المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عدالة عند الطلب.. بقلم: عثمان ميرغني


Ya Mirghani
06-06-2021, 03:19 PM
حديث المدينة
عثمان ميرغني

”عدالة عند الطلب”

الفترة الانتقالية في السودان باتت “مضيعة وقت” بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.. لا رؤية ولا أهداف ولا خطة ولا يحزنون.. دولة تكابد هموم يومياتها المثقلة بالجراحات والأنين، وشعب صابر كلما رأى سراباً ظنه ماء ..

الهتافات التي أطلقها الشباب أمس في ذكرى “فض الاعتصام ” تطالب بالعدالة، والحقيقة المرة أن “مؤسسات” العدالة نفسها غائبة فكيف بالعدالة، فلا مجلس تشريعي ليفرض ما يريده الشعب على الحكومة ولا محكمة دستورية تصبح المرجعية الأعلى للفصل – رغم أن النظام البائد على سوئه كانت له محكمة دستورية – ولا مجلس قضاء عالٍ ولا مجلس نيابة ولا رئيس قضاء ولا نائب عام.. فكيف بالعدالة!

العدالة ليست مجرد قرار أو زر يمكن ضغطه فيحاسب الذين ارتكبوا في حق الشعب المجازر أو غيرهم .. العدالة منهج حكم، من صميم بنيان الدولة ولا تحقق العدالة حتى تُرى وهي تتحقق

والذي ينشد العدالة يجب أن يأتيها بأيد بيضاء .

He who comes into equity must come with clean hands

لا يستقيم عدلاً أن تكون العدالة هي التحقيق في فض الاعتصام ومحاسبة المسؤولين، بينما في الوقت ذاته السجون الآن تفيض بالمحرومين من العدالة ينتظر بعضهم لأكثر من سنة دون أن توضح له التهمة أو يمثل أمام المحكمة.. هل العدالة هي مجرد نصب مشنقة لمجرم في الوقت ذاته الذي يرمى بآخر خلف قضبان السجن بلا مساءلة ؟

القاعدة القانونية واضحة، من ينشد العدالة يجب أن يأتيها بأيد بيضاء..

الذي يجب أن تطالب به الجماهير وبإلحاح أن تستقيم مؤسسات العدالة على الهدى الدستوري القويم.. أن يكون لبلادنا مجلس تشريعي يصدر القوانين ويراقب ويحاسب السلطة التنفيذية، وأن يكون لنا محكمة دستورية عليا تضبط الإيقاع في البلاد وتضمن أن لا تعتلي سلطة فوق ظهر سلطة أخرى.. وأن تتكون المجالس التي تشرف على عمل المؤسسات العدلية، القضاء والنيابة، وبعد ذلك لن يحتاج شخص واحد في السودان التظاهر لإرغام الحكومة على إخضاع مجرم لميزان العدالة.. لأن الجميع يستوون تحت طائلة القانون ولا كبير على العدالة.

لكن المشهد الماثل الآن ، يُظِهر العدالة وكأنها مجرد جريمة واحدة، أو بعض جرائم، وكأنها قرار واحد بمحاسبة مسؤول عن حادثة أو حوادث بعينها.. ثم ينتهي مفهوم العدالة والمطالبة بها بتحقيق هذا المطلب.. هنا تصبح العدالة “عند الطلب” تُستدعى بناء على “طلب الجمهور” و تُستبعَد إذا لم يطالب بها الجمهور..

المطلوب إصلاح مؤسسات العدالة من المجلس التشريعي إلى المحكمة الدستورية إلى مجلس القضاء العالي ومجلس النيابة ، وفصل السلطات كاملة بلا تدخل من الجهاز التنفيذي، لتصبح السلطة القضائية فوق الجميع ولا يعلو رأس على القانون.. عندها لن يحتاج أحد للتظاهر أو حرق اللساتك لإجبار الحكومة على تحقيق العدالة.