المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السلفية والربيع العربي (منقول من صحيفة الأصل)


علي الشريف احمد
11-25-2012, 08:18 PM
السلفية والربيع العربي
محمد الأنور الشيخ إدريس


حينما انطلقت ثورات الربيع العربي في المنطقة العربية استبشر الكثير من الناس بها خيراً لما ستحدثه من تغيير في الخارطة السياسية والذي سينعكس تلقائياً على كافة الأوضاع للشعوب العربية في صورة إيجابية ، وقد ساد هذا الانطباع بسبب ما كان واقعاً من ظلم وتجبر واستكبار وفساد من قبل الأنظمة الحاكمة آنذاك ، ولكن يبدو أن الرياح لم تأتِ بما نشتهيه ، فقد فوجئت الشعوب بأوضاع غريبة غير التي تصوروها ومن ضمنها بروز ما يعرف بالجماعات السلفية المتشددة من مخابئها ومحاولتها للسطو على الثورات رغم أنهم لم ينفعلوا معها ويشاركوا فيها بشكل أساسي منذ البداية ، حيث دعا الكثير من قياداتهم لعدم الخروج على الحاكم المسلم ، وهو بالرغم من أنه رأي فقهي معروف لدى علماء الدين الذين اختلفوا في تفسيره إلا أن استخدامه كان معيباً من قبل تلك الجماعات لما فيه من تناقضات ، وهذه الثورات كما هو معلوم أشعلتها القوى الوطنية من الشباب الثائر المستاء من الأوضاع المحبطة التي كانت سائدة ، وبالطبع ليس هناك جهة تستطيع الادعاء أنها صنعت هذه الثورات فهي انفعال شعبي عفوي عبر مواطن الشارع البسيط أراد الله له أن يكون سبباً في إنهاء أعمار طواغيت العرب وديناصوراتهم في الحكم إذ لكل أجل كتاب . المهم بعد سقوط تلك الأنظمة الفاسدة برزت الجماعات السلفية إلى النور ، ولما لم تستطع الاستيلاء على الثورات جعلت من نفسها خميرة عكننة وخلق حالة من البلبة والفوضى الخلاقة في محاولة لإثبات الوجود ، وقد وضح جلياً أنهم ليس لهم رؤية سياسية واضحة المعالم للتعامل مع الوضع الجديد والمشاركة السياسية ووضع حلول منطقية وواقعية للمشاكل الماثلة بكل تعقيداتها ، فمنهج هذه الجماعات في الأصل يقوم على التكفير ثم التفجير لكل من خالفهم الرأي ، وتنبني جل استراتيجيتهم طيلة السنوات الفائتة على مواجهة الفكر الصوفي باعتبار أن الصوفية مشركون !! أما التعاطي السياسي والتخطيط التنموي الممنهج وفق الواقع المعاش فهذه المادة ( ما شايلنها خالص ) .
إن المراقب للأوضاع الراهنة يجد أن هذا الأمر ماثل أمامنا في النموذج التونسي حيث تحمل الأنباء إلينا كل يوم ما يقوم به السلفيون ، وكلنا نذكر حادثة الإساءة من قبل عناصرهم للنشيد والعلم الوطني التونسي مما خلق حالة استياء عام وسط الشعب التونسي جراء ما تقوم هذه الجماعات والاضطرابات التي يثيرونها ، ويخشى الشعب من زج هذه الجماعات لتونس في حرب دينية بل لدرجة أن الإسلاميين هناك أصبحوا يتخوفون منهم رغم التحالف الخفي بينهم ، بل ذهب السلفيون إلى أبعد من ذلك فأعلن بعض قادتهم الجهاد العام ضد الحكومة وحملوا أكفانهم على أكفهم عبر وسائل الإعلام كما رأينا ، وقد صرح المرزوقي حينما ضاق بهم ذرعاً بأنهم سيواجهون هذه الجماعات بالقوة إضافة إلى المعالجات الاجتماعية لهذا الخطر .
أما في ليبيا فقد استغلوا حالة الفراغ السياسي والأمني فأشاعوا الفوضى وعمدوا إلى هدم أضرحة الأولياء دون مراعاة لحرمة الأموات ولا الأحياء ، حيث يبدو أن هذا الأمر من أولى أولياتهم متى ما توفرت لهم القوة والسلطة والتمكين ، كما نشروا مليشياتهم المسلحة التي أرهبت المواطنين ونصبوا أنفسهم حكاماً لمناطقهم عبر أفكارهم الخربة ، إلا أن الشعب الليبي الواعي والمحصن ضد تلك الأفكار المتطرفة عندما استرد عافيته لم يسكت عليهم بل ثار ضدهم وواجههم وهاجم مقارهم وأحرقها وطردهم ، وقد خرجت جموع الشعب الليبي في مظاهرات مطالبة الدولة بإنهاء فوضى هذه الجماعات التخريبية وتفكيك مليشياتهم المسلحة التي يرهبون بها المواطن المسلم بدل أن يرهبوا بها أعداء الله .
ثم انتقلت هذه الجرثومة إلى أرض الكنانة مصر حيث أول ما بدأوا به نشاطهم في ظل الوضع الجديد هو الهجوم على أضرحة ومقامات الصالحين وآل بيت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحرقوها وهدموها ، فإذا كان هذا هو فكرهم قبل التمكين فهل سيأمنهم المواطن المصري على نفسه ووطنه ومستقبله ؟! ورغم التحالف الذي كان بينهم وبين الإخوان المسلمين في مصر إلا أن الإخوان المسلمين توجسوا منهم خيفة فأخرجوهم خارج حساباتهم السياسية رغم التوقعات بخوضهم الانتخابات متحالفين معاً ضد القوى الوطنية . ثم ما لبث السلفية أن أصدروا فتاويهم التكفيرية للعديد من قطاعات المجتمع كعادتهم وفي مقدمتهم أهل الفن ، وإدخال هذا الجنة وإخراج ذاك منها مستغلين قنواتهم الفضائية التي حولوها إلى بيزنس ديني أثروا من خلفه ثراءً فاحشاً ، وآخر تقليعاتهم هي إفتاؤهم بوجوب هدم الأهرامات وأبو الهول لأنها أصنام تعبد أو يخشى من عبادتها مستقبلاً كما فعلت من قبل طالبان في أفغانستان !! ثم الطامة الكبرى ما يفعلونه الآن في سيناء وإشاعتهم للفوضى والإرهاب والقتل والتخريب حتى احتلوا سيناء بكاملها ولم يعد هناك وجود يذكر للحكومة المصرية بشهادة أهلها وذلك بعد أن هاجموا الشرطة المصرية وقتلوا أعداداً منه وفيهم قيادات شرطية كبيرة ، ثم أخذت قوتهم تزداد يوماً بعد آخر لدرجة أن الرئيس مرسي لم يستطع تجريمهم بل وصفهم بأنهم مضلًّلين من قبل آخرين في محاولة لاستمالتهم وهذا في تقديري لا بأس به سياسياً ولكن يغيب عنه الجانب الأمني لمواجهة هذا الخطر .
وإذا نظرنا إلى خارطة العالم العربي نجد أن الصومال الجريح قد اكتوى أيضاً بهذه النيران فهو يعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي منذ رحيل الديكتاتور سياد بري ، وقد كان للفكر السلفي الوهابي القِدْح المعلى في هذه الفوضى وذلك عبر ما يعرف اليوم بحركة الشباب المجاهدين بما تمارسه من قتل وتخريب في الصومال ، وهم بالمناسبة مزيج من أفغان عرب ووهابية وإسلاميين متشددين يتبنون الفكر السلفي الوهابي الجهادي ، ولكن ما يحمد للشعب الصومالي أنه يرفض هذه الحركة وليس لديها قبول في أوساط الشارع الصومالي لما تمثله من تشويه للإسلام بما ترتكبه من جرائم باسم الدين وإعاقة لمسيرة الصومال نحو السلام والاستقرار والتنمية .
ونجد أن هذه الآفة قد تسربت مؤخراً إلى غرب إفريقيا المسلم ، ففي نيجيريا هاهم يقتلون الأبرياء من الأطفال والنساء وكبار السن عبر جماعتهم الإرهابية التي تسمى ( بوكو حرام ) لا لشيء إلا لأن هذه الجماعة تعتقد أن كل من خالفها الرأي كافر لأنهم الحاكمون بأمر الله رغم أن من يقتلونهم مسلمون يشهدون بالتوحيد ويرتادون مساجد الله التي لم تسلم هي الأخرى من شرهم نتيجة فكرهم المتخلف المخالف للدين والذي يريد أن يعيد الناس إلى العصور الحجرية .
ثم تأثرت بهذه الفتنة مؤخراً دولة مالي حيث تسعى هذه الجماعات الآن إلى تقسيم الدولة وإقامة دولة مستقلة في الإقليم الشمالي يقوم على الفكر السلفي التكفيري ، وقد استغلوا بالطبع الفراغ السياسي والأمني في مالي بعد الانقلاب الأخير والذي يبدو أنه مرتعهم الخصيب دوماً للظهور فيه ، وقد أصبح نفوذهم المسلح يتنامى في المنطقة لإخضاعهم زعماء القبائل في المنطقة عبر التخويف والإرهاب حيث فعلوا الأفاعيل في مالي من قتل وتشريد وبالطبع تهديم وحرق الأضرحة وهذا هو الشيء المشترك في كل هذه التحركات للسلفية الوهابية في المنطقة كلها ، وهذه الأضرحة التي هدموها وحرقوها إضافة لقيمتها الدينية والروحية فإنها تعد من التراث العالمي حسب تصنيف منظمة اليونسكو لها ، ولم يقتصر خطرهم على مالي وحدها بل امتد تهديدهم لكل الغرب الإفريقي والمغرب العربي الشيء الذي جعل الاتحاد الإفريقي ودول غرب القارة تتحرك لوقف هذه الجماعات الإجرامية عبر التحرك العسكري وتوجيه ضربة عسكرية لهم بدعم غربي ، ولما رأت هذه الجماعات خطورة الوضع عليها أذعنوا الآن لصوت العقل على ما يبدو وصاروا يفكرون في التراجع وطلبوا التفاوض والحوار خاصة جماعة أنصار الدين والتي أعلنت انفصالها عن جماعة التوحيد وتنظيم القاعدة بالمغرب العربي ورفضها للعنف والتطرف ، ولكن لم تقنع تلك الخطوة دول الغرب الإفريقي باعتبارها أقوالاً لم تصاحبها أفعال . وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ضرورة مواجهة التطرف الديني عبر القوة والحوار الاثنين معاً .
وحتى دول الخليج لم تسلم منهم فهاهم في الكويت - والتي تعتبر من أكبر مراكز نفوذهم خاصة المالي - قد عملوا على إدخال البلاد في حالة من الاضطراب السياسي بسبب معاداة النظام الحاكم ، ويسعون الآن إلى السيطرة على مقاليد الحكم في الكويت عن طريق إقصاء الأمير أو على الأقل تقليص نفوذه وجعل منصبه تشريفياً فقط ليفعلوا ما يحلو لهم من كبت للمجتمع وتحكيم فكرهم المتزمت ، وبالمناسبة فالكويت تعتبر من أكبر مصادر الدعم المالي للفكر السلفي في العالم عبر شركاتهم ومؤسساتهم المالية إضافة إلى عدد من الدول العربية ووبعض الدول نجدها قد قلصت دعمها كثيراً في الآونة الأخيرة بسبب المشاكل التي جرتها عليها هذه الجماعة .
ثم تحمل إلينا آخر الأنباء توتر العلاقة بين الجماعة السلفية وحركة حماس ، ويبدو أن الأيام القادمة ستحمل إلينا الكثير حول هذا الأمر ، كما لا يخفى علينا المجموعات المتطرفة التي بدأت تتسلل وتتشكل في سوريا مستغلة ثورة الشعب السوري العظيم وحالة الفوضى السياسية ، وحسب قراءتي للوضع في سوريا فإن هذه الجماعات السلفية الوهابية بمسمياتها المختلفة سيكون لها شأن آخر في مقبل الأيام مما سيؤدي إلى تغيير في الخارطة العامة لمنطقة الشام بما فيها المملكة الأردنية .
أما في السودان فنجد أن الجماعة السلفية قد تمكنت بشكل خطير في مفاصل الدولة ، ويرجع الفضل بالطبع لحكومتنا الرشيدة وسيسجل التاريخ لها هذا الفضل عبر تمكينهم للوهابية من الإعلام والمنابر الدعوية بالمساجد والمناهج التعليمية ، ورغم أن السلفية في السودان كانت قد دخلت في صراع فكري مع الإسلاميين في أوائل التسعينيات بل عملت إلى تكفيرهم خاصة إبان توتر العلاقة بين السودان والسعودية في حرب الخليج الثانية إلا أننا اليوم نجدهم قد دخلوا معهم في تحالف ( تحت التربيزة) يقوم بموجبه السلفية بتأييد الحكومة ودعمها معنوياً وسياسياً ومالياً مقابل تمكينهم من نشر فكرهم والتسهيل لهم عبر تمكينهم من الإعلام والمساجد ومناهج التعليم كما أسلفت ، وهذا التمكين بدأت ثماره تؤتي أكلها اليوم في ظل غفلة كبيرة من علمائنا وقادتنا في هذا البلد المسكين . وإذا نظرنا في النشاط التطرفي للجماعة الوهابية السلفية في السودان فهو معلوم للجميع منذ حوادث الإرهابيين الخليفي وعباس وقتلهم للمصلين بالمساجد ، ومن المعلوم أن الخليفي وعباس درسا وتخرجا في معهد الدعاة بالكلاكلة التابع لهذه الجماعة والذي نتساءل بدورنا عن أهدافه ودوره الراهن والخفي وهل هناك رقابة على ما يقدمه لطلابه من مناهج أم أن الحبل متروك على القارب كالعادة ؟! ، ثم نجد الخلايا المتطرفة الأخرى التي ظهرت تباعاً وأبرزها تلك التي كان يقودها نجل الداعية الدكتورعبد الحي يوسف والذي آب إلى رشده بحمد الله بعد جلسات حوارية معه عبر علماء ومشايخ عقلاء ، ثم الخلية المتطرفة التي كان يقودها عبد الرؤوف نجل رئيس الجماعة أبو زيد محمد حمزة والتي اغتالت الدبلوماسي الأمريكي غرانفيل ثم قتلت عدداً من أفراد الشرطة السودانية أثناء عملية تهريبهم من سجن كوبر والتي كان يقودها النجل الثاني لأبي زيد محمد حمزة ، ثم حوادث الهدم والحرق لأضرحة الأولياء والصالحين وذبح حراسها ذبح الشاة ، وهم بعد كل هذه الجرائم يتهيئون الآن للاستيلاء على الحكم في السودان عبر عدة وسائل وهذا هو تخطيطهم الاستراتيجي الذي صرحوا به ، بل طالبوا علناً الإسلاميين بالتنحي عن الحكم إذا لم يستطيعوا المواصلة لأنهم جاهزون – حسب زعمهم - وحينها قل على السودان السلام . ولكن ما يحمد له أن الدولة بدأت تدرك هذا الخطر والمخططات المريبة ونأمل أن يتحركوا سريعاً لمجابهة هذا الخطر عبر شتى الوسائل السياسية والفكرية والأمنية قبل أن يستفحل ويصير مصيرنا كغيرنا .
هذا المشهد المترائي في المنطقة عموماً لعله نسخة طبق الأصل لأول ابتداء الحركة في الجزيرة العربية قبل ما يقارب المائتي سنة ، وما حدث منهم من تقتيل ونهب وتخريب ومنع للحجيج وقطع للطرق ، فالتاريخ يعيد نفسه الآن ويبدو ان هذا الفكر لا يعيش إلا في ظل أجواء متوترة وغياب للأمن والاستقرار ، وعلى الناس أن أن يرجعوا إلى كتب التاريخ حتى يتأكدوا من هذه المقارنة ولا سيما كتاب ( فتنة السلفية ) للسيد أحمد زيني دحلان ومذكرات مستر هنفر المعروفة .
عموماً لقد وجد السلفيون بيئة صالحة ومرتعاً خصباً عقب ثورات الربيع العربي فاستغلوها لنشر فكرهم وإشاعة الفوضى في ربوع العالم العربي والإسلامي ، وقد أدى هذا الوضع إلى خلق أجواء مناسبة لانتعاش تجارة السلاح والمخدرات والبشر خصوصاً في سيناء ومالي والصومال وليبيا مما يشكل خطورة كبيرة على الأمن القومي للمنطقة ، ولا سيما بعد تسلل كثير من الجماعات الإرهابية والإجرامية إلى هذه البلدان وعلى رأسها القاعدة ، وهذه الأخيرة لها أموال ضخمة موزعة في العالم العربي والإسلامي ، ويدور في الأوساط حديث أن هذه الأموال تجرى بها عمليات غسيل أموال - والله أعلم - وقد يستخدمها بالطبع التكفيريون في نشر أفكارهم وتنفيذ مخططاتهم ، لذلك ننادي السلطات المختصة لتكثيف المراقبة للنشاط المالي لهذه المجموعات التكفيرية خصوصاً أن كثيراً من هذه الأموال قد دخلت في معاملات تجارية ضخمة وإنشاء مشاريع استثمارية ، لذلك فإن مواجهة هذا الفكر المتطرف يجب أن يكون بتعاون الجميع على المستويين الرسمي والشعبي وعبر القوة والحوار الفكري معاً وتجفيف مصادر التمويل لهذه الجماعات ، كما ندعو المواطنين للتنبه لهذا الفكر الإرهابي ومواجهته وعدم الانجرار وراء عباراتهم الرنانة التي يخدعون بها بعض أبنائنا الصغار ، كما نطالب وزراء الداخلية العرب بعقد قمة لمناقشة هذا الأمر وتنسيق جهودهم لمواجهة الخطر القادم !!