجراء الراوي الفائتة التي هي العصر والحاضرة التي هي المغرب مجرى واحدا‏.‏
ولا شك أن المغرب كانت بالجماعة لما هو معلوم من عادته اه‏.‏
وبالاحتمال الأول جزم ابن المنير زين الدين فقال‏:‏ فإن قيل ليس فيه تصريح بأنه صلى في جماعة، أجيب بأن مقصود الترجمة مستفاد من قوله ‏"‏ فقام وقمنا وتوضأ وتوضأنا‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ الاحتمال الأول هو الواقع في نفس الأمر، فقد وقع في رواية الإسماعيلي ما يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم أخرجه من طريق يزيد بن زريع عن هشام بلفظ ‏"‏ فصلى بنا العصر‏"‏، وفي الحديث من الفوائد ترتيب الفوائت، والأكثر على وجوبه مع الذكر لا مع النسيان‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ لا يجب الترتيب فيها، واختلفوا فيما تذكر فائتة في وقت حاضرة ضيق هل يبدأ بالفائتة - وإن خرج وقت الحاضرة - أو يبدأ بالحاضرة، أو يتخير‏؟‏ فقال بالأول مالك‏.‏
وقال بالثاني الشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أصحاب الحديث‏.‏
وقال بالثالث أشهب‏.‏
وقال عياض‏:‏ محل الخلاف إذا لم تكثر الصلوات الفوائت، فأما إذا كثرت فلا خلاف أنه يبدأ بالحاضرة، واختلفوا في حد القليل، فقيل‏:‏ صلاة يوم، وقيل أربع صلوات‏.‏
وفيه جواز اليمين من غير استحلاف إذا اقتضت مصلحة من زيادة طمأنينة أو نفي توهم‏.‏
وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من مكارم الأخلاق وحسن التأني مع أصحابه وتألفهم وما ينبغي الاقتداء به في ذلك، وفيه استحباب قضاء الفوائت في الجماعة وبه قال أكثر أهل العلم إلا الليث مع أنه أجاز صلاة الجمعة جماعة إذا فاتت والإقامة للصلاة الفائتة، واستدل به على عدم مشروعية الأذان للفائتة، وأجاب من اعتبره بأن المغرب كانت حاضرة ولم يذكر الراوي الأذان لها، وقد عرف من عادته صلى الله عليه وسلم الأذان للحاضرة، فدل على أن الراوي ترك ذكر ذلك لا أنه لم يقع في نفس الأمر، وتعقب باحتمال أن تكون المغرب لم يتهيأ إيقاعها إلا بعد خروج وقتها على رأي من يذهب إلى القول بتضييقه‏.‏
وعكس ذلك بعضهم فاستدل بالحديث على أن وقت المغرب متسع، لأنه قدم العصر عليها فلو كان ضيقا لبدأ بالمغرب ولا سيما على قول الشافعي في قوله بتقدم الحاضرة وهو الذي قال بأن وقت المغرب ضيق فيحتاج إلى الجواب عن هذا الحديث، وهذا في حديث جابر، وأما حديث أبي سعيد فلا يتأتى فيه هذا لما تقدم أن فيه أنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد مضي هوى من الليل‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-30-2013, 03:05 PM   #246
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَ وَلَا يُعِيدُ إِلَّا تِلْكَ الصَّلَاةَ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً وَاحِدَةً عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يُعِدْ إِلَّا تِلْكَ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكر، ولا يعيد إلا تلك الصلاة‏)‏ قال علي بن المنير‏:‏ صرح البخاري بإثبات هذا الحكم مع كونه مما اختلف فيه لقوة دليله، ولكونه على وفق القياس، إذ الواجب خمس صلوات لا أكثر فمن قضى الفائتة كمل العدد المأمور به، ولكونه على مقتضى ظاهر الخطاب لقول الشارع ‏"‏ فليصلها ‏"‏ ولم يذكر زيادة‏.‏
وقال أيضا ‏"‏ لا كفارة لها إلا ذلك ‏"‏ فاستفيد من هذا الحصر أن لا يجب غير إعادتها‏.‏
وذهب مالك إلى أن من ذكر بعد أن صلى صلاة أنه لم يصل التي قبلها فإنه يصلي التي ذكر ثم يصلي التي كان صلاها مراعاة للترتيب‏.‏
انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون البخاري أشار بقوله ‏"‏ ولا يعيد إلا تلك الصلاة ‏"‏ إلى تضعيف ما وقع في بعض طرق حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم عن الصلاة حيث قال ‏"‏ فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها ‏"‏ فإن بعضهم زعم أن ظاهره إعادة المقضية مرتين عند ذكرها وعند حضور مثلها من الوقت الآتي، ولكن اللفظ المذكور ليس نصا في ذلك لأنه يحتمل أن يريد بقوله ‏"‏ فليصلها ‏"‏ عند وقتها أي الصلاة التي تحضر لا أنه يريد أن يعيد التي صلاها بعد خروج وقتها، لكن في رواية أبي داود من حديث عمران بن حصين في هذه القصة ‏"‏ من أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحا فليقض معها مثلها ‏"‏ قال الخطابي‏:‏ لا أعلم أحدا قال بظاهره وجوبا‏.‏
قال‏:‏ ويشبه أن يكون الأمر فيه للاستحباب ليحوز فضيلة الوقت في القضاء‏.‏
انتهى‏.‏
ولم يقل أحد من السلف باستحباب ذلك أيضا، بل غدوا الحديث غلطا من راويه‏.‏
وحكى ذلك الترمذي وغيره عن البخاري‏.‏
ويؤيد ذلك ما رواه النسائي من حديث عمران بن حصين أيضا ‏"‏ أنهم قالوا‏:‏ يا رسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد‏؟‏ فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا ينهاكم الله عن الربا ويأخذه منكم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال إبراهيم‏)‏ أي النخعي‏:‏ وأثره هذا موصول عند الثوري في جامعه عن منصور وغيره عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي قَالَ مُوسَى قَالَ هَمَّامٌ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ وَأَقِمْ الصَّلَاةَ للذِّكْرَى قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ حَبَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن همام‏)‏ هو ابن يحيى، والإسناد كله بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من نسي صلاة فليصل‏)‏ كذا وقع في جميع الروايات يحذف المفعول، ورواه مسلم عن هداب بن خالد عن همام بلفظ ‏"‏ فليصلها ‏"‏ وهو أبين للمراد‏.‏
وزاد مسلم أيضا من رواية سعيد عن قتادة ‏"‏ أو نام عنها ‏"‏ وله من رواية المثنى بن سعيد الضبعي عن قتادة نحوه وسيأتي لفظه، وقد تمسك بدليل الخطاب منه القائل إن العامد لا يقضي الصلاة لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلي وقال من قال يقضي العامد بأن ذلك مستفاد من مفهوم الخطاب، فيكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه إذا وجب القضاء على الناسي - مع سقوط الإثم ورفع الحرج عنه - فالعامد أولى‏.‏
وادعى بعضهم أن وجوب القضاء على العامد يؤخذ من قوله ‏"‏ نسي ‏"‏ لأن النسيان يطلق على الترك سواء كان عن ذهول أم لا، ومنه قوله تعالى ‏(‏نسوا الله فأنساهم أنفسهم - نسوا الله فنسيهم‏)‏ ‏.‏
قال‏:‏ ويقوي ذلك قوله ‏"‏ لا كفارة لها ‏"‏ والنائم والناسي لا إثم عليه‏.‏
قال‏:‏ وهو بحث ضعيف، لأن الخبر بذكر النائم ثابت وقد قال فيه ‏"‏ لا كفارة لها ‏"‏ والكفارة قد تكون عن الخطأ كما تكون عن العمد، والقائل بأن العامد لا يقضي لم يرد أنه أخف حالا من الناسي، بل يقول إنه لو شرع له القضاء لكان هو والناسي سواء، والناسي غير مأثوم بخلاف العامد فالعامد أسوأ حالا من الناسي فكيف يستويان‏؟‏ ويمكن أن يقال إن إثم العامد بإخراجه الصلاة عن وقتها باق عليه ولو قضاها، بخلاف الناسي فإنه لا إثم عليه مطلقا، ووجوب القضاء على العامد بالخطاب الأول لأنه قد خوطب بالصلاة وترتبت في ذمته فصارت دينا عليه، والدين لا يسقط إلا بأدائه فيأثم بإخراجه لها عن الوقت المحدود لها ويسقط عنه الطلب بأدائها، فمن أفطر في رمضان عامدا فإنه يجب عليه أن يقضيه مع بقاء إثم الإفطار عليه، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال موسى‏)‏ أي دون أبي نعيم ‏(‏قال همام سمعته‏)‏ يعني قتادة ‏(‏يقول بعد‏)‏ أي في وقت آخر ‏(‏للذكرى‏)‏ يعني أن همام سمعه من قتادة مرة بلفظ ‏(‏للذكرى‏)‏ بلامين وفتح الراء بعدها ألف مقصورة - ووقع عند مسلم من طريق يونس أن الزهري كان يقرأها كذلك - ومرة كان يقولها قتادة بلفظ ‏"‏ لذكرى ‏"‏ بلام واحدة وكسر الراء وهي القراءة المشهورة‏.‏
وقد اختلف في ذكر الآية هل هي من كلام قتادة أو هي من قول النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
وفي رواية مسلم عن هداب قال قتادة ‏(‏وأقم الصلاة لذكري‏)‏ وفي روايته من طريق المثنى عن قتادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول ‏(‏أقم الصلاة لذكري‏)‏ وهذا ظاهر أن الجميع من كلام النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
واستدل به على أن شرع من قبلنا شرع لنا، لأن المخاطب بالآية المذكورة موسى عليه الصلاة والسلام، وهو الصحيح في الأصول ما لم يرد ناسخ، واختلف في المراد بقوله ‏"‏ لذكري ‏"‏ فقيل المعنى لتذكرني فيها‏.‏
وقيل لأذكرك بالمدح، وقيل إذا ذكرتها، أي لتذكيري لك إياها، وهذا يعضد قراءة من قرأ ‏"‏ للذكرى‏"‏‏.‏
وقال النخعي‏.‏
اللام للظرف، أي إذا ذكرتني أي إذا ذكرت أمري بعد ما نسيت، وقيل لا تذكر فيها غيري، وقيل شكرا لذكري، وقيل المراد بقوله ذكري ذكر أمري، وقيل المعنى إذا ذكرت الصلاة فقد ذكرتني فإن الصلاة عبادة لله فمتى ذكرها ذكر المعبود فكأنه أراد لذكر الصلاة‏.‏
وقال التوربشتي‏:‏ الأولى أن يقصد إلى وجه يوافق الآية والحديث، وكأن المعنى أقم الصلاة لذكرها، لأنه إذا ذكرها ذكر الله تعالى، أو يقصد مضاف أي لذكر صلاتي أو ذكر الضمير فيه موضع الصلاة لشرفها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال حبان‏)‏ هو بفتح أوله والموحدة وهو ابن هلال، وأراد بهذا التعليق بيان سماع قتادة له من أنس لتصريحه فيها بالتحديث، وقد وصله أبو عوانة في صحيحه عن عمار بن رجاء عن حبان بن هلال وفيه أن هماما سمعه من قتادة مرتين كما في رواية موسى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَضَاءِ الصَّلَاةِ الْأُولَى فَالْأُولَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قضاء الصلاة‏)‏ وللكشميهني الصلوات ‏(‏الأولى فالأولى‏)‏ وهذه الترجمة عبر عنها بعضهم بقوله ‏"‏ باب ترتيب الفوائت ‏"‏ وقد تقدم نقل الخلاف في حكم هذه المسألة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَعَلَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَسُبُّ كُفَّارَهُمْ وَقَالَ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتْ قَالَ فَنَزَلْنَا بُطْحَانَ فَصَلَّى بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ
الشرح‏:‏
يحيى المذكور فيه هو القطان، وبقية الإسناد تقدم قبل‏.‏
وأورد المتن هنا مختصرا، ولا ينهض الاستدلال به لمن يقول بوجوب ترتيب الفوائت إلا إذا قلنا إن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة للوجوب، اللهم إلا أن يستدل له بعموم قوله ‏"‏ صلوا كما رأيتموني أصلي ‏"‏ فيقوى، وقد اعتبر ذلك الشافعية في أشياء غير هذه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا يُكْرَهُ مِنْ السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يكره من السمر بعد العشاء‏)‏ أي بعد صلاتها، قال عياض‏:‏ السمر رويناه بفتح الميم‏.‏
وقال أبو مروان بن سراج‏:‏ الصواب سكونها لأنه اسم الفعل، وأما بالفتح فهو اعتماد السمر للمحادثة، وأصله من لون ضوء القمر، لأنهم كانوا يتحدثون فيه، والمراد بالسمر في الترجمة ما يكون في أمر مباح لأن المحرم لا اختصاص لكراهته بما بعد صلاة العشاء بل هو حرام في الأوقات كلها، وأما ما يكون مستحبا فسيأتي في الباب الذي بعده‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏السامر من السمر الخ‏)‏ هكذا وقع في رواية أبي ذر وحده، واستشكل ذلك لأنه لم يتقدم للسامر ذكر في الترجمة، والذي يظهر لي أن المصنف أراد تفسير قوله تعالى ‏(‏سامرا تهجرون‏)‏ وهو المشار إليه بقوله هاهنا أي في الآية، والحاصل أنه لما كان الحديث بعد العشاء يسمى السمر، والسمر والسامر مشتقان من السمر وهو يطلق على الجمع والواحد ظهر وجه مناسبة ذكر هذه اللفظة هنا، وقد أكثر البخاري من هذه الطريقة إذا وقع في الحديث لفظة توافق لفظة في القرآن يستغنى بتفسير تلك اللفظة من القرآن، وقد استقرئ للبخاري أنه إذا مر له لفظ من القرآن يتكلم على غريبه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْمِنْهَالِ قَالَ انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي إِلَى أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ فَقَالَ لَهُ أَبِي حَدِّثْنَا كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ قَالَ كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ وَهِيَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْأُولَى حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ وَيُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى أَهْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ قَالَ وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ قَالَ وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ أَحَدُنَا جَلِيسَهُ وَيَقْرَأُ مِنْ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ
الشرح‏:‏
قد تقدم الكلام على حديث أبي برزة المذكور في هذا الباب في ‏"‏ باب وقت العصر‏"‏‏.‏
وموضع الحاجة منه هنا قوله ‏"‏ وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها ‏"‏ لأن النوم قبلها قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقا أو عن الوقت المختار، والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم عن الصبح أو عن وقتها المختار أو عن قيام الليل، وكان عمر بن الخطاب يضرب الناس على ذلك ويقول‏:‏ أسمروا أول الليل ونوما آخره‏؟‏ وإذا تقرر أن علة النهي ذلك فقد يفرق فارق بين الليالي الطوال والقصار، ويمكن أن تحمل الكراهة على الإطلاق حسما للمادة، لأن الشيء إذا شرع لكونه مظنة قد يستمر فيصير مثنة، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب السَّمَرِ فِي الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء‏)‏ قال علي بن المنير‏:‏ الفقه يدخل في عموم الخير، لكنه خصه بالذكر تنويها بذكره وتنبيها على قدره، وقد روى الترمذي من حديث عمر محسنا ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمر هو وأبو بكر في الأمر من أمور المسلمين وأنا معهما‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ انْتَظَرْنَا الْحَسَنَ وَرَاثَ عَلَيْنَا حَتَّى قَرُبْنَا مِنْ وَقْتِ قِيَامِهِ فَجَاءَ فَقَالَ دَعَانَا جِيرَانُنَا هَؤُلَاءِ ثُمَّ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ انْتَظَرْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى كَانَ شَطْرُ اللَّيْلِ يَبْلُغُهُ فَجَاءَ فَصَلَّى لَنَا ثُمَّ خَطَبَنَا فَقَالَ أَلَا إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا ثُمَّ رَقَدُوا وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمْ الصَّلَاةَ قَالَ الْحَسَنُ وَإِنَّ الْقَوْمَ لَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا انْتَظَرُوا الْخَيْرَ قَالَ قُرَّةُ هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن صباح‏)‏ هو العطار وهو بصري وكذا بقية رجال هذا الإسناد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏انتظرنا الحسن‏)‏ أي ابن أبي الحسن البصري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وراث علينا‏)‏ الواو للحال وراث بمثلثة غير مهموز أي أبطأ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من وقت قيامه‏)‏ أي الذي جرت عادته بالقعود معهم فيه كل ليلة في المسجد لأخذ العلم عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏دعانا جيراننا‏)‏ بكسر الجيم، كأن الحسن أورد هذا مورد الاعتذار عن تخلفه عن القعود على عادته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال‏)‏ أي الحسن ‏(‏قال أنس نظرنا‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ انتظرنا ‏"‏ وهما بمعنى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى كان شطر الليل‏)‏ برفع شطر، وكان تامة، و قوله‏:‏ ‏(‏يبلغه‏)‏ أي يقرب منه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم خطبنا‏)‏ هو موضع الترجمة لما قررناه من أن المراد بقوله ‏"‏ بعدها ‏"‏ أي بعد صلاتها‏.‏
وأورد الحسن ذلك لأصحابه مؤنسا لهم ومعرفا أنهم وإن كان فاتهم الأجر على ما يتعلمونه منه في تلك الليلة على ظنهم فلم يفتهم الأجر مطلقا لأن منتظر الخير في خير فيحصل له الأجر بذلك، والمراد أنه يحصل لهم الخير في الجملة لا من جميع الجهات، وبهذا يجاب عمن استشكل قوله ‏"‏ أنهم في صلاة ‏"‏ مع أنهم جائز لهم الأكل والحديث وغير ذلك‏.‏
واستدل الحسن على ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه آنس أصحابه بمثل ذلك، ولهذا قال الحسن بعد‏:‏ وأن القوم لا يزالون بخير ما انتظروا الخير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال قرة‏:‏ هو من حديث أنس‏)‏ يعني الكلام الأخير، وهذا هو الذي يظهر لي، لأن الكلام الأول ظاهر في كونه عن النبي صلى الله عليه وسلم والأخير هو الذي لم يصرح الحسن برفعه ولا بوصله فأراد قرة الذي اطلع على كونه في نفس الأمر موصولا مرفوعا أن يعلم من رواه عنه بذلك‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخرج مسلم وابن خزيمة في صحيحيهما عن عبد الله بن الصباح شيخ البخاري بإسناده هذا حديثا خالفا البخاري فيه في بعض الإسناد والمتن فقالا ‏"‏ عن أبي علي الحنفي عن قرة بن خالد عن قتادة عن أنس قال‏:‏ نظرنا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة حتى كان قريبا من نصف الليل، قال فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى‏.‏
قال‏:‏ فكأنما أنظر إذا وبيص خاتمه حلقة فضة‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
وأخرجه الإسماعيلي في مستخرجه عن عمر بن سهل عن عبد الله بن الصباح كذلك من رواية قرة عن قتادة، ولم يصب في ذلك فإن الذي يظهر لي أنه حديث آخر كان عند أبي علي الحنفي عن قرة أيضا وسمعه منه عبد الله بن الصباح كما سمع منه الحديث الآخر عن قرة عن الحسن، ويدل على ذلك أن في كل من الحديثين ما ليس في الآخر، وقد أورد أبو نعيم في مستخرجه الحديثين من الطريقين‏:‏ فأورد حديث قرة عن قتادة من طرق منها عن يزيد بن عمر صلى الله عليه وسلم عن أبي علي الحنفي، وحديث قرة عن الحسن من رواية حجاج بن نصير عن قرة، وهو في التحقيق حديث واحد عن أنس اشترك الحسن وقتادة في سماعه منه فاقتصر الحسن على موضع حاجته منه فلم يذكر قصة الخاتم وزاد مع ذلك على قتادة ما لم يذكره، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبُو بَكْرٍ ابْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةٍ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأبو بكر بن أبي حثمة‏)‏ نسبة إلى جده، وهو أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وقد تقدم كذلك في ‏"‏ باب السمر بالعلم ‏"‏ من كتاب العلم، وتقدم الكلام على حديث ابن عمر هناك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فوهل الناس‏)‏ أي غلطوا أو توهموا أو فزعوا أو نسوا، والأول أقرب هنا، وقيل وهل بالفتح بمعنى وهم بالكسر ووهل بالكسر مثله، وقيل بالفتح غلط، وبالكسر فزع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في مقالة‏)‏ وفي رواية المستملي والكشميهني من مقالة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى ما يتحدثون في هذه‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ من هذه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن مائة سنة‏)‏ لأن بعضهم كان يقول إن الساعة تقوم عند تقضي مائة سنة كما روى ذلك الطبراني وغيره من حديث أبي مسعود البدري، ورد ذلك عليه علي بن أبي طالب، وقد بين ابن عمر في هذا الحديث مراد النبي صلى الله عليه وسلم وأن مراده أن عند انقضاء مائة سنة من مقالته تلك ينخزم ذلك القرن فلا يبقى أحد ممن كان موجودا حال تلك المقالة، وكذلك وقع بالاستقراء فكان آخر من ضبط أمره ممن كان موجودا حينئذ أبو الطفيل عامر بن واثلة، وقد أجمع أهل الحديث على أنه كان آخر الصحابة موتا، وغاية ما قيل فيه إنه بقي إلى سنة عشر ومائة وهي رأس مائة سنة من مقالة النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم‏.‏
قال النووي وغيره‏:‏ احتج البخاري ومن قال بقوله بهذا الحديث على موت الخضر، والجمهور على خلافه، وأجابوا عنه بأن الخضر كان حينئذ من ساكني البحر فلم يدخل في الحديث، قالوا‏:‏ ومعنى الحديث لا يبقى ممن ترونه أو تعرفونه، فهو عام أريد به الخصوص‏.‏
وقيل احترز بالأرض عن الملائكة‏.‏
وقالوا‏:‏ خرج عيسى من ذلك وهو حي لأنه في السماء لا في الأرض، وخرج إبليس لأنه على الماء أو في الهواء، وأبعد من قال‏:‏ إن اللام في الأرض عهدية والمراد أرض المدينة، والحق أنها للعموم وتتناول جمع بني آدم، وأما من قال‏:‏ المراد أمة محمد سواء أمة الإجابة وأمة الدعوة، وخرج عيسى والخضر لأنهما ليسا من أمته، فهو قول ضعيف، لأن عيسى يحكم بشريعته فيكون من أمته، والقول في الخضر إن كان حيا كالقول في عيسى صلى الله عليه وسلم، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب السَّمَرِ مَعَ الضَّيْفِ وَالْأَهْلِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب السمر مع الأهل والضيف‏)‏ قال علي بن المنير ما محصله‏:‏ اقتطع البخاري هذا الباب من ‏"‏ باب السمر في الفقه والخير ‏"‏ لانحطاط رتبته عن مسمى الخير، لأن الخير متمحض للطاعة لا يقع على غيرها، وهذا النوع من السمر خارج عن أصل الضيافة والصلة المأمور بهما، فقد يكون مستغنى عنه في حقهما فيلتحق بالسمر الجائز أو المتردد بين الإباحة والندب‏.‏
ووجه الاستدلال من حديث عبد الرحمن ابن أبي بكر المذكور في الباب اشتغال أبي بكر بعد صلاة العشاء بمجيئه إلى بيته ومراجعته لخبر الأضياف واشتغاله بما دار بينهم، وذلك كله في معنى السمر، لأنه سمر مشتمل على مخاطبة وملاطفة ومعاتبة‏.‏
انتهى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ وَإِنْ أَرْبَعٌ فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشَرَةٍ قَالَ فَهُوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي فَلَا أَدْرِي قَالَ وَامْرَأَتِي وَخَادِمٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَبِثَ حَيْثُ صُلِّيَتْ الْعِشَاءُ ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ وَمَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ أَوْ قَالَتْ ضَيْفِكَ قَالَ أو ما عَشَّيْتِيهِمْ قَالَتْ أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ قَدْ عُرِضُوا فَأَبَوْا قَالَ فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ فَقَالَ يَا غُنْثَرُ فَجَدَّعَ وَسَبَّ وَقَالَ كُلُوا لَا هَنِيئًا فَقَالَ وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا وَأيْمُ اللَّهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلَّا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا قَالَ يَعْنِي حَتَّى شَبِعُوا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ مَا هَذَا قَالَتْ لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي لَهِيَ الْآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ يَعْنِي يَمِينَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَقْدٌ فَمَضَى الْأَجَلُ فَفَرَّقَنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ أَوْ كَمَا قَالَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏كونوا أناسا‏)‏ للكشميهني ‏"‏ كانوا ناسا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فهو أنا وأبي‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ وأمي ‏"‏ وللمستملي ‏"‏ فهو وأنا وأمي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم لبث حيث صليت العشاء‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ حتى ‏"‏ بدل حيث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ففرقنا‏)‏ أي جعلنا فرقا، وسنذكر فوائد هذا الحديث وما اشتمل عليه من الأحكام وغيرها في ‏"‏ علامات النبوة ‏"‏ مفصلا إن شاء الله تعالى‏.‏
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب المواقيت على مائة حديث وسبعة عشر حديثا، المعلق من ذلك ستة وثلاثون حديثا والباقي موصول، الخالص منها ثمانية وأربعون حديثا والمكرر منها فيه وفيما تقدم تسعة وستون حديثا، وافقه مسلم على جميعها سوى ثلاثة عشر حديثا وهي حديث أنس في السجود على الظهائر وقد أخرج معناه، وحديثه ‏"‏ ما أعرف شيئا ‏"‏ وحديثه في المعنى ‏"‏ هذه الصلاة قد ضيعت ‏"‏ وحديث ابن عمر ‏"‏ أبردوا ‏"‏ وكذا حديث أبي سعيد وحديث ابن عمر ‏"‏ إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم ‏"‏ وحديث أبي موسى ‏"‏ مثل المسلمين واليهود ‏"‏ وحديث أنس ‏"‏ كنا نصلي العصر ‏"‏ وقد اتفقا على أصله، وحديث عبد الله بن مغفل ‏"‏ لا يغلبنكم الأعراب ‏"‏ وحديث ابن عباس ‏"‏ لولا أن أشق ‏"‏ وحديث سهل بن سعد ‏"‏ كنت أتسحر ‏"‏ وحديث معاوية في الركعتين بعد العصر، وحديث أبي قتادة في النوم عن الصبح، على أن مسلما أخرج أصل الحديث من وجه آخر لكن بينا في الشرح أنهما حديثان لقصتين، والله أعلم‏.‏
وفيه من الآثار الموقوفة ثلاثة آثار والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 09:55 AM   #247
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب بَدْءُ الْأَذَانِ
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُؤًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ وَقَوْلُهُ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب بدء الأذان‏)‏ أي ابتدائه‏.‏
وسقط لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ من رواية أبي ذر، وكذلك سقطت البسملة من رواية القابسي وغيره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله عز وجل وإذا ناديتم إلى الصلاة‏)‏ الآية‏)‏ يشير بذلك إلى أن ابتداء الأذان كان بالمدينة، وقد ذكر بعض أهل التفسير أن اليهود لما سمعوا الأذان قالوا‏:‏ لقد ابتدعت يا محمد شيئا لم يكن فيما مضى، فنزلت ‏(‏وإذا ناديتم إلى الصلاة‏)‏ الآية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقوله تعالى ‏(‏إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة‏)‏ يشير بذلك أيضا إلى الابتداء، لأن ابتداء الجمعة إنما كان بالمدينة كما سيأتي في بابه‏.‏
واختلف في السنة التي فرض فيها‏:‏ فالراجح أن ذلك كان في السنة الأولى، وقيل بل كان في السنة الثانية، وروي عن ابن عباس أن فرض الأذان نزل مع هذه الآية‏.‏
أخرجه أبو الشيخ‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الفرق بين ما في الآيتين من التعدية بإلى واللام أن صلات الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام، فقصد في الأولى معنى الانتهاء وفي الثانية معنى الاختصاص قاله الكرماني‏.‏
ويحتمل أن تكون اللام بمعنى إلى أو العكس والله أعلم‏.‏
وحديث ابن عمر المذكور في هذا الباب ظاهر في أن الأذان إنما شرع بعد الهجرة، فإنه نفى النداء بالصلاة قبل ذلك مطلقا‏.‏
وقوله في آخره ‏"‏ يا بلال قم فناد بالصلاة ‏"‏ كان ذلك قبل رؤيا عبد الله بن زيد، وسياق حديثه يدل على ذلك كما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان من طريق محمد بن إسحاق قال‏:‏ حدثني محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال حدثني عبد الله بن زيد، فذكر نحو حديث ابن عمر، وفي آخره ‏"‏ فبينما هم على ذلك أري عبد الله النداء ‏"‏ فذكر الرؤيا وفيها صفة الأذان لكن بغير ترجيع، وفيه تربيع التكبير وإفراد الإقامة وتثنية ‏"‏ قد قامت الصلاة ‏"‏ وفي آخره قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى، فقم مع بلال فألقها عليه فإنه أندى صوتا منك ‏"‏ وفيه مجيء عمر وقوله إنه رأى مثل ذلك، وقد أخرج الترمذي في ترجمة بدء الأذان حديث عبد الله بن زيد مع حديث عبد الله بن عمر، وإنما لم يخرجه البخاري لأنه على غير شرطه، وقد روي عن عبد الله بن زيد من طرق، وحكى ابن خزيمة عن الذهلي أنه ليس في طرقه أصح من هذه الطريق، وشاهده حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلا - ومنهم من وصله عن سعيد - عن عبد الله بن زيد، والمرسل أقوى إسنادا‏.‏
ووقع في الأوسط للطبراني أن أبا بكر أيضا رأى الأذان، ووقع في الوسيط للغزالي أنه رآه بضعة عشر رجلا، وعبارة الجيلي في شرح التنبيه أربعة عشر رجلا، وأنكره ابن الصلاح ثم النووي، ونقل مغلطاي أن في بعض كتب الفقهاء أنه رآه سبعة، ولا يثبت شيء من ذلك إلا لعبد الله بن زيد، وقصة عمر جاءت في بعض طرقه وفي مسند الحارث بن أبي أسامة بسند واه قال‏:‏ أول من أذن بالصلاة جبريل في سماء الدنيا، فسمعه عمر وبلال، فسبق عمر بلالا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء بلال فقال له‏:‏ سبقك بها عمر‏.‏
‏(‏فائدتان‏)‏ الأولى‏:‏ وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة، منها للطبراني من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال‏:‏ لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعلمه بلالا‏.‏
وفي إسناده طلحة بن زيد وهو متروك‏.‏
وللدار قطني في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ صلى الله عليه وسلم من حديث أنس أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان حين فرضت الصلاة، وإسناده ضعيف أيضا‏.‏
ولابن مردويه من حديث عائشة مرفوعا‏:‏ لما أسري بي أذن جبريل فظنت الملائكة أنه يصلي بهم فقدمني فصليت، وفيه من لا يعرف‏.‏
وللبزار وغيره من حديث علي قال‏:‏ لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها‏.‏
فذكر الحديث وفيه‏:‏ إذ خرج ملك من وراء الحجاب فقال‏:‏ الله أكبر، الله أكبر، وفي آخره‏:‏ ثم أخذ الملك بيده فأم بأهل السماء‏.‏
وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك أيضا‏.‏
ويمكن على تقدير الصحة أن يحمل على تعدد الإسراء فيكون ذلك وقع بالمدينة‏.‏
وأما قول القرطبي‏:‏ لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه، ففيه نظر لقوله في أوله‏:‏ لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان، وكذا قول المحب الطبري يحمل الأذان ليلة الإسراء على المعنى اللغوي وهو الإعلام ففيه نظر أيضا لتصريحه بكيفيته المشروعة فيه‏.‏

والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث‏.‏
وقد جزم ابن المنذر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم حديث عبد الله بن زيد‏.‏
انتهى‏.‏
وقد حاول السهيلي صلى الله عليه وسلم الجمع بينهما فتكلف وتعسف، والأخذ بما صح أولى، فقال بانيا على صحة صلى الله عليه وسلم الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصحابي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فوق سبع سموات وهو أقوى من الوحي، فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت فرأى الصحابي المنام فقصها فوافقت ما كان النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فقال ‏"‏ إنها لرؤيا حق ‏"‏ وعلم حينئذ أن مراد الله بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض، وتقوى ذلك بموافقة عمر لأن السكينة تنطق على لسانه، والحكمة أيضا في إعلام الناس به على غير لسانه صلى الله عليه وسلم التنويه بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفحم لشأنه‏.‏
انتهى ملخصا‏.‏
والثاني‏:‏ حسن بديع، ويؤخذ منه عدم الاكتفاء برؤيا عبد الله بن زيد حتى أضيف عمر للتقوية التي ذكرها‏.‏
لكن قد يقال‏:‏ فلم لا اقتصر على عمر‏؟‏ فيمكن أن يجاب ليصير في معنى الشهادة، وقد جاء في رواية ضعيفة سبقت ما ظاهره أن بلالا أيضا رأى لكنها مؤوله فإن لفظها ‏"‏ سبقك بها بلال ‏"‏ فيحمل المراد بالسبق على مباشرة التأذين برؤيا عبد الله بن زيد‏.‏
ومما كثر السؤال عنه هل باشر النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه‏؟‏ وقد وقع عند السهيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في سفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم أخرجه الترمذي من طريق تدور على عمر بن الرماح يرفعه إلى أبي هريرة ا ه‏.‏
وليس هو من حديث أبي هريرة وإنما هو من حديث يعلى بن مرة، وكذا جزم النووي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر وعزاه للترمذي وقواه، ولكن وجدناه في مسند أحمد من الوجه الذي أخرجه الترمذي ولفظه ‏"‏ فأمر بلالا فأذن ‏"‏ فعرف أن في رواية الترمذي اختصارا وأن معنى قوله ‏"‏ أذن ‏"‏ أمر بلالا به كما يقال أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفا، وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه آمرا به‏.‏
ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبد الله بن الزبير قال‏:‏ أخذ الأذان من أذان إبراهيم ‏(‏وأذن في الناس بالحج‏)‏ الآية‏.‏
قال‏:‏ فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أن جبريل نادى بالأذان لآدم حين أهبط من الجنة‏.‏
‏(‏الفائدة الثانية‏)‏ ‏:‏ قال الزين بن المنير‏:‏ أعرض البخاري عن التصريح بحكم الأذان لعدم إفصاح الآثار الواردة فيه عن حكم معين، فأثبت مشروعيته وسلم من الاعتراض‏.‏
وقد اختلف في ذلك، ومنشأ الاختلاف أن مبدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حتى استقر برؤيا بعضهم فأقره كان ذلك بالمندوبات أشبه، ثم لما واظب على تقريره ولم ينقل أنه تركه ولا أمر بتركه ولا رخص في تركه كان ذلك بالواجبات أشبه‏.‏ انتهى‏.‏
وسيأتي بقية الكلام على ذلك قريبا إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الوارث‏)‏ هو ابن سعيد، وخالد هو الحذاء كما ثبت في رواية كريمة، والإسناد كله بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى‏)‏ كذا ساقه عبد الوارث مختصرا، ورواية عبد الوهاب الآتية في الباب الذي بعده أوضح قليلا حيث قال ‏"‏ لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يوروا نارا أو يضربوا ناقوسا ‏"‏ وأوضح من ذلك رواية روح بن عطاء عن خالد عند أبي الشيخ ولفظه ‏"‏ فقالوا لو اتخذنا ناقوسا‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك للنصارى‏.‏
فقالوا‏:‏ لو اتخذنا بوقا، فقال‏:‏ ذاك لليهود‏.‏
فقالوا‏:‏ لو رفعنا نارا، فقال‏:‏ ذاك للمجوس ‏"‏ فعلى هذا ففي رواية عبد الوارث اختصار كأنه كان فيه‏:‏ ذكروا النار والناقوس والبوق فذكروا اليهود والنصارى والمجوس واللف والنشر فيه معكوس، فالنار للمجوس والناقوس للنصارى والبوق لليهود‏.‏
وسيأتي في حديث ابن عمر التنصيص على أن البوق لليهود‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ يحتمل أن تكون النار والبوق جميعا لليهود جمعا بين حديثي أنس وابن عمر‏.‏
انتهى‏.‏
ورواية روح تغني عن هذا الاحتمال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأمر بلال‏)‏ هكذا في معظم الروايات على البناء للمفعول، وقد اختلف أهل الحديث وأهل الأصول في اقتضاء هذه الصيغة للرفع، والمختار عند محققي الطائفتين أنها تقتضيه، لأن الظاهر أن المراد بالأمر من له الأمر الشرعي الذي يلزم اتباعه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ويؤيد ذلك هنا من حيث المعنى أن التقرير في العبادة إنما يؤخذ عن توقيف فيقوى جانب الرفع جدا‏.‏
وقد وقع في رواية روح بن عطاء المذكورة ‏"‏ فأمر بلالا ‏"‏ بالنصب وفاعل أمر هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بين في سياقه‏.‏
وأصرح من ذلك رواية النسائي وغيره عن قتيبة عن عبد الوهاب بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا ‏"‏ قال الحاكم‏:‏ صرح برفعه إمام الحديث بلا مدافعة قتيبة‏.‏
قلت‏:‏ ولم ينفرد به، فقد أخرجه أبو عوانة من طريق مروان المروزي عن قتيبة ويحيى بن معين كلاهما عن عبد الوهاب، وطريق يحيى عند الدار قطني أيضا، ولم ينفرد به عبد الوهاب‏.‏
وقد رواه البلاذري من طريق ابن شهاب الحناط عن أبي قلابة‏:‏ وقضية وقوع ذلك عقب المشاورة في أمر النداء إلى الصلاة ظاهر في أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم لا غيره كما استدل به ابن المنذر وابن حبان، واستدل بورود الأمر به من قال بوجوب الأذان‏.‏
وتعقب بأن الأمر إذا ورد بصفة الأذان لا بنفسه، وأجيب بأنه إذا ثبت الأمر بالصفة لزم أن يكون الأصل مأمورا به، قاله ابن دقيق العيد‏.‏
وممن قال بوجوبه مطلقا الأوزاعي وداود وابن المنذر وهو ظاهر قول مالك في الموطأ وحكى عن محمد بن الحسن، وقيل واجب في الجمعة فقط وقيل فرض كفاية، والجمهور على أنه من السنن المؤكدة، وقد تقدم ذكر منشأ الخلاف في ذلك، وأخطأ من استدل على عدم وجوبه بالإجماع لما ذكرناه والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَاةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ فَقَالَ عُمَرُ أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن ابن عمر كان يقول‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ عن عبد الله بن عمر أنه قال‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حين قدموا المدينة‏)‏ أي من مكة في الهجرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيتحينون‏)‏ بحاء مهملة بعدها مثناة تحتانية ثم نون، أي يقدرون أحيانها ليأتوا إليها، والحين الوقت والزمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليس ينادى لها‏)‏ بفتح الدال على البناء للمفعول، قال ابن مالك‏:‏ فيه جواز استعمال ليس حرفا لا اسم لها ولا خبر، وقد أشار إليه سيبويه‏.‏
ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن والجملة بعدها خبر‏.‏
قلت‏:‏ ورواية مسلم تؤيد ذلك، فإن لفظه ‏"‏ ليس ينادى بها أحد‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم اتخذوا‏)‏ لم يقع لي تعين المتكلمين في ذلك، واختصر الجواب في هذه الرواية، ووقع لابن ماجه من وجه آخر عن ابن عمر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار الناس لما يجمعهم إلى الصلاة، فذكروا البوق، فكرهه من أجل اليهود‏.‏
ثم ذكروا الناقوس، فكرهه من أجل النصارى ‏"‏ وقد تقدمت رواية روح بن عطاء نحوه‏.‏
وفي الباب عن عبد الله بن زيد عند أبي الشيخ وعند أبي عمير بن أنس عن عمومته عن سعيد بن منصور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بل بوقا‏)‏ أي بل اتخذوا بوقا، ووقع في بعض النسخ ‏"‏ بل قرنا ‏"‏ وهي رواية مسلم والنسائي‏.‏
والبوق والقرن معروفان، والمراد أنه ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته، وهو من شعار اليهود، ويسمى أيضا ‏"‏ الشبور ‏"‏ بالشين المعجمة المفتوحة والموحدة المضمومة الثقيلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال عمر أو لا‏)‏ الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر كما في نظائره‏.‏
قال الطيبي‏:‏ الهمزة إنكار للجملة الأولى، أي المقدرة وتقرير للجملة الثانية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رجلا‏)‏ زاد الكشميهني ‏"‏ منكم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ينادى‏)‏ قال القرطبي‏:‏ يحتمل أن يكون عبد الله بن زيد لما أخبر برؤياه وصدقه النبي صلى الله عليه وسلم بادر عمر فقال‏:‏ أولا تبعثون رجلا ينادي - أي يؤذن - للرؤيا المذكورة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قم يا بلال ‏"‏ فعلى هذا فالفاء في سياق حديث ابن عمر هي الفصيحة، والتقدير فافترقوا فرأى عبد الله بن زيد، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه فصدقه فقال عمر‏.‏
قلت‏:‏ وسياق حديث عبد الله بن زيد يخالف ذلك، فإن فيه أنه لما قص رؤياه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ألقها على بلال فليؤذن بها، قال فسمع عمر الصوت فخرج فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ لقد رأيت مثل الذي رأى، فدل على أن عمر لم يكن حاضرا لما قص عبد الله بن زيد رؤياه‏.‏
والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي للصلاة كانت عقب المشاورة فيما يفعلونه، وأن رؤيا عبد الله بن زيد كانت بعد ذلك والله أعلم‏.‏
وقد أخرج أبو داود بسند صحيح إلى أبي عمير بن أنس عن عمومته من الأنصار‏.‏
قالوا‏:‏ ‏"‏ اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها، فقال‏:‏ انصب راية عند حضور وقت الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا، فلم يعجبه ‏"‏ الحديث‏.‏
وفيه ‏"‏ ذكروا القنع - بضم القاف وسكون النون يعني البوق - وذكروا الناقوس، فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم فأري الأذان، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ وكان عمر رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما ثم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏ ما منعك أن تخبرنا‏؟‏ قال‏:‏ سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله ‏"‏ ترجم له أبو داود ‏"‏ بدء الأذان ‏"‏ وقال أبو عمر بن عبد البر‏:‏ روى قصة عبد الله ابن زيد جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة وهي من وجوه حسان وهذا أحسنها‏.‏
قلت‏:‏ وهذا لا يخالفه ما تقدم أن عبد الله بن زيد لما قص منامه فسمع عمر الأذان فجاء فقال قد رأيت، لأنه يحمل على أنه لم يخبر بذلك عقب إخبار عبد الله بل متراخيا عنه لقوله ‏"‏ ما منعك أن تخبرنا ‏"‏ أي عقب إخبار عبد الله فاعتذر بالاستحياء، فدل على أنه لم يخبر بذلك على الفور، وليس في حديث أبي عمير التصريح بأن عمر كان حاضرا عند قص عبد الله رؤياه، بخلاف ما وقع في روايته التي ذكر بها ‏"‏ فسمع عمر الصوت فخرج فقال ‏"‏ فإنه صريح في أنه لم يكن حاضرا عند قص عبد الله، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فناد بالصلاة‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ فأذن بالصلاة ‏"‏ قال عياض‏:‏ المراد الإعلام المحض بحضور وقتها لا خصوص الأذان المشروع‏.‏
وأغرب القاضي أبو بكر بن العربي فحمل قوله ‏"‏ أذن ‏"‏ على الأذان المشروع، وطعن في صحة حديث ابن عمر وقال‏:‏ عجبا لأبي عيسى كيف صححه‏.‏
والمعروف أن شرع الأذان إنما كان برؤيا عبد الله بن زيد‏.‏
انتهى‏.‏
ولا تدفع الأحاديث الصحيحة بمثل هذا مع إمكان الجمع كما قدمناه، وقد قال ابن مندة في حديث ابن عمر‏:‏ إنه مجمع على صحته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يا بلال قم‏)‏ قال عياض وغيره‏:‏ فيه حجة لشرع الأذان قائما‏.‏
قلت‏:‏ وكذا احتج ابن خزيمة وابن المنذر، وتعقبه النووي بأن المراد بقوله ‏"‏ قم ‏"‏ أي اذهب إلى موضع بارز فناد فيه بالصلاة ليسمعك الناس، قال‏:‏ وليس فيه تعرض للقيام في حال الأذان‏.‏
انتهى‏.‏
وما نفاه ليس ببعيد من ظاهر اللفظ، فإن الصيغة محتملة للأمرين، وإن كان ما قاله أرجح‏.‏
ونقل عياض أن مذهب العلماء كافة أن الأذان قاعدا لا يجوز، إلا أبا ثور ووافقه أبو الفرج المالكي‏.‏
وتعقب بأن الخلاف معروف عند الشافعية، وبأن المشهور عند الحنفية كلهم أن القيام سنة، وأنه لو أذن قاعدا صح، والصواب ما قال ابن المنذر أنهم اتفقوا على أن القيام من السنة‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ كان اللفظ الذي ينادي به بلال للصلاة قوله ‏"‏ الصلاة جامعة ‏"‏ أخرجه ابن سعد في الطبقات من مراسيل سعيد بن المسيب‏.‏
وظن بعضهم أن بلالا حينئذ إنما أمر بالأذان المعهود فذكر مناسبة اختصاص بلال بذاك دون غيره لكونه كان لما عذب ليرجع عن الإسلام فيقول‏:‏ أحد أحد، فجوزي بولاية الأذان المشتملة على التوحيد في ابتدائه وانتهائه، وهي مناسبة حسنة في اختصاص بلال بالأذان، إلا أن هذا الموضع ليس هو محلها‏.‏
وفي حديث ابن عمر دليل على مشروعية طلب الأحكام من المعاني المستنبطة دون الاقتصار على الظواهر‏.‏
قاله ابن العربي، وعلى مراعاة المصالح والعمل بها، وذلك أنه لما شق عليهم التبكير إلى الصلاة فتفوتهم أشغالهم، أو التأخير فيفوتهم وقت الصلاة، نظروا في ذلك‏.‏
وفيه مشروعية التشاور في الأمور المهمة وأنه لا حرج على أحد من المتشاورين إذا أخبر بما أدى إليه اجتهاده، وفيه منقبة ظاهرة لعمر‏.‏
وقد استشكل إثبات حكم الأذان برؤيا عبد الله بن زيد لأن رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعي، وأجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك، أو لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بمقتضاها لينظر أيقر على ذلك أم لا، ولا سيما لما رأى نظمها يبعد دخول الوسواس فيه، وهذا ينبني على القول بجواز اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الأحكام وهو المنصور في الأصول، ويؤيد الأول ما رواه عبد الرزاق وأبو داود في المراسيل من طريق عبيد بن عمير الليثي أحد كبار التابعين أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ سبقك بذلك الوحي ‏"‏ وهذا أصح مما حكى الداودي عن ابن إسحاق أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد وعمر بثمانية أيام، وأشار السهيلي إلى أن الحكمة في ابتداء شرع الأذان على لسان غير النبي صلى الله عليه وسلم التنويه بعلو قدره على لسان غيره ليكون أفخم لشأنه، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 09:57 AM   #248
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْأَذَانُ مَثْنَى مَثْنَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الأذان مثنى‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ مثنى مثنى ‏"‏ أي مرتين مرتين، ومثنى معدول عن اثنين اثنين وهو بغير تنوين، فتحمل رواية الكشميهني على التوكيد لأن الأول يفيد تثنية كل لفظ من ألفاظ الأذان والثاني يؤكد ذلك‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ ثبت لفظ هذه الترجمة في حديث لابن عمر مرفوع أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده فقال فيه ‏"‏ مثنى مثنى ‏"‏ وهو عند أبي داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة وغيره من هذا الوجه لكن بلفظ ‏"‏ مرتين مرتين‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ إِلَّا الْإِقَامَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سماك بن عطية‏)‏ هو بصري ثقة، روى عن أيوب وهو من أقرانه، وقد روى حماد بن زيد عنهما جميعا وقال‏:‏ مات سماك قبل أيوب، ورجال إسناده كلهم بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن يشفع‏)‏ بفتح أوله وفتح الفاء أي يأتي بألفاظه شفعا‏.‏
قال الزبن بن المنير‏:‏ وصف الأذان بأنه شفع يفسره قوله ‏"‏ مثنى مثنى ‏"‏ أي مرتين مرتين وذلك يقتضي أن تستوي جميع ألفاظه في ذلك، لكن لم يختلف في أن كلمة التوحيد التي في آخره مفردة فيحمل قوله ‏"‏ مثنى ‏"‏ على ما سواها، وكأنه أراد بذلك تأكيد مذهبه في ترك تربيع التكبير في أوله، لكن لمن قال بالتربيع أن يدعي نظير ما ادعاه لثبوت الخبر بذلك، وسيأتي في الإقامة توجيه يقتضي أن القائل به لا يحتاج إلى دعوى التخصيص‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأن يوتر الإقامة إلا الإقامة‏)‏ المراد بالمنفي غير المراد بالمثبت، فالمراد بالمثبت جميع الألفاظ المشروعة عند القيام إلى الصلاة، والمراد بالمنفي خصوص قوله ‏"‏ قد قامت الصلاة ‏"‏ كما سيأتي ذلك صريحا‏.‏
وحصل من ذلك جناس تام‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ادعى ابن مندة أن قوله ‏"‏ إلا الإقامة ‏"‏ من قول أيوب غير مسند كما في رواية إسماعيل ابن إبراهيم، وأشار إلى أن في رواية سماك بن عطية هذه إدراجا، وكذا قال أبو محمد الأصيلي‏:‏ قوله ‏"‏ إلا الإقامة ‏"‏ هو من قول أيوب وليس من الحديث‏.‏
وفيما قالاه نظر، لأن عبد الرزاق رواه عن معمر عن أيوب بسنده متصلا بالخبر مفسرا ولفظه ‏"‏ كان بلال يثني الأذان ويوتر الإقامة، إلا قوله قد قامت الصلاة ‏"‏ وأخرجه أبو عوانة في صحيحه والسراج في مسنده وكذا هو في مصنف عبد الرزاق، وللإسماعيلي من هذا الوجه ‏"‏ ويقول قد قامت الصلاة مرتين ‏"‏ والأصل أن ما كان في الخبر فهو منه حتى يقوم دليل على خلافه، ولا دليل في رواية إسماعيل لأنه إنما يتحصل منها أن خالدا كان لا يذكر الزيادة وكان أيوب يذكرها، وكل منهما روى الحديث عن أبي قلابة عن أنس، فكان في رواية أيوب زيادة من حافظ فتقبل، والله أعلم‏.‏
وقد استشكل عدم استثناء التكبير في الإقامة، وأجاب بعض الشافعية بأن التثنية في تكبيرة الإقامة بالنسبة إلى الأذان إفراد، قال النووي‏:‏ ولهذا يستحب أن يقول المؤذن كل تكبيرتين بنفس واحد‏.‏
قلت‏:‏ وهذا إنما يتأتى في أول الأذان لا في التكبير الذي في آخره‏.‏
وعلى ما قال النووي ينبغي للمؤذن أن يفرد كل تكبيرة من اللتين في آخره بنفس، ويظهر بهذا التقرير ترجيح قول من قال بتربيع التكبير في أوله على من قال بتثنيته، مع أن لفظ ‏"‏ الشفع ‏"‏ يتناول التثنية والتربيع، فليس في لفظ حديث الباب ما يخالف ذلك بخلاف ما يوهمه كلام ابن بطال‏.‏
وأما الترجيح في التشهدين فالأصح في صورته أن يشهد بالوحدانية ثنتين ثم بالرسالة ثنتين ثم يرجع فيشهد كذلك، فهو وإن كان في العدد مربعا فهو في الصورة مثنى والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلَامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قَالَ ذَكَرُوا أَنْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ فَذَكَرُوا أَنْ يُورُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا فَأُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني محمد وهو ابن سلام‏)‏ كذا في رواية أبي ذر وأهمله الباقون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عبد الوهاب الثقفي‏)‏ في رواية كريمة أخبرنا‏.‏
وفي رواية الأصيلي حدثنا وليس في رواية كريمة ‏"‏ الثقفي‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا خالد‏)‏ كذا لأبي ذر والأصيلي، ولغيرهما أخبرنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال لما كثر الناس، قال ذكروا‏)‏ ‏"‏ قال ‏"‏ الثانية زائدة، ذكرت تأكيدا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن يعلموا‏)‏ بضم أوله من الإعلام‏.‏
وفي رواية كريمة بفتح أوله من العلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن يوروا نارا‏)‏ أي يوقدوها، يقال ورى الزند إذا خرجت ناره، وأوريته إذا أخرجته‏.‏
ووقع في رواية مسلم ‏"‏ أن ينوروا نارا ‏"‏ أي يظهروا نورها، والناقوس خشبة تضرب بخشبة أصغر منها فيخرج منها صوت وهو من شعار النصارى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأن يوتر الإقامة‏)‏ احتج به من قال بإفراد قوله ‏"‏ قد قامت الصلاة ‏"‏ والحديث الذي قبله حجة عليه لما قدمناه، فإن احتج بعمل أهل المدينة عورض بعمل أهل مكة ومعهم الحديث الصحيح‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إِلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإقامة واحدة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ خالف البخاري لفظ الحديث في الترجمة فعدل عنه إلى قوله ‏"‏ واحدة ‏"‏ لأن لفظ الوتر غير منحصر في المرة فعدل عن لفظ فيه الاشتراك إلى ما لا اشتراك فيه‏.‏
قلت‏:‏ وإنما لم يقل واحدة واحدة مراعاة للفظ الخبر الوارد في ذلك، وهو عند ابن حبان في حديث ابن عمر الذي أشرت إليه في الباب الماضي ولفظه ‏"‏ الأذان مثنى والإقامة واحدة ‏"‏ وروى الدار قطني وحسنه في حديث لأبي محذورة ‏"‏ وأمره أن يقيم واحدة واحدة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا قوله قد قامت الصلاة‏)‏ هو لفظ معمر عن أيوب كما تقدم، قيل واعترضه الإسماعيلي بأن إيراد حديث سماك بن عطية في هذا الباب أولى من إيراد حديث ابن علية، والجواب أن المصنف قصد رفع توهم من يتوهم أنه موقوف على أيوب لأنه أورده في مقام الاحتجاج به، ولو كان عنده مقطوعا لم يحتج به‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الْإِقَامَةَ قَالَ إِسْمَاعِيلُ فَذَكَرْتُ لِأَيُّوبَ فَقَالَ إِلَّا الْإِقَامَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا خالد‏)‏ هو الحذاء كما تقدم، والإسناد كله بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال إسماعيل‏)‏ هو ابن إبراهيم المذكور في أول الإسناد وهو المعروف بابن علية، وليس هو معلقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فذكرت‏)‏ كذا للأكثر بحذف المفعول، وللكشميهني والأصيلي ‏"‏ فذكرته ‏"‏ أي حديث خالد، وهذا الحديث حجة على من زعم أن الإقامة مثنى مثل الأذان‏.‏
وأجاب بعض الحنفية بدعوى النسخ، وأن إفراد الإقامة كان أولا ثم نسخ بحديث أبي محذورة، يعني الذي رواه أصحاب السنن وفيه تثنية الإقامة، وهو متأخر عن حديث أنس فيكون ناسخا‏.‏
وعورض بأن في بعض طرق حديث أبي محذورة المحسنة التربيع والترجيع فكان يلزمهم القول به، وقد أنكر أحمد على من ادعى النسخ بحديث أبي محذورة واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع بعد الفتح إلى المدينة وأقر بلالا على إفراد الإقامة وعلمه سعد القرظ فأذن به بعده كما رواه الدار قطني والحاكم‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ ذهب أحمد وإسحاق وداود وابن جرير إلى أن ذلك من الاختلاف المباح، فإن ربع التكبير الأول في الأذان، أو ثناه، أو رجع في التشهد أو لم يرجع، أو ثنى الإقامة أو أفردها كلها أو إلا ‏"‏ قد قامت الصلاة ‏"‏ فالجميع جائز‏.‏
وعن ابن خزيمة إن ربع الأذان ورجع فيه ثنى الإقامة وإلا أفردها، وقيل لم يقل بهذا التفصيل أحد قبله والله أعلم‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قيل الحكمة في تثنية الأذان وإفراد الإقامة أن الأذان لإعلام الغائبين فيكرر ليكون أوصل إليهم، بخلاف الإقامة فإنها للحاضرين، ومن ثم استحب أن يكون الأذان في مكان عال بخلاف الإقامة، وأن يكون الصوت في الأذان أرفع منه في الإقامة، وأن يكون الأذان مرتلا والإقامة مسرعة، وكرر ‏"‏ قد قامت الصلاة ‏"‏ لأنها المقصودة من الإقامة بالذات‏.‏
قلت‏:‏ توجيهه ظاهر، وأما قول الخطابي‏:‏ لو سوى بينهما لاشتبه الأمر عند ذلك وصار لأن يفوت كثيرا من الناس صلاة الجماعة، ففيه نظر، لأن الأذان يستحب أن يكون على مكان عال لتشترك الأسماع كما تقدم، وقد تقدم الكلام على تثنية التكبير، وتؤخذ حكمة الترجيع مما تقدم، وإنما اختص بالتشهد لأنه أعظم ألفاظ الأذان، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 09:58 AM   #249
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب فَضْلِ التَّأْذِينِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل التأذين‏)‏ راعى المصنف لفظ ‏"‏ التأذين ‏"‏ لوروده في حديث الباب‏.‏
وقال الزين ابن المنير‏:‏ التأذين يتناول جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة، وحقيقة الأذان تعقل بدون ذلك، كذا قال‏.‏
والظاهر أن التأذين هنا أطلق بمعنى الأذان لقوله في الحديث ‏"‏ حتى لا يسمع التأذين ‏"‏ وفي رواية لمسلم ‏"‏ حتى لا يسمع صوته ‏"‏ فالتقييد بالسماع لا يدل على فعل ولا على هيئة، مع أن ذلك هو الأصل في المصدر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا نودي للصلاة‏)‏ وللنسائي عن قتيبة عن مالك ‏"‏ بالصلاة ‏"‏ وهي رواية لمسلم أيضا، ويمكن حملهما على معنى واحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏له ضراط‏)‏ جملة اسمية وقعت حالا بدون واو لحصول الارتباط بالضمير‏.‏
وفي رواية الأصيلي ‏"‏ وله ضراط ‏"‏ وهي للمصنف من وجه آخر في بدء الخلق، قال عياض‏:‏ يمكن حمله على ظاهره لأنه جسم متغذ يصح منه خروج الريح، ويحتمل أنها عبارة عن شدة نفاره، ويقويه رواية لمسلم ‏"‏ له حصاص ‏"‏ بمهملات مضموم الأول فقد فسره الأصمعي وغيره بشدة العدو‏.‏
قال الطيبي‏:‏ شبه شغل الشيطان نفسه عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضراطا تقبيحا له‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ الظاهر أن المراد بالشيطان إبليس، وعليه يدل كلام كثير من الشراح كما سيأتي، ويحتمل أن المراد جنس الشيطان وهو كل متمرد من الجن والإنس، لكن المراد هنا شيطان الجن خاصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى لا يسمع التأذين‏)‏ ظاهره أنه يتعمد إخراج ذلك إما ليشتغل بسماع الصوت الذي يخرجه عن سماع المؤذن، أو يصنع ذلك استخفافا كما يفعله السفهاء، ويحتمل أن لا يتعمد ذلك بل يحصل له عند سماع الأذان شدة خوف يحدث له ذلك الصوت بسببها، ويحتمل أن يتعمد ذلك ليقابل ما يناسب الصلاة من الطهارة بالحدث، واستدل به على استحباب رفع الصوت بالأذان لأن قوله ‏"‏ حتى لا يسمع ‏"‏ ظاهر في أنه يبعد إلى غاية ينتفي فيها سماعه للصوت، وقد وقع بيان الغاية في رواية لمسلم من حديث جابر فقال ‏"‏ حتى يكون مكان الروحاء ‏"‏ وحكى الأعمش عن أبي سفيان راويه عن جابر أن بين المدينة والروحاء ستة وثلاثين ميلا، هذه رواية قتيبة عن جرير عند مسلم، وأخرجه عن إسحاق عن جرير ولم يسق لفظه، ولفظ إسحاق في مسنده ‏"‏ حتى يكون بالروحاء، وهي ثلاثون ميلا من المدينة ‏"‏ فأدرجه في الخبر، والمعتمد رواية قتيبة، وسيأتي حديث أبي سعيد في ‏"‏ فضل رفع الصوت بالأذان ‏"‏ بعده‏.‏
قوله ‏(‏قضي‏)‏ بضم أوله، والمراد بالقضاء الفراغ أو الانتهاء، ويروى بفتح أوله على حذف الفاعل، والمراد المنادى، واستدل به على أنه كان بين الأذان والإقامة فصل، خلافا لمن شرط في إدراك فضيلة أول الوقت أن ينطبق أول التكبير على أول الوقت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا ثوب‏)‏ بضم المثلثة وتشديد الواو المكسورة قيل هو من ثاب إذا رجع، وقيل من ثوب إذا أشار بثوبه عند الفراغ لإعلام غيره، قال الجمهور‏:‏ المراد بالتثويب هنا الإقامة، وبذلك جزم أبو عوانة في صحيحه والخطابي والبيهقي وغيرهم، قال القرطبي‏:‏ ثوب بالصلاة إذا أقيمت، وأصله أنه رجع إلى ما يشبه الأذان، وكل من ردد صوتا فهو مثوب، ويدل عليه رواية مسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة ‏"‏ فإذا سمع الإقامة ذهب ‏"‏ وزعم بعض الكوفيين أن المراد بالتثويب قول المؤذن بين الأذان والإقامة ‏"‏ حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة ‏"‏ وحكى ذلك ابن المنذر عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وزعم أنه تفرد به، لكن في سنن أبي داود عن ابن عمر أنه كره التثويب بين الأذان والإقامة، فهذا يدل على أن له سلفا في الجملة، ويحتمل أن يكون الذي تفرد به القول الخاص‏.‏
وقال الخطابي‏:‏ لا يعرف العامة التثويب إلا قول المؤذن في الأذان ‏"‏ الصلاة خير من النوم ‏"‏ لكن المراد به في هذا الحديث الإقامة، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أقبل‏)‏ زاد مسلم في رواية أبي صالح عن أبي هريرة ‏"‏ فوسوس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أقبل حتى يخطر‏)‏ بضم الطاء، قال عياض‏:‏ كذا سمعناه من أكثر الرواة، وضبطناه عن المتقنين بالكسر، وهو الوجه، ومعناه يوسوس، وأصله من خطر البعير بذنبه إذا حركه فضرب به فخذيه، وأما بالضم فمن المرور أي يدنو منه فيمر بينه وبين قلبه فيشغله، وضعف الحجري في نوادره الضم مطلقا وقال‏:‏ هو يخطر بالكسر في كل شيء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين المرء ونفسه‏)‏ أي قلبه، وكذا هو للمصنف من وجه آخر في بدء الخلق، قال الباجي‏:‏ المعنى أنه يحول بين المرء وبين ما يريده من إقباله على صلاته وإخلاصه فيها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقول‏:‏ اذكر كذا اذكر كذا‏)‏ وقع في رواية كريمة بواو العطف ‏"‏ واذكر كذا ‏"‏ وهي لمسلم، وللمصنف في صلاة السهو ‏"‏ اذكر كذا وكذا ‏"‏ زاد مسلم من رواية عبد ربه عن الأعرج ‏"‏ فهناه ومناه وذكره من حاجاته ما لم يكن يذكر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما لم يكن يذكر‏)‏ أي لشيء لم يكن على ذكره قبل دخوله في الصلاة‏.‏
وفي رواية لمسلم ‏"‏ لما لم يكن يذكر من قبل‏"‏، ومن ثم استنبط أبو حنيفة للذي شكا إليه أنه دفن مالا ثم لم يهتد لمكانه أن يصلي ويحرص أن لا يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا، ففعل، فذكر مكان المال في الحال‏.‏
قيل‏:‏ خصه بما يعلم دون ما لا يعلم لأنه يميل لما يعلم أكثر لتحقق وجوده، والذي يظهر أنه لأعم من ذلك فيذكره بما سبق له به علم ليشتغل باله به وبما لم يكن سبق له ليوقعه في الفكرة فيه، وهذا أعم من أن يكون في أمور الدنيا أو في أمور الدين كالعلم، لكن هل يشمل ذلك التفكر في معاني الآيات التي يتلوها‏؟‏ لا يبعد ذلك، لأن غرضه نقص خشوعه وإخلاصه بأي وجه كان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يظل الرجل‏)‏ كذا للجمهور بالظاء المشالة المفتوحة، ومعنى يظل في الأصل اتصاف المخبر عنه بالخبر نهارا لكنها هنا بمعنى يصير أو يبقى، ووقع عند الأصيلي ‏"‏ يضل ‏"‏ بكسر الساقطة أي ينسى، ومنه قوله تعالى ‏(‏أن تضل إحداهما‏)‏ أو بفتحها، أي يخطئ ومنه قوله تعالى ‏(‏لا يضل ربي ولا ينسى‏)‏ والمشهور الأول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يدرى‏)‏ وفي رواية في صلاة السهو ‏"‏ إن يدري ‏"‏ بكسر همزة إن وهي نافية بمعنى لا، وحكى ابن عبد البر عن الأكثر في الموطأ فتح الهمزة ووجهه بما تعقبه عليه جماعة‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ ليست رواية الفتح لشيء إلا مع رواية الضاد الساقطة فتكون أن مع الفعل بتأويل المصدر ومفعول ضل أن بإسقاط حرف الجر أي يضل عن درايته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كم صلى‏)‏ وللمصنف في بدء الخلق من وجه آخر عن أبي هريرة ‏"‏ حتى لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه في أبواب السهو إن شاء الله تعالى‏.‏
وقد اختلف العلماء في الحكمة في هروب الشيطان عند سماع الأذان والإقامة دون سماع القرآن والذكر في الصلاة، فقيل يهرب حتى لا يشهد للمؤذن يوم القيامة، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس إلا شهد له كما يأتي بعد، ولعل البخاري أشار إلى ذلك بإيراده الحديث المذكور عقب هذا الحديث‏.‏
ونقل عياض عن بعض أهل العلم أن اللفظ عام والمراد به خاص، وأن الذي يشهد من تصح منه الشهادة كما سيأتي القول فيه في الباب الذي بعده‏.‏
وقيل إن ذلك خاص بالمؤمنين فأما الكفار فلا تقبل لهم شهادة، ورده لما جاء من الآثار بخلافه، وبالغ الزين بن المنير في تقرير الأول وهو مقام احتمال، وقيل يهرب نفورا عن سماع الأذان ثم يرجع موسوسا ليفسد على المصلي صلاته، فصار رجوعه من جنس فراره، والجامع بينهما الاستخفاف‏.‏
وقيل لأن الأذان دعاء إلى الصلاة المشتملة على السجود الذي أباه وعصى بسببه، واعترض بأنه يعود قبل السجود، فلو كان هربه لأجله لم يعد إلا عند فراغه، وأجيب بأنه يهرب عند سماع الدعاء بذلك ليغالط نفسه بأنه لم يخالف أمرا ثم يرجع ليفسد على المصلي سجده الذي أباه، وقيل إنما يهرب لاتفاق الجميع على الإعلان بشهادة الحق وإقامة الشريعة، واعترض بأن الاتفاق على ذلك حاصل قبل الأذان وبعده من جميع من يصلي، وأجيب بأن الإعلان أخص من الاتفاق فإن الإعلان المختص بالأذان لا يشاركه فيه غيره من الجهر بالتكبير والتلاوة مثلا، ولهذا قال لعبد الله بن زيد ‏"‏ ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك ‏"‏ أي أقعد في المد والإطالة والإسماع ليعم الصوت ويطول أمد التأذين فيكثر الجمع ويفوت على الشيطان مقصوده من إلهاء الآدمي عن إقامة الصلاة في جماعة أو إخراجها عن وقتها أو وقت فضيلتها فيفر حينئذ، وقد ييأس عن أن يردهم عما أعلنوا به ثم يرجع لما طبع عليه من الأذى والوسوسة‏.‏
وقال ابن الجوزي‏:‏ على الأذان هيبة يشتد انزعاج الشيطان بسببها، لأنه لا يكاد يقع في الأذان رياء ولا غفلة عند النطق به، بخلاف الصلاة فإن النفس تحضر فيها فيفتح لها الشيطان أبواب الوسوسة‏.‏
وقد ترجم عليه أبو عوانة ‏"‏ الدليل على أن المؤذن في أذانه وإقامته منفي عنه الوسوسة والرياء لتباعد الشيطان منه ‏"‏ وقيل لأن الأذان إعلام بالصلاة التي هي أفضل الأعمال بألفاظ هي من أفضل الذكر لا يزاد فيها ولا ينقص منها، بل تقع على وفق الأمر، فيفر من سماعها‏.‏
وأما الصلاة فلما يقع من كثير من الناس فيها من التفريط فيتمكن الخبيث من المفرط، فلو قدر أن المصلي وفى بجميع ما أمر به فيها لم يقر به إذا كان وحده وهو نادر، وكذا إذا انضم إليه من هو مثله فإنه يكون أندر، أشار إليه ابن أبي جمرة نفع الله ببركته‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قال ابن بطال يشبه أن يكون الزجر عن خروج المرء من المسجد بعد أن يؤذن المؤذن من هذا المعنى، لئلا يكون متشبها بالشيطان الذي يفر عند سماع الأذان والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيهان‏)‏ ‏:‏ ‏(‏الأول‏)‏ فهم بعض السلف من الأذان في هذا الحديث الإتيان بصورة الأذان وإن لم توجد فيه شرائط الأذان من وقوعه في الوقت وغير ذلك، ففي صحيح مسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه قال ‏"‏ إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة ‏"‏ واستدل بهذا الحديث، وروى مالك عن زيد بن أسلم نحوه‏.‏
‏(‏الثاني‏)‏ وردت في فضل الأذان أحاديث كثيرة ذكر المصنف بعضها في مواضع أخرى، واقتصر على هذا هنا، لأن هذا الخبر تضمن فضلا لا ينال بغير الأذان، بخلاف غيره من الأخبار فإن الثواب المذكور فيها يدرك بأنواع أخرى من العبادات، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 10:00 AM   #250
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالنِّدَاءِ
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا وَإِلَّا فَاعْتَزِلْنَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب رفع الصوت بالنداء‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم ينص على حكم رفع الصوت لأنه من صفة الأذان، وهو لم ينص في أصل الأذان على حكم كما تقدم، وقد ترجم عليه النسائي ‏"‏ باب الثواب على رفع الصوت بالأذان‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر بن عبد العزيز‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق عمر عن سعيد بن أبي حسين أن مؤذنا أذن فطرب في أذانه فقال له عمر بن عبد العزيز‏.‏
‏.‏
فذكره، ولم أقف على اسم هذا المؤذن وأظنه من بني سعد القرظ لأن ذلك وقع حيث كان عمر بن عبد العزيز أميرا على المدينة، والظاهر أنه خاف عليه من التطريب الخروج عن الخشوع، لا أنه نهاه عن رفع الصوت‏.‏
وقد روي نحو هذا من حديث ابن عباس مرفوعا أخرجه الدار قطني وفيه إسحاق بن أبي يحيى الكعبي وهو ضعيف عند الدار قطني وابن عدي‏.‏
وقال ابن حبان‏:‏ لا تحل الرواية عنه، ثم غفل فذكره في الثقات‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ زاد ابن عيينة ‏"‏ وكان يتيما في حجر أبي سعيد وكانت أمه عند أبي سعيد ‏"‏ أخرجه ابن خزيمة من طريقه، لكن قلبه ابن عيينة فقال‏:‏ عن عبد الرحمن بن عبد الله والصحيح قول مالك ووافقه عبد العزيز الماجشون‏.‏
وزعم أبو مسعود في الأطراف أن البخاري أخرج روايته، لكن لم نجد ذلك ولا ذكرها خلف قاله ابن عساكر‏.‏
واسم أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبدول بن عمرو بن غنم بن مازن ابن النجار، مات أبو صعصعة في الجاهلية، وابنه عبد الرحمن صحابي، روى ابن شاهين في الصحابة من طريق قيس بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن جده حديثا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وفي سياقه أن جده كان بدريا، وفيه نظر لأن أصحاب المغازي لم يذكروه فيهم وإنما ذكروا أخاه قيس بن أبي صعصعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن أبا سعيد الخدري قال له‏)‏ أي لعبد الله بن عبد الرحمن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تحب الغنم والبادية‏)‏ أي لأجل الغنم لأن محبها يحتاج إلى إصلاحها بالمرعى، وهو في الغالب يكون في البادية وهي الصحراء التي لا عمارة فيها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في غنمك أو باديتك‏)‏ يحتمل أن تكون ‏"‏ أو ‏"‏ شكا من الراوي، ويحتمل أن تكون للتنويع لأن الغنم قد لا تكون في البادية، ولأنه قد يكون في البادية حيث لا غنم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأذنت للصلاة‏)‏ أي لأجل الصلاة، وللمصنف في بدء الخلق ‏"‏ بالصلاة ‏"‏ أي أعلمت بوقتها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فارفع‏)‏ فيه إشعار بأن أذان من أراد الصلاة كان مقررا عندهم لاقتصاره على الأمر بالرفع دون أصل التأذين، واستدل به الرافعي للقول الصائر إلى استحباب أذان المنفرد، وهو الراجح عند الشافعية بناء على أن الأذان حق الوقت، وقيل لا يستحب بناء على أن الأذان لاستدعاء الجماعة للصلاة، ومنهم من فصل بين من يرجو جماعة أو لا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالنداء‏)‏ أي بالأذان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يسمع مدى صوت المؤذن‏)‏ أي غاية صوته، قال البيضاوي‏:‏ غاية الصوت تكون أخفى من ابتدائه، فإذا شهد له من بعد عنه ووصل إليه منتهى صوته فلأن يشهد له من دنا منه وسمع مبادي صوته أولى‏.‏
قول ‏(‏جن ولا إنس ولا شيء‏)‏ ظاهره يشمل الحيوانات والجمادات، فهو من العام بعد الخاص، ويؤيده ما في رواية ابن خزيمة ‏"‏ لا يسمع صوته شجر ولا مدر ولا حجر ولا جن ولا إنس‏"‏، ولأبي داود والنسائي من طريق أبي يحيى عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ المؤذن يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطب ويابس ‏"‏ ونحوه للنسائي وغيره من حديث البراء وصححه ابن السكن، فهذه الأحاديث تبين المراد من قوله في حديث الباب ‏"‏ ولا شيء ‏"‏ وقد تكلم بعض من لم يطلع عليها في تأويله على غير ما يقتضيه ظاهره، قال القرطبي‏:‏ قوله ‏"‏ ولا شيء ‏"‏ المراد به الملائكة‏.‏
وتعقب بأنهم دخلوا في قوله جن لأنهم يستخفون عن الأبصار‏.‏
وقال غيره‏:‏ المراد كل ما يسمع المؤذن من الحيوان حتى ما لا يعقل دون الجمادات‏.‏
ومنهم من حمله على ظاهره، وذلك غير ممتنع عقلا ولا شرعا‏.‏
قال ابن بزيزة، تقرر في العادة أن السماع والشهادة والتسبيح لا يكون إلا من حي، فهل ذلك حكاية عن لسان الحال لأن الموجودات ناطقة بلسان حالها بجلال باريها، أو هو على ظاهره‏؟‏ وغير ممتنع عقلا أن الله يخلق فيها الحياة والكلام‏.‏
وقد تقدم البحث في ذلك في قول النار ‏"‏ أكل بعضي بعضا ‏"‏ وسيأتي في الحديث الذي فيه ‏"‏ أن البقرة قالت إنما خلقت للحرث ‏"‏ وفي مسلم من حديث جابر ابن سمرة مرفوعا ‏"‏ إني لأعرف حجرا كان يسلم علي ‏"‏ ا ه‏.‏
ونقل ابن التين عن أبي عبد الملك‏:‏ إن قوله هنا ‏"‏ ولا شيء ‏"‏ نظير قوله تعالى ‏(‏وإن من شيء إلا يسبح بحمده‏)‏ وتعقبه بأن الآية مختلف فيها، وما عرفت وجه هذا التعقب فإنهما سواء في الاحتمال ونقل الاختلاف، إلا أن يقول إن الآية لم يختلف في كونها على عمومها، وإنما اختلف في تسبيح بعض الأشياء هل هو على الحقيقة أو المجاز بخلاف الحديث‏.‏
والله أعلم‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ السر في هذه الشهادة مع أنها تقع عند عالم الغيب والشهادة أن أحكام الآخرة جرت على نعت أحكام الخلق في الدنيا من توجيه الدعوى والجواب والشهادة، قاله الزين بن المنير‏.‏
وقال التوربشتي‏:‏ المراد من هذه الشهادة اشتهار المشهود له يوم القيامة بالفضل وعلو الدرجة، وكما أن الله يفضح بالشهادة قوما فكذلك يكرم بالشهادة آخرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا شهد له‏)‏ للكشميهني إلا يشهد له، وتوجيههما واضح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو سعيد سمعته‏)‏ قال الكرماني‏:‏ أي هذا الكلام الأخير وهو قوله إنه لا يسمع الخ‏.‏
قلت‏:‏ وقد أورد الرافعي هذا الحديث في الشرح بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد إنك رجل تحب الغنم ‏"‏ وساقه إلى آخره، وسبقه إلى ذلك الغزالي وإمامه والقاضي حسين وابن داود شارح المختصر وغيرهم، وتعقبه النووي، وأجاب ابن الرفعة عنهم بأنهم فهموا أن قول أبي سعيد ‏"‏ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ عائد على كل ما ذكر ا ه‏.‏
ولا يخفى بعده‏.‏
وقد رواه ابن خزيمة من رواية ابن عيينة ولفظه ‏"‏ قال أبو سعيد‏:‏ إذا كنت في البوادي فارفع صوتك بالنداء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ لا يسمع ‏"‏ فذكره، ورواه يحيى القطان أيضا عن مالك بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إذا أذنت فارفع صوتك، فإنه لا يسمع ‏"‏ فذكره‏.‏
فالظاهر أن ذكر الغنم والبادية موقوف، والله أعلم‏.‏
وفي الحديث استحباب رفع الصوت بالأذان ليكثر من يشهد له ما لم يجهده أو يتأذى به، وفيه أن حب الغنم والبادية ولا سيما عند نزول الفتنة من عمل السلف الصالح، وفيه جواز التبدي ومساكنة الأعراب ومشاركتهم في الأسباب بشرط حظ من العلم وأمن من غلبة الجفاء‏.‏
وفيه أن أذان الفذ مندوب إليه ولو كان في قفر ولو لم يرتج حضور من يصلي معه، لأنه إن فاته دعاء المصلين فلم يفته استشهاد من سمعه من غيرهم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 10:02 AM   #251
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا يُحْقَنُ بِالْأَذَانِ مِنْ الدِّمَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يحقن بالأذان من الدماء‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ قصد البخاري بهذه الترجمة واللتين قبلها استيفاء ثمرات الأذان، فالأولى فيها فضل التأذين لقصد الاجتماع للصلاة، والثانية فيها فضل أذان المنفرد لإيداع الشهادة له بذلك، والثالثة فيها حقن الدماء عند وجود الأذان‏.‏
قال‏:‏ وإذا انتفت عن الأذان فائدة من هذه الفوائد لم يشرع إلا في حكايته عند سماعه، ولهذا عقبه بترجمة ما يقول إذا سمع المنادي ا ه‏.‏
كلامه ملخصا‏.‏
ووجه الاستدلال للترجمة من حديث الباب ظاهر، وباقي المتن من متعلقات الجهاد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ قَالَ فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ فَلَمَّا رَأَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ
الشرح‏:‏
الحديث قد أورده المصنف في الجهاد بهذا الإسناد وسياقه هناك أتم مما هنا، وسيأتي الكلام على فوائده هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
وقد روى مسلم طرفه المتعلق بالأذان وسياقه أوضح، أخرجه من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار‏"‏‏.‏
قال الخطابي‏:‏ فيه أن الأذان شعار الإسلام، وأنه لا يجوز تركه، ولو أن أهل بلد اجتمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه ا ه‏.‏
وهذا أحد أقوال العلماء كما تقدم، وهو أحد الأوجه في المذهب‏.‏
وأغرب ابن عبد البر فقال‏:‏ لا أعلم فيه خلافا، وأن قول أصحابنا من نطق بالتشهد في الأذان حكم بإسلامه إلا إذا كان عيسويا فلا يرد عليه مطلق حديث الباب، لأن العيسوية طائفة من اليهود حدثت في آخر دولة بني أمية فاعترفوا بأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن إلى العرب فقط، وهم منسوبون إلى رجل يقال له أبو عيسى أحدث لهم ذلك‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في سياق حديث الباب ‏"‏ لم يكن يغر بنا ‏"‏ واختلف في ضبطه، ففي رواية المستملي ‏"‏ يغر ‏"‏ من الإغارة مجزوم على أنه بدل من قوله يكن‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ يغد ‏"‏ بإسكان الغين وبالدال المهملة من الغدو‏.‏
وفي رواية كريمة ‏"‏ يغزو ‏"‏ بزاي بعدها واو من الغزو‏.‏
وفي رواية الأصيلي ‏"‏ يغير ‏"‏ كالأول لكن بإثبات الياء‏.‏
وفي رواية غيرهم بضم أوله وإسكان الغين من الإغراء، ورواية مسلم تشهد لرواية من رواه من الإغارة، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الْمُنَادِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يقول إذا سماع المنادي‏)‏ هذا لفظ رواية أبي داود الطيالسي عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري في حديث الباب، وآثر المصنف عدم الجزم بحكم ذلك لقوة الخلاف فيه كما سيأتي‏.‏
ثم ظاهر صنيعه يقتضي ترجيح ما عليه الجمهور، وهو أن يقول مثل ما يقول من الأذان إلا الحيعلتين، لأن حديث أبي سعيد الذي بدأ به عام، وحديث معاوية الذي تلاه به يخصصه، والخاص مقدم على العام‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عطاء بن زيد‏)‏ في رواية ابن وهب عن مالك ويونس عن الزهري أن عطاء بن يزيد أخبره، أخرجه أبو عوانة‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ اختلف على الزهري في إسناد هذا الحديث، وعلى مالك أيضا، لكنه اختلاف لا يقدح في صحته، فرواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أخرجه النسائي وابن ماجه‏.‏
وقال أحمد بن صالح وأبو حاتم وأبو داود والترمذي‏:‏ حديث مالك ومن تابعه أصح، ورواه يحيى القطان عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد أخرجه مسدد في مسنده عنه‏.‏
وقال الدار قطني‏:‏ إنه خطأ والصواب الرواية الأولى، وفيه اختلاف آخر دون ما ذكر لا نطيل به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم‏)‏ ظاهره اختصاص الإجابة بمن يسمع حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلا في الوقت وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم لا تشرع له المتابعة، قاله النووي في شرح المهذب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقولوا مثل ما يقول المؤذن‏)‏ ادعى ابن وضاح أن قول ‏"‏ المؤذن ‏"‏ مدرج، وأن الحديث انتهى عند قوله ‏"‏ مثل ما يقول‏"‏‏.‏
وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى، وقد اتفقت الروايات في الصحيحين والموطأ على إثباتها، ولم يصب صاحب العمدة في حذفها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما يقول‏)‏ قال الكرماني‏:‏ قال ‏"‏ ما يقول ‏"‏ ولم يقل مثل ما قال ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلمتها‏.‏
قلت‏:‏ والصريح في ذلك ما رواه النسائي من حديث أم حبيبة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت ‏"‏ وأما أبو الفتح اليعمري فقال‏:‏ ظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول عقب فراغ المؤذن، لكن الأحاديث التي تضمنت إجابة كل كلمة عقبها دلت على أن المراد المساوقة، يشير إلى حديث عمر بن الخطاب الذي عند مسلم وغيره، فلو لم يجاوبه حتى فرغ استحب له التدارك إن لم يطل الفصل‏.‏
قاله النووي في شرح المهذب بحثا‏.‏
وقد قالوه فيما إذا كان له عذر كالصلاة، وظاهر قوله مثل أنه يقول مثل قوله في جميع الكلمات، لكن حديث عمر أيضا وحديث معاوية الآتي يدلان على أنه يستثنى من ذلك ‏"‏ حي على الصلاة وحي على الفلاح ‏"‏ فيقول بدلهما ‏"‏ لا حول ولا قوة إلا بالله ‏"‏ كذلك استدل به ابن خزيمة وهو المشهور عند الجمهور‏.‏
وقال ابن المنذر يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فيقول تارة كذا وتارة كذا، وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما، قال‏:‏ فلم لا يقال يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة، وهو وجه عند الحنابلة‏.‏
أجيب عن المشهور من حيث المعنى بأن الأذكار الزائدة على الحيعلة يشترك السامع والمؤذن في ثوابها، وأما الحيعلة فمقصودها الدعاء إلى الصلاة، وذلك يحصل من المؤذن، فعوض السامع عما يفوته من ثواب الحيعلة بثواب الحوقلة‏.‏
ولقائل أن يقول‏:‏ يحصل للمجيب الثواب لامتثاله الأمر، ويمكن أن يزداد استيقاظا وإسراعا إلى القيام إلى الصلاة إذا تكرر على سمعه الدعاء إليها من المؤذن ومن نفسه‏.‏
ويقرب من ذلك الخلاف في قول المأموم ‏"‏ سمع الله لمن حمده ‏"‏ كما سيأتي في موضعه‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ معنى الحيعلتين هلم بوجهك وسريرتك إلى الهدى عاجلا والفوز بالنعيم آجلا، فناسب أن يقول‏:‏ هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به إلا إذا وفقني الله بحوله وقوته‏.‏
ومما لوحظت فيه المناسبة ما نقل عيد الرزاق عن ابن جريج قال‏:‏ حدثت أن الناس كانوا ينصتون للمؤذن إنصاتهم للقراءة فلا يقول شيئا إلا قالوا مثله، حتى إذا قال ‏"‏ حي على الصلاة ‏"‏ قالوا ‏"‏ لا حول ولا قوة إلا بالله ‏"‏ وإذا قال ‏"‏ حي على الفلاح ‏"‏ قالوا ‏"‏ ما شاء الله‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
وإلى هذا صار بعض الحنفية‏.‏
وروى ابن أبي شيبة مثله عن عثمان، وروى عن سعيد بن جبير قال‏:‏ يقول في جواب الحيعلة‏:‏ سمعنا وأطعنا‏.‏
ووراء ذلك وجوه من الاختلاف أخرى، قيل لا يجيبه إلا في التشهدين فقط، وقيل هما والتكبير، وقيل يضيف إلى ذلك الحوقلة دون ما في آخره، وقيل مهما أتى به مما يدل على التوحيد والإخلاص كفاه وهو اختيار الطحاوي، وحكوا أيضا خلافا‏:‏ هل يجيب في الترجيع أو لا، وفيما إذا أذن مؤذن آخر هل يجيبه بعد إجابته للأول أو لا‏.‏
قال النووي‏:‏ لم أر فيه شيئا لأصحابنا‏.‏
وقال ابن عبد السلام‏:‏ يجيب كل واحد بإجابة لتعدد السبب، وإجابة الأول أفضل، إلا في الصبح والجمعة فإنهما سواء لأنهما مشروعان‏.‏
وفي الحديث دليل على أن لفظ المثل لا يقتضي المساواة من كل جهة، لأن قوله مثل ما يقول لا يقصد به رفع الصوت المطلوب من المؤذن، كذا قيل وفيه بحث، لأن المماثلة وقعت في القول لا في صفته، والفرق بين المؤذن والمجيب في ذلك أن المؤذن مقصوده الإعلام فاحتاج إلى رفع الصوت، والسامع مقصوده ذكر الله فيكتفي بالسر أو الجهر لا مع الرفع‏.‏
نعم لا يكفيه أن يجريه على خاطره من غير تلفظ لظاهر الأمر بالقول‏.‏
وأغرب ابن المنير فقال‏:‏ حقيقة الأذان جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة‏.‏
وتعقب بأن الأذان معناه الإعلام لغة، وخصه الشرع بألفاظ مخصوصة في أوقات مخصوصة فإذا وجدت الأذان، وما زاد على ذلك من قول أو فعل أو هيئة يكون من مكملاته صلى الله عليه وسلم ويوجد الأذان من دونها‏.‏
ولو كان على ما أطلق لكان ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من جملة الأذان، وليس كذلك لا لغة ولا شرعا‏.‏
واستدل به على جواز إجابة المؤذن في الصلاة عملا بظاهر الأمر، ولأن المجيب لا يقصد المخاطبة، وقيل يؤخر الإجابة حتى يفرغ لأن في الصلاة شغلا، وقيل يجيب إلا في الحيعلتين لأنهما كالخطاب للآدميين والباقي من ذكر الله فلا يمنع‏.‏
لكن قد يقال‏:‏ من يبدل الحيعلة بالحوقلة لا يمنع، لأنها من ذكر الله، قاله ابن دقيق العيد‏.‏
وفرق ابن عبد السلام في فتاويه بين ما إذا كان يقرأ الفاتحة فلا يجيب بناء على وجوب موالاتها وإلا فيجيب، وعلى هذا إن أجاب في الفاتحة استأنف، وهذا قاله بحثا، والمشهور في المذهب كراهة الإجابة في الصلاة بل يؤخرها حتى يفرغ، وكذا في حال الجماع والخلاء، لكن إن أجاب بالحيعلة بطلت كذا أطلقه كثير منهم، ونص الشافعي في الأم على عدم فساد الصلاة بذلك، واستدل به على مشروعية إجابة المؤذن في الإقامة، قالوا‏:‏ إلا في كلمتي الإقامة فيقول ‏"‏ أقامها الله وأدامها ‏"‏ وقياس إبدال الحيعلة بالحوقلة في الأذان أن يجيء هنا، لكن قد يفرق بأن الأذان إعلام عام فيعسر على الجميع أن يكونوا دعاة إلى الصلاة، والإقامة إعلام خاص وعدد من يسمعها محصور فلا يعسر أن يدعو بعضهم بعضا‏.‏
واستدل به على وجوب إجابة المؤذن، حكاه الطحاوي عن قوم من السلف وبه قال الحنفية وأهل الظاهر وابن وهب، واستدل للجمهور بحديث أخرجه مسلم وغيره ‏"‏ إنه صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا فلما كبر قال‏:‏ على الفطرة، فلما تشهد قال‏:‏ خرج من النار ‏"‏ قال‏:‏ فلما قال عليه الصلاة والسلام غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب‏.‏
وتعقب بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال، فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد، وبأنه يحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر، ويحتمل أن يكون الرجل لما أمر لم يرد أن يدخل نفسه في عموم من خوطب بذلك، قيل ويحتمل أن يكون الرجل لم يقصد الأذان لكن يرد هذا الأخير أن في بعض طرقه أنه حضرته الصلاة
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَوْمًا فَقَالَ مِثْلَهُ إِلَى قَوْلِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو الدستوائي ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أنه سمع معاوية يوما فقال مثله - إلى قوله - وأشهد أن محمدا رسول الله‏)‏ هكذا أورد المتن هنا مختصرا، وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن هشام ولفظه ‏"‏ كنا عند معاوية فنادى المنادي بالصلاة فقال مثل ما قال، ثم قال‏:‏ هكذا سمعت نبيكم ‏"‏ ثم قال البخاري‏:‏ حدثنا إسحاق أنبأنا وهب بن جرير حدثنا هشام عن يحيى نحوه‏.‏
قال يحيى‏:‏ وحدثني بعض إخواننا ‏"‏ أنه لما قال حي على الصلاة قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
وقال‏:‏ هكذا سمعت نبيكم يقول‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
فأحال بقوله نحوه على الذي قبله، وقد عرفت أنه لم يسق لفظه كله، وقد وقع لنا هذا الحديث من طرق عن هشام المذكور تاما، منها للإسماعيلي من طريق معاذ ابن هشام عن أبيه عن يحيى حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا عيسى بن طلحة قال ‏"‏ دخلنا على معاوية، فنادى مناد بالصلاة، فقال‏:‏ الله أكبر الله أكبر، فقال معاوية الله أكبر الله أكبر‏.‏
فقال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله‏.‏
فقال معاوية‏:‏ وأنا أشهد أن لا إله إلا الله‏.‏
فقال‏:‏ أشهد أن محمدا رسول الله، فقال معاوية‏:‏ وأنا أشهد أن محمدا رسول الله‏"‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى نَحْوَهُ قَالَ يَحْيَى وَحَدَّثَنِي بَعْضُ إِخْوَانِنَا أَنَّهُ قَالَ لَمَّا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَقَالَ هَكَذَا سَمِعْنَا نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
الشرح‏:‏
قال يحيى فحدثني صاحب لنا ‏"‏ أنه لما قال حي على الصلاة قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
ثم قال هكذا سمعنا نبيكم‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
فاشتمل هذا السياق على فوائد‏:‏ أحدها تصريح يحيى بن أبي كثير بالسماع له من محمد بن إبراهيم فأمن ما يخشى من تدليسه، ثانيها بيان ما اختصر من روايتي البخاري، ثالثها أن قوله في الرواية الأولى ‏"‏ أنه سمع معاوية يوما فقال مثله ‏"‏ فيه حذف تقديره أنه سمع معاوية يسمع المؤذن يوما فقال مثله، رابعها أن الزيادة في رواية وهب بن جرير لم ينفرد بها لمتابعة معاذ بن هشام له، خامسها أن قوله ‏"‏ قال يحيى ‏"‏ ليس تعليقا من البخاري كما زعمه بعضهم، بل هو عنده بإسناد إسحاق‏.‏
وأبدى الحافظ قطب الدين احتمالا أنه عنده بإسنادين، ثم إن إسحاق هذا لم ينسب وهو ابن راهويه، كذلك صرح به أبو نعيم في مستخرجه، وأخرجه من طريق عبد الله بن شيرويه عنه‏.‏
وأما المبهم الذي حدث يحيى به عن معاوية فلم أقف في شيء من الطرق على تعيينه، وحكى الكرماني عن غيره أن المراد به الأوزاعي، وفيه نظر، لأن الظاهر أن قائل ذلك ليحيى حدثه به عن معاوية، وأين عصر الأوزاعي من عصر معاوية‏؟‏ وقد غلب على ظني أنه علقمة ابن وقاص إن كان يحيى بن أبي كثير أدركه، وإلا فأحد ابنيه عبد الله بن علقمة أو عمرو بن علقمة، وإنما قلت ذلك لأنني جمعت طرقه عن معاوية فلم أجد هذه الزيادة في ذكر الحوقلة إلا من طريقين‏:‏ أحدهما عن نهشل التميمي عن معاوية وهو في الطبراني بإسناد واه، والآخر عن علقمة بن وقاص عنه، وقد أخرجه النسائي واللفظ له، وابن خزيمة وغيرهما من طريق ابن جريج أخبرني عمرو بن يحيى أن عيسى بن عمرو أخبره عن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن أبيه قال ‏"‏ إني لعند معاوية إذ أذن مؤذن، فقال معاوية كما قال، حتى إذا قال حي على الصلاة قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما قال حي على الفلاح قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
وقال بعد ذلك ما قال المؤذن، ثم قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ‏"‏ ورواه ابن خزيمة أيضا من طريق يحيى القطان عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده قال‏:‏ كنت عند معاوية فذكر مثله، وأوضح سياقا منه، وتبين بهذه الرواية أن ذكر الحوقلة في جواب حي على الفلاح اختصر في حديث الباب، بخلاف ما تمسك به بعض من وقف مع ظاهره، وأن ‏"‏ إلى ‏"‏ في قوله في الطريق الأولى ‏"‏ فقال مثل قوله إلى أشهد أن محمدا رسول الله ‏"‏ بمعنى ‏"‏ مع ‏"‏ كقوله تعالى ‏(‏ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم‏)‏ ‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخرج مسلم من حديث عمر بن الخطاب نحو حديث معاوية، وإنما لم يخرجه البخاري لاختلاف وقع في وصله وإرساله كما أشار إليه الدار قطني، ولم يخرج مسلم حديث معاوية لأن الزيادة المقصودة منه ليست على شرط الصحيح للمبهم الذي فيها، لكن إذا انضم أحد الحديثين إلى الآخر قوي جدا‏.‏
وفي الباب أيضا عن الحارث بن نوفل الهاشمي وأبي رافع - وهما في الطبراني وغيره - وعن أنس في البزار وغيره، والله تعالى أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 10:03 AM   #252
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الدُّعَاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الدعاء عند النداء‏)‏ أي عند تمام النداء، وكأن المصنف لم يقيده بذلك اتباعا لإطلاق الحديث كما سيأتي البحث فيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني علي بن عياش‏)‏ بالياء الأخيرة والشين المعجمة وهو الحمصي من كبار شيوخ البخاري ولم يلقه من الأئمة الستة غيره، وقد حدث عنه القدماء بهذا الحديث، أخرجه أحمد في مسنده عنه، ورواه علي بن المديني شيخ البخاري مع تقدمه على أحمد عنه، أخرجه الإسماعيلي من طريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن المنكدر‏)‏ ذكر الترمذي أن شعيبا تفرد به عن ابن المنكدر فهو غريب مع صحته، وقد توبع ابن المنكدر عليه عن جابر أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق أبي الزبير عن جابر نحوه، ووقع في زوائد الإسماعيلي‏:‏ أخبرني ابن المنكدر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من قال حين يسمع النداء‏)‏ أي الأذان، واللام للعهد، ويحتمل أن يكون التقدير‏:‏ من قال حين يسمع نداء المؤذن‏.‏
وظاهره أنه يقول الذكر المذكور حال سماع الأذان ولا يتقيد بفراغه، لكن يحتمل أن يكون المراد من النداء تمامه، إذ المطلق يحمل على الكامل، ويؤيده حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم بلفظ ‏"‏ قولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، ثم سلوا الله لي الوسيلة ‏"‏ ففي هذا أن ذلك يقال عند فراغ الأذان‏.‏
واستدل الطحاوي بظاهر حديث جابر على أنه لا يتعين إجابة المؤذن بمثل ما يقول، بل لو اقتصر على الذكر المذكور كفاه‏.‏
وقد بين حديث عبد الله بن عمرو المراد، وأن الحين محمول على ما بعد الفراغ، واستدل به ابن بزيزة على عدم وجوب ذلك لظاهر إيراده، لكن لفظ الأمر في رواية مسلم قد يتمسك به من يدعي الوجوب، وبه قال الحنفية وابن وهب من المالكية وخالف الطحاوي أصحابه فوافق الجمهور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رب هذه الدعوة‏)‏ بفتح الدال، زاد البيهقي من طريق محمد بن عون عن علي بن عياش ‏"‏ اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة التامة ‏"‏ والمراد بها دعوة التوحيد كقوله تعالى ‏(‏له دعوة الحق‏)‏ وقيل لدعوة التوحيد ‏"‏ تامة ‏"‏ لأن الشركة نقص‏.‏
أو التامة التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل، بل هي باقية إلى يوم النشور، أو لأنها هي التي تستحق صفة التمام وما سواها فمعرض للفساد‏.‏
وقال ابن التين‏:‏ وصفت بالتامة لأن فيها أتم القول وهو ‏"‏ لا إله إلا الله‏"‏‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ من أوله إلى قوله ‏"‏ محمد رسول الله ‏"‏ هي الدعوة التامة، والحيعلة هي الصلاة القائمة في قوله يقيمون الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة الدعاء وبالقائمة الدائمة من قام على الشيء إذا داوم عليه، وعلى هذا فقوله ‏"‏ والصلاة القائمة ‏"‏ بيان للدعوة التامة، ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة المعهودة المدعو إليها حينئذ وهو أظهر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الوسيلة‏)‏ هي ما يتقرب به إلى الكبير، يقال توسلت أي تقربت، وتطلق على المنزلة العلية، ووقع ذلك في حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم بلفظ ‏"‏ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ‏"‏ الحديث، ونحوه للبزار عن أبي هريرة، ويمكن ردها إلى الأول بأن الواصل إلى تلك المنزلة قريب من الله فتكون كالقربة التي يتوسل بها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والفضيلة‏)‏ أي المرتبة الزائدة على سائر الخلائق، ويحتمل أن تكون منزلة أخرى أو تفسيرا للوسيلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مقاما محمودا‏)‏ أي يحمد القائم فيه، وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات، ونصب على الظرفية، أي ابعثه يوم القيامة فأقمه مقاما محمودا، أو ضمن ابعثه معنى أقمه، أو على أنه مفعول به ومعنى ابعثه أعطه، ويجوز أن يكون حالا أي ابعثه ذا مقام محمود‏.‏
قال النووي‏:‏ ثبتت الرواية بالتنكير وكأنه حكاية للفظ القرآن‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ إنما نكره لأنه أفخم وأجزل، كأنه قيل مقاما أي مقاما محمودا بكل لسان‏.‏
قلت‏:‏ وقد جاء في هذه الرواية بعينها من رواية علي بن عياش شيخ البخاري فيه بالتعريف عند النسائي، وهي في صحيح ابن خزيمة وابن حبان أيضا، وفي الطحاوي والطبراني في الدعاء والبيهقي، وفيه تعقب على من أنكر ذلك كالنووي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الذي وعدته‏)‏ زاد في رواية البيهقي ‏"‏ إنك لا تخلف الميعاد ‏"‏ وقال الطيبي‏:‏ المراد بذلك قوله تعالى ‏(‏عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا‏)‏ وأطلق عليه الوعد لأن عسى من الله واقع كما صح عن ابن عيينة وغيره، والموصول إما بدل أو عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف وليس صفة للنكرة، ووقع في رواية النسائي وابن خزيمة وغيرهما ‏"‏ المقام المحمود ‏"‏ بالألف واللام فيصح وصفه بالموصول والله أعلم‏.‏
قال ابن الجوزي‏:‏ والأكثر على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة، وقيل إجلاسه على العرش، وقيل على الكرسي، وحكى كلا من القولين عن جماعة، وعلى تقدير الصحة لا ينافي الأول لاحتمال أن يكون الإجلاس علامة الإذن في الشفاعة، ويحتمل أن يكون المراد بالمقام المحمود الشفاعة كما هو مشهور وأن يكون الإجلاس هي المنزلة المعبر عنها بالوسيلة أو الفضيلة‏.‏
ووقع في صحيح ابن حبان من حديث كعب بن مالك مرفوعا ‏"‏ يبعث الله الناس، فيكسوني ربي حلة خضراء، فأقول ما شاء الله أن أقول ‏"‏ فذلك المقام المحمود، ويظهر أن المراد بالقول المذكور هو الثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة‏.‏
ويظهر أن المقام المحمود هو مجموع ما يحصل له في تلك الحالة، ويشعر قوله في آخر الحديث ‏"‏ حلت له شفاعتي ‏"‏ بأن الأمر المطلوب له الشفاعة، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حلت له‏)‏ أي استحقت ووجبت أو نزلت عليه، يقال حل يحل بالضم إذا نزل، واللام بمعنى على، ويؤيده رواية مسلم ‏"‏ حلت عليه‏"‏‏.‏
ووقع في الطحاوي حديث ابن مسعود ‏"‏ وجبت له ‏"‏ ولا يجوز أن يكون حلت من الحل لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة‏.‏
قوله ‏(‏شفاعتي‏)‏ استشكل بعضهم جعل ذلك ثوابا لقائل ذلك مع ما ثبت من أن الشفاعة للمذنبين، وأجيب بأن له صلى الله عليه وسلم شفاعات أخرى‏:‏ كإدخال الجنة بغير حساب، وكرفع الدرجات فيعطى كل أحد ما يناسبه‏.‏
ونقل عياض عن بعض شيوخه أنه كان يرى اختصاص ذلك بمن قاله مخلصا مستحضرا إجلال النبي صلى الله عليه وسلم، لا من قصد بذلك مجرد الثواب ونحو ذلك، وهو تحكم غير مرضي، ولو كان أخرج الغافل اللاهي لكان أشبه‏.‏
وقال المهلب‏:‏ في الحديث الحض على الدعاء في أوقات الصلوات لأنه حال رجاء الإجابة، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الِاسْتِهَامِ فِي الْأَذَانِ
وَيُذْكَرُ أَنَّ أَقْوَامًا اخْتَلَفُوا فِي الْأَذَانِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الاستهام في الأذان‏)‏ أي الاقتراع، ومنه قوله تعالى ‏(‏فساهم فكان من المدحضين‏)‏ قال الخطابي وغيره‏:‏ قيل له الاستهام لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام إذا اختلفوا في الشيء فمن خرج سهمه غلب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر أن قوما اختلفوا‏)‏ أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريق أبي عبيد كلاهما عن هشيم عن عبد الله بن شبرمة قال ‏"‏ تشاح الناس في الأذان بالقادسية فاختصموا إلى سعد بن أبي وقاص، فأقرع بينهم‏.‏
وهذا منقطع‏.‏
وقد وصله سيف بن عمر في الفتوح والطبري من طريقه عنه عن عبد الله ابن شبرمة عن شقيق - وهو أبو وائل - قال ‏"‏ افتتحنا القادسية صدر النهار، فتراجعنا وقد أصيب المؤذن ‏"‏ فذكره وزاد ‏"‏ فخرجت القرعة لرجل منهم فأذن‏"‏‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ القادسية مكان بالعراق معروف، نسب إلى قادس رجل نزل به، وحكى الجوهري أن إبراهيم عليه السلام قدس على ذلك المكان فلذلك صار منزلا للحاج، وكانت به وقعة للمسلمين مشهورة مع الفرس وذلك في خلافة عمر سنة خمس عشرة، وكان سعد يومئذ الأمير على الناس‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سمي‏)‏ بضم أوله بلفظ التصغير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مولى أبي بكر‏)‏ أي ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لو يعلم الناس‏)‏ قال الطيبي‏:‏ وضع المضارع موضع الماضي ليفيد استمرار العلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما في النداء‏)‏ أي الأذان، وهي رواية بشر بن عمر عن مالك عند السراج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والصف الأول‏)‏ زاد أبو الشيخ في رواية له من طريق الأعرج عن أبي هريرة ‏"‏ من الخير والبركة ‏"‏ وقال الطيبي‏:‏ أطلق مفعول يعلم وهو ما ولم يبين الفضيلة ما هي ليفيد ضربا من المبالغة وأنه مما لا يدخل تحت الوصف، والإطلاق إنما هو في قدر الفضيلة وإلا فقد بينت في الرواية الأخرى بالخير والبركة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم لم يجدوا‏)‏ في رواية المستملي والحموي ‏"‏ ثم لا يجدون ‏"‏ وحكى الكرماني أن في بعض الروايات ‏"‏ ثم لا يجدوا ‏"‏ ووجهه بجواز حذف النون تخفيفا، ولم أقف على هذه الرواية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا أن يستهموا‏)‏ أي لم يجدوا شيئا من وجوه الأولوية، أما في الأذان فبأن يستووا في معرفة الوقت وحسن الصوت ونحو ذلك من شرائط المؤذن وتكملاته، وأما في الصف الأول فبأن يصلوا دفعة واحدة، ويستووا في الفضل فيقرع بينهم، إذا لم يتراضوا فيما بينهم في الحالين‏.‏
واستدل به بعضهم لمن قال بالاقتصار على مؤذن واحد، وليس بظاهر لصحة استهام أكثر من واحد في مقابلة أكثر من واحد، ولأن الاستهام على الأذان يتوجه من جهة التولية من الإمام لما فيه من المزية، وزعم بعضهم أن المراد بالاستهام هنا الترامي بالسهام، وأنه أخرج مخرج المبالغة‏.‏
واستأنس بحديث لفظه ‏"‏ لتجالدوا عليه بالسيوف ‏"‏ لكن الذي فهمه البخاري منه أولى، ولذلك استشهد له بقصة سعد، ويدل عليه رواية لمسلم ‏"‏ لكانت قرعة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عليه‏)‏ أي على ما ذكر ليشمل الأمرين الأذان والصف الأول، وبذلك يصح تبويب المصنف‏.‏
وقال ابن عبد البر‏:‏ الهاء عائدة على الصف الأول لا على النداء، وهو حق الكلام، لأن الضمير يعود لأقرب مذكور‏.‏
ونازعه القرطبي وقال‏:‏ إنه يلزم منه أن يبقى النداء ضائعا لا فائدة له، قال‏:‏ والضمير يعود على معنى الكلام المتقدم، ومثله قوله تعالى ‏(‏ومن يفعل ذلك يلق أثاما‏)‏ أي جميع ذلك‏.‏
قلت‏:‏ وقد رواه عبد الرزاق عن مالك بلفظ ‏"‏ لاستهموا عليهما ‏"‏ فهذا مفصح بالمراد من غير تكلف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏التهجير‏)‏ أي التبكير إلى الصلاة، قال الهروي‏:‏ وحمله الخليل وغيره على ظاهره فقالوا‏:‏ المراد الإتيان إلى صلاة الظهر في أول الوقت، لأن التهجير مشتق من الهاجرة وهي شدة الحر نصف النهار وهو أول وقت الظهر، وإلى ذلك مال المصنف كمأ سيأتي، ولا يرد على ذلك مشروعية الإبراد لأنه أريد به الرفق، وأما من ترك قائلته وقصد إلى المسجد لينتظر الصلاة فلا يخفى ما له من الفضل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لاستبقوا إليه‏)‏ قال ابن أبي جمرة المراد بالاستباق معنى لا حسا، لأن المسابقة على الأقدام حسا تقتضي السرعة في المشي وهو ممنوع منه‏.‏
انتهى‏.‏
وسيأتي الكلام على بقية الحديث في ‏"‏ باب فضل صلاة العشاء في الجماعة ‏"‏ قريبا، ويأتي الكلام على المراد بالصف الأول في أواخر أبواب الإمامة إن شاء الله تعالى‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 10:05 AM   #253
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْكَلَامِ فِي الْأَذَانِ
وَتَكَلَّمَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ فِي أَذَانِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ أَنْ يَضْحَكَ وَهُوَ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الكلام في الأذان‏)‏ أي في أثنائه بغير ألفاظه‏.‏
وجرى المصنف على عادته في عدم الجزم بالحكم الذي دلالته غير صريحة، لكن الذي أورده فيه يشعر بأنه يختار الجواز، وحكى ابن المنذر الجواز مطلقا عن عروة وعطاء والحسن وقتادة، وبه قال أحمد، وعن النخعي وابن سيرين والأوزاعي الكراهة، وعن الثوري المنع، وعن أبي حنيفة وصاحبيه أنه خلاف الأولى، وعليه يدل كلام مالك والشافعي، وعن إسحاق بن راهويه يكره، إلا إن كان فيما يتعلق بالصلاة، واختاره ابن المنذر لظاهر حديث ابن عباس المذكور في الباب، وقد نازع في ذلك الداودي فقال‏:‏ لا حجة فيه على جواز الكلام في الأذان، بل القول المذكور مشروع من جملة الأذان في ذلك المحل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وتكلم سليمان بن صرد في أذانه‏)‏ وصله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة له، وأخرجه البخاري في التاريخ عنه وإسناده صحيح ولفظه ‏"‏ أنه كان يؤذن في العسكر فيأمر غلامه بالحاجة في أذانه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏)‏ لم أره موصولا، والذي أخرجه ابن أبي شيبة وغيره من طرق عنه جواز الكلام بغير قيد الضحك، قيل مطابقته للترجمة من جهة أن الضحك إذا كان بصوت قد يظهر منه حرف مفهم أو أكثر فتفسد الصلاة، ومن منع الكلام في الأذان أراد أن يساويه بالصلاة، وقد ذهب الأكثر إلى أن تعمد الضحك يبطل الصلاة ولو لم يظهر منه حرف، فاستوى مع الكلام في بطلان الصلاة بعمده‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ وَعَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ رَدْغٍ فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالَ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حماد‏)‏ هو ابن زيد، وعبد الحميد هو ابن دينار، وعبد الله بن الحارث هو البصري ابن عم ابن سيرين وزوج ابنته وهو تابعي صغير، ورواية الثلاثة عنه من باب رواية الأقران لأن الثلاثة من صغار التابعين، ورجال الإسناد كلهم بصريون، وقد جمعهم حماد كمسدد كما هنا، وكذلك رواه سليمان بن حرب عنه عند أبي عوانة وأبي نعيم في المستخرج، وكان حماد ربما اقتصر على بعضهم كما سيأتي قريبا في ‏"‏ باب هل يصلي الإمام بمن حضر ‏"‏ عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي عن حماد عن عبد الحميد وعن عاصم فرقهما، ورواه مسلم عن الربيع عن حماد عن أيوب وعاصم من طرق أخرى منها وهيب عن أيوب، وحكى عن وهيب أن أيوب لم يسمعه من عبد الله بن الحارث وفيه نظر، لأن في رواية سليمان بن حرب عن حماد عن أيوب وعبد الحميد قالا‏:‏ سمعنا عبد الله بن الحارث كذلك أخرجه الإسماعيلي وغيره، ولمسدد فيه شيخ آخر وهو ابن علية كما سيأتي في كتاب الجمعة إن شاء الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خطبنا‏)‏ استدل به ابن الجوزي على أن الصلاة المذكورة كانت الجمعة، وفيه نظر‏.‏
نعم وقع التصريح بذلك في رواية ابن علية ولفظه ‏"‏ أن الجمعة عزمة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في يوم رزغ‏)‏ بفتح الراء وسكون الزاي بعدها غين معجمة كذا للأكثر هنا، ولابن السكن والكشميهني وأبي الوقت بالدال المهملة بدل الزاي‏.‏
وقال القرطبي، إنها أشهر‏.‏
وقال‏:‏ والصواب الفتح فإنه الاسم، وبالسكون المصدر‏.‏
انتهى‏.‏
وبالفتح رواية القابسي، قال صاحب المحكم‏:‏ الرزغ الماء القليل في الثماد، وقيل إنه طين وحل، وفي العين‏:‏ الردغة الوحل والرزغة أشد منها‏.‏
وفي الجمهرة والردغة والرزغة الطين القليل من مطر أو غيره‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع هنا يوم رزغ بالإضافة‏.‏
وفي رواية الحجبي الآتية في يوم ذي رزغ وهي أوضح‏.‏
وفي رواية ابن علية في يوم مطير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة فأمره‏)‏ كذا فيه، وكأن هنا حذفا تقديره أراد أن يقولها فأمره، ويؤيده رواية ابن علية ‏"‏ إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة ‏"‏ وبوب عليه ابن خزيمة وتبعه ابن حبان ثم المحب الطبري حذف ‏"‏ حي على الصلاة في يوم المطر ‏"‏ وكأنه نظر إلى المعنى لأن حي على الصلاة والصلاة في الرحال وصلوا في بيوتكم يناقض ذلك، وعند الشافعية وجه أنه يقول ذلك بعد الأذان، وآخر أنه يقوله بعد الحيعلتين، والذي يقتضيه الحديث ما تقدم‏.‏
وقوله ‏"‏الصلاة في الرحال ‏"‏ بنصب الصلاة والتقدير صلوا الصلاة، والرحال جمع رحل وهو مسكن الرجل وما فيه من أثاثه‏.‏
قال النووي‏:‏ فيه أن هذه الكلمة تقال في نفس الأذان‏.‏
وفي حديث ابن عمر يعني الآتي في ‏"‏ باب الأذان للمسافر ‏"‏ أنها تقال بعده، قال‏:‏ والأمران جائزان كما نص عليه الشافعي، لكن بعده أحسن ليتم نظم الأذان‏.‏
قال‏:‏ ومن أصحابنا من يقول لا يقوله إلا بعد الفراغ، وهو ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس‏.‏
انتهى‏.‏
وكلامه يدل على أنها تزاد مطلقا إما في أثنائه وإما بعده، لا أنها بدل من حي على الصلاة، وقد تقدم عن ابن خزيمة ما يخالفه، وقد ورد الجمع بينهما في حديث آخر أخرجه عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح عن نعيم ابن النحام قال ‏"‏ أذن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم للصبح في ليلة باردة، فتمنيت لو قال‏:‏ ومن قعد فلا حرج‏.‏
فلما قال الصلاة خير من النوم قالها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال فعل هذا‏)‏ كأنه فهم من نظرهم الإنكار‏.‏
وفي رواية الحجبي ‏"‏ كأنهم أنكروا ذلك ‏"‏ وفي رواية ابن علية ‏"‏ فكأن الناس استنكروا ذلك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من هو خير منه‏)‏ وللكشميهني ‏"‏ منهم ‏"‏ وللحجبي ‏"‏ مني ‏"‏ يعني النبي صلى الله عليه وسلم، كذا في أصل الرواية، ومعني رواية الباب من هو خير من المؤذن، يعني فعله مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خير من هذا المؤذن، وأما رواية الكشميهني ففيها نظر، ولعل من أذن كانوا جماعة إن كانت محفوظة، أو أراد جنس المؤذنين، أو أراد خير من المنكرين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإنها‏)‏ أي الجمعة كما تقدم ‏(‏عزمة‏)‏ بسكون الزاي ضد الرخصة، زاد ابن علية ‏"‏ وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين ‏"‏ وفي رواية الحجبي من طريق عاصم ‏"‏ إلى أؤثمكم ‏"‏ وهي ترجح رواية من روى ‏"‏ أحرجكم ‏"‏ بالحاء المهملة‏.‏
وفي رواية جرير عن عاصم عند ابن خزيمة ‏"‏ أن أخرج الناس وأكلفهم أن يحملوا الخبث من طرقهم إلى مسجدكم ‏"‏ وسيأتي الكلام على ما يتعلق بسقوط الجمعة بعذر المطر في كتاب الجمعة إن شاء الله تعالى‏.‏
ومطابقة الحديث للترجمة أنكرها الداودي فقال‏:‏ لا حجة فيه على جواز الكلام في الأذان، بل القول المذكور من جملة الأذان في ذلك المحل، وتعقب بأنه وإن ساغ ذكره في هذا المحل لكنه ليس من ألفاظ الأذان المعهود، وطريق بيان المطابقة أن هذا الكلام لما جازت زيادته في الأذان للحاجة إليه دل على جواز الكلام في الأذان لمن يحتاج إليه‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 10:06 AM   #254
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب أَذَانِ الْأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أذان الأعمى‏)‏ أي جوازه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا كان له من يخبره‏)‏ أي بالوقت، لأن الوقت في الأصل مبني على المشاهدة، وعلى هذا القيد يحمل ما روى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن مسعود وابن الزبير وغيرهما أنهم كرهوا أن يكون المؤذن أعمى، وأما ما نقله النووي عن أبي حنيفة وداود أن أذان الأعمى لا يصح فقد تعقبه السروجي بأنه غلط على أبي حنيفة، نعم في المحيط للحنفية أنه يكره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ثُمَّ قَالَ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن مسلمة‏)‏ هو القعنبي، قال الدار قطني‏:‏ تفرد القعنبي بروايته إياه في الموطأ موصولا عن مالك، ولم يذكر غيره من رواة الموطأ فيه ابن عمر، ووافقه على وصله عن مالك - خارج الموطأ - عبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق وروح بن عبادة وأبو قرة وكامل بن طلحة وآخرون، ووصله عن الزهري جماعة من حفاظ أصحابه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إن بلالا يؤذن بليل‏)‏ فيه إشعار بأن ذلك كان من عادته المستمرة، وزعم بعضهم أن ابتداء ذلك باجتهاد منه، وعلى تقدير صحته فقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فصار في حكم المأمور به، وسيأتي الكلام على تعيين الوقت الذي كان يؤذن فيه من الليل بعد باب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فكلوا‏)‏ فيه إشعار بأن الأذان كان علامة عندهم على دخول الوقت فبين لهم أن أذان بلال بخلاف ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ابن أم مكتوم‏)‏ اسمه عمرو كما سيأتي موصولا في الصيام وفضائل القرآن، وقيل‏:‏ كان اسمه الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، ولا يمتنع أنه كان له اسمان، وهو قرشي عامري، أسلم قديما، والأشهر في اسم أبيه قيس بن زائدة‏.‏
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمه ويستخلفه على المدينة، وشهد القادسية في خلافة عمر فاستشهد بها، وقيل رجع إلى المدينة فمات، وهو الأعمى المذكور في سورة عبس، واسم أمه عاتكة بنت عبد الله المخزومية‏.‏
وزعم بعضهم أنه ولد أعمى فكنيت أمه أم مكتوم لانكتام نور بصره، والمعروف أنه عمي بعد بدر بسنتين صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان رجلا أعمى‏)‏ ظاهره أن فاعل قال هو ابن عمر، وبذلك جزم الشيخ الموفق في ‏"‏ المغني ‏"‏ لكن رواه الإسماعيلي عن أبي خليفة والطحاوي عن يزيد بن سنان كلاهما عن القعنبي فعينا أنه ابن شهاب، وكذلك رواه إسماعيل بن إسحاق ومعاذ بن المثنى وأبو مسلم الكجي الثلاثة عند الدار قطني، والخزاعي عند أبي الشيخ، وتمام عند أبي نعيم، وعتمان الدارمي عند البيهقي، كلهم عن القعنبي‏.‏
وعلى هذا ففي رواية البخاري إدراج‏.‏
ويجاب عن ذلك بأنه لا يمنع كون ابن شهاب قاله أن يكون شيخه قاله، وكذا شيخ شيخه، وقد رواه البيهقي من رواية الربيع بن سليمان عن ابن وهب عن يونس والليث جميعا عن ابن شهاب وفيه ‏"‏ قال سالم‏:‏ وكان رجلا ضرير البصر ‏"‏ ففي هذا أن شيخ ابن شهاب قاله أيضا، وسيأتي في كتاب الصيام عن المصنف من وجه آخر عن ابن عمر ما يؤدي معناه، وسنذكر لفظه قريبا، فثبتت صحة وصله‏.‏
ولابن شهاب فيه شيخ آخر أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه عن سعيد بن المسيب وفيه الزيادة، قال ابن عبد البر‏:‏ هو حديث آخر لابن شهاب، وقد وافق ابن إسحاق معمرا فيه عن ابن شهاب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أصبحت أصبحت‏)‏ أي دخلت في الصباح، هذا ظاهره، واستشكل لأنه جعل أذانه غاية للأكل، فلو لم يؤذن حتى يدخل في الصباح للزم منه جواز الأكل بعد طلوع الفجر، والإجماع على خلافه إلا من شذ كالأعمش‏.‏
وأجاب ابن حبيب وابن عبد البر والأصيلي وجماعة من الشراح بأن المراد قاربت الصباح ويعكر على هذا الجواب أن في رواية الربيع التي قدمناها ‏"‏ ولم يكن يؤذن حتى يقول له الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر‏:‏ أذن ‏"‏ وأبلغ من ذلك أن لفظ رواية المصنف التي في الصيام ‏"‏ حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر ‏"‏ وإنما قلت إنه أبلغ لكون جميعه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضا فقوله ‏"‏ إن بلالا يؤذن بليل ‏"‏ يشعر أن ابن أم مكتوم بخلافه، ولأنه لو كان قبل الصبح لم يكن بينه وبين بلال فرق لصدق أن كلا منهما أذن قبل الوقت، وهذا الموضع عندي في غاية الإشكال، وأقرب ما يقال فيه إن أذانه جعل علامة لتحريم الأكل والشرب، وكأنه كان له من يراعي الوقت بحيث يكون أذانه مقارنا لابتداء طلوع الفجر وهو المراد بالبزوغ، وعند أخذه في الأذان يعترض الفجر في الأفق، ثم ظهر لي أنه لا يلزم من كون المراد بقولهم ‏"‏ أصبحت ‏"‏ أي قاربت الصباح وقوع أذانه قبل الفجر لاحتمال أن يكون قولهم ذلك يقع في آخر جزء من الليل وأذانه يقع في أول جزء من طلوع الفجر، وهذا وإن كان مستبعدا في العادة فليس بمستبعد من مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالملائكة، فلا يشاركه فيه من لم يكن بتلك الصفة، وقد روى أبو قرة من وجه آخر عن ابن عمر حديثا فيه ‏"‏ وكان ابن أم مكتوم يتوخى الفجر فلا يخطئه‏"‏‏.‏
وفي هذا الحديث جواز الأذان قبل طلوع الفجر، وسيأتي بعد باب، واستحباب أذان واحد بعد واحد‏.‏
وأما أذان اثنين معا فمنع منه قوم، ويقال إن أول من أحدثه بنو أمية‏.‏
وقال الشافعية‏:‏ لا يكره إلا إن حصل من ذلك تهويش، واستدل به على جواز اتخاذ مؤذنين في المسجد الواحد، قال ابن دقيق العيد‏:‏ وأما الزيادة على الاثنين فليس في الحديث تعرض له‏.‏
انتهى‏.‏
ونص الشافعي على جوازه ولفظه‏:‏ ولا يتضيق صلى الله عليه وسلم إن أذن أكثر من اثنين، وعلى جواز تقليد الأعمى للبصير في دخول الوقت وفيه أوجه، واختلف فيه الترجيح، وصحح النووي في كتبه أن للأعمى والبصير اعتماد المؤذن الثقة، وعلى جواز شهادة الأعمى، وسيأتي ما فيه في كتاب الشهادات‏.‏
وعلى جواز العمل بخبر الواحد، وعلى أن ما بعد الفجر من حكم النهار، وعلى جواز الأكل مع الشك في طلوع الفجر لأن الأصل بقاء الليل، وخالف في ذلك مالك فقال‏:‏ يجب القضاء‏.‏
وعلى جواز الاعتماد على الصوت في الرواية إذا كان عارفا به وإن لم يشاهد الراوي، وخالف في ذلك شعبة لاحتمال الاشتباه‏.‏
وعلى جواز ذكر الرجل بما فيه من العاهة إذا كان يقصد التعريف ونحوه، وجواز نسبة الرجل إلى أمه إذا اشتهر بذلك واحتيج إليه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْأَذَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الأذان في الفجر‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ قدم المصنف ترجمة الأذان بعد الفجر على ترجمة الأذان قبل الفجر فخالف الترتيب الوجودي، لأن الأصل في الشرع أن لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت، فقدم ترجمة الأصل على ما ندر عنه‏.‏
وأشار ابن بطال إلى الاعتراض على الترجمة بأنه لا خلاف فيه بين الأئمة، وإنما الخلاف في جوازه قبل الفجر‏.‏
والذي يظهر لي أن مراد المصنف بالترجمتين أن يبين أن المعنى الذي كان يؤذن لأجله قبل الفجر غير المعنى الذي كان يؤذن لأجله بعد الفجر، وأن الأذان قبل الفجر لا يكتفى به عن الأذان بعده، وأن أذان ابن أم مكتوم لم يكن يقع قبل الفجر، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ الْمُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ وَبَدَا الصُّبْحُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان إذا اعتكف المؤذن للصبح‏)‏ هكذا وقع عند جمهور رواة البخاري وفيه نظر، وقد استشكله كثير من العلماء، ووجهه بعضهم كما سيأتي، والحديث في الموطأ عند جميع رواته بلفظ ‏"‏ كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح ‏"‏ وكذا رواه مسلم وغيره وهو الصواب، وقد أصلح في رواية ابن شبويه عن الفربري كذلك‏.‏
وفي رواية الهمداني ‏"‏ كان إذا أذن ‏"‏ بدل اعتكف، وهي أشبه بالرواية المصوبة‏.‏
ووقع في رواية النسفي عن البخاري بلفظ كان إذا اعتكف وأذن المؤذن وهو يقتضي أن صنيعه ذلك كان مختصا بحال اعتكافه، وليس كذلك، والظاهر أنه من إصلاحه‏.‏
وقد أطلق جماعة من الحفاظ القول بأن الوهم فيه من عبد الله بن يوسف شيخ البخاري، ووجه ابن بطال وغيره بأن معنى ‏"‏ اعتكف المؤذن ‏"‏ أي لازم ارتقابه ونظره إلى أن يطلع الفجر ليؤذن عند أول إدراكه‏.‏
قالوا‏:‏ وأصل العكوف لزوم الإقامة بمكان واحد، وتعقب بأنه يلزم منه أنه كان لا يصليهما إلا إذا وقع ذلك من المؤذن لما يقتضيه مفهوم الشرط، وليس كذلك لمواظبته عليهما مطلقا، والحق أن لفظ ‏"‏ اعتكف ‏"‏ محرف من لفظ ‏"‏ سكت ‏"‏ وقد أخرجه المؤلف في باب الركعتين بعد الظهر من طريق أيوب عن نافع بلفظ ‏"‏ كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وبدا الصبح‏)‏ بغير همز أي ظهر، وأغرب الكرماني فصحح أنه بالنون المكسورة والهمزة بعد المد، وكأنه ظن أنه معطوف على قوله ‏"‏ للصبح ‏"‏ فيكون التقدير واعتكف لنداء الصبح، وليس كذلك فإن الحديث في جميع النسخ من الموطأ والبخاري ومسلم وغيرها بالباء الموحدة المفتوحة وبعد الدال ألف مقصورة والواو فيه واو الحال لا واو العطف، وبذلك تتم مطابقة الحديث للترجمة، وسيأتي بقية الكلام عليه في أبواب التطوع إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى‏)‏ هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين النداء والإقامة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ حديث عائشة أبعد في الاستدلال به للترجمة من حديث حفصة، لأن قولها ‏"‏ بين النداء والإقامة ‏"‏ لا يستلزم كون الأذان بعد الفجر‏.‏
ثم أجاب عن ذلك بما محصله‏:‏ إنها بالركعتين ركعتي الفجر، وهما لا يصليان إلا بعد الفجر، فإذا صلاهما بعد الأذان استلزم أن يكون الأذان وقع بعد الفجر‏.‏
انتهى‏.‏
وهو مع ما فيه من التكلف غير سالم من الانتقاد‏.‏
والذي عندي أن المصنف جرى على عادته في الإيماء إلى بعض ما ورد في طرق الحديث الذي يستدل به، وبيان ذلك فيما أورده بعد بابين من وجه آخر عن عائشة ولفظه ‏"‏ كان إذا سكت المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الصبح بعد أن يستبين الفجر‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن دينار‏)‏ هذا إسناد آخر لمالك في هذا الحديث، قال ابن عبد البر‏:‏ لم يختلف عليه فيه، واعترض ابن التيمي فقال‏:‏ هذا الحديث لا يدل على الترجمة، لجعله غاية الأكل ابتداء أذان ابن أم مكتوم، فدل على أن أذانه كان يقع قبل الفجر بقليل‏.‏
وجوابه ما تقدم تقريره في الباب الذي قبله‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ الاستدلال بحديث ابن عمر أوجه من غيره، فإن قوله ‏"‏ حتى ينادي ابن أم مكتوم ‏"‏ يقتضي أنه ينادي حين يطلع الفجر، لأنه لو كان ينادي قبله لكان كبلال ينادي بليل‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال ابن منده حديث عبد الله بن دينار مجمع على صحته، رواه جماعة من أصحابه عنه، ورواه عنه شعبة فاختلف عليه فيه‏:‏ رواه يزيد بن هارون عنه على الشك أن بلالا كما هو المشهور، أو ‏"‏ أن ابن أم مكتوم ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال‏"‏‏.‏
قال‏:‏ ولشعبة فيه إسناد آخر، فإنه رواه أيضا عن خبيب بن عبد الرحمن عن عمته أنيسة فذكره على الشك أيضا، أخرجه أحمد عن غندر عنه، ورواه أبو داود الطيالسي عنه جازما بالأول، ورواه أبو الوليد عنه جازما بالثاني، وكذا أخرجه ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من طرق عن شعبة، وكذلك أخرجه الطحاوي والطبراني من طريق منصور بن زاذان عن خبيب بن عبد الرحمن، وادعى ابن عبد البر وجماعة من الأئمة بأنه مقلوب وأن الصواب حديث الباب، وقد كنت أميل إلى ذلك إلى أن رأيت الحديث في صحيح ابن خزيمة من طريقين آخرين عن عائشة، وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه وهو قوله ‏"‏ إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم، وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد ‏"‏ وأخرجه أحمد، وجاء عن عائشة أيضا أنها كانت تنكر حديث ابن عمر وتقول إنه غلط، أخرج ذلك البيهقي من طريق الدراوردي عن هشام عن أبيه عنها فذكر الحديث وزاد ‏"‏ قالت عائشة‏:‏ وكان بلال يبصر الفجر ‏"‏ قال‏:‏ وكانت عائشة تقول‏:‏ غلط ابن عمر‏.‏
انتهى‏.‏
وقد جمع خزيمة والضبعي بين الحديثين بما حاصله‏:‏ أنه يحتمل أن يكون الأذان كان نوبا بين بلال وابن أم مكتوم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس أن أذان الأول منهما لا يحرم على الصائم شيئا ولا يدل على دخول وقت الصلاة بخلاف الثاني‏.‏
وجزم ابن حبان بذلك ولم يبده احتمالا، وأنكر ذلك عليه الضياء وغيره، وقيل‏:‏ لم يكن نوبا، وإنما كانت لهما حالتان مختلفتان‏:‏ فإن بلالا كان في أول ما شرع الأذان يؤذن وحده ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر، وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النجار قالت ‏"‏ كان بلال يجلس على بيتي وهو أعلى بيت في المدينة، فإذا رأى الفجر تمطأ ثم أذن ‏"‏ أخرجه أبو داود وإسناده حسن، ورواية حميد عن أنس ‏"‏ أن سائلا سأل عن وقت الصلاة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن حين طلع الفجر ‏"‏ الحديث أخرجه النسائي وإسناده صحيح، ثم أردف بابن أم مكتوم وكان يؤذن بليل واستمر بلال على حالته الأولى، وعلى ذلك تنزل رواية أنيسة وغيرها، ثم في آخر الأمر أخر ابن أم مكتوم لضعفه ووكل به من يراعي له الفجر، واستقر أدان بلال بليل، وكان سبب ذلك ما روي أنه ربما كان أخطأ الفجر فأذن قبل طلوعه، وأنه أخطأ مرة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فيقول ‏"‏ ألا إن العبد نام ‏"‏ يعني أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبين الفجر، وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولا مرفوعا ورجاله ثقات حفاظ، لكن اتفق أئمة الحديث على ابن المديني وأحمد ابن حنبل والبخاري والذهلي وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والأثرم والدار قطني على أن حمادا أخطأ في رفعه، وأن الصواب وقفه على عمر بن الخطاب، وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه وأن حمادا انفرد برفعه، ومع ذلك فقد وجد له متابع، أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن زربي وهو بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة ثم ياء كياء النسب فرواه عن أيوب موصولا لكن سعيد ضعيف‏.‏
ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أيضا، لكنه أعضله فلم يذكر نافعا ولا ابن عمر‏.‏
وله طريق أخرى عن نافع عند الدار قطني وغيره اختلف في رفعها ووقفها أيضا، وأخرى مرسلة من طريق يونس بن عبيد وغيره عن حميد بن هلال وأخرى من طريق سعيد عن قتادة مرسلة ووصلها يونس عن سعيد بذكر أنس، وهذه طرق يقوي بعضها بعضا قوة ظاهرة، فلهذا والله أعلم استقر أن بلالا يؤذن الأذان الأول، وسنذكر اختلافهم في تعيين الوقت المراد من قوله ‏"‏ يؤذن بليل ‏"‏ في الباب الذي بعد هذا‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الأذان قبل الفجر‏)‏ أي ما حكمه‏؟‏ هل يشرع أو لا‏؟‏ وإذا شرع هل يكتفى به عن إعادة الأذان بعد الفجر أو لا‏؟‏ وإلى مشروعيته مطلقا ذهب الجمهور‏.‏
وخالف الثوري وأبو حنيفة ومحمد، وإلى الاكتفاء مطلقا ذهب مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم، وخالف ابن خزيمة وابن المنذر وطائفة من أهل الحديث وقال به الغزالي في الإحياء، وادعى بعضهم أنه لم يرد في شيء من الحديث ما يدل على الاكتفاء، وتعقب بحديث الباب، وأجيب بأنه مسكوت عنه فلا يدل، وعلى التنزل فمحله فيما إذا لم يرد نطق بخلافه، وهنا قد ورد حديث ابن عمر وعائشة بما يشعر بعدم الاكتفاء، وكأن هذا هو السر في إيراد البخاري لحديثهما في هذا الباب عقب حديث ابن مسعود، نعم حديث زياد بن الحارث عند أبي داود يدل على الاكتفاء، فإن فيه أنه أذن قبل الفجر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه استأذنه في الإقامة فمنعه، إلى أن طلع الفجر فأمره فأقام، لكن في إسناده ضعف‏.‏
وأيضا فهي واقعة عين وكانت في سفر، ومن ثم قال القرطبي‏:‏ إنه مذهب واضح، غير أن العمل المنقول بالمدينة على خلافه‏.‏
انتهى‏.‏
فلم يرده إلا بالعمل على قاعدة المالكية‏.‏
وادعى بعض الحنفية - كما حكاه السروجي منهم - أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان، وإنما كان تذكيرا أو تسحيرا كما يقع للناس اليوم، وهذا مردود، لكن الذي يصنعه الناس اليوم محدث قطعا، وقد تضافرت الطرق على التعبير بلفظ الأذان، فحمله على معناه الشرعي مقدم، ولأن الأذان الأول لو كان بألفاظ مخصوصة لما التبس على السامعين‏.‏
وسياق الخبر يقتضي أنه خشي عليهم الالتباس‏.‏
وادعى ابن القطان أن ذلك كان في رمضان خاصة وفيه نظر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ أَوْ الصُّبْحُ وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إِلَى فَوْقُ وَطَأْطَأَ إِلَى أَسْفَلُ حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا وَقَالَ زُهَيْرٌ بِسَبَّابَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى ثُمَّ مَدَّهَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏زهير‏)‏ هو ابن معاوية الجعفي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي عثمان‏)‏ في رواية ابن خزيمة من طريق معتمر بن سليمان عن أبيه ‏"‏ حدثنا أبو عثمان ‏"‏ ولم أر هذا الحديث من حديث ابن مسعود في شيء من الطرق إلا من رواية أبي عثمان عنه، ولا من رواية أبي عثمان إلا من رواية سليمان التيمي عنه‏.‏
واشتهر عن سليمان، وله شاهد في صحيح مسلم من حديث سمرة بن جندب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أحدكم أو أحد منكم‏)‏ شك من الراوي وكلاهما يفيد العموم وإن اختلفت الحيثية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من سحوره‏)‏ بفتح أوله اسم لما يؤكل في السحر، ويجوز الضم وهو اسم الفعل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليرجع‏)‏ بفتح الياء وكسر الجيم المخففة يستعمل هذا لازما ومتعديا، يقال رجع زيد ورجعت زيدا ولا يقال في المتعدي بالتثقيل‏.‏
فعلى هذا من رواه بالضم والتثقيل أخطأ فإنه يصير من الترجيع وهو الترديد، وليس مرادنا هنا، وإنما معناه يرد القائم - أي المتهجد - إلى راحته ليقوم إلى صلاة الصبح نشيطا، أو يكون له حاجة إلى الصيام فيتسحر، ويوقظ النائم ليتأهب لها بالغسل ونحوه، وتمسك الطحاوي بحديث ابن مسعود هذا لمذهبه فقال‏:‏ فقد أخبر أن ذلك النداء كان لما ذكر لا للصلاة‏.‏
وتعقب بأن قوله ‏"‏ لا للصلاة ‏"‏ زيادة في الخبر، وليس فيه حصر فيما ذكر، فإن قيل تقدم في تعريف الأذان الشرعي أنه إعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة والأذان قبل الوقت، ليس إعلاما بالوقت، فالجواب أن الإعلام بالوقت أعم من أن يكون إعلاما بأنه دخل أو قارب أن يدخل، وإنما اختصت الصبح بذلك من بين الصلوات لأن الصلاة في أول وقتها مرغب فيه، والصبح يأتي غالبا عقب نوم فناسب أن ينصب من يوقظ الناس قبل دخول وقتها ليتأهبوا ويدركوا فضيلة أول الوقت، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وليس أن يقول الفجر‏)‏ فيه إطلاق القول على الفعل أي يظهر، وكذا قوله‏:‏ ‏(‏وقال بأصابعه ورفعها‏)‏ أي أشار‏.‏
وفي رواية الكشميهني‏.‏
‏"‏ بإصبعيه ورفعهما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلى فوق‏)‏ بالضم على البناء، وكذا ‏(‏أسفل‏)‏ لنية المضاف إليه دون لفظه نحو ‏(‏لله الأمر من قبل ومن بعد‏)‏ ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال زهير‏)‏ أي الراوي، وهي أيضا بمعنى أشار، وكأنه جمع بين إصبعيه ثم فرقهما ليحكي صفة الفجر الصادق لأنه يطلع معترضا ثم يعم الأفق ذاهبا يمينا وشمالا، بخلاف الفجر الكاذب وهو الذي تسميه العرب ‏"‏ ذنب السرحان ‏"‏ فإنه يظهر في أعلى السماء ثم ينخفض، وإلى ذلك أشار بقوله رفع وطأطأ رأسه‏.‏
وفي رواية الإسماعيلي من طريق عيسى بن يونس عن سليمان ‏"‏ فإن الفجر ليس هكذا ولا هكذا، ولكن الفجر هكذا ‏"‏ فكأن أصل الحديث كان بهذا اللفظ مقرونا بالإشارة الدالة على المراد، وبهذا اختلفت عبارة الرواة، وأخصر ما وقع فيها رواية جرير عن سليمان عند مسلم ‏"‏ وليس الفجر المعترض ولكن المستطيل‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ح و حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عِيسَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني إسحاق‏)‏ لم أره منسوبا، وتردد فيه الجياني، وهو عندي ابن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه كما جزم به المزي، ويدل عليه تعبيره بقوله ‏"‏ أخبرنا ‏"‏ فإنه لا يقول قط حدثنا بخلاف إسحاق ابن منصور وإسحاق نن نصر، وأما ما وقع بخط الدمياطي أنه الواسطي ثم فسره بأنه ابن شاهين فليس بصواب لأنه لا يعرف له عن أبي أسامة شيء، لأن أبا أسامة كوفي وليس في شيوخ ابن شاهين أحد من أهل الكوفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عبيد الله حدثنا‏)‏ فاعل قال أبو أسامة، وعبيد الله قائل حدثنا، فالتقدير حدثنا عبيد الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن نافع‏)‏ هو معطوف على ‏"‏ عن القاسم بن محمد‏"‏‏.‏
والحاصل أنه أخرج الحديث عن عبيد الله بن عمر من وجهين‏:‏ الأول ذكر له فيه إسناد بن نافع عن ابن عمر والقاسم عن عائشة، وأما الثاني فاقتصر فيه على الإسناد الثاني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يؤذن‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ حتى ينادي‏"‏، وقد أورده في الصيام بلفظ ‏"‏ يؤذن ‏"‏ وزاد في آخره ‏"‏ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر ‏"‏ قال القاسم‏:‏ لم يكن بين أذانيهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا، وفي هذا تقييد لما أطلق في الروايات الآخرى من قوله ‏"‏ إن بلالا يؤذن بليل‏"‏، ولا يقال إنه مرسل لأن القاسم تابعي فلم يدرك القصة المذكورة، لأنه ثبت عند النسائي من رواية حفص بن غياث، وعند الطحاوي من رواية يحيى القطان كلاهما عن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة فذكر الحديث قالت ‏"‏ ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا ‏"‏ وعلى هذا فمعنى قوله في رواية البخاري ‏"‏ قال القاسم ‏"‏ أي في روايته عن عائشة‏.‏
وقد وقع عند مسلم في رواية ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مثل هذه الزيادة، وفيها نظر أوضحته في كتاب ‏"‏ المدرج ‏"‏ وثبتت الزيادة أيضا في حديث أنيسة الذي تقدمت الإشارة إليه، وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الوقت الذي يقع فيه الأذان قبل الفجر هو وقت السحور، وهو أحد الأوجه في المذهب واختاره السبكي في شرح المنهاج وحكى تصحيحه عن القاضي حسين والمتولي وقطع به البغوي، وكلام ابن دقيق العيد يشعر به، فإنه قال بعد أن حكاه‏:‏ يرجح هذا بأن قوله ‏"‏ إن بلالا ينادي بليل ‏"‏ خبر يتعلق به فائدة للسامعين قطعا، وذلك إذا كان وقت الأذان مشتبها محتملا لأن يكون عند طلوع الفجر فبين صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يمنع الأكل والشرب بل الذي يمنعه طلوع الفجر الصادق، قال‏:‏ وهذا يدل على تقارب وقت أذان بلال من الفجر‏.‏
انتهى‏.‏
ويقويه أيضا ما تقدم من أن الحكمة في مشروعيته التأهب لإدراك الصبح في أول وقتها، وصحح النووي في أكثر كتبه أن مبدأه من نصف الليل الثاني، وأجاب عن الحديث في شرح مسلم فقال‏:‏ قال العلماء معناه أن بلالا كان يؤذن ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه، فإذا قارب طلوع الفجر نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتأهب بالطهارة وغيرها ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر‏.‏
وهذا - مع وضوح مخالفته لسياق الحديث - يحتاج إلى دليل خاص لما صححه حتى يسوغ له التأويل‏.‏
ووراء ذلك أقوال أخرى معروفة في الفقهيات‏.‏
واحتج الطحاوي لعدم مشروعية الأذان قبل الفجر بقوله‏:‏ لما كان بين أذانيهما من القرب ما ذكر في حديث عائشة ثبت أنهما كانا يقصدان وقتا واحدا وهو طلوع الفجر فيخطئه بلال ويصيبه ابن أم مكتوم‏.‏
وتعقب بأنه لو كان كذلك لما أقره النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنا واعتمد عليه، ولو كان كما ادعى لكان وقوع ذلك منه نادرا‏.‏
وظاهر حديث ابن عمر يدل على أن ذلك كان شأنه وعادته، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 10:08 AM   #255
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب كَمْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَمَنْ يَنْتَظِرُ الْإِقَامَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب كم بين الأذان والإقامة‏)‏ أما ‏"‏ باب ‏"‏ فهو في روايتنا بلا تنوين و ‏"‏ كم ‏"‏ استفهامية ومميزها محذوف وتقديره ساعة أو صلاة أو نحو ذلك، ولعله أشار بذلك إلى ما روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال ‏"‏ اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ‏"‏ أخرجه الترمذي والحاكم لكن إسناده ضعيف، وله شاهد من حديث أبي هريرة ومن حديث سلمان أخرجهما أبو الشيخ ومن حديث أبي بن كعب أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وكلها واهية، فكأنه أشار إلى أن التقدير بذلك لم يثبت‏.‏
وقال ابن بطال‏:‏ لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين، ولم يختلف العلماء في التطوع بين الأذان والإقامة إلا في المغرب كما سيأتي‏.‏
ووقع هنا في رواية نسبت للكشميهني ‏"‏ ومن انتظر الإقامة ‏"‏ وهو خطأ فإن هذا اللفظ ترجمة تلي هذه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ ثَلَاثًا لِمَنْ شَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق الواسطي‏)‏ هو ابن شاهين، ويحتمل أن يكون هو الذي عناه الدمياطي ونقلناه عنه في الذي مضى، لكني رأيته كما نقلته أولا بخط القطب الحلبي، وقد روى البخاري عن إسحاق بن وهب العلاف وهو واسطي أيضا لكن ليست له رواية عن خالد وهو ابن عبد الله الطحان، والجريري سعيد بن أياس وهو بضم الجيم كما تقدم في المقدمة، ووقع مسمى في رواية وهب بن بقية عن خالد عند الإسماعيلي وهي إحدى فوائد المستخرجات، وهو معدود فيمن اختلط، واتفقوا على أن سماع المتأخرين منه كان بعد اختلاطه وخالد منهم، لكن أخرجه الإسماعيلي من رواية يزيد بن زريع وعبد الأعلى وابن علية وهم ممن سمع منه قبل اختلاطه، وهي إحدى فوائد المستخرجات أيضا، وهو عند مسلم من طريق عبد الأعلى أيضا، وقد قال العجلي إنه من أصحهم سماعا من الجريري، فإنه سمع منه قبل اختلاطه بثمان سنين، ولم ينفرد به مع ذلك الجريري بل تابعه عليه كهمس بن الحسن عن ابن بريدة، وسيأتي عند المصنف بعد باب‏.‏
وفي رواية يزيد ابن زريع من الفوائد أيضا تسمية ابن بريدة عبد الله والتصريح بتحديثه للجريري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين كل أذانين‏)‏ أي أذان وإقامة، ولا يصح حمله على ظاهره لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة، والخير ناطق بالتخيير لقوله ‏"‏ لمن شاء‏"‏، وأجرى المصنف الترجمة مجرى البيان للخبر لجزمه بأن ذلك المراد، وتوارد الشراح على أن هذا من باب التغليب كقولهم القمرين للشمس والقمر، ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان لأنها إعلام بحضور فعل الصلاة، كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت، ولا مانع من حمل قوله ‏"‏ أذانين ‏"‏ على ظاهره لأنه يكون التقدير بين كل أذانين صلاة نافلة غير المفروضة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلاة‏)‏ أي وقت صلاة، أو المراد صلاة نافلة، أو نكرت لكونها تتناول كل عدد نواه المصلي من النافلة كركعتين أو أربع أو أكثر‏.‏
ويحتمل أن يكون المراد به الحث على المبادرة إلى المسجد عند سماع الأذان لانتظار الإقامة، لأن منتظر الصلاة في صلاة، قاله الزين بن المنير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثا‏)‏ أي قالها ثلاثا، وسيأتي بعد باب بلفظ ‏"‏ بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة ‏"‏ ثم قال في الثالثة ‏"‏ لمن شاء ‏"‏ وهذا يبين أنه لم يقل لمن شاء إلا في المرة الثالثة، بخلاف ما يشعر به ظاهر الرواية الأولى من أنه قيد كل مرة بقوله ‏"‏ لمن شاء‏"‏‏.‏
ولمسلم والإسماعيلي ‏"‏ قال في الرابعة لمن شاء ‏"‏ وكأن المراد بالرابعة في هذه الرواية المرة الرابعة، أي أنه اقتصر فيها على قوله ‏"‏ لمن شاء ‏"‏ فأطلق عليها بعضهم رابعة باعتبار مطلق القول، وبهذا توافق رواية البخاري‏.‏
وقد تقدم في العلم حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا وكأنه قال بعد الثلاث ‏"‏ لمن شاء ‏"‏ ليدل على أن التكرار لتأكيد الاستحباب‏.‏
وقال ابن الجوزي‏:‏ فائدة هذا الحديث أنه يجوز أن يتوهم أن الأذان للصلاة يمنع أن يفعل سوى الصلاة التي أذن لها، فبين أن التطوع بين الأذان والإقامة جائز في حديث أنس، وقد صح ذلك في الإقامة كما سيأتي‏.‏
ووقع عند أحمد ‏"‏ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت ‏"‏ وهو أخص من الرواية المشهورة ‏"‏ إلا المكتوبة‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ شَيْءٌ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ جَبَلَةَ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا قَلِيلٌ
الشرح‏:‏
قوله في حديث أنس ‏(‏كان المؤذن إذا أذن‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ إذا أخذ المؤذن في أذان المغرب‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قام ناس‏)‏ في رواية النسائي ‏"‏ قام كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وكذا تقدم للمؤلف في أبواب ستر العورة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يبتدرون‏)‏ أي يستبقون‏.‏
و ‏(‏السواري‏)‏ جمع سارية، وكأن غرضهم بالاستباق إليها الاستتار بها ممن يمر بين أيديهم لكونهم يصلون فرادى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهم كذلك‏)‏ أي في تلك الحال‏.‏
وزاد مسلم من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس‏:‏ ‏"‏ فيجيء الغريب فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم يكن بينهما‏)‏ أي الأذان والإقامة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شيء‏)‏ التنوين فيه للتعظيم، أي لم يكن بينهما شيء كثير، وبهذا يندفع قول من زعم أن الرواية المعلقة معارضة للرواية الموصولة، بل هي مبينة لها، ونفي الكثير يقتضي إثبات القليل، وقد أخرجها الإسماعيلي موصولة من طريق عثمان بن عمر عن شعبة بلفظ ‏"‏ وكان بين الأذان والإقامة قريب ‏"‏ ولمحمد بن نصر من طريق أبي عامر عن شعبة نحوه‏.‏
وقال ابن المنير‏:‏ يجمع بين الروايتين يحمل النفي المطلق على المبالغة مجازا، والإثبات للقليل على الحقيقة‏.‏
وحمل بعض العلماء حديث الباب على ظاهره فقال‏:‏ دل قوله ‏"‏ ولم يكن بينهما شيء ‏"‏ على أن عموم قوله ‏"‏ بين كل أذانين صلاة ‏"‏ مخصوص بغير المغرب، فإنهم لم يكونوا يصلون بينهما بل كانوا يشرعون في الصلاة في أثناء الأذان ويفرغون مع فراغه‏.‏
قال‏:‏ ويؤيد ذلك ما رواه البزار من طريق حيان بن عبيد الله عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مثل الحديث الأول، وزاد في آخره ‏"‏ إلا المغرب ‏"‏ ا ه‏.‏
وفي قوله ‏"‏ ويفرغون مع فراغه ‏"‏ نظر لأنه ليس في الحديث ما يقتضيه، ولا يلزم من شروعهم في أثناء الأذان ذلك، وأما رواية حيان وهو بفتح المهملة والتحتانية فشاذة لأنه وإن كان صدوقا عند البزار وغيره لكنه خالف الحفاظ من أصحاب عبد الله بن بريدة في إسناد الحديث ومتنه، وقد وقع في بعض طرقه عند الإسماعيلي‏:‏ وكان بريدة يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب فلو كان الاستثناء محفوظا لم يخالف بريدة روايته‏.‏
وقد نقل ابن الجوزي في الموضوعات عن الفلاس أنه كذب حيانا المذكور‏.‏
وقال القرطبي وغيره‏:‏ ظاهر حديث أنس أن الركعتين بعد المغرب وقبل صلاة المغرب كان أمرا أقر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه وعملوا به حتى كانوا يستبقون إليه، وهذا يدل على الاستحباب، وكأن أصله قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ بين كل أذانين صلاة‏"‏‏.‏
وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يصلهما فلا ينفي الاستحباب، بل يدل على أنهما ليستا من الرواتب‏.‏
وإلى استحبابهما ذهب أحمد وإسحاق وأصحاب الحديث، وروى عن ابن عمر قال‏:‏ ما رأيت أحدا يصليهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الخلفاء الأربعة وجماعة من الصحابة أنهم كانوا لا يصلونهما‏.‏
وهو قول مالك والشافعي، وادعى بعض المالكية نسخهما فقال‏:‏ إنما كان ذلك في أول الأمر حيث نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، فبين لهم بذلك وقت الجواز، ثم ندب إلى المبادرة إلى المغرب في أول وقتها، فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها لكان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول وقتها‏.‏
وتعقب بأن دعوى النسخ لا دليل عليها، والمنقول عن ابن عمر رواه أبو داود من طريق طاوس عنه، ورواية أنس المثبتة مقدمة على نفيه، والمنقول عن الخلفاء الأربعة رواه محمد بن نصر وغيره من طريق إبراهيم النخعي عنهم، وهو منقطع، ولو ثبت لم يكن فيه دليل على النسخ ولا الكراهة‏.‏
وسيأتي في أبواب التطوع أن عقبة بن عامر سأل عن الركعتين قبل المغرب فقال‏:‏ كنا نفعلهما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قيل له‏:‏ فما يمنعك الآن‏؟‏ قال‏:‏ الشغل‏.‏
فلعل غيره أيضا منعه الشغل‏.‏
وقد روى محمد بن نصر وغيره من طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف وسعد ابن أبي وقاص وأبي بن كعب وأبي الدرداء وأبي موسى وغيرهم أنهم كانوا يواظبون عليهما‏.‏
وأما قول أبي بكر ابن العربي‏:‏ اختلف فيها الصحابة ولم يفعلها أحد بعدهم، فمردود بقول محمد بن نصر، وقد روينا عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون الركعتين قبل المغرب، ثم أخرج ذلك بأسانيد متعددة عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى وعبد الله بن بريدة ويحيى بن عقيل والأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير وعراك بن مالك، ومن طريق الحسن البصري أنه سأل عنهما فقال‏:‏ حسنتين والله لمن أراد الله بهما‏.‏
وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول‏:‏ حق على كل مؤمن إذا أذن المؤذن أن يركع ركعتين‏.‏
وعن مالك قول آخر باستحبابهما‏.‏
وعند الشافعية وجه رجحه النووي ومن تبعه‏.‏
وقال في شرح مسلم‏:‏ قول من قال إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها خيال فاسد منابذ للسنة، ومع ذلك فزمنهما زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها‏.‏
قلت‏:‏ ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما كما في ركعتي الفجر، قيل والحكمة في الندب إليهما رجاء إجابة الدعاء، لأن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد، وكلما كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة فيه أكثر، واستدل بحديث أنس على امتداد وقت المغرب، وليس ذلك بواضح‏.‏
‏(‏تنبيهان‏)‏ ‏:‏ ‏(‏أحدهما‏)‏ مطابقة حديث أنس للترجمة من جهة الإشارة إلى أن الصحابة إذا كانوا يبتدرون إلى الركعتين قبل صلاة المغرب مع قصر وقتها فالمبادرة إلى التنقل قبل غيرها من الصلوات تقع من باب الأولى، ولا يتقيد بركعتين إلا ما ضاهى المغرب في قصر الوقت كالصبح‏.‏
‏(‏الثاني‏)‏ ‏:‏ لم تتصل لنا رواية عثمان بن جبلة - وهو بفتح الجيم والموحدة - إلى الآن‏.‏
وزعم مغلطاي ومن تبعه أن الإسماعيلي وصلها في مستخرجه، وليس كذلك، فإن الإسماعيلي إنما أخرجه من طريق عثمان بن عمر، وكذلك لم تتصل لنا رواية أبي داود وهو الطيالسي فيما يظهر لي، وقيل هو الحفري بفتح المهملة والفاء‏.‏
وقد وقع لنا مقصود روايتهما من طريق عثمان بن عمر وأبي عامر ولله الحمد‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 10:12 AM   #256
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ انْتَظَرَ الْإِقَامَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من انتظر الإقامة‏)‏ موضع الترجمة من الحديث قوله ‏"‏ ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن ‏"‏ وأوردها مورد الاحتمال تنبيها على اختصاص ذلك بالإمام لأن المأموم مندوب إلى إحراز الصف الأول، ويحتمل أن يشارك الإمام في ذلك من كان منزله قريبا من المسجد، وقيل يستفاد من حديث الباب أن الذي ورد من الحض على الاستباق إلى المسجد هو لمن كان على مسافة من المسجد، وأما من كان يسمع الإقامة من داره فانتظاره للصلاة إذا كان متهيئا لها كانتظاره إياها في المسجد، وفي مقصود الترجمة أيضا ما أخرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة قال ‏"‏ كان بلال يؤذن ثم لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبدة‏)‏ هو ابن سليمان، وبقية الإسناد والمتن تقدم بأتم سياق في الباب الذي قبله‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب بين كل أذانين صلاة‏)‏ تقدم الكلام على فوائده قبل باب، وترجم هنا بلفظ الحديث، وهناك ببعض ما دل عليه‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ قَالَ لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد‏)‏ كأنه يشير إلى ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح ‏"‏ أن ابن عمر كان يؤذن للصبح في السفر أذانين ‏"‏ وهذا مصير منه إلى التسوية بين الحضر والسفر، وظاهر حديث الباب أن الأذان في السفر لا يتكرر، لأنه لم يفرق بين الصبح وغيرها، والتعليل الماضي في حديث ابن مسعود يؤيده، وعلى هذا فلا مفهوم لقوله مؤذن واحد في السفر لأن الحضر أيضا لا يؤذن فيه إلا واحد، ولو احتج إلى تعددهم لتباعد أقطار البلد أذن كل واحد في جهة ولا يؤذنون جميعا، وقد قيل أن أول من أحدث التأذين جميعا بنو أمية‏.‏
وقال الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ وأحب أن يؤذن مؤذن بعد مؤذن ولا يؤذن جماعة معا، وإن كان مسجد كبير فلا بأس أن يؤذن في كل جهة منه مؤذن يسمع من يليه في وقت واحد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا قَالَ ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الأذان للمسافرين‏)‏ كذا للكشميهني وللباقين ‏"‏ للمسافر ‏"‏ بالإفراد، وهو للجنس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا كانوا جماعة‏)‏ هو مقتضى الأحاديث التي أوردها، لكن ليس فيها ما يمنع أذان المنفرد، وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول‏:‏ إنما التأذين لجيش أو ركب عليهم أمير فينادى بالصلاة ليجتمعوا لها، فأما غيرهم فإنما هي الإقامة‏.‏
وحكى نحو ذلك عن مالك‏.‏
وذهب الأئمة الثلاثة والثوري وغيرهم إلى مشروعة الأذان لكل أحد، وقد تقدم حديث أبي سعيد في ‏"‏ باب رفع الصوت بالنداء ‏"‏ وهو يقتضي استحباب الأذان للمنفرد، وبالغ عطاء فقال‏:‏ إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة، ولعله كان يرى ذلك شرطا في صحة الصلاة أو يرى استحباب الإعادة لا وجوبها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والإقامة‏)‏ بالخفض عطفا على الأذان، ولم يختلف في مشروعية الإقامة في كل حال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكذلك بعرفة‏)‏ لعله يشير إلى حديث جابر الطويل في صفة الحج، وهو عند مسلم، وفيه أن بلالا أذن وأقام لما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر يوم عرفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجمع‏)‏ بفتح الجيم وسكون الميم هي مزدلفة، وكأنه أشار بذلك إلى حديث ابن مسعود الذي ذكره في كتاب الحج وفيه‏:‏ أنه صلى المغرب بأذان وإقامة‏.‏
، والعشاء بأذان وإقامة، ثم قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول المؤذن‏)‏ هو بالخفض أيضا‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْأَذَانِ لِلْمُسَافِرِ إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَالْإِقَامَةِ
وَكَذَلِكَ بِعَرَفَةَ وَجَمْعٍ وَقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الأذان للمسافرين‏)‏ كذا للكشميهني وللباقين ‏"‏ للمسافر ‏"‏ بالإفراد، وهو للجنس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا كانوا جماعة‏)‏ هو مقتضى الأحاديث التي أوردها، لكن ليس فيها ما يمنع أذان المنفرد، وقد روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول‏:‏ إنما التأذين لجيش أو ركب عليهم أمير فينادى بالصلاة ليجتمعوا لها، فأما غيرهم فإنما هي الإقامة‏.‏
وحكى نحو ذلك عن مالك‏.‏
وذهب الأئمة الثلاثة والثوري وغيرهم إلى مشروعة الأذان لكل أحد، وقد تقدم حديث أبي سعيد في ‏"‏ باب رفع الصوت بالنداء ‏"‏ وهو يقتضي استحباب الأذان للمنفرد، وبالغ عطاء فقال‏:‏ إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة، ولعله كان يرى ذلك شرطا في صحة الصلاة أو يرى استحباب الإعادة لا وجوبها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والإقامة‏)‏ بالخفض عطفا على الأذان، ولم يختلف في مشروعية الإقامة في كل حال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكذلك بعرفة‏)‏ لعله يشير إلى حديث جابر الطويل في صفة الحج، وهو عند مسلم، وفيه أن بلالا أذن وأقام لما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر يوم عرفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجمع‏)‏ بفتح الجيم وسكون الميم هي مزدلفة، وكأنه أشار بذلك إلى حديث ابن مسعود الذي ذكره في كتاب الحج وفيه‏:‏ أنه صلى المغرب بأذان وإقامة‏.‏
، والعشاء بأذان وإقامة، ثم قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول المؤذن‏)‏ هو بالخفض أيضا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ
الشرح‏:‏
وقد تقدم الكلام على حديث أبي ذر مستوفى في ‏"‏ باب الإبراد بالظهر ‏"‏ في المواقيت، وفيه البيان أن المؤذن هو بلال وأنه أذن وأقام، فيطابق هذه الترجمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ أَتَى رَجُلَانِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدَانِ السَّفَرَ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَنْتُمَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب بين كل أذانين صلاة‏)‏ تقدم الكلام على فوائده قبل باب، وترجم هنا بلفظ الحديث، وهناك ببعض ما دل عليه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَفِيقًا فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدْ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدْ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لَا أَحْفَظُهَا وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ
الشرح‏:‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع هنا في رواية أبي الوقت ‏"‏ حدثنا محمد بن المثني حدثنا عبد الوهاب عن أيوب ‏"‏ فذكر حديث مالك بن الحويرث مطولا نحو ما مضى في الباب قبله، وسيأتي بتمامه في ‏"‏ باب خبر الواحد‏"‏، وعلى ذكره هناك اقتصر باقي الرواة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ ثُمَّ قَالَ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بضجنان‏)‏ هو بفتح الضاد المعجمة وبالجيم بعدها نون على وزن فعلان غير مصروف، قال صاحب الصحاح وغيره‏:‏ هو جبل بناحية مكة‏.‏
وقال أبو موسى في ذيل الغريبين‏:‏ هو موضع أو جبل بين مكة والمدينة‏.‏
وقال صاحب المشارق ومن تبعه‏:‏ هو جبل على بريد من مكة‏.‏
وقال صاحب الفائق‏:‏ بينه وبين مكة خمسة وعشرون ميلا، وبينه وبين وادي مريسعة أميال‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا القدر أكثر من بريدين‏.‏
وضبطه بالأميال يدل على مزيد اعتناء، وصاحب الفائق ممن شاهد تلك الأماكن واعتنى بها، خلاف من تقدم ذكره ممن لم يرها أصلا‏.‏
ويؤيده ما حكاه أبو عبيد البكري قال‏:‏ وبين قديد وضجنان يوم‏.‏
قال معبد الخزاعي‏:‏ قد جعلت ماء قديد موعدي وماء ضجنان لها ضحى الغد قوله‏:‏ ‏(‏وأخبرنا‏)‏ أي ابن عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كان يأمر مؤذنا‏)‏ في رواية مسلم كان يأمر المؤذن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم يقول على أثره‏)‏ صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ لما ذكر رواية مسلم بلفظ ‏"‏ يقول في آخر ندائه ‏"‏ يحتمل أن يكون المراد في آخره قبيل الفراغ منه، جمعا بينه وبين حديث ابن عباس‏.‏
انتهى‏.‏
وقد قدمنا في ‏"‏ باب الكلام في الأذان ‏"‏ عن ابن خزيمة أنه حمل حديث ابن عباس على ظاهره، وأن ذلك يقال بدلا من الحيعلة نظرا إلى المعنى لأن معنى ‏"‏ حي على الصلاة ‏"‏ هلموا إليها، ومعنى ‏"‏ الصلاة في الرحال ‏"‏ تأخروا عن المجيء ولا يناسب إيراد اللفظين معا لأن أحدهما نقيض الآخر ا ه‏.‏
ويمكن الجمع بينهما، ولا يلزم منه ما ذكر بأن يكون معنى الصلاة في الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص، ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ولو تحمل المشقة‏.‏
ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال‏:‏ ‏"‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فمطرنا، فقال‏:‏ ليصل من شاء منكم في رحله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في الليلة الباردة أو المطيرة‏)‏ قال الكرماني فعيلة بمعنى فاعلة، وإسناد المطر إليها مجاز، ولا يقال إنها بمعنى مفعولة - أي ممطور فيها - لوجود الهاء في قوله مطيرة إذ لا يصح ممطورة فيها ا ه‏.‏
ملخصا‏.‏
وقوله‏:‏ ‏(‏أو‏)‏ للتنويع لا للشك، وفي صحيح أبي عوانة ‏"‏ ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات ريح ‏"‏ ودل ذلك على أن كلا من الثلاثة عذر في التأخر عن الجماعة، ونقل ابن بطال فيه الإجماع، لكن المعروف عند الشافعية أن الريح عذر في الليل فقط، وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل، لكن في السنن من طريق ابن إسحاق عن نافع في هذا الحديث ‏"‏ في الليلة المطيرة والغداة القرة‏"‏، وفيها بإسناد صحيح من حديث أبي المليح عن أبيه ‏"‏ أنهم مطروا يوما فرخص لهم ‏"‏ ولم أر في شيء من الأحاديث الترخص بعذر الريح في النهار صريحا، لكن القيام يقتضي إلحاقه، وقد نقله ابن الرفعة وجها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في السفر‏)‏ ظاهره اختصاص ذلك بالسفر، ورواية مالك عن نافع الآتية في أبواب صلاة الجماعة مطلقة، وبها أخذ الجمهور، لكن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي أن يختص ذلك بالمسافر مطلقا، ويلحق به من تلحقه بذلك مشقة في الحضر دون من لا تلحقه، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ فَجَاءَهُ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَرَجَ بِلَالٌ بِالْعَنَزَةِ حَتَّى رَكَزَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ وقع في رواية أبي الوقت أنه ابن منصور، وبذلك جزم خلف في الأطراف، وقد تردد الكلاباذي هل هو ابن إبراهيم أو ابن منصور، ورجح الجياني أنه ابن منصور واستدل على ذلك بأن مسلما أخرج هذا الحديث بهذا الإسناد عن إسحاق بن منصور‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فآذنه بالصلاة ثم خرج بلال‏)‏ اختصره المصنف، وقد أخرجه الإسماعيلي من طرق عن جعفر ابن عون فقال بعد قوله بالصلاة ‏"‏ فدعا بوضوء فتوضأ ‏"‏ فذكر القصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأقام الصلاة‏)‏ اختصر بقيته، وهي عند الإسماعيلي أيضا وهي ‏"‏ وركزها بين يديه والظعن يمرون ‏"‏ الحديث، وقد قدمنا الكلام عليه في ‏"‏ باب سترة الإمام سترة لمن خلفه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالأبطح‏)‏ هو موضع معروف خارج مكة، وقد بيناه في ذلك الباب، وفهم بعضهم أن المراد بالأبطح موضع جمع لذكره لها في الترجمة، وليس ذلك مراده، بل بين جمع والأبطح مسافة طويلة، وإنما أورد حديث أبي جحيفة لأنه يدخل في أصل الترجمة وهي مشروعية الأذان والإقامة للمسافرين‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 10:14 AM   #257
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب هَلْ يَتَتَبَّعُ الْمُؤَذِّنُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا وَهَلْ يَلْتَفِتُ فِي الْأَذَانِ
وَيُذْكَرُ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ جَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَقَالَ عَطَاءٌ الْوُضُوءُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ وَقَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يتتبع المؤذن فاه هاهنا وهاهنا‏)‏ هو بياء تحتانية ثم بتاءين مفتوحات ثم بموحدة مشددة من التتبع‏.‏
وفي رواية الأصيلي ‏"‏ يتبع ‏"‏ بضم أوله وإسكان المثناة وكسر الموحدة من الاتباع، والمؤذن بالرفع لأنه فاعل التتبع، وفاه منصوب على المفعولية، و ‏"‏ هاهنا وهاهنا ‏"‏ ظرفا مكان والمراد بهما جهتا اليمين والشمال كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الكلام على الحديث‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ لفظ المؤذن بالنصب وفاعله محذوف تقديره الشخص ونحوه، وفاه بالنصب بدل من المؤذن، قال‏:‏ ليوافق قوله في الحديث ‏"‏ فجعلت أتتبع فاه ‏"‏ ا ه‏.‏
وليس ذلك بلازم، لما عرف من طريقة المصنف أنه لا يقف مع اللفظ الذي يورده غالبا بل يترجم له ببعض ألفاظه الواردة فيه، وكذا وقع هاهنا، فإن في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عند أبي عوالة في صحيحه ‏"‏ فجعل يتتبع بفيه يمينا وشمالا‏"‏‏.‏
وفي رواية وكيع عن سفيان عند الإسماعيلي ‏"‏ رأيت بلالا يؤذن يتتبع بفيه ‏"‏ ووصف سفيان يميل برأسه يمينا وشمالا، والحاصل أن بلالا كان يتتبع بفيه الناحيتين، وكان أبو جحيفة ينظر إليه فكل منهما متتبع باعتبار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهل يلتفت في الأذان‏)‏ يشير إلى ما قدمناه في رواية وكيع وفي رواية إسحاق الأزرق عن سفيان عند النسائي ‏"‏ فجعل ينحرف يمينا وشمالا ‏"‏ وسيأتي في رواية يحيى بن آدم بلفظ ‏"‏ والتفت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويذكر عن بلال أنه جعل إصبعيه في أذنيه‏)‏ يشير بذلك إلى ما وقع في رواية عبد الرزاق وغيره عن سفيان كما سنوضحه بعد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر الخ‏)‏ أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن طريق نسير وهو بالنون والمهملة مصغر ابن ذعلوق بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة وضم اللام عن ابن عمر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال إبراهيم‏)‏ يعني النخعي الخ وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن جرير عن منصور عنه بذلك وزاد ‏"‏ ثم يخرج فيتوضأ ثم يرجع فيقيم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء الخ‏)‏ وصله عبد الرزاق عن ابن جرير قال ‏"‏ قال لي عطاء‏:‏ حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن المؤذن إلا متوضئا، هو من الصلاة، هو فاتحة الصلاة ‏"‏ ولابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء ‏"‏ أنه كره أن يؤذن الرجل على غير وضوء ‏"‏ وقد ورد فيه حديث مرفوع أخرجه الترمذي والبيهقي من حديث أبي هريرة وفي إسناده ضعف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقالت عائشة‏)‏ تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب تقضي الحائض المناسك ‏"‏ من كتاب الحيض، وأن مسلما وصله‏.‏
وفي إيراد البخاري له هنا إشارة إلى اختيار قول النخعي، وهو قول مالك والكوفيين لأن الأذان من جملة الأذكار فلا يشترط فيه ما يشترط في الصلاة من الطهارة ولا من استقبال القبلة، كما لا يستحب فيه الخشوع الذي ينافيه الالتفات وجعل الإصبع في الأذن، وبهذا تعرف مناسبة ذكره لهذه الآثار في هذه الترجمة ولاختلاف نظر العلماء فها أوردها بلفظ الاستفهام ولم يجزم بالحكم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى بِلَالًا يُؤَذِّنُ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا بِالْأَذَانِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن يوسف‏)‏ هو الفريابي، وسفيان هو الثوري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏هاهنا وهاهنا بالأذان‏)‏ كذا أورده مختصرا، ورواية وكيع عن سفيان عند مسلم أتم حيث قال ‏"‏ فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يمينا وشمالا يقول‏:‏ حي على الصلاة، حي على الفلاح ‏"‏ وهذا فيه تقييد للالتفات في الأذان وأن محله عند الحيعلتين، وبوب عليه ابن خزيمة ‏"‏ انحراف المؤذن عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح بفمه لا ببدنه كله ‏"‏ قال‏:‏ وإنما يمكن الانحراف بالفم بانحراف الوجه، ثم ساقه من طريق وكيع أيضا بلفظ ‏"‏ فجعل يقول في أذانه هكذا، ويحرف رأسه يمينا وشمالا ‏"‏ وفي رواية عبد الرزاق عن الثوري في هذا الحديث زيادتان‏:‏ إحداهما الاستدارة، والأخرى وضع الإصبع في الأذن، ولفظه عند الترمذي ‏"‏ رأيت بلالا يؤذن ويدور ويتبع فاه هاهنا وهاهنا وإصبعاه في أذنيه ‏"‏ فأما قوله ‏"‏ ويدور ‏"‏ فهو مدرج في رواية سفيان عن عون، بين ذلك يحيى بن آدم عن سفيان عن عون عن أبيه قال ‏"‏ رأيت بلالا أذن فأتبع فاه هاهنا وهاهنا والتفت يمينا وشمالا ‏"‏ قال سفيان‏:‏ كان حجاج - يعني ابن أرطاة - يذكر لنا عن عون أنه قال ‏"‏ فاستدار في أذانه ‏"‏ فلما لقينا عونا لم يذكر فيه الاستدارة، أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من طريق يحيى بن آدم، وكذا أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان، لكن لم يسم حجاجا، وهو مشهور عن حجاج أخرجه ابن ماجه وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم من طريقه ولم ينفرد به بل وافقه إدريس الأودي ومحمد العرزمي عن عون، لكن الثلاثة ضعفاء، وقد خالفهم من هو مثلهم أو أمثل وهو قيس بن الربيع فرواه عن عون فقال في حديثه ‏"‏ ولم يستدر ‏"‏ أخرجه أبو داود، ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عني استدارة الرأس، ومن نفاها عني استدارة الجسد كله‏.‏
ومشى ابن بطال ومن تبعه على ظاهره فاستدل به على جواز الاستدارة بالبدن كله، قال ابن دقيق العيد‏:‏ فيه دليل على استدارة المؤذنين للإسماع عند التلفظ بالحيعلتين، واختلف هل يستدير ببدنه كله أو بوجهه فقط وقدماه قارتان مستقبل القبلة‏؟‏ واختلف أيضا هل يستدير في الحيعلتين الأوليين مرة وفي الثانيتين مرة، أو يقول حي على الصلاة عن يمينه ثم حي على الصلاة عن شماله وكذا في الأخرى‏؟‏ قال‏:‏ ورجح الثاني لأنه يكون لكل جهة نصيب منهما، قال‏:‏ والأول أقرب إلى لفظ الحديث‏.‏
وفي المغني عن أحمد‏:‏ لا يدور إلا إن كان على منارة يقصد إسماع أهل الجهتين‏.‏
وأما وضع الإصبعين في الأذنين فقد رواه مؤمل أيضا عن سفيان أخرجه أبو عوانة، وله شواهد ذكرتها في ‏"‏ تعليق التعليق ‏"‏ من أصحها ما رواه أبو داود وابن حبان من طريق أبي سلام الدمشقي أن عبد الله الهوزني حدثه قال‏:‏ قلت لبلال كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ قال بلال‏:‏ فجعلت إصبعي في أذني فأذنت ‏"‏ ولابن ماجه والحاكم من حديث سعد القرظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يجعل إصبعيه في أذنيه ‏"‏ وفي إسناده ضعف، قال العلماء في ذلك فائدتان‏:‏ إحداهما أنه قد يكون أرفع لصوته، وفيه حديث ضعيف أخرجه أبو الشيخ من طريق سعد القرظ عن بلال، ثانيهما أنه علامة للمؤذن ليعرف من رآه على بعد أو كان به صمم أنه يؤذن، ومن ثم قال بعضهم‏:‏ يجعل يده فوق أذنه حسب، قال الترمذي‏:‏ استحب أهل العلم أن يدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في الأذان، قال‏:‏ واستحبه الأوزاعي في الإقامة أيضا‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يرد تعيين الإصبع التي يستحب وضعها، وجزم النووي أنها المسبحة، وإطلاق الإصبع مجاز عن الأنملة‏.‏
‏(‏تنبيه آخر‏)‏ ‏:‏ وقع في المغني للموفق نسبة حديث أبي جحيفة بلفظ ‏"‏ أن بلالا أذن ووضع إصبعيه في أذنيه ‏"‏ إلى تخريج البخاري ومسلم، وهو وهم، وساق أبو نعيم في المستخرج حديث الباب من طريق عبد الرحمن بن مهدي وعبد الرزاق عن سفيان بلفظ عيد الرزاق من غير بيان فما أجاد، لإيهامه أنهما متوافقتان، وقد عرفت ما في رواية عبد الرزاق من الإدراج، وسلامة رواية عبد الرحمن من ذلك، والله المستعان‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 10:15 AM   #258
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ الرَّجُلِ فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ
وَكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ أَنْ يَقُولَ فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَمْ نُدْرِكْ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَحُّ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الرجل فاتتنا الصلاة‏)‏ أي هل يكره أم لا‏؟‏ قوله‏:‏ ‏(‏وكره ابن سيرين الخ‏)‏ وصله ابن أبي شيبة عن أزهر عن ابن عون قال ‏"‏ كان محمد - يعني ابن سيرين - يكره ‏"‏ فذكره‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقول النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هو بالرفع على الابتداء، وأصح خبره‏.‏
وهذا كلام المصنف رادا على ابن سيرين‏.‏
ووجه الرد أن الشارع أطلق لفظ الفوات فدل على الجواز، وابن سيرين مع كونه كرهه فإنما كرهه من جهة اللفظ لأنه قال ‏"‏ وليقل لم ندرك ‏"‏ وهذا محصل معنى الفوات، لكن قوله لم ندرك فيه نسبة عدم الإدراك إليه بخلاف فاتتنا، فلعل ذلك هو الذي لحظه ابن سيربن‏.‏
وقوله أصح معناه صحيح أي بالنسبة إلى قول ابن سيرين، فإنه غير صحيح لثبوت النص بخلافه‏.‏
وعند أحمد من حديث أبي قتادة في قصة نومهم عن الصلاة ‏"‏ فقلت يا رسول الله فاتتنا الصلاة ‏"‏ ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وموقع هذه الترجمة وما بعدها من أبواب الأذان والإقامة أن المرء عند إجابة المؤذن يحتمل أن يدرك الصلاة كلها أو بعضها أو لا يدرك شيئا، فاحتيج إلى جواز إطلاق الفوات وكيفية الإتيان إلى الصلاة وكيفية العمل عند فوات البعض ونحو ذلك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏شيبان‏)‏ هو ابن عبد الرحمن، ويحيى هو ابن أبي كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه‏)‏ في رواية مسلم من طريق معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير التصريح بإخبار عبد الله له به وبإخبار أبي قتادة لعبد الله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏جلبة الرجال‏)‏ وفي رواية كريمة والأصيلي ‏"‏ جلبة رجال ‏"‏ بغير ألف ولام وهما للعهد الذهني، وقد سمي منهم أبو بكرة فيما رواه الطبراني من رواية يونس عن الحسن عنه نحوه في نحو هذه القصة‏.‏
و ‏"‏ جلبة ‏"‏ بجيم ولام وموحدة مفتوحات، أي أصواتهم حال حركتهم‏.‏
واستدل به على أن التفات خاطر المصلي إلى الأمر الحادث لا يفسد صلاته، وسنذكر الكلام على المتن في الباب الذي بعده‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا يَسْعَى إِلَى الصَّلَاةِ وَلْيَأْتِ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ
وَقَالَ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا قَالَهُ أَبُو قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يسعى إلى الصلاة الخ‏)‏ سقطت هذه الترجمة من رواية الأصيلي ومن رواية أبي ذر عن غير السرخسي، وثبوتها أصوب لقوله فيها ‏"‏ وقاله أبو قتادة ‏"‏ لأن الضمير يعود على ما ذكر في الترجمة، ولولا ذلك لعاد الضمير إلى المتن السابق فيكون ذكر أبي قتادة تكرارا بلا فائدة لأنه ساقه عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمِعْتُمْ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَلَا تُسْرِعُوا فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعن الزهري‏)‏ أي بالإسناد الذي قبله، وهو آدم عن ابن أبي ذئب عنه، أي أن ابن أبي ذئب حدث به عن الزهري عن شيخين حدثاه به عن أبي هريرة، وقد جمعهما المصنف في ‏"‏ باب المشي إلى الجمعة ‏"‏ عن آدم فقال فيه ‏"‏ عن سعيد وأبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة ‏"‏ وكذلك أخرجه مسلم من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عنهما، وذكر الدار قطني الاختلاف فيه على الزهري وجزم بأنه عنده عنهما جميعا قال‏:‏ وكان ربما اقتصر على أحدهما‏.‏
وأما الترمذي فإنه أخرجه من طريق يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة وحده، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد وحده، قال‏:‏ وقول عبد الرزاق أصح، ثم أخرجه من طريق ابن عيينة عن الزهري كما قال عبد الرزاق، وهذا عمل صحيح لو لم يثبت أن الزهري حدث به عنهما‏.‏
وقد أخرجه المصنف في ‏"‏ باب المشي إلى الجمعة ‏"‏ من طريق شعيب ومسلم من طريق يونس كلاهما عن الزهري عن أبي سلمة وحده فترجح ما قال الدار قطني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم الإقامة‏)‏ هو أخص من قوله في حديث أبي قتادة ‏"‏ إذا أتيتم الصلاة ‏"‏ لكن الظاهر أنه من مفهوم الموافقة، لأن المسرع إذا أقيمت الصلاة يترجى إدراك فضيلة التكبيرة الأولى ونحو ذلك، ومع ذلك فقد نهى عن الإسراع، فغيره ممن جاء قبل الإقامة لا يحتاج إلى الإسراع لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها فينهي عن الإسراع من باب الأولى‏.‏
وقد لحظ فيه بعضهم معنى غير هذا فقال‏:‏ الحكمة في التقييد بالإقامة أن المسرع إذا أقيمت الصلاة يصل إلها وقد انبهر فيقرأ وهو في تلك الحالة فلا يحصل له تمام الخشوع في الترتيل وغيره، بخلاف من جاء قبل ذلك فإن الصلاة قد لا تقام فيه حتى يستريح‏.‏
انتهى‏.‏
وقضية هذا أنه لا يكره الإسراع لمن جاء قبل الإقامة، وهو مخالف لصريح قوله ‏"‏ إذا أتيتم الصلاة ‏"‏ لأنه يتناول ما قبل الإقامة، وإنما قيد في الحديث الثاني بالإقامة لأن ذلك هو الحامل في الغالب على الإسراع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعليكم بالسكينة‏)‏ كذا في رواية أبي ذر، ولغيره ‏"‏ وعليكم السكينة ‏"‏ بغير باء، وكذا في رواية مسلم من طريق يونس، وضبطها القرطبي شارحه بالنصب على الإغراء، وضبطها النووي بالرفع على أنها جملة في موضع الحال، واستشكل بعضهم دخول الباء قال‏:‏ لأنه متعد بنفسه كقوله تعالى ‏(‏عليكم أنفسكم‏)‏ وفيه نظر لثبوت زيادة الباء في الأحاديث الصحيحة كحديث ‏"‏ عليكم برخصة الله ‏"‏ وحديث ‏"‏ فعليه بالصوم فإنه له وجاء ‏"‏ وحديث ‏"‏ فعليك بالمرأة ‏"‏ قاله لأبي طلحة في قصة صفية، وحديث ‏"‏ عليك بعيبتك ‏"‏ قالته عائشة لعمر، وحديث ‏"‏ عليكم بقيام الليل ‏"‏ وحديث ‏"‏ عليك بخويصة نفسك ‏"‏ وغير ذلك‏.‏
ثم إن الذي علل به هذا المعترض غير موف بمقصوده، إذ لا يلزم من كونه يجوز أن يتعدى بنفسه امتناع تعديه بالماء، وإذا ثبت ذلك فيدل على أن فيه لغتين والله أعلم‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ الحكمة في هذا الأمر تستفاد من زيادة وقعت في مسلم من طريق العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، فذكر نحو حديث الباب وقال في آخره ‏"‏ فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة ‏"‏ أي أنه في حكم المصلي، فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والوقار‏)‏ قال عياض والقرطبي‏:‏ هو بمعنى السكينة، وذكر على سبيل التأكيد‏.‏
وقال النووي‏:‏ الظاهر أن بينهما فرقا، وأن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث، والوقار في الهيئة كغض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا تسرعوا‏)‏ فيه زيادة تأكيد، ويستفاد منه الرد على من أول قوله في حديث أبي قتادة ‏"‏ لا تفعلوا ‏"‏ أي الاستعجال المفضي إلى عدم الوقار، وأما الإسراع الذي لا ينافي الوقار كمن خاف فوت التكبيرة فلا، وهذا محكي عن إسحاق بن راهويه وقد تقدمت رواية العلاء التي فيها ‏"‏ فهو في صلاة ‏"‏ قال النووي‏:‏ نبه بذلك على أنه لم يدرك من الصلاة شيئا لكان محصلا لمقصوده لكونه في صلاة، وعدم الإسراع أيضا يستلزم كثرة الخطا وهو معنى مقصود لذاته وردت فيه أحاديث كحديث جابر عند مسلم ‏"‏ أن بكل خطوة درجة ‏"‏ ولأبي داود من طريق سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار مرفوعا ‏"‏ إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله له حسنة ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة، فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غفر له، فإن أتى وقد صلوا بعضا وبقي بعض فصلى ما أدرك وأتم ما بقي كان كذلك، وإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فما أدركتم فصلوا‏)‏ قال الكرماني‏:‏ الفاء جواب شرط محذوف، أي إذا بينت لكم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا‏.‏
قلت‏:‏ أو التقدير إذا فعلتم فا أدركتم أي فعلتم الذي أمرتكم به من السكينة وترك الإسراع‏.‏
واستدل بهذا الحديث على حصول فضيلة الجماعة بإدراك جزء من الصلاة لقوله ‏"‏ فما أدركتم فصلوا ‏"‏ ولم يفصل بين القليل والكثير، وهذا قول الجمهور، وقيل‏:‏ لا تدرك الجماعة بأقل من ركعة للحديث السابق ‏"‏ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك ‏"‏ وقياسا على الجمعة، وقد قدمنا الجواب عنه في موضعه وأنه ورد في الأوقات، وأن في الجمعة حديثا خاصا بها‏.‏
واستدل به أيضا على استحباب الدخول مع الإمام في أي حالة وجد عليها، وفيه حديث أصرح منه أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عبد العزيز بن رفيع عن رجل من الأنصار مرفوعا ‏"‏ من وجدني راكعا أو قائما أو ساجدا فليكن معي على حالتي التي أنا عليها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وما فاتكم فأتموا‏)‏ أي أكملوا، هذا هو الصحيح في رواية الزهري، ورواه عنه ابن عيينة بلفظ ‏"‏ فاقضوا ‏"‏ وحكم مسلم في التمييز عليه بالوهم في هذه اللفظة، مع أنه أخرج إسناده في صحيحه لكن لم يسق لفظه، وكذا روى أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة فقال ‏"‏ فاقضوا ‏"‏ وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق بلفظ ‏"‏ فأتموا‏"‏‏.‏
واختلف أيضا في حديث أبي قتادة، فرواية الجمهور ‏"‏ فأتموا ‏"‏ ووقع لمعاوية بن هشام عن سفيان ‏"‏ فاقضوا ‏"‏ كذا ذكره ابن أبي شيبة عنه‏.‏
وأخرج مسلم إسناده في صحيحه عن ابن أبي شيبة فلم يسق لفظه أيضا، وروى أبو داود مثله عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال‏:‏ ووقعت في رواية أبي رافع عن أبي هريرة، واختلف في حديث أبي ذر قال‏:‏ وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة ‏"‏ وليقض‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ ورواية ابن سيرين عند مسلم بلفظ ‏"‏ صل ما أدركت، واقض ما سبقك ‏"‏ والحاصل أن أكثر الروايات ورد بلفظ ‏"‏ فأتموا ‏"‏ وأقلها بلفظ ‏"‏ فاقضوا ‏"‏ وإنما تظهر فائدة ذلك إذا جعلنا بين الإمام والقضاء مغايرة، لكن إذا كان مخرج الحديث واحدا واختلف في لفظه منه وأمكن رد الاختلاف إلى معنى واحد كان أولى، وهنا كذلك لأن القضاء وإن كان يطلق على الفائت غالبا لكنه يطلق على الأداء أيضا، ويرد بمعنى الفراغ كقوله تعالى ‏(‏فإذا قضيت الصلاة فانتشروا‏)‏ ، ويرد بمعان أخر فيحمل قوله فاقضوا على معنى الأداء أو الفراغ فلا يغاير قوله فأتموا، فلا حجة فيه لمن تمسك برواية فاقضوا على أن ما أدركه المأموم هو آخر صلاته حتى استحب له الجهر في الركعتين الأخيرتين وقراءة السورة وترك القنوت، بل هو أولها وإن كان آخر صلاة إمامه لأن الآخر لا يكون إلا عن شيء تقدمه، وأوضح دليل على ذلك أنه يجب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل حال، فلو كان ما يدركه مع الإمام آخرا له لما احتاج إلى إعادة التشهد‏.‏
وقول ابن بطال إنه ما تشهد إلا لأجل السلام لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد ليس بالجواب الناهض على دفع الإيراد المذكور، واستدل ابن المنذر لذلك أيضا على أنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى، وقد عمل بمقتضى اللفظين الجمهور فإنهم قالوا‏.‏
إن ما أدرك المأموم هو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السورة مع أم القرآن في الرباعية، لكن لم يستحبوا له إعادة الجهر في الركعتين الباقيتين، وكأن الحجة فيه قوله ‏"‏ ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك واقض ما سبقك به من القرآن ‏"‏ أخرجه البيهقي، وعن إسحاق والمزني لا يقرأ إلا أم القرآن فقط وهو القياس، واستدل به على أن من أدرك الإمام راكعا لم تحسب له تلك الركعة للأمر بإتمام ما فاته، لأنه فاته الوقوف والقراءة فيه، وهو قول أبي هريرة وجماعة، بل حكاه البخاري في ‏"‏ القراءة خلف الإمام ‏"‏ عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام، واختاره ابن خزيمة والضبعي وغيرهما من محدثي الشافعية، وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين والله أعلم‏.‏
وحجة الجمهور حديث أبي بكرة حيث ركع دون الصف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ زادك الله حرصا ولا تعد ‏"‏ ولم يأمره بإعادة تلك الركعة، وسيأتي في أثناء صفة الصلاة إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 10:18 AM   #259
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الْإِمَامَ عِنْدَ الْإِقَامَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة‏؟‏‏)‏ قيل أود الترجمة بلفظ الاستفهام لأن قوله في الحديث ‏"‏ لا تقوموا ‏"‏ نهى عن القيام، وقوله ‏"‏حتى تروني ‏"‏ تسويغ للقيام عند الرؤية، وهو مطلق غير مقيد بشيء من ألفاظ الإقامة، ومن ثم اختلف السلف في ذلك كما سيأتي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو الدستوائي، وقد رواه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه هنا عن أبان العطار عن يحيى، فلعله له فيه شيخان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كتب إلى يحيى‏)‏ ظاهر في أنه لم يسمعه منه، وقد رواه إسماعيل من طريق هشيم عن هشام وحجاج الصواف كلاهما عن يحيى، وهو من تدليس الصيغ وصرح أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن هشام أن يحيى كتب إليه أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه، فأمن بذلك تدليس يحيى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا أقيمت‏)‏ أي إذا ذكرت ألفاظ الإقامة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى تروني‏)‏ أي خرجت وصرح به عبد الرزاق وغيره عن معمر عن يحيى أخرجه مسلم، ولابن حبان من طريق عبد الرزاق وحده ‏"‏ حتى تروني خرجت إليكم‏"‏؛ وفيه مع ذلك حذف تقديره فقوموا‏.‏
وقال مالك في الموطأ‏:‏ لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحد محدود، إلا أني أرى ذلك على طاقة الناس، فإن منهم الثقيل والخفيف‏.‏
وذهب الأكثرون إلى أنهم إذا كان الإمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة، وعن أنس أنه كان يقوم إذا قال المؤذن ‏"‏ قد قامت الصلاة ‏"‏ رواه ابن المنذر وغيره، وكذا رواه سعيد بن منصور من طريق أبي إسحاق عن أصحاب عبد الله، وعن سعيد بن المسيب قال ‏"‏ إذا قال المؤذن الله أكبر وجب القيام، وإذا قال حي على الصلاة عدلت الصفوف، وإذا قال لا إله إلا الله كبر الإمام ‏"‏ وعن أبي حنيفة يقومون إذا قال حي على الفلاح، فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام، وأما إذا لم يكن الإمام في المسجد فذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون حتى يروه، وخالف من ذكرنا على التفصيل الذي شرحنا، وحديث الباب حجة عليهم وفيه جواز الإقامة والإمام في منزله إذا كان يسمعها وتقدم إذنه في ذلك‏.‏
قال القرطبي‏:‏ ظاهر الحديث أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته، وهو معارض لحديث جابر بن سمرة ‏"‏ أن بلالا كان لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏
ويجمع بينهما بأن بلالا كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس، ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم‏.‏
قلت‏:‏ ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب ‏"‏ أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن الله أكبر يقومون إلى الصلاة، فلا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف‏"‏؛ وأما حديث أبي هريرة الآتي قريبا بلفظ ‏"‏ أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ولفظه في مستخرج أبي نعيم ‏"‏ فصف الناس صفوفهم ثم خرج علينا ‏"‏ ولفظه عند مسلم ‏"‏ أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى فقام مقامه ‏"‏ الحديث‏.‏
وعنه في رواية أبي داود ‏"‏ إن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يجيء النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فيجمع بينه وبين حديث أبي قتادة بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النهي عن ذلك في حديث أبي قتادة، وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره ولا يرد هذا حديث أنس الآتي أنه قام في مقامه طويلا في حاجة بعض القوم، لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادرا، أو فعله لبيان الجواز‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب لَا يَسْعَى إِلَى الصَّلَاةِ مُسْتَعْجِلًا وَلْيَقُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب لا يقوم إلى الصلاة مستعجلا، وليقم إليها بالسكينة والوقار‏)‏ كذا في رواية الحموي‏.‏
وفي رواية المستملي ‏"‏ باب لا يسعى إلى الصلاة ‏"‏ وسقط من رواية الكشميهني، وجمعا في رواية الباقين بلفظ باب لا يسعى إلى الصلاة ولا يقوم إليها مستعجلا الخ‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يسعى‏)‏ كأنه يشير بذلك إلى رواية ابن سيرين في حديث أبي هريرة عند مسلم ولفظه ‏"‏ إذا ثوب بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم ‏"‏ وفي رواية أبي سلمة عن أبي هريرة عند المصنف في ‏"‏ باب المشي إلى الجمعة ‏"‏ من كتاب الجمعة ‏"‏ إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ‏"‏ وسيأتي وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى ‏(‏فاسعوا إلى ذكر الله‏)‏ هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعليكم بالسكينة‏)‏ كذا في رواية أبي ذر وكريمة‏.‏
وفي رواية الأصيلي وأبي الوقت ‏"‏ وعليكم السكينة ‏"‏ بحذف الباء، وكذا أخرجه أبو عوانة من طرق عن شيبان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه علي بن المبارك‏)‏ أي عن يحيى، ومتابعته وصلها المؤلف في كتاب الجمعة، ولفظه ‏"‏ عليكم السكينة ‏"‏ بغير باء أيضا‏.‏
وقال أبو العباس الطرقي‏:‏ تفرد شيبان وعلي بن المبارك عن يحيى بهذه الزيادة، وتعقب بأن معاوية بن سلام تابعهما عن يحيى، ذكره أبو داود عقب رواية أبان عن يحيى فقال‏:‏ رواه معاوية بن سلام وعلي بن المبارك عن يحيى وقالا فيه ‏"‏ حتى تروني وعليكم السكينة‏"‏‏.‏
قلت‏:‏ وهذه الرواية المعلقة وصلها الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم عن معاوية بن سلام وشيبان جميعا عن يحيى كما قال أبو داود‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 10:19 AM   #260
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب هَلْ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِعِلَّةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يخرج من المسجد لعلة‏)‏ أي لضرورة، وكأنه يشير إلى تخصيص ما رواه مسلم وأبو داود وغيرهما من طريق أبي الشعثاء عن أبي هريرة ‏"‏ أنه رأى رجلا خرج من المسجد بعد أن أذن المؤذن فقال‏:‏ أما هذا فقد عصى أبا القاسم ‏"‏ فإن حديث الباب يدل على أن ذلك مخصوص بمن ليس له ضرورة، فيلحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم، وكذا من يكون إماما لمسجد آخر ومن في معناه‏.‏
وقد أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه فصرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبالتخصيص ولفظه ‏"‏ لا يسمع النداء في مسجد ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ انْصَرَفَ قَالَ عَلَى مَكَانِكُمْ فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً وَقَدْ اغْتَسَلَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏خرج وقد أقيمت الصلاة‏)‏ يحتمل أن يكون المعنى خرج في حال الإقامة، ويحتمل أن تكون الإقامة تقدمت خروجه، وهو ظاهر الرواية التي في الباب الذي بعده، لتعقيب الإقامة بالتسوية، وتعقيب التسوية بخروجه جميعا بالفاء، ويحتمل أن يجمع بين الروايتين بأن الجملتين وقعتا حالا أي خرج والحال أن الصلاة أقيمت والصفوف عدلت‏.‏
وقال الكرماني‏:‏ لفظ ‏"‏ قد ‏"‏ تقرب الماضي من الحال، وكأنه خرج في حال الإقامة وفي حال التعديل، ويحتمل أن يكونوا إنما شرعوا في ذلك بإذن منه أو قرينة تدل عليه‏.‏
قلت‏:‏ وتقدم احتمال أن يكون ذلك سببا للنهي فلا يلزم منه مخالفتهم له، وقد تقدم الجمع بينه وبين حديث أبي قتادة ‏"‏ لا تقوموا حتى تروني قريبا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وعدلت الصفوف‏)‏ أي سويت‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى إذا قام في مصلاه‏)‏ زاد مسلم من طريق يونس عن الزهري ‏"‏ قبل أن يكبر فانصرف ‏"‏ وقد تقدم في ‏"‏ باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب ‏"‏ من أبواب الغسل من وجه آخر عن يونس بلفظ ‏"‏ فلما قام في مصلاه ذكر ‏"‏ ففيه دليل على أنه انصرف قبل أن يدخل في الصلاة، وهو معارض لما رواه أبو داود وابن حبان عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبر ثم أومأ إليهم، ولمالك من طريق عطاء بن يسار مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة من الصلوات ثم أشار بيده أن امكثوا، ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله ‏"‏ كبر ‏"‏ على أراد أن يكبر، أو بأنهما واقعتان، أبداه عياض والقرطبي احتمالا وقال النووي إنه الأظهر، وجزم به ابن حبان كعادته، فإن ثبت وإلا فما في الصحيح أصح، ودعوى ابن بطال أن الشافعي احتج بحديث عطاء على جواز تكبير المأموم قبل تكبير الإمام قال فناقض أصله فاحتج بالمرسل، متعقبه بأن الشافعي لا يرد المراسيل مطلقا، بل يحتج منها بما يعتضد، والأمر هنا كذلك لحديث أبي بكرة الذي ذكرناه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏انتظرنا‏)‏ جملة حالية، و قوله‏:‏ ‏(‏انصرف‏)‏ أي إلى حجرته وهو جواب إذا، و قوله‏:‏ ‏(‏قال‏)‏ استئناف أو حال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على مكانكم‏)‏ أي كونوا على مكانكم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏على هيئتنا‏)‏ بفتح الهاء بعدها ياء تحتانية ساكنة ثم همزة مفتوحة ثم مثناة، والمراد بذلك أنهم امتثلوا أمره في قوله ‏"‏ على مكانكم ‏"‏ فاستمروا على الهيئة - أي الكيفية - التي تركهم عليها، وهي قيامهم فب صفوفهم المعتدلة‏.‏
وفي رواية الكشميهني ‏"‏ على هيئتنا ‏"‏ بكسر الهاء وبعد الياء نون مفتوحة، والهيئة الرفق، ورواية الجماعة أوجه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ينطف‏)‏ بكسر الطاء وضمها أي يقطر كما صرح به في الرواية التي بعد هذه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقد اغتسل‏)‏ زاد الدار قطني من وجه آخر عن أبي هريرة فقال ‏"‏ إني كنت جنبا فنسيت أن اغتسل ‏"‏ وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما مضى في كتاب الغسل جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة لأجل التشريع، وفيه طهارة الماء المستعمل وجواز الفصل بين الإقامة والصلاة، لأن قوله ‏"‏ فصلى ‏"‏ ظاهر في أن الإقامة لم تعد، والظاهر أنه مقيد بالضرورة وبأمن خروج الوقت‏.‏
وعن مالك إذا بعدت الإقامة من الإحرام تعاد، وينبغي أن يحمل على ما إذا لم يكن عذر‏.‏
وفيه أنه لا حياء في أمر الدين، وسبيل من غلب أن يأتي بعذر موهم كأن يمسك بأنفه ليوهم أنه رعف‏.‏
وفيه جواز انتظار المأمومين مجيء الإمام قياما عند الضرورة، وهو غير القيام المنهي عنه في حديث أبي قتادة‏.‏
وأنه لا يجب على من احتلم في المسجد فأراد الخروج منه أن يتيمم كما تقدم في الغسل‏.‏
وجواز الكلام بين الإقامة والصلاة وسيأتي في باب مفرد‏.‏
وجواز تأخير الجنب الغسل عن وقت الحدث‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ وقع في بعض النسخ هنا‏:‏ قيل لأبي عبد الله - أي البخاري - إذا وقع هذا لأحدنا يفعل مثل هذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
قيل‏:‏ فينتظرون الإمام قياما أو قعودا‏؟‏ قال‏:‏ إن كان قبل التكبير فلا بأس أن يقعدوا، وإن كان بعد التكبير انتظروه قياما‏.‏
ووقع في بعضها في آخر الباب الذي بعده‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا قَالَ الْإِمَامُ مَكَانَكُمْ حَتَّى رَجَعَ انْتَظَرُوهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا قال الإمام مكانكم‏)‏ هذا اللفظ في رواية يونس عن الزهري كما مضى في الغسل بلفظ ‏"‏ فقال لنا مكانكم ‏"‏ بحذف حرف الجر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى نرجع‏)‏ بالنون للكشميهني، وبالهمزة للأصيلي، وبالتحتانية للباقين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقَدَّمَ وَهُوَ جُنُبٌ ثُمَّ قَالَ عَلَى مَكَانِكُمْ فَرَجَعَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَصَلَّى بِهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق‏)‏ كذا في جميع الروايات غير منسوب، وجوز ابن طاهر والجياني أنه إسحاق بن منصور، وبه جزم المزي، وكنت أجوز أنه ابن راهويه لثبوته في مسنده عن الفريابي إلى أن رأيت في سياقه له مغايرة‏.‏
ومحمد بن يوسف هو الفريابي وقد أكثر البخاري عنه بغير واسطة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الزهري عن أبي سلمة‏)‏ صرح بالتحديث في الموضعين إسحاق بن راهويه في روايته له عن الفريابي، ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في المستخرج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتقدم وهو جنب‏)‏ أي في نفس الأمر، لا أنهم اطلعوا على ذلك منه قبل أن يعلمهم، وقد تقدم في الغسل في رواية يونس ‏"‏ فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب‏"‏‏.‏
وفي رواية أبي نعيم ‏"‏ ذكر أنه لم يغتسل‏"‏، ومضت فوائده في الباب الذي قبله‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صَلَّيْنَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم ما صلينا‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ فيه رد لقول إبراهيم النخعي‏:‏ يكره أن يقول الرجل لم نصل ويقول نصلي‏.‏
قلت‏:‏ وكراهة النخعي إنما هي في حق منتظر الصلاة، وقد صرح ابن بطال بذلك، ومنتظر الصلاة في صلاة كما ثبت بالنص، فإطلاق المنتظر ‏"‏ ما صلينا ‏"‏ يقتضي نفي ما أثبته الشارع فلذلك كرهه، والإطلاق الذي في حديث الباب إنما كان من ناس لها أو مشتغل عنها بالحرب كما تقدم تقريره في ‏"‏ باب من صلى بالناس جماعة بعد خروج الوقت ‏"‏ في أبواب المواقيت، فافترق حكمهما وتغايرا‏.‏
والذي يظهر لي أن البخاري أراد أن ينبه على أن الكراهة المحكية عن النخعي ليست على إطلاقها لما دل عليه حديث الباب، ولو أراد الرد على النخعي مطلقا لأفصح به كما أفصح بالرد على ابن سيرين في ترجمة ‏"‏ فاتتنا الصلاة‏"‏، ثم إن اللفظ الذي أورده المؤلف وقع النفي فيه من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا من قول الرجل، لكن في بعض طرقه وقوع ذلك من الرجل أيضا، وهو عمر كما أورده في المغازي، وهذه عادة معروفة للمؤلف يترجم ببعض ما وقع في طرق الحديث الذي يسوقه ولو لم يقع في الطريق التي يوردها في تلك الترجمة، ويدخل في هذا ما في الطبراني من حديث جندب في قصة النوم عن الصلاة ‏"‏ فقالوا‏:‏ يا رسول الله سهونا فلم نصل حتى طلعت الشمس ‏"‏ وبقية فوائد الحديث تقدمت في المواقيت‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ تَغْرُبُ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بُطْحَانَ وَأَنَا مَعَهُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى يَعْنِي الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب‏)‏ وذلك بعد ما أفطر الصائم‏.‏
قال الكرماني مستشكلا‏:‏ كيف يكون المجيء بعد الغروب‏؟‏ لأن الصائم إنما يفطر حينئذ مع تصريحه بأنه جاء في اليوم، ثم أجاب بأن المراد بقوله يوم الحندق زمان الخندق، والمراد به بيان التاريخ لا خصوص الوقت ا ه‏.‏
والذي يظهر لي أن الإشارة بقوله ‏"‏ وذلك بعد ما أفطر الصائم ‏"‏ إشارة إلى الوقت الذي خاطب به عمر النبي صلى الله عليه وسلم لا إلى الوقت الذي صلى فيه عمر العصر، فإنه كان قرب الغروب كما تدل عليه ‏"‏ كاد‏"‏‏.‏
وأما إطلاق اليوم وإرادة زمان الوقعة لا خصوص النهار فهو كثير‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 10:22 AM   #261
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الْحَاجَةُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة‏)‏ أي هل يباح له التشاغل بها قبل الدخول في الصلاة أو لا‏؟‏ وتعرض بكسر الراء أي تظهر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي رَجُلًا فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ في رواية لمسلم ‏"‏ سمع أنسا ‏"‏ والإسناد كله بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أقيمت الصلاة‏)‏ أي صلاة العشاء، بينه حماد عن ثابت عن أنس عند مسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يناجي رجلا‏)‏ أي يحادثه، ولم أقف على اسم هذا الرجل، وذكر بعض الشراح أنه كان كبيرا في قومه فأراد أن يتألفه على الإسلام، ولم أقف على مستند ذلك‏.‏
قيل ويحتمل أن يكون ملكا من الملائكة جاء بوحي من الله عز وجل، ولا يخفى بعد هذا الاحتمال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى نام بعض القوم‏)‏ زاد شعبة عن عبد العزيز ‏"‏ ثم قام فصلى ‏"‏ أخرجه مسلم، وهو عند المصنف في الاستئذان‏.‏
ووقع عند إسحاق بن راهويه في مسنده عن ابن علية عن عبد العزيز في هذا الحديث ‏"‏ حتى نعس بعض القوم ‏"‏ وكذا هو عند ابن حبان من وجه آخر عن أنس، وهو يدل على أن النوم المذكور لم يكن مستغرقا، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة في ‏"‏ باب الوضوء من النوم ‏"‏ من كتاب الطهارة، وفي الحديث جواز مناجاة الواحد غيره بحضور الجماعة، وترجم عليه المؤلف في الاستئذان ‏"‏ طول النجوى‏"‏، وفيه جواز الفصل بين الإقامة والإحرام إذا كان لحاجة، أما إذا كان لغير حاجة فهو مكروه، واستدل به للرد على من أطلق من الحنفية أن المؤذن إذا قال قد قامت الصلاة وجب على الإمام التكبير، قال الزين ابن المنير‏:‏ خص المصنف الإمام بالذكر مع أن الحكم عام لأن لفظ الخير يشعر بأن المناجاة كانت لحاجة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله ‏"‏ والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلا ‏"‏ ولو كان لحاجة الرجل لقال أنس‏:‏ ورجل يناجي النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا ليس بلازم، وفيه غفلة منه عما في صحيح مسلم بلفظ‏:‏ أقيمت الصلاة، فقال رجل‏:‏ لي حاجة‏.‏
فقام النبي صلى الله عليه وسلم يناجيه ‏"‏ والذي يظهر لي أن هذا الحكم إنما يتعلق بالإمام، لأن المأموم إذا عرضت له الحاجة لا يتقيد به غيره من المأمومين بخلاف الإمام‏.‏
ولما أن كانت مسألة الكلام بين الإحرام والإقامة تشمل المأموم والإمام أطلق المؤلف الترجمة ولم يقيدها بالإمام فقال‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الْكَلَامِ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الكلام إذا أقيمت الصلاة‏)‏ وأشار بذلك إلى الرد على من كرهه مطلقا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ سَأَلْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ عَنْ الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ مَا تُقَامُ الصَّلَاةُ فَحَدَّثَنِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَعَرَضَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عياش بن الوليد‏)‏ هو الرقام وعبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى السامي بالمهملة، والإسناد كله بصريون أيضا‏.‏
وقول حميد ‏"‏ سألت ثابتا ‏"‏ يشعر بأن الاختلاف في حكم المسألة كان قديما، ثم إنه ظاهر في كونه أخذه عن أنس بواسطة، وقد قال البزار‏:‏ إن عبد الأعلى بن عبد الأعلى تفرد عن حميد بذلك، ورواه عامة أصحاب حميد عنه عن أنس بغير واسطة‏.‏
قلت كذا أخرجه أحمد عن يحيى القطان وجماعة عن حميد، وكذلك أخرجه ابن حبان من طريق هشيم عن حميد، لكن لم أقف في شيء من طرقه على تصريح بسماعه له من أنس وهو مدلس، فالظاهر أن رواية عبد الأعلى هي المتصلة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحبسه‏)‏ أي منعه من الدخول في الصلاة، وزاد هشيم في روايته ‏"‏ حتى نعس بعض القوم ‏"‏ ويدخل في هذا الباب ما سيأتي في الإمامة من طريق زائدة عن حميد قال ‏"‏ حدثنا أنس قال‏:‏ أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه ‏"‏ زاد ابن حبان ‏"‏ قبل أن يكبر فقال‏:‏ أقيموا صفوفكم وتراصوا‏"‏، لكن لما كان هذا يتعلق بمصلحة الصلاة كان الاستدلال بالأول أظهر في جواز الكلام مطلقا، والله أعلم‏.‏
‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب الأذان وما معه من الأحاديث المرفوعة على سبعة وأربعين حديثا‏:‏ المعلق منها ستة أحاديث، المكرر فيه وفيما مضى ثلاثة وعشرون والخالص أربعة وعشرون، ووافقه مسلم على تخريجها سوى أربعة أحاديث‏:‏ حديث أبي سعيد ‏"‏ لا يسمع مدى صوت المؤذن ‏"‏ وحديث معاوية وجابر في القول عند سماع الأذان، وحديث بلال في جعل إصبعيه في أذنيه‏.‏
وفيه من الآثار عن الصحابة ومن بعدهم ثمانية آثار، والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
أَبْوَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْإِمَامَةِ
الشرح‏:‏
‏(‏أبواب صلاة الجماعة والإمامة‏)‏ ولم يفرده البخاري بكتاب فيما رأينا من نسخ كتابه، بل أتبع به كتاب الأذان لتعلقه به، لكن ترجم عليه أبو نعيم في المستخرج ‏"‏ كتاب صلاة الجماعة ‏"‏ فلعلها رواية شيخه أبي أحمد الجرجاني‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 10:23 AM   #262
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
وَقَالَ الْحَسَنُ إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنْ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب وجوب صلاة الجماعة‏)‏ هكذا بت الحكم في هذه المسألة، وكأن ذلك لقوة دليلها عنده، لكن أطلق الوجوب وهو أعم من كونه وجوب عين أو كفاية، إلا أن الأثر الذي ذكره عن الحسن يشعر بكونه يريد أنه وجوب عين، لما عرف من عادته أنه يستعمل الآثار في التراجم لتوضيحها وتكميلها وتعيين أحد الاحتمالات في حديث الباب، وبهذا يجاب من اعترض عليه بأن قول الحسن يستدل له لا به، ولم ينبه أحد من الشراح على من وصل أثر الحسن، وقد وجدته بمعناه وأتم منه وأصرح في كتاب الصيام للحسين ابن الحسن المروزي بإسناد صحيح ‏"‏ عن الحسن في رجل يصوم - يعني تطوعا - فتأمره أمه أن يفطر، قال‏:‏ فليفطر ولا قضاء عليه، وله أجر الصوم وأجر البر‏.‏
قيل‏:‏ فتنهاه أن يصلي العشاء في جماعة، قال‏:‏ ليس ذلك لها، هذه فريضة ‏"‏ وأما حديث الباب فظاهر في كونها فرض عين، لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول ومن معه‏.‏
ويحتمل أن يقال‏:‏ التهديد بالتحريق المذكور يمكن أن يقع في حق تاركي فرض الكفاية كمشروعية قتال تاركي فرض الكفاية، وفيه نظر لأن التحريق الذي قد يفضي إلى القتل أخص من المقاتلة، ولأن المقاتلة إنما تشرع فيما إذا تمالأ الجميع على الترك، وإلى القول بأنها فرض عين ذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وجماعة من محدثي الشافعية كأبي ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان، وبالغ داود ومن تبعه فجعلها شرطا في صحة الصلاة، وأشار ابن دقيق العيد إلى أنه مبني على أن ما وجب في العبادة كان شرطا فيها، فلما كان لهم المذكور دالا على لازمه وهو الحضور، ووجوب الحضور دليلا على لازمه وهو الاشتراط، ثبت الاشتراط بهذه الوسيلة‏.‏
إلا أنه لا يتم إلا بتسليم أن ما وجب في العبادة كان شرطا فيها، وقد قيل إنه الغالب‏.‏
ولما كان الوجوب قد ينفك عن الشرطية قال أحمد‏:‏ إنها واجبة غير شرط‏.‏
انتهى‏.‏
وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية، وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه وقال به كثير من الحنفية والمالكية، والمشهور عند الباقين أنها سنة مؤكدة، وقد أجابوا عن ظاهر حديث الباب بأجوبة‏:‏ منها ما تقدم‏.‏
ومنها وهو ثانيها ونقله إمام الحرمين عن ابن خزيمة، والذي نقله عنه النووي الوجوب حسبما قال ابن بزيزة إن بعضهم استنبط من نفس الحديث عدم الوجوب لكونه صلى الله عليه وسلم هم بالتوجه إلى المتخلفين فلو كانت الجماعة فرض عين ما هم بتركها إذا توجه‏.‏
وتعقب بأن الواجب يجوز تركه لما هو أوجب منه‏.‏
قلت‏:‏ وليس فيه أيضا دليل على أنه لو فعل ذلك لم يتداركها في جماعة آخرين‏.‏
ومنها وهو ثالثها ما قال ابن بطال وغيره‏:‏ لو كانت فرضا لقال حين توعد بالإحراق من تخلف عن الجماعة لم تجزئه صلاته، لأنه وقت البيان‏.‏
وتعقبه ابن دقيق العيد بأن البيان قد يكون بالتنصيص وقد يكون بالدلالة، فلما قال صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لقد هممت الخ ‏"‏ دل على وجوب الحضور وهو كاف في البيان‏.‏
ومنها وهو رابعها ما قال الباجي وغيره إن الخبر ورد مورد الزجر وحقيقته غير مرادة‏.‏
وإنما المراد المبالغة‏.‏
ويرشد إلى ذلك وعيدهم بالعقوبة التي يعاقب بها الكفار، وقد انعقد الإجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك، وأجيب بأن المنع وقع بعد نسخ التعذيب بالنار، وكان قيل ذلك جائزا بدليل حديث أبي هريرة الآتي في الجهاد الدال على جواز التحريق بالنار ثم على نسخه، فحمل التهديد على حقيقته غير ممتنع‏.‏
ومنها وهو خامسها كونه صلى الله عليه وسلم ترك تحريقهم بعد التهديد، فلو كان واجبا ما عفا عنهم، قال القاضي عياض ومن تبعه‏:‏ ليس في الحديث حجة لأنه عليه السلام هم ولم يفعل، زاد النووي‏:‏ ولو كانت فرض عين لما تركهم، وتعقبه ابن دقيق العيد فقال‏:‏ هذا ضعيف لأنه صلى الله عليه وسلم لا يهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله، وأما الترك فلا يدل على عدم الوجوب لاحتمال أن يكونوا انزجروا بذلك وتركوا التخلف الذي ذمهم بسببه، على أنه قد جاء في بعض الطرق بيان سبب الترك وهو فيما رواه أحمد من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ‏:‏ ‏"‏ لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون ‏"‏ الحديث‏.‏
ومنها وهو سادسها أن المراد بالتهديد قوم تركوا الصلاة رأسا لا مجرد الجماعة، وهو متعقب بأن في رواية مسلم‏:‏ ‏"‏ لا يشهدون الصلاة ‏"‏ أي لا يحضرون‏.‏
وفي رواية عجلان عن أبي هريرة عند أحمد ‏"‏ لا يشهدون العشاء في الجميع ‏"‏ أي في الجماعة، وفي حديث أسامة بن زيد عند ابن ماجه مرفوعا ‏"‏ لينتهين رجال عن تركهم الجماعات أو لأحرقن بيوتهم‏"‏‏.‏
ومنها وهو سابعها أن الحديث ورد في الحث على مخالفة فعل أهل النفاق والتحذير من التشبه بهم لا لخصوص ترك الجماعة فلا يتم الدليل، أشار إليه الزين بن المنير، وهو قريب من الوجه الرابع‏.‏
ومنها وهو ثامنها أن الحديث ورد في حق المنافقين، فليس التهديد لترك الجماعة بخصوصه فلا يتم الدليل، وتعقب باستبعاد الاعتناء بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع العلم بأنه لا صلاة لهم، وبأنه كان معرضا عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم وقد قال ‏"‏ لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ‏"‏ وتعقب ابن دقيق العيد هذا التعقيب بأنه لا يتم إلا إذا ادعى أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبا عليه ولا دليل على ذلك، فإذا ثبت أنه كان مخيرا فليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم‏.‏
انتهى‏.‏
والذي يظهر لي أن الحديث ورد في المنافقين لقوله في صدر الحديث الآتي بعد أربعة أبواب ‏"‏ ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر ‏"‏ الحديث، ولقوله ‏"‏ لو يعلم أحدهم الخ ‏"‏ لأن هذا الوصف لائق بالمنافقين لا بالمؤمن الكامل، لكن المراد به نفاق المعصية لا نفاق الكفر بدليل قوله في رواية عجلان ‏"‏ لا يشهدون العشاء في الجميع ‏"‏ وقوله في حديث أسامة ‏"‏ لا يشهدون الجماعة ‏"‏ وأصرح من ذلك قوله في رواية يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عند أبي داود ‏"‏ ثم آتى قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة ‏"‏ فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصية لا كفر، لأن الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة، فإذا خلا في بيته كان كما وصفه الله به من الكفر والاستهزاء، نبه عليه القرطبي‏.‏
وأيضا فقوله في رواية المقبري ‏"‏ لولا ما في البيوت من النساء والذرية ‏"‏ يدل على أنهم لم يكونوا كفارا لأن تحريق بيت الكافر إذا تعين طريقا إلى الغلبة عليه لم يمنع ذلك وجود النساء والذرية في بيته، وعلى تقدير أن يكون المراد بالنفاق في الحديث نفاق الكفر فلا يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلف عنها، قال الطيبي‏:‏ خروج المؤمن من هذا الوعيد ليس من جهة أنهم إذا سمعوا النداء جاز لهم التخلف عن الجماعة، بل من جهة أن التخلف ليس من شأنهم بل هو من صفات المنافقين، ويدل عليه قول ابن مسعود ‏"‏ لقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة إلا منافق ‏"‏ رواه مسلم، انتهى كلامه‏.‏
وروى ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور بإسناد صحيح عن أبي عمير بن أنس حدثني عمومتي من الأنصار قالوا‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ما يشهدهما منافق ‏"‏ يعني العشاء والفجر‏.‏
ولا يقال فهذا يدل على ما ذهب إليه صاحب هذا الوجه لانتفاء أن يكون المؤمن قد يتخلف، وإنما ورد الوعيد في حق من تخلف لأني أقول بل هذا يقوى ما ظهر لي أولا أن المراد بالنفاق نفاق المعصية لا نفاق الكفر، فعلى هذا الذي خرج هو المؤمن الكامل لا العاصي الذي يجوز إطلاق النفاق عليه مجازا لما دل عليه مجموع الأحاديث‏.‏
ومنها وهو تاسعها ما ادعاه بعضهم أن فرضية الجماعة كانت في أول الإسلام لأجل سد باب التخلف عن الصلاة على المنافقين ثم نسخ حكاه عياض، ويمكن أن يتقوى بثبوت نسخ الوعيد المذكور في حقهم وهو التحريق بالنار كما سيأتي واضحا في كتاب الجهاد، وكذا ثبوت نسخ ما يتضمنه التحريق من جواز العقوبة بالمال، ويدل على النسخ الأحاديث الواردة في تفصيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ كما سيأتي بيانه في الباب الذي بعد هذا، لأن الأفضلية تقتضي الاشتراك في أصل الفضل، ومن لازم ذلك الجواز‏.‏
ومنها وهو عاشرها أن المراد بالصلاة الجمعة لا باقي الصلوات، ونصره القرطبي، وتعقب بالأحاديث المصرحة بالعشاء، وفيه بحث لأن الأحاديث اختلفت في تعيين الصلاة التي وقع التهديد بسببها هل هي الجمعة أو العشاء، أو العشاء والفجر معا‏؟‏ فإن لم تكن أحاديث مختلفة ولم يكن بعضها أرجح من بعض وإلا وقف الاستدلال، لأنه لا يتم إلا إن تعين كونها غير الجمعة، أشار إليه ابن دقيق العيد، ثم قال فليتأمل الأحاديث الواردة في ذلك‏.‏
انتهى‏.‏
وقد تأملتها فرأيت التعيين ورد في حديث أبي هريرة وابن أم مكتوم وابن مسعود، أما حديث أبي هريرة فحديث الباب من رواية الأعرج عنه يومي إلى أنها العشاء لقوله في آخره ‏"‏ لشهد العشاء ‏"‏ وفي رواية مسلم ‏"‏ يعني العشاء ‏"‏ ولهما من رواية أبي صالح عنه أيضا الإيماء إلى أنها العشاء والفجر، وعينها السراج في رواية له من هذا الوجه العشاء حيث قال في صدر الحديث ‏"‏ أخر العشاء ليلة فخرج فوجد الناس قليلا فغضب ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
وفي رواية ابن حبان من هذا الوجه ‏"‏ يعني الصلاتين العشاء والغداة ‏"‏ وفي رواية عجلان والمقبري عند أحمد التصريح بتعيين العشاء، ثم سائر الروايات عن أبي هريرة على الإبهام‏.‏
وقد أورده مسلم من طريق وكيع عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عنه فلم يسق لفظه وساقه الترمذي وغيره من هذا الوجه بإبهام الصلاة، وكذلك رواه السراج وغيره عن طرق عن جعفر، وخالفهم معمر عن جعفر فقال ‏"‏ الجمعة ‏"‏ أخرجه عبد الرزاق عنه، والبيهقي طريقه وأشار إلى ضعفها لشذوذها، ويدل على وهمه فيها رواية أبي داود والطبراني في الأوسط من طريق يزيد بن يزيد بن جابر عن يزيد بن الأصم فذكر الحديث، قال يزيد‏:‏ قلت ليزيد بن الأصم‏:‏ يا أبا عوف الجمعة عني أو غيرها‏؟‏ قال‏:‏ صمت أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر جمعة ولا غيرها‏.‏
فظهر أن الراجح في حديث أبي هريرة أنها لا تختص بالجمعة، وأما حديث ابن أم مكتوم فسأذكره قريبا وأنه موافق لأبي هريرة‏.‏
وأما حديث ابن مسعود فأخرجه مسلم وفيه الجزم بالجمعة وهو حديث مستقل لأن مخرجه مغاير لحديث أبي هريرة، ولا يقدح أحدهما في الآخر فيحمل على أنهما واقعتان كما أشار إليه النووي والمحب الطبري، وقد وافق ابن أم مكتوم أبا هريرة على ذكر العشاء، وذلك فيما أخرجه ابن خزيمة وأحمد والحاكم من طريق حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن شداد عن ابن أم مكتوم ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل الناس في صلاة العشاء فقال‏:‏ لقد هممت أني آتي هؤلاء الذين يتخلفون عن الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم‏.‏
فقام ابن أم مكتوم فقال‏:‏ يا رسول الله قد علمت ما بي‏؟‏ وليس لي قائد - زاد أحمد - وأن بيني وبين المسجد شجرا ونخلا ولا أقدر على قائد كل ساعة‏.‏
قال‏:‏ أتسمع الإقامة‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
قال فاحضرها‏.‏
ولم يرخص له ‏"‏ ولابن حبان من حديث جابر قال ‏"‏ أتسمع الأذان‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فأتها ولو حبوا ‏"‏ وقد حمله العلماء على أنه كان لا يشق عليه التصرف بالمشي وحده ككثير من العميان‏.‏
واعتمد ابن خزيمة وغيره حديث ابن أم مكتوم هذا على فرضية الجماعة في الصلوات كلها ورجحوه بحديث الباب وبالأحاديث الدالة على الرخصة في التخلف عن الجماعة، قالوا‏:‏ لأن الرخصة لا تكون إلا عن واجب، وفيه نظر، ووراء ذلك أمر آخر ألزم به ابن دقيق العيد من يتمسك بالظاهر ولا يتقيد بالمعنى، وهو أن الحديث ورد في صلاة معينة فيدل على وجوب الجماعة فيها دون غيرها، وأشار للانفصال عنه بالتمسك بدلالة العموم، لكن نوزع في كون القول بما ذكر أولا ظاهرية محضة صلى الله عليه وسلم فإن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضيه، ولا يستلزم ذلك ترك اتباع المعنى، لأن غير العشاء والفجر مظنة الشغل بالتكسب وغيره، أما العصران فظاهر، وأما المغرب فلأنها في الغالب وقت الرجوع إلى البيت والأكل ولا سيما للصائم مع ضيق وقتها، بخلاف العشاء والفجر فليس للمتخلف عنهما عذر غير الكسل المذموم، وفي المحافظة عليهما في الجماعة أيضا انتظام الألفة بين المتجاورين في طرفي النهار، وليختموا النهار بالاجتماع على الطاعة ويفتتحوه كذلك‏.‏
وقد وقع في رواية عجلان عن أبي هريرة عند أحمد تخصيص التهديد بمن حول المسجد، وسيأتي توجيه كون العشاء والفجر أثقل على المنافقين من غيرهما‏.‏
وقد أطلت في هذا الموضع لارتباط بعض الكلام ببعض، واجتمع من الأجوبة لمن لم يقل بالوجوب عشرة أجوبة لا توجد مجموعة في غير هذا الشرح‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن الأعرج‏)‏ في رواية السراج من طريق شعيب عن أبي الزناد سمع الأعرج‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده‏)‏ هو قسم كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقسم به، والمعنى أن أمر نفوس العباد بيد الله، أي بتقديره وتدبيره صلى الله عليه وسلم‏.‏
وفيه جواز القسم على الأمر الذي لا شك فيه تنبيها على عظم شأنه، وفيه الرد على من كره أن يحلف بالله مطلقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقد هممت‏)‏ اللام جواب القسم، والهم العزم وقيل دونه، وزاد مسلم في أوله ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم فقد ناسا في بعض الصلوات فقال‏:‏ لقد هممت ‏"‏ فأفاد ذكر سبب الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بحطب ليحطب‏)‏ كذا للحموي والمستملي بلام التعليل، وللكشميهني والباقين ‏"‏ فيحطب ‏"‏ بالفاء، وكذا هو في الموطأ ومعنى يحطب يكسر ليسهل اشتعال النار به‏.‏
ويحتمل أن يكون أطلق عليه ذلك قبل أن يتصف به تجوزا بمعنى أنه يتصف به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم أخالف إلى رجال‏)‏ أي آتيهم من خلفهم‏.‏
وقال الجوهري‏:‏ خالف إلى فلان أي أتاه إذا غاب عنه، أو المعنى أخالف الفعل الذي أظهرت من إقامة الصلاة وأتركه وأسير إليهم، أو أخالف ظنهم في أني مشغول بالصلاة عن قصدي إليهم، أو معنى أخالف أتخلف - أي عن الصلاة - إلى قصدي المذكورين، والتقييد بالرجال يخرج النساء والصبيان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأحرق‏)‏ بالتشديد، والمراد به التكثير، يقال حرقه إذا بالغ في تحريقه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عليهم‏)‏ يشعر بأن العقوبة ليست قاصرة على المال، بل المراد تحريق المقصودين، والبيوت تبعا للقاطنين بها‏.‏
وفي رواية مسلم من طريق أبي صالح ‏"‏ فأحرق بيوتا على من فيها‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده‏)‏ فيه إعادة اليمين للمبالغة في التأكيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عرقا‏)‏ بفتح العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف قال الخليل‏:‏ العراق العظم بلا لحم، وإن كان عليه لحم فهو عرق، وفي الحكم عن الأصمعي‏:‏ العرق بسكون الراء قطعة لحم‏.‏
وقال الأزهري‏:‏ العرق واحد العراق وهي العظام التي يؤخذ منها هبر اللحم، ويبقى عليها لحم رقيق فيكسر ويطبخ ويؤكل ما على العظام من لحم دقيق ويتشمس العظام، يقال عرقت اللحم واعترقته وتعرقته إذا أخذت اللحم منه نهشا، وفي المحكم‏:‏ جمع العرق على عراق بالضم عزيز، وقول الأصمعي هو اللائق هنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو مرماتين‏)‏ تثنية مرماة بكسر الميم وحكى الفتح، قال الخليل‏:‏ هي ما بين ظلفي الشاة، وحكاه أبو عبيد وقال‏:‏ لا أدري ما وجهه‏.‏
ونقله المستملي في روايته في كتاب الأحكام عن الفربري قال‏:‏ قال يونس عن محمد بن سليمان عن البخاري‏:‏ المرماة بكسر الميم مثل مسناة وميضاة ما بين ظلفي الشاة من اللحم، قال عياض فالميم على هذا أصلية‏.‏
وقال الأخفش‏:‏ المرماة لعبة كانوا يلعبونها بنصال محدودة يرمونها في كوم من تراب، فأيهم أثبتها في الكوم غلب، وهي المرماة والمدحاة‏.‏
قلت‏:‏ ويبعد أن تكون هذه مراد الحديث لأجل التثنية، وحكى الحربي عن الأصمعي أن المرماة سهم الهدف، قال‏:‏ ويؤيده ما حدثني‏.‏
‏.‏
ثم ساق من طريق أبي رافع عن أبي هريرة نحو الحديث بلفظ ‏"‏ لو أن أحدهم إذا شهد الصلاة معي كان له عظم من شاة سمينة أو سهمان لفعل ‏"‏ وقيل المرماة سهم يتعلم عليه الرمي، وهو سهم دقيق مستو غير محدد، قال الزين ابن المنير‏:‏ ويدل على ذلك التثنية، فإنها مشعرة بتكرار الرمي بخلاف السهام المحددة الحربية فإنها لا يتكرر رميها وقال الزمخشري‏:‏ تفسير المرماة بالسهم ليس بوجيه، ويدفعه ذكر العرق معه‏.‏
ووجهه ابن الأثير بأنه لما ذكر العظم السمين وكان مما يؤكل أتبعه بالسهمين لأنهما مما يلهي به‏.‏
انتهى‏.‏
وإنما وصف العرق بالسمن والمرماة بالحسن ليكون ثم باعث نفساني على تحصيلهما‏.‏
وفيه الإشارة إلى ذم المتخلفين عن الصلاة بوصفهم بالحرص على الشيء الحقير من مطعوم أو ملعوب به، مع التفريط فيما يحصل رفيع الدرجات ومنازل الكرامة‏.‏
وفي الحديث من الفوائد أيضا تقديم الوعيد والتهديد على العقوبة، وسره أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزجر اكتفى به عن الأعلى من العقوبة، نبه عليه ابن دقيق العيد، وفيه جواز العقوبة بالمال‏.‏
كذا استدل به كثير من القائلين بذلك من المالكية وغيرهم، وفيه نظر لما أسلفناه، ولاحتمال أن التحريق من باب ما لا يتم الواجب إلا به، إذ الظاهر أن الباعث على ذلك أنهم كانوا يختفون في بيوتهم فلا يتوصل إلى عقوبتهم إلا بتحريقها عليهم‏.‏
وفيه جواز أخذ أهل الجرائم على غرة لأنه صلى الله عليه وسلم هم بذلك في الوقت الذي عهد منه فيه الاشتغال بالصلاة بالجماعة، فأراد أن يبغتهم في الوقت الذي يتحققون أنه لا يطرقهم فيه أحد‏.‏
وفي السياق إشعار بأنه تقدم منه زجرهم عن التخلف بالقول حتى استحقوا التهديد بالفعل، وترجم عليه البخاري في كتاب الأشخاص وفي كتاب الأحكام ‏"‏ باب إخراج أهل المعاصي والريب من البيوت بعد المعرفة ‏"‏ يريد أن من طلب منهم بحق فاختفى أو امتنع في بيته لددا ومطلا أخرج منه بكل طريق يتوصل إليه بها، كما أراد صلى الله عليه وسلم إخراج المتخلفين عن الصلاة بإلقاء النار عليهم في بيوتهم‏.‏
واستدل به ابن العربي وغيره على مشروعية قتل تارك الصلاة متهاونا بها، ونوزع في ذلك‏.‏
ورواية أبي داود التي فيها أنهم كانوا يصلون في بيوتهم كما قدمناه تعكر عليه‏.‏
نعم يمكن الاستدلال منه بوجه آخر وهو أنهم إذا استحقوا التحريق بترك صفة من صفات الصلاة خارجة عنها سواء قلنا واجبة أو مندوبة كان من تركها أصلا رأسا أحق بذلك، لكن لا يلزم من التهديد بالتحريق حصول القتل لا دائما ولا غالبا، لأنه يمكن الفرار منه أو الإخماد له بعد حصول المقصود منه من الزجر والإرهاب‏.‏
وفي قوله في رواية أبي داود ‏"‏ ليست بهم علة ‏"‏ دلالة على أن الأعذار تبيح التخلف عن الجماعة ولو قلنا إنها فرض، وكذا الجمعة‏.‏
وفيه الرخصة للإمام أو نائبه في ترك الجماعة لأجل إخراج من يستخفي في بيته ويتركها، ولا بعد في أن تلحق بذلك الجمعة، فقد ذكروا من الأعذار في التخلف عنها خوف فوات الغريم وأصحاب الجرائم في حق الإمام كالغرماء‏.‏
واستدل به على جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل إذا كان في ذلك مصلحة، قال ابن بزيزة‏:‏ وفيه نظر لأن الفاضل في هذه الصورة يكون غائبا، وهذا لا يختلف في جوازه، واستدل به ابن العربي على جواز إعدام محل المعصية كما هو مذهب مالك، وتعقب بأنه منسوخ صلى الله عليه وسلم كما قيل في العقوبة بالمال، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 10:25 AM   #263
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
وَكَانَ الْأَسْوَدُ إِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ ذَهَبَ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَجَاءَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل صلاة الجماعة‏)‏ أشار الزين بن المنير إلى أن ظاهر هذه الترجمة ينافي الترجمة التي قبلها، ثم أطال في الجواب عن ذلك، ويكفي منه أن كون الشيء واجبا لا ينافي كونه ذا فضيلة، ولكن‏.‏
الفضائل تتفاوت، فالمراد منها بيان زيادة ثواب الجماعة على صلاة الفذ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان الأسود‏)‏ أي ابن يزيد النخعي أحد كبار التابعين، وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ولفظه ‏"‏ إذا فاتته الجماعة في مسجد قومه‏"‏‏.‏
ومناسبته للترجمة أنه لولا ثبوت فضيلة الجماعة عنده لما ترك فضيلة أول الوقت والمبادرة إلى خلاص الذمة وتوجه إلى مسجد آخر، كذا أشار إليه ابن المنير، والذي يظهر لي أن البخاري قصد الإشارة بأثر الأسود وأنس إلى أن الفضل الوارد في أحاديث الباب مقصور على من جمع في المسجد دون من جمع في بيته مثلا كما سيأتي البحث فيه في الكلام على حديث أبي هريرة، لأن التجميع لو لم يكن مختصا بالمسجد لجمع الأسود في مكانه ولم ينتقل إلى مسجد آخر لطلب الجماعة ولما جاء أنس إلى مسجد بني رفاعة كما سنبينه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وجاء أنس‏)‏ وصله أبو يعلى في مسنده من طريق الجعد أبي عثمان قال‏:‏ ‏"‏ مر بنا أنس، بن مالك في مسجد بني ثعلبة ‏"‏ فذكر نحوه قال‏:‏ وذلك في صلاة الصبح، وفيه ‏"‏ فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى بأصحابه ‏"‏ وأخرجه ابن أبي شيبة من طرق عن الجعد، وعند البيهقي من طريق أبي عبد الصمد العمي عن الجعد نحوه وقال ‏"‏ مسجد بني رفاعة ‏"‏ وقال ‏"‏ فجاء أنس في نحو عشرين من فتيانه ‏"‏ وهو يؤيد ما قلناه من إرادة التجميع في المسجد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ‏)‏ بالمعجمة أي المنفرد، يقال فذ الرجل من أصحابه إذا بقي منفردا وحده‏.‏
وقد رواه مسلم من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع وسياقه أوضح ولفظه ‏"‏ صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاته وحده‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بسبع وعشرين درجة‏)‏ قال الترمذي عامة من رواه قالوا خمسا وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال سبعا وعشرين‏.‏
قلت‏:‏ لم يختلف عليه في ذلك إلا ما وقع عند عبد الرزاق عن عبد الله العمري عن نافع فقال فيه خمس وعشرون لكن العمري ضعيف، ووقع عند أبي عوانة في مستخرجه من طريق أبي أسامة عن عبيد الله ابن عمر عن نافع فإنه قال فيه بخمس وعشرين وهي شاذة مخالفة لرواية الحفاظ من أصحاب عبيد الله وأصحاب نافع وإن كان راويها ثقة‏.‏
وأما ما وقع عند مسلم من رواية الضحاك بن عثمان عن نافع بلفظ بضع وعشرين فليست مغايرة لرواية الحفاظ لصدق البضع على السبع، وأما غير ابن عمر فصح عن أبي سعيد وأبي هريرة كما في هذا الباب، وعن ابن مسعود عند أحمد وابن خزيمة، وعن أبي بن كعب عند ابن ماجه والحاكم، وعن عائشة وأنس عند السراج، وورد أيضا من طرق ضعيفة عن معاذ وصهيب وعبد الله بن زيد وزيد بن ثابت وكلها عند الطبراني، واتفق الجميع على سبع وعشرون سوى رواية أبي فقال أربع أو خمس على الشك، وسوى رواية لأبي هريرة عند أحمد قال فيها سبع وعشرون وفي إسنادها شريك القاضي وفي حفظه ضعف‏.‏
وفي رواية لأبي عوانة بضعا وعشرين وليست مغايرة أيضا لصدق البضع على الخمس، فرجعت الروايات كلها إلى الخمس والسبع إذ لا أثر للشك، واختلف في أيهما أرجح فقيل رواية الخمس لكثرة رواتها، وقيل رواية السبع لأن فيها زيادة من عدل حافظ، ووقع الاختلاف في موضع آخر من الحديث وهو مميز العدد المذكور، ففي الروايات كلها التعبير بقوله ‏"‏ درجة ‏"‏ أو حذف المميز، إلا طرق حديث أبي هريرة ففي بعضها ‏"‏ ضعفا ‏"‏ وفي بعضها ‏"‏ جزءا ‏"‏ وفي بعضها ‏"‏ درجة ‏"‏ وفي بعضها ‏"‏ صلاة ‏"‏ ووقع هذا الأخير في بعض طرق حديث أنس، والظاهر أن ذلك من تصرف الرواة، ويحتمل أن يكون ذلك من التفنن في العبارة‏.‏
وأما قول ابن الأثير‏:‏ إنما قال درجة ولم يقل جزءا ولا نصيبا ولا حظا ولا نحو ذلك لأنه أراد الثواب من جهة العلو والارتفاع فإن ذلك فوق هذه بكذا وكذا درجة لأن الدرجات إلى جهة فوق، فكأنه بناه على أن الأصل لفظ درجة وما عدا ذلك من تصرف الرواة، لكن نفيه ورود ‏"‏ الجزء ‏"‏ مردود، فإنه ثابت، وكذلك الضعف، وقد جمع بين روايتي الخمس والسبع بوجوه‏:‏ منها أن ذكر القليل لا ينفي الكثير، وهذا قول من لا يعتبر مفهوم العدد، لكن قد قال به جماعة من أصحاب الشافعي وحكى عن نصه، وعلى هذا فقيل وهو الوجه الثاني‏:‏ لعله صلى الله عليه وسلم أخبر بالخمس، ثم أعلمه الله بزيادة الفضل فأخبر بالسبع، وتعقب بأنه يحتاج إلى التاريخ، وبأن دخول النسخ في الفضائل مختلف فيه، لكن إذا فرعنا على المنع تعين تقدم الخمس على السبع من جهة أن الفضل من الله يقبل الزيادة لا النقص‏.‏
ثالثها أن اختلاف العددين باختلاف مميزهما، وعلى هذا فقيل‏:‏ الدرجة أصغر من الجزء، وتعقب بأن الذي روى عنه الجزء روى عند الدرجة‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ الجزء في الدنيا والدرجة في الآخرة، وهو مبني على التغاير‏.‏
رابعها الفرق بقرب المسجد وبعده‏.‏
خامسها الفرق بحال المصلي كأن يكون أعلم أو أخشع‏.‏
سادسها الفرق بإيقاعها في المسجد أو في غيره‏.‏
سابعها الفرق بالمنتظر للصلاة وغيره‏.‏
ثامنها الفرق بإدراك كلها أو بعضها‏.‏
تاسعها الفرق بكثرة الجماعة وقلتهم‏.‏
عاشرها السبع مختصة بالفجر والعشاء وقيل بالفجر والعصر والخمس بما عدا ذلك‏.‏
حادي عشرها السبع مختصة بالجهرية والخمس بالسرية، وهذا الوجه عندي أوجهها لما سأبينه‏.‏
ثم إن الحكمة في هذا العدد الخاص غير محققة المعنى‏.‏
ونقل الطيبي عن التوربشتي ما حاصله‏:‏ إن ذلك لا يدرك بالرأي، بل مرجعه إلى علم النبوة التي قصرت علوم الألباء عن إدراك حقيقتها كلها، ثم قال‏:‏ ولعل الفائدة هي اجتماع المسلمين مصطفين كصفوف الملائكة، والاقتداء بالإمام، وإظهار شعائر الإسلام وغير ذلك‏.‏
وكأنه يشير إلى ما قدمته عن غيره وغفل عن مراد من زعم أن هذا الذي ذكره لا يفيد المطلوب، لكن أشار الكرماني إلى احتمال أن يكون أصله كون المكتوبات خمسا فأريد المبالغة في تكثيرها فضربت في مثلها فصارت خمسا وعشرين‏.‏
ثم ذكر للسبع مناسبة أيضا من جهة عدد ركعات الفرائض ورواتبها‏.‏
وقال غيره‏:‏ الحسنة بعشر للمصلي منفردا فإذا انضم إليه آخر بلغت عشرين ثم زيد بقدر عدد الصلوات الخمس، أو يزاد عدد أيام الأسبوع، ولا يخفى فساد هذا‏.‏
وقيل‏:‏ الأعداد عشرات ومئين وألوف وخير الأمور الوسط فاعتبرت المائة والعدد المذكور ربعها، وهذا أشد فسادا من الذي قبله‏.‏
وقرأت بخط شيخنا البلقيني فيما كتب على العمدة‏:‏ ظهر لي في هذين العددين شيء لم أسبق إليه، لأن لفظ ابن عمر ‏"‏ صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ ‏"‏ ومعناه الصلاة في الجماعة كما وقع في حديث أبي هريرة ‏"‏ صلاة الرجل في الجماعة ‏"‏ وعلى هذا فكل واحد من المحكوم له بذلك صلى في جماعة، وأدني الأعداد التي يتحقق فيها ذلك ثلاثة حتى يكون كل واحد صلى في جماعة وكل واحد منهم أتى بحسنة وهي بعشرة فيحصل من مجموعه ثلاثون فاقتصر في الحديث على الفضل الزائد وهو سبعة وعشرون دون الثلاثة التي هي أصل ذلك‏.‏
انتهى‏.‏
وظهر لي في الجمع بين العددين أن أقل الجماعة إمام ومأموم، فلولا الإمام ما سمى المأموم وكذا عكسه، فإذا تفضل الله على من صلى جماعة بزيادة خمس وعشرين درجة حمل الخبر الوارد بلفظها على الفضل الزائد، والخبر الوارد بلفظ سبع وعشرين على الأصل والفضل‏.‏
وقد خاض قوم في تعيين الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة، قال ابن الجوزي‏:‏ وما جاءوا بطائل‏.‏
وقال المحب الطبري‏:‏ ذكر بعضهم أن في حديث أبي هريرة - يعني ثالث أحاديث الباب - إشارة إلى بعض ذلك، ويضاف إليه أمور أخرى وردت في ذلك، وقد فصلها ابن بطال وتبعه جماعة من الشارحين، وتعقب الزين ابن المنير بعض ما ذكره واختار تفصيلا آخر أورده، وقد نقحت ما وقفت عليه من ذلك وحذفت ما لا يختص بصلاة الجماعة‏:‏ فأولها إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة، والتبكير إليها في أول الوقت، والمشي إلى المسجد بالسكينة، ودخول المسجد داعيا، وصلاة التحية عند دخوله كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة، سادسها انتظار الجماعة، سابعها صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له، ثامنها شهادتهم له، تاسعها إجابة الإقامة، عاشرها السلامة من الشيطان حين يفر عند الإقامة، حادي عاشرها الوقوف منتظرا إحرام الإمام أو الدخول معه في أي هيئة وحده عليها، ثاني عشرها إدراك تكبيرة الإحرام كذلك، ثالث عشرها تسوية الصفوف وسد فرجها، رابع عشرها جواب الإمام عند قوله سمع الله لمن حمده، خامس عشرها الأمن من السهو غالبا وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح أو الفتح عليه، سادس عشرها حصول الخشوع والسلامة عما يلهي غالبا، سابع عشرها تحسين الهيئة غالبا، ثامن عشرها احتفاف الملائكة به، تاسع عشرها التدرب على تجويد القراءة وتعلم الأركان والأبعاض، العشرون إظهار شعائر الإسلام، الحادي والعشرون إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل، الثاني والعشرون السلامة من صفة النفاق ومن إساءة غيره الظن بأنه ترك الصلاة رأسا، الثالث والعشرون رد السلام على الإمام، الرابع والعشرون الانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر وعود بركة الكامل على الناقص، الخامس والعشرون قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات‏.‏
فهذه خمس وعشرون خصلة ورد في كل منها أمر أو ترغيب يخصه، وبقي منها أمران يختصان بالجهرية وهما الإنصات عند قراءة الإمام والاستماع لها والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة، وبهذا يترجح أن السبع تختص بالجهرية صلى الله عليه وسلم والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيهات‏)‏ ‏:‏ ‏(‏الأول‏)‏ مقتضى الخصال التي ذكرتها اختصاص التضعيف بالتجمع في المسجد وهو الراجح في نظري كما سيأتي البحث فيه، وعلى تقدير أن لا يختص بالمسجد فإنما ذكرته ثلاثة أشياء وهي المشي والدخول والتحية، فيمكن أن تعوض من بعض ما ذكر مما يشتمل على خصلتين متقاربتين أقيمتا مقام خصلة واحدة كالأخيرتين لأن منفعة الاجتماع على الدعاء والذكر غير منفعة عود بركة الكامل على الناقص، وكذا فائدة قيام نظام الألفة غير فائدة حصول التعاهد، وكذا فائدة أمن المأمومين من السهو غالبا غير تنبيه الإمام إذا سها‏.‏
فهذه ثلاثة يمكن أن يعوض بها الثلاثة المذكورة فيحصل المطلوب‏.‏
‏(‏الثاني‏)‏ لا يرد على الخصال التي ذكرتها كون بعض الخصال يختص ببعض من صلى جماعة دون بعض كالتبكير في أول الوقت وانتظار الجماعة وانتظار إحرام الإمام ونحو ذلك، لأن أجر ذلك يحصل لقاصده بمجرد النية ولو لم يقع كما سبق، والله أعلم‏.‏
‏(‏الثالث‏)‏ معنى الدرجة أو الجزء حصول مقدار صلاة المنفرد بالعدد المذكور للمجمع، وقد أشار ابن دقيق العيد إلى أن بعضهم زعم خلاف ذلك قال‏:‏ والأول أظهر، لأنه قد ورد مبينا في بعض الروايات‏.‏
انتهى‏.‏
وكأنه يشير إلى ما عند مسلم في بعض طرقه بلفظ ‏"‏ صلاة الجماعة تعدل خمسا وعشرين من صلاة الفذ ‏"‏ وفي أخرى ‏"‏ صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده ‏"‏ ولأحمد من حديث ابن مسعود بإسناد رجاله ثقات نحوه وقال في آخره ‏"‏ كلها مثل صلاته ‏"‏ وهو مقتضى لفظ رواية أبي هريرة الآتية حيث قال ‏"‏ تضعف ‏"‏ لأن الضعف كما قال الأزهري المثل إلى ما زاد ليس بمقصور على المثلين تقول هذا ضعف الشيء أي مثله أو مثلاه فصاعدا لكن لا يزاد على العشرة‏.‏
وظاهر قوله ‏"‏ تضعف ‏"‏ وكذا قوله في روايتي ابن عمر وأبي سعيد ‏"‏ تفضل ‏"‏ أي تزيد، وقوله في رواية أبي هريرة السابقة في ‏"‏ باب مساجد السوق ‏"‏ يريد أن صلاة الجماعة تساوي صلاة المنفرد وتزيد عليها العدد المذكور فيكون لمصلي الجماعة ثواب ست أو ثمان وعشرين من صلاة المنفرد‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن خباب‏)‏ بمعجمة وموحدتين الأولى مثقلة، وهو أنصاري مدني، ويوافقه في اسمه واسم أبيه عبد الله بن خباب بن الأرت، لكن ليست له في الصحيحين رواية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بخمس وعشرين‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ خمسا وعشرين ‏"‏ زاد ابن حبان وأبو داود من وجه آخر عن أبي سعيد ‏"‏ فإن صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة ‏"‏ وكأن السر في ذلك أن الجماعة لا تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة، بل حكى النووي أنه لا يجري فيه الخلاف في وجوبها صلى الله عليه وسلم لكن فيه نظر فإنه خلاف نص الشافعي، وحكى أبو داود عن عبد الواحد قال‏:‏ في هذا الحديث أن صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة‏.‏
انتهى‏.‏
وكأنه أخذه من إطلاق قوله ‏"‏ فإن صلاها ‏"‏ لتناوله الجماعة والانفراد، لكن حمله على الجماعة أولى، وهو الذي يظهر من السياق، ويلزم على ما قال النووي أن ثواب المندوب يزيد على ثواب الواجب عند من يقول بوجوب الجماعة، وقد استشكله القرافي على أصل الحديث بناء على القول بأنها سنة، ثم أورد عليه أن الثواب المذكور مرتب على صلاة الفرض وصفته من صلاة الجماعة، فلا يلزم منه زيادة ثواب المندوب على الواجب‏.‏
وأجاب بأنه تفرض المسألة فيمن صلى وحده ثم أعاد في جماعة فإن ثواب الفرض يحصل له بصلاته وحده، والتضعيف يحصل بصلاته في الجماعة، فبقي الإشكال على حاله، وفيه نظر لأن التضعيف لم يحصل بسبب الإعادة وإنما حصل بسبب الجماعة، إذ لو أعاد منفردا لم يحصل له إلا صلاة واحدة فلا يلزم منه زيادة ثواب المندوب على الواجب‏.‏
ومما ورد من الزيادة على العدد المذكور ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عكرمة عن ابن عباس موقوفا عليه قال ‏"‏ فضل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد خمس وعشرون درجة‏.‏
قال‏:‏ فإن كانوا أكثر من ذلك فعلى عدد من في المسجد‏.‏
فقال رجل‏:‏ وإن كانوا عشرة آلاف‏؟‏ قال نعم ‏"‏ وهذا له حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي، لكنه غير ثابت‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ سقط حديث أبي سعيد من هذا الباب في رواية كريمة وثبت للباقين، وأورده الإسماعيلي قبل حديث عمر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ
الشرح‏:‏
قوله في حديث أبي هريرة ‏(‏صلاة الرجل في الجماعة‏)‏ في رواية الحموي والكشميهني ‏"‏ في جماعة ‏"‏ بالتنكير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏خمسة وعشرين ضعفا‏)‏ كذا في الروايات التي وقفنا عليها، وحكى الكرماني وغيره أن فيه خمسا وعشرين درجة، بتأويل الضعف بالدرجة أو الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في بيته وفي سوقه‏)‏ مقتضاه أن الصلاة في المسجد جماعة تزيد على الصلاة في البيت وفي السوق جماعة وفرادى قاله ابن دقيق العيد، قال‏:‏ والذي يظهر أن المراد بمقابل الجماعة في المسجد الصلاة في غيره منفردا، لكنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا، قال‏:‏ وبهذا يرتفع الإشكاك عمن استشكل تسوية الصلاة في البيت والسوق‏.‏
انتهى‏.‏
ولا يلزم من حمل الحديث على ظاهره التسوية المذكورة، إذ لا يلزم من استوائهما في المفضولية عن المسجد أن لا يكون أحدهما أفضل من الآخر، وكذا لا يلزم منه أن كون الصلاة جماعة في البيت أو السوق لا فضل فيها على الصلاة منفردا، بل الظاهر أن التضعيف المذكور مختص بالجماعة في المسجد، والصلاة في البيت مطلقا أولى منها في السوق لما ورد من كون الأسواق موضع الشياطين، والصلاة جماعة في البيت وفي السوق أولى من الانفراد‏.‏
وقد جاء عن بعض الصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع، وفي المسجد العام مع تقرير الفضل في غيره‏.‏
وروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أوس المعافري أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص‏:‏ أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته‏؟‏ قال‏:‏ حسن جميل‏.‏
قال‏:‏ فإن صلى في مسجد عشيرته‏؟‏ قال‏:‏ خمس عشرة صلاة‏.‏
قال‏:‏ فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلى فيه‏؟‏ قال‏:‏ خمس وعشرون‏.‏
انتهى‏.‏
وأخرج حميد بن زنجويه في ‏"‏ كتاب الترغيب ‏"‏ نحوه من حديث واثلة، وخص الخمس والعشرون بمسجد القبائل‏.‏
قال‏:‏ وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه - أي الجمعة - بخمسمائة، وسنده ضعيف‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وذلك أنه إذا توضأ‏)‏ ظاهر في أن الأمور المذكورة علة للتضعيف المذكور، إذ التقدير‏:‏ وذلك لأنه، فكأنه يقول‏:‏ التضعيف المذكور سببه كيت وكيت، وإذا كان كذلك فما رتب على موضوعات متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على إلغاء ما ليس معتبرا أو ليس مقصودا لذاته‏.‏
وهذه الزيادة التي في حديث أبي هريرة معقولة المعنى، فالأخذ بها متوجه، والروايات المطلقة لا تنافيها بل يحمل مطلقها على هذه المقيدة، والذين قالوا بوجوب الجماعة على الكفاية ذهب كثير منهم إلى أن الحرج لا يسقط بإقامة الجماعة في البيوت، وكذا روى عن أحمد في فرض العين، ووجهوه بأن أصل المشروعية إنما كان في جماعة المساجد، وهو وصف معتبر لا ينبغي إلغاؤه فيختص به المسجد، ويلحق به ما في معناه مما يحصل به إظهار الشعار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يخرجه إلا الصلاة‏)‏ أي قصد الصلاة في جماعة، واللام فيها للعهد لما بيناه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لم يخط‏)‏ بفتح أوله وضم الطاء‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏خطوة‏)‏ ضبطناه بضم أوله ويحوز الفتح، قال الجوهري‏:‏ الخطوة بالضم ما بين القدمين، وبالفتح المرة الواحدة وجزم اليعمري أنها هنا بالفتح‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ إنها في روايات مسلم بالضم، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا صلى‏)‏ قال ابن أبي جمرة‏:‏ أي صلى صلاة تامة، لأنه صلى الله عليه وسلم قال للمسيء صلاته ‏"‏ رجع فصل، فإنك لم تصل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في مصلاه‏)‏ أي في المكان الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد، وكأنه خرج مخرج الغالب، وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد مستمرا على نية انتظار الصلاة كان كذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اللهم ارحمه‏)‏ أي قائلين ذلك، زاد ابن ماجه ‏"‏ اللهم تب عليه ‏"‏ وفي الطريق الماضية في باب مسجد السوق ‏"‏ اللهم اغفر له ‏"‏ واستدل به على أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال لما ذكر من صلاة الملائكة عليه ودعائهم له بالرحمة والمغفرة والتوبة، وعلى تفضيل صالحي الناس على الملائكة لأنهم يكونون في تحصيل الدرجات بعبادتهم والملائكة مشغولون بالاستغفار والدعاء لهم‏.‏
واستدل بأحاديث الباب على أن الجماعة ليست شرطا لصحة الصلاة لأن قوله ‏"‏ على صلاته وحده ‏"‏ يقتضي صحة صلاته منفردا لاقتضاء صيغة أفعل الاشتراك في أصل التفاضل، فإن ذلك يقتضي وجود فضيلة في صلاة المنفرد، وما لا يصح لا فضيلة فيه‏.‏
قال القرطبي وغيره‏:‏ ولا يقال إن لفظة أفعل قد ترد لإثبات صفة الفضل في إحدى الجهتين كقوله تعالى ‏(‏أحسن مقيلا‏)‏ لأنا نقول إنما يقع ذلك على قلة حيث ترد صيغة أفعل مطلقة غير مقيدة بعدد معين، فإذا قلنا هذا العدد أزيد من هذا بكذا فلا بد من وجود أصل العدد، ولا يقال يحمل المنفرد على المعذور لأن قوله ‏"‏ صلاة الفذ ‏"‏ صيغة عموم فيشمل من صلى منفردا بعذر وبغير عذر، فحمله على المعذور يحتاج إلى دليل‏.‏
وأيضا ففضل الجماعة حاصل للمعذور لما سيأتي في هذا الكتاب من حديث أبي موسى مرفوعا ‏"‏ إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما‏"‏‏.‏
وأشار ابن عبد البر إلى أن بعضهم حمله على صلاة النافلة، ثم رده بحديث ‏"‏ أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ‏"‏ واستدل بها على تساوي الجماعات في الفضل سواء كثرت الجماعة أم قلت، لأن الحديث دل على فضيلة الجماعة على المنفرد بغير واسطة فيدخل فيه كل جماعة، كذا قال بعض المالكية، وقواه بما روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح إبراهيم النخعي قال‏:‏ إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة لهم التضعيف خمسا وعشرين‏.‏
انتهى‏.‏
وهو مسلم في أصل الحصول، لكنه لا ينفي مزيد الفضل لما كان أكثر، لا سيما مع وجود النص المصرح به وهو ما رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث أبي بن كعب مرفوعا ‏"‏ صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله‏"‏، وله شاهد قوي في الطبراني من حديث قباث بن أشيم وهو بفتح القاف والموحدة وبعد الألف مثلثة، وأبوه بالمعجمة بعدها تحتانية بوزن أحمر، ويترتب على الخلاف المذكور أن من قال بالتفاوت استحب إعادة الجماعة مطلقا لتحصيل الأكثرية، ولم يستحب ذلك الآخرون، ومنهم من فصل فقال‏:‏ تعاد مع الأعلم أو الأورع أو في البقعة الفاضلة، ووافق مالك على الأخير لكن قصره على المساجد الثلاثة، والمشهور عنه بالمسجدين المكي والمدني‏.‏
وكما أن الجماعة تتفاوت في الفضل بالقلة والكثرة وغير ذلك مما ذكر كذلك يفوق بعضها بعضا، ولذلك عقب المصنف الترجمة المطلقة في فضل الجماعة بالترجمة المقيدة بصلاة الفجر، واستدل بها على أن أقل الجماعة إمام ومأموم، وسيأتي الكلام عليه في باب مفرد قريبا إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-31-2013, 10:26 AM   #264
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب فَضْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي جَمَاعَةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل صلاة الفجر في جماعة‏)‏ هذه الترجمة أخص من التي قبلها، ومناسبة حديث أبي هريرة لها من قوله ‏"‏ وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر ‏"‏ فإنه يدل على مزية لصلاة الفجر على غيرها‏.‏
وزعم ابن بطال أن في قوله ‏"‏ وتجتمع ‏"‏ إشارة إلى أن الدرجتين الزائدتين على خمس وعشرين تؤخذ من ذلك، ولهذا عقبه برواية ابن عمر التي فيها بسبع وعشرين، وقد تقدم الكلام على الاجتماع المذكور في ‏"‏ باب فضل صلاة العصر ‏"‏ من المواقيت‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تَفْضُلُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا قَالَ شُعَيْبٌ وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ تَفْضُلُهَا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بخمس وعشرين جزءا‏)‏ كذا في النسخ التي وقفت عليها، ونقل الزركشي في نكته أنه وقع في الصحيحين ‏"‏ خمس ‏"‏ بحذف الموحدة من أوله والهاء من آخره، قال‏:‏ وخفض خمس على تقدير الباء كقول الشاعر أشارت كليب بالأكف الأصابع أي إلى كليب‏.‏
وأما حذف الهاء فعلى تأويل الجزء بالدرجة‏.‏
انتهى‏.‏
وقد أورده المؤلف في التفسير من طريق معمر عن الزهري بلفظ ‏"‏ فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال شعيب وحدثني نافع‏)‏ أي بالحديث مرفوعا نحوه، إلا أنه قال ‏"‏ بسبع وعشرين درجة، وهو موافق لرواية مالك وغيره عن نافع كما تقدم، وطريق شعيب هذه موصولة، وجوز الكرماني أن تكون معلقة وهو بعيد، بل هي معطوفة على الإسناد الأول، والتقدير حدثنا أبو اليمان قال شعيب‏:‏ ونظائر هذا في الكتاب كثيرة، ولكن لم أر طريق شعيب هذه إلا عند المصنف، ولم يستخرجها الإسماعيلي ولا أبو نعيم ولا أوردها الطبراني في مسند الشاميين في ترجمة شعيب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ سَالِمًا قَالَ سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُولُ دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَهُوَ مُغْضَبٌ فَقُلْتُ مَا أَغْضَبَكَ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت سالما‏)‏ هو ابن أبي الجعد، وأم الدرداء هي الصغرى التابعية لا الكبرى الصحابية لأن الكبرى ماتت في حياة أبي الدرداء وعاشت الصغرى بعده زمانا طويلا‏.‏
وقد جزم أبو حاتم بأن سالم بن أبي الجعد لم يدرك أبا الدرداء، فعلى هذا لم يدرك أم الدرداء الكبرى‏.‏
وفسرها الكرماني هنا بصفات الكبرى وهو خطأ لقول سالم ‏"‏ سمعت أم الدرداء ‏"‏ وقد تقدم في المقدمة أن اسم الصغرى هجيمة والكبرى خيرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من أمة محمد‏)‏ كذا في رواية أبي ذر وكريمة، وللباقين ‏"‏ من محمد ‏"‏ بحذف المضاف، وعليه شرح ابن بطال ومن تبعه فقال‏:‏ يريد من شريعة محمد شيئا لم يتغير عما كان عليه إلا الصلاة في جماعة، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه‏.‏
انتهى‏.‏
ووقع في رواية أبي الوقت ‏"‏ من أمر محمد ‏"‏ بفتح الهمزة وسكون الميم بعدها راء، وكذا ساقه الحميدي في جمعه، وكذا هو في مسند أحمد ومستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم من طرق عن الأعمش، وعندهم ‏"‏ ما أعرف فيهم ‏"‏ أي في أهل البلد الذي كان فيه، وكأن لفظ ‏"‏ فيهم ‏"‏ لما حذف من رواية البخاري صحف بعض النقلة ‏"‏ أمر ‏"‏ بأمة ليعود الضمير في أنهم على الأمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصلون جميعا‏)‏ أي مجتمعين، وحذف المفعول وتقديره الصلاة أو الصلوات، ومراد أبي الدرداء أن أعمال المذكورين حصل في جميعها النقص والتغيير إلا التجميع في الصلاة، وهو أمر نسبي لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتم مما صار إليه بعدها، ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما وكأن ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر عمره وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان، فيا ليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان‏؟‏ وفي هذا الحديث جواز الغضب عند تغير شيء من أمور الدين، وإنكار المنكر بإظهار الغضب إذا لم يستطع أكثر منه، والقسم على الخبر لتأكيده في نفس السامع‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أبعدهم فأبعدهم ممشى‏)‏ أي إلى المسجد، وسيأتي الكلام على ذلك بعد باب واحد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مع الإمام‏)‏ زاد مسلم ‏"‏ في جماعة ‏"‏ وبين أنها رواية أنها كريب - وهو محمد بن العلاء - الذي أخرجه البخاري عنه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من الذي يصلي ثم ينام‏)‏ أي سواء صلى وحده أو في جماعة، ويستفاد منه أن الجماعة تتفاوت كما تقدم‏.‏
‏(‏تكميل‏)‏ ‏:‏ استشكل إيراد حديث أبي موسى في هذا الباب، لأنه ليس فيه لصلاة الفجر ذكر، بل آخره يشعر بأنه في العشاء‏.‏
ووجهه ابن المنير وغيره بأنه دل على أن السبب في زيادة الأجر وجود المشقة بالمشي إلى الصلاة، وإذا كان كذلك فالمشي إلى صلاة الفجر في جماعة أشق من غيرها، لأنها وإن شاركتها العشاء في المشي في الظلمة فإنها تزيد عليها بمفارقة النوم المشتهي طبعا، ولم أر أحدا من الشراح نبه على مناسبة حديث أبي الدرداء للترجمة إلا الزين بن المنير فإنه قال‏:‏ تدخل صلاة الفجر في قوله ‏"‏ يصلون جميعا ‏"‏ وهي أخص بذلك من باقي الصلوات‏.‏
وذكر ابن رشيد نحوه وزاد أن استشهاد أبي هريرة في الحديث الأول بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إن قرآن الفجر كان مشهودا‏)‏ يشير إلى أن الاهتمام بها آكد‏.‏
وأقول‏:‏ تفنن المصنف بإيراد الأحاديث الثلاثة في الباب إذ تؤخذ المناسبة من حديث أبي هريرة بطريق الخصوص، ومن حديث أبي الدرداء بطريق العموم، ومن حديث أبي موسى بطريق الاستنباط‏.‏
ويمكن أن يقال‏:‏ لفظ الترجمة يحتمل أن يراد به فضل الفجر على غيرها من الصلوات، وأن يراد به ثبوت الفضل لها في الجملة، فحديث أبي هريرة شاهد للأول، وحديث أبي الدرداء شاهد للثاني، وحديث أبي موسى شاهد لهما، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2013, 11:49 AM   #265
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل التهجير إلى الظهر‏)‏ كذا للأكثر وعليه شرح ابن التين وغيره، وفي بعضها ‏"‏ إلى الصلاة ‏"‏ وعليه شرح ابن بطال‏.‏
وقد تقدم الكلام عليه في ‏"‏ باب الاستهام في الأذان‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ثُمَّ قَالَ الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِيقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالَ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏بينما رجل‏)‏ في هذا المتن ثلاثة أحاديث‏:‏ قصة الذي نحي غصن الشوك، والشهداء، والترغيب في النداء وغيره مما ذكر‏.‏
والمقصود منه ذكر التهجير، وقد تقدم الحديث الثالث مفردا في ‏"‏ باب الاستهام ‏"‏ عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ويأتي الثاني في الجهاد عنه أيضا، والأول في المظالم كذلك وتكلمنا على شرحه هناك، وكان قتيبة حدث به عن مالك هكذا مجموعا فلم يتصرف فيه المصنف كعادته في الاختصار، وتكلف الزين بن المنير إبداء مناسبة للأول من جهة أنه دال على أن الطاعة وإن قلت فلا ينبغي أن تترك، واعترف بعدم مناسبة الثاني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأخذه‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فأخره‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فشكر الله له‏)‏ أي رضى بفعله وقبل منه، وفيه فضل إماطة الأذى عن الطريق، وقد تقدم في كتاب الإيمان أنها أدنى شعب الإيمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الشهداء خمس‏)‏ كذا لأبي ذر عن الحموي، وللباقين ‏"‏ خمسة ‏"‏ وهو الأصل في المذكر، وجاز الأول لأن المميز غير مذكور، وسيأتي الكلام على مباحثه في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب احْتِسَابِ الْآثَارِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب احتساب الآثار‏)‏ أي إلى الصلاة، وكأنه لم يقيدها لتشمل كل مشي إلى كل طاعة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بَنِي سَلِمَةَ أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ قَالَ خُطَاهُمْ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ حَدَّثَنِي أَنَسٌ أَنَّ بَنِي سَلِمَةَ أَرَادُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ مَنَازِلِهِمْ فَيَنْزِلُوا قَرِيبًا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْرُوا الْمَدِينَةَ فَقَالَ أَلَا تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ قَالَ مُجَاهِدٌ خُطَاهُمْ آثَارُهُمْ أَنْ يُمْشَى فِي الْأَرْضِ بِأَرْجُلِهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الوهاب‏)‏ هو الثقفي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يا بني سلمة‏)‏ بكسر اللام وهم بطن كبير من الأنصار ثم من الخزرج، وقد غفل القزاز وتبعه الجوهري حيث قال‏:‏ ليس في العرب سلمة بكسر اللام غير هذا القبيل، فإن الأئمة الذين صنفوا في المؤتلف والمختلف ذكروا عددا من الأسماء كذلك، لكن يحتمل أن يكون أراد بقيد القبيلة أو البطن فله بعض اتجاه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ألا تحتسبون‏)‏ كذا في النسخ التي وقفنا عليها بإثبات النون، وشرحه الكرماني بحذفها، ووجهه بأن النحاة أجازوا ذلك - يعني تخفيفا - قال‏:‏ والمعنى ألا تعدون خطاكم عند مشيكم إلى المسجد‏؟‏ فإن لكل خطوة ثوابا ا ه‏.‏
والاحتساب وإن كان أصله العد لكنه يستعمل غالبا في معنى طلب تحصيل الثواب بنية خالصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وحدثنا ابن أبي مريم‏)‏ كذا لأبي ذر وحده‏.‏
وفي رواية الباقين ‏"‏ وقال ابن أبي مريم ‏"‏ وذكره صاحب الأطراف بلفظ ‏"‏ وزاد ابن أبي مريم ‏"‏ وقال أبو نعيم في المستخرج ذكره البخاري بلا رواية يعني معلقا، وهذا هو الصواب، وله نظائر في الكتاب في رواية يحيى بن أيوب لأنه ليس على شرطه في الأصول‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ كذا لأبي ذر وحده أيضا وللباقين ‏"‏ حدثنا أنس ‏"‏ وكذا ذكره أبو نعيم أيضا، وكذا سمعناه في الأول من فوائد المخلص من طريق أحمد بن منصور عن ابن أبي مريم ولفظه ‏"‏ سمعت أنسا‏"‏، وهذا هو السر في إيراد طريق يحيى بن أيوب عقب طريق عبد الوهاب ليبين الأمن من تدليس حميد، وقد تقدم نظيره في ‏"‏ باب وقت العشاء ‏"‏ وقد أخرجه في الحج من طريق مروان القزارى عن حميد وساق المتن كاملا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فينزلوا قريبا‏)‏ يعني لأن ديارهم كانت بعيدة من المسجد، وقد صرح بذلك في رواية مسلم من طريق أبي الزبير قال ‏"‏ سمعت جابر رسول الله يقول‏:‏ كانت ديارنا بعيدة من المسجد، فأردنا أن نبتاع بيوتا فنقرب من المسجد، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ إن لكم بكل خطوة درجة ‏"‏ وللسراج من طريق أبي نضرة عن جابر‏:‏ أرادوا أن يقربوا من أحل الصلاة‏.‏
ولابن مردويه من طريق أخرى عن أبي نضرة عنه قال ‏"‏ كانت منازلنا بسلع ‏"‏ ولا يعارض هذا ما سيأتي في الاستسقاء من حديث أنس ‏"‏ وما بيننا وبين سلع من دار ‏"‏ لاحتمال أن تكون ديارهم كانت من وراء سلع، وبين سلع والمسجد قدر ميل‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2013, 11:50 AM   #266
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب فَضْلِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل صلاة العشاء في الجماعة‏)‏ أورد فيه الحديث الدال على فضل العشاء والفجر، فيحتمل أن يكون مراد الترجمة إثبات فضل العشاء في الجملة أو إثبات أفضليتها على غيرها، والظاهر الثاني، ووجهه أن صلاة الفجر ثبتت أفضليتها كما تقدم، وسوى في هذا بينها وبين العشاء، ومساوى الأفضل يكون أفضل جزما‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ليس أثقل‏)‏ كذا للأكثر بحذف الاسم، وبينه الكشميهني في رواية أبي ذر وكريمة عنه فقال ‏"‏ ليس صلاة أثقل ‏"‏ ودل هذا على أن الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين، ومنه قوله تعالى ‏(‏ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى‏)‏ وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما لقوة الداعي إلى تركهما، لأن العشاء وقت السكون والراحة والصبح وقت لذة النوم‏.‏
وقيل وجهه كون المؤمنين يفوزون بما ترتب عليهما من الفضل لقيامهم بحقهما دون المنافقين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولو يعلمون ما فيهما‏)‏ أي من مزيد الفضل ‏(‏لأتوهما‏)‏ أي الصلاتين، والمراد لأتوا إلى المحل الذي يصليان فيه جماعة وهو المسجد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولو حبوا‏)‏ أي يزحفون إذا منعهم مانع من المشي كما يزحف الصغير، ولابن أبي شيبة من حديث أبي الدرداء ‏"‏ ولو حبوا على المرافق والركب ‏"‏ وقد تقدم الكلام على باقي الحديث في ‏"‏ باب وجوب صلاة الجماعة‏"‏‏.‏
قوله في آخره ‏(‏على من لا يخرج إلى الصلاة بعد‏)‏ كذا للأكثر بلفظ ‏"‏ بعد ‏"‏ ضد قبل، وهي مبنية على الضم، ومعناه بعد أن يسمع النداء إليها أو بعد أن يبلغه التهديد المذكور، وللكشميهني بدلها ‏"‏ يقدر ‏"‏ أي لا يخرج وهو يقدر على المجيء، ويؤيده ما قدمناه من رواية لأبي داود ‏"‏ وليست بهم علة ‏"‏ ووقع عند الداودي للشارح هنا ‏"‏ لا لعذر ‏"‏ وهي أوضح من غيرها لكن لم نقف عليها في شيء من الروايات عند غيره‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2013, 11:51 AM   #267
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب اثنان فما فوقهما جماعة‏)‏ هذه الترجمة لفظ حديث ورد من طرق ضعيفة، منها في ابن ماجه من حديث أبي موسى الأشعري وفي معجم البغوي من حديث الحكم بن عمير وفي أفراد الدار قطني من حديث عبد الله بن عمرو وفي البيهقي من حديث أنس وفي الأوسط للطبراني من حديث أبي أمامة وعند أحمد من حديث أبي أمامة أيضا ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وحده فقال‏:‏ ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه‏؟‏ فقام رجل فصلى معه، فقال‏:‏ هذان جماعه ‏"‏ والقصة المذكورة دون قوله ‏"‏ هذان جماعة ‏"‏ أخرجها أبو داود والترمذي من وجه آخر صحيح‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا حضرت الصلاة‏)‏ تقدم من هذا الوجه في ‏"‏ باب الأذان للمسافر ‏"‏ وأوله ‏"‏ أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر فقال لهما ‏"‏ فذكره‏.‏
وقد اعترض على الترجمة بأنه ليس في حديث مالك ابن الحويرث تسمية صلاة الاثنين جماعة، والجواب أن ذلك مأخوذ بالاستنباط من لازم الأمر بالإمامة، لأنه لو استوت صلاتهما معا مع صلاتهما منفردين لاكتفى بأمرهما بالصلاة كأن يقول‏:‏ أذنا وأقيما وصليا‏.‏
واعترض أيضا على أصل الاستدلال بهذا الحديث بأن مالك بن الحويرث كان مع جماعة من أصحابه، فلعل الاقتصار عل التثنية من تصرف الرواة‏.‏
والجواب أنهما قضيتان كما تقدم، واستدل به على أن أقل الجماعة إمام ومأموم أعم من أن يكون المأموم رجلا أو صبيا أو امرأة‏.‏
وتكلم ابن بطال هنا على مسألة أقل الجمع والاختلاف فيها، ورده الزين بن المنير بأنه لا يلزم من قوله ‏"‏ الاثنان جماعة ‏"‏ أن يكون أقل الجمع اثنين وهو واضح‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة‏)‏ أي ليصليها جماعة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏تصلي على أحدكم‏)‏ أي تستغفر له، قيل عبر بتصلي ليتناسب الجزاء والعمل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما دام في مصلاه‏)‏ أي ينتظر الصلاة كما صرح به في الطهارة من وجه آخر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يزال أحدكم الخ‏)‏ هذا القدر أفرده مالك في الموطأ عما قبله، وأكثر الرواة ضموه إلى الأول فجعلوه حديثا واحدا، ولا حجر في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في صلاة‏)‏ أي في ثواب صلاة لا في حكمها، لأنه يحل له الكلام وغيره مما منع في الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما دامت‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ما كانت ‏"‏ وهو عكس ما مضى في الطهارة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لا يمنعه‏)‏ يقتضي أنه إذا صرف نيته عن ذلك صارف آخر انقطع عنه الثواب المذكور، وكذلك إذا شارك نية الانتظار أمر آخر، وهل يحصل ذلك لمن نيته إيقاع الصلاة في المسجد ولو لم يكن فيه‏؟‏ الظاهر خلافه، لأنه رتب الثواب المذكور على المجموع من النية وشغل البقعة بالعبادة، لكن للمذكور ثواب يخصه، ولعل هذا هو السر في إيراد المصنف الحديث الذي يليه وفيه ‏"‏ ورجل قلبه معلق في المساجد ‏"‏ وقد تقدم الكلام في الطهارة على معنى قوله ‏"‏ ما لم يحدث ‏"‏ وفيه زيادة على ما هنا، وأن المراد بالحدث حدث الفرج، لكن يؤخذ منه أن اجتناب حدث اليد واللسان من باب الأولى، لأن الأذى منهما يكون أشد، أشار إلى ذلك ابن بطال‏.‏
وقد تقدم الكلام على باقي فوائده في ‏"‏ باب فضل صلاة الجماعة ‏"‏ ويؤخذ من قوله ‏"‏ في مصلاه الذي صلى فيه ‏"‏ أن ذلك مقيد بمن صلى ثم انتظر صلاة أخرى، وبتقييد الصلاة الأولى بكونها مجزئه، أما لو كان فيها نقص فإنها تجبر بالنافلة كما ثبت في الخبر الآخر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اللهم اغفر له، اللهم ارحمه‏)‏ هو مطابق لقوله تعالى ‏(‏والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض‏)‏ ، قيل‏:‏ السر فيه أنهم يطلعون على أفعال بني آدم وما فيها من المعصية والخلل في الطاعة فيقتصرون على الاستغفار لهم من ذلك، لأن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، ولو فرض أن فيهم من تحفظ من ذلك فإنه يعوض من المغفرة بما يقابلها من الثواب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري، وخبيب بضم المعجمة وهو خال عبيد الله الراوي عنه، وحفص بن عاصم هو ابن عمر بن الخطاب وهو جد عبيد الله المذكور لأبيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ لم تختلف الرواة عن عبيد الله في ذلك، ورواه مالك في الموطأ عن خبيب فقال ‏"‏ عن أبي سعيد وأبي هريرة ‏"‏ على الشك، ورواه أبو قرة عن مالك بواو العطف فجعله عنهما، وتابعه مصعب الزبيري، وشذا في ذلك عن أصحاب مالك، والظاهر أن عبيد الله حفظه لكونه لم يشك فيه ولكونه من رواية خاله وجده، والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سبعة‏)‏ ظاهره اختصاص المذكورين بالثواب المذكور، ووجهه الكرماني بما محصله أن الطاعة إما أن تكون بين العبد وبين الرب أو بينه وبين الخلق، فالأول باللسان وهو الذكر، أو بالقلب وهو المعلق بالمسجد، أو بالبدن وهو الناشئ في العبادة‏.‏
والثاني عام وهو العادل، أو خاص بالقلب وهو التحاب، أو بالمال وهو الصدقة، أو بالبدن وهو العفة‏.‏
وقد نظم السبعة العلامة أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل فيما أنشدناه أبو إسحاق التنوخي إذنا عن أبي الهدى أحمد بن أبي شامة عن أبيه سماعا من لفظه قال‏:‏ وقال النبي المصطفى إن سبعة يظلهم الله الكريم بظله محب عفيف ناشئ متصدق وباك مصل والإمام بعدله ووقع في صحيح مسلم من حديث أبي اليسر مرفوعا ‏"‏ من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ‏"‏ وهاتان الخصلتان غير السبعة الماضية فدل على أن العدل المذكور لا مفهوم له‏.‏
وقد ألقيت هذه المسألة على العالم شمس الدين بن عطاء الرازي المعروف بالهروي لما قدم القاهرة وادعى أنه يحفظ صحيح مسلم، فسألته بحضرة الملك المؤيد عن هذا وعن غيره فما استحضر في ذلك شيئا، ثم تتبعت بعد ذلك الأحاديث الواردة في مثل ذلك فزادت على عشر خصال، وقد انتقيت منها سبعة وردت بأسانيد جياد ونظمتها في بيتين تذييلا على بيتي أبي شامة وهما‏:‏ وزد سبعة‏:‏ إظلال غاز وعونه وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله وإرفاد ذي غرم وعون مكاتب وتاجر صدق في المقال وفعله فأما إظلال الغازي فرواه ابن حبان وغيره من حديث عمر، وأما عون المجاهد فرواه أحمد والحاكم من حديث سهم بن حنيف، وأما إنظار المعسر والوضيعة عنه ففي صحيح مسلم كما ذكرنا، وأما إرفاد الغارم وعون المكاتب فرواهما أحمد والحاكم من حديث سهل بن حنيف المذكور، وأما التاجر الصدوق فرواه البغوي في شرح السنة من حديث سلمان وأبو القاسم التيمي من حديث أنس، والله أعلم‏.‏
ونظمته مرة أخرى فقلت في السبعة الثانية‏:‏ وتحسين خلق مع إعانة غارم خفيف يد حتى مكاتب أهله وحديث تحسين الخلق أخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف، ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى ونظمتها في بيتين آخرين وهما‏:‏ وزد سبعة‏:‏ حزن ومشى لمسجد وكره وضوء ثم مطعم فضله وآخذ حق باذل ثم كافل وتاجر صدق في المقال وفعله ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى، ولكن أحاديثها ضعيفة وقلت في آخر البيت‏:‏ ‏"‏ تربع به السبعات من فيض فضله‏"‏‏.‏
وقد أوردت الجميع في ‏"‏ الأمالي‏"‏، وقد أفردته في جزء سميته ‏"‏ معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في ظله‏)‏ قال عياض‏:‏ إضافة الظل إلى الله إضافة ملك، وكل ظل فهو ملكه‏.‏
كذا قال، وكان حقه أن يقول إضافة تشريف، ليحصل امتياز هذا على غيره، كما قيل للكعبة بيت الله مع أن المساجد كلها ملكه‏.‏
وقيل المراد بظله كرامته وحمايته كما يقال فلان في ظل الملك، وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض، وقيل المراد ظل عرشه، ويدل عليه حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن ‏"‏ سبعة يظلهم الله في ظل عرشه ‏"‏ فذكر الحديث، وإذا كان المراد ظل العرش استلزم ما ذكر من كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس فهو أرجح، وبه جزم القرطبي، ويؤيده أيضا تقييد ذلك بيوم القيامة كما صرح به‏.‏
ابن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر وهو عند المصنف في كتاب الحدود، وبهذا يندفع قول من قال‏:‏ المراد ظل طوبى أو ظل الجنة لأن ظلهما إنما يحصل ثم بعد الاستقرار في الجنة‏.‏
ثم إن ذلك مشترك لجميع من يدخلها، والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة، فيرجح أن المراد ظل العرش، وروى الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد مرفوعا ‏"‏ أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسا إمام عادل‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏الإمام العادل‏)‏ اسم فاعل من العدل، وذكر ابن عبد البر أن بعض الرواة عن مالك رواه بلفظ ‏"‏ العدل ‏"‏ قال وهو أبلغ لأنه جعل المسمى نفسه عدلا، والمراد به صاحب الولاية العظمى، ويلتحق به كل من ولى شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه، ويؤيده رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه ‏"‏ أن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ‏"‏ وأحسن ما فسر به العادل أنه الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط، وقدمه في الذكر لعموم النفع به‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وشاب‏)‏ خص الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى؛ فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في عبادة ربه‏)‏ في رواية الإمام أحمد عن يحيى القطان ‏"‏ بعبادة الله ‏"‏ وهي رواية مسلم، وهما بمعنى، زاد حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر ‏"‏ حتى توفى على ذلك ‏"‏ أخرجه الجوزقي‏.‏
وفي حديث سلمان ‏"‏ أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏معلق في المساجد‏)‏ هكذا في الصحيحين، وظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل مثلا إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجا عنه، ويدل عليه رواية الجوزقي ‏"‏ كأنما قلبه معلق في المسجد ‏"‏ ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب، ويدل عليه رواية أحمد ‏"‏ معلق بالمساجد ‏"‏ وكذا رواية سلمان ‏"‏ من حبها ‏"‏ وزاد الحموي والمستملى ‏"‏ متعلق ‏"‏ بزيادة مثناة بعد الميم وكسر اللام، زاد سلمان ‏"‏ من حبها ‏"‏ وزاد مالك ‏"‏ إذا خرج منه حتى يعود إليه‏"‏‏.‏
وهذه الخصلة هي المقصودة من هذا الحديث للترجمة، ومناسبتها للركن الثاني من الترجمة وهو فضل المساجد ظاهرة، وللأول من جهة ما دل عليه من الملازمة للمسجد واستمرار الكون فيه بالقلب وإن عرض للجسد عارض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تحابا‏)‏ بتشديد الباء وأصله تحابيا أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الآخر حقيقة لا إظهارا فقط، ووقع في رواية حماد بن زيد ‏"‏ ورجلان قال كل منهما للآخر إني أحبك في الله فصدرا على ذلك ‏"‏ ونحوه في حديث سلمان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ اجتمعا عليه ‏"‏ وهي رواية مسلم أي على الحب المذكور، والمراد أنهما داما على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوي سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق بينهما الموت‏.‏
ووقع في الجمع للحميدي ‏"‏ اجتمعا على خير ‏"‏ ولم أر ذلك في شيء من نسخ الصحيحين ولا غيرهما من المستخرجات وهي عندي تحريف‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ عدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان لأن المحبة لا تتم إلا باثنين، أو لما كان المتحابان بمعنى واحد كان عد أحدهما مغنيا عن عد الآخر، لأن الغرض عد الخصال لا عد جميع من اتصف بها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ورجل طلبته ذات منصب‏)‏ بين المحذوف أحمد في روايته عن يحيى القطان فقال ‏"‏ دعته امرأة ‏"‏ وكذا في رواية كريمة، ولمسلم وهو للمصنف في الحدود عن ابن المبارك، والمراد بالمنصب الأصل أو الشرف‏.‏
وفي رواية ومالك ‏"‏ دعته ذات حسب ‏"‏ وهو يطلق على الأصل وعلى المال أيضا، وقد وصفها بأكمل الأوصاف التي جرت العادة بمزيد الرغبة لمن تحصل فيه وهو المنصب الذي يستلزمه الجاه والمال مع الجمال وقل من يجتمع ذلك فيها من النساء، زاد ابن المبارك ‏"‏ إلى نفسها ‏"‏ وللبيهقي في الشعب من طريق أبي صالح عن أبي هريرة ‏"‏ فعرضت نفسها عليه ‏"‏ والظاهر أنها دعته إلى الفاحشة وبه جزم القرطبي ولم يحك غيره‏.‏
وقال بعضهم يحتمل أن تكون دعته إلى التزوج بها فخاف أن يشتغل عن العبادة بالافتتان بها، أو خاف أن لا يقوم بحقها لشغله بالعبادة عن التكسب بما يليق بها، والأول أظهر، ويؤيده وجود الكناية في قوله ‏"‏ إلى نفسها ‏"‏ ولو كان المراد التزويج لصرح به، والصبر عن الموصوفة بما ذكر من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسر تحصيلها لا سيما وقد أغنت من مشاق التوصل إليها بمراودة ونحوها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال إني أخاف الله‏)‏ زاد في رواية كريمة ‏"‏ رب العالمين ‏"‏ والظاهر أنه يقول ذلك بلسانه إما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها، ويحتمل أن يقوله بقلبه، قال عياض قال القرطبي‏:‏ إنما يصدر ذلك عن شدة خوف من الله تعالى ومتين تقوى وحياء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تصدق أخفى‏)‏ بلفظ الماضي‏.‏
قال الكرماني هو جملة حالية بتقدير قد، ووقع في رواية أحمد ‏"‏ تصدق فأخفى ‏"‏ وكذا للمصنف في الزكاة عن مسدد عن يحيى ‏"‏ تصدق بصدقة فأخفاها ‏"‏ ومثله لمالك في الموطأ، فالظاهر أن راوي الأولى حذف العاطف، ووقع في رواية الأصيلي ‏"‏ تصدق إخفاء ‏"‏ بكسر الهمزة ممدودا على أنه مصدر أو نعت لمصدر محذوف، ويحتمل أن يكون حالا من الفاعل أي مخفيا، وقوله ‏"‏بصدقة ‏"‏ نكرها ليشمل كل ما يتصدق به من قليل وكثير، وظاهره أيضا يشمل المندوبة والمفروضة، لكن نقل النووي عن العلماء أن إظهار المفروضة أولى من إخفائها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى لا تعلم‏)‏ بضم الميم وفتحها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏شماله ما تنفق يمينه‏)‏ هكذا وقع في معظم الروايات في هذا الحديث في البخاري وغيره، ووقع في صحيح مسلم مقلوبا ‏"‏ حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ‏"‏ وهو نوع من أنواع علوم الحديث أغفله ابن الصلاح وإن كان أفرد نوع المقلوب لكنه قصره على ما يقع في الإسناد، ونبه عليه شيخنا في محاسن الاصطلاح ومثل له بحديث ‏"‏ إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل ‏"‏ وقد قدمنا الكلام عليه في كتاب الأذان‏.‏
وقال شيخنا‏:‏ ينبغي أن يسمى هذا النوع المعكوس‏.‏
انتهى‏.‏
والأولى تسميته مقلوبا فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن كما قالوه في المدرج سواء، وقد سماه بعض من تقدم مقلوبا، قال عياض‏:‏ هكذا في جميع النسخ التي وصلت إلينا من صحيح مسلم وهو مقلوب أو الصواب الأول وهو وجه الكلام لأن السنة المعهودة في الصدقة إعطاؤها باليمين، وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة ‏"‏ باب الصدقة باليمين ‏"‏ قال‏:‏ ويشبه أن يكون الوهم فيه ممن دون مسلم بدليل قوله في رواية مالك لما أوردها عقب رواية عبيد الله بن عمر فقال بمثل حديث عبيد الله فلو كانت بينهما مخالفة لبينها كما نبه على الزيادة في قوله ‏"‏ ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
وليس الوهم فيه ممن دون مسلم ولا منه بل هو من شيخه أو من شيخ شيخه يحيى القطان، فإن مسلما أخرجه عن زهير بن حرب وابن نمير كلاهما عن يحيى وأشعر سياقه بأن اللفظ لزهير، وكذا أخرجه أبو يعلى في مسنده عن زهير، وأخرجه الجوزقي في مستخرجه عن أبي حامد بن الشرقي عن عبد الرحمن ابن بشر بن الحكم عن يحيى القطان كذلك، وعقبه بأن قال‏:‏ سمعت أبا حامد بن الشرقي يقول يحيى القطان عندنا واهم في هذا، إنما هو ‏"‏ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ‏"‏ قلت‏:‏ والجزم بكون يحيى هو الواهم فيه نظر، لأن الإمام أحمد قد رواه عنه على الصواب، وكذلك أخرجه البخاري هنا عن محمد بن بشار وفي الزكاة عن مسدد، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق يعقوب الدورقي وحفص بن عمر وكلهم عن يحيى، وكأن أبا حامد لما رأى عبد الرحمن قد تابع زهيرا ترجح عنده أن الوهم من يحيى، وهو محتمل بأن يكون منه لما حدث به هذين خاصة، مع احتمال أن يكون الوهم منهما تواردا عليه‏.‏
وقد تكلف بعض المتأخرين توجيه هذه الرواية المقلوبة، وليس بجيد لأن المخرج متحد ولم يختلف فيه على عبيد الله بن عمر شيخ يحيى فيه ولا على شيخه خبيب ولا على مالك رفيق عبيد الله بن عمر فيه‏.‏
وأما استدلال عياض على أن الوهم فيه ممن دون مسلم بقوله في رواية مالك مثل عبيد الله فقد عكسه غيره فواخذ مسلما بقوله مثل عبيد الله لكونهما ليستا متساويتين، والذي يظهر أن مسلما لا يقصر لفظ المثل على المساوي في جميع اللفظ والترتيب، بل هو في المعظم إذا تساويا في المعنى، والمعنى المقصود من هذا الموضع إنما هو إخفاء الصدقة والله أعلم، ولم نجد هذا الحديث من وجه من الوجوه إلا عن أبي هريرة، إلا ما وقع عند مالك من التردد هل هو عنه أو عن أبي سعيد كما قدمناه قبل، ولم نجده عن أبي هريرة إلا من رواية حفص، ولا عن حفص إلا من رواية خبيب‏.‏
نعم أخرجه البيهقي في الشعب من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة والراوي له عن سهيل عبد الله بن عامر الأسلمي وهو ضعيف لكنه ليس بمتروك، وحديثه حسن في المتابعات، ووافق في قوله ‏"‏ تصدق بيمينه ‏"‏ وكذا أخرجه سعيد بن منصور من حديث سلمان الفارسي بإسناد حسن موقوفا عليه لكن حكمه الرفع‏.‏
وفي مسند أحمد من حديث أنس بإسناد حسن مرفوعا ‏"‏ إن الملائكة قالت‏:‏ يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال‏؟‏ قال‏:‏ نعم الحديد‏.‏
قالت‏:‏ فهل أشد من الحديد‏؟‏ قال‏:‏ نعم النار‏.‏
قالت‏:‏ فهل أشد من النار‏؟‏ قال‏:‏ نعم الماء‏.‏
قالت‏:‏ فهل أشد من الماء‏؟‏ قال‏:‏ نعم الريح‏.‏
قالت‏:‏ فهل أشد من الريح‏؟‏ قال‏.‏
نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله ‏"‏ ثم إن المقصود منه المبالغة في إخفاء الصدقة بحيث أن شماله مع قربها من يمينه وتلازمهما لو تصور أنها تعلم لما علمت ما فعلت اليمين لشدة إخفائها، فهو على هذا من مجاز التشبيه‏.‏
ويؤيده رواية حماد بن زيد عند الجوزفي ‏"‏ تصدق بصدقة كأنما أخفى يمينه من شماله ‏"‏ ويحتمل أن يكون من مجاز الحذف والتقدير حتى لا يعلم ملك شماله‏.‏
وأبعد من زعم أن المراد بشماله نفسه وأنه من تسمية الكل باسم الجزء فإنه ينحل إلى أن نفسه لا تعلم ما تنفق نفسه، وقيل هو من مجاز الحذف والمراد بشماله من على شماله من الناس كأنه قال مجاور شماله، وقل المراد أنه لا يرائي بصدقته فلا يكتبها كاتب الشمال، وحكى القرطبي عن بعض مشايخه أن معناه أن يتصدق على الضعيف المكتسب في صورة الشراء لترويج سلعته أو رفع قيمتها واستحسنه، وفيه نظر إن كان أراد أن هذه الصورة مراد الحديث خاصة، وإن أراد أن هذا من صور الصدقة المخفية فسلم والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذكر الله‏)‏ أي بقلبه من التذكر أو بلسانه من الذكر، و ‏(‏خاليا‏)‏ أي من الخلو لأنه يكون حينئذ أبعد من الرياء والمراد خاليا من الالتفات إلى غير الله ولو كان في ملأ، ويؤيده رواية البيهقي ‏"‏ ذكر الله بين يديه ‏"‏ ويؤيد الأول رواية ابن المبارك وحماد بن زيد ‏"‏ ذكر الله في خلاء ‏"‏ أي في موضع خال وهي أصح‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ففاضت عيناه‏)‏ أي فاضت الدموع من عينيه، وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت، قال القرطبي‏:‏ وفيض العين بحسب حال الذاكر وبحسب ما يكشف له، ففي حال أوصاف الجلال يكون البكاء من خشية الله، وفي حال أوصاف الجمال يكون البكاء من الشوق إليه‏.‏
قلت‏:‏ قد خص في بعض الروايات بالأول، ففي رواية حماد بن زيد عند الجوزقي ‏"‏ ففاضت عيناه من خشية الله ‏"‏ ونحوه في رواية البيهقي، ويشهد له ما رواه الحاكم من حديث أنس مرفوعا ‏"‏ من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة‏"‏‏.‏
‏(‏تنبيهان‏)‏ ‏:‏ ‏(‏الأول‏)‏ ذكر الرجال في هذا الحديث لا مفهوم له بل يشترك النساء معهم فيما ذكر، إلا إن كان المراد بالإمام العادل الإمامة العظمى، وإلا فيمكن دخول المرأة حيث تكون ذات عيال فتعدل فيهم‏.‏
وتخرج خصلة ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد، وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن، حتى الرجل الذي دعته المرأة فإنه يتصور في امرأة دعاها ملك جميل مثلا فامتنعت خوفا من الله تعالى مع حاجتها، أو شاب جميل دعاه ملك إلى أن يزوجه ابنته مثلا فخشي أن يرتكب منه الفاحشة فامتنع مع حاجته إليه‏.‏
‏(‏الثاني‏)‏ استوعبت شرح هذا الحديث هنا وإن كان مخالفا لما شرطت لأن أليق المواضع به كتاب الرقاق، وقد اختصرها المصنف حيث أورده فيه، وساقه تاما في الزكاة والحدود، فاستوفيته هنا لأن للأولية وجها من الأولوية‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ هَلْ اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا فَقَالَ نَعَمْ أَخَّرَ لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ بَعْدَ مَا صَلَّى فَقَالَ صَلَّى النَّاسُ وَرَقَدُوا وَلَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا قَالَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏سئل أنس‏)‏ تقدم التصريح بسماع حميد له منه في ‏"‏ باب وقت العشاء‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏صلى الناس‏)‏ أي غير المخاطبين ممن صلى في داره أو مسجد قبيلته، ويستأنس به لمن قال بأن الجماعة غير واجبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولم تزالوا في صلاة‏)‏ أي في ثواب صلاة كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وبيص‏)‏ بكسر الموحدة وبالمهملة أي بريقه ولمعانه، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في ‏"‏ باب وقت العشاء ‏"‏ ويأتي الكلام على الخاتم في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2013, 11:52 AM   #268
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب فَضْلِ مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَمَنْ رَاحَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب فضل من غدا للمسجد ومن راح‏)‏ هكذا للأكثر موافقا للفظ الحديث في الغدو والرواح، ولأبي ذر بلفظ ‏"‏ خرج ‏"‏ بدل غدا، وله عن المستملى والسرخسي بلفظ ‏"‏ من يخرج ‏"‏ بصيغة المضارع، وعلى هذا فالمراد بالغدو الذهاب وبالرواح الرجوع، والأصل في الغدو المضي من بكرة النهار والرواح بعد الزوال، ثم قد يستعملان في كل ذهاب ورجوع توسعا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنْ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏أعد‏)‏ أي هيأ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نزله‏)‏ للكشميهني ‏"‏ نزلا ‏"‏ بالتنكير، والنزل بضم النون والزاي المكان الذي يهيأ للنزول فيه، وبسكون الزاي ما يهيأ للقادم من الضيافة ونحوها، فعلى هذا ‏"‏ من ‏"‏ في قوله من الجنة للتبعيض على الأول وللتبين على الثاني، ورواه مسلم وابن خزيمة وأحمد بلفظ ‏"‏ نزلا في الجنة ‏"‏ وهو محتمل للمعنيين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كلما غدا أو راح‏)‏ أي بكل غدوة وروحة‏.‏
وظاهر الحديث حصول الفضل لمن أتى المسجد مطلقا، لكن المقصون منه اختصاصه بمن يأتيه للعبادة، والصلاة رأسها، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة‏)‏ هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه مسلم وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان من رواية عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة، واختلف على عمرو بن دينار في رفعه ووقفه، وقيل إن ذلك هو السبب في كون البخاري لم يخرجه، ولما كان الحكم صحيحا ذكره في الترجمة وأخرج في الباب ما يغني عنه، لكن حديث الترجمة أعم من حديث الباب لأنه يشمل الصلوات كلها وحديث الباب يختص بالصبح كما سنوضحه، ويحتمل أن يقال‏:‏ اللام في حديث الترجمة عهدية فيتفقان، هذا من حيث اللفظ، وأما من حيث المعنى فالحكم في جميع الصلوات واحد، وقد أخرجه أحمد من وجه آخر بلفظ ‏"‏ فلا صلاة إلا التي أقيمت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا أقيمت‏)‏ أي إذا شرع في الإقامة، وصرح بذلك محمد بن جحادة عن عمرو بن دينار فيما أخرجه ابن حبان بلفظ ‏"‏ إذا أخذ المؤذن في الإقامة ‏"‏ وقوله ‏"‏ فلا صلاة ‏"‏ أي صحيحة أو كاملة، والتقدير الأول أولى لأنه أقرب إلى نفي الحقيقة، لكن لما لم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المصلي واقتصر على الإنكار دل على أن المراد نفي الكمال‏.‏
ويحتمل أن يكون النفي بمعنى النهي، أي فلا تصلوا حينئذ، ويؤيده ما رواه البخاري في التاريخ والبزار وغيرهما من رواية محمد بن عمار عن شريك بن أبي نمر عن أنس مرفوعا في نحو حديث الباب وفيه ‏"‏ ونهى أن يصليا إذا أقيمت الصلاة ‏"‏ وورد بصيغة النهي أيضا فيما رواه أحمد من وجه آخر عن ابن بحينة في قصته هذه فقال ‏"‏ لا تجعلوا هذه الصلاة مثل الظهر واجعلوا بينهما فصلا ‏"‏ والنهي المذكور للتنزيه لما تقدم من كونه لم يقطع صلاته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا المكتوبة‏)‏ فيه منع التنفل بعد الشروع في إقامة الصلاة سواء كانت راتبة أم لا، لأن المراد بالمكتوبة المفروضة، وزاد مسلم بن خالد عن عمرو بن دينار في هذا الحديث ‏"‏ قيل يا رسول الله ولا ركعتي الفجر‏؟‏ قال‏:‏ ولا ركعتي الفجر ‏"‏ أخرجه ابن عدي في ترجمة يحيى بن نصر بن الحاجب وإسناده حسن، والمفروضة تشمل الحاضرة والفائتة، لكن المراد الحاضرة، وصرح بذلك أحمد والطحاوي من طريق أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَالَ ح و حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ بِشْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ ابْنُ بُحَيْنَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاثَ بِهِ النَّاسُ وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ أَرْبَعًا الصُّبْحَ أَرْبَعًا تَابَعَهُ غُنْدَرٌ وَمُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ فِي مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدٍ عَنْ حَفْصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَقَالَ حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا سَعْدٌ عَنْ حَفْصٍ عَنْ مَالِكٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل‏)‏ لم يسق البخاري لفظ رواية إبراهيم بن سعد، بل تحول إلى رواية شعبة فأوهم أنهما متوافقتان، وليس كذلك فقد ساق مسلم رواية إبراهيم بن سعد بالسند المذكور ولفظه ‏"‏ مر برجل يصلي وقد أقيمت صلاة الصبح، فكلمه بشيء لا ندري ما هو، فلما انصرفنا أحطنا به نقول‏:‏ ماذا قال لك رسول صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال قال لي‏:‏ يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعا ‏"‏ ففي هذا السياق مخالفة لسياق شعبة في كونه صلى الله عليه وسلم كلم الرجل وهو يصلي، ورواية شعبة تقتضي أنه كلمه بعد أن فرغ، ويمكن الجمع بينهما بأنه كلمه أولا سرا فلهذا احتاجوا أن يسألوه، ثم كلمه ثانيا جهرا فسمعوه، وفائدة التكرار تأكيد الإنكار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عبد الرحمن‏)‏ هو ابن بشر بن الحكم كما جزم به ابن عساكر وأخرجه الجوزقي من طريقة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏سمعت رجلا من الأزد‏)‏ في رواية الأصيلي ‏"‏ من الأسد ‏"‏ بالمهملة الساكنة بدل الزاي الساكنة وهي لغة صحيحة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يقال له مالك بن بحينة‏)‏ هكذا يقول شعبة في هذا الصحابي، وتابعه على ذلك أبو عوانة وحماد ابن سلمة، وحكم الحفاظ يحيى بن معين وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي والإسماعيلي وابن الشرفي والدار قطني وأبو مسعود وآخرون علهم بالوهم فيه في موضعين‏:‏ أحدهما أن بحينة والدة عبد الله لا مالك، وثانيهما أن الصحبة والرواية لعبد الله لا لمالك، وهو عبد الله بن مالك بن القشب بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحدة وهو لقب واسمه جندب بن نضلة بن عبد الله، قال ابن سعد‏:‏ قدم مالك بن القشب مكة يعني في الجاهلية فحالف بني المطلب بن عبد مناف وتزوج بحينة بنت الحارث بن المطلب واسمها عبدة، وبحينة لقب، وأدركت بحينه الإسلام فأسلمت وصحبت، وأسلم ابنها عبد الله قديما، ولم يذكر أحد مالكا في الصحابة إلا بعض ممن تلقاه من هذا الإسناد ممن لا تمييز له، وكذا أغرب الداودي الشارح فقال‏:‏ هذا الاختلاف لا يضر فأي الرجلين كان فهو صاحب، وحكى ابن عبد البر اختلافا في بحينة هل هي أم عبد الله أو أم مالك‏؟‏ والصواب أنها أم عبد الله كما تقدم، فينبغي أن يكتب ابن بحينة بزيادة ألف ويعرب إعراب عبد الله كما في عبد الله بن أبي بن سلول ومحمد بن علي بن الحنفية‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رأى رجلا‏)‏ هو عبد الله الراوي كما رواه أحمد من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو يصلي‏.‏
وفي رواية أخرى له ‏"‏ خرج وابن القشب يصلي ‏"‏ ووقع لبعض الرواة هنا ‏"‏ ابن أبي القشب ‏"‏ وهو خطأ كما بينته في كتاب الصحابة‏.‏
ووقع نحو هذه القصة أيضا لابن عباس قال ‏"‏ كنت أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة، فجذبني النبي صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ أتصلي الصبح أربعا‏؟‏ ‏"‏ أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والبزار والحاكم وغيرهم، فيحتمل تعدد القصة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لاث‏)‏ بمثلثة خفيفة، أي أدار وأحاط‏.‏
قال ابن قتيبة‏:‏ أصل اللوث الطي، يقال لاث عمامته إذا أدارها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏به الناس‏)‏ ظاهره أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن طريق إبراهيم بن سعد المتقدمة تقتضي أنه للرجل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏آلصبح أربعا‏؟‏‏)‏ بهمزة ممدودة في أوله، ويجوز قصرها، وهو استفهام إنكار، وأعاده تأكيدا للإنكار‏.‏
والصبح بالنصب بإضمار فعل تقديره أتصلي الصبح‏؟‏ وأربعا منصوب على الحال، قاله ابن مالك‏.‏
وقال الكرماني على البدلية قال‏:‏ ويجوز رفع الصبح أي الصبح تصلي أربعا‏؟‏ ‏.‏
واختلف في حكمة هذا الإنكار فقال القاضي عياض وغيره‏:‏ لئلا يتطاول الزمان فيظن وجوبها‏.‏
ويؤيده قوله في رواية إبراهيم ابن سعد ‏"‏ يوشك أحدكم ‏"‏ وعلى هذا إذا حصل الأمن لا يكره ذلك، وهو متعقب بعموم حديث الترجمة‏.‏
وقيل لئلا تلتبس صلاة الفرض بالنفل‏.‏
وقال النووي‏:‏ الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام، والمحافظة على مكملات الفريضة أولى من التشاغل بالنافلة ا ه‏.‏
وهذا يليق بقول من يرى بقضاء النافلة وهو قول الجمهور، ومن ثم قال من لا يرى بذلك‏:‏ إذا علم أنه يدرك الركعة الأولى مع الإمام‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ إن كان في الأخيرة لم يكره له التشاغل بالنافلة، بشرط الأمن من الالتباس كما تقدم، والأول عن المالكية، والثاني عن الحنفية ولهم في ذلك سلف عن ابن مسعود وغيره، وكأنهم لما تعارض عندهم الأمر بتحصيل النافلة والنهي عن إيقاعها في تلك الحالة جمعوا بين الأمرين بذلك، وذهب بعضهم إلى أن سبب الإنكار عدم الفصل بين الفرض والنفل لئلا يلتبسا، وإلى هذا جنح الطحاوي واحتج له بالأحاديث الواردة بالأمر بذلك، ومقتضاه أنه لو كان في زاوية المسجد لم يكره، وهو متعقب بما ذكر، إذ لو كان المراد مجرد الفصل بين الفرض والنفل لم يحصل إنكار أصلا، لأن ابن بحينة سلم من صلاته قطعا ثم دخل في الفرض، ويدل على ذلك أيضا حديث قيس بن عمرو الذي أخرجه أبو داود وغيره ‏"‏ أنه صلى ركعتي الفجر بعد الفراغ من صلاة الصبح‏"‏، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله لم ينكر عليه قضاءهما بعد الفراغ من صلاة الصبح متصلا بها فدل على أن الإنكار على ابن بحينة إنما كان للتنفل حال صلاة الفرض، وهو موافق لعموم حديث الترجمة‏.‏
وقد فهم ابن عمر اختصاص المنع بمن يكون في المسجد لا خارجا عنه، فصح عنه أنه كان يحسب من يتنفل في المسجد بعد الشروع في الإقامة، وصح عنه أنه قصد المسجد فسمع الإقامة فصلى ركعتي الفجر في بيت حفصة ثم دخل المسجد فصلى مع الإمام، قال ابن عبد البر وغيره‏:‏ الحجة عند التنازع السنة، فمن أدلى بها فقد أفلح، وترك التنفل عند إقامة الصلاة وتداركها بعد قضاء الفرض أقرب إلى اتباع السنة، ويتأيد ذلك من حيث المعنى بأن قوله في الإقامة ‏"‏ حي على الصلاة ‏"‏ معناه هلموا إلى الصلاة أي التي يقام لها، فأسعد الناس بامتثال هذا الأمر من لم يتشاغل عنه بغيره والله أعلم‏.‏
واستدل بعموم قوله ‏"‏ فلا صلاة إلا المكتوبة ‏"‏ لمن قال يقطع النافلة إذا أقيمت الفريضة، وبه قال أبو حامد وغيره من الشافعية، وخص آخرون النهي بمن ينشئ النافلة عملا بعموم قوله تعالى ‏(‏ولا تبطلوا أعمالكم‏)‏ ، وقيل يفرق بين من يخشى فوت الفريضة في الجماعة فيقطع وإلا فلا، واستدل بقوله ‏"‏ التي أقيمت ‏"‏ بأن المأموم لا يصلي فرضا ولا نفلا خلف من يصلي فرضا آخر، كالظهر مثلا خلف من يصلي العصر، وإن جازت إعادة الفرض خلف من يصلي ذلك الفرض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه غندر ومعاذ عن شعبة عن مالك‏)‏ أي تابعا بهز بن أسد في روايته عن شعبة بهذا الإسناد فقالا عن مالك بن بحينة‏.‏
وفي رواية الكشميهني عن شعبة عن مالك أي بإسناده، والأول يقتضي اختصاص المتابعة بقوله عن مالك بن بحينة فقط، والثاني يشمل جميع الإسناد والمتن، وهو أولى لأنه الواقع في نفس الأمر‏.‏
وطريق غندر وصلها أحمد في مسنده عنه كذلك، وطريق معاذ - وهو ابن معاذ العنبري البصري - وصلها الإسماعيلي من رواية عبيد الله بن معاذ عن أبيه، وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة، وكذا أخرجه أحمد عن يحيى القطان وحجاج والنسائي من رواية وهب بن جرير والإسماعيلي من رواية يزيد ابن هارون كلهم عن شعبة كذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن إسحاق‏)‏ أي صاحب المغازي عن سعد أي ابن إبراهيم، وهذه الرواية موافقة لرواية إبراهيم بن سعد عن أبيه وهي الراجحة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال حماد‏)‏ يعني ابن سلمة كما جزم به المزي وآخرون، وكذا أخرجه الطحاوي وابن منده موصولا من طريقه، ووهم الكرماني في زعمه أنه حماد بن زيد، والمراد أن حمادا وافق شعبة في قوله عن مالك بن بحينة، وقد وافقهما أبو عوانة فيما أخرجه الإسماعيلي عن جعفر الفريابي عن قتيبة عنه، لكن أخرجه مسلم والنسائي عن قتيبة فوقع في روايتهما عن ابن بحينة مبهما، وكأن ذلك وقع من قتيبة في وقت عمدا ليكون أقرب إلى الصواب، قال أبو مسعود‏:‏ أهل المدينة يقولون عبد الله بن بحينة وأهل العراق يقولون مالك بن بحينة، والأول هو الصواب‏.‏
انتهى‏.‏
فيحتمل أن يكون السهو فيه من سعد بن إبراهيم لما حدث به بالعراق‏.‏
وقد رواه القعنبي عن إبراهيم بن سعد على وجه آخر من الوهم قال ‏"‏ عن عبد الله بن مالك ابن بحينة عن أبيه ‏"‏ قال مسلم في صحيحه‏:‏ قوله عن أبيه خطأ‏.‏
انتهى‏.‏
وكأنه لما رأى أهل العراق يقولون عن مالك بن بحينة ظن أن رواية أهل المدينة مرسلة فوهم في ذلك، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2013, 11:55 AM   #269
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب حَدِّ الْمَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب حد المريض أن يشهد الجماعة‏)‏ قال ابن التين تبعا لابن بطال‏:‏ معنى الحد هاهنا الحدة، وقد نقله الكسائي، ومثله قول عمر في أبي بكر ‏"‏ كنت أرى منه بعض الحد ‏"‏ أي الحدة، قال‏:‏ والمراد به هنا الحض على شهود الجماعة، قال ابن التين‏:‏ ويصح أن يقال هنا ‏"‏ جد ‏"‏ بكسر الجيم وهو الاجتهاد في الأمر، لكن لم أسمع أحدا رواه بالجيم‏.‏
انتهى‏.‏
وقد أثبت ابن قرقول رواية الجيم وعزاها للقابسي‏.‏
وقال ابن رشيد‏:‏ إنما المعنى ما يحد للمريض أن يشهد معه الجماعة فإذا جاوز ذلك الحد لم يستحب له شهودها‏.‏
ومناسبة ذلك من الحديث خروجه صلى الله عليه وسلم متوكئا على غيره من شدة الضعف فكأنه يشير إلى أنه من بلغ إلى تلك الحال لا يستحب له تكلف الخروج للجماعة إلا إذا وجد من يتوكأ عليه‏.‏
وأن قوله في الحديث الماضي ‏"‏ لأتوهما ولو حبوا ‏"‏ وقع على طريق المبالغة، قال‏:‏ ويمكن أن يقال معناه باب الحد الذي للمريض أن يأخذ فيه بالعزيمة في شهود الجماعة‏.‏
انتهى ملخصا‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأُذِّنَ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنْ الْوَجَعِ فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَكَانَكَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ قِيلَ لِلْأَعْمَشِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ بِرَأْسِهِ نَعَمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ بَعْضَهُ وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏مرضه الذي مات فيه‏)‏ سيأتي الكلام عليه مبينا في آخر المغازي في سببه ووقت ابتدائه وقدره، وقد بين الزهري في روايته كما في الحديث الثاني من هذا الباب أن ذلك كان بعد أن اشتد به المرض واستقر في بيت عائشة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحضرت الصلاة‏)‏ هي العشاء كما في رواية موسى بن أبي عائشة الآتية قريبا في ‏"‏ باب إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ وسنذكر هناك الخلاف في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأذن‏)‏ بضم الهمزة على البناء للمفعول‏.‏
وفي رواية الأصيلي ‏"‏ وأذن بالواو ‏"‏ وهو أوجه، والمراد به أذان الصلاة‏.‏
ويحتمل أن يكون معناه أعلم، ويقويه رواية أبي معاوية عن الأعمش الآتية في ‏"‏ باب الرجل يأتم بالإمام ‏"‏ ولفظه ‏"‏ جاء بلال يؤذنه بالصلاة ‏"‏ واستفيد منه تسمية المبهم، وسيأتي في رواية موسى ابن أبي عائشة أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالسؤال عن حضور وقت الصلاة وأنه أراد أن يتهيأ للخروج إليها فأغمي عليه‏.‏
‏.‏
الحديث‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مروا أبا بكر فليصل‏)‏ استدل به على أن الآمر بالأمر بالشيء يكون آمرا به، وهي مسألة معروفة في أصول الفقه، وأجاب المانعون بأن المعنى بلغوا أبا بكر أني أمرته‏.‏
وفصل النزاع أن النافي إن أراد أنه ليس أمرا حقيقة فمسلم لأنه ليس فيه صيغة أمر للثاني، وإن أراد أنه لا يستلزمه فمردود والله أعلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقيل له‏)‏ قائل ذلك عائشة كما سيأتي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أسيف‏)‏ بوزن فعيل وهو بمعنى فاعل من الأسف وهو شدة الحزن، والمراد أنه رقيق القلب‏.‏
ولابن حبان من رواية عاصم عن شقيق عن مسروق عن عائشة في هذا الحديث‏:‏ قال عاصم والأسيف الرقيق الرحيم، وسيأتي بعد ستة أبواب من حديث ابن عمر في هذه القصة ‏"‏ فقالت له عائشة‏:‏ إنه رجل رقيق، إذا قرأ غلبه البكاء ‏"‏ ومن حديث أبي موسى نحوه، ومن رواية مالك عن هشام عن أبيه عنها بلفظ ‏"‏ قالت عائشة‏:‏ قلت إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأعادوا له‏)‏ أي من كان في البيت، والمخاطب بذلك عائشة كما ترى، لكن جمع لأنهم كانوا في مقام الموافقين لها على ذلك‏.‏
ووقع في حديث أبي موسى بالإفراد ولفظه ‏"‏ فعادت ‏"‏ ولابن عمره ‏"‏ فعاودته‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأعاد الثالثة فقال‏:‏ إنكن صواحب يوسف‏)‏ فيه حذف بينه مالك في روايته المذكرة، وأن المخاطب له حينئذ حفصة بنت عمر بأمر عائشة، وفيه أيضا ‏"‏ فمر عمر، فقال‏:‏ مه إنكن لأنتن صواحب يوسف ‏"‏ وصواحب جمع صاحبة، والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن‏.‏
ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحد وهي عائشة فقط، كما أن ‏"‏ صواحب ‏"‏ صيغة جمع والمراد زليخا فقط، ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته، وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك وهو أن لا يتشاءم الناس به‏.‏
وقد صرحت هي فيما بعد ذلك فقالت ‏"‏ لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا ‏"‏ الحديث‏.‏
وسيأتي بتمامه في ‏"‏ باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ في أواخر المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏
وأخرجه مسلم أيضا‏.‏
وبهذا التقرير يندفع إشكال من قال إن صواحب يوسف لم يقع منهن إظهار يخالف ما في الباطن‏.‏
ووقع في مرسل الجنس عند ابن أبي خيثمة أن أبا بكر أمر عائشة أن تكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرف ذلك عنه، فأرادت التوصل إلى ذلك بكل طريق فلم يتم‏.‏
ووقع في أمالي ابن عبد السلام أن النسوة أتين امرأة العزيز يظهرن تعنيفها، ومقصودهن في الباطن أن يدعون يوسف إلى أنفسهن، كذا قال وليس في سياق الآية ما يساعد ما قال‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ زاد حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم في هذا الحديث أن أبا بكر هو الذي أمر عائشة أن تشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأمر عمر بالصلاة، أخرجه الدورقي في مسنده، وزاد مالك في روايته التي ذكرناها ‏"‏ فقالت حفصة لعائشة‏:‏ ما كنت لأصيب منك خبرا‏"‏‏.‏
ومثله للإسماعيلي في حديث الباب، وإنما قالت حفصة ذلك لأن كلامها صادف المرة الثالثة في المعاودة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث، فلما أشار إلى الإنكار عليها بما ذكر من كونهن صواحب يوسف وجدت حفصة في نفسها من ذلك لكون عائشة هي التي أمرتها بذلك، ولعلها تذكرت ما وقع لها معها أيضا في قصة المغافير كما سيأتي في موضعه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليصل بالناس‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ للناس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فخرج أبو بكر‏)‏ فيه حذف دل عليه سياق الكلام، وقد بينه في رواية موسى بن أبي عائشة المذكورة ولفظه ‏"‏ فأتاه الرسول ‏"‏ أي بلال لأنه هو الذي أعلم بحضور الصلاة فأجيب بذلك، وفي روايته أيضا ‏"‏ فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس‏.‏
فقال أبو بكر - وكان رجلا رقيقا - يا عمر صل بالناس فقال له عمر‏:‏ أنت أحق بذلك ‏"‏ انتهى‏.‏
وقول أبي بكر هذا لم يرد به ما أرادت عائشة‏.‏
قال النووي‏:‏ تأوله بعضهم على أنه قاله تواضعا، وليس كذلك، بل قاله للعذر المذكور وهو كونه رقيق القلب كثير البكاء، فخشي أن لا يسمع الناس‏.‏
انتهى‏.‏
ويحتمل أن يكون رضي الله عنه فهم من الإمامة الصغرى الإمامة العظمى وعلم ما في تحملها من الخطر، وعلم قوة عمر على ذلك، فاختاره‏.‏
ويؤيده أنه عند البيعة أشار عليهم أن يبايعوه أو يبايعوا أبا عبيدة بن الجراح‏.‏
والظاهر أنه لم يطلع على المراجعة المتقدمة، وفهم من الأمر له بذلك تفويض الأمر له في ذلك سواء باشر بنفسه أو استحلف‏.‏
قال القرطبي‏:‏ ويستفاد منه أن للمستخلف في الصلاة أن يستحلف لا يتوقف على إذن خاص له بذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى‏)‏ في رواية المستملي والسرخسي ‏"‏ يصلي ‏"‏ وظاهره أنه شرع في الصلاة، ويحتمل أن يكون المراد أنه تهيأ لها، وسيأتي في رواية أبي معاوية عن الأعمش بلفظ ‏"‏ فلما دخل في الصلاة ‏"‏ وهو محتمل أيضا بأن يكون المراد دخل في مكان الصلاة، ويأتي البحث مع من حمله على ظاهره إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة‏)‏ ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم وجد ذلك في تلك الصلاة بعينها، ويحتمل أن يكون ذلك بعد ذلك وأن يكون فيه حذف كما تقدم مثله في قوله ‏"‏ فخرج أبو بكر ‏"‏ وأوضح منه رواية موسى بن أبي عائشة المذكور ‏"‏ فصلى أبو بكر تلك الأيام‏.‏
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة ‏"‏ وعلى هذا لا يتعين أن تكون الصلاة المذكورة هي العشاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يهادي‏)‏ بضم أوله وفتح الدال أي يعتمد على الرجلين متمايلا في مشيه من شدة الضعف، والتهادي التمايل في المشي البطيء، وقوله ‏"‏يخطان الأرض ‏"‏ أي لم يكن يقدر على تمكينهما من الأرض، وسقط لفظ ‏"‏ الأرض ‏"‏ من رواية الكشميهني‏.‏
وفي رواية عاصم المذكورة عند ابن حبان ‏"‏ إني لأنظر إلى بطون قدميه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بين رجلين‏)‏ في الحديث الثاني من حديثي الباب أنهما العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب ومثله في رواية موسى بن أبي عائشة، ووقع في رواية عاصم المذكورة ‏"‏ وجد خفة من نفسه فخرج بين بريرة ونوبة ‏"‏ ويجمع كما قال النووي بأنه خرج من البيت إلى المسجد بين هذين، ومن ثم إلى مقام الصلاة بين العباس وعلي، أو يحمل على التعدد، ويدل عليه ما في رواية الدار قطني أنه خرج بين أسامة بن زيد والفضل بن العباس‏.‏
وأما ما في مسلم أنه خرج بين الفضل بن العباس وعلي فذاك في حال مجيئه إلى بيت عائشة‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ نوبة بضم النون وبالموحدة ذكره بعضهم في النساء الصحابيات فوهم، وإنما هو عبد أسود كما وقع عند سيف في كتاب الردة، ويؤيده حديث سالم بن عبيد في صحيح ابن خزيمة بلفظ ‏"‏ خرج بين بريرة ورجل آخر‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأراد أبو بكر‏)‏ زاد أبو معاوية عن الأعمش ‏"‏ فلما سمع أبو بكر حسه ‏"‏ وفي رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس في هذا الحديث ‏"‏ فلما أحس الناس به سبحوا ‏"‏ أخرجه ابن ماجه وغيره بإسناد حسن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن مكانك‏)‏ في رواية عاصم المذكورة ‏"‏ أن أثبت مكانك ‏"‏ وفي رواية موسى بن أبي عائشة فأومأ إليه بأن لا يتأخر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثم أتى به‏)‏ كذا هنا بضم الهمزة‏.‏
وفي رواية موسى بن أبي عائشة أن ذلك كان بأمره ولفظه ‏"‏ فقال أجلساني إلى جنبه، فأجلساه ‏"‏ وعين أبو معاوية عن الأعمش في إسناد حديث الباب - كما سيأتي بعد أبواب - مكان الجلوس فقال في روايته ‏"‏ حتى جلس عن يسار أبي بكر ‏"‏ وهذا هو مقام الإمام، وسيأتي القول فيه‏.‏
وأغرب القرطبي شارح مسلم لما حكى الخلاف هل كان أبو بكر إماما أو مأموما‏؟‏ فقال‏:‏ لم يقع في الصحيح بيان جلوسه صلى الله عليه وسلم هل كان عن يمين أبي بكر أو عن يساره‏.‏
انتهى‏.‏
ورواية أبي معاوية هذه عند مسلم أيضا، فالعجب منه كيف يغفل عن ذلك في حال شرحه له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقيل للأعمش الخ‏)‏ ظاهرها الانقطاع، لأن الأعمش لم يسنده، لكن في رواية أبي معاوية عنه ذكر ذلك متصلا بالحديث، وكذا في رواية موسى بن أبي عائشة وغيرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رواه أبو داود‏)‏ هو الطيالسي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بعضه‏)‏ بالنصب وهو بدل من الضمير، وروايته هذه وصلها البزار قال‏:‏ حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا أبو داود به ولفظه ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المقدم بين يدي أبي بكر، كذا رواه مختصرا، وهو موافق لقضية حديث الباب، لكن رواه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن بشار عن أبي داود بسنده هذا عن عائشة قالت ‏"‏ من الناس من يقول‏:‏ كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف، ومنهم من يقول‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المقدم ‏"‏ ورواه مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر ‏"‏ أخرجه ابن المنذر، وهذا عكس رواية أبي موسى، وهو اختلاف شديد‏.‏
ووقع في رواية مسروق عنها أيضا اختلاف فأخرجه ابن حبان من رواية عاصم عن شقيق عنه بلفظ ‏"‏ كان أبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر ‏"‏ وأخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة من رواية شعبة عن نعيم بن أبي هند عن شقيق بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر ‏"‏ وظاهر رواية محمد بن بشار أن عائشة لم تشاهد الهيئة المذكورة، ولكن تضافرت الروايات عنها بالجزم بما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام في تلك الصلاة، منها رواية موسى ابن أبي عائشة التي أشرنا إليها ففيها ‏"‏ فجعل أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر ‏"‏ وهذه رواية زائدة بن قدامة عن موسى، وخالفه شعبة أيضا فرواه عن موسى بلفظ ‏"‏ أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف خلفه ‏"‏ فمن العلماء من سلك الترجيح فقدم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان مأموما للجزم بها، ولأن أبا معاوية أحفظ في حديث الأعمش من غيره، ومنهم من سلك عكس ذلك ورجح أنه كان إماما، وتمسك بقول أبي بكر في ‏"‏ باب من دخل ليؤم الناس ‏"‏ حيث قال ‏"‏ ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
ومنهم من سلك الجمع فحمل القصة على التعدد‏.‏
وأجاب عن قول أبي بكر كما سيأتي في بابه‏.‏
ويؤيده اختلاف النقل عن الصحابة غير عائشة، فحديث ابن عباس فيه أن أبا بكر كان مأموما كما سيأتي في رواية موسى بن أبي عائشة، وكذا في رواية أرقم بن شرحبيل التي أشرنا إليها عن ابن عباس، وحديث أنس فيه أن أبا بكر كان إماما أخرجه الترمذي وغيره من رواية حميد عن ثابت عنه بلفظ ‏"‏ آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في ثوب ‏"‏ وأخرجه النسائي من وجه آخر عن حميد عن أنس فلم يذكر ثابتا، وسيأتي بيان ما ترتب على هذا الاختلاف من الحكم في ‏"‏ باب إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ قريبا إن شاء الله تعالى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وزاد أبو معاوية عن الأعمش‏:‏ جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما‏)‏ يعني روى الحديث المذكور أبو معاوية عن الأعمش كما رواه حفص بن غياث مطولا وشعبة مختصرا كلهم عن الأعمش بإسناده المذكور، فزاد أبو معاوية ما ذكر‏.‏
وقد تقدمت الإشارة إلى المكان الذي وصله المصنف فيه‏.‏
وغفل مغلطاي ومن تبعه فنسبوا وصله إلى رواية ابن نمير عن أبي معاوية في صحيح ابن حبان، وليس بجيد من وجهين‏:‏ أحدهما أن رواية ابن نمير ليس فيها عن يسار أبي بكر، والثاني أن نسبته إلى تخريج صاحب الكتاب أولى من نسبته لغيره فيه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ الْأَرْضَ وَكَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَرَجُلٍ آخَرَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَالَ لِي وَهَلْ تَدْرِي مَنْ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ قُلْتُ لَا قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
الشرح‏:‏
قوله ‏(‏لما ثقل على النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي اشتد به مرضه، يقال ثقل في مرضه إذا ركدت أعضاؤه عن خفة الحركة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأذن له‏)‏ بفتح الهمزة وكسر المعجمة وتشديد النون أي الأزواج، وحكى الكرماني أنه روى بضم الهمزة وكسر الذال وتخفيف النون على البناء للمجهول، واستدل به على أن القسم كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى‏.‏
وقد تقدم حديث الزهري هذا في ‏"‏ باب الغسل والوضوء من المخضب ‏"‏ وفيه زيادة على الذي هنا، وسيأتي في رواية ابن أبي عائشة عن عبيد الله شيخ الزهري وسياقه أتم من سياق الزهري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال هو علي بن أبي طالب‏)‏ زاد الإسماعيلي من رواية عبد الرزاق عن معمر ‏"‏ ولكن عائشة لا تطيب نفسا له بخير ‏"‏ ولابن إسحاق في المغازي عن الزهري ‏"‏ ولكنها لا تقدر على أن تذكره بخير ‏"‏ ولم يقف الكرماني على هذه الزيادة فعبر عنها بعبارة شنيعة، وفي هذا رد على من تنطع فقال لا يجوز أن يظن ذلك بعائشة، ورد على من زعم أنها أبهمت الثاني لكونه لم يتعين في جميع المسافة إذ كان تارة يتوكأ على الفضل وتارة على أسامة وتارة على علي، وفي جميع ذلك الرجل الآخر هو العباس، واختص بذلك إكراما له، وهذا توهم ممن قاله والواقع خلافه، لأن ابن عباس في جميع الروايات الصحيحة جازم بأن المبهم علي فهو المعتمد والله أعلم‏.‏
ودعوى وجود العباس في كل مرة والذي يتبدل غيره مردودة بدليل رواية عاصم التي قدمت الإشارة إليها وغيرها صريح في أن العباس لم يكن في مرة ولا في مرتين منها والله أعلم‏.‏
وفي هذه القصة من الفوائد غير ما مضى تقديم أبي بكر، وترجيحه على جميع الصحابة، وفضيلة عمر بعده، وجواز الثناء في الوجه لمن أمن عليه الإعجاب، وملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه وخصوصا لعائشة، وجواز مراجعة الصغير الكبير، والمشاورة في الأمر العام، والأدب مع الكبير لهم أبي بكر بالتأخر عن الصف، وإكرام الفاضل لأنه أراد أن يتأخر حتى يستوي مع الصف فلم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم يتزحزح عن مقامه‏.‏
فيه أن البكاء ولو كثر لا يبطل الصلاة لأنه صلى الله صلى الله عليه وسلم بعد أن علم حال أبي بكر في رقة القلب وكثرة البكاء لم يعدل عنه، ولا نهاه عن البكاء، وأن الإيماء يقوم مقام النطق، واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على الإشارة يحتمل أن يكون لضعف صوته، ويحتمل أن يكون للإعلام بأن مخاطبة من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق، وفيه تأكيد أمر الجماعة والأخذ فيها بالأشد وإن كان المرض يرخص في تركها، ويحتمل أن يكون فعل ذلك لبيان جواز الأخذ بالأشد وإن كانت الرخصة أولى‏.‏
وقال الطبري‏:‏ إنما فعل ذلك لئلا يعذر أحد من الأئمة بعده نفسه بأدنى عذر فيتخلف عن الإمامة، ويحتمل أن يكون قصد إفهام الناس أن تقديمه لأبي بكر كان لأهليته لذلك حتى إنه صلى خلفه، واستدل به على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة لصنيع أبي بكر، وعلى جواز مخالفة موقف المأموم للضرورة كمن قصد أن يبلغ عنه، ويلتحق به من زحم عن الصف، وعلى جواز ائتمام بعض المأمومين ببعض وهو قول الشعبي واختيار الطبري وأومأ إليه البخاري كما سيأتي، وتعقب بأن أبا بكر إنما كان مبلغا كما سيأتي في ‏"‏ باب من أسمع الناس التكبير ‏"‏ من رواية أخرى عن الأعمش، وكذا ذكره مسلم على هذا، فمعنى الاقتداء اقتداؤهم بصوته، ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم كان جالسا وكان أبو بكر قائما فكان بعض أفعاله يخفى على بعض المأمومين فمن ثم كان أبو بكر كالإمام في حقهم والله أعلم‏.‏
وفيه اتباع صوت المكبر، وصحة صلاة المستمع والسامع، ومنهم من شرط في صحته تقدم إذن الإمام، واستدل به الطبري على أن للإمام أن يقطع الاقتداء به ويقتدي هو بغيره من غير أن يقطع الصلاة‏.‏
وعلى جواز إنشاء القدوة في أثناء الصلاة، وعلى جواز تقدم إحرام المأموم على الإمام بناء على أن أبا بكر كان دخل في الصلاة ثم قطع القدوة وائتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قدمنا أنه ظاهر الرواية‏.‏
ويؤيده أيضا أن في رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس ‏"‏ فابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم القراءة من حيث انتهى أبو بكر، واستدل به على صحة صلاة القادر على القيام قائما خلف القاعد خلافا للمالكية مطلقا ولأحمد حيث أوجب القعود على من يصلي خلف القاعد كما سيأتي الكلام عليه في ‏"‏ باب إنما جعل الإمام ليؤئم به ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏


حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2013, 11:59 AM   #270
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب الرُّخْصَةِ فِي الْمَطَرِ وَالْعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله‏)‏ ذكر العلة من عطف العام على الخاص لأنها أعم من أن تكون بالمطر أو غيره، والصلاة في الرحل أعم من أن تكون بجماعة أو منفردا لكنها مظنة الانفراد، والمقصود الأصلي في الجماعة إيقاعها في المسجد، وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر في كتاب الأذان، وعلى حديث عتبان في ‏"‏ باب المساجد في البيوت ‏"‏ وسياقه هناك أتم، وإسماعيل شيخه هنا هو ابن أبي أويس‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب هَلْ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ وَهَلْ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَطَرِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يصلي الإمام بمن حضر‏)‏ أي وجود العلة المرخصة للتخلف، فلو تكلف قوم الحضور فصلى بهم الإمام لم يكره، فالأمر بالصلاة في الرحال على هذا للإباحة لا للندب، ومطابقة ذلك لحديث ابن عباس من قوله فيه ‏"‏ فنظر بعضهم إلى بعض ‏"‏ لما أمر المؤذن أن يقول ‏"‏ الصلاة في الرحال ‏"‏ فإنه دال على أن بعضهم حضر وبعضهم لم يحضر ومع ذلك خطب وصلى بمن حضر، وأما قوله ‏"‏ وهل يخطب يوم الجمعة في المطر ‏"‏ فظاهر من حديث ابن عباس وقد تقدم الكلام عليه في الأذان أيضا وفيه أن ذلك كان يوم الجمعة وأن قوله ‏"‏ إنها عزمة ‏"‏ أي الجمعة، وأما مطابقة حديث أبي سعيد فمن جهة أن العادة في يوم المطر أن يتخلف بعض الناس، وأما قول بعض الشراح يحتمل أن يكون ذلك في الجمعة فمردود لأنه سيأتي في الاعتكاف أنها كانت في صلاة الصبح، وحديث أنس لا ذكر للخطبة فيه‏.‏
ولا يلزم أن يدل كل حديث في الباب على كل ما في الترجمة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ لَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ قُلْ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا فَقَالَ كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ وَعَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ كَرِهْتُ أَنْ أُؤَثِّمَكُمْ فَتَجِيئُونَ تَدُوسُونَ الطِّينَ إِلَى رُكَبِكُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله‏)‏ ذكر العلة من عطف العام على الخاص لأنها أعم من أن تكون بالمطر أو غيره، والصلاة في الرحل أعم من أن تكون بجماعة أو منفردا لكنها مظنة الانفراد، والمقصود الأصلي في الجماعة إيقاعها في المسجد، وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر في كتاب الأذان، وعلى حديث عتبان في ‏"‏ باب المساجد في البيوت ‏"‏ وسياقه هناك أتم، وإسماعيل شيخه هنا هو ابن أبي أويس‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَقَالَ جَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ السَّقْفُ وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ
الشرح‏:‏
قوله ‏"‏سألت أبا سعيد ‏"‏ أي عن ليلة القدر‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الصَّلَاةَ مَعَكَ وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَدَعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَبَسَطَ لَهُ حَصِيرًا وَنَضَحَ طَرَفَ الْحَصِيرِ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الْجَارُودِ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى قَالَ مَا رَأَيْتُهُ صَلَّاهَا إِلَّا يَوْمَئِذٍ
الشرح‏:‏
قوله في حديث أنس ‏(‏قال رجل من الأنصار‏)‏ قيل إنه عتبان بن مالك، وهو محتمل لتقارب القصتين، لكن لم أر ذلك صريحا‏.‏
وقد وقع في رواية ابن ماجه الآتية أنه بعض عمومة أنس وليس عتبان عما لأنس إلا على سبيل المجاز لأنهما من قبيلة واحدة وهي الخزرج لكن كل منهما من بطن‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏معك‏)‏ أي في الجماعة في المسجد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان رجلا ضخما‏)‏ أي سمينا، وفي هذا الوصف إشارة إلى علة تخلفه، وقد عده ابن حبان من الأعذار المرخصة في التأخر عن الجماعة، وزاد عبد الحميد عن أنس ‏"‏ وإني أحب أن تأكل في بيتي وتصلي فيه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فبسط له حصيرا‏)‏ سبق الكلام فيه في حديث أنس في أوائل الصلاة في ‏"‏ باب الصلاة على الحصير‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى عليه ركعتين‏)‏ زاد عبد الحميد ‏"‏ فصلى وصلينا معه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال رجل من آل الجارود‏)‏ في رواية على بن الجعد عن شعبة الآتية للمصنف في صلاة الضحى ‏"‏ فقال فلان ابن فلان ابن الجارود ‏"‏ وكأنه عبد الحميد بن المنذر بن الجارود البصري، وذلك أن البخاري أخرج هذا الحديث من رواية شعبة، وأخرجه في موضع آخر من رواية خالد الحذاء كلاهما عن أنس ابن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس، وأخرجه ابن ماجه وابن حبان من رواية عبد الله ابن عون عن أنس بن سيرين عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود عن أنس، فاقتضى ذلك أن في رواية البخاري انقطاعا، وهو مندفع بتصريح أنس بن سيرين عنده بسماعه من أنس، فحينئذ رواية ابن ماجه إما من المزيد في متصل الأسانيد، وإما أن يكون فيها وهم لكون ابن الجارود كان حاضرا عند أنس لما حدث بهذا الحديث وسأله عما سأله من ذلك، فظن بعض الرواة أن له فيه رواية‏.‏
وسيأتي الكلام على فوائده في ‏"‏ باب صلاة الضحى ‏"‏ ومطابقته لهذه الترجمة إما من جهة ما يلزم من الرخصة لمن له عذر أن يتخلف عن الحضور فإن ضرورة مواظبته صلى الله عليه وسلم على الصلاة بالجماعة أن يصلي بمن بقي، وإما من جهة ما ورد في طريق عبد الحميد المذكورة حيث قال أنس ‏"‏ فصلى وصلينا معه ‏"‏ فإنه مطابق لقوله ‏"‏ وهل يصلي بمن حضر ‏"‏ والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2013, 12:00 PM   #271
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِنْ فِقْهِ الْمَرْءِ إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلَاتِهِ وَقَلْبُهُ فَارِغٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ حذف جواب الشرط في هذه الترجمة إشعارا بعدم الجزم بالحكم لقوة الخلاف‏.‏
انتهى‏.‏
وكأنه أشار بالأثرين المذكورين في الترجمة إلى منزع العلماء في ذلك، فإن ابن عمر حمله على إطلاقه، وأشار أبو الدرداء إلى تقييده بما إذا كان القلب مشغولا بالأكل، وأثر ابن عمر مذكور في الباب بمعناه، وأثر أبي الدرداء وصله ابن المبارك في ‏"‏ كتاب الزهد ‏"‏ وأخرجه محمد بن نصر المروزي في ‏"‏ كتاب تعظيم قدر الصلاة ‏"‏ من طريقه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن سعيد القطان، وقد أخرجه السراج من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن هشام بن عروة أيضا لكن لفظه ‏"‏ إذا حضر ‏"‏ وذكره المصنف في كتاب الأطعمة من طريق سفيان عن هشام بلفظ ‏"‏ إذا حضر ‏"‏ وقال بعده ‏"‏ قال يحيى بن سعيد ووهيب عن هشيم إذا وضع ‏"‏ انتهى‏.‏
ورواية وهيب وصلها الإسماعيلي، وأخرجه مسلم من رواية ابن نمير وحفص ووكيع بلفظ ‏"‏ إذا حضر ‏"‏ ووافق كلا جماعة من الرواة عن هشام، لكن الذين رووه بلفظ ‏"‏ إذا وضع ‏"‏ كما قال الإسماعيلي أكثر، والفرق بين اللفظين أن الحضور أعم من الوضع، فيحمل قوله ‏"‏ حضر ‏"‏ أي بين يديه لتأتلف الروايات لاتحاد المخرج، ويؤيده حديث أنس الآتي بعده بلفظ ‏"‏ إذا قدم العشاء ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ إذا قرب العشاء ‏"‏ وعلى هذا فلا يناط الحكم بما إذا حضر العشاء لكنه لم يقرب للأكل كما لو لم يقرب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وأقيمت الصلاة‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ الألف واللام في ‏"‏ الصلاة ‏"‏ لا ينبغي أن تحمل على الاستغراق ولا على تعريف الماهية، بل ينبغي أن تحمل على المغرب، لقوله ‏"‏ فابدؤوا بالعشاء ‏"‏ ويترجح حمله على المغرب لقوله في الرواية الأخرى ‏"‏ فابدؤوا به قبل أن تصلوا المغرب ‏"‏ والحديث يفسر بعضه بعضا‏.‏
وفي رواية صحيحة ‏"‏ إذا وضع العشاء وأحدكم صائم ‏"‏ انتهى‏.‏
وسنذكر من أخرج هذه الرواية في الكلام على الحديث الثاني‏.‏
وقال الفاكهاني‏:‏ ينبغي حمله على العموم نظرا إلى العلة وهي التشويش المفضي إلى ترك الخشوع، وذكر المغرب لا يقتضي حصرا فيها لأن الجائع غير الصائم قد يكون أشوق إلى الأكل من الصائم‏.‏
انتهى‏.‏
وحمله على العموم إنما هو بالنظر إلى المعنى إلحاقا للجائع بالصائم وللغداء بالعشاء لا بالنظر إلى اللفظ الوارد صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فابدؤوا بالعشاء‏)‏ حمل الجمهور هذا الأمر على الندب، ثم اختلفوا‏:‏ فمنهم من قيده بمن كان محتاجا إلى الأكل وهو المشهور عند الشافعية، وزاد الغزالي ما إذا خشي فساد المأكول، ومنهم من لم يقيده وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق، وعليه يدل فعل ابن عمر الآتي، وأفرط ابن حزم فقال‏:‏ تبطل الصلاة‏.‏
ومنهم من اختار البداءة بالصلاة إلا إن كان الطعام خفيفا نقله ابن المنذر عن مالك، وعند أصحابه تفصيل قالوا‏:‏ يبدأ بالصلاة إن لم يكن متعلق النفس بالأكل، أو كان متعلقا به لكن لا يعجله عن صلاته، فإن كان يعجله عن صلاته بدأ بالطعام واستحبت له الإعادة‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عقيل‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ حدثني عقيل ‏"‏ وعنده أيضا عن ابن شهاب ‏"‏ أخبرني أنس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا قدم العشاء‏)‏ زاد ابن حبان والطبراني في الأوسط من رواية موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب ‏"‏ وأحدكم صائم ‏"‏ وقد أخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن عمرو بدون هذه الزيادة، وذكر الطبراني أن موسى بن أعين تفرد بها‏.‏
انتهى‏.‏
وموسى ثقة متفق عليه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا تعجلوا‏)‏ بضم المثناة وبفتحها والجيم مفتوحة فهما، ويروي بضم أوله وكسر الجيم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ وَتُقَامُ الصَّلَاةُ فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَقَالَ زُهَيْرٌ وَوَهْبُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ وَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ عُثْمَانَ وَوَهْبٌ مَدِينِيٌّ
الشرح‏:‏
قوله في حديث ابن عمر ‏(‏إذا وضع عشاء أحدكم‏)‏ هذا أخص من الرواية الماضية حيث قال ‏"‏ إذا وضع العشاء ‏"‏ فيحمل العشاء في تلك الرواية على عشاء من يريد الصلاة، فلو وضع عشاء غيرة لم يدخل في ذلك، ويحتمل أن يقال بالنظر إلى المعنى‏:‏ لو كان جائعا واشتغل خاطره بطعام غيره كان كذلك، وسبيله أن ينتقل عن ذلك المكان أو يتناول مأكولا يزيل شغل باله ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ، ويؤيد هذا الاحتمال عموم قوله في رواية مسلم من طريق أخرى عن عائشة ‏"‏ لا صلاة بحضرة طعام ‏"‏ الحديث، وقوله أبي الدرداء الماضي إقباله على حاجته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا يعجل‏)‏ أي أحدكم المذكور أولا‏.‏
وقال الطيبي‏:‏ أفرد قوله ‏"‏ يعجل ‏"‏ نظرا إلى لفظ أحد، وجمع قوله ‏"‏ فابدؤوا ‏"‏ نظرا إلى لفظ كم‏.‏
وقال‏:‏ والمعنى إذا وضع عشاء أحدكم فابدؤوا أنتم بالعشاء ولا يعجل هو حتى يفرغ معكم منه‏.‏
انتهى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابن عمر‏)‏ هو موصول عطفا على المرفوع، وقد رواه السراج من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع فذكر المرفوع ثم قال ‏"‏ قال نافع‏:‏ وكان ابن عمر إذا حضر عشاؤه وسمع الإقامة وقراءة الإمام لم يقم حتى يفرغ ‏"‏ ورواه ابن حبان من طريق ابن جريج عن نافع ‏"‏ أن ابن عمر كان يصلي المغرب إذا غابت الشمس‏.‏
وكان أحيانا يلقاه وهو صائم فيقدم له عشاؤه وقد نودي للصلاة ثم تقام وهو يسمع فلا يترك عشاءه، ولا يعجل حتى يقضي عشاءه، ثم يخرج فيصلي ‏"‏ انتهى، وهذا أصرح ما ورد عنه في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإنه يسمع‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وإنه ليسمع ‏"‏ بزيادة لام التأكيد في أوله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال زهير‏)‏ هو ابن معاوية الجعفي، وطريقه هذه موصولة عند أبي عوانة في مستخرجه، وأما رواية وهب بن عثمان فقد ذكر المصنف أن إبراهيم بن المنذر رواها عنه، وإبراهيم من شيوخ البخاري، وقد وافق زهيرا ووهبا أبو ضمرة عند مسلم وأبو بدر عند أبي عوانة والدراوردي عند السراج كلهم عن موسى بن عقبة، قال النووي‏:‏ في هذه الأحاديث كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله، لما فيه من ذهاب كمال الخشوع، ويلتحق به ما في معناه مما يشغل القلب، وهذا إذا كان في الوقت سعة، فإن ضاق صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز التأخير، وحكى المتولي وجها أنه يبدأ بالأكل وإن خرج الوقت، لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا إنما يجيء على قول من يوجب الخشوع، ثم فيه نظر ن المفسدتين إذا تعارضتا اقتصر على أخفهما، وخروج الوقت أشد من ترك الخشوع بدليل صلاة الخوف والغريق وغير ذلك، وإذا صلى لمحافظة الوقت صحت مع الكراهة وتستحب الإعادة عند الجمهور صلى الله عليه وسلم‏.‏
وادعى ابن حزم أن في الحديث دلالة على امتداد الوقت في حق من وضع له الطعام ولو خرج الوقت المحدود‏.‏
وقال مثل ذلك في حق النائم والناسي، واستدل النووي وغيره بحديث أنس على امتداد وقت المغرب، واعترضه ابن دقيق العيد بأنه إن أريد بذلك التوسعة إلى غروب الشفق ففيه نظر، وإن أريد به مطلق التوسعة فمسلم ولكن ليس محل الخلاف المشهور، فإن بعض من ذهب إلى ضيق وقتها جعله مقدرا بزمن يدخل فيه مقدار ما يتناول لقيمات يكسر بها سورة الجوع‏.‏
واستدل به القرطبي على أن شهود صلاة الجماعة ليس بواجب، لأن ظاهره أنه يشتغل بالأكل وإن فاتته الصلاة في الجماعة، وفيه نظر لأن بعض من ذهب إلى الوجوب كابن حبان جعل حضور الطعام عذرا في ترك الجماعة فلا دليل فيه حينئذ على إسقاط الوجوب مطلقا، وفيه دليل على تقديم فضيلة الخشوع في الصلاة على فضيلة أول الوقت، واستدل بعض الشافعية والحنابلة بقوله ‏"‏ فابدؤوا ‏"‏ على تخصيص ذلك بمن لم يشرع في الأكل، وأما من شرع ثم أقيمت الصلاة فلا يتمادى بل يقوم إلى الصلاة، قال النووي‏:‏ وصنيع ابن عمر يبطل ذلك، وهو الصواب‏.‏
وتعقب بأن صنيع ابن عمر اختيار له وإلا فالنظر إلى المعنى يقتضي ما ذكروه، لأنه يكون قد أخذ من الطعام ما دفع شغل البال به، ويؤيد ذلك حديث عمرو بن أمية المذكور في الباب بعده، ولعل ذلك هو السر في إيراد المصنف له عقبه، وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة بإسناد حسن عن أبي هريرة وابن عباس ‏"‏ أنهما كانا يأكلان طعاما وفي التنور شواء، فأراد المؤذن أن يقيم فقال له ابن عباس‏:‏ لا تعجل لئلا نقوم وفي أنفسنا منه شيء‏"‏‏.‏
وفي رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ لئلا يعرض لنا في صلاتنا‏"‏، وله عن الحسن ابن علي قال ‏"‏ العشاء قبل الصلاة يذهب النفس اللوامة ‏"‏ وفي هذا كله إشارة إلى أن العلة في ذلك تشوف النفس إلى الطعام، فينبغي أن يدار الحكم مع علته وجودا وعدما ولا يتقيد بكل ولا بعض، ويستثنى من ذلك الصائم فلا تكره صلاته بحضرة الطعام، إذ الممتنع بالشرع لا يشغل العاقل نفسه به، لكن إذا غلب استحب له التحول من ذلك المكان‏.‏
‏(‏فائدتان‏)‏ ‏:‏ ‏(‏الأولى‏)‏ قال ابن الجوزي‏:‏ ظن قوم أن هذا من باب تقديم حق العبد على حق الله، وليس كذلك، وإنما هو صيانة لحق الحق ليدخل الخلق في عبادته بقلوب مقبلة‏.‏
ثم إن طعام القوم كان شيئا يسيرا لا يقطع عن لحاق الجماعة غالبا‏.‏
‏(‏الثانية‏)‏ ما يقع في بعض كتب الفقه إذا حضر العشاء والعشاء فابدؤوا بالعشاء لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفظ، كذا في شرح الترمذي لشيخنا أبي الفضل، لكن رأيت بخط الحافظ قطب الدين أن ابن أبي شيبة أخرج عن إسماعيل وهو ابن علية عن ابن إسحاق قال حدثني عبد الله ابن رافع عن أم سلمة مرفوعا ‏"‏ إذا حضر العشاء وحضرت العشاء فابدءوا بالعشاء ‏"‏ فإن كان ضبطه فذاك، وإلا فقد رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل بلفظ ‏"‏ وحضرت الصلاة ‏"‏ ثم راجعت مصنف ابن أبي شيبة فرأيت الحديث فيه كما أخرجه أحمد، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا دُعِيَ الْإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا دعى الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل‏)‏ قيل أشار بهذا إلى أن الأمر الذي في الباب قبله للندب لا للوجوب، وقد قدمنا قول من فصل بين ما إذا أقيمت الصلاة قبل الشروع في الأكل أو بعده، فيحتمل أن المصنف كان يرى التفصيل، ويحتمل تقييده في الترجمة بالإمام أنه كان يرى تخصيصه به، وأما غيره من المأمومين فالأمر متوجه إليهم مطلقا، ويؤيده قوله فيما سبق ‏"‏ إذا وضع عشاء أحدكم ‏"‏ وقد قدمنا تقرير ذلك مع بقية فوائد الحديث في ‏"‏ باب من لم يتوضأ من لحم الشاة ‏"‏ من كتاب الطهارة‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ لعله صلى الله صلى الله عليه وسلم أخذ في خاصة نفسه بالعزيمة فقدم الصلاة على الطعام، وأمر غيره بالرخصة لأنه لا يقوى على مدافعة الشهوة قوته، وأيكم يملك أربه‏.‏
انتهى‏.‏
ويعكر على من استدل به على أن الأمر للندب احتمال أن يكون اتفق في تلك الحالة أنه قضى حاجته من الأكل فلا يتم الدلالة به‏.‏
وإبراهيم المذكور في الإسناد هو ابن سعد، وصالح هو ابن كيسان، والإسناد كله مدنيون‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2013, 12:01 PM   #272
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من كان في حاجة أهله‏)‏ كأنه أشار بهذه الترجمة إلى أنه لا يلحق بحكم الطعام كل أمر يكون للنفس تشوف إليه، إذ لو كان كذلك لم يبق للصلاة وقت في الغالب‏.‏
وأيضا فوضع الطعام بين يدي الآكل فيه زيادة تشوف، وكلما تأخر تناوله ازداد، بخلاف باقي الأمور‏.‏
ومحل النص إذا اشتمل على وصف اعتباره يتعين عدم إلغائه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏في مهنة أهله‏)‏ بفتح الميم وكسرها وسكون الهاء فيهما، وقد فسرها في الحديث بالخدمة، وهي من تفسير آدم بن أبي إياس شيخ المصنف لأنه أخرجه في الأدب عن حفص بن عمر، وفي النفقات عن محمد بن عرعرة، وأخرجه أحمد عن يحيى القطان وغندر والإسماعيلي من طريق ابن مهدي، ورواه أبو داود الطيالسي كلهم عن شعبة بدونها‏.‏
وفي الصحاح المهنة بالفتح الخدمة، وهذا موافق لما قاله، لكن فسرها صاحب المحكم بأخص من ذلك فقال‏:‏ المهنة الحذق بالخدمة والعمل‏.‏
ووقع في رواية المستملي وحده ‏"‏ في مهنة بيت أهله ‏"‏ وهي موجهة مع شذوذها، والمراد بالأهل نفسه أو ما هو أعم من ذلك‏.‏
وقد وقع مفسرا في الشمائل للترمذي من طريق عمرة عن عائشة بلفظ ‏"‏ ما كان إلا بشرا من البشر‏:‏ يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه ‏"‏ ولأحمد وابن حبان من رواية عروة عنها ‏"‏ يخيط ثوبه، ويخصف نعله ‏"‏ وزاد ابن حبان ‏"‏ ويرقع دلوه ‏"‏ زاد الحاكم في الإكليل ‏"‏ ولا رأيته ضرب بيده امرأة ولا خادما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا حضرت الصلاة‏)‏ في رواية ابن عرعرة ‏"‏ فإذا سمع الأذان ‏"‏ وهو أخص‏.‏
ووقع في الترجمة ‏"‏ فأقيمت الصلاة ‏"‏ وهي أخص، وكأنه أخذه من حديثها المتقدم في ‏"‏ باب من انتظر الإقامة ‏"‏ فإن فيه ‏"‏ حتى يأتيه المؤذن للإقامة‏"‏‏.‏
واستدل بحديث الباب على أنه لا يكره التشمير في الصلاة، وأن النهي عن كف الشعر والثياب للتنزيه، لكونها لم تذكر أنه أزاح عن نفسه هيئة المهنة، كذا ذكره ابن بطال ومن تبعه، وفيه نظر لأنه يحتاج إلى ثبوت أنه كان له هيئتان، ثم لا يلزم من ترك ذكر التهيئة للصلاة عدم وقوعه‏.‏
وفيه الترغيب في التواضع وترك التكبر وخدمة الرجل أهله وترجم عليه المؤلف في الأدب ‏"‏ كيف يكون الرجل في أهله‏"‏‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى بالناس الخ‏)‏ والحديث مطابق للترجمة، وكأنه لم يجزم فيها بالحكم لما سنبينه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ إِنِّي لَأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَقُلْتُ لِأَبِي قِلَابَةَ كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي قَالَ مِثْلَ شَيْخِنَا هَذَا قَالَ وَكَانَ شَيْخًا يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا وهيب‏)‏ هو ابن خالد، والإسناد كله بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة‏)‏ استشكل نفي هذه الإرادة لما يلزم عليها من وجود صلاة غير قربة ومثلها لا يصح، وأجيب بأنه لم يرد نفي القربة وإنما أراد بيان السبب الباعث له على الصلاة في غير وقت صلاة معينة جماعة، وكأنه قال ليس الباعث لي على هذا الفعل حضور صلاة معينة من أداء أو إعادة أو غير ذلك، وإنما الباعث لي عليه قصد التعليم، وكأنه كان تعين عليه حينئذ لأنه أحد من خوطب بقوله ‏"‏ صلوا كما رأيتموني أصلي ‏"‏ كما سيأتي، ورأى أن التعليم بالفعل أوضح من القول، ففيه دليل على جواز مثل ذلك وأنه ليس من باب التشريك في العبادة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أصلي‏)‏ زاد في ‏"‏ باب كيف يعتمد على الأرض ‏"‏ عن معلى عن وهيب ‏"‏ ولكني أريد أن أريكم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مثل شيخنا‏)‏ هو عمرو بن سلمة كما سيأتي في ‏"‏ باب اللبث بين السجدتين ‏"‏ وسياقه هناك أتم، ونذكر فوائده هناك إن شاء الله تعالى‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخرج صاحب العمدة هذا الحديث، وليس هو عند مسلم من حديث مالك بن الحويرث‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2013, 12:05 PM   #273
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة‏)‏ أي ممن ليس كذلك، ومقتضاه أن الأعلم والأفضل أحق من العالم والفاضل، وذكر الفضل بعد العلم من العام بعد الخاص، وسيأتي الكلام على ترتيب الأئمة بعد بابين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَعَادَتْ فَقَالَ مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حسين‏)‏ هو ابن علي الجعفي، والإسناد سوى الراوي عنه كلهم كوفيون، وأبو بردة هو ابن أبي موسى، ووهم من زعم أنه هنا أخوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رقيق‏)‏ أي رقيق القلب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لم يستطع‏)‏ أي من البكاء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأتاه الرسول‏)‏ هو بلال‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى بالناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي إلى أن مات، وكذا صرح به موسى ابن عقبة في المغازي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعْ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْ إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه عن عائشة‏)‏ كذا رواه جماعة عن مالك موصولا، وهو في أكثر نسخ الموطأ مرسلا ليس فيه عائشة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏مه‏)‏ هي كلمة زجر بنيت على السكون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليصل بالناس‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ للناس ‏"‏ وقد تقدم الكلام على فوائد هذين الحديثين في ‏"‏ باب حد المريض أن يشهد الجماعة ‏"‏ والظاهر أن حديث أبي موسى من مراسيل الصحابة، ويحتمل أن يكون تلقاه عن عائشة أو بلال‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ وَكَانَ تَبِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلَاةِ فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنْ الْفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجٌ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ وَأَرْخَى السِّتْرَ فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ
الشرح‏:‏
حديث أنس من طريق الزهري سيأتي في الوفاة من آخر المغازي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَمْ يَخْرُجْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحِجَابِ فَرَفَعَهُ فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَضَحَ لَنَا فَأَوْمَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَأَرْخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِجَابَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو معمر‏)‏ هو عبد الله بن عمرو، لا إسماعيل بن إبراهيم، وعبد العزيز هو ابن صهيب‏.‏
والإسناد كله بصريون‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ثلاثا‏)‏ كان ابتداؤها من حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم قاعدا كما تقدم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب‏)‏ هو من إجراء قال مجرى فعل وهو كثير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ما رأينا‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ما نظرنا ‏"‏ وقوله ‏"‏ فأومأ بيده إلى أبي بكر أن يتقدم ‏"‏ ليس مخالفا لقوله في أوله ‏"‏ فتقدم أبو بكر ‏"‏ بل في السياق حذف يظهر من رواية الزهري حيث قال فيها ‏"‏ فنكص أبو بكر ‏"‏ والحاصل أنه تقدم ثم ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فتأخر، فأشار إليه حينئذ أن يرجع إلى مكانه‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قع في حديث ابن عباس في نحو هذه القصة أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم في تلك الحالة ‏"‏ ألا وإني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا ‏"‏ الحديث، أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن معبد عنه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ قِيلَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ قَالَ مُرُوهُ فَيُصَلِّي فَعَاوَدَتْهُ قَالَ مُرُوهُ فَيُصَلِّي إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى الْكَلْبِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ عُقَيْلٌ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن حمزة بن عبد الله‏)‏ أي ابن عمر بن الخطاب، وفي كلام ابن بطال ما يوهم أنه حمزة ابن عمرو الأسلمي وهو خطأ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فعاودته‏)‏ بفتح الدال وسكون المثناة أي عائشة، وبسكون الدال وفتح النون، أي هي ومن معها من النساء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏تابعه الزبيدي‏)‏ أي تابع يونس بن يزيد، ومتابعته هذه وصلها الطبراني في مسند الشاميين من طريق عبد الله بن سالم الحمصي عنه موصولا مرفوعا وزاد فيه قولها ‏"‏ فمر عمر ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ فراجعته عائشة‏"‏‏.‏
ومتابعة ابن أخي الزهري وصلها ابن عدي من رواية الدراوردي عنه، ومتابعة إسحاق بن يحيى وصلها أبو بكر بن شاذان البغدادي في نسخة إسحاق بن يحيى في رواية يحيى بن صالح عنه‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ظن بعضهم أن قوله ‏"‏ عن الزهري ‏"‏ أي موقوفا عليه، وهو فاسد لما بيناه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال عقيل ومعمر الخ‏)‏ قال الكرماني‏:‏ الفرق بين رواية الزبيدي وابن أخي الزهري وإسحاق بن يحيى وبين رواية عقيل ومعمر أن الأولى متابعة والثانية مقاولة ا ه ومراده بالمقالة الإتيان فيها بصيغة قال، وليس في اصطلاح المحدثين صيغة مقاولة وإنما السر في تركه عطف رواية عقيل ومعمر على رواية يونس من تابعه أنهما أرسلا الحديث وأولئك وصلوه، أي أنهما خالفا يونس ومن تابعه فأرسلا الحديث، فأما رواية عقيل فوصلها الذهلي في الزهريات، وأما معمر فاختلف عليه فرواه ابن المبارك عنه رسلا كذلك أخرجه ابن سعد وأبو يعلى من طريقه، ورواه عبد الرزاق عن معمر موصولا لكن قال ‏"‏ عن عائشة ‏"‏ بدل قوله ‏"‏ عن أبيه ‏"‏ كذلك أخرجه مسلم، وكأنه رجح عنده لكون عائشة صاحبة القصة ولقاء حمزة لها ممكن، ورجح الأول عند البخاري لأن المحفوظ في هذا عن الزهري من حديث عائشة روايته لذلك عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنها، ومما يؤيده أن في رواية عبد الرزاق عن معمر متصلا بالحديث المذكور أن عائشة قالت ‏"‏ وقد عاودته، وما حملني على معاودته إلا أني خشيت أن يتشاءم الناس بأبي بكر ‏"‏ الحديث‏.‏
وهذه الزيادة إنما تحفظ من رواية الزهري عن عبيد الله عنها لا من رواية الزهري عن حمزة، وقد روى الإسماعيلي هذا الحديث عن الحسن بن سفيان عن يحيى بن سليمان شيخ البخاري فيه مفصلا، فجعل أوله من رواية الزهري عن حمزة عن أبيه بالقدر الذي أخرجه البخاري، وآخره من رواية الزهري عن عبيد الله عنها، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الْإِمَامِ لِعِلَّةٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من قام‏)‏ أي صلى ‏(‏إلى جنب الإمام لعلة‏)‏ أي سبب اقتضى ذلك، وقد تقدم ما فيه في ‏"‏ باب حد المريض‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ قَالَ عُرْوَةُ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال عروة فوجد‏)‏ هو بالإسناد المذكور، ووهم من جعله معلقا‏.‏
ثم إن ظاهره الإرسال من قوله ‏"‏ فوجد الخ ‏"‏ لكن رواه ابن أبي شيبة عن ابن نمير بهذا الإسناد متصلا بما قبله، وأخرجه ابن ماجه عنه، وكذا وصله الشافعي عن يحيى بن حبان عن حماد بن سلمة عن هشام، وكذا وصله عن عروة عنها كما تقدم، ويحتمل أن يكون عروة أخذه عن عائشة وعن غيرها، فلذلك قطعه عن القدر الأول الذي أخذه عنها وحدها، والأصل في الإمام أن يكون متقدما على المأمومين إلا إن ضاق المكان أو لم يكن إلا مأموم واحد، وكذا لو كانوا عراة، وما عدا ذلك يجوز ولكن تفوت الفضيلة‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2013, 12:06 PM   #274
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ فَجَاءَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ فَتَأَخَّرَ الْأَوَّلُ أَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ جَازَتْ صَلَاتُهُ
فِيهِ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب من دخل‏)‏ أي إلى المحراب مثلا ‏(‏ليؤم الناس فجاء الإمام الأول‏)‏ أي الراتب ‏(‏فتأخر الأول‏)‏ أي الداخل فكل منهما أول باعتبار، والمعرفة إذا أعيدت كانت عين الأولى إلا بقرينة، وقرينة كونها غيرها هنا ظاهرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فيه عائشة‏)‏ يشير بالشق الأول وهو ما إذا تأخر إلى رواية عروة عنها في الباب الذي قبله حيث قال ‏"‏ فلما رآه استأخر ‏"‏ وبالثاني وهو ما إذا لم يستأخر إلى رواية عبد الله عنها حيث قال ‏"‏ فأراد أن يتأخر ‏"‏ وقد تقدمت في ‏"‏ باب حد المريض ‏"‏ والجواز مستفاد من التقرير، وكلا الأمرين قد وقعا في حديث الباب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ قَالَ نَعَمْ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ امْكُثْ مَكَانَكَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سهل بن سعد‏)‏ في رواية النسائي من طريق سفيان عن أبي حازم ‏"‏ سمعت سهلا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذهب إلى بني عمرو بن عوف‏)‏ أي ابن مالك بن الأوس، والأوس أحد قبيلتي الأنصار وما الأوس والخزرج، وبنو عمرو بن عوف بطن كبير من الأوس فيه عدة أحياء كانت منازلهم بقباء، منهم بنو أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف وبنو ضبيعة بن زيد وبنو ثعلبة بن عمرو بن عوف، والسبب في ذهابه صلى الله عليه وسلم إليهم ما في رواية سفيان المذكورة قال ‏"‏ وقع بين حيين من الأنصار كلام ‏"‏ وللمؤلف في الصلح من طريق محمد بن جعفر عن أبي حازم ‏"‏ أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال‏:‏ اذهبوا بنا نصلح بينهم ‏"‏ وله فيه من رواية أبي غسان عن أبي حازم ‏"‏ فخرج في أناس من أصحابه ‏"‏ وسمي الطبراني منهم من طريق موسى بن محمد عن أبي حازم أبي بن كعب وسهيل بن بيضاء، وللمؤلف في الأحكام من طريق حماد بن زيد عن أبي حازم أن توجهه كان بعد أن صلى الظهر، وللطبراني من طريق عمر بن علي عن أبي حازم أن الخبر جاء بذلك وقد أذن بلال لصلاة الظهر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فحانت الصلاة‏)‏ أي صلاة العصر، وصرح به في الأحكام ولفظه ‏"‏ فلما حضرت صلاة العصر أذن وأقام وأمر أبا بكر فتقدم ‏"‏ ولم يسم فاعل ذلك، وقد أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان من رواية حماد المذكورة فبين الفاعل وأن ذلك كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظه ‏"‏ فقال لبلال إن حضرت العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس، فلما حضرت العصر أذن بلال ثم أقام ثم أمر أبا بكر فتقدم ‏"‏ ونحوه للطبراني من رواية موسى بن محمد عن أبي حازم، وعرف بهذا أن المؤذن بلال‏.‏
وأما قوله لأبي بكر ‏"‏ أتصلي للناس ‏"‏ فلا يخالف ما ذكر لأنه يحمل على أنه استفهمه هل يبادر أول الوقت أو ينتظر قليلا ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏ ورجح عند أبي بكر المبادرة لأنها فضيلة متحققة فلا تترك لفضيلة متوهمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أقيم‏)‏ بالنصب ويجوز الرفع‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال نعم‏)‏ زاد في رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه ‏"‏ إن شئت ‏"‏ وهو في ‏"‏ باب رفع الأيدي ‏"‏ عند المؤلف، وإنما فوض ذلك له لاحتمال أن يكون عنده زيادة علم من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى أبو بكر‏)‏ أي دخل في الصلاة، ولفظ عبد العزيز المذكور ‏"‏ وتقدم أبو بكر فكبر ‏"‏ وفي رواية المسعودي عن أبي حازم ‏"‏ فاستفتح أبو بكر الصلاة ‏"‏ وهي عند الطبراني، وبهذا يجاب عن الفرق بين المقامين حيث امتنع أبو بكر هنا أن يستمر إماما وحيث استمر في مرض موته صلى الله عليه وسلم حين صلى خلفه الركعة الثانية من الصبح كما صرح به موسى بن عقبة في المغازي، فكأنه لما أن مضى معظم الصلاة حسن الاستمرار ولما أن لم يمض منها إلا اليسير لم يستمر‏.‏
وكذا وقع لعبد الرحمن بن عوف حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه الركعة الثانية من الصبح فإنه استمر في صلاته إماما لهذا المعنى، وقصة عبد الرحمن عند مسلم من حديث المغيرة بن شعبة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فتخلص‏)‏ في رواية عبد العزيز ‏"‏ فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف يشقها شقا حتى قام في الصف الأول ‏"‏ ولمسلم ‏"‏ فخرق الصفوف حتى قام عند الصف المتقدم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصفق الناس‏)‏ في رواية عبد العزيز ‏"‏ فأخذ الناس في التصفيح‏.‏
قال سهل‏:‏ أتدرون ما التصفيح‏؟‏ هو التصفيق‏"‏‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا يدل على ترادفهما عنده فلا يلتفت إلى ما يخالف ذلك، وسيأتي البحث فيه في باب مفرد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان أبو بكر لا يلتفت‏)‏ قيل كان ذلك لعلمه بالنهي عن ذلك، وقد صح أنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد كما سيأتي في باب مفرد في صفة الصلاة ‏"‏ فلما أكثر الناس التصفيق ‏"‏ في رواية حماد بن زيد ‏"‏ فلما رأى التصفيح لا يمسك عنه التفت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأشار إليه أن امكث مكانك‏)‏ في رواية عبد العزيز ‏"‏ فأشار إليه يأمره أن يصلي ‏"‏ وفي رواية عمر بن علي ‏"‏ فدفع في صدره ليتقدم فأبى‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فرفع أبو بكر يديه فحمد الله‏)‏ ظاهره أنه تلفظ بالحمد، لكن في رواية الحميدي عن سفيان ‏"‏ فرفع أبو بكر رأسه إلى السماء شكرا لله ورجع القهقري ‏"‏ وادعى ابن الجوزي أنه أشار بالشكر والحمد بيده ولم يتكلم، وليس في رواية الحميدي ما يمنع أن يكون تلفظ، ويقوى ذلك ما عند أحمد من رواية عبد العزيز الماجشون عن أبي حازم ‏"‏ يا أبا بكر لم رفعت يديك وما منعك أن تثبت حين أشرت إليك‏؟‏ قال‏:‏ رفعت يدي لأني حمدت الله على ما رأيت منك ‏"‏ زاد المسعودي ‏"‏ فلما تنحى تقدم النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ونحوه في رواية حماد بن زيد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية الحمادين والماجشون ‏"‏ أن يؤم النبي صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أكثرتم التصفيق‏)‏ ظاهره أن الإنكار إنما حصل عليهم لكثرته لا لمطلقه، وسيأتي البحث فيه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏من نابه‏)‏ أي أصابه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فليسبح‏)‏ في رواية يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم ‏"‏ فليقل سبحان الله ‏"‏ وسيأتي في باب الإشارة في الصلاة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏التفت إليه‏)‏ بضم المثناة على البناء للمجهول‏.‏
وفي رواية يعقوب المذكورة ‏"‏ فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله إلا التفت‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإنما التصفيق للنساء‏)‏ في رواية عبد العزيز ‏"‏ وإنما التصفيح للنساء ‏"‏ زاد الحميدي ‏"‏ والتسبيح للرجال ‏"‏ وقد روى المصنف هذه الجملة الأخيرة مقتصرا عليها من رواية الثوري عن أبي حازم كما سيأتي في ‏"‏ باب التصفيق للنساء ‏"‏ ووقع في رواية حماد بن زيد بصيغة الأمر ولفظه ‏"‏ إذا نابكم أمر فليسبح الرجال وليصفح النساء‏"‏‏.‏
وفي هذا الحديث فضل الإصلاح بين الناس وجمع كلمة القبيلة وحسم مادة القطيعة، وتوجه الإمام بنفسه إلى بعض رعيته لذلك، وتقديم مثل ذلك على مصلحة الإمامة بنفسه‏.‏
واستنبط منه توجه الحاكم لسماع دعوى بعض الخصوم إذا رجح ذلك على استحضارهم‏.‏
وفيه جواز الصلاة الواحدة بإمامين أحدهما بعد الآخر، وأن الإمام الراتب إذا غاب يستخلف غيره، وأنه إذا حضر بعد أن دخل نائبه في الصلاة يتخير بين أن يأتم به أو يؤم هو ويصير النائب مأموما من غير أن يقطع الصلاة، ولا يبطل شيء من ذلك صلاة أحد من المأمومين‏.‏
وادعى ابن عبد البر أن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وادعى الإجماع على عدم جواز ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم، ونوقض بأن الخلاف ثابت، فالصحيح المشهور عند الشافعية الجواز، وعن ابن القاسم في الإمام يحدث فيستخلف ثم يرجع فيخرج المستخلف ويتم الأول أن الصلاة صحيحة، وفيه جواز إحرام المأموم قبل الإمام، وأن المرء قد يكون في بعض صلاته إماما وفي بعضها مأموما، وأن من أحرم منفردا ثم أقيمت الصلاة جاز له الدخول مع الجماعة من غير قطع لصلاته، كذا استنبطه الطبري من هذه القصة، وهو مأخوذ من لازم جواز إحرام الإمام بعد المأموم كما ذكرنا، وفيه فضل أبي بكر على جميع الصحابة‏.‏
واستدل به جمع من الشراح ومن الفقهاء كالروياني على أن أبا بكر كان عند الصحابة أفضلهم لكونهم اختاروه دون غيره، وعلى جواز تقديم الناس لأنفسهم إذا غاب إمامهم، قالوا‏:‏ ومحل ذلك إذا أمنت الفتنة والإنكار من الإمام، وأن الذي يتقدم نيابة عن الإمام يكون أصلحهم لذلك الأمر وأقومهم به، وأن المؤذن وغيره يعرض التقدم على الفاضل وأن الفاضل يوافقه بعد أن يعلم أن ذلك برضا الجماعة ا ه‏.‏
وكل ذلك مبني على أن الصحابة فعلوا ذلك بالاجتهاد، وقد قدمنا أنهم إنما فعلوا ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أن الإقامة واستدعاء الإمام من وظيفة المؤذن، وأنه لا يقيم إلا بإذن الإمام، وأن فعل الصلاة - لا سيما العصر - في أول الوقت مقدم على انتظار الإمام الأفضل، وفيه جواز التسبيح والحمد في الصلاة لأنه من ذكر الله ولو كان مراد المسبح إعلام غيره بما صدر منه، وسيأتي في باب مفرد، وفيه رفع اليدين في الصلاة عند الدعاء والثناء وسيأتي كذلك، وفيه استحباب حمد الله لمن تجددت له نعمة ولو كان في الصلاة، وفيه جواز الالتفات للحاجة وأن مخاطبة المصلي بالإشارة أولى من مخاطبته بالعبارة‏.‏
وأنها تقوم مقام النطق لمعاتبة النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على مخالفة إشارته‏.‏
وفيه جواز شق الصفوف والمشي بين المصلين لقصد الوصول إلى الصف الأول لكنه مقصور على من يليق ذلك به كالإمام أو من كان بصدد أن يحتاج الإمام إلى استخلافه أو من أراد سد فرجة في الصف الأول أو ما يليه مع ترك من يليه سدها ولا يكون ذلك معدودا من الأذى‏.‏
قال المهلب‏:‏ لا تعارض بين هذا وبين النهي عن التخطي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كغيره في أمر الصلاة ولا غيرها، لأن له أن يتقدم بسبب ما ينزل عليه من الأحكام، وأطال في تقرير ذلك‏.‏
وتعقب بأن هذا ليس من الخصائص، وقد أشار هو إلى المعتمد في ذلك فقال‏:‏ ليس في ذلك شيء من الأذى والجفاء الذي يحصل من التخطي، وليس كمن شق الصفوف والناس جلوس لما فيه من تخطي رقابهم‏.‏
وفيه كراهية التصفيق في الصلاة وسيأتي في باب مفرد، وفيه الحمد والشكر على الوجاهة في الدين وأن من أكرم بكرامة يتخير بين القبول والترك إذا فهم أن ذلك الأمر على غير جهة اللزوم وكأن القرينة التي بينت لأبي بكر ذلك هي كونه صلى الله عليه وسلم شق الصفوف إلى أن انتهى إليه فكأنه فهم من ذلك أن مراده أن يؤم الناس، وأن أمره إياه بالاستمرار في الإمامة من باب الإكرام له والتنويه بقدره، فسلك هو طريق الأدب والتواضع‏.‏
ورجح ذلك عنده احتمال نزول الوحي في حال الصلاة لتغيير حكم من أحكامها، وكأنه لأجل هذا لم يتعقب صلى الله عليه وسلم اعتذاره برد عليه‏.‏
وفيه جواز إمامة المفضول للفاضل، وفيه سؤال الرئيس عن سبب مخالفة أمره قبل الزجر عن ذلك، وفيه إكرام الكبير بمخاطبته بالكنية، واعتماد ذكر الرجل لنفسه بما يشعر بالتواضع من جهة استعمال أبي بكر خطاب الغيبة مكان الحضور‏.‏
إذ كان حد الكلام أن يقول أبو بكر‏:‏ ما كان لي، فعدل عنه إلى قوله‏:‏ ما كان لابن أبي قحافة، لأنه أدل على التواضع من الأول، وفيه جواز العمل القليل في الصلاة لتأخر أبي بكر عن مقامه إلى الصف الذي يليه، وأن من احتاج إلى مثل ذلك يرجع القهقري ولا يستدبر القبلة ولا ينحرف عنها‏.‏
واستنبط ابن عبد البر منه جواز الفتح على الإمام، لأن التسبيح إذا جاز جازت التلاوة من باب الأولى، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2013, 12:10 PM   #275
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم‏)‏ هذه الترجمة مع ما سأبينه من زيادة في بعض طرق حديث الباب منتزعة من حديث أخرجه مسلم من رواية أبي مسعود الأنصاري مرفوعا ‏"‏ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانت قراءتهم سواء صلى الله عليه وسلم فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا ‏"‏ الحديث‏.‏
ومداره على إسماعيل بن رجاء عن أوس ضمعج عنه، وليسا جميعا من شرط البخاري، وقد نقل ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أن شعبة كان يتوقف في صحة هذا الحديث، ولكن هو في الجملة يصلح للاحتجاج به عند البخاري، وقد علق منه طرفا بصيغة الجزم كما سيأتي، واستعمله هنا في الترجمة، وأورد في الباب ما يؤدي معناه وهو حديث مالك بن الحويرث لكن ليس فيه التصريح باستواء المخاطبين في القراءة، وأجاب الزين بن المنير وغيره بما حاصله أن تساوى هجرتهم وإقامتهم وغرضهم بها مع ما في الشباب غالبا من الفهم - ثم توجه الخطاب إليهم بأن يعلموا من وراءهم من غير تخصيص بعضهم دون بعض - دال على استوائهم في القراءة والتفقه في الدين‏.‏
قلت‏:‏ وقد وقع التصريح بذلك فيما رواه أبو داود من طريق مسلمة بن محمد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة في هذا الحديث قال ‏"‏ وكنا يومئذ متقاربين في العلم ‏"‏ انتهى‏.‏
وأظن في هذه الرواية إدراجا، فإن ابن خزيمة رواه من طريق إسماعيل بن علية عن خالد قال ‏"‏ قلت لأبي قلابة فأين القراءة‏؟‏ قال‏:‏ إنهما كانا متقاربين ‏"‏ وأخرجه مسلم من طريق حفص بن غياث عن خالد الحذاء وقال فيه ‏"‏ قال الحذاء‏:‏ وكانا متقاربين في القراءة‏"‏‏.‏
ويحتمل أن يكون مستند أبي قلابة في ذلك هو إخبار مالك بن الحويرث، كما أن مستند الحذاء هو إخبار أبي قلابة له به فينبغي الإدراج عن الإسناد صلى الله عليه وسلم والله أعلم‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ضمعج والد أوس بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وفتح العين المهملة بعدها جيم معناه الغليظ، وقوله في حديث أبي مسعود ‏"‏ أقرؤهم ‏"‏ قيل المراد به الأفقه وقيل هو على ظاهره، وبحسب ذلك اختلف الفقهاء‏.‏
قال النووي قال أصحابنا‏:‏ الأفقه مقدم على الأقرأ، فإن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، فقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصلاة فيه إلا كامل الفقه، ولهذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة على الباقين مع أنه صلى الله عليه وسلم نص على أن غيره أقرأ منه، كأنه عنى حديث أقرؤكم أبي‏.‏
قال‏:‏ وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه‏.‏
قلت‏:‏ وهذا الجواب يلزم منه أن من نص النبي صلى الله عليه وسلم على أنه أقرأ من أبي بكر كان أفقه من أبي بكر فيفسد الاحتجاج بأن تقديم أبي بكر كان لأنه الأفقه‏.‏
ثم قال النووي بعد ذلك‏:‏ إن قوله في حديث أبي مسعود ‏"‏ فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم في الهجرة ‏"‏ يدل على تقديم الأقرأ مطلقا انتهى‏.‏
وهو واضح للمغايرة‏.‏
وهذه الرواية أخرجها مسلم أيضا من وجه آخر عن إسماعيل بن رجاء، ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفا بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة، فأما إذا كان جاهلا بذلك فلا يقدم اتفاقا، والسبب فيه أن أهل ذلك العصر كانوا يعرفون معاني القرآن لكونهم أهل اللسان، فالأقرأ منهم بل القارئ كان أفقه في الدين من كثير من الفقهاء الذين جاءوا بعدهم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ فَلَبِثْنَا عِنْدَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا فَقَالَ لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى بِلَادِكُمْ فَعَلَّمْتُمُوهُمْ مُرُوهُمْ فَلْيُصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَصَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونحن شببة‏)‏ بفتح المعجمة والموحدتين جمع شاب، زاد في الأدب من طريق ابن علية عن أيوب ‏"‏ شببة متقاربون ‏"‏ والمراد تقاربهم في السن، لأن ذلك كان في حال قدومهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏نحوا من عشرين‏)‏ في رواية ابن علية المذكورة الجزم به ولفظه ‏"‏ فأقمنا عنده عشرين ليلة ‏"‏ والمراد بأيامها، ووقع التصريح بذلك في روايته في خبر الواحد من طريق عبد الوهاب عن أيوب‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏رحيما فقال لو رجعتم‏)‏ في رواية ابن علية وعبد الوهاب ‏"‏ رحيما رقيقا ‏"‏ فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا، وسألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه فقال‏:‏ ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم‏"‏، ويمكن الجمع بينهما بأن يكون عرض ذلك عليهم على طريق الإيناس بقوله ‏"‏ لو رجعتم ‏"‏ إذ لو بدأهم بالأمر بالرجوع لأمكن أن يكون فيه تنفير فيحتمل أن يكونوا أجابوه بنعم فأمرهم حينئذ بقوله ‏"‏ ارجعوا‏"‏، واقتصار الصحابي على ذكر سبب الأمر برجوعهم بأنه الشوق إلى أهليهم دون قصد التعليم هو لما قام عنده من القرينة الدالة على ذلك، ويمكن أن يكون عرف ذلك بتصريح القول منه صلى الله عليه وسلم وإن كان سبب تعليمهم قومهم أشرف في حقهم، لكنه أخبر بالواقع ولم يتزين بما ليس فيهم، ولما كانت نيتهم صادقة صادف شوقهم إلى أهلهم الحظ الكامل في الدين وهو أهلية التعليم كما قال الإمام أحمد في الحرص على طلب الحديث‏:‏ حظ وافق حقا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وليؤمكم أكبركم‏)‏ ظاهره تقديم الأكبر بكثير السن وقليله، وأما من جوز أن يكون مراده بالكبر ما هو أعم من السن أو القدر كالتقدم في الفقه والقراءة والدين فبعيد لما تقدم من فهم راوي الخبر حيث قال للتابعي ‏"‏ فأين القراءة ‏"‏ فإنه دال على أنه أراد كبر السن، وكذا دعوى من زعم أن قوله ‏"‏ وليؤمكم أكبركم ‏"‏ معارض بقوله ‏"‏ يؤم القوم أقرؤهم ‏"‏ لأن الأول يقتضي تقديم الأكبر على الأقرأ والثاني عكسه، ثم انفصل عنه بأن قصة مالك بن الحويرث واقعة عين قابلة للاحتمال بخلاف الحديث الآخر فإنه تقرير قاعدة تفيد التعميم، قال‏:‏ فيحتمل أن يكون الأكبر منهم كان يومئذ هو الأفقه‏.‏
انتهى‏.‏
والتنصيص على تقاربهم في العلم يرد عليه، فالجمع الذي قدمناه أولى والله أعلم‏.‏
وفي الحديث أيضا فضل الهجرة والرحلة في طلب العلم وفضل التعليم، وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة والاهتمام بأحوال الصلاة وغيرها من أمور الدين، وإجازة خبر الواحد وقيام الحجة به، وتقدم الكلام على بقية فوائده في ‏"‏ باب من قال يؤذن في السفر مؤذن واحد‏"‏‏.‏
ويأتي الكلام على قوله صلوا كما رأيتموني أصلي في ‏"‏ باب إجازة خبر الواحد ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏
*

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2013, 12:12 PM   #276
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا زَارَ الْإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا زار الإمام قوما فأمهم‏)‏ قيل أشار بهذه الترجمة إلى أن حديث مالك بن الحويرث الذي أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه مرفوعا ‏"‏ من زار قوما فلا يؤمهم، وليؤمهم رجل منهم ‏"‏ محمول على من عدا الإمام الأعظم‏.‏
وقال الزين بن المنير‏:‏ مراده أن الإمام الأعظم ومن يجري مجراه إذا حضر بمكان مملوك لا يتقدم عليه مالك الدار أو المنفعة، ولكن ينبغي للمالك أن يأذن له ليجمع بين الحقين حق الإمام في التقدم، وحق المالك في منع التصرف بغير إذنه‏.‏
انتهى ملخصا‏.‏
ويحتمل أنه أشار إلى ما في حديث أبي مسعود المتقدم ‏"‏ ولا يؤم الرجل في سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه ‏"‏ فإن مالك الشيء سلطان عليه، والإمام الأعظم سلطان على المالك، وقوله ‏"‏إلا بإذنه ‏"‏ يحمل عوده على الأمرين الإمامة والجلوس، وبذلك جزم أحمد كما حكاه الترمذي عنه، فتحصل بالإذن مراعاة الجانبين‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الْأَنْصارِيَّ قَالَ اسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنْتُ لَهُ فَقَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ فَقَامَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا معاذ بن أسد‏)‏ هو مروزي سكن البصرة وليس هو أخا لمعلى بن أسد أحد شيوخ البخاري أيضا، كان معاذ المذكور كاتبا لعبد الله بن المبارك وهو شيخه في هذا الإسناد، وقد تقدم الكلام على حديث عتبان مستوفى في ‏"‏ باب المساجد التي في البيوت‏"‏‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ
وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بِالنَّاسِ وَهُوَ جَالِسٌ
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا رَفَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ يَعُودُ فَيَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا رَفَعَ ثُمَّ يَتْبَعُ الْإِمَامَ وَقَالَ الْحَسَنُ فِيمَنْ يَرْكَعُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ يَسْجُدُ لِلرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقْضِي الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِسُجُودِهَا وَفِيمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً حَتَّى قَامَ يَسْجُدُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إنما جعل الإمام ليؤتم به‏)‏ هذه الترجمة قطعة من الحديث الآتي في الباب، والمراد بها أن الائتمام يقتضي متابعة المأموم لإمامه في أحوال الصلاة، فتنتفي المقارنة والمسابقة والمخالفة إلا ما دل الدليل الشرعي عليه، ولهذا صدر المصنف الباب بقوله ‏"‏ وصلى النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه وهو جالس، أي والناس خلفه قياما ولم يأمرهم بالجلوس كما سيأتي، فدل على دخول التخصيص في عموم قوله ‏"‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن مسعود الخ‏)‏ وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح وسياقه أتم ولفظه ‏"‏ لا تبادروا‏.‏
أئمتكم بالركوع ولا بالسجود، وإذا رفع أحدكم رأسه والإمام ساجد فليسجد، ثم ليمكث قدر ما سبقه به الإمام ‏"‏ انتهى‏.‏
وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إنما جعل الإمام ليؤتم به ‏"‏ ومن قوله ‏"‏ وما فاتكم فأتموا‏"‏‏.‏
وروى عبد الرزاق عن عمر نحو قول ابن مسعود ولفظه ‏"‏ أيما رجل رفع رأسه قبل الإمام في ركوع أو سجود فليضع رأسه بقدر رفعه إياه ‏"‏ وإسناده صحيح، قال الزين بن المنير‏:‏ إذا كان الرافع المذكور يؤمر عنده بقضاء القدر الذي خرج فيه عن الإمام فأولى أن يتبعه في جملة السجود فلا يسجد حتى يسجد، وظهرت بهذا مناسبة هذا الأثر للترجمة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏قال الحسن الخ‏)‏ فيه فرعان‏:‏ أما الفرع الأول فوصله ابن المنذر في كتابه الكبير ورواه سعيد بن منصور عن هشم عن يونس عن الحسن ولفظه ‏"‏ في الرجل يركع يوم الجمعة فيزحمه الناس فلا يقدر على السجود - قال - فإذا فرغوا من صلاتهم سجد سجدتين لركعته الأولى ثم يقوم فيصلي ركعة وسجدتين ‏"‏ ومقتضاه أن الإمام لا يتحمل الأركان، فمن لم يقدر على السجود معه لم تصح له الركعة، ومناسبته للترجمة من جهة أن المأموم لو كان له أن ينفرد عن الإمام لم يستمر متابعا في صلاته التي اختل بعض أركانها حتى يحتاج إلى تداركه بعد فراغ الإمام‏.‏
وأما الفرع الثاني فوصله ابن أبي شيبة وسياقه أتم ولفظه ‏"‏ في رجل نسي سجدة من أول صلاته فلم يذكرها حتى كان آخر ركعة من صلاته - قال - يسجد ثلاث سجدات، فإن ذكرها قبل السلام يسجد سجدة واحدة، وإن ذكرها بعد انقضاء الصلاة يستأنف الصلاة ‏"‏ وقد تقدم الكلام على حديث عائشة الأول في ‏"‏ باب حد المريض أن يشهد الجماعة ‏"‏ وقد ذكرنا مناسبته للترجمة قبل، وقوله فيه ‏"‏ ضعوني ماء ‏"‏ كذا للمستملي والسرخسي بالنون وللباقين ‏"‏ ضعوا لي ‏"‏ وهو أوجه، وكذلك أخرجه مسلم عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه، والأول كما قال الكرماني محمول على تضمين الوضع معنى الإعطاء أو على نزع الخافض أي ضعوني في ماء‏.‏
والمخضب تقدم الكلام عليه في أبواب الوضوء، وأن الماء الذي اغتسل به كان من سبع قرب، وذكرت حكمة ذلك هناك‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ أَلَا تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ بَلَى ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ قَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ قَالَتْ فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ قَالَتْ فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ قُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ أَصَلَّى النَّاسُ فَقُلْنَا لَا هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَام لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الْأَيَّامَ ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ لَا يَتَأَخَّرَ قَالَ أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ يَأْتَمُّ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَهُ أَلَا أَعْرِضُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَاتِ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَدِيثَهَا فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ أَسَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ قُلْتُ لَا قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏ذهب‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ثم ذهب‏"‏‏.‏
‏(‏لينوء‏)‏ بضم النون بعدها مدة، أي لينهض بجهد قوله‏:‏ ‏(‏فأغمي عليه‏)‏ فيه أن الإغماء جائز على الأنبياء لأنه شبيه بالنوم، قال النووي‏:‏ جاز عليهم لأنه مرض من الأمراض بخلاف الجنون فلم يجز عليهم لأنه نقص‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ينتظرون النبي عليه السلام لصلاة العشاء‏)‏ كذا للأكثر بلام التعليل‏.‏
وفي رواية المستملي والسرخسي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لصلاة العشاء الآخرة‏"‏، وتوجيهه أن الراوي كأنه فسر الصلاة المسئول عنها في قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أصلى الناس ‏"‏ فذكره، أي الصلاة المسئول عنها هي العشاء الآخرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فخرج بين رجلين‏)‏ كذا للكشميهني وللباقين ‏"‏ وخرج ‏"‏ بالواو‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لصلاة الظهر‏)‏ هو صريح في أن الصلاة المذكورة كانت الظهر، وزعم بعضهم أنها الصبح، واستدل بقوله في رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس ‏"‏ وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم القراءة من حيث بلغ أبو بكر ‏"‏ هذا لفظ ابن ماجه وإسناده حسن، لكن في الاستدلال به نظر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم سمع لما قرب من أبي بكر الآية التي كان انتهى إليها خاصة، وقد كان هو صلى الله عليه وسلم يسمع الآية أحيانا في الصلاة السرية كما سيأتي من حديث أبي قتادة، ثم لو سلم لم يكن فيه دليل على أنها الصبح بل يحتمل أن تكون المغرب، فقد ثبت في الصحيحين عن أم الفضل بنت الحارث قالت ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفا، ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله ‏"‏ وهذا لفظ البخاري، وسيأتي في باب الوفاة من آخر المغازي، لكن وجدت بعد في النسائي أن هذه الصلاة التي ذكرتها أم الفضل كانت في بيته، وقد صرح الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بالناس في مرض موته في المسجد إلا مرة واحدة، وهي هذه التي صلى فيها قاعدا، وكان أبو بكر فيها أولا إماما ثم صار مأموما يسمع الناس التكبير‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم‏)‏ كذا للأكثر، وللمستملي والسرخسي ‏"‏ وهو يأتم ‏"‏ من الائتمام، واستدل بهذا الحديث على أن استخلاف الإمام الراتب إذا اشتكى أولى من صلاته بهم قاعدا، لأنه صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر ولم يصل بهم قاعدا غير مرة واحدة، واستدل به على صحة إمامة القاعد المعذور بمثله وبالقائم أيضا، وخالف في ذلك مالك في المشهور عنه ومحمد بن الحسن فيما حكاه الطحاوي، ونقل عنه أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم واحتج بحديث جابر عن الشعبي مرفوعا ‏"‏ لا يؤمن أحد بعدي جالسا ‏"‏ واعترضه الشافعي فقال‏:‏ قد علم من احتج بهذا أن لا حجة فيه لأنه مرسل، ومن رواية رجل يرغب أهل العلم عن الرواية عنه يعني جابرا الجعفي‏.‏
وقال ابن بزيزة‏:‏ لو صح لم يكن فيه حجة لأنه يحتمل أن يكون المراد منع الصلاة بالجالس، أي يعرب قوله جالسا مفعولا لا حالا‏.‏
وحكى عياض عن بعض مشايخهم أن الحديث المذكور يدل على نسخ أمره المتقدم لهم بالجلوس لما صلوا خلفه قياما‏.‏
وتعقب بأن ذلك يحتاج لو صح إلى تاريخ، وهو لا يصح‏.‏
لكنه زعم أنه تقوى بأن الخلفاء الراشدين لم يفعله أحد منهم، قال‏:‏ والنسخ لا يثبت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن مواظبتهم على ترك ذلك تشهد لصحة الحديث المذكور‏.‏
وتعقب بأن عدم النقل لا يدل على عدم الوقوع، ثم لو سلم لا يلزم منه عدم الجواز لاحتمال أن يكونوا اكتفوا باستخلاف القادر على القيام للاتفاق على أن صلاة القاعد بالقائم مرجوحة بالنسبة إلى صلاة القائم بمثله، وهذا كاف في بيان سبب تركهم الإمامة من قعود، واحتج أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى بهم قاعدا لأنه لا يصح التقدم بين يديه لنهي الله عن ذلك ولأن الأئمة شفعاء ولا يكون أحد شافعا له، وتعقب بصلاته صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف، وهو ثابت بلا خلاف‏.‏
وصح أيضا أنه صلى خلف أبي بكر كما قدمناه‏.‏
والعجب أن عمدة مالك في منع إمامة القاعد قول ربيعة‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في تلك الصلاة مأموما خلف أبي بكر، وإنكاره أن يكون صلى الله عليه وسلم أم في مرض موته قاعدا كما حكاه عنه الشافعي في الأم، فكيف يدعي أصحابه عدم تصوير أنه صلى مأموما‏؟‏ وكأن حديث إمامته المذكور لما كان في غاية الصحة ولم يمكنهم رده سلكوا في الانتصار وجوها مختلفة، وقد تبين بصلاته خلف عبد الرحمن بن عوف أن المراد بمنع التقدم بين يديه في غير الإمامة، وأن المراد بكون الأئمة شفعاء أي في حق من يحتاج إلى الشفاعة‏.‏
ثم لو سلم أنه لا يجوز أن يؤمه أحد لم يدل ذلك على منع إمامة القاعد، وقد أم قاعدا جماعة من الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم منهم أسيد بن حضير وجابر وقيس بن فهد وأنس بن مالك، والأسانيد عنهم بذلك صحيحة أخرجها عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم، بل ادعى ابن حبان وغيره إجماع الصحابة على صحة إمامة القاعد كما سيأتي‏.‏
وقال أبو بكر بن العربي‏:‏ لا جواب لأصحابنا عن حديث مرض النبي صلى الله عليه وسلم يخلص عند السبك، واتباع السنة أولى، والتخصيص لا يثبت بالاحتمال‏.‏
قال‏:‏ إلا أني سمعت بعض الأشياخ يقول‏:‏ الحال أحد وجوه التخصيص، وحال النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك به وعدم العوض عنه يقتضي الصلاة معه على أي حال كان عليها، وليس ذلك لغيره‏.‏
وأيضا فنقص صلاة القاعد عن القائم لا يتصور في حقه، ويتصور في حق غيره‏.‏
والجواب عن الأول رده بعموم قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏صلوا كما رأيتموني أصلي‏"‏، وعن الثاني بأن النقص إنما هو في حق القادر في النافلة، وأما المعذور في الفريضة فلا نقص في صلاته عن القائم، واستدل به على نسخ الأمر بصلاة المأموم قاعدا إذا صلى الإمام قاعدا لكونه صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على القيام خلفه وهو قاعد، هكذا قرره الشافعي، وكذا نقله المصنف في آخر الباب عن شيخه الحميدي وهو تلميذ الشافعي، وبذلك يقول أبو حنيفة وأبو يوسف والأوزاعي، وحكاه الوليد بن مسلم عن مالك، وأنكر أحمد نسخ الأمر المذكور بذلك وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين‏:‏ إحداهما إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعدا لمرض يرجى برؤه فحينئذ يصلون خلفه قعودا، ثانيتهما إذا ابتدأ الإمام الراتب قائما لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياما سواء طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدا أم لا كما في الأحاديث التي في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم، فإن تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة بهم قائما وصلوا معه قياما، بخلاف الحالة الأولى فإنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ الصلاة جالسا فلما صلوا خلفه قياما أنكر عليهم‏.‏
ويقوى هذا الجمع أن الأصل عدم النسخ، لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم دعوى النسخ مرتين، لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعدا، وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعدا، فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع النسخ مرتين وهو بعيد، وأبعد منه ما تقدم عن نقل عياض فإنه يقتضي وقوع النسخ ثلاث مرات، وقد قال بقول أحمد جماعة من محدثي الشافعية كابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان، وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة أخرى منها قول ابن خزيمة‏:‏ إن الأحاديث التي وردت بأمر المأموم أن يصلي قاعدا تبعا لإمامه لم يختلف في صحتها ولا في سياقها، وأما صلاته صلى الله عليه وسلم قاعدا فاختلف فيها هل كان إماما أو مأموما‏.‏
قال‏:‏ وما لم يختلف فيه لا ينبغي تركه لمختلف فيه‏.‏
وأجيب بدفع الاختلاف والحمل على أنه كان إماما مرة ومأموما أخرى‏.‏
ومنها أن بعضهم جمع بين القصتين بأن الأمر بالجلوس كان للندب، وتقريره قيامهم خلفه كان لبيان الجواز، فعلى هذا الأمر من أم قاعدا لعذر تخير من صلى خلفه بين القعود والقيام، والقعود أولى لثبوت الأمر بالائتمام والاتباع وكثرة الأحاديث الواردة في ذلك‏.‏
وأجاب ابن خزيمة عن استبعاد من استبعد ذلك بأن الأمر قد صدر من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك واستمر عليه عمل الصحابة في حياته وبعده، فروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن قيس بن فهد بفتح القاف وسكون الهاء الأنصاري ‏"‏ أن إماما لهم اشتكى لهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ فكان يؤمنا وهو جالس ونحن جلوس‏"‏‏.‏
وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن أسيد بن حضير ‏"‏ أنه كان يؤم قومه، فاشتكى، فخرج إليهم بعد شكواه، فأمروه أن يصلي بهم فقال‏:‏ إني لا أستطيع أن أصلي قائما فاقعدوا، فصلى بهم قاعدا وهم قعود‏"‏‏.‏
وروى أبو داود من وجه آخر عن أسيد بن حضير أنه قال ‏"‏ يا رسول الله إن إمامنا مريض، قال‏:‏ إذا صلى قاعدا فصلوا قعودا ‏"‏ وفي إسناده انقطاع‏.‏
وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن جابر ‏"‏ أنه اشتكى، فحضرت الصلاة فصلى بهم جالسا وصلوا معه جلوسا ‏"‏ وعن أبي هريرة أنه أفتى بذلك وإسناده صحيح أيضا، وقد ألزم ابن المنذر من قال بأن الصحابي أعلم بتأويل ما روى بأن يقول بذلك لأن أبا هريرة وجابرا رويا الأمر المذكور، واستمرا على العمل به والفتيا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ويلزم ذلك من قال إن الصحابي إذا روى وعمل بخلافه أن العبرة بما عمل من باب الأولى لأنه هنا عمل بوفق ما روى‏.‏
وقد ادعى ابن حبان الإجماع على العمل به وكأنه أراد السكوت، لأنه حكاه عن أربعة من الصحابة الذين تقدم ذكرهم وقال‏:‏ إنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة غيرهم القول بخلافه لا من طريق صحيح ولا ضعيف‏.‏
وكذا قال ابن حزم إنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، ثم نازع في ثبوت كون الصحابة صلوا خلفه صلى الله عليه وسلم وهو قاعد قياما غير أبي بكر، قال‏:‏ لأن ذلك لم يرد صريحا، وأطال في ذلك بما لا طائل فيه‏.‏
والذي ادعى نفيه قد أثبته الشافعي وقال‏:‏ إنه في رواية إبراهيم عن الأسود عن عائشة، ثم وجدته مصرحا به أيضا في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عطاء فذكر الحديث ولفظه ‏"‏ فصلى النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا وجعل أبو بكر وراءه بينه وبين الناس وصلى الناس وراءه قياما ‏"‏ وهذا مرسل يعتضد بالرواية التي علقها الشافعي عن النخعي، وهذا هو الذي يقتضيه النظر، فإنهم ابتدؤوا الصلاة مع أبي بكر قياما بلا نزاع، فمن ادعى أنهم قعدوا بعد ذلك فعليه البيان‏.‏
ثم رأيت ابن حبان استدل على أنهم قعدوا بعد أن كانوا قياما بما رواه من طريق أبي الزبير عن جابر قال ‏"‏ اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، قال فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا‏.‏
فلما سلم قال‏:‏ إن كدتم لتفعلون فعل فارس والروم، فلا تفعلوا ‏"‏ الحديث‏.‏
وهو حديث صحيح أخرجه مسلم، لكن ذلك لم يكن في مرض موته، وإنما كان ذلك حيث سقط عن الفرس كما في رواية أبي سفيان عن جابر أيضا قال ‏"‏ ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا بالمدينة فصرعه على جذع نخلة فانفكت قدمه ‏"‏ الحديث أخرجه أبو داود وابن خزيمة بإسناد صحيح، فلا حجة على هذا لما ادعاه، إلا أنه تمسك بقوله في رواية أبي الزبير ‏"‏ وأبو بكر يسمع الناس التكبير ‏"‏ وقال إن ذلك لم يكن إلا في مرض موته لأن صلاته في مرضه الأول كانت في مشربة عائشة ومعه نفر من أصحابه لا يحتاجون إلى من يسمعهم تكبيره بخلاف صلاته في مرض موته فإنها كانت في المسجد يجمع كثير من الصحابة فاحتاج أبو بكر أن يسمعهم التكبير‏.‏
انتهى‏.‏
ولا راحة له فيما تمسك به لأن إسماع التكبير في هذا لم يتابع أبا الزبير عليه أحد، وعلى تقدير أنه حفظه فلا مانع أن يسمعهم أبو بكر التكبير في تلك الحالة لأنه يحمل على أن صوته صلى الله عليه وسلم كان خفيا من الوجع، وكان من عادته أن يجهر بالتكبير فكان أبو بكر يجهر عنه بالتكبير لذلك‏.‏
ووراء ذلك كله أنه أمر محتمل لا يترك لأجله الخبر الصريح بأنهم صلوا قياما كما تقدم في مرسل عطاء وغيره، بل في مرسل عطاء أنهم استمروا قياما إلى أن انقضت الصلاة‏.‏
نعم وقع في مرسل عطاء المذكور متصلا به بعد قوله‏:‏ وصلى الناس وراءه قياما ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما صليتم إلا قعودا، فصلوا صلاة إمامكم ما كان، إن صلى قائما فصلوا قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا ‏"‏ وهذه الزيادة تقوى ما قال ابن حبان أن هذه القصة كانت في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم، ويستفاد منها نسخ الأمر بوجوب صلاة المأمومين قعودا إذا صلى إمامهم قاعدا لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم في هذه المرة الأخيرة بالإعادة، لكن إذا نسخ الوجوب يبقى الجواز، والجواز لا ينافي الاستحباب فيحمل أمره الأخير بأن يصلوا قعودا على الاستحباب لأن الوجوب قد رفع بتقريره لهم وترك أمرهم بالإعادة‏.‏
هذا مقتضى الجمع بين الأدلة وبالله التوفيق والله أعلم‏.‏
وقد تقدم الكلام على باقي فوائد هذا الحديث في ‏"‏ باب حد المريض أن يشهد الجماعة‏"‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏في بيته‏)‏ أي في المشربة التي في حجرة عائشة كما بينه أبو سفيان عن جابر، وهو دال على أن تلك الصلاة لم تكن في المسجد، وكأنه صلى الله عليه وسلم عجز عن الصلاة بالناس في المسجد فكان يصلي في بيته بمن حضر، لكنه لم ينقل أنه استخلف، ومن ثم قال عياض‏:‏ أن الظاهر أنه صلى في حجرة عائشة وائتم به من حضر عنده ومن كان في المسجد، وهذا الذي قاله محتمل، ويحتمل أيضا أن يكون استخلف وإن لم ينقل، ويلزم على الأول صلاة الإمام أعلى من المأمومين ومذهب عياض خلافه، لكن له أن يقول محل المنع ما إذا لم يكن مع الإمام في مكانه العالي أحد وهنا كان معه بعض أصحابه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو شاك‏)‏ بتخفيف الكاف بوزن قاض من الشكاية وهي المرض، وكان سبب ذلك ما في حديث أنس المذكور بعده أن سقط عن فرس‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى جالسًا‏)‏ قال عياض‏:‏ يحتمل أن يكون أصابه من السقطة رض في الأعضاء منعه من القيام‏.‏
قال‏:‏ وليس كذلك، وإنما كانت قدمه صلى الله عليه وسلم انفكت كما في رواية بشير بن المفضل عن حميد عن أنس الإسماعيلي، وكذا لأبي داود وابن خزيمة من رواية أبي سفيان عن جابر كما قدمناه‏.‏
وأما قوله في رواية الزهري عن أنس بن مالك ‏"‏ جحش شقه الأيمن ‏"‏ وفي رواية يزيد عن حميد عن أنس ‏"‏ جحش ساقه ‏"‏ أو ‏"‏ كتفه ‏"‏ كما تقدم في ‏"‏ باب الصلاة على السطوح ‏"‏ فلا ينافي ذلك كون قدمه انفكت لاحتمال وقوع الأمرين، وقد تقدم تفسير الجحش بأن الخدش والخدش قشر الجلد، ووقع عند المصنف في ‏"‏ باب يهوي بالتكبير ‏"‏ من رواية سفيان عن الزهري عن أنس قال سفيان‏:‏ حفظت من الزهري شقه الأيمن، فلما خرجنا قال ابن جريج‏:‏ ساقه الأيمن‏.‏
قلت‏:‏ ورواية ابن جريج أخرجها عبد الرزاق عنه، وليست مصحفة كم زعم بعضهم لموافقة رواية حميد المذكورة لها، وإنما هي مفسرة لمحل الخدش من الشق الأيمن لأن الخدش لم يستوعبه‏.‏
وحاصل ما في القصة أن عائشة أبهمت الشكوى، وبين جابر وأنس السبب وهو السقوط عن الفرس، وعين جابر العلة في الصلاة قاعدا وهي انفكاك القدم، وأفاد ابن حبان أن هذا القصة كانت في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وصلى وراءه قوم قياما‏)‏ ولمسلم من رواية عبدة عن هشام ‏"‏ فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه ‏"‏ الحديث، وقد سمى منهم في الأحاديث أنس كما في الحديث الذي بعده عند الإسماعيلي، وجابر كما تقدم، وأبو بكر كما في حديث جابر، وعمر كما في رواية الحسن مرسلا عند عبد الرزاق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فأشار إليهم‏)‏ كذا للأكثر هنا من الإشارة، وكذا لجميعهم في الطب من رواية يحيى القطان عن هشام، ووقع هنا للحموي ‏"‏ فأشار عليهم ‏"‏ من المشورة، والأول أصح فقد رواه أبوب عن هشام بلفظ ‏"‏ فأومأ إليهم ‏"‏ ورواه عبد الرزاق عن معمر عن هشام بلفظ ‏"‏ فأخلف بيده يومئ بها إليهم ‏"‏ وفي مرسل الحسن ‏"‏ ولم يبلغ بها الغاية‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به‏)‏ قال البيضاوي وغيره‏:‏ الائتمام الاقتداء والاتباع أي جعل الإمام إماما ليقتدى به ويتبع، ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه ولا يساويه ولا يتقدم عليه في موقفه، بل يراقب أحواله ويأتي على أثره بنحو فعله، ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال‏.‏
وقال النووي وغيره‏:‏ متابعة الإمام واجبه في الأفعال الظاهرة، وقد نبه عليها في الحديث فذكر الركوع وغيره بخلاف النية فإنها لم تذكر وقد خرجت بدليل آخر، وكأنه يعني قصة معاذ الآتية‏.‏
ويمكن أن يستدل من هذا الحديث على عدم دخولها لأنه يقتضي الحصر في الاقتداء به في أفعاله لا في جميع أحواله كما لو كان محدثا أو حامل نجاسة فإن الصلاة خلفه تصح لم يعلم حاله على الصحيح عند العلماء، ثم مع وجوب المتابعة ليس بشيء منها شرطا في صحة القدوة إلا تكبيرة الإحرام، واختلف في الائتمام والمشهور عند المالكية اشتراطه مع الإحرام والقيام من التشهد الأول، وخالف الحنفية فقالوا‏:‏ تكفي المقارنة، قالوا لأن معنى الائتمام الامتثال ومن فعل مثل فعل إمامه عد ممتثلا، وسيأتي بعد باب الدليل على تحريم التقدم على الإمام في الأركان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا ركع فاركعوا‏)‏ قال ابن المنير‏:‏ مقتضاه أن ركوع المأموم يكون بعد ركوع الإمام إما بعد تمام انحنائه وإما أن يسبقه الإمام بأوله فيشرع فيه بعد أن يشرع، قال‏:‏ وحديث أنس أتم من حديث عائشة لأنه زاد فيه المتابعة في القول أيضا‏.‏
قلت‏:‏ قد وقعت الزيادة المذكورة وهي قوله‏:‏ ‏"‏ وإذا قال سمع الله لمن حمده ‏"‏ في حديث عائشة أيضا، ووقع في رواية الليث عن الزهري عن أنس زيادة أخرى في الأقوال وهي قوله في أوله ‏"‏ فإذا كبر فكبروا ‏"‏ وسيأتي في ‏"‏ باب إيجاب التكبير ‏"‏ وكذا فيه من رواية الأعرج عن أبي هريرة، وزاد في رواية عبدة عن هشام في الطب ‏"‏ وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا ‏"‏ وهو يتناول الرفع من الركوع والرفع من السجود وجميع السجدات، وكذا وردت زيادة ذلك في حديث أنس الذي في الباب، وقد وافق عائشة وأنسا وجابرا على رواية هذا الحديث دون القصة التي في أوله أبو هريرة، وله طرق عنه عند مسلم منها ما اتفق عليه الشيخان من رواية همام عنه كما سيأتي في ‏"‏ باب إقامة الصف ‏"‏ وفيه جميع ما ذكر في حديث عائشة وحديث أنس بالزيادة، وزاد أيضا بعد قوله ليؤتم به‏:‏ ‏"‏ لا فلا تختلفوا عليه ‏"‏ ولم يذكرها المصنف في رواية أبي الزناد عن الأعرج عنه من طريق شعيب عن أبي الزناد في ‏"‏ باب إيجاب التكبير ‏"‏ لكن ذكرها السراج والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في المستخرج عنه من طريق أبي اليمان شيخ البخاري فيه وأبو عوانة من رواية بشر بن شعيب عن أبيه شيخ أبي اليمان ومسلم من رواية مغيرة بن عبد الرحمن والإسماعيلي من رواية مالك وورقاء كلهم عن أبي الزناد شيخ شعيب‏.‏
وأفادت هذه الزيادة أن الأمر بالاتباع يعم جميع المأمومين ولا يكفي في تحصيل الائتمام اتباع بعض دون بعض، ولمسلم من رواية الأعمش عن أبي صالح عنه ‏"‏ لا تبادروا الإمام، إذا كبر فكبروا ‏"‏ الحديث، زاد أبو داود من رواية مصعب بن محمد عن أبي صالح ‏"‏ ولا تركعوا حتى يركع ولا تسجدوا حتى يسجد ‏"‏ وهي زيادة حسنة تنفي احتمال إرادة المقارنة من قوله إذا كبر فكبروا‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ جزم ابن بطال ومن تبعه حتى ابن دقيق العيد أن الفاء في قوله‏:‏ ‏"‏ فكبروا ‏"‏ للتعقيب، قالوا ومقتضاه الأمر بأن أفعال المأموم تقع عقب فعل الإمام، لكن تعقب بأن الفاء التي للتعقيب هي العاطفة، وأما التي هنا فهي للربط فقط لأنها وقعت جوابا للشرط، فعلى هذا لا تقتضي تأخر أفعال المأموم عن الإمام إلا على القول بتقدم الشرط على الجزاء، وقد قال قوم إن الجزاء يكون مع الشرط، فعلى هذا لا تنفي المقارنة، لكن رواية أبي داود هذه صريحة في انتقاء التقدم والمقارنة والله أعلم‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى صَلَاةً مِنْ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ قَوْلُهُ إِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا هُوَ فِي مَرَضِهِ الْقَدِيمِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقُعُودِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقولوا ربنا ولك الحمد‏)‏ كذا لجميع الرواة في حديث عائشة بإثبات الواو، وكذا لهم في حديث أبي هريرة وأنس إلا في رواية الليث عن الزهري في ‏"‏ باب إيجاب التكبير ‏"‏ فللكشميهني بحذف الواو ورجح إثبات الواو بأن فيها معنى زائدا لكونها عاطفة على محذوف تقديره ربنا استجب أو ربنا أطعناك ولك الحمد فيشتمل على الدعاء والثناء معا، ورجح قوم حذفها لأن الأصل عدم التقدير فتكون عاطفة على كلام غير تام، والأول أوجه كما قال ابن دقيق العيد‏.‏
وقال النووي‏:‏ ثبتت الرواية بإثبات الواو وحذفها، والوجهان جائزان بغير ترجيح، وسيأتي في أبواب صفة الصلاة الكلام على زيادة ‏"‏ اللهم ‏"‏ قبلها، ونقل عياض عن القاضي عبد الوهاب أنه استدل به على أن الإمام يقتصر على قوله ‏"‏ سمع الله لمن حمده ‏"‏ وأن المأموم يقتصر على قوله ‏"‏ ربنا ولك الحمد ‏"‏ وليس في السياق ما يقتضي المنع من ذلك لأن السكوت عن الشيء لا يقتضي ترك فعله، نعم مقتضاه أن المأموم يقول ‏"‏ ربنا لك الحمد ‏"‏ عقب قول الإمام ‏"‏ سمع الله لمن حمده ‏"‏ فأما منع الإمام من قول ربنا ولك الحمد فليس بشيء لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بينهما كما سيأتي في ‏"‏ باب ما يقول عند رفع رأسه من الركوع ‏"‏ ويأتي باقي الكلام عليه هناك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ في رواية شعيب عن الزهري ‏"‏ أخبرني أنس‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلى صلاة من الصلوات‏)‏ في رواية سفيان عن الزهري ‏"‏ فحضرت الصلاة ‏"‏ وكذا في رواية حميد عن أنس عند الإسماعيلي، قال القرطبي‏:‏ اللام للعهد ظاهرا، والمراد الفرض، لأنها التي عرف من عادتهم أنهم يجتمعون لها بخلاف النافلة‏.‏
وحكى عياض عن ابن القاسم أنها كانت نفلا، وتعقب بأن في رواية جابر عند ابن خزيمة وأبي داود الجزم بأنها فرض كما سيأتي، لكن لم أقف على تعيينها، إلا أن في حديث أنس ‏"‏ فصلى بنا يومئذ ‏"‏ فكأنها نهارية، الظهر أو العصر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فصلينا وراءه قعودا‏)‏ ظاهره يخالف حديث عائشة، والجمع بينهما أن في رواية أنس هذه اختصارا، وكأنه اقتصر على ما آل إليه الحال بعد أمره لهم الجلوس، وقد تقدم في ‏"‏ باب الصلاة في السطوح ‏"‏ من رواية حميد عن أنس بلفظ ‏"‏ فصلى بهم جالسا وهم قيام، فلما سلم قال‏:‏ إنما جعل الإمام ‏"‏ وفيها أيضا اختصار لأنه لم يذكر فيه قوله لهم ‏"‏ اجلسوا‏"‏، والجمع بينهما أنهم ابتدؤوا الصلاة قياما فأومأ إليهم بأن يقعدوا فقعدوا، فنقل كل من الزهري وحميد أحد الأمرين، وجمعتهما عائشة، وكذا جمعهما جابر عند مسلم، وجمع القرطبي بين الحديثين باحتمال أن يكون بعضهم قعد من أول الحال وهو الذي حكاه أنس، وبعضهم قام حتى أشار إليه بالجلوس وهذا الذي حكته عائشة‏.‏
وتعقب باستبعاد قعود بعضهم بغير إذنه صلى الله عليه وسلم لأنه يستلزم النسخ بالاجتهاد لأن فرض القادر في الأصل القيام‏.‏
وجمع آخرون بينهما باحتمال تعدد الواقعة وفيه بعد، لأن حديث أنس إن كانت القصة فيه سابقة لزم منه ما ذكرنا من النسخ بالاجتهاد، وإن كانت متأخرة لم يحتج إلى إعادة قول ‏"‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به الخ ‏"‏ لأنهم قد امتثلوا أمره السابق وصلوا قعودا لكونه قاعدا‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية جابر عند أبي داود أنهم دخلوا يعودونه مرتين فصلى بهم فيهما، لكن بين أن الأولى كانت نافلة وأقرهم على القيام وهو جالس، والثانية كانت فريضة وابتدؤوا قياما فأشار إليهم بالجلوس‏.‏
وفي رواية بشر عن حميد عن أنس عند الإسماعيلي نحوه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا صلى جالسا‏)‏ استدل به على صحة إمامة الجالس كما تقدم‏.‏
وادعى بعضهم أن المراد بالأمر أن يقتدي به في جلوسه في التشهد وبين السجدتين، لأنه ذكر ذلك عقب ذكر الركوع والرفع منه والسجود، قال‏:‏ فيحمل على أنه لما جلس للتشهد قاموا تعظيما له فأمرهم بالجلوس تواضعا، وقد نبه على ذلك بقوله في حديث جابر ‏"‏ إن كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا ‏"‏ وتعقبه ابن دقيق العيد وغيره بالاستبعاد، وبأن سياق طرق الحديث تأباه، وبأنه لو كان المراد الأمر بالجلوس في الركن لقال وإذا جلس فاجلسوا ليناسب قوله وإذا سجد فاسجدوا، فلما عدل على ذلك إلى قوله ‏"‏ وإذا صلى جالسا ‏"‏ كان كقوله وإذا صلى قائما، فالمراد بذلك جميع الصلاة‏.‏
ويؤيد ذلك قول أنس ‏"‏ فصلينا وراءه قعودا‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أجمعون‏)‏ كذا في جميع الطرق في الصحيحين بالواو، إلا أن الرواة اختلفوا في رواية همام عن أبي هريرة كما سيأتي في ‏"‏ باب إقامة الصف ‏"‏ فقال بعضهم ‏"‏ أجمعين ‏"‏ بالياء والأول تأكيد لضمير الفاعل في قوله ‏"‏ صلوا‏"‏، وأخطأ من ضعفه فإن المعنى عليه، والثاني نصب على الحال أي جلوسا مجتمعين، أو على التأكيد لضمير مقدر منصوب كأنه قال‏:‏ أعنيكم أجمعين‏.‏
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم مشروعية ركوب الخيل والتدرب على أخلاقها والتأسي لمن يحصل له سقوط ونحوه بما اتفق للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة وبه الأسوة الحسنة‏.‏
وفيه أنه يجوز عليه صلى الله عليه وسلم ما يجوز على البشر من الأسقام ونحوها من غير نقص في مقداره بذلك، بل ليزداد قدره رفعة ومنصبه جلالة‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2013, 12:14 PM   #277
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ
قَالَ أَنَسٌ فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب متى يسجد من خلف الإمام‏)‏ أي إذا اعتدل أو جلس بين السجدتين‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال أنس‏)‏ هو طرف من حديثه الماضي في الباب قبله، لكن في بعض طرقه دون بعض، وسيأتي في ‏"‏ باب إيجاب التكبير ‏"‏ من رواية الليث عن الزهري بلفظه، ومناسبته لحديث الباب مما قدمناه أنه يقتضي تقديم ما يسمى ركوعا من الإمام بناء على تقدم الشرط على الجزاء وحديث الباب يفسره‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوَهُ بِهَذَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن سفيان‏)‏ هو الثوري، وأبو إسحاق هو السبيعي، وعبد الله بن يزيد هو الخطمي، كذا وقع منسوبا عند الإسماعيلي في رواية لشعبة عن أبي إسحاق، وهو منسوب إلى خطمة بفتح المعجمة وإسكان الطاء بطن من الأوس، وكان عبد الله المذكور أميرا على الكوفة في زمن ابن الزبير، ووقع للمصنف في ‏"‏ باب رفع البصر في الصلاة ‏"‏ أن أبا إسحاق قال ‏"‏ سمعت عبد الله بن يزيد يخطب‏"‏، وأبو إسحاق معروف بالرواية عن البراء بن عازب لكنه سمع هذا عنه بواسطة‏.‏
وفيه لطيفة وهي رواية صحابي ابن صحابي عن صحابي ابن صحابي من الأنصار ثم من الأوس وكلاهما سكن الكوفة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وهو غير كذوب‏)‏ الظاهر أنه من كلام عبد الله بن يزيد وعلى ذلك جرى الحميدي في جمعه وصاحب العمدة، لكن روى عباس الدوري في تاريخه عن يحيى بن معين أنه قال‏:‏ قوله ‏"‏ هو غير كذوب ‏"‏ إنما يريد عبد الله بن يزيد الراوي عن البراء لا البراء‏.‏
ولا يقال لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كذوب، يعني أن هذه العبارة إنما تحسن في مشكوك في عدالته والصحابة كلهم عدول لا يحتاجون إلى تزكية‏.‏
وقد تعقبه الخطابي فقال‏:‏ هذا القول لا يوجب تهمة في الراوي إنما يوجب حقيقة الصدق له، قال‏:‏ وهذه عادتهم إذا أرادوا تأكيد العلم بالراوي والعمل بما روى، كان أبو هريرة يقول ‏"‏ سمعت خليلي الصادق المصدوق‏"‏‏.‏
وقال ابن مسعود ‏"‏ حدثني الصادق المصدوق ‏"‏ وقال عياض وتبعه النووي‏:‏ لا وصم في هذا على الصحابة لأنه لم يرد به التعديل، وإنما أراد به تقوية الحديث إذ حدث به البراء وهو غير متهم، ومثل هذا قول أبي مسلم الخولاني‏:‏ حدثني الحبيب الأمين‏.‏
وقد قال ابن مسعود وأبو هريرة فذكرهما‏.‏
قال‏:‏ وهذا قالوه تنبيها على صحة الحديث لا أن قائله قصد به تعديل راويه‏.‏
وأيضا فتنزيه ابن معين للبراء عن التعديل لأجل صحبته ولم ينزه عن ذلك عبد الله بن يزيد لا وجه له، فإن عبد الله بن يزيد معدود في الصحابة‏.‏
انتهى كلامه‏.‏
وقد علمت أنه أخذ كلام الخطابي فبسطه واستدرك عليه الإلزام الأخير، وليس بوارد لأن يحيى بن معين لا يثبت صحبة عبد الله بن يزيد، وقد نفاها أيضا مصعب الزبيري وتوقف فيها أحمد بن حنبل وأبو حاتم وأبو داود وأثبتها ابن البرقي والدار قطني وآخرون‏.‏
وقال النووي‏:‏ معنى الكلام حدثني البراء وهو غير متهم كما علمتم فثقوا بما أخبركم به عنه، وقد اعترض بعض المتأخرين على التنظير المذكور فقال‏:‏ كأنه لم يلم بشيء من علم البيان، للفرق الواضح بين قولنا فلان صدوق وفلان غير كذوب لأن في الأول إثبات الصفة للموصوف، وفي الثاني نفي ضدها عنه فهما مفترقان‏.‏
قال‏:‏ والسر فيه أن نفي الضد كأنه يقع جوابا لمن أثبته يخالف إثبات الصفة‏.‏
انتهى‏.‏
والذي يظهر لي أن الفرق بينهما أنه يقع في الإثبات بالمطابقة وفي النفي بالالتزام، لكن التنظير صحيح بالنسبة إلى المعنى المراد باللفظين، لأن كلا منهما يرد عليه أنه تزكية في حق مقطوع بتزكيته فيكون من تحصيل الحاصل، ويحصل الانفصال عن ذلك بما تقدم من أن المراد بكل منهما تفخيم الأمر وتقويته في نفس السامع‏.‏
وذكر ابن دقيق العيد أن بعضهم استدل على أنه كلام عبد الله بن يزيد بقول أبي إسحاق في بعض طرقه‏:‏ سمعت عبد الله بن يزيد وهو يخطب يقول ‏"‏ حدثنا البراء وكان غير كذوب ‏"‏ قال وهو محتمل أيضا‏.‏
قلت‏:‏ لكنه أبعد من الأول‏.‏
وقد وجدت الحديث من غير طريق أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد وفيه قوله أيضا ‏"‏ حدثنا البراء وهو غير كذوب ‏"‏ أخرجه أبو عوانة في صحيحه من طريق محارب بن دثار قال‏:‏ سمعت عبد الله بن يزيد على المنير يقول‏.‏
فذكره‏.‏
وأصله في مسلم، لكن ليس فيه قوله ‏"‏ وكان غير كذوب ‏"‏ وهذا يقوى أن الكلام لعبد الله ابن يزيد، والله أعلم‏.‏
‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ روى الطبراني في مسند عبد الله بن يزيد هذا شيئا يدل على سبب روايته لهذا الحديث، فإنه أخرج من طريقه أنه كان يصلي بالناس بالكوفة فكان الناس يضعون رءوسهم قبل أن يضع رأسه ويرفعون قبل أن يرفع رأسه، فذكر الحديث في إنكاره عليهم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا قال سمع الله لمن حمده‏)‏ في رواية شعبة ‏"‏ إذا رفع رأسه من الركوع ‏"‏ ولمسلم من رواية محارب بن دثار ‏"‏ فإذا رفع رأسه من الركوع فقال سمع الله لمن حمده لم نزل قياما‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لم يحن‏)‏ بفتح التحتانية وسكون المهملة أي لم يثن، يقال حنيت العود إذا ثنيته‏.‏
وفي رواية لمسلم ‏"‏ لا يحنو ‏"‏ وهي لغة صحيحة يقال حنيت وحنوت بمعنى‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حتى يقع ساجدا‏)‏ في رواية إسرائيل عن أبي إسحاق ‏"‏ حتى يضع جبهته على الأرض ‏"‏ وسيأتي في ‏"‏ باب سجود السهو‏"‏، ونحوه لمسلم من رواية زهير عن أبي إسحق، ولأحمد عن غندر عن شعبة ‏"‏ حتى يسجد ثم يسجدون ‏"‏ واستدل به ابن الجوزي على أن المأموم لا يشرع في الركن حتى يتمه الإمام، وتعقب بأنه ليس فيه إلا التأخر حتى يتلبس الإمام بالركن الذي ينتقل إليه بحيث يشرع المأموم بعد شروعه وقبل الفراغ منه‏.‏
ووقع في حديث عمرو بن حريث عند مسلم ‏"‏ فكان لا يحنى أحد منا ظهره حتى يستتم ساجدا ‏"‏ ولأبي يعلى من حديث أنس ‏"‏ حتى يتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود ‏"‏ وهو أوضح في انتفاء المقارنة‏.‏
واستدل به على الطمأنينة وفيه نظر، وعلى جواز النظر إلى الإمام لاتباعه في انتقالاته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان‏.‏
نحوه‏)‏ هكذا في رواية المستملى وكريمة، وسقط للباقين‏.‏
وقد أخرجه أبو عوانة عن الصغاني وغيره عن أبي نعيم ولفظه ‏"‏ كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم لم يحن أحد منا ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهته‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2013, 12:15 PM   #278
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام‏)‏ أي من السجود كما سيأتي بيانه‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ أَوْ لَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن زياد‏)‏ هو الجمحي مدني سكن البصرة وله في البخاري أحاديث عن أبي هريرة، وفي التابعين أيضا محمد بن زياد الالهاني الحمصي وله عنده حديث واحد عن أبي أمامة في المزارعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أما يخشى أحدكم‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أو لا يخشى ‏"‏ ولأبي داود عن حفص بن عمر عن شعبة ‏"‏ أما يخشى أو ألا يخشى ‏"‏ بالشك‏.‏
و ‏"‏ أما ‏"‏ بتخفيف الميم حرف استفتاح مثل ألا، وأصلها النافية دخلت عليها همزة الاستفهام وهو هنا استفهام توبيخ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا رفع رأسه قبل الإمام‏)‏ زاد ابن خزيمة من رواية حماد بن زيد عن محمد بن زياد ‏"‏ في صلاته‏"‏‏.‏
وفي رواية حفص بن عمر المذكورة ‏"‏ الذي يرفع رأسه والإمام ساجد ‏"‏ فتبين أن المراد الرفع من السجود ففيه تعقب على من قال إن الحديث نص في المنع من تقدم المأموم على الإمام في الرفع من الركوع والسجود معا، وإنما هو نص في السجود، ويلتحق به الركوع لكونه في معناه، ويمكن أن يفرق بينهما بأن السجود له مزيد مزية لأن العبد أقرب ما يكون فيه من ربه لأنه غاية الخضوع المطلوب منه، فلذلك خص بالتنصيص عليه، ويحتمل أن يكون من باب الاكتفاء، وهو ذكر أحد الشيئين المشتركين في الحكم إذا كان للمذكور مزية، وأما التقدم على الإمام في الخفض في الركوع والسجود فقيل يلتحق به من باب الأولى، لأن الاعتدال والجلوس بين السجدتين من الوسائل، والركوع والسجود من المقاصد، وإذا دل الدليل على وجوب الموافقة فيما هو وسيلة فأولى أن يجب فيما هو مقصد، ويمكن أن يقال ليس هذا بواضح لأن الرفع من الركوع والسجود يستلزم قطعه عن غاية كماله، ودخول النقص في المقاصد أشد من دخوله في الوسائل، وقد ورد الزجر عن الخفض والرفع قبل الإمام في حديث آخر أخرجه البزار من رواية مليح صلى الله عليه وسلم بن عبد الله السعدي عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان‏"‏‏.‏
وأخرجه عبد الرزاق من هذا الوجه موقوفا وهو المحفوظ‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏أو يجعل الله صورته صورة حمار‏)‏ الشك من شعبة، فقد رواه الطيالسي عن حماد بن سلمة وابن خزيمة من رواية حماد بن زيد ومسلم من رواية يونس بن عبيد والربيع بن مسلم كلهم عن محمد بن زياد بغير تردد، فأما الحمادان فقالا ‏"‏ رأس ‏"‏ وأما‏.‏
يونس فقال ‏"‏ صورة ‏"‏ وأما الربيع فقال ‏"‏ وجه‏"‏، والظاهر أنه من تصرف الرواة‏.‏
قال عياض‏:‏ هذه الروايات متفقة لأن الوجه في الرأس ومعظم الصورة فيه‏.‏
قلت‏:‏ لفظ الصورة يطلق على الوجه أيضا، وأما الرأس فرواتها أكثر وهي أشمل فهي المعتمدة، وخص وقوع الوعيد عليها لأن بها وقعت الجناية وهي أشمل، وظاهر الحديث يقتضي تحريم الرفع قبل الإمام لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات، وبذلك جزم النووي في شرح المهذب، ومع القول بالتحريم فالجمهور على أن فاعله يأثم وتجزئ صلاته، وعن ابن عمر تبطل وبه قال أحمد في رواية وأهل الظاهر بناء على أن النهي يقتضي الفساد، وفي المغني عن أحمد أنه قال في رسالته‏:‏ ليس لمن سبق الإمام صلاة لهذا الحديث، قال‏:‏ ولو كانت له صلاة لرجى له الثواب ولم يخش عليه العقاب‏.‏
واختلف في معنى الوعيد المذكور فقيل‏:‏ يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي، فإن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام، ويرجح هذا المجازى أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين، لكن ليس في الحديث ما يدل أن ذلك يقع ولا بد، وإنما يدل على كون فاعله متعرضا لذلك وكون فعله ممكنا لأن يقع عنه ذلك الوعيد، ولا يلزم من التعرض للشيء وقوع ذلك الشيء، قاله ابن دقيق العيد‏.‏
وقال ابن بزيزة‏:‏ يحتمل أن يراد بالتحويل المسخ أو تحويل الهيئة الحسية أو المعنوية أو هما معا‏.‏
وحمله آخرون على ظاهره إذ لا مانع من جواز وقوع ذلك، وسيأتي في كتاب الأشربة الدليل على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة، وهو حديث أبي مالك الأشعري في المغازي فإن فيه ذكر الخسف وفي آخره ‏"‏ ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة ‏"‏ وسيأتي مزيد لذلك في تفسير سورة الأنعام إن شاء الله تعالى‏.‏
ويقوى حمله على ظاهره أن في رواية ابن حبان من وجه آخر عن محمد بن زياد ‏"‏ أن يحول الله رأسه رأس كلب ‏"‏ فهذا يبعد المجاز لانتقاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار‏.‏
ومما يبعده أيضا إيراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ الدال على تغيير الهيئة الحاصلة، ولو أريد تشبيهه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلا فرأسه رأس حمار، وإنما قلت ذلك لأن الصفة المذكورة وهي البلادة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله المذكور فلا يحسن أن يقال له يخشى إذا فعلت ذلك أن تصير بليدا، مع أن فعله المذكور إنما نشأ عن البلادة‏.‏
وقال ابن الجوزي في الرواية التي عبر فيها بالصورة‏:‏ هذه اللفظة تمنع تأويل من قال المراد رأس حمار في البلادة، ولم يبين وجه المنع‏.‏
وفي الحديث كمال شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته وبيانه لهم الأحكام وما يترتب عليها من الثواب والعقاب، واستدل به على جواز المقارنة، ولا دلالة فيه لأنه دل بمنطوقه على منع المسابقة، وبمفهومه على طلب المتابعة، وأما المقارنة فمسكوت عنها‏.‏
وقال ابن بزيزة‏:‏ استدل بظاهره قوم لا يعقلون على جواز التناسخ‏.‏
قلت‏:‏ وهو مذهب رديء مبني على دعاوى بغير برهان، والذي استدل بذلك منهم إنما استدل بأصل النسخ لا بخصوص هذا الحديث‏.‏
‏(‏لطيفة‏)‏ ‏:‏ قال صاحب ‏"‏ القبس ‏"‏‏:‏ ليس للتقدم قبل الإمام سبب إلا طلب الاستعجال، ودواؤه أن يستحضر أنه لا يسلم قبل الإمام فلا يستعجل في هذه الأفعال، والله أعلم‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِمَامَةِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى
وَكَانَتْ عَائِشَةُ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِنْ الْمُصْحَفِ وَوَلَدِ الْبَغِيِّ وَالْأَعْرَابِيِّ وَالْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إمامة العبد والمولى‏)‏ أي العتيق، قال الزين بن المنير‏:‏ لم يفصح بالجواز لكن لوح به لإيراده أدلته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكانت عائشة الخ‏)‏ وصله أبو داود صلى الله عليه وسلم في ‏"‏ كتاب المصاحف ‏"‏ من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة أن عائشة كان يؤمها غلامها ذكوان في المصحف، ووصله ابن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبي بكر بن أبي مليكة عن عائشة أنها أعتقت غلاما لها عن دبر، فكان يؤمها في رمضان في المصحف‏.‏
ووصله الشافعي وعبد الرزاق من طريق أخرى عن ابن أبي مليكة أنه كان يأتي عائشة بأعلى الوادي - هو وأبوه وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير - فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة وهو يومئذ غلام لم يعتق، وأبو عمرو المذكور هو ذكوان، وإلى صحة إمامة العبد ذهب الجمهور‏.‏
وخالف مالك فقال‏:‏ لا يؤم الأحرار إلا إن كان قارئا وهم لا يقرءون فيؤمهم، إلا في الجمعة لأنها لا تجب عليه‏.‏
وخالفه أشهب واحتج بأنها تجزئه إذا حضرها‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏في المصحف‏)‏ استدل به على جواز قراءة المصلي من المصحف، ومنع منه آخرون لكونه عملا كثيرا في الصلاة صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وولد البغي‏)‏ بفتح الموحدة وكسر المعجمة والتشديد أي الزانية، ونقل ابن التين أنه رواه بفتح الموحدة وسكون المعجمة والتخفيف، والأول أولى، وهو معطوف على قوله ‏"‏ والمولى ‏"‏ لكن فصل بين المتعاطفين بأثر عائشة، وغفل القرطبي في مختصر البخاري فجعله من بقية الأثر المذكور، وإلى صحة إمامة ولد الزنا ذهب الجمهور أيضا، وكان مالك يكره أن يتخذ إماما راتبا، وعلته عنده أنه يصير معرضا لكلام الناس فيأثمون بسببه، وقيل لأنه ليس في الغالب من يفقهه صلى الله عليه وسلم فيغلب عليه الجهل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والأعرابي‏)‏ بفتح الهمزة أي ساكن البادية، وإلى صحة إمامته ذهب الجمهور أيضا، وخالف مالك وعلته عنده غلبة الجهل على ساكن البوادي، وقيل لأنهم يديمون نقص السنن وترك حضور الجماعة غالبا قوله‏:‏ ‏(‏والغلام الذي لم يحتلم‏)‏ ظاهره أنه أراد المراهق، ويحتمل الأعم لكن يخرج منه من كان دون سن التمييز بدليل آخر، ولعل المصنف راعى اللفظ الوارد في النهي عن ذلك وهو فيما رواه عبد الرزاق من حديث ابن عباس مرفوعا ‏"‏ لا يؤم الغلام حتى يحتلم ‏"‏ وإسناده ضعيف، وقد أخرج المصنف في غزوة الفتح حديث عمرو بن سلمة بكسر اللام أنه كان يؤم قومه وهو ابن سبع سنين، وقيل إنما لم يستدل به هنا لأن أحمد بن حنبل توقف فيه فقيل‏:‏ لأنه ليس فيه اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقيل لاحتمال أن يكون أراد أنه كان يؤمهم في النافلة دون الفريضة، وأجيب عن الأول بأن زمان نزول الوحي لا يقع فيه لأحد من الصحابة التقرير على ما لا يجوز فعله، ولهذا استدل أبو سعيد وجابر على جواز العزل بأنهم كانوا يعزلون والقرآن ينزل كما سيأتي في موضعه، وأيضا فالوفد الذين قدموا عمرو بن سلمة كانوا جماعة من الصحابة، وقد نقل ابن حزم أنه لا يعلم لهم في ذلك مخالف منهم‏.‏
وعن الثاني بأن سياق رواية المصنف تدل على أنه كان يؤمهم في الفرائض لقوله فيه ‏"‏ صلوا صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة ‏"‏ الحديث‏.‏
وفي رواية لأبي داود قال عمرو ‏"‏ فما شهدت مشهدا في جرم صلى الله عليه وسلم إلا كنت إمامهم ‏"‏ وهذا يعم الفرائض والنوافل واحتج ابن حزم على عدم الصحة بأنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يؤمهم أقرؤهم قال‏:‏ فعلى هذا إنما يؤم من يتوجه إليه الأمر، والصبي ليس بمأمور لأن القلم رفع عنه فلا يؤم، كذا قال، ولا يخفى فساده لأنا نقول‏:‏ المأمور من يتوجه إليه الأمر من البالغين بأنهم يقدمون من اتصف بكونه أكثر قرآنا فبطل ما احتج به، وإلى صحة إمامة الصبي ذهب أيضا الحسن البصري والشافعي وإسحاق، وكرهها مالك والثوري، وعن أبي حنيفة وأحمد روايتان والمشهور عنهما الإجزاء في النوافل دون الفرائض‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لقول النبي صلى الله عليه وسلم يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله‏)‏ أي فكل من اتصف بذلك جازت إمامته من عبد وصبي وغيرها، وهذا طرف من حديث أبي مسعود الذي ذكرناه في ‏"‏ باب أهل العلم أحق بالإمامة ‏"‏ وقد أخرجه مسلم وأصحاب السنن بلفظ ‏"‏ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ‏"‏ الحديث‏.‏
وفي حديث عمرو بن سلمة المذكور عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ وليؤمكم أكثركم قرآنا ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد عند مسلم أيضا ‏"‏ إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم ‏"‏ واستدل بقوله أقرؤهم على أن إمامة الكافر لا تصح لأنه لا قراءة له‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ولا يمنع العبد من الجماعة‏)‏ هذا من كلام المصنف، وليس من الحديث المعلق‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بغير علة‏)‏ أي بغير ضرورة لسيده، فلو قصد تفويت الفضيلة عليه بغير ضرورة لم يكن له ذلك، وسنذكر مستنده في الكلام على قصة سالم في أول حديثى الباب‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ الْعُصْبَةَ مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ هو العمري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏لما قدم المهاجرون الأولون‏)‏ أي من مكة إلى المدينة وبه صرح في رواية الطبراني‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏العصبة‏)‏ بالنصب على الظرفية لقوله ‏"‏ قدم ‏"‏ كذا في جميع الروايات‏.‏
وفي رواية أبي داود ‏"‏ نزلوا العصبة ‏"‏ أي المكان المسمى بذلك وهو بإسكان الصاد المهملة بعدها موحدة، واختلف في أوله فقيل بالفتح وقيل بالضم، ثم رأيت في النهاية ضبطه بعضهم بفتح العين والصاد المهملتين، قال أبو عبيد البكري‏:‏ لم يضبطه الأصيلي في روايته، والمعروف ‏"‏ المعصب ‏"‏ بوزن محمد بالتشديد وهو موضع بقباء‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة‏)‏ زاد في الأحكام من رواية ابن جريج عن نافع ‏"‏ وفيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة - أي ابن عبد الأسد - وزيد أي ابن حارثة وعامر بن ربيعة ‏"‏ واستشكل ذكر أبي بكر فيهم إذ في الحديث أن ذلك كان قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر كان رفيقه، ووجهه البيهقي باحتمال أن يكون سالم المذكور استمر على الصلاة بهم فيصح ذكر أبي بكر، ولا يخفى ما فيه‏.‏
ووجه الدلالة منه إجماع كبار الصحابة القرشيين على تقديم سالم عليهم، وكان سالم المذكور مولى امرأة من الأنصار فأعتقته، وكأن إمامته بهم كانت قبل أن يعتق، وبذلك تظهر مناسبة قول المصنف ‏"‏ ولا يمنع العبد‏"‏‏.‏
وإنما قيل له مولى أبي حذيفة لأنه لازم أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بعد أن عتق فتبناه، فلما نهوا عن ذلك قيل له مولاه كما سيأتي في موضعه‏.‏
واستشهد سالم باليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وكان أكثرهم قرآنا‏)‏ إشارة إلى سبب تقديمهم له مع كونهم أشرف منه‏.‏
وفي رواية للطبراني ‏"‏ لأنه كان أكثرهم قرآنا‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اسمعوا وأطيعوا‏)‏ أي فيما فيه طاعة لله‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن استعمل‏)‏ أي جعل عاملا، وللمصنف في الأحكام عن مسدد عن يحيى ‏"‏ وإن استعمل عليكم عبد حبشي ‏"‏ وهو أصرح في مقصود الترجمة، وذكره بعد باب من طريق غندر عن شعبة بلفظ ‏"‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر‏:‏ اسمع وأطع ‏"‏ الحديث، وقد أخرجه مسلم من طريق غندر أيضا لكن بإسناد له آخر عن شعبة عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال ‏"‏ إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن اسمع وأطع وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف‏"‏‏.‏
وأخرجه الحاكم والبيهقي من هذا الوجه، وفيه قصة أن أبا ذر انتهى إلى الربذة وقد أقيمت الصلاة فإذا عبد يؤمهم، قال فقيل‏:‏ هذا أبو ذر، فذهب يتأخر، فقال أبو ذر‏:‏ ‏"‏ أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏
وأخرج مسلم أيضا من طريق غندر أيضا عن شعبة عن يحيى بن الحصين سمعت جدتي تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول ‏"‏ ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله ‏"‏ وفي هذه الرواية فائدتان‏:‏ تعيين جهة الطاعة، وتاريخ الحديث وأنه كان في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏كأن رأسه زبيبة‏)‏ قيل شبهه بذلك لصغر رأسه، وذلك معروف في الحبشة، وقيل لسواده، وقيل لقصر شعر رأسه وتفلفله‏.‏
ووجه الدلالة منه على صحة إمامة العبد أنه إذا أمر بطاعته فقد أمر بالصلاة خلفه قاله ابن بطال‏.‏
ويحتمل أن يكون مأخوذا من جهة ما جرت به عادتهم أن الأمير هو الذي يتولى الإمامة بنفسه أو نائبه، واستدل به على المنع من القيام على السلاطين وإن جاروا لأن القيام عليهم يفضي غالبا إلى أشد مما ينكر عليهم، ووجه الدلالة منه أنه أمر بطاعة العبد الحبشي والإمامة العظمى إنما تكون بالاستحقاق في قريش فيكون غيرهم متغلبا، فإذا أمر بطاعته استلزم النهي عن مخالفته والقيام عليه‏.‏
ورده ابن الجوزي بأن المراد بالعامل هنا من يستعمله الإمام لا من يلي الإمامة العظمى، وبأن المراد بالطاعة الطاعة فيما وافق الحق‏.‏
انتهى‏.‏
ولا مانع من حمله على أعم من ذلك، فقد وجد من ولى الإمامة العظمى من غير قريش من ذوى الشوكة متغلبا، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأحكام‏.‏
وقد عكسه بعضهم فاستدل به على جواز الإمامة في غير قريش، وهو متعقب، إذ لا تلازم بين الإجزاء والجواز، والله أعلم‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2013, 12:16 PM   #279
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِذَا لَمْ يُتِمَّ الْإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه‏)‏ يشير بذلك إلى حديث عقبة بن عامر وغيره كما سيأتي‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الْأَشْيَبُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا الفضل بن سهل‏)‏ هو البغدادي المعروف بالأعرج من صغار شيوخ البخاري ومات قبله بسنة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏يصلون‏)‏ أي الأئمة، واللام في قوله ‏"‏ لكلم ‏"‏ للتعليل‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإن أصابوا فلكم‏)‏ أي ثواب صلاتكم، زاد أحمد عن الحسن بن موسى بهذا السند ‏"‏ ولهم ‏"‏ أي ثواب صلاتهم، وهو يغني عن تكلف توجيه حذفها، وتمسك ابن بطال بظاهر الرواية المحذوفة فزعم أن المراد بالإصابة هنا إصابة الوقت، واستدل بحديث ابن مسعود مرفوعا ‏"‏ لعلكم تدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها، فإذا أدركتموهم فصلوا في بيوتكم في الوقت ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة ‏"‏ وهو حديث حسن أخرجه النسائي وغيره، فالتقدير على هذا‏:‏ فإن أصابوا الوقت وإن أخطؤوا الوقت فلكم يعني الصلاة التي في الوقت‏.‏
انتهى‏.‏
وغفل عن الزيادة التي في رواية أحمد فإنها تدل على أن المراد صلاتهم معهم لا عند الانفراد، وكذا أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طرق عن الحسن بن موسى، وقد أخرج ابن حبان حديث أبي هريرة من وجه آخر أصرح في مقصود الترجمة ولفظه ‏"‏ يكون أقوام يصلون الصلاة، فإن أتموا فلكم ولهم ‏"‏ وروى أبو داود من حديث عقبة بن عامر مرفوعا ‏"‏ من أم الناس فأصاب الوقت فله ولهم‏"‏‏.‏
وفي رواية أحمد في هذا الحديث ‏"‏ فإن صلوا الصلاة لوقتها وأتموا الركوع والسجود فهي لكم ولهم ‏"‏ فهذا يبين أن المراد ما هو أعم من ترك إصابة الوقت، قال ابن المنذر‏:‏ هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت فسدت صلاة من خلفه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإن أخطؤوا‏)‏ أي ارتكبوا الخطيئة، ولم يرد به الخطأ المقابل للعمد لأنه لا إثم فيه‏.‏
قال المهلب‏:‏ فيه جواز الصلاة خلف البر والفاجر إذا خيف منه‏.‏
ووجه غيره قوله إذا خيف منه بأن الفاجر إنما يؤم إذا كان صاحب شوكة‏.‏
وقال البغوي في شرح السنة‏:‏ فيه دليل على أنه إذا صلى بقوم محدثا أنه تصح صلاة المأمومين وعليه الإعادة‏.‏
واستدل به غيره على أعم من ذلك وهو صحة الائتمام بمن يخل بشيء من الصلاة ركنا كان أو غيره إذا أتم المأموم، وهو عند الشافعية بشرط أن يكون الإمام هو الخليفة أو نائبه، والأصح عندهم صحة الاقتداء بمن علم أنه ترك واجبا‏.‏
ومنهم من استدل به على الجواز مطلقا بناء على أن المراد بالخطأ ما يقابل العمد، قال‏:‏ ومحل الخلاف في الأمور الاجتهادية كمن يصلي خلف من لا يرى قراءة البسملة ولا أنها من أركان القراءة ولا أنها آية من الفاتحة بل يرى أن الفاتحة تجزئ بدونها قال‏:‏ فإن صلاة المأموم تصح إذا قرأ هو البسملة لأن غاية حال الإمام في هذه الحالة أن يكون أخطأ‏.‏
وقد دل الحديث على أن خطأ الإمام لا يؤثر في صحة صلاة المأموم إذا أصاب‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ حديث الباب من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وفيه مقال، وقد ذكرنا له شاهدا عند ابن حبان، وروى الشافعي معناه من طريق صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ ‏"‏ يأتي قوم فيصلون لكم، فإن أتموا كان لهم ولكم، وإن نقصوا كان عليهم ولكم‏"‏‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-2013, 12:18 PM   #280
حسن الخليفه احمد

الصورة الرمزية حسن الخليفه احمد



حسن الخليفه احمد is on a distinguished road

إرسال رسالة عبر Skype إلى حسن الخليفه احمد
افتراضي رد: فتح كتاب فتح البارى على شرح البخارى للاحافظ ابن حجر العسقلانى رضى الله عنه


أنا : حسن الخليفه احمد




*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب إِمَامَةِ الْمَفْتُونِ وَالْمُبْتَدِعِ
وَقَالَ الْحَسَنُ صَلِّ وَعَلَيْهِ بِدْعَتُهُ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب إمامة المفتون‏)‏ أي الذي دخل في الفتنة فخرج على الإمام، ومنهم من فسره بما هو أعم من ذلك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏والمبتدع‏)‏ أي من اعتقد شيئا مما يخالف أهل السنة والجماعة‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن صل وعليه بدعته‏)‏ وصله سعيد بن منصور عن ابن المبارك عن هشام بن حسان أن الحسن سئل عن الصلاة خلف صاحب البدعة فقال الحسن ‏"‏ صل خلفه وعليه بدعته‏"‏‏.‏
الحديث‏:‏
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ فَقَالَ الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ قَالَ الزُّهْرِيُّ لَا نَرَى أَنْ يُصَلَّى خَلْفَ الْمُخَنَّثِ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال لنا محمد بن يوسف‏)‏ هو الفريابي، قيل عبر بهذه الصيغة لأنه مما أخذه من شيخه في المذاكرة فلم يقل فيه حدثنا، وقيل إن ذلك مما تحمله بالإجازة أو المناولة أو العرض، وقيل‏:‏ هو متصل من حيث اللفظ منقطع من حيث المعنى‏.‏
والذي ظهر لي بالاستقراء خلاف ذلك، وهو أنه متصل لكنه لا يعبر بهذه الصيغة إلا إذا كان المتن موقوفا أو كان فيه راو ليس على شرطه، والذي هنا من قبيل الأول، وقد وصله الإسماعيلي من رواية محمد بن يحيى قال‏:‏ حدثنا محمد بن يوسف الفريابي‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن حميد بن عبد الرحمن‏)‏ أي ابن عوف‏.‏
وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ أخبرني حميد‏"‏‏.‏
وأخرجه الإسماعيلي من طريق أخرى عن الأوزاعي، وخالفه يونس بن يزيد فقال‏:‏ عن الزهري عن عروة أخرجه الإسماعيلي أيضا، وكذلك رواه معمر عن الزهري أخرجه عمر بن شبة في ‏"‏ كتاب مقتل عثمان ‏"‏ عن غندر عنه، ويحتمل أن يكون للزهري فيه شيخان‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله بن عدي‏)‏ في رواية ابن المبارك عن الأوزاعي عند الإسماعيلي وأبي نعيم ‏"‏ حدثني عبيد الله بن عدي بن الخيار من بني نوفل بن عبد مناف ‏"‏ وعبيد الله المذكور تابعي كبير معدود في الصحابة لكونه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان عثمان من أقارب أمه كما سيأتي في موضعه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنك إمام عامة‏)‏ أي جماعة‏.‏
وفي رواية يونس ‏"‏ وأنت الإمام ‏"‏ أي الأعظم‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونزل بك ما نرى‏)‏ أي من الحصار‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ويصلي لنا‏)‏ أي يؤمنا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إمام فتنة‏)‏ أي رئيس فتنة، واختلف في المشار إليه بذلك فقيل‏:‏ هو عبد الرحمن بن عديس البلوى أحد رءوس المصريين الذين حصروا عثمان، قاله ابن وضاح فيما نقله عنه ابن عبد البر وغيره‏.‏
وقاله ابن الجوزي وزاد‏:‏ إن كنانة بن بشر أحد رءوسهم صلى بالناس أيضا‏.‏
قلت‏:‏ وهو المراد هنا، فإن سيف بن عمر روى حديث الباب في ‏"‏ كتاب الفتوح ‏"‏ من طريق أخرى عن الزهري بسنده فقال فيه ‏"‏ دخلت على عثمان وهو محصور وكنانة يصلي بالناس فقلت كيف ترى ‏"‏ الحديث‏.‏
وقد صلى بالناس يوم حصر عثمان أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري لكن بإذن عثمان، ورواه عمر بن شبة بسند صحيح، ورواه ابن المديني من طريق أبي هريرة‏.‏
وكذلك صلى بهم علي بن أبي طالب فيما رواه إسماعيل الخطي في ‏"‏ تاريخ بغداد ‏"‏ من رواية ثعلبة بن يزيد الحماني قال‏:‏ فلما كان يوم عيد الأضحى جاء علي فصلى بالناس‏.‏
وقال ابن المبارك فيما رواه الحسن الحلواني‏:‏ لم يصل بهم غيرها‏.‏
وقال غيره‏:‏ صلى بهم عدة صلوات وصلى بهم أيضا سهل بن حنيف، رواه عمر بن شبة بإسناد قوى‏.‏
وقيل صلى بهم أيضا أبو أيوب الأنصاري وطلحة بن عبيد الله، وليس واحد من هؤلاء مرادا بقوله إمام فتنة‏.‏
وقال الداودي‏:‏ معنى قوله ‏"‏ إمام فتنة ‏"‏ أي إمام وقت فتنة، وعلى هذا لا اختصاص له بالخارجي‏.‏
قال‏:‏ ويدل على صحة ذلك أن عثمان لم يذكر الذي أمهم بمكروه بل ذكر أن فعله أحسن الأعمال‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا مغاير لمراد المصنف من ترجمته، ولو كان كما قال لم يكن قوله ‏"‏ ونتحرج ‏"‏ مناسبا‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏ونتحرج‏)‏ في رواية ابن المبارك ‏"‏ وأنا لنتحرج من الصلاة معه ‏"‏ والتحرج التأثم، أي نخاف الوقوع في الإثم، وأصل الحرج الضيق، ثم استعمل للإثم‏.‏
لأنه يضيق على صاحبه‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فقال الصلاة أحسن‏)‏ في رواية ابن المبارك ‏"‏ أن الصلاة أحسن ‏"‏ وفي رواية معقل بن زياد عن الأوزاعي عند الإسماعيلي ‏"‏ من أحسن‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏فإذا أحسن الناس فأحسن‏)‏ ظاهره أنه رخص له في الصلاة معهم كأنه يقول لا يضرك كونه مفتونا، بل إذا أحسن فوافقه على إحسانه واترك ما افتتن به، وهو المطابق لسياق الباب، وهو الذي فهمه الداودي حتى احتاج إلى تقدير حذف في قوله إمام فتنة، وخالف ابن المنير فقال‏:‏ يحتمل أن يكون رأى أن الصلاة خلفه لا تصح فحاد عن الجواب بقوله إن الصلاة أحسن، لأن الصلاة التي هي أحسن هي الصلاة الصحيحة، وصلاة الخارجي غير صحيحة لأنه إما كافر أو فاسق‏.‏
انتهى‏.‏
وهذا قاله نصرة لمذهبه في عدم صحة الصلاة خلف الفاسق، وفيه نظر لأن سيفا روى في الفتوح عن سهل بن يوسف الأنصاري عن أبيه قال‏:‏ كره الناس الصلاة خلف الذين حصروا عثمان إلا عثمان فإنه قال‏:‏ من دعا إلى الصلاة فأجيبوه‏.‏
انتهى‏.‏
فهذا صريح في أن مقصوده بقوله ‏"‏ الصلاة أحسن ‏"‏ الإشارة إلى الإذن بالصلاة خلفه، وفيه تأييد لما فهمه المصنف من قوله إمام فتنة، وروى سعيد بن منصور من طريق مكحول قال‏:‏ قالوا لعثمان إنا نتحرج أن نصلي خلف هؤلاء الذين حصروك، فذكر نحو حديث الزهري‏.‏
وهذا منقطع إلا أنه اعتضد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وإذا أساؤوا فاجتنب‏)‏ فيه تحذير من الفتنة والدخول فيها ومن جميع ما ينكر من قول أو فعل أو اعتقاد، وفي هذا الأثر الحض على شهود الجماعة ولا سيما في زمن الفتنة لئلا يزداد تفرق الكلمة، وفيه أن الصلاة خلف من تكره الصلاة خلفه أولى من تعطيل الجماعة، وفيه رد على زعم أن الجمعة لا يجزئ أن تقام بغير إذن الإمام‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏وقال الزبيدي‏)‏ بضم الزاي هو محمد بن الوليد‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏المخنث‏)‏ رويناه بكسر النون وفتحها، فالأول المراد به من فيه تكسر وتثن وتشبه بالنساء‏.‏
والثاني المراد به من يؤتي، وبه جزم أبو عبد الملك فيما حكاه ابن التين محتجا بأن الأول لا مانع من الصلاة خلفه إذا كان ذلك أصل خلقته‏.‏
ورد بأن المراد من يتعمد ذلك فيتشبه بالنساء فإن ذلك بدعة قبيحة، ولهذا جوز الداودي أن يكون كل منهما مرادا‏.‏
قال ابن بطال‏:‏ ذكر البخاري هذه المسألة هنا لأن المخنث مفتتن في طريقته‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إلا من ضرورة‏)‏ أي بأن يكون ذا شوكة أو من جهته فلا تعطل الجماعة بسببه، وقد رواه معمر عن الزهري بغير قيد أخرجه عبد الرزاق عنه ولفظه ‏"‏ قلت‏:‏ فالمخنث‏؟‏ قال‏:‏ لا ولا كرامة، لا يؤتم به ‏"‏ وهو محمول على حالة الاختيار‏.‏
الحديث‏:‏
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ اسْمَعْ وَأَطِعْ وَلَوْ لِحَبَشِيٍّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن أبان‏)‏ هو البلخي مستملى وكيع، وقيل الواسطي وهو محتمل لكن لم نجد للواسطي رواية عن غندر بخلاف البلخي، وقد تقدم عنه بموضع آخر في المواقيت وهذا جميع ما أخرج عنه البخاري‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏اسمع وأطع‏)‏ تقدم الكلام عليه قبل بباب، قال ابن المنير‏:‏ وجه دخوله في هذا الباب أن الصفة المذكورة إنما توجد غالبا في عجمي حديث عهد بالإسلام لا يخلو من جهل بدينه، وما يخلو من هذه صفته ارتكاب البدعة، ولو لم يكن إلا افتتانه بنفسه حتى تقدم للإمامة وليس من أهلها‏.‏
*3*نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةباب يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ
الشرح‏:‏
قوله‏:‏ ‏(‏باب يقوم‏)‏ أي المأموم ‏(‏عن يمين الإمام بحذائه‏)‏ بكسر المهملة وذال معجمة بعدها مدة، أي بجنبه، فأخرج بذلك من كان خلفه أو مائلا عنه‏.‏
و قوله‏:‏ ‏(‏سواء‏)‏ أخرج به من كان إلى جنبه لكن على بعد عنه، كذا قال الزين بن المنير، والذي يظهر أن قوله بحذائه يخرج هذا أيضا‏.‏
وقوله سواء أي لا يتقدم ولا يتأخر، وفي انتزاع هذا من الحديث الذي أورده بعد‏.‏
وقد قال أصحابنا‏:‏ يستحب أن يقف المأموم دونه قليلا، وكأن المصنف أشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه، فقد تقدم في الطهارة من رواية مخرمة عن كريب عن ابن عباس بلفظ ‏"‏ فقمت إلى جنبه ‏"‏ وظاهره المساواة‏.‏
وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس نحوا من هذه القصة، وعن ابن جريج قال قلت لعطاء‏:‏ الرجل يصلي مع الرجل أين يكون منه‏؟‏ قال‏:‏ إلى شقه الأيمن‏.‏
قلت‏:‏ أيحاذى به حتى يصف معه لا يفوت أحدهما الآخر‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
قلت‏:‏ أتحب أن يساويه حتى لا تكون بينهما فرجة‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
وفي الموطأ عن عبد الله بن عتبة ابن مسعود قال ‏"‏ دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح، فقمت وراءه فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه‏"‏‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إذا كانا‏)‏ أي إماما ومأموما، بخلاف ما إذا كانا مأمومين مع إمام فلهما حكم آخر‏.‏
‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ هكذا في جميع الروايات ‏"‏ باب ‏"‏ بالتنوين ‏"‏ يقوم الخ‏"‏، وأورده الزين بن المنير بلفظ ‏"‏ باب من يقوم ‏"‏ بالإضافة وزيادة من، وشرحه على ذلك، وتردد بين كونها موصولة أو استفهامية ثم أطال في حكمة ذلك وأن سببه كون المسألة مختلفا فيها‏.‏
والواقع أن من محذوفه والسياق ظاهر في أن المصنف جازم بحكم المسألة لا متردد والله أعلم‏.‏
وقد نقل بعضهم الاتفاق على أن المأموم الواحد يقف عن يمين الإمام إلا النخعي فقال ‏"‏ إذا كان الإمام ورجل قام الرجل خلف الإمام، فإن ركع الإمام قبل أن يجيء أحد قام عن يمينه ‏"‏ أخرجه سعيد بن منصور، ووجهه بعضهم بأن الإمام مظنة الاجتماع فاعتبرت في موقف المأموم حتى يظهر خلاف ذلك، وهو حسن لكنه مخالف للنص، وهو قياس فاسد ثم ظهر لي أن إبراهيم إنما كان يقول بذلك حيث يظن ظنا قويا مجيء ثان، وقد روى سعيد بن منصور أيضا عنه قال ‏"‏ ربما قمت خلف الأسود وحدي حتى يجيء المؤذن ‏"‏ وذكر البيهقي أنه يستفاد من حديث الباب امتناع تقديم المأموم على الإمام خلافا لمالك، لما في رواية مسلم ‏"‏ فقمت عن يساره فأدارني من خلفه حتى جعلني عن يمينه ‏"‏ وفيه نظر‏.‏

حسن الخليفه احمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
كاتب الموضوع حسن الخليفه احمد مشاركات 538 المشاهدات 76343  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:45 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
::×:: هذا المُنتدى لا يمثل الموقع الرسمي للطريقة الختمية بل هُو تجمُّع فكري وثقافي لشباب الختمية::×::

تصميم: صبري طه