المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثورة الحسين ثورة الإنسان على الطغيان


راشد ميرغني
05-28-2010, 03:14 PM
ثورة الحسين ثورة الإنسان على الطغيان
أطياف إنسانية من ضياء الثورة الحسينية :
حكايةُ ثورة الحسين , حكاية ثورة الإنسان بكل ما فيه من سُمُو وإباء , والمؤمن بكل ما تحتوي عليه كلمة الإيمان من صدق وثناء , والمصلح بكل ما تستلزمه أبعاد الحروف من حق ونجدة ومروءة ووفاء .
ثورة الحسين ثورة إنسان كمل في إهابه معنى الرشد , وحقيقة الوعي , وروح الإيمان , وسرّ العلو المطلق , فتشكّل في حياته دليلاً أميناً لطلاب الحق , وبعد مماته أمثولة رائعة حازت شرف الأسوة في خطٍ مشروعٍ نقلاً وعقلاً , وبقي مَن واجهه رأساً في حربة الظلم والغدر والإثم , ذات نتاج الفساد والخديعة والشر .
سيبقى الحسين الثائر يعلم الناس من خلال ثورته كيف يموتون , لأن الموت فنٌ كالحياة , فمن لم يختر الشهادة النبيلة فسيختاره الموت الوضيع , والشهادة قيمة طغراء في صفحة الولاء بعد الثناء .
علّم الحسين مَنْ بعده كيف تُعتنق المبادئ , وكيف تُحرس , وكيف يُقدَّس الإيمان , وكيف يُدافع عنه , وكيف يكون الموت من أجل العقيدة , وكيف يحيا كريماً من تبنّاها عَرِيّة عن الخَطَل , مرعية الصلة بالخالق الأعظم .
ثار الحسين ضد الظلم , وأي إنسانية أعظم من أن تثور ضد الجور والحيف , وتأتي بالعدل عنواناً صادقاً لمجتمع الأفراد وأفراد المجتمع ؟
نظم الحسين عاشوراء الزمان وكربلاء المكان في سلك الشهادة , ووضعها قلادة على جِيد التاريخ , تاريخ الإصلاح , فتحوّلت بعده كلُّ ذكرى للزمن إلى عاشوراء , وأضحت كل مناسبة للمكان كربلاء .
مات الحسين , ولكنّ موته لم يكن - أبداً- هموداً ولا رقوداً , بل هو خروج الحركة عن قطبها لتحلّ منتشرة في ثوّار كُثر , ففي روح كل مصلح لمعة من روحه , وفي ضمير كل مجاهد قبسات من عطائه .
دمُ الحسين رُواء أنعش الأرض , فأنبتت طُهراً وطيباً استمرّا وبقيا , وسيف المناوئين الطغاة أُعيد على رقابهم شؤماً منفِّراً ولعنة قصمت الظهر والذكر , ورضي الله عن عقيلة بني هاشم , زينب الفضل , إذ خاطبت هؤلاء : " كد كيدك , واسعَ سعيك , وناصب عداوتك , فوالله لا تمحو ذكرنا , ولا تميت وحينا , والويل لك يوم ينادي المنادي : ( ألا لعنة الله على الظالمين ) ".
الحسين في حياته , وبعد استشهاده , إنسان عظيم تهواه الصدور , وشخصية متفوقة لا تتسع لها السطور , والشخصية الكبيرة من الناس هي السدرة التي ينتهي التاريخ إليها مفاخراً بحق .
ولمَ لا يكون الحسين كذلك , وهو من انبثق من عظمة النبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكان السبط الحبيب , ومن عظمة الرجولة علي عليه السلام فكان الابن الأريب , ومن عظمة الفضيلة فاطمة عليها السلام فكان البضعة التي تعني في الصلة والوصال أكثر مما يعنيه القريب .
هذه بعضٌ من ملامح لم تكن البلاغة فيها على حساب الإبلاغ , بل لقد أصابها القصور أحايين , فلم تعطِ الحقيقة حقَّها , وأين الكلمة – مهما توشّت – من السرّ ؟ وأين العبارة – مهما زُخرفت – من القبس العلوي الإلهي ؟
وهذه لمحات من حكاية الثائر الأَشَمّ , وما اللمحات من تلك الحكاية إلا كقطرة ندى من وابل طيب , به السماء تفخر والأرض تزهر .

فاصل مذكِّر من هوية الإمام الثائر:
مَنْ هو الحسين ؟ ومَنْ – هنا – لا تعني السؤال بقدر ما تعني تذكيري ومن معي من بني الإنسان بالوفاء , وليس المقام هنا سرد حياة مفصلة , أو عرض ترجمة في سياق تعريفي مطوّل , وإنما أردنا إعادة عرض بعض اللقطات النورانية عن هذا العظيم الأنور , وإذ تتبدى فإنسانية هي بالتمام والكمال , وإذ تسفر فعظيمة هي بكل المعايير الناطقة بلغة العقل الصائب , والصواب الحكيم العاقل , وإذ تبرز فالملتقى عندها للاتساء والاقتداء .
ولنبدأ المشوار مع لقطة يخرجها جدُّ الحسين – عليه الصلاة والسلام – بألوان الحب وأضواء العطاء : " حسين مني , وأنا من حسين . أحب الله من أحب حسيناً " . ويقول الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم مرة لابنته السيدة البتول عليها السلام , وقد سمع حسيناً يبكي : " ألم تعلمي أنّ بكاءه يؤذيني " . وتتابع اللقطة اللؤلؤية العظمى ليقول الجد صلى الله عليه وآله وسلم عن الحسين عليه السلام : " من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني " . ويقول صلى الله عليه وآله وسلم : " الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا ". ويقول صلى الله عليه وسلم : " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " . ويقول صلى الله عليه وآله وسلم لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام : " أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم " . وتُقفل اللقطة هذه على توريثٍ عطري عَبِق تأخذ عنها لقطات أُخر, أخرجها وارثون , ورثوا غير الدرهم والدينار عن الأسياد , وإنما ميراثهم عنهم العلم الصحيح , وهو الحظ الوافر , بل الأوفر .
ومن هذه اللقطات ما كان ابن عمر رضي الله عنهما , يوم كان جالساً في ظل الكعبة , فرأى الحسين عليه السلام مقبلاً فقال : " هذا أحب أهل الأرض اليوم إلى أهل السماء " . وما كان من تائب شبّ عن طوق طغمة آل أبي سفيان , إذ قال : " هذه الخلافة حبل الله , وإن جدي معاوية نازع الأمر أهله , ومن هو أحق بها منه , علياً بن أبي طالب عليه السلام , وركب بكم ما تعلمون , حتى أتته منيّته , فصار في قبره رهيناً بذنوبه , ثم قلّد أبي الأمر , وكان غير أهل له , ونازع ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , فقصف عمره وانبتر عقبه , وصار في قبره رهيناً بذنوبه " .

ثورة الحسين وفاء للإنسانية والإنسان :
للإنسان هويةٌ ثابتةُ السمات , واضحة الصفات , جلية الإبعاد , لا تخفى على ذي لبٍّ منها خافية , وهي – أي الهوية – كالسماء الصافية في يوم صاف مزهر .
فإذا ران عليها ما يمحو عنها هذه السمات , وتلك الصفات , وهاتيك الأبعاد , حسبتها – والحسبان نظر دقيق – شرسة مشينة , ليس لها عند البهائم من نظير, وخلتها انحطاطاً نوعياً يتعالى عليها بجدارة التدني الوظيفي للحيوان , وصدق الله إذ يقول :
( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل ) الفرقان /44.
وسمات الإنسان وصفاته وأبعاده , التي تكوِّن هويته الثابتة هي : العدل والفضيلة والعلم والمسؤولية. ولسنا هنا في صدد تفصيل البحث فيها والحديث عنها , ولكن حسبنا أن نعلن , بعد قراءة مستفيضة لثورة الحسين , أنّ الحسين عليه السلام كان مَنْ جمع في إهابه الطاهر وركابه الماهر العدل على أشده , والفضيلة على أحسنها , والعلم على أوثقه , والمسؤولية على أتمها , فغدا بهذا الطرف الخيِّر الإنساني في صراعه مع الآخرين , الذين أكّدوا بأفعالهم وبأقوالهم بُعداً عدائياً عن العدل , ورفضاً شهوانياً للفضيلة , ونَفرة ملؤها الغرور الحاقد من العلم , وانعتاقاً من المسؤولية الإنسانية , ليُستبدل بها جهر بالفساد وإعلان بالسوء والشر.
وها نحن أولاء نذكر بعض ما جاء على لسان سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام, يحكي سبب ثورته ودافع قيامه : " هيهات منا الذلة ، يأبى الله ورسوله والمؤمنون ، وحُجُور طابت ، وبطون طهُرت ، وأنوفٌ حميَّة ، ونفوس أبية . ألا ترون أن الحق لا يُعمل به ، والباطل لا يُتناهى عنه ؟! فلا أرى الموت إلا سعادةً ، والحياة مع الظالمين إلا بَرَماً " الحق دافعه ، والقضاء على الظالم وراء خروجه ، ومحو الباطل واستئصاله همه الذي سكن صدره إذ ثار . ويتابع الإمام حكاية سرِّ الثورة فيقول : " إنا أهل بيت النبوة ، ومعدِن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله ، وبنا ختم . ويزيد رجلٌ فاسق ، شارب الخمر ، وقاتل النفس المحرَّمة ، ومعلنٌ بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله " .
نعم . ومثلُ الحسين عليه السلام في لُحمة الحق ومظهر دين الله ، لا يبايع يزيد في لحمة الشيطان ، ومظهر الباطل ، والإمام المؤهل للمبايعة هو مَن وصفه الإمام الحسين عليه السلام بقوله : " لَعَمري . ما الإمام إلا العامل بالكتاب ، والآخذُ بالقسطِ ، والدائنُ بالحق ، والحابسُ نفسه على ذات الله " .
ولعمري أنا يا إمام ، إنَّ ما ذكرتَ من صفات الإمام لا يعدوك إلى سواك ، ولا يتجاوزك إلى غيرك في عصرك ، فأنت العامل بالحق ، وأنت الآخذ بالقسط ، وأنت الدائن بالحق ، وأنت الحابس نفسَك على ذات الله ، أوَ لستَ القائل : " إني لم أخرج بَطِراً ولا أشِراً ، وإنما خرجت أطلب الإصلاح في أمتي جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم " .
رعيتَ يا حسين الأمة فأصلحتَ وقوَّمتَ مسارها ، بعد أن كاد يَعْوَجُّ – على أيدي هواة الاعوجاج – عن الجادة الصائبة ، فجزاك الله خيرَ ما يجزي مصلحاً عن أمته ، يا قائد الإصلاح في سياق الإخلاص .
وهاكم يا ثوار العالم رسالة الاستنكار ، يوجهها بقوة مرسلها ، الوثابة روحه ، النقيةُ الساميةُ نفسه ن إلى مَن حاد عن الحقيقة في توجهاته ، فباء بالفشل الذريع في نظر من أوتي عقله حكمة ، وقلبه فطنة ، وإنسانيته صواباً ، يقول في رسالته إلى معاوية :
" وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ، ولا أعظمَ نظراً لنفسي ولديني ولأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أفضلَ من أن أجاهركَ . لقد قلتَ فيما قلتَ : إني إن أنكرتُك تنكرني ، وإن أكدْكَ تكدني . فكدني ما بدا لك ، فإني أرجو ألاَّ يضرني كيدك ، وألا يكون على أحد أضرَّ منه على نفسك ، لأنك قد ركبت جهلَك ، وتحرَّضت على نقض عهدك ، ولعمري ما وفين بشرط ، ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والإيمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا وقاتلوا وقتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلَنا وتعظيمِهم حقنا . فأبشر يا معاوية بالقصاص ، واستيقن بالحساب ، واعلم أن لله تعالى كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وليس بناسٍ لأخذك بالظِّنة ، وقتلك أولياءَه على التُّهم ، ونفيِك إياهم من دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك للناس ببيعة ابنك الغلام الحدث ، يشرب الشراب ، ويلعب بالكلاب . ما أراك إلا قد خسرتَ نفسك ، وتَبَّرت دينك ، وغششت رعيتَك ، وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، وأخفتَ الوَرع التقي " .
وأخيراً : سيدي أبا عبد الله :
، أرفعُ لمقامِكَ تحية الحب والوفاء والولاء والثناء ، تحية الأمل في أن أُشملَ بشفاعتك يوم اللقاء الأكبر ، تحية الرجاء في أن أُسقى من كف جدِّك صلى الله عليه وآله وسلم على كفك شَربةً لا ظمأ بعدها أبداً ، فأنت مَنْ قلت :
وفينا كتاب الله أُنزلَ صادقاً وفينا الهدى والوحي والخير يُذكر
ونحن ولاة الحوضِ نسقي مُحبنا بكأسِ رسولِ الله ما ليس يُنكَرُ
وإني لأعلنها حباً وشغفاً ، فهل تقبلوني ؟!
سلامٌ عليك يوم ولدتَ ، ويوم خرجتَ ، ويومَ ثُرتَ ، ويومَ استُشهدتَ ، ويوم تُبعث شهيداً سيداً في رياضِ الخلود ، وسلامٌ عليكم جميعاً آلَ البيت ورحمةٌ من الله وبركاته ، إن ربي حميدٌ مجيد .
والحمد لله رب العالمين
ونواصل

راشد ميرغني
05-30-2010, 06:38 PM
الحسين قائد مسيرة الإصلاح

عاشوراء ذكرى ذات وجهين ، ذات مستويين : المستوى الأول ما قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه يوم نجَّى الله فيه موسى ، والمستوى الثاني مستوى استشهاد سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة ، وسبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيدنا الإمام الحسين .
أما المستوى الثاني فأنا أدعو كل شباب المسلمين ، أدعو كل رجال المسلمين إلى التعرف على مسيرة السبط الحبيب ، على مسيرة ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، على مسيرة ذلك الرجل الذي كان بجدارة المصلح الأول ، لأنه قال عن نفسه رضي الله عنه وأرضاه ، قال عندما خرج مستنكراً على الحاكم آنذاك على يزيد ، قال : " لم أخرج بَطِراً ولا أَشِراً ، وإنما خرجت أطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم " .
أتوجه الى شبابنا ، بل إلى ثوارنا من أجل أن يجعلوا من الحسين رائداً ، فالحسين ثائر مصلح ، ثائر مُسْتَهدٍ بهدي النبي عليه وآله الصلاة والسلام ، ثائر له في داخل كل مصلحٍ صادقٍ لمعة ، لأن الحسين رضي الله عنه من أهل الكِساء ، ومن أهل العَباء ، وهو خامس أهل الكساء الذين قال عنهم ربي عز وجل ﴿ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ﴾ الأحزاب : 33 سيدنا الحسين قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الترمذي : " حسين مني وأنا من حسين " قال عنه صلى الله عليه وآله وسلم وعن أخيه الحسن " الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا " بكى الحسين وهو صغير وكان رسول الله يخطب على المنبر ، فنزل وحمل الحسين وقال لفاطمة ، لأمه ، لأم الحسين : " ألم تعلمي يا فاطمة أن بكاءه يؤذيني ؟! " الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال عن الحسن والحسين : " سيدا شباب أهل الجنة " الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين وذلك حسب ما جاء في مسند الإمام أحمد نظر إليهم وقال : " اللهم اشهد بأني سِلمٌ لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم " حمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسين ووضع فاه على فيه ( فمه على فمه ) وقال : " اللهم اشهد بأني أحب الحسين ، من أحب الحسين فقد أحبني ، ومن أبغض الحسين فقد أبغضني ، اللهم أحِبَّ من أحب الحسين وأبغِض من أبغض الحسين " ويروي الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يُداعب الحسن والحسين فكان يقول : " هيا حسن " فقالت له السيدة فاطمة رضي الله عنها : ولِمَ تقول يا أبت هيا حسين ؟ فقال يا فاطمة : " أنا أقول هيا حسن ، وجبريل يقول : هيا حسين " .
هذه بعضٌ من ملامح سيدنا الحسين الذي استشهد في عاشوراء في سنة إحدى وستين للهجرة واستُشهِد معه - وهم مظلومون - أكثر من ستة عشر رجلاً من أولاد السيدة فاطمة رضي الله عنها . سيدنا الحسين لما خرج لم يخرج مُسلَّحاً ، وإنما خرج مستنكراً المنكر ، مستنكراً أن يبايع رجلاً فاسقاً ، لأنه تعلم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يرضى بمنكر وأن يقدم نفسه ضحية لدينه ، وأن يقدم نفسه قرباناً لمبدئه ، وهو الذي قال رضي الله عنه : " إن لم يستقم دين محمد إلا بقتلي فيا سيوف خذيني " خرج واستُشهد في كربلاء ، قُتِل مظلوماً رضي الله عنه ، قتله أعداء الإنسان ، قتله أعداء المعروف ، لأنه نادى بالمعروف ، لأنه أبى المنكر ، لأنه أبى أن يَحكم المنكرُ المجتمع ، قتله أولئك ولم يكتفوا بقتله بل مَثَّلوا فيه وجَزُّوا رأسه ، وحمل والي الكوفة رأسه هدية للملك آنذاك ، فراح هذا الرجل يعبث بعودٍ في يده في رأس الحسين وقد وُضِع على طبقٍ أمامه .
رضي الله عنك يا سيدنا الحسين ، يا أيها المصلح العظيم ، خرجت تطلب الإصلاح في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فأنا أنادي كل شباب أمة محمد أن يتخذوك منارة ، أن يتخذوك قدوة ، أن يقوموا وأن ينهضوا من أجل إزالة كل المنكرات في الدنيا ، لا أريد أن يزيلوها بقوة السلاح ما داموا لم يمتلكوا السلاح ، ولكن أريد أن يزيلوها بقدرة الإيمان ، بقوة الإيمان ، لما استشهد سيدنا الحسين كانت الدنيا تقول بحالها : لقد انتصر الحق ، وانتصر الدم على السيف ، رغم أنف السيف الذي كان ظالماً ، ولقد سطع دم الحسين نوراً لمن أراد أن يقول لنفسه وللناس أنا في ركب الإصلاح ، أنا في مسيرة الإصلاح . سأقرأ عليكم بعضاً من كلمات سيدنا الحسين ، لعل الناس تسأله عن بُعد : لِمَ خرجت يا إمام ؟ يقول : أيها الناس : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
" من رأى سلطاناً جائراً مُستَحِلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله " ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعَطَّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأَحَلُّوا حرام الله ، وحَرَّموا حلاله ، وأنا أحق من غَيَّر " لأن الحسين على خط الجد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وقال أيضاً لما طلب منه أن يبايع يزيد قال : " لا ، هيهات منا الذلة " إن لم يُنكِر الحسين فمن الذي ينكر ؟! إن لم ينكر سبط رسول الله الحبيب فمن ينكر ؟! تصوروا يا إخوتي لو أن الحسين استسلم وبايع لكان للدين مسار آخر ولاعوجَّ مسار الدين وحاشاه " هيهات منا الذلة ، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحُجورٌ طابت وبطون طَهُرت وأنوف حمية ونفوس أبية ، ألا ترون أن الحقَّ لا يُعمَل به ، والباطل لا يُتَناهى عنه ، فلا أرى الموت إلا سعادة ، ولا أرى الحياة مع الظالمين إلا بَرَماً " أي إلا مشقة وقسوة لا يقبلها الإنسان الصادق الفطري ويقول : " إنا أهل بيت النبوة ومَعدِن الرسالة ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر وقاتل النفس المحرَّمة ومعلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ، لَعَمري ما الإمام العادل إلا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط ، والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله ، إني لم أخرج بَطِراً ولا أشِراً وإنما خرجت أطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم " بعد استشهاد أخيه الحسن وقد قُتِل ودُسَّ له السم ، دخل سيدنا الحسين ، وكان سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنه في ظل الكعبة فلما أقبل الحسين قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : هذا اليوم – أي هذا الرجل في هذا اليوم - هو أحب أهل الأرض إلى أهل السماء . أَوَليس الحسين خامس أهل العَباء ؟! أَوَليس أهل العَباء هم الصفوة ؟! هم الذين جمعهم النبي ، جمع فاطمة والحسن والحسين وعلياً وقال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً " قال ذلك كما جاء في حديث الإمام مسلم .
تعلمون قصة المباهَلة ، وتعلمون أن القرآن الكريم دعا نصارى نجران إلى المباهَلة ، دعاهم على لسان النبي عليه وآله الصلاة والسلام إلى المباهَلة يجتمع هؤلاء مع النبي عليه وآله الصلاة والسلام وأهل بيته ويرفعون الدعاء ويقولون : ثم نبتهل إلى الله فنجعل لعنة الله على الظالمين ، ونقول اللهمَّ عليك بالظالم منا ، دعاه إلى المباهَلة ، فجاء أسقف نجران ورأى النبي عليه وآله الصلاة والسلام وقد حمل الحسين ووراءه الحسن وخلفه أمه فاطمة وخلف فاطمة علي ، رأى هؤلاء الذين جاؤوا للمباهَلة ، فقال أسقف نجران لجماعته - واقرؤوا ذلك في أسباب نزول آية المباهَلة - ﴿ قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الظالمين ﴾ آل عمران : 61 قال أسقف نجران : لا تباهِلوهم ، إني لأرى وجوهاً لو سألت الله عز وجل أن يزيل جبالاً لأزالها من مكانها . فأنا أرى أن لا تباهِلوهم وأن نذهب لمحمد ونقول يا محمد نتركك على دينك واتركنا على ديننا . هذا الرجل الذي كان عالماً بدينه رأى في وجوه هؤلاء هذا الذي قال ، فماذا ترون أنتم يا أمة الحسين ، يا أمة محمد ؟ ألا ترون في وجوههم نوراً يجب أن نستضيء به في حياتنا لنكون دعاةً إلى الخير لنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر من خلال دعوة دؤوبة إلى الله عز وجل حتى وإن استلزمت هذه الدعوة نفوسنا قدمناها لأننا أبرمنا عقداً مع ربنا عبر آية تقول ﴿ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتلون ويُقتَلون ﴾ التوبة : 111 ، هاكم الحسين رضي الله عنه أمامكم فسيروا على خطه ، وأعلنوا ولاءكم لسيدنا رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام ولمن كان يحبه رسول الله ولمن كان يحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
يا ربنا أسألك بحق آل بيت نبيك وبحق صحابة نبيك أن توفقنا من أجل أن نعلن راية الخروج على كل ظلم ، على كل طغيان ، على كل فساد ، يا ربنا اجعلنا نردد كلمة الحسين ، هيهات منا الذلة ، يا رب وفقنا وقونا وقو في رضاك ضعفنا واجعلنا من الراشدين يا رب العالمين ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير ،.

علي الخليفة عمر
05-30-2010, 07:27 PM
يا ربنا أسألك بحق آل بيت نبيك وبحق صحابة نبيك أن توفقنا من أجل أن نعلن راية الخروج على كل ظلم ، على كل طغيان ، على كل فساد ، يا ربنا اجعلنا نردد كلمة الحسين ، هيهات منا الذلة ، يا رب وفقنا وقونا وقو في رضاك ضعفنا واجعلنا من الراشدين يا رب العالمين ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير ،.

اللهم امين بارك الله فيك يا مولانا على هذا الكلام الطيب