منتديات الختمية - السيد علي الميرغني المصلح الإجتماعي.. بقلم د. منصور بلة

السيد علي الميرغني المصلح الإجتماعي
_______
ذكر لي والدي عليه رحمة الله أنه وفي واحدة من زياراتهم لمولانا السيد علي الميرغني عليه رضوان الله، وكعادته دائما مايسأل الوفود عن أحوالهم كلها، الإجتماعية والإقتصادية وطرائق عيشهم، يسأل عن كل كبيرة وصغيرة، وكان في آخر كل لقاء يحملهم وصايا تنفعهم دنيا ودين،وكانت من وصاياه في واحدة من تلك اللقاءات قال لهم : كل أولاد أب يشتركوا طلمبة لري زراعتهم بدلا عن السواقي المتعبة وذات العائد الضعيف، فإن لم يستطع أبناء الأب وحدهم يشترك أبناء العمومة وإن لم يستطيعوا فلتتعاون القرية كلها في شراء طلمبة كبيرة، وتشجيعا لهم بدأ هو بنفسه بإقامة مشروع مروي بمضخات كبيرة بسعة ثمانية عشر بوصة إستفاد منها كل ملاك الأراضي بالبسابير ولزمن طويل مقابل رسوم ضئيلة جدا إذا قورنت بأيامنا هذه، مشروع رائد شجع الملاك على شراء الطلمبات الصغيرة والتي أدت لزيادة المساحات المزروعة حتى وصلت لتخوم البلدة وحسنت من سبل كسب العيش وإستفاد منها حتى العمال الذين لا يملكون اراضي زراعية لأنها زادت فرص العمل أمامهم. تلك هي عبقرية السيد علي ونظرته البعيدة، نظرة غير انها نظرة عارف رباني تشير لعالم في مجال الإقتصاد الريفي الذي هو عماد الإقتصاد الكلي للدولة،فقد جاء في السير أن زياد بن أبيه لما ولاه معاوية على العراق إجتمع بعمال الضرائب وقال لهم : إن أهل العراق أهل فلاحة، لا ترهقوهم بالمكوس فإنكم سمينون ماسمنوا، فإن أرهقتموهم بما لا طاقة لهم به ضعفوا وإذا ضعفوا ضعف الجند وضعفت الدولة وطمع فيها الأعداء.. وما يعانيه السودان الآن وهو مقبل على مجاعة أكدتها إحصائيات منظمة الزراعة والاغذية العالمية ومنصات علماء زراعة سودانيين، نتيجة حتمية لتدمير الريف السوداني بهجرة الملايين من سكانه للعاصمة وبقية الحواضر، أدرك مولانا ببصيرته النافذة أن الزراعة المستقرة وتنمية الريف هي المفتاح للاستقرار والرفاه والسلام الاجتماعي، ولو أدركت النخبة السودانية ذلك الوعي المتقدم وعملت على جعل التنمية قضية مركزية للشعب السوداني لما نشبت الحروب وعصفت بالسلام والإستقرار، فالتنمية ترياق مضاد للبطالة وبالتالي للعنف والتطرف، لأن الإنسان إن لم يشغل نفسه بما ينفع شغلها بما يضر.

رضي الله عن سيدي علي الميرغني في ذكراه ونفعنا بعلومه وافكاره ونصائحه لحاضرنا ومستقبل أجيالنا، ولتكن هذه الذكرى مناسبة نقرأ فيها كتاب صاحب الذكرى من زاوية أخرى ومغايرة لما إعتاده الناس، زاوية السيد علي المفكر والمصلح الإجتماعي، وكل عام والسودان كله بخير.
_______
منصور بلة محمد
الخرطوم ٢٣ يونيو ٢٠٢٢ م